ملخّص:
يتناول هذا المقال بالفحص والتّحليل العلاقة القائمة بين الحرّية والمساواة باعتبارها مسألة ظلّت تشغل حيزا هاما في اهتمامات الفلسفة العمليّة من خلال تغطيتها لمساحة تقاطع واضحة بين الفلسفتين السّياسيّة والاجتماعية وفلسفتي الأخلاق والحقّ. يكمن الغرض من التّساؤل حول التعالق بين هذين المبدأين المؤسّسين لأيّ نظريّة في العدالة بالدّرجة الأولى في فهم هذه الصّلة الإشكاليّة التي تجمع بينهما؛ وذلك من خلال عرض مختلف أشكال العلاقة التي تربط هذين المفهومين باعتماد مقاربة تحليليّة نقديّة تَكْشفُ حجج الآراء المتعارضة المتعلّقة بهذا الموضوع، وتهدف إلى تَتبِّعُ بعض الهفوات الخاصّة بكلّ أطروحة. كما يسعى في مرحلة ثانية ومن خلال عمل تركيبيّ، إلى الوصول إلى رسم ملمح فلسفي قد يشكّل السّبيل الملائم لتفادي التّنافر والتّوتر في ارتباط الحرّية بالمساواة، بما يساهم في بلورة مقترح يسمح بتوفير رؤية قادرة على بلوغ وتحقق مبدأ الحياة الجيّدة التي يتناغم فيها الخير والعدل.
الكلمات المفتاحية: الحريّة، المساواة، العدالة، اللّيبراليّة، اللّيبرتاريّة، المساواتيّة.
Abstract:
This article examines and analyses the relationship between freedom and equality. This connection has been figured out prominently in the interests of practical philosophy while embodying a strong intersection point between Political Philosophy, Social Philosophy, Morals Philosophy, and the Philosophy of Right. The purpose of questioning the relationship between these two founding principles of any theory of justice is represented in the understanding of this problematic relationship that unites them through highlighting its different aspects by adopting an analytic and critical approach that reveals the arguments of the opposing views related to this subject, and following some of the lapses of each thesis. This research tries as well in a second phase, through a synthetic work, to identify a philosophical feature that may constitute the appropriate way to avoid disharmony and tension in their connection, and can contribute to the crystallization of a proposal that allows providing a vision capable of achieving the principle of a better life in which Good and Justice can be harmonious.
Keywords: Freedom, Equality, justice, liberalism, Libertarianism, egalitarianism.
1- مقدمة:
لقد انشغلت البشريّة على امتداد تاريخها بقضيّة العدالة وسؤال تحقّقها، إذ كانت وما تزال مطلبا للشّعوب وهمًّا للأنظمة. لذلك انكبّ المفكرون والمصلحون والسّياسيون وغيرهم على القول فيها. وعلى الرغم من تنوّع نظريّات العدالة واختلاف مرجعياتها، فإنّ المتأمّل فيها يلاحظ أنّها تعود إلى مبادئ محدّدة كالفضيلة والمنفعة والرّفاه والحرّية والمساواة. ولا تخلو إحدى هذه النّظريات من أحد المبدأين الأخيرين-أي الحرّية والمساواة-أو هما معا، فنجد من يجزم بإمكانية تحديد العدالة في كونها كلّ القواعد الضّروريّة لضمان عيش مشترك يجمع أفرادا أحرارا ومتساوين[1]. وبما أنّ البشريّة قد حقّقت مع حقوق الإنسان والحريّة والمساواة في الفرص، خطوات جبّارة إلى الأمام، فإنّ هذين المبدأين المذكورين آنفا يعدّان اليوم من أهم ما حقّقته الحضارة الإنسانيّة، والدّليل على ذلك استحالة بلوغ مجتمع ما درجات الرّقي والتّحضّر في ظلّ غياب إحداهما. هذه الأهمّية البالغة لكلتيهما أكّدها “هيغل” عندما أقرّ بأنّهما المقولتان البسيطتان اللّتان نختزل فيهما غالبا ما ينبغي أن يكون التحديد الأساسي والهدف النّهائي للدّستور ونتائجه. ويستدرك بأنّه على الرّغم من صحّة ذلك، فإنّ عيبهما هو تجريدهما التّام. والنّتيجة أنّه إذا تمسّكنا بهذا الشّكل التجريدي، فإنّ هذه المبادئ إمّا أنّها تمنع تحقّق الطّابع الملموس للدّولة أي صياغتها في دســـتور وحكومة عامة، أو أنّها تؤدّي إلى تدميرها[2].
2- العلاقة الإشكالية بين الحرية والمساواة:
يبدو جليّا إذن أنّ هذين المفهومين وإن ظلاّ محطّ اعتبار وقيمة كبرى لدى الجماعات البشريّة، فإنّهما يطرحان مع ذلك أسئلة مقلقة فيما يرتبط بتعدّد دلالتيهما وما يخلقه من نقاشات حادّة، فضلا عن السّجال المتعلّق بحضورهما معا أو بحضور إحداهما وغياب الأخرى. نستحضر في هذا السّياق، كيف توجّهت الحركات الثّوريّة التي رفعت شعار العدالة منذ بداية القرن العشرين باندفاع شديد نحو وضع الدّعوة إلى المساواة الفعليّة على رأس مطالبها، و في المقابل تشكّلت تيّارات وآراء معاكسة للدّفاع عن إيلاء الحرّية الأهمّية القصوى، الشّيء الذي يضفي على العلاقة بينهما طابعا إشكاليّا عميقا إلى درجة صار فيها التّحدّي الفلسفي الكبير يتمثّل اليوم في القدرة على صياغة معادلات تجمع بين الحرّية ومبدأ المساواة، بمعناه الذي يمكن تحقيقه في المجتمعات المعاصرة من خلال الإنصاف في توزيع الخيرات والمنافع[3]. لكلّ هذا، وانخراطا في الهمّ الفلسفي الذي يجمع بين النّظريّة والبراكسيس، يسعى مقالنا هذا إلى البحث عن الصّيغة الأنسب لتصوّر يوفّر إمكانية ضمان تكامل الحرّية والمساواة بما يخدم بلوغ مجتمع عادل تكون فيه حياة الأفراد جيّدة. وفي هذا السّياق نهدف إلى فحص الإشكالية المتمثّلة في أنه إذا كانت الـــعدالة تشترط -على الأقل-الحرّية والمساواة، فإنّ السّؤال بخصوص طبيعة العلاقة بين هذين المبدأين وأهمّية كلّ منهما يطرح نفسه بإلحاح، لما لذلك من آثار ونتائج مباشرة ومتباينة على أيّ تصــــوّر للعدالة.
2- 1- علاقة الحرية والمساواة بين التكامل والتجاذب:
يرى ويل كيمليكا (Will Kymlicka) فيما يتعلّق بالجزء الأوّل من الإشكاليّة، أي العلاقة الممكنة بين المفهومين الرّئيسيين هنا، أنّ النّظريات السّياسيّة المعاصرة تميل إلى تقديم الانقسام بين الاتّجاه المدافع عن المساواة (المساواتيون) والاتّجاه المدافع عن الحرّية (اللّيبراليون)، على أنّه انقسام يتعذّر تخطّيه وأنّه مؤسّس على قيم عليا لا يمكن اختزال بعضها في بعض. وفي الوقت نفسه تميل هذه القيم إلى إخفاء التّفكريّة الأيديولوجية للمجتمعات الدّيمقراطيّة والتي قد تؤكّد أيضًا على المساواة من خلال تعريف نفسها ضد التّوزيع غير العادل للموارد الاجتماعيّة والتّأكيد على الحرّية من حيث أنّها تتحدّد بكونها ضدّ بسط هيـــمنة الدّولة.[4] كما يحضر هذا الرّأي في الحوار القوي الذي دار بين الفيلسوفين “جان نارفيسون” (Jan Narveson) و”جيمس صطيربا” James P. Sterba))، حيث يؤمن نارفيسون بأنّهما غير متوافقتين ويختار الحّرية كقيمة توجيهيّة له. بينما يدافع صطيربا من جانبه عن موقف يقرُّ بأنّهما ليستا متنافستين، ويؤكد على ضرورة أن تكون الحرّية في خدمة قضيّة المساواة بما هي رفاهية.[5] وهذا ما يذهب إليه معظم فلاسفة اليسار الذين يدافعون عن سيادة الثّانية على الأولى، لأنّ العدالة تفترض المساواة، وأنّها تتغلّب على جميع القيم السياسيّة الأخرى[6].وعليه، نستخلص أنّ هناك توجهين تختزل أفكارهما طبيعة العلاقة الممكنة بين الحرّية والمساواة على الرّغم من ضرورة الابتعاد عن التعميم الرّاديكالي، والانتباه إلى كون العديد من المفكرين الليبيراليي التّوجّه كجون راولز(John Rawls) أو جيمس ميد(James Meade) أو توماس ناجل (Thomas Nagel) أو توماس سكانلون (Thomas Scanlon) أو رونالد دووركين (Ronald Dworkin) قد دافعوا عن المساواة. وفي المقابل ذهب فلاسفة ينتمون إلى الفكر اليساري إلى إيلاء الحرّية الأهمّية القصوى كما هو الأمر مع جون بول سارتر (Jean-Paul Sartre) وماكس هوركهايمر(Max Horkheimer) أو أكسل هونيث(Axel Honneth) ، فضلا عن توفّر دلائل متعدّدة على كون الحرّية ذات قيمة أكبر من المساواة في أعمال جورج أورويل (George Orwell) الرّوائي المعروف بقناعاته الاشتراكيّة الدّيمقراطية المتعاطفة كثيرًا مع تطلّعات الطّبقة العاملة.
لهذا سنحاول في البداية مقاربة هذه المسألة المثيرة للكثير من السجال والجدل من خلال تتبع مختلف التيارات التي تناولت بالفحص والتحليل أوجه العلاقة القائمة بين المفهومين، مبتدئين بحجج التوجه المنتصر للحرية على حساب المساواة لننتقل فيما بعد لاستعراض دفوعات التيار المنتصر للمساواة، والذي لا يأل جهدا لإيلائها الأهمية القصوى باعتبارها الركيزة الأساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية*.
2-2- أولوية الحرية على المساواة:
يؤمن إشعيا برلين (Isaiah Berlin) -باعتباره أحد أبرز منظّري التّوجّه الأول بأنّ نموذج الانسجام بين القيمتين المذكورتين ليس غير واقعي وحسب، بل إنّه أيضا غير متسق لأن ضمان قيمة ما ينطوي بالضّرورة على التّخلي عن قيمة أخرى أو المساس بها.[7] أمّا وليام غراهام صومنر (G. Sumner William) الذي يؤسّس كلّ مذهبه على إقامة التّضاد الكامل بينهما، فيعرّف الحرّية بكونها تَوافُر الأمان الذي يسمح للفرد بأن يتصرّف بمنتوج عمله بالطّريقة التي يراها مناسبة، وأن السّعي إلى تقليص الفوارق الاجتماعيّة لا يؤدّي إلى تشجيع الأضعف والأسوأ بين أفراد المجتمع، بل يشجّع على الكسل ومعاكسة قوانين الطبيعة ذاتِها.[8] في حين دافع فريديريش هايك (Friedrich August von Hayek) على القيمة المركزيّة للحرّية ولم يُخف امتعاضه من المساواة وإنكاره لمفهوم العدالة الاجتماعيّة إلى حدّ أنّه ظلّ يرفض فكرة خلق مؤسّسات غايتها ضمان اشتغال المجتمع على أسس المساواة، الشيء الذي يمهّد الطريق نحو الاستعباد طالما وأنّه يتمّ عمليا استغلال هذه المؤسّسات لتعزيز أغراض أيّ مرشح يريد السّلطة بشكل سيئّ لفعل كلّ ما يلزم حتّى يكسب المعركة ويتمكّن من الحــكــــــــم. أما روبـــــيرت نوزيـــــــــك (Robert Nozick) الذي لا يعتــقـــد أنّ النـــــــاس يمتـــــلـــــكون أنفـــســــهم وفقط، بل يؤمن كذلك بأنّ حقّا أخلاقيّا آمرا بالقدر نفسه يخوّل لهم الملكيّة السّياديّة للموارد التي هي–بحكم تعريفها-غير متكافئة ويمكنهم الحصول عليها بجهودهم و/أو بجهود الآخرين. علاوة على ذلك، عندما تكون الملكيّة الخاصّة لهذه الموارد قد تمّ الحصول عليها بصورة مشروعة، فإنّ أصلها الذي لا جدال فيه أخلاقيا يحميها من نزع الملكية أو تقييدها مادام ذلك قد يمسّ من استقلالية الفرد وحرّيته[9].
