ملخّص:
تناقش هذه الورقة البحثيّة القضيّة الإشكاليّة “سبينوزا متجاوزا ديكارت” انطلاقا من مقارَبةٍ مقارِنةٍ، لكشف التّمايزات والانفصالات والاتّصالات بين سبينوزا وديكارت، وذلك، باستحضار جملة من المفاهيم الأنطولوجيّة واللاّهوتيّة التي تمحور حولها الحوار والنّقد والنّقاش، كالجوهر والتّعالي والمحايثة والانفعالات والطّبيعة الإنسانيّة والسّياسة والعلم الطّبيعيّ، وإبراز الرّهانات المرتبطة بنزعة التّعالي وما يصاحبها من قول سياسيّ، وفكرة المحايثة وما ينتج عنها من ممارسة سياسيّة نابعة من الطّبيعة والعقل، وهدم فكرة التّفويض الإلهي. وتروم الدّراسة تبيان أنّ علاقة سبينوزا بديكارت، علاقة انفصال واتّصال، استيعاب وتجاوز.
كلمات مفاتيح: الجوهر، التّجاوز، التّعالي، المحايثة، اللاّهوت.
Abstract:
This paper discusses the problematic issue: “Spinoza beyond Descartes” from a comparative approach to detect distinctions, separations and contacts between Spinoza and Descartes and by invoking a variety of anthological and theological concepts around which dialogue, criticism and debate are centered human nature, politics and natural science, highlighting the stakes associated with superiority and the accompanying political saying s political practice stemming from nature and reason, and demolishing the notion of divine authorization. The study seeks to show that Spinoza’s relationship with Descartes, a relationship of separation and contact, absorption and transgression.
Keywords: essence, transgression, transcendence, eloquence, theology.
“لنا الآن أن نلج الأماكن الأبعد، لنا أن نحيا اللّحظات الأقصى، هناك حيث تنتصب الحقائق الأرقى”
Nietzsche, Par – delà le Bien et Le mal, Fragment 197.
1- مقدّمة:
حوار باروخ سبينوزا Baruch Spinoza (1677-1632) مع روني ديكارت René Descartes (1596-1650) على أرض الحكمة، حوار عمالقة الفكر الفلسفيّ الحديث، المطبوع بالنّقد والاستيعاب والتّجاوز، بحيث يمكن وسمهُ بأعمق حوارٍ وأشمل تجاوزٍ في تاريخ الأفكار. لقد استوعب سبينوزا ديكارت، وتجاوز معاني مفاهيمه الفلسفيّة الأنطولوجيّة واللاّهوتيّة، كالجوهر والصّفة والعلّة والغاية والطّبيعة الإنسانيّة والخلق والفلسفة العمليّة وعلاقتها بالدّين، وقضيّة الانفعالات وعلاقة كلّ ذلك، بالحياة السّياسيّة والاجتماعية. وهكذا، فإنّ غاية ورقتنا البحثية، ليست ادّعاء تحرير سبينوزا من قبضة ديكارت، لأنّ سبينوزا حرّر نفسَه بنفسِه من خلال بسط فلسفته الخاصّة به وعلى جميع المستويات، وإنّما إبراز التّقاطعات والتّمايزات والتّقابلات بين الفيلسوفين، معتمدين منهج المقارنة، مبرزين، إعجاب سبينوزا الشّاب بديكارت وبمنهجه الهندسيّ، إذ تبنّى مجموعة من المفاهيم الميتافيزيقية الدّيكارتية، مثل الشّكّ والتّركيب وفكرة البداهة والتّحليل الهندسي، المبنيّ على الانطلاق من مسلّمات وبديهيات مؤدّية لليقين. ثمّ انقلاب سبينوزا على ديكارت، مُطبّقا منهجه الهندسي، معيداً النّظر في معاني المفاهيم التي شكّلت العمود الفقري للتّأملات الديكارتية، حيث تبدّت المسافة واضحة بين الرّجلين، ما يوحي بهضم سبينوزا واستيعابه لديكارت في أفق التّجاوز على مستوى المعاني لا المباني، لأنّ كتاب سبينوزا العُمدة – الإيتيقا أو علم الأخلاق- زاخر بالمفاهيم الدّيكارتية ذات الأصل الأرسطيّ.
لقد أدرك سبينوزا عمق الطّريقة الهندسيّة المستوحاة من ديكارت، وطبّقها على موضوعات أنطولوجيّة ولاهوتيّة، لم يستطع حتّى ديكارت اقتحامها. إذا كان ديكارت، قد راهن على المتعالي واعتبره الضّمان الحقيقي لفكرة البداهة والوضوح، فإنّ سبينوزا أسكن الجوهر في مسمّى النّظام الطّبيعيّ العامّ، ألّه الطّبيعة، و”طبعن” الإله، ألّه الإنسان، وأنسن الإله، بغايات سياسيّة واجتماعيّة وقانونيّة. لتكون ورقتنا بذلك مقسَّمة إلى ملخّص عرضنا فيه الأطروحة الرّئيسة، ومقدّمة أبرزنا فيها أهمّية الحوار بين الفيلسوفين، وثلاثة محاور: وقف المحور الأول، عند حوار سبينوزا مع ديكارت حول الجوهر والصّفات والأحوال، وذلك بإبراز أوجه الاتّفاق والاختلاف، وعالج المحور الثّاني: ثنائيّة التّعالي كمرض وانحطاط نتيجة ما يترتّب عنه من أفكار سياسيّة، والمحايثة كقوة تجعل الإنسان كوناتوس قادر على الخلق والإبداع وتحقيق الرّغبات الحياتيّة، السّياسيّة والاجتماعيّة، وتطرّق المحور الثالث، إلى اختلاف وجهة الفيلسوفين حول مسألة الانفعالات، وأهمّيتها وأفقها السّياسيّ. وخاتمة بيّنا فيها أهمّية اللّقاء الفكريّ بين سبينوزا وديكارت. فما علاقة سبينوزا بديكارت؟ أهي انفصال أم اتّصال؟ وهل تجاوز سبينوزا فعلا ديكارت؟ وما هي أفق فلسفتهما؟ وكيف تمّ الخروج من فكر التّعالي إلى فكر المحايثة؟
2- حوار سبينوزا مع ديكارت على أرض الجوهر:
يُعرّفُ سبينوزا الإنسان، كونه، مجرد حال متناهٍ، أي إنّه ليس جوهرا مستقلا [1] عن النّظام الطّبيعيّ، أو أحد مخلوقات الإله، ولكنّه، قدرة نشطة، نشاط الذّات الإلهيّة، ولأنّه لا يوجد سوى جوهر واحد، هو الجوهر نفسه أو الوجود (لا يمكن أن يوجد أيّ جوهر خارج الله ولا أن يُتصوّر) [2]. إنّ العالم وما يحتويه من أشياء أساسها جوهر واحد. ماهيّته هي قدرته، تنطوي على وجوده[3] باعتباره علّة ذاته، وعلّة جميع الموجودات، لأنّ الجوهر يحمل معنى الله أو الطّبيعة أو النّظام الطّبيعيّ الكلّي، يتناسل إلى صفات لامتناهية، والصّفات تنحلّ إلى ما لا يتناهى من الأحوال والآثار. واعتبار الإنسان حالاً، لا يعي من وجوده إلاّ صفتين: الفكر والامتداد، فالإنسان لا يوجد إلاّ بالشّكل الذي هو عليه ولا يعي إلاّ ما يكونه، أمّا باقي الصّفات، لا يعيها كونها جزءاً من النّظام الطّبيعيّ. وعليه، يكون سبينوزا قد تجاوز رؤية ديكارت، المُؤكّدة أنّ الإنسان جوهر[4]، وأنّ الفكر أيضا جوهر، لأنّ ديكارت يقول بتعدّد الجواهر وتفاضلها في ما بينها، تبعا لميتافيزيقا التّعالي التي قال بها ديكارت، وعمل سبينوزا على نقدها وتقويضها بمبدأ المحايثة. إذا كان ديكارت، يعتبر أنّ الفكر جوهر الإنسان المتمثل في الكوجيطو، فقد عمل سبينوزا على إجراء قلب جذريّ متجاوزا كلّ تجريد أو رؤية قبليّة أو فوقيّة متعالية للإنسان والأشياء. وتعويضها برؤية إيتيقيّة يمكن الاصطلاح عليها بفيزياء الوجود حيث النّظر في الموجودات كقوى Puissances وقدر ورغبات تتّخذ شكل نظام من الأفعال والانفعالات، وبموجب ذلك، تتحدّد الموجودات في النّظام الطّبيعيّ ككيفيّات، وليس كماهيّات وجواهر، وليس كقيم أخلاقيّة تراتبيّة [5].
