ملخّص:
نحاول أن نبين ونحن نتطارح هذا الإشكال من خلال “محاورة المأدبة”، أن أشدّ المعاني أهميّة وأكثرها طرافة لتلك التي تشي أنه ليس ينبغي على الآلهة تحطيم الناس، لأنّها في حاجة إلى الكرامات والأضاحي.
ونسعى في هذا الضرب من المقاربة إلى كشف مرتكزات القول الأفلاطوني الذي يذهب إلى أن الحكاّم لا يستطيعون تدمير رعاياهم، إلا أنّهم أيضا لا يستطيعون تركهم يفعلون ما يشاؤون، ولقد وجد “هوميروس” حلاّ: حفظ الناس وإضعافهم. ومن المفارقات الكبرى أن أصبح الناس طبيعيين ومرّتبين، وهكذا فقدوا أفكارهم العالية. وفي هذا السياق يبدو أن “إيروس” حركة من الطبيعة وقد تناقضت، إنه ضد القانون. ويتوجّه “إيروس” نحو وجهة مقابلة لوجهة فعل آلهة الأولمب. ولنبالغ قائلين لجعل الأمر أوضح إن “إيروس” جاحد جذريا.
إن الخطير هنا، هو أن محاورة المأدبة في جملتها كتاب ساحر ولبعض أنواع السحر وظيفة التراجيديا. محاورة المأدبة في جملتها تقريظ لإيروس من حيث هو إله أو من حيث هو شيطان. ولأنّ إيروسه نقيا، موجها إلى الجميل فحسب لا إلى الخلود، لم يكتب سقراط. والشعراء وحدهم ينتجون مثل تلك الآثار الخالدة.
الكلمات المفاتيح: إيروس، المأدبة، الآلهة، الشعراء، الجميل، الخلود.
Abstract:
We are trying to show, as we discuss this problem through the “Banquet Dialogue,” that the most important and funniest meanings are those that indicate that the gods should not destroy people because they need honors and sacrifices.
In this type of approach, we seek to uncover the foundations of the Platonic saying that rulers cannot destroy their subjects, but they also cannot leave them to do whatever they want, and Homer found a solution: preserving the people and weakening them. It is a great irony that people have become normal and tidy, and so they have lost their high ideas. In this context, it seems that “Eros” is a movement of nature that has contradicted itself, that it is against the law. Eros heads towards a direction opposite to the direction of the actions of the gods of Olympus. To Makei clearer, let us exaggerate and say that Eros is radically ungrateful.
What is dangerous here is that the banquet dialogue as a whole is a magical book, and some types of magic have the function of tragedy. The banquet dialogue as a whole is a tribute to Eros in that he is a god, or at least in that he is a devil. Because his Eros was pure, directed only to the beautiful and not to immortality, Socrates did not write. Only poets produce such immortal effects.
Key-words: Eros – the banquet – gods – poets – the beautiful – eternity.
1- استهلال:
إنّ ما ينبغي ألاّ يغرب عن الأذهان أنّ الندوة موضوع ترجمتنا قد جاءت في هذا السياق الطريف والأصيل للفلسفة السياسية[1]. وقد يحسن بنا، في هذا المستوى، أن نصوغ فرضيّة تنتبه إلى تلازم وتعلق ظاهر محاورة المأدبة حسب أغلب تقاليد البحث في أفلاطون بـ “إيروس” موضوعا للتفكير الفلسفي، من بين المواضيع الإيتيقية أو بتحديد الحب الفلسفي بكونه “الحب الأرفع”، وعين التقاطع أن “إيروس” أزيد بصفة لا متناهية من الشوق الجنسي، إنّه الشوق إلى الوحدة، إلى الكليّة، إلى التمام بالمعنى المجرّد، التمام الدائم، إنه شوق لا يمكن إشباعه[2].
ولتيسير تداول وقراءة هذا الذي ليس بمنأى عن “المعيش والمعرفة”، في ابتداء أمره، لابدّ من الوقوف – ولو قليلا – عند محاولة ابتكار تقليد فلسفيّ متين، يستفيد من النصوص والإحالات.وقصد الإمعان في البيان يمكننا أن نستدل على الملمح الأساس لهذه الأطروحة،فقد نأى “ليو شتراوس” بنفسه عن تلك التقاليد ليبرز كيف أنّ المحاورة لا تتعلق بذلك، إلا من أجل بيان كيف أن الفلسفة من جهة كونها حب الخير – لا مجرد الشوق الشغوف ترسم للسياسة بالمعنى الحصري حدودها، وتقترح “سياسة كبرى” هي سياسة الفلاسفة، التي تتميز في ذات الوقت من السياسة الممتنعة التي عرضتها “محاورة الجمهورية” وعن السياسة الممكنة التي عرضتها “محاورة النواميس”.
إذن نُعْنَى بفلسفة أفلاطون السياسية في شكل “محاورة المأدبة” ومحاولة تأويلها، وكاستتباع لهذا المُنْتوى علينا أن نسأل عندئذ عن مبررات اختيار محاورة المأدبة؟ ماذا نستطيع أن نأمل تعلّمه من “المأدبة”، في تساؤل جذريّ، قد لا نتعلمه من أيّة محاورة أخرى؟[3].