ثمّة ملاحظات واعتراضات عديدة على هذا التّيار الأوّل، بحيث يؤدّي تبنّي هذه الرّأي إلى تكريس نوع واحد من الحـــــــــرّية وهو النّموذج السّلبي الذي يمكن للفرد من خلاله امـــتلاك ما يريد وفعل ما يشاء على أساس أنّ هذه الحرّية تفهم بكونها النّطاق الذي لن يجد فيه الفرد نفسه ممنوعا بإكراه الدّولة أو بعنف قرائنه[10]، كما أنّ ممثّلي هذا التّوجه يدافعون -إلى جانب منظّري الدّاروينيّة الاجـتــماعيّة- عن تشجيع التّفاوت واللاّمـــــساواة بين النّاس، ولا ينأون عن الدّفــــاع المستميت عن اقتصاد السّوق الحرّة، الأمر الذي أنتج المآسي وخلق آثارا مدمّرة على الإنسان وقيمه وبيئته الإيكولوجيّة، بالإضافة إلى توطيد علاقات التّفاوت والاستغلال بين الدّول والمناطق. إن كل هذه الانتقادات تجيز لنا التطرق للاتجاه المقابل المتبني للأطروحة المضادة أي لإعطاء الأولوية للمساواة على الحرية.
2- 3- أسبقية المساواة على الحرية:
تحضر المساواة في آراء التّوجّه المقابل كقيمة ذات مكانة خاصّة. كما أنّ مسألة هيمنتها على القيم الأخرى -وخاصة الحرية-تبرز بشكل متزايد، إلى حد أنّها قد صارت متفوّقة على الباقي، ليس بالضّرورة من خلال مكانتها في تراتبيّة القيم ولكن من خلال أولويتها على النّظام المجتمعي نفسه[11]. يجوز الحديث ضمن هذا التّيار الثّاني – أي التّيار المساواتي-عن فريقين. إذ تدافع الكوكبة الأولى عن الأولويّة المطلقة للمساواة، وضمنها يتراءى اسم غراكيس بابوف (Gracchus Babeuf)، الذي كان يعتقد أنــّها تستحقّ التّضحية بالحرّية من أجلها. كما بيَّن أنّ الطّريقة الوحيدة لضمان المســـــــاواة المادّية الصّارمة هي أن تدير الدّولة المجتمع على غرار الجيش للسّيطرة على جميع الممتلكات والإنتاج، وتعيين الجميع في وظائفهم، بل وتتحكّم في أفكار الجميع.[12] من جانبه، دافع كاي نيلسون (Kai Nielsen) عن مساواتيّة راديكاليّة من خلال القضاء على كلّ استغلال وسيطرة. وحسب رأيه، بات من الضّروري إذن تغيير البنية الأساسيّة للمجتمع لإزالة جميع الفوارق المرتبطة بالطّبقات الاجتماعيّة فتغدو الاشتراكيّة الدّيمقراطيّة النّظام الوحيد الذي يسمح بتحقيق مجتمع عادل، خاصة وأن المساواة مطلب جماعي كما هو فردي إلى حدّ أنّه اعتبر الفطرة السّليمة تنتصر لأطروحة المساواة التّامّة[13]. في حين يدافع الفريق الثّاني عن المساواة دون إنزالها منزلة المنافس للحرّية أو المقابل النّقيض لها، وضمنه نجد ألكسيس دو توكفيل (Alexis de Tocqueville) الذي مدح المساواة بشدّة وتمسّك بها واعتبرها الأرفع من منطلق أنّها مبدأ يغرس في عقل كلّ إنسان الاستقلاليّة، مصرّا في الوقت نفسه على أنّ الحرّية تكمّل المساواة، حيث لا يمكن أن يصير النّاس متساوين مساواة مطلقة إلا إذا كانوا أحرارا كلّ الحرية، وفي المقابل لا وجود للأولى في غياب الثّانية؛ فالحرّية لا يمكن أن تقوم في عصرنا من غير مساواة، بل إنّ الاستبداد نفسه لا يستطيع أن يحكم إلاّ بتأييد منها[14]. كما تتّخذ نظريّة رونالد دووركين وضعا مركزيا ضمن هذا التّوجه، فهو يؤمن بأنّ مؤسّسات المجتمعات اللّيبيراليّة لا تنتُج عن صراع القوى ولا عن حل وسط بين مُثُل من المفترض أنّها متعادية (يقصد الحرّية والمساواة) ولكن يجب فهمها على أنّها أثر للتّطبيق التّدريجي في أيّ مجتمع لمبدأ سياسي واحد هو المساواة الذي ينبغي أن يحكم جميع المؤسّسات بما يسمح بضمان الحرّيات الفردية، وإقامة الدّيمقراطيّة والسّوق ودولة الرّفاه، أي إقرار نظام الحرّيات الأساسية، والدّيمقراطيّة الدّستوريّة، واقتصاد السّوق، ولكن أيضًا التّدابير التي تهدف إلى التّعويض عن التّفاوتات بسبب الإعاقة وسوء الحظّ وتنوّع المواهب. لذلك يلزم حسب رأيه، التّوجّه نحو تصوّر ليبيرالي نموذجي للمساواة تكون فيه شرعيّة نظام الحكم مشروطة بمدى معاملة جميع مواطنيه واحترامهم ورعايتهم على قدر المساواة، مضيفا أنّه يلزم التّمييز بين معاملة أعضاء المجتمع بمساواة، وبين معاملتهم كمُتساوين. إنّ هذا التّصور اللّيبيرالي يمكّن دووركين من دمج المفهومين في نموذج واحد دون تصدّعات أو صراعات، لأنّ الأطروحة التي دافع عنها فيما يرتبط بالعلاقة بينهما تتمثّل في البرهنة على أنّهما لا يشكّلان مثالين مستقلّين يمكن أن يختلفا لسبب متضادّ، وإنّما يتضمّن المفهوم الأكثر تماسكًا للمساواة، إنّه مفهوم الحرّية الذي يعدّ جزءًا لا يتجزّأ منه[15]؛ مقتنعا أنّه لا يمكن أن تتوافق أيّ زيادة في المساواة في الموارد الماديّة مع التّقدم في النّموذج المعياريّ للمساواة إذا صاحبه انخفاض كبير في منسوب الحرّية بالنّسبة للبعض. وبهذا المعنى، يتمثّل مشروعه في إظهار أن الدّفاع عن الحرّيات الأساسية يندرج بالضّرورة في المعنى المعياري لمفهوم المساواة. ولهذا السّبب بالتّحديد تمكن من تأكيد كون “تكافؤ الحصول على الموارد يعتبر مفهوما ليبيراليّا متأصّلا للمساواة”[16].
تتوزّع معارضة هذا التّوجه المساواتي بين رؤيتين؛ أمّا الأولى فذات خلفية ليبيراليّة مغالية تنظر إلى المطالبة بالمساواة كـــــــــــــــكابح للمبادرة الخاصّة ومكبّل للإبداع والاجتهاد، فتغدو مصدرا لإحباط من هم أكثر إنتاجية ونشاطا وموهبة في المجتمع[17]. يحيلنا هذا إلى اتّهام أنصار المساواة بكونهم يدعمون اللاّمسوؤلية ويشجّعون التّطفّل على المنتجين. ويزعمون أنّها تدفع الدّولة إلى دعم الكسالى الأصحّاء الذين لا يرغبون في العمل.[18] إنّ هذه المقترحات تعزّز الاعتراض القائل بأنّ دعاة المساواة يتغافلون عن الحدود المناسبة لسلطة الدّولة، ويسمحون بإكراه الآخرين لغايات خاصّة أو لأسباب نفسيّة (الحسد، الحاجة للتّقدير…). كما يستند النيو ليبيراليون (اللّيبرتاريون) أيضا إلى هفوات العدالة التّوزيعيّة لدحض دفوعات هذا الاتّجاه، فهم يرون من النّاحية العمليّة أنّها تعيد جزئيًا التّوازن بين مستويات معيشة دافعي الضّرائب، ولكنّها في المقابل تحرم الأكثر حظًّا من جزء من دخلهم، وبالتّالي من حرّيتهم في الإنفاق. وبذلك يقرّون فساد الرّأي القائل بأن الضّريبة تعيد توزيع الثروة. بالإضافة إلى ذهابهم إلى رفض الحظر المفروض على التّمييز في التّوظيف الهادف إلى ضمان حقوق متساوية للجميع ليتمكنوا من العمل، لأنّه يحرم في تقديرهم أرباب العمل من حرّية اختيار المرشّحين على النّحو الذي يرونه مناسبًا. في حين تركّز الرّؤية الثّانية ذات الخلفيّة الماركسيّة في انتقادها لهذا الاتّجاه المساواتي على كون المساواة في الحقوق -باعتبارها أداة للهيمنة الأيديولوجيّة-تخفي التّفاوت الفعلي، الشّيء الذي يمنع جميع النّاس من التّمتع بكافّة حقوقهم وحرّياتهم على قدر كبير من المساواة. كما تنفي عن المساواتيّة أيّ قوّة معياريّة واصفة إيّاها بأنّها غير دالّة على أيّ مثال أخلاقي أو سياسي، فهي بمثابة شعار سياسي بورجوازي مفيد يدّعي لصالح البروليتاريا حقوق وامتيازات البورجوازيّة[19]. هذا دون إغفال اعتراض آخر يجمع بين الاتّجاهين، إذ يقول بكون المساواة تغزو الخصوصيات، وتثقل كاهل روابط الحبّ والعاطفة الشّخصيّة التي تكمن في قلب الحياة الأسريّة، من خلال تصميمها على تصحيح الظّلم المتصوّر في كلّ مكان[20]. كما قد تؤدّي المساواة، وفقا لوجهة النّظر هذه، إلى إقامة مجتمع متشابه نمطي وموحّد، بل وقد تكون سببا في استبداد الأغلبيّة، واحتمال ظهور استبداد ناعم في الدّيمقراطيّة. فتغدو بذلك مصدرا لإبادة الحرّيات، إذ تغيب حينئذ حرّية التّميّز، ويحرم الأفراد من الاستقلاليّة في قراراتهم الشّخصيّة وتقرير مصائرهم. وكدليل على ذلك، فإنّ بعض الأنظمة قد حدّت دائمًا وبشكل كبير من حرّيات الأفراد باسّم التّقدّم الجيّد للشّعوب وتحقيق المساواة في الظّروف المعيشيّة[21].
ننتهي في هذا الجزء الأول الذي أبرزنا فيه تقاطبا بين توجهين يكرسان منطقا تراتبيا للحرية والمساواة، بل ونفيا لأحداهما لدى بعض المنظرين، إلى أنه بالرغم من قوة وصلابة طروحات كل توجه إلا أنه يبقى عاجزا على تفادي بعض الهـفــوات التي يــفــرضها مطلب تحقيق الــعــــدالة وفق رؤية أســـاسها الخير. وهذا ما سنحاول الإجابة عليه في الجزء الثاني من هذا المقال.