وبالتّالي، يكون سبينوزا قد تجاوز الفلسفات التّقليدية الأرسطيّة والأفلاطونيّة وفلسفات العصور الوسطى وفلسفة ديكارت التي تأسّست على النّظر في الأشياء تفاضلا كالتّفاضل بين الجواهر الدّيكارتيّة والتّفاضل بين المقولات الأرسطيّة أو التّفاضل في المرتبة الأخلاقيّة لاهوتيّا. وهكذا، (فالفلاسفة يبلغون قمّة الحكمة بإسداء شتّى أنواع المديح لطبيعة إنسانيّة لا وجود لها إطلاقا وباستهجان الطّبيعة الإنسانيّة الموجودة حقا، فهم لا ينظرون إلى البشر على حقيقتهم وإنّما على نحو ما يرغبون)[6].
أصبح الإنسان من منظور سبينوزا، حالاً ضمن النّظام الطّبيعيّ العامّ الذي تخضع له جميع الأشياء المترابطة في ما بينها بحيث لا يمكن لأيّ شيء جزئيّ، أعني أيّ شيء متناه ومحدد الوجود، أن يوجد وأن يتحدد إنتاجه لمعلول ماَ إن لم يتحدد وجوده وإنتاجه لهذا المعلول بعلّة أخرى هي ذاتها متناهية ومحددة [7]. معنى ذلك أن سبينوزا لا يقول بفكرة العلة الأولى، المتعالية عن الأشياء، وأنّ الإنسان في فكر سبينوزا ليس معلول، فلا أثر هنا لثنائية الخالق والمخلوق، العلة والمعلول، وفي ذلك تجاوز للدّراسات التي تعتبر سبينوزا ديكارتيّاً حتى النخاع، وأنّه لم يستطع الإفلات من قبضة ديكارت، خاصّة على المستوى الفكري. بينما الأمر عكس ذلك لأنّ النّاظر في المتن السّبينوزيّ مفاهيمَ وتصوّراتٍ، يدرك الاختلاف بين سبينوزا وديكارت. لكن، إذا كان الفكر الدّيكارتيّ لم ينتج البذرة الحيّة التي خرجت منها فلسفة سبينوزا، فإنّه على الأقلّ مكّنها من أن تصبح بالخصوص فلسفة، لأنه أمدّها أو أوحى إليها بمنهج [هندسيّ] قادر على حلّ الإشكال الذي تطرحه كلّ نظريّة لوحدة الوجود: أي اختزال تمييزات الواقع وتقابلاته في الوحدة المطلقة للوجود دون القضاء عليها)[8].
طبق سبينوزا المنهج الهندسيّ الدّيكارتيّ واستفاد منه[9]، لكنّه تجاوزه، وطبّقه في مجالات لم يستطع ديكارت نفسه الخوض فيها، لأسباب متعدّدة (دينيّة وسياسيّة). إذا كان سبينوزا، قد انتقد نظريّة تمييز المقولات لدى أرسطو Aristote (384 ق م- 322 ق م) لأنّها تناسب مبدأ التّعالي وليس المحايثة، فإنّ ديكارت لم يستطع الإفلات من قبضة التّمييز الأرسطيّ، محدثا تفاضلا بين المفاهيم والمقولات، يقول ديكارت: (غير أنّ التّمييز على ثلاثة أضرب: الأوّل؛ التّمييز الواقعيّ، والثّاني التّمييز من حيث الحال، والثّالث التّمييز العقلي أي الذي يكون من عمل الذّهن) [10]. والتّمييز الحقيقيّ تمييز جوهرين واقعيين: الله جوهر، والطّبيعة جوهر آخر، غير أنّ الله بوصفه جوهرا أفضل وأعظم مرتبة من جوهر الطّبيعة، لأنّ الله جوهرٌ متعالٍ عن الطّبيعة، الأمر ذاته بالنّسبة إلى علاقة الله بالإنسان، حيث التّمييز والأفضليّة. علماً أن فكرة التمييز وتعدّد الجواهر تعود إلى أرسطو[11] غير أنه تمييز على مستوى المقولات الذهنية، بينما تأسّس تمييز ديكارت تبعا لعمليّة الملاحظة الخارجية، حيث (يجعل التمييز الحقيقي خارجيّا… تمييزا حاصلا بالمشاهدة، بالتّمثّل، أي أنّه يُدرك في الواقع المباشر) [12]، كوفاء ديكارت لمنهجه، حيث اعتبر الذّات المفكّرة هي جوهر الإنسان وأساس الفكر والتّمييز وليس الارتباط بالحواسّ لأنّها نسبيّة ولا يمكن الاطمئنان إلى معرفتها، لذلك، بحث عن (الطّريقة الصّحيحة المُوصلة إلى جميع الأشياء التي يقدر عليها العقل) [13].
رفض سبينوزا نظريّة التّمييز العدديّ، ليس بغاية، أنّ الله جوهر يتعالى عن التّمييز أو أنّه يُشكّل مع ذاته وحدة وكياناً تامّاً لا تمييز في باطنه، وإنّما إقرار سبينوزا، أنّ الجوهر يتميّز في ذاته وفي ماهيّته، بمعرفة العقل لأحواله وصفاته وانفعالاته، عكس فلسفات التّعالي، سواء في الفكر الدّيني الإسلاميّ أو المسيحي، حيث الاعتقاد أنّ الله يتعالى على التّمييز والاختلاف [14]. وهكذا، نميّز بين موقفين مختلفين، بخصوص قضيّة تعالي الله عن التّمييز: موقف يقول بتعالي الله جوهرًا على الموجودات، وليس كمثله شيء، وقد تجسّد ذلك في الفكر الدّينيّ، وهو موقف قديم. وموقف ثان يعترف محايثة الله الأشياء [15]، يمثل ذلك، الفكر الرّواقيّ والمسيحيّة، وبعض التّصورات الفرديّة لمتصوّفة الإسلام خاصّة مع ابن عربيّ والحلاّج صاحب فكرة الحلول.