2- بين السياسة الممتنعة والسياسة الممكنة، في سياسة الفلاسفة:
بإمكاننا على نحو مفيد أن نومئ منذ البدء إلى أنّه ثمّة منافسون كُثر للفلسفة بل قل بدائلَ كثيرة لها، إلاّ أنّ الشعر أكثرها أهميّة. ولما نحاول استشكال المسألة، نلاحظ أنّ ما نسمّيه علما، في منظور أفلاطون بكلّ بساطة وبجلاء تابع للفلسفة وليس منافسا لها. وليس لنا أن نَذكُر الدين، ما دام الدين ليس لفظا إغريقيا (قديما)[4]، وقد دأبوا على التقوى، وإذا عُلِمَ هذا، فيجب والحال كذلك، التأكيد على أنّ التقوى ليست منافسا للفلسفة. فبانكبابنا على فحص الأمر ندرك أن الفلسفة هي التقوى الحقيقية. وإن هذا ليشير على نحو وطيد إلى أنّ المنافس الحقيقيّ للفلسفة هو الشعر والتراجيديا خصّيصا، لما تمارسه من افتتان هو الأكبر والأمتن ما دامت تُثير على نحو عميق أكثر الناس عددا. وليس من الصدفة في شيء أن يذكر أفلاطون في تنبّه حريص مطلع الكتاب الثاني من “محاورة الجمهورية”، خصومة الفلسفة والشعر.ولقد كان الشاعر “ميليتوس” في “محاورة الدفاع”، حاسما بوجه ما في الادعاء على “سقراط”، متهما إياه باسم الشعراء، فقد هدّد “سقراط” ملاذات الشعراء. وبلا ريب علينا أن نلتفت إلى ما ضمّنه الشاعر الكوميدي “اريسطوفانس” مسرحية السّحاب[5].
والسؤال الذي يطرح من فوره: ما الذي يحدث بين الفلسفة والشعر؟ إنها مناظرة حول الحكمة. حيث يقدم “سقراط” في “مسرحية السحاب”، الرجل الباحث في الطبيعة، في طبيعة كل الأشياء، أو في الكلّ، وبمثابة معلّم بلاغة أيضا. إن طرافة المقتضى تزداد جلاء عندما، يقدَّمُ على أنّه مفسدُ الشباب لأنه قد عرض على شباب تَفوّقَ حجة تنتصر للظلم على حجة تنتصر للعدالة. وإن ما يثير الانتباه هو أنه يتخطّى الحياة العابرة والعادية للإنسان، وكلّ ما هو بشري لا غير، ونحن نعثر هنا على أمارة حاسمة تكشف الطابع التواضعي للأشياء التي يعتبرها كلّ الناس مقدّسة[6]. وفي هذا المستوى نلتمس وجها من ثورة دينية مما يقترحه “اريسطوفانس”. وحقيق بنا أن نشير إبانئذ إلى أن “اريسطوفانس”، يبتكر بمعنى ما آلهة جديدة :وهكذا استبان أن “إيروس” يستحق أكثر أنواع العبادة لأنّه من بين الآلهة الأكثر محبّة للإنسان[7]. أوليس من دلالات هذا الافتراض الصامت والمفكر فيه، بناء التباسات تستعيد لحظة اقتراف “سقراط” لجرم اتّهم به قَبْلا؟
وإنه ضمن هذا السياق كان عاجزا على التفوّق في نهاية الأمر،ومن الطريف أنّه معلّم بلاغة، فلم يكن قادرا على إقناع العدد الأكبر. لقد أصبح “مختبر تفكيره” – أي مدرستُه – أثرا بعد عين تماما. من أجل ذلك لا يجد “أريسطوفانس” حرجا في الإيحاء بأن الفلسفة، خلافا للشعر – ليست قادرة على إقناع الجمهور أو غوايته. وبعبارة أظهر للقصد، تتجاوز الفلسفة العابر والدنيوي والسياسي. ومن ثمة لا تستطيع أن تلمّ به وتفهمه. وإن الإبصار بوجه التواشج بين عماء الفيلسوف بما هو كذلك عن المقام الذي تُوجد ضمنه الفلسفةُ، أي الحياة السياسية، مكّن “أريسطوفانس” من دَرْكِ أنه لا يَتفكَّر أفعاله الخاصة، وتنقصه المعرفة بذات نفسه. وقد تقدم البيان أن ما ينقص الفيلسوف إنما هو الحذر بالمعنى الواسع والأفلاطوني للكلمة، وهذه الأشياء عادت إلى الظهور بحيث يُسْتغنى عن الحديث فيها، ومدار الأمر أنه لا يفهم الأشياء السياسية. وعلى هذه السبيل جرى أن الفلسفة لا أيروتيقية ولا موساسية[8] (لا ربانية) ولا شعرية. وتنطوي هذه الصيغة على تضمين مؤداه أن الفلسفة مُعْمَاةٌ عن الأشياء البشرية كما نختبرها في الحياة وفي مشاهد الحياة، وهو ما لا نكاد نبصره ونشاهده إلا في الشعر. وهذه التوليفة المنازعة بين الشعر والحكمة النظرية المحض في مقام إنساني عنيد، لا تتسنى للمستعجلين، وهي تُتمّم الحكمة النظرية تماما في أفق السؤال الحادّ عن الذات. وكأنّ غرض الشعر الإيماء، إنّه ثمّة قدر من الارتياب والتحفظ لابد أن يظل المحاذي أبدا لكل ضروب مقاربة النفس، ما دام الشعر أوج الحكمة الأكثر شمولا[9].