3- محاولات متكررة لحل التقابل بين الحرية والمساواة:
بعد الوقوف على التّعارض بين الاتّجاهين المنتصر كلُّ واحد منهما إمّا للحرّية أو للمساواة، وتفحّص أسس تقاطعهما، واستعراض نواقص كلّ منهما، يغدو الأمر الملحّ في مرحلة ثانية هو البحث عن تصوّر بديل قد يصالح بينهما فتتوافقان أو تتكاملان من أجل بناء مجتمع عادل وجيّد. قبل مباشرة هذا الطلب، يجدر بنا الوقوف في البداية على ما قد يشكل مسوغا لمثل هذه الغاية ثم الانتقال إلى تبين بعض المحاولات السابقة مع الكشف عن مواطن تعثراتها.
3- 1- مبررات تأسيس تصور يوافق بين الحرية والمساواة:
يعدُّ مسعى التوفيق بين المفهومين قيد الدراسة مستساغا ومقبولا بالنّظر إلى حيثيات متعدّدة، منها أوّلا تناقض تراتبيّة القيم مع مفهوم الحقوق الأساسيّة التي تتعادل من حيث الضّرورة والأهّمية، ومنها ثانيا تلازمهما التّاريخي بحيث ظلّ التّقدم نحو المساواة والتّقدم نحو الحرّية يسيران جنبًا إلى جنب، إذ يضمن تحقّق إحداهما إرساء أقوى للثّانية. فالحرّية التي تطالب بها الدّيمقراطيّة مثلا كانت تهمّ الجميع، وليس البعض، وهذا يعني ضمنيًّا، إرساء شكل معيّن من المساواة بين النّاس. وفي المقابل فكلّ تطوّر في اتّجاه إرساء المساواة، بما هي إزالة لبعض الامتيازات، يعد تحريرا بالنّسبة لأولئك الذين عانوا من الحرمان والإقصاء النّاتج عن هذه الامتيازات[22]. ثمّ منها ثالثا أنّ كليهما مستمدّ من الأخلاق التي تتأسّس على قيمة الإنسان، لأنّ اعــــــــتبار النّاس في المنطلق كأشخاص يؤدي إلى تجاهل جميع الاختلافات الاجتماعيّة الخارجيّة والفوارق البيولوجيّة والجينيّة التي قد توجد بينهم، مما يسمح بجعلهم محترمين بالتساوي. وعلى هذا الأساس يتمّ منحهم في النهاية فرصًا متساوية للتّطوّر والازدهار. ومن ناحية أخرى نجد أنّهما يسعيان معا إلى أن يصبح كلّ إنــسان كــائنًا مستـقــلاً يتمّ تحــريره قدر الإمـــــــــــــــــكان من القيود الخارجيّة، حيث تتطوّر حرّيته ويتمّ احـترام شخصه، فينتج عن ذلك احترام كرامته وتحقيق ذاته[23].
3- 2- مساهمات فلسفية متعددة لحل إشكالية الاختيار بين الحرية والمساواة:
تسوّغ هذه المقدّمات المحاولات المتعدّدة المنشغلة ببلوغ مطلب توفيقي بين الحرّية والمساواة. ونستحضر من بينها، مساهمة جون جاك روسو (Jean J. Rousseau) في الفصل الحادي عشر من كتابـــــه ” في العقد الاجتماعي أو مبادئ القانون الإنساني“، ومنها ما ضمّنه بيير لورو (Pierre Leroux) وجون رايينو (Jean Reynaud) في “الموسوعة الجديدة”، دون أن نغفل اجتهادات كونسطونطان بيكور (Constantin Pecqueur) الذي شدّد على أنّ الحرّية الحقيقيّة تشترط المساواة في الأوضاع المادّية[24]. لنصل إلى النّظريّة اللّيبيراليّة المساواتيّة لجون رولز (Rawls John) التي يمكن إجمالها في أنّ العدالة إنصاف، وذلك بالعمل على بلوغ اتّفاق بالإجماع بين أعضاء مجتمع ما على مبدأين مرتّبين بحسب الأولويّة في ظلّ ظروف من الحياد القسري الذي تضمنه الوضعيّة الأصليّة للتّعاقد. وهكذا يتّفق الشّركاء، تحت ستار الجهل، على ضمان الحرّيات الأساسيّة الواسعة النّطاق قدر الإمكان كمبدأ أوّل، وضمان المساواة العادلة في الفرص، والاعتراف فقط بأوجه عدم المساواة التي ستعود بالفائدة على الجميع، لا سيّما على أشدّ الفئات حرمانا في المجتمع كمبدأ ثان[25]. وعلى الرّغم من جدة وقوّة بناء هذه النّظريّة، فإنّها تعرّضت للعديد من الانتقادات التي توزّعت ما بين لا واقعيّة الوضعيّة الأصليّة وحجاب الجهل، وصوريّة معايير مبدأي العدالة لديه، مما قد ينتج مؤسّسات متعالية، وتقييدها لكل الفوارق شريطة أن يستفيد الجميع منها بما في ذلك من قام باختيارات غير موفّقة، وتركيزها على الفرد على حساب الجماعة، وانتصارها للمساواة عند البعض، وقبولها باللاّمساواة عند البعض الآخر، بل إنّ نظريّة رولز لا تضمن مقتضى الإنصاف والمساواة وفيها إجحاف بحقّ الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصّة في نظر أمارتيا سن (Amartya Sen)[26]. يذهب هذا الأخير أبعد من رولز في اعتباره أنّ الوصول إلى “الخيرات الأوّليّة” لا يكفي لضمان عدالة المجتمع. فبالنّسبة إليه، يتعيّن علينا أن نهتمّ أيضًا بتحقيق المساواة في قدرات المواطنين (Citizen capabilities) للاستفادة من هذه الخيرات كالصّحّة، والتّفكير، وطول العمر المتوقع، وغيرها. على أن تُفهم القدرة بكونها جانب من الحرّية تمثّله حرّية الفعل والاختيار وخلق القيمة في ارتباط بالتّفاعل الاجتماعيّ وتوزيع القيمة المولّدة، حيث يصبح “مفهوم القدرة مرتبطا ارتباطا وثيقا بجانب الفرصة من الحرّية[27]. يدفع هذا الأمر بأمارتيا سين إلى التّمييز بين الحرّية من جهة ووسائل الحرّية من جهة أخرى. وهذه الأخيرة لا يتمّ اختزالها في أموال وممتلكات ماديّة ولكنّها تتضمّن كذلك الخيارات وباقي الموارد المتاحة للفرد. كما يؤكّد أنّ ازدهار الحرّيات وتأمينها للجميع بتساو يعدّان بتنمية للقدرات على تحقيق الذّات بالنسبة للأفراد، ومن ثمّ يتم بلوغ التّنمية الجماعيّة والتّطوير، فيعقب تحسين القدرات وضعية التّمكين بغضّ النّظر عن الأصل أو الجنس أو غيره. وهو ما سيساهم في تحقيق المساواة (Parity) بين النّساء والرّجال، ويحدّ من التّمييز والإقصاء. وعموما يستنتج أنّ المساواة الحقيقيّة في الفرص تنطوي بالضّرورة على المساواة في القدرات، وأنّ هذه المساواة يجب أن تستحضر دائما مفهوما آخر منافس لها أحيانا، ألا وهو الكفاءة. وهكذا نفهم رفضه للفهم الأحادي لمتطلّبات المساواة ودفاعه عن فهم متعدّد للحرّية[28]. وهذه المقاربة تثير عدّة اعتراضات تمسّ موضوعيّة وجدوى أفكاره بخصوص توافقهما من جهة، وتدحض من جهة ثانية نظرية القدرات باعتبارها تفتقد للدّقة والإجرائيّة كالصّعوبة البالغة لتعميم بلوغ القدرة على الاختيار واتّخاذ القرار بخصوص نمط العيش لكلّ أفراد المجتمع دون إعارة أيّ اعتبار لانتمائهم الطّبقي. بالإضافة إلى أن مصداقية حرّية التّفضيل تظلّ رهــيــنـة للرّأســـمــال الثّــقــافي والاجـتــماعي للفرد الــذي ليس مســؤولا عـنـه. كــما يُــــــــــــؤاخذ على تــــــصـــوّره التّـــعــــــــدّدي للمساواة والحرّية ممّا ينتهي به إلى السّقوط في نسبية يصعب للغاية تأسيس نظريّة للــعـــــــــدالة عليها[29].
ينطلق إتيان باليبار (Étienne Balibar) في محاولته المجدّدة لإيجاد توازن سليم بينهما وتجاوز منطق التّعامل معهما كمقولتين منفصلتين من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي يطابق بين الإنسان (في بعديه الفرديّ والجماعيّ) والمواطن باعتباره عضوا في المجتمع السّياسي. لهذا يعتبره مشتملا في الوقت نفسه على ضمانات ضدّ الاستبداد باعتباره مصادرة للحرّية، وضدّ الامتيازات باعتبارها نفيًا للمساواة. بناء على هذا الأمر نجده يشدّد على أنّه لا ينبغي البحث في الإعلان عن ديالكتيك الحرّية والمساواة الذي سيحاول تحديد العلاقات بين ماهيتين محدّدتين مسبقًا، وإنّما عن مماهاة المفهومين؛ فبيانات الإعلان تنصّ في الواقع على أنّ المساواة هي مطابقة للحرّية. إذ كلّ منهما هو بالضّبط “مقياس” الآخر. وهكذا، يتوصّل إلى استحداث عبارة مساوا-حرّية (Equaliberty) انطلاقا من مفهوم جديد للكونيّة خلقته “الثّورة الفرنسيّة” بناء على “الحقوق المتساوية”. وسيتمّ تأسيس هذه الكونيّة بشكل أساسي كوحدة مزدوجة من الأضداد: وحدة الإنسان والمواطن (بما فيها هوية المقصد)، التي تبدو الآن كمفاهيم مترابطة على الرّغم من كلّ القيود العمليّة التي تؤثّر على توزيع الحقوق والسّلط، والوحدة (بما فيها هوية المرجعيّة) التي تجمع مفهومي الحرّية والمساواة ذاتهما، واللّتان يُنظر إليهما على أنّهما وجهان لنفس ‘للسّلطة التّأسيسيّة’[30].
يمكن أن نوظّف المساوا-حرّية في نظر باليبار لتجاوز التّناقضات التي يواجهها المجتمع البورجوازي باستمرار، ومنها تلك المرتبطة بصعوبة الفصل بين الفضاءين الخاصّ والعموميّ، واختزال الحرّية في “المساواة في الأمن” باعتبارها حرّية ديمقراطيّة. كما يوفّر مزيدا من التّوسع والتّفصيل بشأن تشابك الدّولة القوميّة والدّيمقراطيّة والإدارة السّياسيّة الجماعيّة، فضلاً عن استيعاب العمليات والمطالب السّياسيّة المعاصرة. يتطرق باليبار في هذا السّياق، إلى تطوير المواطنة الاجتماعيّة، بل ويعتبر أنّ هذه الأخيرة ضرورية وذات أهمّية بالغة لفهم الأزمة السّياسيّة الحاليّة، فتصبح بذلك أداة للحفاظ على توافق الآراء السّياسيّة، وإنشاء مجال عامّ وسياسيّ حيّ، لأنّها تذكّي الصّراع داخل المؤسّسة التي عبّر عنها رأس المال والعمل، والملكيّة الخاصّة والتّضامن، والعقلانيّة التّجاريّة وعقلانيّة الدّولة، منبّها في الآن ذاته إلى ضرورة تفادي ربط تطوير المواطنة الاجتماعيّة بالدّولة القوميّة التي تستفيد من فرصة خلق انتماء وطني مشترك يتجاوز الاختلافات الطّبقيّة دون إلغائها ، كما تقتصر الكونيّة فيها على مجتمع المواطنين، وليس على جميع البشر.