يخالف سبينوزا كلّ التّصوّرات التي قامت على أساس التّعالي لأنّها تعتبر الجوهر أو الله يصعب تحديده عقليّا وتمييزه بالقياس إلى الموجودات الأخرى[16]. ما عاد الله بعيدا عن الفهم الإنسانيّ، إذا كانت فلسفات الفناء الشّرقيّ، ومعها الفكر الدّينيّ الإسلاميّ والمسيحيّ واليهوديّ، تعتبر أنّ الله منفلت من المعرفة في ذاته وعن طريق العقل، فإنّ سبينوزا، يؤكّد قدرة الإنسان على الفهم وإدراك الله في ذاته ومعرفة ماهيّته لأنّه هو النّظام الطّبيعيّ. حيث أفول التعالي وتوطيد المحايثة؛ جعل كلّ شيء في حدود الفهم البشريّ وإذا لم يستطع الإنسان فهم شيء، فليس لأنّه غير قابل للفهم، وإنّما لمحدوديّة العقل، وإذا توفّرت الشّروط، فإنّ الفهم يتحقّق. فما الغاية من أفول التّعالي وترسيخ فكر محايث؟
3- من التّعالي باعتباره مرضًا وانحطاطًا إلى المحايثة بصفتها قوّة:
يتأسّس المشروع السّبينوزيّ، على فكرة المحايثة وليس التّعالي. (الانتقال من تعدّديّة وجوديّة تفترض تعاليا إلهيّا، كما سادت في الفكر اللاّهوتيّ والميتافيزيقيّ، إلى أحاديّة وجودية تؤمن بالتّوازي Parallélisme والتّساوي) [17]. لأنّ هدم فكرة التّعالي. تأسيس لرؤية جديدة واقعيّة تقتضي إعادة التأسيس والتأصيل للدّولة ومعالجة الحقّ الطّبيعيّ للفرد دونما اعتبار للدّولة والدّين[18]. تلك غاية سبينوزا من فكره الإيتيقيّ، بيان تهافت الأفكار السّياسيّة المتعالية، في أفق تغيير الممارسة السّياسيّة، خاصّة ما يتعلّق بالدّولة وطبيعة السّلطة السّياسية، وعلاقة الحاكم بالمحكوم، وتأكيد الدور المركزي للعقل والأرض والواقع، فالكوناتوس قادر على بناء معالم نظام سياسيّ يتماهى وطموحات الإنسان. ينتج عن ذلك فلسفيا، تحوّلات هائلة في مفهوم الأخلاق والسّياسة والمجتمع والوعي[19]. بينما لم يستطع ديكارت René Descartes الإفلات من قبضة التّصوّرات المتعالية، خاصّة فكرة تعالي الله، وأنّه الضّامن حصول تمييز الأشياء، لأنّه منح الإنسان القدرة على التّفكير والوصول إلى الحقيقة [20].
جعلت مراهنة ديكارت على فكرة الضّمان الإلهيّ، رؤيته الفكريّة مطبوعة بالغرابة والالتباس. فكيف جاز القول إنّ الإرادة الإلهيّة هي التي ترعى الفكر وتضمن للعقل إدراك الحقائق البديهيّة؟ علما أنّ العقل جوهر، عند ديكارت، بل، أكثر من ذلك، يحمي الضّمان الإلهيّ العقل من الشّيطان الماكر Le malin génie، وما الشّيطان الماكر؟ هل الشّيطان على حقيقته كما هو متداول في خطاب اللاّهوت أم إنّه يرمز للانفعالات والطّبيعة الإنسانيّة؟ وبالتّالي، يصير ما ادّعى ديكارت أنّه بديهيّ وحقيقيّ ولا يتطرّق إليه الشّكّ، غامضاً وملتبساً، لأنّه إذا سقطت فكرة الضّمان الإلهيّ، سقطت فكرة الوضوح والتّميّز، ويكون الدّليل الأنطولوجيّ الذي راهن عليه ديكارت غامضا، لأنّه يصادر منذ البداية على الكائن الأعلى. بمعنى، أنّ ديكارت لا ينطلق في الحقيقة أثناء عمليّة التّفكير من الذّات، وإنّما من الضّمان الإلهيّ، الذي يضمن للعقل إدراك الحقائق، ومن الذّات المدركة إلى النّتيجة، ومن النّتيجة إلى معرفة العلّة الأولى أو الله. فلماذا الوصول لله وهو أصلا الضّامن الحقيقيّ؟ يدور ديكارت في حلقة مفرغة. هل يمكن أن ندرك نظام الأشياء والأفكار عن طريق الضّمان الإلهيّ؟ وهل يمكن للعقل أن يدرك ويعرف بشكل واضح الله أم أنّه يصف ولا يستطيع معرفته؟ ولماذا لم ينطلق ديكارت من فكرة الله بالفهم والتّحليل والاستيعاب، ما دام الله صاحب الضّمان؟
نرى أنّ الفلسفة الدّيكارتيّة خاصّة في شقّها اللاّهوتي، متأثّرة بالمسيحيّة المرتبطة (بالأرسطيّة)[21]. بينما تأسّست فلسفة سبينوزا على هدم وتقويض مبدأ التّعالي، واعتبار الله وخصائص الطّبيعة الإنسانيّة شيئاً واحداً، وأنّ تمييز الأشياء، تمييز في الذّات وعلى مستواها، لأنّ الجوهر واحد، يتضمّن في ذاته جميع الأحوال والصّفات الأخرى جميعها، فهي هو، وهو هي، بمعنى انعدام تعدّد الجواهر الذي آمنت به الدّيكارتية، غير أنّ سبينوزا، يعتبر الجوهرين جوهراً واحداً، يجمع بينهما في وحدة منسجمة ولا يفصل بينهما، كما سيجمع بين العقل والفلسفة، والسّياسة والدّولة والقانون المدنيّ. “لو كانت هناك عِدّة جواهر مُتميّزة، لكان تميّزها إمّا بتنوّع الصّفات، وإمّا بتنوع الانفعالات. فإذا كانت متميّزة بتنوع الصفات فقط، سلّمنا بأنه لن يعطى إلا جوهر واحد ذو صفة واحدة. أمّا إذا كانت متميّزة بتنوع الانفعالات، وما دام الجوهر متقدّما بالطّبع على انفعالاته، فإنّنا إذا تركنا هذه الانفعالات جانبا ونظرنا في الجوهر ذاته، أي نظرنا إليه بشكل حقيقي لم يكن تصوّره متميّزا عن جوهر آخر، وإنّما يعطى جوهراً واحداً فقط[22]“. يقول سبينوزا “لا يوجد جوهران متساويان- لا يمكن لجوهر أن ينتج جوهرا آخر- لا يوجد في عقل الله اللاّمحدود أي جوهر إلاّ كان قائما صوريّا في الطّبيعة[23]“. ممّا يظهر وفاء سبينوزا لفكرة المحايثة، و “أن هناك وحدة لكل وظائف الحياة الروحية، وحدة غير قابلة للتقسيم وكأنها مُنطويةً في داخل الوحدة المطلقة التي تحوي الكل[24]“، حتى لو تعلّق الأمر بصفات الله، الفكر مجرّد صفة تُضاف إلى باقي الصّفات الأخرى، وما ينطبق على الصّفة ينطبق على الإنسان كحال. لم يعد الإنسان متميّزا عن باقي الكائنات، والأهمّ، لم يعد الله أو الجوهر علّة متعالية خارج النّظام الطّبيعيّ، فالله نفسه محايث للنّظام الطّبيعيّ، والإنسان محايث لله وللنّظام الطّبيعيّ. “تجاوز سبينوزا ديكارت، وقبله أرسطو. صحيح أن سبينوزا يتفق مع المعلم الأول في أن موضوع الذهن هو الجسم، لكن، أرسطو لا يجعل الذهن والجسم على قدم المساواة، لأنه يجعل النفس متفوقة ومتعالية على الجسم، فالنفس صورة الجسم، والصورة تتعالى على مادّتها [25]“.