واجه هذا المسعى الإبداعي لباليبار العديد من المؤاخذات والطّعون، بالرغم من جدّيته وإثارته لنقاش حيويّ من خلال وقوفه على مساحات ظلّ في الفكر الماركسيّ أو الليبيراليّ. تتوزع تلك المؤاخذات بين من يجد مركب المساوا-حرّية مجرّد مثال تاريخي مادام الدّيموس(الشعب) لا يمثّل حقّا الأساس الدّيمقراطيّ الفعليّ لصنع القرار، وبين من يرى فيه محاولة للجمع بين المتناقضات طالما أنّه يتعامل في الوقت عينه مع الدّولة والصّراع الطّبقيّ والاختلاف الأنثروبولوجي، داعيا إلى بناء سلوك عمليّ على جميع هذه المستويات في الآن ذاته، دون التّأكد من القدرة على توليفها. في حين يعتبر آخرون أنّ تفكير باليبار في هذا الشّأن بالإجمال يتركّز على تناقضات الخطاب الكونيّ في السّياسة، أي صدّ الاختلافات الأنثروبولوجيّة، ويؤدّي به هذا الأمر إلى الدّفاع عن “الحقّ في الاختلاف في المساواة” ليس إلاّ[31].
تقترح إليزابيت أندرسون (Elizabeth Anderson)، من جهتها، صيغة أخرى لحلّ استعصاء توافق الحرّية والمساواة. وهي إذ تنطلق من نفي كلّ تعارض بينهما، فإنّها ترجع زيف علاقة التّضاد بين المفهومين التي يؤمن بها البعض إلى اتّساع دلالتيهما، إذ استُخدما للإشارة إلى أفكار كثيرة جدّا بحسب السّياق التّاريخيّ. من أجل الإثبات التّجريبيّ لصدقية تناغم الحرّية والمساواة، تحيل على ما تعيشه المجتمعات الدّيمقراطيّة الاجتماعيّة بأوروبا؛ حيث يتّضح أنّ المساواة المعتدلة تتوافق مع الدّيمقراطيّة، ومع الحرّيات المدنيّة الواسعة، وحرّيات السّوق الأساسيّة إن كانت محدودة. بيد أنّها هاجمت التّوجه المساواتي الذي يتبنّى المساواة في الحظوظ القائمة على التّوزيع وفقا للحظّ والخيارات المرتبطة به طالما أنّه يصنّف النّاس على أنّهم محظوظون أو سيئو الحظّ. إنّ منظّريّ هذا التّيّار يؤسّسون لتراتبيّة أخلاقيّة بين متفوّقين أو تابعين. وبذلك، يهملون هدفهم “التّقليدي” المتمثّل في صدّ التّراتبيّة الاجتماعيّة، والوقوف أمام عدم المساواة في العلاقات الاجتماعيّة[32]. تختار أندرسون، في المقابل، بديلا آخرا تطلق عليه المساواة الدّيمقراطيّة التي تهدف إلى ضمان أن تكون العلاقات بين الأشخاص غير هرميّة ولا قمعيّة؛ لأنّ المساواة، في تقديرها، ليست مقياسا لتوزيع خيرات معيّنة فحسب، بل هي أيضا مقياس لنوعيّة علاقاتنا الاجتماعيّة. لهذا الغرض، تشدّد على أنّ المساواة الدّيمقراطيّة تدمج مبادئ التّوزيع مع المطالب التّعبيريّة للاحترام المتساوي في سعيها لبناء مجتمع من الأفراد المتكافئين[33]. إنّ هدف مبدأ التّوزيع، وفقا لها، يتمثّل في إقامة وتأمين العلاقات الاجتماعيّة المطلوبة التي تنطوي عليها العضويّة في مجتمع ديمقراطيّ، فتقترح لهذا الغرض نموذجا توزيعيّا موضوعيّا مختلفا يدعو إلى المساواة عبر نطاق واسع من القدرات يُستلهم من نظريّة أمارتيا سن، حيث لا يؤمّنُ هذا النّهج المستويات الفعليّة للأداء فقط، وإنّما يكفل الوصول الفعليّ إلى مستويات كافية من الإنجاز لتملك القدرات اللاّزمة للفعل لدى كلّ مواطن يتمتّع بالمساواة ممّا يسمح بتحقّق استقلاليّته الفرديّة. إنّ المساواة الدّيمقراطيّة، إذن، تضمن لجميع المواطنين الملتزمين بالقانون الوصول الفعّال والدّائم إلى الشّروط الاجتماعيّة لحرّيتهم. إذ تتمّ تعبئة المساواة كشرط من شروط الحرّية، لأنّها تسعى إلى إلغاء القمع النّاشئ اجتماعيًّا. وبما أنّ الأشخاص المتساوين لا يقيّدهم الآخرون، ولا يتمّ تهميشهم من قبل الغير، فإنّهم لذلك أحرار في المشاركة في الحياة السّياسيّة والمؤسّساتيّة، وهم أيضًا أشخاص لا يهيمن عليهم الآخرون، وبهذا فهم أحرار في اتّباع إرادتهم الخاصّة، لأنّهم أناس لا يستغلهم الآخرون ولا يخضعون لأيّ كان.
إنّ تفكير أندرسون في القضايا المرتبطة بشكل وثيق بالتّفاوت في المكانة وعدم تماثل التّمكين السّياسيّ والاجتماعيّ وغياب مبدأ المساواة في المعاملة، أي انتفاء الاعتراف[34]، قد دفعها إلى إرجاع الاختلالات المرصودة على مستوى العدالة الاجتماعيّة إلى ثلاثة أشكال من التّراتبيّات؛ وهي التّفاوتات الخاصّة بالمكانة وبالتّقدير وبالسّلطة. تعارض أندرسون مثل هذه التّراتبيات وتسعى إلى الاستعاضة عنها واستبدالها بمؤسّسات يرتبط فيها الأشخاص بعضهم ببعض تبادليا بشكل متساو. لذلك تسعى إلى أن تعامل الدّولة ومؤسّسات المجتمع المدني أفراد المجتمع على قدر المساواة؛ وأن يُعترف بهم كمتساوين في الكرامة والاحترام (التّقدير)؛ وأن تكون لديهم أصوات متساوية والإمكانية نفسها للمشاركة السّياسيّة في الدّول الدّيمقراطيّة (السّلطة). وبما أنّها تتبنى ثلاثة تصوّرات للحرّية (سلبيّة وإيجابيّة وجمهوريّة)؛ ولأنّها تؤكّد ضرورة أن توفّر الدّولة الدّيمقراطيّة لكلّ مواطنيها الموارد المفهومة على نطاق واسع بما يكفي لتشمل الموارد الماليّة وغيرها، وعلى اعتبار أنّ الحرّية الجمهوريّة تمنح كلّ مواطن على قدر المساواة إمكانيّة المشاركة في الحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة، وانطلاقا من كون هذا النّوع من الحرّية يتوقّف على القدرة الفعليّة للنّاس على التّعبير عن الآراء والاهتمامات والاستماع إلى النّقاش العامّ وأنّ يعزز المعايير التي تمكّن جميع المواطنين من العيش باستقلاليّة ودون تدخّل أو سيطرة أو استغلال، وحيث أنّها تؤمن بكون هذه الحرّية -باعتبارها عدم هيمنة- تتنافى والتّراتبيّة الاستبداديّة، فإنّها تنتهي إلى تأكيد ترابط عميق بين الحرّية الجمهوريّة باعتبارها عدم هيمنة ومساواة في السّلطة[35]. يسمح هذا النوع من الحرّية، في نظر أندرسون، بتشكيل نظام عادل للقواعد القانونيّة للملكيّة والعقود والأعمال المصرفيّة والشّغل وما إلى ذلك، بمعنى توفير بنية تحتيّة عامّة يمكن أن تدعم مجتمعا حرّا مكوّنا من أفراد متكافئين وتحافظ عليه بمرور الوقت. إنّها ترسي نظاما مؤسّساتيّا لحقوق الملكيّة الخاصّة الموسّعة، بما في ذلك الحرّيات الواسعة للتّبادل والتّعاقد، الشّيء الذي يمكن أن يخلق فرصًا أكثر ثراءً للإنتاج السّلميّ والتّعاونيّ على أساس الحرّية والمساواة المتبادلين. كما يقتنع كلّ أفراد المجتمع بأنّ لديهم مصلحة مشتركة في الحفاظ على البنية التّحتيّة المؤسّساتيّة لحقوق الملكيّة الخاصّة التي تولّد المزيد من الحرّية للجميع. وفقًا لوجهة النّظر هذه، لا يتمّ تبرير الحقوق الفرديّة من خلال ثقل المصلحة الفرديّة التي تحميها، ولكن من خلال كون كلّ شخص له مصلحة مشتركة في الارتباط المتبادل مع الآخرين من خلال بنية تحتيّة مشتركة للحقوق الفرديّة. إنّ البنيات التّحتيّة لحقوق الملكيّة الخاصّة ذات منفعة عامّة، لذلك توفّر-إذا ما تمّ تصميمها تصميما جيّدا-إطارًا يمكن للأفراد من خلاله الـتّواصل مع بعضهم البعض بوصفهم أشخاصا أحرارا ومتساوين[36]. ونظرًا لأنّ الأعضاء يحافظون في مجتمع منظّم بشكل جيد على هذه البنية التّحتيّة من خلال دفع الضّرائب والامتثال لقواعدها، فإنّ لكلّ عضو مطالب مشروعة بأن تضمن القواعد وصولهم إلى الفرص التي تولّدها تلك البنية التّحتيّة. إنّ التّوزيع العادل للوصول إلى الفرص مهم هنا أيضًا لكنّه غير كاف. تقرّ أندرسون أنّ هناك ثلاث خصائص للبنية التّحتيّة العامّة للحقوق الاقتصاديّة في الأنظمة الدّيمقراطيّة الاجتماعيّة قادرة على تعزيز الفرص اللاّئقة للجميع، ويمكن القول إنّها ضروريّة لتأمين هذه الفرص قصد العيش على أساس الحرّية الجمهوريّة ومن ثمّ المساواة في السّلطة مع الآخرين، ويمكننا عرضها كالآتي:
- أولا، يحتاج الأفراد إلى مجموعة قويّة من الحقوق غير القابلة للتّصرف فيما يخصّ السّوق لتجنّب سيطرة أرباب عملهم.
- وثانيا، يحتاجون إلى نظام تأمين اجتماعي شامل لضمان استقلالهم إذا كانوا غير قادرين على العمل أو على العثور على عمل.
- ثالثًا، في ظلّ الظّروف الحديثة، يحتاجون إلى تعليم مجّانيّ وشامل لتجنّب سيطرة الآباء والآخرين ولضمان تصوّرهم لذاتهم كأشخاص يتمتّعون بحقوق الاستقلال الشّخصي.
يمكن فهم كلّا من هذه الحقوق على أنّها حقوق ملكيّة فرديّة يضمنها فصل جزئيّ عن حقوق الملكيّة الخاصّة التّقليديّة ولا يتطلّب أيّ منها ملكيّة الدّولة للمشاريع الإنتاجيّة أو إدارتها، أو الإدارة البيروقراطيّة لحياة الأفراد. إنّها مجرد نوع بديل من نظام الملكيّة الخاصّة.[37]
تعرّض هذا الاجتهاد الخلاّق لإليزابيت أندرسون لكمٍّ من الانتقادات لأنّه يترك العديد من الأسئلة المعلّقة، ومنها عدم تحديد معنى المساواة في السّلطة، واستحالة بلوغ هذا المطلب في سياق نيوليبرالي، فضلا عن إغفالها لبعض تناقضات المساواة الدّيمقراطيّة المتمثّلة في أنّ الدّولة الدّيمقراطيّة ستديم الوضع التّراتبيّ غير العادل الذي تسعى إلى علاجه والقضاء عليه حينما تعامل جميع مواطنيها باستثناء المجرمين باهتمام واحترام متساويين. إنّ تزويدها كافّة المنتسبين إليها بالموارد التي يحتاجونها للعيش بحرّية، يجعلها توفّر الإمكانيات لأولئك الذين تعتقد أنّهم يتصّرفون بشكل غير عادل فيستخدمون تلك الموارد في تهميش الآخرين والتّدخّل في اختياراتهم وتوجّهاتهم والسّيطرة عليهم واستغلالهم. كما يمكن في حال اقتصار اهتمام الدّولة الدّيمقراطيّة ورعايتها بالتّساوي لمواطنيها فقط وليس كلّ الناس، أن يمسّ مبدأ كونيّة المساواة والحرّية. فضلا عن أنّه من غير المقبول أن تعامل الدّولة الدّيمقراطيّة مواطنيها بالاهتمام والاحترام ذاته دون إظهار أيّ سبب لرفض بدائل أخرى معروفة ومعقولة[38].دون أن ننسى أخيرا اتّهامها بالإحسان المفرط لأنّها تغفر تهوّر الأشخاص وتمنحهم الاحترام نفسه ولا تحاسبهم على خياراتهم وإن كانت خاطئة.
لقد ساهمت هذه الاجتهادات المتنوعة والمختلفة من حيث مرجعياتها الفكرية في إغناء النقاش حول الإشكالية قيد الدرس هنا، على الرغم مما واجهته من مآخذ. لهذا سيمكن الاشتغال على تجاوز وعلاج بعض أوجه القصور في النّماذج التي تمّ التّطرّق إليها من إعداد مشروع بديل قد يكفل الوفاق بين المفهومين، وهو المقترح الذي يستحضر إكراهات اللّحظة التّاريخيّة الحاليّة ورهاناتها.
4- تصور فلسفي بديل لإلغاء التوتر والتنافر بين الحرية والمساواة من أجل حياة جيدة:
إنّ محاولة تركيبيّة لخلاصات أعمال كلّ من دافيد ميلر (David Miller) وأكسل هونيث، قد توّفر صيغة مناسبة للإجابة عن الإشكال المركزي في هذا البحث، خاصّة إذا ما تمّ استدعاء روح مبدأ المسؤولية عند هانس يوناس (Hans Jonas) في صياغة الشّرط الإيتيقيّ اللاّزم لبلوغ حالة التّناغم بين المفهومين. تتناسب فكرة المساواة الاجتماعيّة عند الأوّل وفكرة الحرّية الاجتماعيّة عند الثّاني، وتسدّ بعض ثغراتها[39]، بينما يكفل مبدأ المسؤوليّة الإيتيقيّة -كما نظر له الثالث- إحقاق المواطنة الكونيّة المؤمنة بالمصير المشترك ممّا يرسّخ التّضامن والإخاء والتّعاون الاجتماعيّ باعتبارها الإوّاليات اللاّزمة لاستدامة تــــناغم المفهومين. من المهم أن نشير هنا إلى أنّه سبق لأكسل هونيث أن توقّف عند بعض القواسم المشتركة بين نظريّة الاعتراف بمجالاته الثّلاثة عنده، ونظريّة العدالة المركّبة التي تميّز بين الحاجة والمساواة والاستحقاق عند ميلر[40]. يمكننا ها هنا أن نستعرض ما يساهم في اتّساع رقعة التّقاطع بين فكريهما بخصوص إشكاليتنا، فهما يتّفقان معا على رفض اختزال العدالة في البعد التّوزيعيّ المحض، كما يتبنّيان الطّرح التّعدّديّ لمبادئ العدالة لأنّهما يتقاسمان خلاصات مايكل والتزر (Michael Walzer) في هذا الشّأن. يعطي هذان المفكران، أيضا، للاجتماعّي قيمة قصوى باعتباره عنصرا جوهريّا اعتمادا على فهم هيغلي لمسألة العدالة. في وقت يؤمن فيه الثالث بالمصير الإنساني المشترك وما يعنيه ذلك من تعظيم لقيم اجتماعية كالتضامن والتقدير المتبادل.
4- 1- الأقنوم الأول: المساواة الاجتماعية عند دافيد ميلر:
يحدد ميلر المساواة الاجتماعيّة باعتبارها الوضع الذي يصبح فيه جميع أفراد الجماعة قادرين على بناء علاقاتهم على أساس المساواة حتّى وإن تفاوتوا في السّلطة، أو في الثّروة أو في المواهب الطّبيعيّة كقوّة الجسد والذّكاء أو غيره. لهذا السبب يعتبر الاعتراف شرطا جوهريّا لبلوغ هذا الوضع؛ فأن يتساوى الجميع في المعاملة يعني أن يتّخذَّ الاعتراف شكل حقوق متساوية ومعاملة عادلة. ولهذا السّبب يشدّد ميلر على أنّ العضويّة في أيّ نظام يجب أن تقام على قاعدة المساواة.[41] حيث يسود الإحساس بكون كلّ عضو في المجتمع يتمتّع بوضع ومكانة متساوية مع أيّ شخص آخر بما يتجاوز تصنيفهم غير المتكافئ القائم على أبعاد معيّنة تتّسم بالتّفاوت. تتمّ ترجمة هذا عمليّا من خلال طريقة التّفاعل السّائدة بين أفراد المجتمع وعبر معاملة بعضهم لبعض، إذ يستعملون طرقا متماثلة في المحادثة كأن يعتمدوا على سبيل المثال المصافحة بدلاً من الانحناء، كما يختارون أصدقاءهم بناءً على الأذواق المشتركة والاهتمامات وليس على المرتبة الاجتماعيّة، وما إلى ذلك.[42] يتبنّى ميلر لتبيئة نظريته صفة مجتمع السّادة التي أطلقها مايكل والتزر للتّعبير عن المجتمع المتساوي في العلاقات والمعاملات الذي تسود فيه المساواة الاجتماعيّة باعتبارها مساواة في المكانة. يستعير ميلر من والتزر كذلك “مفهوم المساواة المركّبة”* التي تعني أنّ المكانة التي يحتلّها مواطن ما داخل مجال معيّن بالنّسبة إلى مصلحة اجتماعيّة لا يمكن إعادة تقييمه من خلال مكانته داخل مجال آخر بالنّسبة إلى نعمة أخرى. يستتبع هذا الأمر نقد للسّيطرة ما دام المجتمع الذي يحكمه مبدأ المساواة المركّبة مجتمع لا يمكن أن يسيطر فيه أيّ نوع من أنواع الخيرات على باقي النعم والخيرات. إنّها تفرض التّخلي عن فكرة البحث عن خير معيّن أو خاصّية مميّزة ما من شأنه توزيعها بشكل متكافئ وهو ما يحقّق المساواة. وبدلا من ذلك، ينبغي اعتبار المساواة الاجتماعيّة نتيجة فرعيّة للعديد من التّوزيعات المتمايزة التي يكون كلّ منها غير متكافئ بطبيعته، بمعنى أنّ الأفراد يستفيدون بكمّيات مختلفة من خيرات متعدّدة[43].
4- 2- الأقنوم الثاني: الحرية الاجتماعية عند أكسل هونيث:
ينطلق أكسل هونيث من مفهوم الاعتراف الذي يشكّل قطب الرّحى في نظريّته الاجتماعيّة حتّى وإن قام ببعض التّعديلات عليه، حيث انتقلت أشكاله من ثلاثة في كتاب “الصّراع من أجل الاعتراف” إلى خمسة في كتابه: “حقّ الحرّية”. أصبح الاعتراف يعني الفعل التبادلي الخاصّ بالاحترام القانونيّ والسلوك الخاص بالاحترام الأخلاقي وأشكال الاعتراف الثّلاثة القائمة بطرق مختلفة في مؤسّسات الحياة الإيتيقيّة الاجتماعيّة “Sittlichkeit“، تلكوهيوهوهي الاعتراف الخاصّ بالعلاقات الشّخصيّة، وذاك الخاصّ بمجال الاقتصاد الذي يلعب فيه السّوق دور الوساطة، وأخيرا الخاصّ بمجال تشكيل الإرادة الدّيمقراطيّة الجماعيّة. كما يشكّل الاعتراف إلى جانب البعد البينذاتيّ والبعد الموضوعي، أسس الحرّية الاجتماعيّة التي يعرّفها هونيث بكونها تلك الحرّية الحقّة التي تسمح للذّات ليس فقط بالحصول على الموارد المادّية للتّحقق الذّاتي، أو حتى الاعتراف القانونيّ بالحقّ في أن تكون حرّة من أيّ تدخّل (الحرّية السّلبيّة) أو أن يكون لديها الأدوات التّفكّريّة لإصدار حكم مستنير وعادل وفق إرادتها لأنّها بلغت الاستقلاليّة (الحرّية التّفكّريّة)، وإنّما هي وضعيّة يتمّ بناؤها مع الجماعة وبفضلها، حيث تتجسّد إرادة الذّات وقراراتها وتتجدّد وفق إرادة وقرارات باقي أعضاء هذه الجماعة من خلال علاقات تفاعليّة تكامليّة، إذ لا تعيش الذّوات تجربة الحرّية حقًا ولا تدرك هذه الحرّية فعليّا إلاّ حينما تشارك في مؤسّسات اجتماعيّة تتميّز بممارسات الاعتراف المتبادل وفقا للمبدأ الهيغلي القاضي بكون الحرّية تتمثّل في “الوجود مع الذّات في الآخر(Bei sich selbst sein im Anderen)”[44]. لهذا السّبب لا يمكن للنّاس أن يحقّقوا حرّياتهم الفرديّة كلّ لوحده، بل يعتمدون على علاقاتهم المتبادلة التي لا يمكن اعتبارها “حرّة” إلاّ عندما يفون ببعض الالتزامات المعياريّة من قبيل محتوى الصّداقة ومعايير الدّستور وواجبات الوالدين والأطفال والأزواج والعشّاق وبين المنتج والمستهلك والمربي والمتعلم والمواطن والحاكم[45]. وبما أنّ معنى الحرية الاجتماعيّة في الأسرة يختلف عمّا هو عليه في مجال السّوق أو من داخل المجال السّياسيّ، فإنّ مفهوم المساواة وفق الفهم الهيغلي يتغيّر مع مجال الحرّية المعني[46]. ولأنّ إعادة التّوزيع عنده ليست إلاّ الواجهة لمبادئ معياريّة أخرى متجذّرة في مبادئ الاعتراف، فإنّ هونيث يضع نفسه ضدّ من يفرّق بين الاعتراف وإعادة التّوزيع. لذلك كلّه، لا يهتمّ هونيث بالمــــــــــــساواة في حدّ ذاتها؛ بل يتناولها فقط كبعد من أبعاد الاستقلاليّة التي تعتبر بالنّسبة إليه القاعدة الأساسيّة. تعني العدالة عنده الحقّ المتساويّ الذي يتمتّع به كلّ فرد في استقلاليته الكاملة التي تُفهم بمعنى واسع على أنّها تحقيق للذّات. إنّ أحد الآثار الرّئيسيّة لتفسير هونث “للشّروط الاجتماعيّة للحرّية” فيما يخصّ الاعتراف هو أنّه يؤدّي إلى نهج تعدّدي للمطالب المعياريّة التي يمكن للأفراد طرحها على الآخرين وعلى الجماعة. هذا لأنّ التّحقق الذّاتي الفردي له محاور مختلفة، تتوافق “مجالات الاعتراف” في نموذجه الأول، كما تتوافق المجالات المؤسّساتيّة المختلفة في “حقّ الحرّية”، بشكل دقيق مع الأنواع الأساسيّة للعلاقات الاجتماعيّة التي من خلالها يدرك الأفراد جوانب مختلفة من هويّتهم ورفاهيتهم وخطط حياتهم. ويعني هذا أنّ الاعتراف ليس سوى مفهوم عامّ، وأنّ له بنيات مختلفة تبعا للمجالات الاجتماعيّة المعنيّة وأنواع الأبعاد الذّاتيّة التي تنطوي عليها. كنتيجة لهذا النّهج التّعدّدي، فإنّ إجابة هونيث على سؤال “المساواة الحقّة/ الفعليّة”، ستكون أنّه من المستحيل تحديد معنى واحد “حقيقي” للمساواة، إلاّ بالمعنى العامّ للحقّ المتساوي في شروط الاستقلاليّة الكاملة[47].