وهكذا، عمل سبينوزا على إجراء قلب جذريّ في طريقة التّفكير، مستنداً إلى المنهج التّركيبيّ، الذي تأسّست عليه الإيتيقا، حيث تبدو العلاقة واضحة بين الفكر والمعرفة. الفكر يقال بالتناسب والمعرفة مجرّد تحوّل في صفة الفكر، وليس وعياً أو منتوجاً خالصاً لذات سيكولوجيّة، أي إنّ الوعي والفكر ليسا جوهراً ثابتا، تنطلق منه الذّات لصياغة تصوّراتها وأفكارها البديهيّة. إنّ الفكر عند سبينوزا مجرّد تعبير عمّا ينطبع فيه من أثار آتية من العالم الخارجي، حيث الانفعالات. الفكر هو الانفعالات، الانفعال أصل، والوعي صفة وتعبير للطبيعة، بينما يعتبر ديكارت الفكر أصلاً منه تنطلق الأشياء والأفكار. إنّنا أمام تصوّرين، تصوّر ديكارتيّ ميتافيزيقيّ تقليديّ، يؤمن أنّ الفكر فعل لذات حرّة وواعية وصاحبة الإرادة، قادرة على فهم الأشياء التي تتبدّى أمامها كموضوعات، أي إنّنا أمام ثنائيّة الذّات والموضوع. وتصوّر سبينوزيّ يقول المحايثة. تغدو الذّات والموضوع شيئاً واحداً وأنّ الفكر والوعي ليسا جوهراً وإنّما صفة وفعل للطّبيعة. فيكون التّصوّر السّبينوزي الأرضيّة الأوّليّة التي سيتأسس عليها فكر نقد ميتافيزيقا الذاتية أو ميتافيزيقا الحضور والوعي ومساءلتها، كما أنها الأرضيّة الخصبة لتشكُّل فكر سياسي محايث.
وهكذا، إن فلسفة ديكارت تقليدية، لأنها تؤمن بوجود علّة خارجية متعالية، محدثة تمييز عددي يخص الجواهر، الجوهر الإلهي، والجوهر الإنساني[26]، وداخل الذات، هناك الفكر الذي يُجسّد هوّية الإنسان، بينما الجسم الممتد، ثانوي، بغاية توطيد دعائم المتعاليات التي يصعب فهمها في ذاتها، وإنما عبر العالم الخارجي وسيطاً، كالذات مثلاً، وهو ما يفسر انطلاق ديكارت من الذات المفكرة لإثبات وجود الله، عكس سبينوزا الذي انطلق من الله ذاته ليثبت وجوده، انطلاقاً من أحواله وصفاته، لذلك؛ حاول تخليص الأشياء من كل علّة خارجية ومتعالية، و( أن مساعي الطبيعة نحو الفهم لا تحتاج لعلّة خارجية، لكونها تنطوي في داخلها على سببها الباطني)[27]، في أفق تخليص السّياسة والدّولة من كلّ القوى المتعالية التي يتوسّل بها الحكام لإضفاء المشروعيّة على وجودهم السّياسيّ وتبرير سلطتهم بمعنى هدم فكرة التّفويض الإلهيّ.
يتطلّب الإصلاح السّياسيّ البدء بنقد أسس الأفكار السياسية حول الدولة وتفكيكها، وهو ما فعله سبينوزا حيث انتقد فكرة المتعاليات مركّزاً على فهم الطّبيعة الإنسانيّة لأنّ فهم هذه الأخيرة إصلاح للذّات وتجاوز الانفعالات السّلبيّة كالانتقام والحقد والخداع والغضب وتأكيد الانفعالات الإيجابيّة التي تحقّق الخير الأسمى للذّات والمجتمع وتتبدّى القدرة على التدبير المُعقلن ونقد أعطاب السّلطة عوض الخضوع لها مطلقا دون تقويم سياستها بحيث “يستطيع المرء أن يُفكّر وأن يُصدر حكمه ومن ثمّ يستطيع الكلام أيضًا بحرّية تامّة بشرط ألاّ يتعدّى حدود الكلام أو الدعوة وأن يعتمد في ذلك العقل وحده لا الخداع أو الغضب أو الحقد ودون أن تكون في نيّته تغيير أي شيء في الدولة بمحض إرادته[28]“. يقتضي الحديث عن الحياة السّياسيّة فهم الطّبيعة الإنسانيّة، بتبيان معنى الانفعالات وخصائصها وقيمتها. فكيف عالج كلّ من سبينوزا وديكارت مسألة الانفعالات؟
4- الانفعالات وجدل الكوجيطو والكوناتوس:
بخصوص ماهيّة الانفعالات، هناك اختلاف بين تصوّر سبينوزا وتصوّر ديكارت. يؤكّد ديكارت أهمّية الانفعالات وضرورة فهمها ومعالجتها بفحص أسبابها الأولى[29].غير أنّه يعالج إشكاليّة الانفعالات على ضوء الذّات المفكّرة وتحكيم الوعي أو العقل حيث اعتبار الفكر جوهرًا للوجود والأشياء[30] وكأنّ الانفعالات مستقلّة عن العقل، وهذا الأخير جوهر أساس للفهم، ومن ثمّ الإقرار بمنفعتها على ضوء ما يحدده الوعي، لأنّها -الانفعالات- تُقوّي الأفكار وتزيد من فترة ديمومتها واستمرارها في النّفس، ومن الأفضل للنّفس أن تحتفظ بها لفعاليتها[31] لكن لا يفهم أنّ فلسفة ديكارت تأمّليّة ونظريّة فقط، وإنّما ذات غايات فكريّة عمليّة لأنّ العلوم بالنسبّة إلى ديكارت ليست مجرّد معرفة نظريّة تأمّليّة كما كانت تنظر إليها المدرسة السّيكولائية بل هي امتدادات تقنيّة بـأفق عمليّ تروم تحقيق سعادة الإنسان وجعله سيّد الطّبيعة والمسيطر عليها. لم تمكّن المعرفة النّظرية ديكارت من الحصول على المبادئ العامّة في علم الطّبيعة لأنّ تحقّق ذلك يتم عبر اختبارها في مختلف المشكلات لمعرفة مدى دقّتها وأهمّيتها الواقعيّة ومدى قدرتها على تحقيق المنفعة. تقتضي المعرفة الدّقيقة بما يحيط بالإنسان فلسفة عمليّة، للاستفادة من ثمرات الأرض وكلّ أسباب الرّاحة كالصّحة وحفظ الحياة أي استخدام المعرفة العلميّة العمليّة لمعرفة القوانين الطّبيعيّة وتوظيفها لخدمة الإنسان بجعله سيّد الطّبيعة[32]. بينما يؤكّد سبينوزا بدوره أهمّية الانفعالات لارتباطها بالقانون الشّامل للطّبيعة بحيث يمكن اعتباره بمثابة القانون الأزليّ الذي لا يجب إغفاله أثناء الحديث عن نشأة المجتمع والدّولة والتّعاقد[33]. وإن فهم طبيعة الإنسان يعني فهم الانفعالات وترسيخ خصائص الذّات الإنسانيّة التي عبرها يتحقّق الفعل السّياسيّ وينفلت العقل من قبضة المتعاليات. بهذا المعنى يمكن الحديث عن السّياسة الإنسانيّة المتّسمة بالنّسبيّة والتّغيّر والحضور القويّ للعقل الذي أصبح مسؤولا عن سياسته وفكره وتصوّراته ولا يبرّر بوجود قوى متعالية لأنّ العقل والفكر شيء واحد كما الجسم والعقل بنية واحدة، ما عاد هناك تفاضل بين الهنا والهناك. تلك وحدة وجود تبدّت في معرض حديث سبينوزا عن الانفعالات السّلبيّة التي تتضمّن في ذاتها ترتيبا يحيل على الانفعالات الإيجابيّة. من رحم التناقض يظهر التّناغم، تتولّد الانفعالات من ذاتها وليس من الخارج ولا ترتبط بالتّعالي. ليس هناك عالم للحقّ وآخر للباطل فالعالم واحد يضمُّ كلّ شيء ولا وجود لتقابل بين الباطل السّياسيّ الأرضيّ والحقّ السّياسيّ المتعالي وظلم الحكّام لا يرتبط بالسّماء ولا يُبَرَّر ميتافيزيقيّا وإنّما هو ممارسة واقعيّة مرتبطة بذاتيّة الحاكم وكيفيّة تدبيره الشّأن السّياسيّ وعلاقة ذلك بأنظمة الحكم. لذلك يجعل مبدأ المحايثة السّياسيّة بالذّات تعيد النّظر في وضعيّتها وفي علاقتها بذاتها وبالآخرين وبالمجال السّياسيّ، بعيداً عن الارتباط أو التّماهي مع أيّة علّة مطلقة ومفارقة. وكأن سبينوزا يريد ترسيخ مبدأ مفاده ضرورة إقبال الإنسان على الحياة بإعداد النّفس جيّدا لتحقيق ما يحقّق سعادتها في الحياة والأرض[34]، في أفق التّدبير المعقلن للشّأن السّياسيّ وتدعيم فكر سياسيّ نابع من العقل ومحايث الواقع يعكس قدرة العقل على مواجهة الفوضى والعبث.