4- 3- الأقنوم الثالث: مبدأ المسؤولية عند هانس يوناس:
إذا كانت نظريّة المساواة الاجتماعيّة، بما هي مساواة في المكانة، تمنح نظرية الحرّية الاجتماعيّة إمكانات ضمان الشّروط الاجتماعيّة لتحقق ما يطلق عليه المستوى الأعلى للمساواة التي تهمّ الاستفادة بنفس الشّكل وبالدّرجة نفسها من الاعتراف في مختلف أشكاله، وما يطلق عليه المستوى الأدنى للمساواة فيما يخصّ الاستقلاليّة القانونيّة التي تضمن معاملة متساوية للجميع. وبهذا توفّر مساواة ميلر عناصر التّبادليّة والتّكامل والتّكافؤ الضّروريّة لإقامة علاقات مبنيّة على الاعتراف المتبادل، وبالتّالي إدراك الحرّية الاجتماعيّة في كلّ مجال. إلا أنهما تفتقران معا لروح مبدأ المسؤوليّة الذي يضمن تأمين شروط القبول بالالتزامات والوفاء بها مادام إيمان الذّوات به سيجعلها ملزمة بالاهتمام بالعواقب البعيدة للغاية المترتّبة عن أعمالها بقدر توقّع هذه الذوات لها، وبالتّالي مراعاة حقوق الكلّ على نطاق البشريّة جمعاء. وبهذا الشّكل ستتحول أنظمة الفعل، حيث تتجسّد المساواة والحرّية الاجتماعيّتين باعتبارها أنظمة “علائقيّة وإيتيقيّة إلى أنظمة يطبع فيها التّقييد الذّاتيّ الفرديّ بصبغة الطّواعيّة، ولا يُنظر إلى القيود الأخلاقيّة المفروضة على الآخرين على أنّها قيود غير ملائمة تعيق الميول الشّخصيّة، وإنّما باعتبارها ترجمات وتجسيدات اجتماعية لتلك الأهداف التي يُنظر إليها على أنّها أهداف تأسيسيّة للشّخص[48] ولديمومة النّوع البشريّ. اعتبارا لكون المسؤوليّة بما هي عناية المعترف بها كواجب لكائن آخر، التي تصبح “مصدر قلق” عندما يتعرّض الوضع الهشّ لهذا الغير للتّهديد. وباعتباره محتملا بالمقابل، فإنّ الخوف وارد بالفعل في السّؤال الأصـــــلي الذي يمكن للمرء تخيّل بداية كلّ مســــؤوليّة فعلية عنده: ماذا ســيحــدث له، إذا لم أعــتن به؟ كــلّما كانت الإجابة قاتمة، كلّما كانت المسؤوليّة أوضح[49].
5- خاتمة:
على الرّغم من الصّعوبة البالغة لبناء نموذج تسود فيه المساواة والحرّية معا في مجتمع من المجتمعات بمقدار متكافئ وفق مبدأ التكامل والتعاضد، فيؤمّنان حياة سعيدة وجيدة تجمع بين غاية تحقق العدل ومنتهى بلوغ الخير والهناء. فإننا انكببنا على تفكر نموذج تركيبي ثلاثي الأسس ما بين مساواة وحرية اجتماعيتين ومسؤولية فردية ذاتية وجماعية مشتركة. يستحضر هذا الخيار ‘المبتكر’ الذي يحتاج إلى مزيد من التطوير والصقل، حيوية الحرية والمساواة والحاجة البشرية الملحة إليهما معا، مسترشدين في هذا المقام بقولة لحنه أرندت تصرح فيها: “فقط أولئك الذين تحرروا من الحاجة يمكنهم أن يقدروا تقديرا كاملًا ما يعنيه التحرر من كل خوف، وفقط أولئك الذين تحرروا من العوز والخوف هم القادرون على أن يتصوروا شغفا بالحرية العامة وتطوير المذاق الخاص للمساواة الذي تحمله هذه الحرية داخلها”[50]. إن هذا الأمر قد أجاز لنا نسج تصور يراعي التّوازن بين التّعدّديّة والمرونة، وبين حرّية الاختيار والالتزام والانخراط الواعي والمسؤول، أي وضع مخططٍ لسبيل يوفر تناسبيّة إيجابيّة تجمع بين الاندماج والتّفرّد، والوحدة والتّعدد ممّا يقلّص إلى أقصى الحدود وبشكل ممنهج ودائم من الخلافات القائمة على الظّلم وانعدام الإنصاف. كما يسمح في الآن نفسه باحترام الاختلاف والفروق دون تضخيمها أو إزالتها.
قائمة المصادر والمراجع:
العربيّة:
- أفلاطون: محاورة جورجياس، ترجمة محمّد حسن ظاظا، مراجعة علي سامي النّشّار، الهيئة المصريّة العامّة للنّشر والتّأليف، القاهرة، 1970.
- ألكسيس (دو توكفيل): الدّيمقراطيّة في أمريكا، الجزآن الأوّل والثّاني، مرسي قنديل، عالم الكتب، القاهرة، 2015.
- إيلوز، إيفا. لماذا يجرح الحبّ؟ الحبّ في زمن الحداثة، ترجمة خالد حافظي، صفحة سبعة للنّشر والتّوزيع، السّعوديّة، 2020.
- جبرون (محّمد) وآخرون: ما العدالة؟ معالجات في السّياق العربي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السّياسات، الدّوحة، 2014.
- ديبي (فرانسوا): المواقع والحظوظ، إعادة تفكير التّفاوتات الاجتماعيّة، ترجمة كنزة القاسمي، إفريقيا الشرق، الدّار البيضاء، 2016.
- دياني (مراد): حرّية – مساواة – اندماج اجتماعيّ نظريّة العدالة في النّموذج اللّيبيرالي المستدام، المركز العربي للأبحاث ودراسات السّياسات، الدّوحة،
- سبيلا (محمد): محمد سبيلا: “العدالة والحرية: تعارض أم تكامل؟”، مجلة التسامح، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في سلطنة عمان، العدد 24، 2008.
- ساندل (مايكل): العدالة… ما الجدير أن يعمل به؟ ترجمة مروان الرّشيد، جداول للنّشر والترجمة والتّوزيع، بيروت، 2015.
- سن (أمارتيا): فكرة العدالة، تعريب مازن جندلي، الدّار العربيّة للعلوم ناشرون، بيروت، 2010.
- الطّرابلسي (فوزي): “الحرّية ضدّ العدالة والمساواة نقاش لأفكار فون هايك النّيوليبيراليّة“، مجلّة بدايات، العدد 30، بيروت 2021.
- الكشو (منير): “نظريّة جونر ولز في العدالة التّوزيعيّة ونقّادها“، تبين، العدد 36، أبريل 2021.
- ميلر (ديفيد): “المساواة والعدالة“، ترجمة توفيق السّيف، مجلّة حكمة، 2019.
الأجنبيّة:
- Arendt, Hannah : La liberté d’être libre, les conditions et la signification de la révolution, Traduit de l’anglais par Françoise Bouillot, Payot, Édition du Kindle, French Edition, 2019.
- Anderson, Elisabeth: « What Is the Point of Equality? », Ethics, Vol. 109, N° 2, 1999.
- Babeuf, Gracchus: The defense of Gracchus Babeuf before the High Court of Vendome, edited & translated by John Anthony Scott; with an essay by Herbert Marcuse & illustrations by Thomas Cornell. Amherst: University of Massachusetts Press, 1967.
- Balibar, Étienne : La proposition de l’égaliberté : essais politiques 1989-2009, Paris : PUF, 2010.
- Bargetz, Brigitte: «Equaliberty: political essays», Critical Policy Studies, Routledge, Taylor and Francis Group, Vol. 9, N° 4, 2015.
- Bergson, Henri: Les deux sources de la morale et de la religion, Cérès Productions, Tunis, 1993.
- Berlin, Isaiah and Richard Wollheim: « Equality», Proceedings of the Aristotelian Society, Vol 56, 1956, pp. 281-326.
- Boyer, Charles : « À Propos de « La Proposition de L’Égaliberté » D’Étienne Balibar », Paris, Vrin, Le Philosophoire, n° 37, 2012/1, pp. 123-132.
- Brown, Wendy: « The Most We Can Hope For… Human Rights and the Politics of Fatalism», The South Atlantic Quaterly, Vol 103, Issue 2-3, 2004, pp. pp. 451-463.
- Celentano, Denise and Luigi Caranti (ed.), Paradigms of justice: Redistribution, Recognition, and Beyond, New York: Routledge Taylor & Francis Group, 2021.
- Cohen, Gerald : « La liberté et l’égalité sont-elles compatibles ? », traduit de l’anglais par Colette Bernas, Actuel Marx, P.U.F, N° 7, 1990, pp. 29-42.
- Coste, Clément : « Si je crois à la liberté c’est que je crois à l’égalité » Philosophie pour une république sociale et pratique de l’égalité autour de 1848 », Revue européenne des sciences sociales, Vol 2, n° 56, 2018, pp. 209-239.
- Deleixhe, Martin & Justine Lacroix : « Aux bords de la démocratie. Droits de l’homme et politique chez Étienne Balibar », Raison publique, Presses universitaires de Rennes, N° 19, 2014/2, pp. 37-51.
- Dworkin, Ronald : La Vertu Souveraine, par Jean-Fabien Spitz, Bruxelles : Bruylant, 2007.
- Fraser, Nancy: Qu’est- ce que la justice sociale ? Reconnaissance et redistribution. Édition établie et introduite par Estelle Ferrarese, Paris : La Découverte, 2011.
- Gilles, David : « L’égalité, valeur souveraine au cœur de la « démotique » moderne », D.U.S, Sherbrooke, Volume 42, N° 1-242, 2012, pp. 255-308.
- Gonthier, Frédéric :«La justice sociale entre égalité et liberté», Revue française de science politique, Presses de Sciences Po, 2008/2, Vol 58, pp. 285 à 307
- Goodheart, Eugene: «Between Liberty and Equality», Society, Springer, Vol. 51, n° 4, 2014, pp. 324–327.
- Hegel, G.W.F: Hegel’s Philosophy of Mind, translated from the 1830 Edition, together with the Zusätze by William Wallace and A.V. Miller, revised with an Introduction by M. J. INWOOD, (Oxford: Oxford University Press, 2007.
- Honneth, Axel: «Recognition and justice: Outline of a Plural Theory of Justice», Acta Sociologica, Vol. 47, N° 4, 2004, pp. 351-364.
- Honneth, Axel: que Social veut dire I. Le déchirement du social. Traduit de l’allemand par Pierre Rusch, Paris : Gallimard Nrf, 2013.
- Honneth, Axel: droit de la liberté. Esquisse d’une éthicité démocratique, traduit de l’allemand par Frédéric Joly et Pierre Rusch, Paris : Éditions Gallimard, 2015.
- Honneth, Axel: du socialisme Un essai d’actualisation, traduit de l’allemand par Pierre Rusch, Paris : NRF, Éditions Gallimard, 2017.
- Jonas, Hans: Le principe responsabilité: une éthique pour la civilisation technologique, J. Greisch, Paris : Cerf, 1992.
- Kekes, John. «Objections to Democratic Egalitarianism». Journal of Social Philosophy, Vol 33, N° 2, 2002, pp. 163-169.
- Lacombe, Roger-Étienne : La crise de la démocratie, Paris, P.U.F. 1948.
- Lacroix, Justine : La pensée française à l’épreuve de l’Europe, (Paris, Grasset, coll. «Mondes vécus», 2008.
- Lysaker, Odin and Jonas Jakobsen (Edit.), Freedom and Recognition, Boston: Brill edition, 2015.
- Miller, David: «Equality and Justice», Ratio (new series) X 3, Oxford, Vol 10, Issue 3, December 1997, pp. 222–237.
- Miller, David and Michael Walzer, Pluralism, Justice, and Equality, New York: Oxford University Press, 2002.
- Mouffe, Chantal: The return of the Political, First published, London: Verso, 1996.
- Narveson, Jan and James P. Sterba: Are Liberty and Equality Compatible? New York: Cambridge University Press, 2010.
- Néron, Pierre-Yves : « L’égalité instrumentale ? », Philosophiques, Société de philosophie du Québec, n° 41(1), 2014, pp. 165–172.
- Nielsen, Kai. Equality and Liberty: A Defense of Radical Egalitarianism, Totowa (N.J.): Rowman and Allanheld, 1985.
- Nozick, Robert: Anarchy, State and Utopia, New York: Basic Books, 1974.
- Olivier, Alain Patric, Maiwenn Roudautet Hans- Christoph Schmidt am Busch(dir.). Nouvelles perspectives pour la reconnaissance. Lectures et enquêtes, Lyon : ENS Éditions, 2019.
- Pantaleon, Iroegbu : « La pensée de Rawls face au défi communautarien », Revue Philosophique de Louvain. Quatrième série,tome 89, N°81, 1991, pp. 113-128.
- Peillon, Vincent : Liberté, égalité, fraternité. Sur le républicanisme français, Paris : Seuil, 2018.
- Pettit, Phillip: «Symposium on Amartya Sen’s philosophy: 1 Capability and freedom: a defence of Sen». Economics and Philosophy, vol. 17, issue 1, 2001, pp. 1-20.
- Policar, Ronald Dworkin ou la valeur de l’égalité. Le juste, le bien, le vrai,Paris: CNRS Éditions, 2015.
- Raz, Joseph: The Morality of Freedom, New York: Oxford University Press Inc, 1986.
- Scanlon, Thomas Michael: Why Does Inequality Matter? Oxford: Oxford University Press, 2018.
- Schmidtz, David and Carmen E. Pavel, The Oxford Handbook of Freedom, New York: Oxford University Press, 2018.
- Spector, Céline : « liberté, égalité, fraternité : la théorie rawlsienne de la justice », Esprit, Éditions Esprit, N°477, 2018/9, pp. 95-104.
- Spitz, Jean-Fabien : «Ronald Dworkin et le faux dilemme de l’égalité et de la liberté», Revue internationale de philosophie, De Boeck Supérieur, N°233, 2005/3, pp. 413-434.
- Tan, Kok-Chor: «A Defense of Luck Egalitarianism», The Journal of Philosophy, Vol. 105, N°. 11, 2008, pp. 665-690.
- Van Parijs, Philippe: «Why Surfers Should Be Fed: The Liberal Case for an Unconditional Basic Income», Philosophy and Public Affairs, Vol. 20, No. 2, 1991, pp. 101-131.
[1]– عزمي بشارة، “مقدّمة” ضمن كتاب محمّد جبرون وآخرون: ما العدالة؟ معالجات في السّياق العربي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السّياسات، الدّوحة 2014، ص54.
[2]– G.W.F. Hegel, Hegel’s Philosophy of Mind, translated from the 1830 Edition, together with the Zusätze by William Wallace and A.V. Miller, revised with an Introduction by M. J. INWOOD, (Oxford: Oxford University Press, 2007), p 237.
[3]– محمد جبرون وآخرون: [2014]، مرجع سباق، ص14.
[4]– Frédéric Gonthier, «La justice sociale entre égalité et liberté», Revue française de science politique, Presses de Sciences Po, 2008/2, Vol. 58, p285.
[5]– Jan Narveson and James P. Sterba, Are Liberty and Equality Compatible? (New York : Cambridge University Press, 2010).
[6]– Gerald Cohen, « La liberté et l’égalité sont-elles compatibles ? », traduit de l’anglais par Colette Bernas, Actuel Marx, P.U.F, N°.7 (1990), p 29- 30.
يعاضد أمارتيا سن موقف كوهين حينما ذهب إلى أنّ اعتبار أحد عناصر العدالة الاجتماعيّة مهمّ جدا، هو أمر لا يلغي وجود العناصر الأخرى أو يزيحها جانبا، بل من الممكن أن يظلّ لها دور حاسم في مشروع تعزيز العدالة. ينظر:
أمارتيا سن، فكرة العدالة، نقله إلى العربيّة مازن جندلي، الدّار العربيّة للعلوم ناشرون، بيروت 2010، ص425.
[7]– Isaiah Berlin and Richard Wollheim, « Equality», Proceedings of the Aristotelian Society, Vol. 56, 1955-1956, p304.
[8]– فوزي الطّرابلسي: “الحرّية ضدّ العدالة والمساواة نقاش لأفكار فون هايك النيوليبراليّة“، مجلّة بدايات، بيروت 2021، العدد 30، ص31.
* يمكن في هذا السياق أن نستحضر مقال د. محمد سبيلا وإن كان يفرض اتخاذ العديد من التحفظات بسبب مطابقته بين العدالة والمساواة. ينظر: محمد سبيلا: ” العدالة والحرية: تعارض أم تكامل؟”، مجلة التسامح، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في سلطنة عمان، العدد 24، 2008.
[9]– Robert Nozick, Anarchy, State and Utopia, (New York: Basic Books, 1974), p172.
أورده مايكل ج. ساندل، العدالة… ما الجدير أن يعمل به؟ ترجمة مروان الرّشيد، جداول للنّشر والتّرجمة والتّوزيع، بيروت 2015، ص81.
[10]– مراد دياني: حرّية – مساواة – اندماج اجتماعي نظريّة العدالة في النّموذج اللّيبيرالي المستدام، المركز العربي للأبحاث ودراسات السّياسات، الدّوحة 2014، ص127.
يتبنى سكانلون (Scanlon Thomas) الرأي نفسه. ينظر:
- T. Scanlon, Why Does Inequality Matter? (Oxford: Oxford University Press, 2018), p95.
[11]– David GILLES, « L’égalité, valeur souveraine au cœur de la «démotique» moderne », R.D.U.S, Sherbrooke, Volume 42, N° 1-242, 2012, p283-284.
[12]– يذهب غراكيس بابوف إلى تبنّي هذا الموقف حتّى لا يحصل البعض على الأفكار التي يستحقّونها أكثر من الآخرين، أو أن يفكّروا في أنّ يكونوا أحرارًا في اختيار أسلوب حياتهم الخاصّ. ينظر:
Gracchus Babeuf,The defense of Gracchus Babeuf before the High Court of Vendome, edited & translated by John Anthony Scott; with an essay by Herbert Marcuse & illustrations by Thomas Cornell. (Amherst: University of Massachusetts Press, 1967), p14.
[13]– Kai Nielsen, Equality and Liberty: A Defense of Radical Egalitarianism, (Totowa (N.J.): Rowman and Allanheld, 1985), p309.
[14]– ألكسيس دو توكفيل، الدّيمقراطيّة في أمريكا، الجزآن الأوّل والثّاني، ترجمة وتعليق مرسي قنديل، عالم الكتب، القاهرة 2015، ص471.
[15]– Alain Policar, Ronald Dworkin ou la valeur de l’égalité. Le juste, le bien, le vrai, (Paris: CNRS Éditions, 2015), p58.
لا يتردّد دووركين في وصف المساواة بأنّها الفضيلة العليا لأيّ مجتمع سياسي، إذ في استدامة غيابها لا تكون الحكومة إلا استبدادا. ينظر:
Ronald Dworkin, La Vertu Souveraine, trad. par Jean-Fabien Spitz, (Bruxelles: Bruylant, 2007), p43.
[16]– Jean-Fabien Spitz, «Ronald Dworkin et le faux dilemme de l’égalité et de la liberté», Revue internationale de philosophie, De Boeck Supérieur, N°233, 2005/3, p433-434.
[17]– هذه وجهة نظر رائجة منذ القدم. فبحسب كاليكليس، يمكن للأقوى أن ينتج أكثر، ويفعل المزيد، ويكون أكثر حرّية في غياب المساواة، و “أنّ العدل يتمثّل في سيادة القويّ على الضّعيف، وفي الاعتراف بهذه السّيادة”:
أفلاطون، محاورة جورجياس، ترجمة محمّد حسن ظاظا، مراجعة علي سامي النّشّار، الهيئة المصريّة العامّة للنّشر والتّأليف، القاهرة 1970، ص88.
[18]– Philippe Van Parijs, ‘‘Why Surfers Should Be Fed: The Liberal Case for an Unconditional Basic Income,’’ Philosophy and Public Affairs, Vol. 20, No. 2, 1991, p122.
[19]– Joseph Raz, The Morality of Freedom, (New York: Oxford University Press Inc., 1986), p217.
إذا كانت الاعتراضات التي سقناها تهمّ في جزء كبير منها تفكّرات الاتّجاه المساواتي اللّيبيرالي، فإنّ هناك انتقادات حادّة وجهت للاتّجاهات المساواتيّة المرتبطة بالنّموذج الشّيوعي، التي “تعجز عن استيعاب أصالة الحرّية الفرديّة وتعقيدات العقلانيّة الفرديّة ومقوّمات التّكتّل المجتمعي على حدّ سواء، وتظلّ رهينة رؤيتها القاصرة لصراع الطّبقات ولا شرعيّة الملكيّة الفرديّة”. ينظر: مراد دياني: [2014]، مرجع سابق، ص170.
[20]– إيفا إيلوز، لماذا يجرح الحبّ. الحبّ في زمن الحداثة، ترجمة خالد حافظي، صفحة سبعة للنّشر والتوزيع، السّعوديّة 2020، ص18-19.
[21]– يذهب أكسل هونيث إلى أنّ فرض مساواة مادّية صارمة بين أعداد كبيرة من السكّان في ظلّ الظّروف الاقتصاديّة الحديثة سينتج دولة شموليّة:
- Honneth, L’idée du socialisme Un essai d’actualisation, traduit de l’allemand par Pierre Rusch, (Paris: NRF, Éditions Gallimard, 2017), p18.
[22]– Roger-Étienne Lacombe, La crise de la démocratie, Paris, P.U.F. 1948, p8.
يعتنق برغسون التّوجه نفسه عندما أقرّ أنّ النّظام الدّيمقراطي يحقّق المصالحة بين الحرّية والمساواة، فيكتب: “إنّ جميع المواطنين إذن، أي الشّعب، يتمتّعون بالسّيادة. هذه هي الدّيمقراطيّة النّظريّة. تنادي بالحرّية وتطالب بالمساواة وتصالح هاتين الشّقيقتين العدوّتين بتذكيرهما بأنّهما شقيقتان وذلك بوضع الإخاء فوق الكلّ”. ينظر:
Henri Bergson, Les deux sources de la morale et de la religion, Cérès Productions, Tunis, 1993, p27.
[23]– Eugene Goodheart, «Between Liberty and Equality», Society, Springer, Vol. 51, N° 4, 2014, p327.
[24]– Clément Coste : « Si je crois à la liberté c’est que je crois à l’égalité » Philosophie pour une république sociale et pratique de l’égalité autour de 1848 », Revue européenne des sciences sociales, Vol. 2, n° 56, 2018. P.215.
[25]– Céline Spector, « liberté, égalité, fraternité: la théorie rawlsienne de la justice », Esprit, Éditions Esprit, N°477, 2018/9, P.99.
[26]– منير الكشو،” نظريّة جونرولز في العدالة التّوزيعيّة ونقّادها”، تبيّن، العدد 36، أبريل 2021، ص60 -61.
و يمكن العودة أيضا إلى:
Iroegbu Pantaleon, « La pensée de Rawls face au défi communautarien », Revue Philosophique de Louvain. Quatrième série, tome 89, N°81, 1991. p113-114.
[27]– أمارتيا سن: [2010]، مرجع سابق، ص339.
[28]– المرجع نفسه، ص450.