حديث سبينوزا عن الانفعالات النفسية غايته التّمهيد لمجال سياسي عقلانيّ، تلتحم فيه جملة من المفاهيم كالقوانين الكُلّية للنّظام الطّبيعيّ والطّبيعة الإنسانيّة والدّولة والعقل والحرّية والدّيموقراطيّة والرّفاهيّة، والسّعادة والقانون المدنيّ والعدالة. يتطلّب ذلك بذل الجهد للإفلات من السّلط المتعالية والإنصات لنداء العقل والتّحرر من المخاوف والأوهام والخرافات. إنّه السّبيل الوحيد الضّامن لحياة إنسانيّة مطبوعة بالكرامة الإنسانيّة والفعل الحر. الحرية يجب أن تتحقّق أوّلا على المستوى النّفسيّ لأنّ العبوديّة حالة نفسيّة مرتبطة بطبيعة الانفعالات النّفسيّة السّلبيّة، والواقع أن “أغلب من كتبوا عن العواطف وعن كيفيّة عيش النّاس إنّما يعالجون الأشياء التي هي من خارج الطبيعة لا الأشياء الطّبيعيّة التي تسير وفق القوانين المشتركة للطّبيعة. وأكثر من ذلك، يبدو أنّهم يتصوّرون الإنسان في الطّبيعة كما لو كان دولة داخل دولة. وفعلا إنّهم يعتقدون أنّ الإنسان يُخّل بنظام الطبيعة أكثر ممّا ينساق إليه وأنّ له سلطانًا مطلقا على أفعاله الخاصّة ولا يخضع إلاّ لنفسه وعلى هذا تراهم يبحثون عن سبب عجز الإنسان وتقلُّبه لا في قوّة الطّبيعيّة الكلّية وإنّما في عيب من عيوب الطّبيعة البشرية[35]“. خصوصا عندما يسقط الإنسان ضحيّة انفعالاته المدمّرة التي تشلُّ حركة العقل والتّفكير والتّأمل وتتوقّف إرادة الذّات، يصبح الفرد فريسة سهلة لمخاوفه وانفعالاته. وفي ذلك سقوط في استبداد الحُكّام، بمعنى آخر إنّ النّظام السّياسيّ ونزعة التّسلط لدى الحكام وقهر النّاس لا تجعلهم عبيدا لأن “العبوديّة” [36]، حالة نفسيّة وشعور ذاتيّ. وبالتّالي، تكمن أهمية الفكر الإيتيقيّ السّبينوزيّ في ضرورة إصلاح النّفس بجعل الذّات تستحضر الوسائل والقدرات الكامنة فيها جميعها للإفلات من وضعية العبوديّة بالتّكيّف مع الضّعف والانفعال السّلبيّ وفهمه وتجاوزه في أفق تحويله إلى انفعال إيجابيّ أي أنّ أصل عجز الإنسان عن التّحرّر هي الانفعالات السّلبيّة التي تجعل الذّات متعالية عن واقعها تعيش الأوهام متطلّعة إلى عالم الفضائل ليس انطلاق من وضعيّتها السياسيّة والاجتماعية الواقعيّة، وإنّما عن طريق الأحلام الطوباويّة المتمثّلة في الاستناد إلى المتعاليات.
وخلاصة القول، لقد أسست فلسفة سبينوزا لبراديغم جديد، تكون فيه جميع الأشياء الله والطّبيعة والإنسان والنّفس والجسم متساوية ومتوازية فلا تفاضل بين المفاهيم والمقولات. بخلاف فلسفة ديكارت التي رسخت نمطا فكريّا تقليديّا يقوم على تعدّد الجواهر وتفاضلها والمراهنة على التّعالي. والنّتيجة توظيف ذلك، لتأسيس قول سياسي ينهل المبادئ والمُثل والقيم من السّماء. بينما صار الفكر المحايث مع سبينوزا منبع الأفكار السّياسيّة وغدت الفلسفة عمليّة نمط عيش وإقبال على الحياة وتحقيق الخلاص هنا في الأرض وليس بالتّطلّع إلى عالم آخر. وإذا كانت فلسفات التّعالي قد أدانت الجسد والحياة، فإن فلسفة سبينوزا، تقويض للقيم المتعالية وترسيخ لفكر محايث.
المصادر والمراجع بالعربية:
-المصادر:
- ديكارت. (روني)، التأمّلات، ترجمة: عثمان أمين، منشورات المكتبة الأنجلو مصرية، دون طبعة، القاهرة 1947.
- ديكارت. (روني، مقالة الطريقة، لحسن قيادة العقل وللبحث عن الحقيقة في العلوم، ترجمة وتقديم وتعليق: جميل صليبا، اللّجنة اللّبنانية لترجمة الروائع، المكتبة الشرقية، الطبعة الأولى 2016، بيروت.
- ديكارت. روني، مبادئ الفلسفة، ترجمة عثمان أمين، دار الثقافة والنشر والتوزيع، دون طبعة، القاهرة.
- ديكارت. (روني)، انفعالات النفس، ترجمة وتقديم وتعليق: جورج زيناتي، دار المنتخب العربي للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، بيروت 1993.
- سبينوزا. (باروخ)، علم الأخلاق، الباب الثاني، القضية العاشرة، حاشية ولازمة، ترجمة: جلال الدين السعيد، مراجعة: جورج كتورة، المنظّمة العربية للترجمة، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبيعة الأولى، بيروت، 2006.
- سبينوزا. (باروخ)، الرسالة السياسية، ترجمة وتقديم: عمر مهيبل، مؤسسة مؤمنون بلا حدود لأبحاث والدراسات، الطبعة الأولى، الرباط 2018.
- سبينوزا. (باروخ)، رسالة في إصلاح العقل، ترجمة: جلال الدين سعيد، مراجعة: صالح مصباح، منشورات مؤسسة مؤمنون بلا حدود، الطبعة الأولى، الرباط 2017.
- سبينوزا. (باروخ)، رسالة في اللاّهوت والسياسة، ترجمة وتقديم: حسن حنفي، مراجعة: فؤاد زكريا، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، دون ذكر الطبعة، بيروت 2008.
-المراجع:
- حدجامي. (عادل)، فلسفة جيل دولوز عن الوجود والاختلاف، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى 2012.
- حداد. (فاطمة)، الفلسفة النسقية، ونسق الفلسفة السياسية عند سبينوزا، ترجمة: جلال الدين سعيد، مراجعة: صالح مصباح، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، الطبعة الأولى، الرباط 2017.