[29]– يرى فيليب بيتي في هذا السّياق أنّ القدرات القائمة على الاختيار ليست حرّية حقيقيّة، لكنّه يؤكّد أنّ أبحاث أمارتيا سين ومارثا نيسبووم (Martha Nussbaum) تخدم قضيّة الحرّية الجمهوريّة وتعزّز استكشاف مطالبها في سياق مفهوم وشامل تماما للمواطنة. ينظر:
Philip Pettit, «Symposium on Amartya Sen’s philosophy: 1 Capability and freedom: a defence of Sen». Economics and Philosophy, null, 2001, p6 -19.
يمكن العودة أيضا إلى: أحمد بعلبكي، “قراءة في كتاب فكرة العدالة لأمارتيا سن“، تبيّن، العدد 1، 2012، المجلّد 1، ص222-223.
[30]– É. Balibar, La proposition de l’égaliberté. Essais politiques 1989-2009, (Paris: PUF, 2010), p14.
من مزايا اللّفظ المستحدث التّشديد على أنّ المساواة والحرّية قطبان للكيان نفسه الذي لا يقوم بأيّ ترتيب مذهبي لمبادئه التّأسيسيّة من أجل تخفيف التّوتر الذي يسكنه. من الواضح بهذا المعنى أنّ عبارة المساوا-حرّية تطعن في التّعارض، ذي الإلهام اللّيبيرالي، القائم بين منطق الحرّية ومنطق المساواة. كما نجد ذلك لدى فريدريك هايك أو روبرت نوزيك، ولكّنها تعترض أيضًا على مجرد إخضاع المساواة للحرّية في إطار مبدأ الاختلاف لدى جون رولز. يُرجع إلى:
Martin Deleixhe & Justine Lacroix: « Aux bords de la démocratie. Droits de l’homme et politique chez Étienne Balibar», Raison publique, Presses universitaires de Rennes, N° 19, 2014/2, p48.
[31]– Charles Boyer, «À Propos de «La Proposition de L’Égaliberté » D’Étienne Balibar », Le Philosophoire, Vrin, N° 37, 2012/1, p130.
أطلقت تسمية “اللّيبيراليّة الثّوريّة” المثيرة على مقاربة باليبار التي تحاول المزج بين الإرثين الماركسيّ واللّيبراليّ. ينظر:
Justine Lacroix, La pensée française à l’épreuve de l’Europe, (Paris, Grasset, coll. «Mondes vécus», 2008), 140 p.
[32]– Pierre-Yves Néron, « L’égalité instrumentale ? » Philosophiques, Société de philosophie du Québec, n° 41(1), 2014, p170.
يتمثّل أحد أوجه اعتراض أندرسون على المساواة في الحظوظ في أنّ لها آثار سخيفة من النّاحية الأخلاقيّة. ينظر:
Tan Kok-Chor, « A Defense of Luck Egalitarianism», The Journal of Philosophy, Vol. 105, N°. 11, 2008, p667.
يتّفق فرانسوا ديبي (François Dubet) مع إليزابيت أندرسون في توجيه انتقادات مشابهة لهذا الاتّجاه المساواتيّ معتبرا المساواة في الحظوظ مسؤولة عن ضعف إعادة التّوزيع وضعف تأمين الأماكن وتراجع دولة الرّعاية الاجتماعيّة التي يتمّ تقليص دورها إلى مجرّد التّأمين ضدّا على الفقر المدقع. لهذا ترسّخت التّفاوتات وارتفعت حدّتها في الدّول التي تبنّت هذا النّموذج المساواتيّ. يمكن الرجوع إلى:
فرانسوا ديبي، المواقع والحظوظ إعادة تفكير التّفاوتات الاجتماعيّة، ترجمة كنزة القاسمي، إفريقيا الشّرق، الدّار البيضاء 2016، ص 72-73.
[33]– Elisabeth Anderson, «What Is the Point of Equality?», Ethics, Vol. 109, N°. 2, 1999, p290.
[34]– يبدو جلّيا مدى التّساوق بين ما تذهب إليه أندرسون وما تدافع عنه نانسي فرايزر (Nancy Fraser) التي تعتقد أنّ العدالة تتطلّب اليوم إعادة التّوزيع والاعتراف على حدّ سواء. ينظر:
Nancy Fraser, Qu’est- ce que la justice sociale ? Reconnaissance et redistribution. Édition établie et introduite par Estelle Ferrarese, (Paris: La Découverte, 2011), p43.
[35]– E. Anderson, «Freedom and Equality», in David Schmidtz and Carmen E. Pavel, The Oxford Handbook of Freedom, (New York: Oxford University Press, 2018), p97.
تؤكّد أندرسون كذلك في الصفحة 98 من المرجع نفسه، الحضور اللاّفت للمساواة في السّلطة في الخطاب العامّ في الدّيمقراطيّات اللّيبيراليّة المعاصرة نظرا لكون قلّة من النّاس من يرفضونها علانيّة. كما تصرّح أنّ أكثر ما يخشاه المدافعون على مبدأ المساواة في السّلطة هو أن تؤدّي التّفاوتات في الثّروة إلى حدّ كبير إلى تمكين الأثرياء من تحويل الدّولة إلى نظام حكم بلوتوقراطي (حكم الأغنياء).
وفي المقابل، تنتفي الحرّية الفرديّة والجماعيّة في التّصوّر الجمهوريّ بانتفاء المساواة بين المواطنين، سواء من حيث السّيادة ومن حيث ممارستها، أو من حيث القوّة المكلّفة بمرافقتها ودعمها. كما يحمل مفهوم الحرّية الجمهوريّة في طيّاته آثارًا اقتصاديّة واجتماعيّة. ينظر:
Vincent Peillon, Liberté, égalité, fraternité. Sur le républicanisme français, (Paris: Seuil, 2018), p22- 23.
[36]– Ibid., p103
– تنص مقاربة أندرسون التي تنبني على توليف للحرّية الجمهوريّة والمساواة في السّلطة على أنّه لا يمكن للمواطنين أن يدعموا ويفرضوا على بعضهم البعض سوى الالتزامات والتّرتيبات المؤسّساتيّة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة التي يمكن للجميع قبولها بشكل معقول. كما أنها تبرر التوزيعات المطلوبة لتأمين هذا الضمان من خلال الاحتكام إلى واجبات المواطنين في ظل دولة ديمقراطية. وفي مثل هذه الدولة، يكون لدى المواطنين متطلبات لبعضهم على بعض على أساس مساواتهم مع الآخرين وليس بناء على تفاوتاتهم سواء كان تفوقا أو دونية. ينظر:
Tan Kok-Chor: [2008], op. cit., p666.
[37]– E. Anderson: [2018], op. cit., p111.
[38]– John Kekes: «Objections to Democratic Egalitarianism». Journal of Social Philosophy, Vol. 33, N°. 2,2002, p168
[39]– يولي أكسل هونيث الحرّية الأفضليّة على المساواة، ممّا يوفّر في نظره خلاصا لعلاج العديد من الباثولوجيّات أو التّطورات غير السّليمة التي يصفها هونيث بكونها تنتج عن غياب المساواة، الأمر الذي يؤدّي إلى التّشكيك في بلوغ الحرّية. ينظر:
Soraya Nour Sckell, « Le droit selon Axel Honneth. De la Théorie critique à la théorie de la reconnaissance ». in : Alain Patrick Olivier, Maiwenn Roudaut et Hans- Christoph Schmidt amBusch (dir.), Nouvelles perspectives pour la reconnaissance. Lectures et enquêtes, (Lyon: ENS Éditions, 2019), p196.
[40]– A. Honneth, «Recognition and justice: Outline of a Plural Theory of Justice», ActaSociologica, Vol. 47, N°. 4, 2004, p359.
كما عاد ليوضّح بصورة أدقّ نقطة تقاطع كبيرة بينهما وهي الابتعاد عن اختزال العدالة في المساواة. يرى ميلر في هذا السّياق أنّ إضفاء طابع الأقنوم على مبدأ المساواة لجعله المبدأ الوحيد للعدالة، لا بدّ أن يؤدّي إلى الفصل بين النّظريّة والممارسة، وازدياد التّباين ما بين مفهوم العدالة وعالم المعتقدات ما قبل العلميّة مما يضعف من الأفكار الفلسفيّة الخاصّة بالعدالة. يمكن الرّجوع إلى:
A.Honneth, Ce que Social veut dire I. Le déchirement du social. Traduit de l’allemand par Pierre Rusch, (Paris : Gallimard Nrf, 2013), p275 – 276.
[41]– ديفيد ميلر، “المساواة والعدالة”، ترجمة توفيق السّيف، مجلّة حكمة 2019، ص20.
[42]– David Miller, « Equality and Justice», Ratio (new series) X 3, Oxford, Vol. 10p, Issue 3, December 1997, p. 232.
*يرى والتزر أنّ المساواة علاقة مركّبة بين النّاس بوساطة سلسلة من الخيرات الاجتماعيّة ولا يمكن أن تتمثّل فقط في هويّة الحيازة والامتلاك. يهدف حلّ المساواة المركّبة الذي يطرحه إلى تجنّب مشاكل الملكيّة من خلال التّمييز بين مجالات العدالة المختلفة مع مبادئ التّوزيع الخاصّة بكلّ منها. ويذكر أنّ مبادئ العدالة يجب أن تكون تعدّديّة في الشّكل وأنّ الخيرات المختلفة يجب توزيعها وفقًا لإجراءات مختلفة ومن قبل فاعلين مختلفين. لهذا السّبب يؤكّد بأنّه إذا أردنا أن نجعل المساواة هدفا مركزيّا للسّياسة، وأن نحترم الحرّية أيضا، فلا يمكننا إلاّ أن نتصوّرها على أنّها مساواة مركّبة. وهذا يتطلّب توزيع مختلف الخيرات الاجتماعيّة، ليس بشكل موحّد، ولكن وفقا لتنوّع المعايير التي تعكس تنوّع هذه الخيرات الاجتماعيّة والمعاني المرتبطة بها. ينظر:
Chantal Mouffe, The return of the Political, First published, (London: Verso, 1996), p34.
[43]– D. Miller and M. Walzer, Pluralism, Justice, and Equality, (New York: Oxford University Press, 2002), p19.
[44]– G.W.F. Hegel: [2007], op. cit., p. 133.
[45]– A. Honneth: [2017], op. cit. p48.
[46]– A. Honneth, «Freedom, Solidarity, and Democracy», in: Odin Lysaker and Jonas Jakobsen (Edit.) , Freedom and Recognition, (Boston: Brill edition, 2015), p267.
إنّ المساواة فيما يتعلّق بشروط الاستقلاليّة عند هونيث تنطوي على حقوق وواجبات مختلفة ومتبادلة بين الأصدقاء والعشّاق وأفراد الأسرة، وفي الاتجاه نفسه في العلاقات بين المستهلكين والمنتجين الذين يلتقون من خلال تفاعلات السّوق، أو بين المواطنين الذين يتعاملون مع بعضهم البعض في المجال العامّ.
[47]– Jean-Philippe Deranty, « Redistribution and recognition from the point of view of real equality Anderson and Honneth through the lens of Babeuf », in: Denise Celentano and Luigi Caranti (ed.), Paradigms of justice: Redistribution, Recognition, and Beyond, (New York: Routledge Taylor & Francis Group, 2021), p74.
[48]– A. Honneth, Le droit de la liberté. Esquisse d’une éthicité démocratique, traduit de l’allemand par Frédéric Joly et Pierre Rusch, (Paris : Éditions Gallimard, 2015), p197.
[49]– Hans Jonas, Le principe responsabilité : une éthique pour la civilisation technologique, trad. J. Greisch, (Paris : Cerf, 1992), p392-393.
[50]– Hannah, Arendt ; La liberté d’être libre, les conditions et la signification de la révolution, traduit de l’anglais par Françoise Bouillot, Payot, Édition du Kindle, French Edition, 2019, p21.