- دلبوس. (فكتور)، الإشكال الأخلاقيّ في فلسفة سبينوزا وفي تاريخ الفلسفة السّبينوزيّة، ترجمة وتقديم وتعليق: أحمد العلمي، منشورات أفريقيا الشرق، الطبعة الأولى، الدار البيضاء 2018.
- دولوز. (جيل)، سبينوزا فلسفة عملية، ترجمة: عادل حدجامي، دار توبقال للنشر، ومطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، الدار البيضاء 2015،
- سعيد. (جلال الدّين)، سبينوزا والكتاب المقدّس، الدّين والأخلاق والسّياسة، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، الطبعة الأولى، الرباط 2017.
- العلمي. (أحمد)، فلسفة الوجود والسعادة عند سبينوزا، منشورات أفريقيا الشرق، دون طبعة، الدار البيضاء 2015.
- لونوار. (فريديريك)، المعجزة السبينوزية، فلسفة لإنارة حياتنا، ترجمة محمد عادل مطيمط، دار التنوير للنشر والتوزيع، (دون ذكر الطبعة)، و(دون ذكر المكان)، 2020.
- كوبلستون. (فريديريك)، تاريخ الفلسفة، المجلّد الرّابع، الفلسفة الحديثة (من ديكارت إلى ليبنز)، ترجمة وتعليق: سعيد توفيق ومحمود سيد أحمد، مراجعة وتقديم: إمام عبد الفتاح إمام، المركز القومي للترجمة، الطبعة الأولى، القاهرة 2013.
– المصادر والمراجع بالفرنسية:
- Aristote, Catégories, Sur L’interprétation. Organon I- II. Trad: M. Crubellier, Dalimier et P. Pellegrin, éd. Flammarion, coll. GF Philosophies. 2007.
- Aristote, Traité de L’âme, éd. tricot, Vrin, 1982.
- Barouch Spinoza, L’Ethique. Trad: Bernard Poutrat, Paris 6, Seuil. 1991.
- Deleuze, Gilles, Spinoza philosophie pratique, Les Éditions de Minuit, Paris, 2003.
- Haïm Safran, Ethique et mystique, judaïsme en Terre d’islam. Maisonneuve et Larose. Paris 2001.
- Spinoza, Traité thélogico- politique, Traduction Par. C. Appuhn, Paris, GF Flammarion.
[1]– باروخ سبينوزا، علم الأخلاق، الباب الثّاني، القضيّة العاشرة، حاشية ولازمة، ترجمة: جلال الدين السعيد، مراجعة: جورج كتورة، المنظّمة العربية للتّرجمة، مركز دراسات الوحدة العربيّة، الطّبعة الأولى، بيروت، 2006. ص92. يَعتبر سبينوزا، أنّ الإنسان حال من الأحوال المتناهية، لأنّه محدود، عكس الجوهر اللاّمتناهي واللاّمحدود، أي إنّ الإنسان ليس جوهرا، وإنّما عرضا وحالا، بحيث (يقال عن شيء إنه متناه في ذاته عندما يمكن حدّه بشيء أخرمن نفس طبيعته) المصدر نفسه، الباب الأول: في الله، التّعريف الأول، ص31. ويضيف سبينوزا (أعني بالحال، ما يطرأ على الجوهر، وبعبارة ما يكون قائما في شيء غير ذاته، ويتصوّر بشيء غير ذاته). المصدر نفسه، الباب الأول، التعريفات، التعريف الخامس، ص31. و(أعني بالجوهر ما يوجد في ذاته ويتصور بذاته: أي ما لا يتوقف بناء تصوره على تصور شيء أخر). المصدر نفسه، الباب الأول، التعريف الثالث، ص31.
[2]– المصدر نفسه، الباب 1، القضية 14، لازمة. ص45.
[3]– Spinoza. Barouch, L’Ethique. Trad. Bernard Poutrat, Paris 6, Seuil, 1991 1ere Partie, Définition 1. P.15.
[4]– ورد في التّأمّل الثّاني من تأمّلات ديكارت، أنّ معرفة النّفس الإنسانيّة أهون من معرفة الجسد الذي يجب أن يوضع بين قوسين، لأنّ الإنسان حسب ديكارت جوهر مفكر، وهي حقيقة بديهية وواضحة ومتميّزة، يقول ديكارت: (… فبديهي كلّ البداهة أنّني أنا الذي أشكّ، وأنا الذي أفهم، وأنا الذي أرغب، ولا حاجة إلى شيء لزيادة الإيضاح). ديكارت، التأملات، ترجمة: عثمان أمين، منشورات المكتبة الأنجلو مصرية، دون طبعة، القاهرة 1947، ص98-100.
[5] Deleuze, Gilles, Spinoza philosophie pratique, Les Editions de Minuit, Paris, 2003. P. 57.
– وينظر أيضا:
– عادل حدجامي، فلسفة جيل دولوز، عن الوجود والاختلاف، دار توبقال للنّشر، الطّبعة الأولى، 2012، الدار البيضاء، ص58.
[6]– باروخ سبينوزا، الرّسالة السّياسيّة، ترجمة وتقديم: عمر مهيبل، مؤسّسة مؤمنون بلا حدود للأبحاث والدّراسات، الطّبعة الأولى، الرّباط 2018. ص37.
[7]– سبينوزا، علم الأخلاق، مصدر سابق، الباب 1، قضية 28، البرهان والحاشية، قضية 29 مع حاشيتها. ص61.
[8]– فكتور دلبوس، الإشكال الأخلاقيّ في فلسفة سبينوزا وفي تاريخ الفلسفة السّبينوزية، ترجمة وتقديم وتعليق: أحمد العلمي، منشورات أفريقيا الشّرق، الطّبعة الأولى، الدّار البيضاء 2018، ص69-70.
– ساهمت عدّة مؤثّرات في تكوين الفكر الفلسفيّ- السّياسيّ لدى سبينوزا، من أهمّها فلسفة ديكارت التي مدّت سبينوزا بتصوّر عامّ عن معنى المنهج، وفكرة البداهة العقليّة، وعن المفاهيم الميتافيزيقيّة واللاّهوتيّة، خاصّة الجوهر والصّفة والأحوال والمطلق واللاّمتناهي والعلّة بمختلف أنواعها، وأمدته الدّيكارتية بضرورة تحديد المشكلات التي عالجها خاصة ثنائية النّفس والجسم. (تاريخ الفلسفة، فريديريك كوبلستون، المجلد الرابع، الفلسفة الحديثة (من ديكارت إلى ليبنز)، ترجمة وتعليق: سعيد توفيق ومحمود سيد أحمد، مراجعة وتقديم: إمام عبد الفتاح إمام، المركز القومي للترجمة، الطبعة الأولى، القاهرة 2013. ص 285-286)
– لا يمكن إنكار تأثر سبينوزا بالتّراث اليهوديّ خاصة ما قدّمه الفيلسوف الإسباني حسداي كرسكاس (1340- م1412)، وهو من أبرز ممثّلي الفلسفة اليهوديّة بعد موسى بن ميمون.
-رأى كرسكاس أنّ المادّة توجد بشكل قبلي في الله على نحو مّا، باعتبار أنّ موجودا مّا لا يمكن أن يكون علّة شيء آخر، إلاّ إذا كان يمتلك في ذاته شيئا عن ذلك الشّيء. ( تاريخ الفلسفة، فريديريك كوبلستون، المرجع السّابق، ص288) وبالتّالي، قد تكون تلك الفكرة هي التي ساعدت سبينوزا على تطوير فكرة الامتداد وأنّها صفة للجوهر.
– وينظر أيضا:
– Haïm Safran, Ethique et mystique, judaïsme en Terre d’islam. Maisonneuve et Larose. Paris 2001
[9]– لا يمكن إنكار تأثير ديكارت في سبينوزا الشّاب، خاصّة على مستوى اللّغة الموظّفة والمفاهيم الواردة في الإيتيقا، فهي دليل الحضور القوي لمبادئ الفيزياء الديكارتية. لكن، عمد سبينوزا إلى استبعاد مضامينها نظرا إلى عدم جدواها ولا معقوليّتها. (فاطمة حدّاد، الفلسفة النّسقية ونسق الفلسفة السّياسيّة عند سبينوزا، ترجمة: جلال الدين سعيد، مراجعة: صالح مصباح، مؤسّسة مؤمنون بلا حدود للدّراسات والأبحاث، الطبعة الأولى، الرباط 2017، ص37).
-وقد صرّح بذلك في رسالته إلى تشيرنهاوس قائلا “أمّا الامتداد الدّيكارتيّ، بوصفه كتلة جامدة، فليس من الصّعب فقط، بل، من المحال إطلاقا أن نستنتج منه وجود الأجسام…، ولهذا فإنّ مبادئ ديكارت عن الطبيعة لا تجدي نفعا”. (فاطمة حداد، المرجع نفسه، ص37)
– وبالتّالي، يكون سبينوزا قد وجّه ضربتين قاضيتين لديكارت: ضربة لميتافيزيقاه المؤمنة بالتّعالي والتّراتبية، وتعدّد الجواهر. وضربة لمبادئ الفيزياء الدّيكارتية التي رأى سبينوزا أنّها عقيمة وعديمة النّفع والجدوى.
[10]– ديكارت، مبادئ الفلسفة، ترجمة عثمان أمين، دار الثّقافة والنّشر والتّوزيع، دون طبعة، القاهرة، دون تاريخ، ص، 94.
[11]– يعرف أرسطو الجوهر ”بكونه ما لا يسند إلى موضوع ولا يوجد في موضوع“.
– Aristote, Catégories, Sur L’interprétation. Organon I- II. Trad. M. Crubellier, Dalimier et P. Pellegrin, éd. Flammarion, coll. GF Philosophies. 2007. P. 123. .
[12]– أحمد العلمي، فلسفة الوجود والسعادة عند سبينوزا، منشورات أفريقيا الشّرق، (دون طبعة)، الدار البيضاء 2015، ص23.
[13]– المرجع نفسه، ص23.
[14]– المرجع نفسه، ص25.
[15]– تكمن أهمّية رؤية سبينوزا حول علاقة الله جوهرا بالإنسان في الفكرة الآتية: انعكاس عقل الله الأزلي في الجزء الأزلي من عقل سبينوزا الفاني. (جلال الدين سعيد، سبينوزا والكتاب المقدّس، الدّين والأخلاق والسّياسة، مؤسّسة مؤمنون بلا حدود للدّراسات والأبحاث، الطّبعة الأولى 2017، ص15)؛ أي يسعى سبينوزا إلى إثبات الجوهر الواحد والمطلق واللاّمتناهي، واعتباره مبدأ جميع الأحوال، في أفق استنباط الأفكار والتّصوّرات عن طريق الجوهر الواحد، التي تساعد على فهم الطّبيعة الإنسانيّة بمختلف تجلّياتها، من أحوال وصفات، بغاية “إرشاد الناس إلى سبيل الخلاص في الدنيا قبل الآخرة”. (جلال الدّين السّعيد، سبينوزا والكتاب المقدس، مرجع سابق، ص16)
– وبالتّالي، غاية سبينوزا التّأسيس لشروط وظروف، تساعد الإنسان على تحقيق الصّحّة النّفسيّة وحيازة السّعادة، لأنّ فلسفة سبينوزا Spinoza، تأمّل في الحياة لا في الموت، وأخلاقه أخلاق السّعادة، التي تتمّ بضمان أكبر عدد من الانفعالات الخلاّقة والمبهجة، في مقابل تراجع الانفعالات السّلبيّة وقلّتها.
[16]– من الأفكار الدّيكارتيّة البديهيّة والواضحة والمتميّزة فكرة الله. لكن، رغم بداهة الفكرة، فإنّ الله تجلّى للوعي بمثابة وجود متعالٍ ومفارقٍ وغير قابل للفهم والإدراك إلى درجة أنّ الإنسان يحسّ بالله اللاّمتناهي. لكنّه يعجز عن معرفته. عكس سبينوزا، الذي وضع الجوهر اللاّمتناهي في مكانه الأصليّ الذي يليق به، معتبرا إيّاه النّظام الطّبيعيّ وليس ماهيّة متعالية ومفارقة كما ذهبت إلى ذلك فلسفات التّعالي.
-أصبح الجوهر محايثا لنظام الأشياء. ومن ثمّة، أصبح في قدرة الإنسان فهم الجوهر واستيعابه وإدراكه وتكوين معرفة عنه. خرج الجوهر من دائرة المعرفة الصّعبة والمستحيلة إلى دائرة الإمكان المعرفيّ، فماهيّة الله هي عين قدرته، هي هو، وهو هي، وهي قدرة في متناول الفهم الإنسانيّ، صار الإنسان قادراً على أحوال الجوهر وصفاته ، وهي معرفة تؤدّي حتما إلى إدراك الطّبيعة الإنسانيّة بمعرفة أفعالها وانفعالاتها ورغباتها وقواها وقدرها، إدراك الوحدة بين الجسم والنفس، وتلك هي أعمق محايثة.
[17]– أحمد العلمي، فلسفة الوجود والسعادة عند سبينوزا، المرجع نفسه، ص. 26.
[18]– Spinoza, Traité thélogico- politique, Traduction Par. C. Appuhn, Paris, GF Flammarion, p. 261.
[19]– عادل حدجامي، فلسفة جيل دولوز، عن الوجود والاختلاف، مرجع سابق، ص64.
[20]– يتأسّس المشروع الدّيكارتيّ على فكرة بديهيّة واضحة ومتميّزة، يصعب الشكّ فيها، أعني فكرة الكوجيطو، التي تدلّ على الإنتاج الذّاتيّ الحرّ والخالص للمعرفة نتيجة تأمّل الذّات لذاتها فقط، لأنّ الإنسان عند ديكارت جوهره الفكر أو الوعي، عكس سبينوزا الذي يرى أنّ الوعي ليس جوهرا وإنّما فعل للجوهر فقط، ويغدو الفكر صفة وفعل للطّبيعة كجوهر، لأنّ الفكر عند سبينوزا يتحدّد كعمل للطبيعة وليس للفرد.
– الوعي ليس فعلاً ذاتيّا خالصاً كما ادّعى ديكارت وإنّما تعبير عن فعل الجوهر، فيصبح أصل الأفكار والحقائق عند ديكارت الذّات المفكّرة، بينما عند سبينوزا، معيار الأفكار الحقيقيّة كامن في ذاتها، فكلّ حقيقة هي فكرة صحيحة، تتضمّن الصّحّة والصّدق والصّواب والمطابقة في ذاتها.
[21]– ينتقد ديكارت René Descartes المنطق الأرسطي، نقرأ له ذلك “ولكنني عندما اختبرتها تبين لي فيما يتعلق بالمنطق أن أقيسته وأكثر تعاليمه الآخرى لا تنفعنا في تعلم الأمور بقدر ما تعيننا على أن نشرح لغيرنا من الناس ما نعرفه منها”. (ديكارت، مقالة في الطّريقة، ترجمة: جميل صليبا، اللّجنة اللّبنانيّة لترجمة الرّوائع، دون طبعة، بيروت 1970، ص98)
– لكن، الملاحظ أنّ ديكارت رغم انتقاده الشّديد لمختلف أنواع الأقيسة الأرسطيّة إلاّ أن تأثير أرسطو فيه واضح وجليّ، خاصّة في ما يتعلّق بنظريّة الفصل والتّمييز بين المقولات، لأنها تخدم مشروعه اللاّهوتي. إن “ديكارت ينسج على منوال المُعلّم، مهما أنكر وزعم أنه جددّ”. (فاطمة حداد، الفلسفة النّسقيّة، ونسق الفلسفة السياسية عند سبينوزا، ترجمة: جلال الدين سعيد، مراجعة: صالح مصباح، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، ومعهد تونس للترجمة، الطبعة الأولى 2017، الرباط، ص64).
[22]– سبينوزا، علم الأخلاق، مصدر سابق، ص34.
[23]– سبينوزا، رسالة في إصلاح العقل، ترجمة: جلال الدين سعيد، مراجعة: صالح مصباح، منشورات مؤسسة مؤمنون بلا حدود، الطبعة الأولى، الرباط 2017، ص84.
[24]– فكتور دلبوس، الإشكال الأخلاقي في فلسفة سبينوزا، وفي تاريخ الفلسفة السّبينوزيّة، المرجع نفسه، ص42.
[25] Aristote, Traité de L’âme, éd. J. tricot, Vrin, 1982, II, chap. p67
-أورده أحمد العلمي: فلسفة الوجود والسعادة عند سبينوزا، المرجع نفسه، ص118.
[26]– يُميّز ديكارت بين وظائف النّفس التي تمثّل الجوهر ووظائف الجسد الذي يضعه ديكارت بين قوسين. فكلّ ما يدركه الإنسان بالتّجربة يضاف إلى الجسد ضرورة وكلّ ما لا يمكن إضافته إلى الجسد ينتمي إلى النفس وحركة أعضاء الإنسان عندما لا تعتمد على الأفكار تنتمي مبدئيّا إلى الجسد.
– معنى ذلك أنّ من الخطأ القول إنّ النّفس وحدها هي مصدر الحركة. ومَردّ ذلك الاعتقاد بأن توقّف حركة الجسد أثناء الموت طريق لانعدام النّفس. وحسب ديكارت يُعَدّ هذا الاعتقاد متهافتًا رغم كونه مدخلاً أساسياً لفهم معنى الأهواء والانفعالات وإدراكها. (رينيه ديكارت، انفعالات النفس، ترجمة وتقديم وتعليق: جورج زيناتي، دار المنتخب العربي للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى1993، بيروت، ص17).
[27]– فكتور دلبوس، الإشكال الأخلاقيّ في فلسفة سبينوزا، مرجع سابق، ص42.
[28]– سبينوزا، رسالة في اللاّهوت والسياسة، ترجمة وتقديم: حسن حنفيّ، مراجعة: فؤاد زكريّا، دار التّنوير للطّباعة والنّشر والتّوزيع، دون ذكر الطبعة، بيروت 2008، ص446.
[29]– رينيه ديكارت، انفعالات النّفس، مصدر سابق، ص16.
[30]– المصدر نفسه، الصّفحة نفسها .
[31]– المصدر نفسه، الصّفحة نفسها، يرى ديكارت أنّ الانفعالات سبب مركزيّ نابع من الأرواح التي تحتويها تجاويف الدّماغ وتأخذ مجراها في اتّجاه الأعصاب.
– (المصدر نفسه، ص19) ، فيتوصّل ديكارت بتحليله العلميّ للانفعالات، إلى أنّ أغراضاً أو موضوعات تحرّك الحواس تثيرها، أي إنّ أصلها العالم الخارجيّ حيث الإدراكات الحسية وحينما نتصوّر شيئا جيّدا يتولّد فينا حبُّه وحينما نتصوّر شيئا سيّئا وضارّا يثير فينا الكراهيّة والنّفور. فمن المواضيع التي تثير الخير والشّرّ والحبّ والكراهيّة تتولّدُ الانفعالات والأهواء.
– (المصدر نفسه، ص19-0) يترتّب على ذلك من وجهة نظرنا، أنّ ديكارت لا ينظر إلى الانفعالات كأشياء في حدِّ ذاتها وأنّها جزء من الطّبيعة الإنسانيّة وإنّما يربطها بمؤثّرات العالم الخارجيّ وكأنّ الانفعالات ليست هي الطّبيعة الإنسانيّة، ولكنها تتولّدُ نتيجة احتكاك الذّات بالعالم الخارجيّ. أضف إلى ذلك، أنّه حصل تمييز بين الخير والشّرّ، المؤدّي إلى التّمييز بين الانفعالات، عكس سبينوزا الذي لا يصف الانفعالات بالخيّرة أو الشّريرة. فإذا كان ديكارت ينظر إلى الانفعالات من خارج الطّبيعة الإنسانيّة، وذلك بربطها بمؤثرات العالم الخارجي حيث تتدخّل الإدراكات الحسّيّة التي تجعل الذّات منجذبة نحو شيء ما، فإنّ سبينوزا يذهب عكس ذلك، بحيث ينظر إلى الانفعالات انطلاقا من الطّبيعة الإنسانيّة التي هي جزء من النّظام الطّبيعي العامّ.
[32]– روني ديكارت، مقالة الطّريقة، لحسن قيادة العقل وللبحث عن الحقيقة في العلوم، ترجمة وتقديم وتعليق: جميل صليبا، اللّجنة اللّبنانيّة لترجمة الرّوائع، المكتبة الشّرقيّة، الطبعة الأولى 2016، بيروت، ص196.
[33]– سبينوزا، رسالة في اللاهوت والسياسية، مصدر سابق، ص371. بتصرّف.
[34]– يبدو أنّ غاية سبينوزا، في متنه الموسوم بعلم الأخلاق أو الإيتيقا، بسط نظام أو نسق من المفاهيم الأنطولوجيّة- الإيتولوجيّة في حُلّة جديدة تساعد الإنسان على تحقيق حياة سعيدةٍ وحسنةٍ تكون مؤسّسة على رؤية إيتولوجيّة للجوهر والطّبيعة الإنسانيّة والتّدبير الجيّد للانفعالات أي على تصوّر محدّدٍ للجوهر والعالم والإنسان. ذلك ما يفسّر حديث سبينوزا عن الله في جزء أوّل بأكمله وينتهي بجزء مخصّص للبهجة أي للسّعادة القصوى والنّهائية وبين الحديث عن الله جوهرا وبين البهجة حديث عن الرّوح والجسد بإبراز أنهما صفتان أو واقعتان غير منفصلتين. (فريديريك لونوار، المعجزة السبينوزية، فلسفة لإنارة حياتنا، ترجمة محمد عادل مطيمط، دار التّنوير للنّشر والتّوزيع، (دون ذكر الطّبعة)، و(دون ذكر المكان)، 2020، ص133. بتصرّف).
[35]– سبينوزا، علم الأخلاق، مصدر سابق، ص145.
[36]– يعرف سبينوزا العبوديّة في التّمهيد الخاصّ بالجزء الرّابع من علم الأخلاق بقوله “أعني بالعبوديّة عدم قدرة الإنسان على كبح عواطفه والتّحكم فيها”. (سبينوزا، علم الأخلاق، مصدر سابق، ص 229) إنّ الخضوع للنّظام الطّبيعيّ الضّروريّ، يعني حصول الحرّيّة أي إنّ الحرّيّة هي الخضوع للضّرورة الطّبيعيّة والإنسان مجبر على الفعل لأنّ هناك ضرورة تدفعه وتحفزه على التّصرّف، فالضرورة هي النّظام الطّبيعيّ. “يقال عن شيء إنّه حرّ عندما يوجد بضرورة طبيعته وحدها ويحدّد فعله بذاته وحدها”. المصدر نفسه، الباب الأوّل، التّعريفات، شرح التعريفات، ص32.