وفي صيغة من الاعتراض يدفع “أفلاطون” و “اكسينوفون” هذا الاتّهام على النحو التالي: إنّ “سقراط” بعيد عن أن يكون مَعْميّا عن السياسة إلى حدّ أنّه على الحقيقة من اكتشف خصوصية السياسي. واللحظة الفارقة هو أن سقراط فهم على وجه التحديد السياسي بما هو كذلك، بناء لصيغة طريفة على غير منوال، وهو أن السياسي يتّصف بممانعة مخصوصة للفلسفة. ونحن نرى “سقراط” في “محاورة الجمهورية” لـ”أفلاطون” رجلا له حسّ بمسؤولياته السياسية. وإنّه بفضل “سقراط” تتفوّق الحجّة التي تنتصر للعدالة على الحجّة التي تنتصر للظلم. وليس يخفى أن فلسفة “سقراط” هي امتثال للإنذار الدالفي: “اعرف نفسك بنفسك”. وإن مجمل فلسفته معرفة ذات النفس أو جودة الروية، وسقراط رجل غير مجرّد عن “إيروس”، بل هو المتخصّص في “إيروس”. وليس صحيحا أن الشعر هو الأوج الذي يوضع أعلى من الفلسفة، إنّ الفلسفة هي على العكس الأوج الذي يكمّل الشعر. إنّ ذلك لا يعني فقط أنّ الفلسفة تتفّوق على الشعر في التباري على مرتبة أسمى حكمة. بل يعني أيضا أنّ النوع المناسب من الفلسفة هو على الحقيقة أكثر شعريّة من الشعر بالمعنى الجاري[10].
ومن البيّن بنفسه أن الشعر يعرض التجربة البشرية للأشياء الإنسانية أو يؤولها وفق نظامها الخاص، أي باعتبار الرفيع رفيعا والوضيع وضيعا. ولكنّ الشعر مضطرّ إلى الإقرار بأنّ الأشياء البشرية ليست بكلّ بساطة ووضوح الأشياء الأكثر رفعة، أو الأشياء الأولى، وأنّ المبادئ الحقيقية لا تكون بشريّة. فعند “هوميروس” مثلا، المبدأ، “آرخي” Archè هو المحيط – الأوقيانوس Okeanos، بيد أن “هوميروس” لا يمكنّنا، ولا هو يستطيع تمكيننا من رؤية المبدأ وقد تجلّى في الإنسان قبل أيّ شيء آخر، وقد تجلّى بطرق مختلفة بين الناس المختلفين. وعندما ترون “هكتور” أو “أخيلوس”، فأنتم لا ترون ضمنهم أوقيانوس، المبدأ. وإن ما علينا أن نبصر به وقتئذ، هو أن الفلسفة الأفلاطونية قادرة، بفضل فهم عميق للمبادئ على رؤية ظهور المبادئ في الناس[11].
إن اللافت للنظر في هذا المقام هو أن الدراسة الأوسع للشعر عند “أفلاطون” توجد في “محاورة الجمهورية” وفي “محاورة القوانين”، ولكنّنا لا نجد في هاتين المحاورتين أيّ نقاش مع الشعراء – فلا يحضر أيّ شاعر، فدعونا نتدبّر المسألة على نحو مغاير، في مستواه يتبيّن أن لقاء “سقراط” مع الشعراء وصراعه مع الشعر هو “محاورة المأدبة”. وإنّ ذلك لأوّل مبرّر لأهمّية “محاورة المأدبة” المخصوصة. ولئلاّ يَقُولنّ قائل إنّ المسألة تفترض مقدمة استثنائية، أي تعاطفا مع “أفلاطون”، يؤكد “ليو شتراوس” أنّ الأمر إنما هو في ارتباط إشكالي بأفق ومنزلة العقل البشري. ربّ تأكيد سوف يتحوّل إلى تنازع داخلي غليظ ولحظة فارقة بين العقل وما يفترضه الشعراء على نحو ما، من أنه ثمّة غير العقل، وإن في ذلك لأمارة على ممكن يفوق العقل وينبغي أن يحلّ محلّه.
أمّا المبرّر الثاني لكون “محاورة المأدبة” مهمّة، فإنّما هو إن شئت، الاستشكال الحامل على الريبة، والذي يتعلق رأسا بالغرض المشترك بين الشعر والفلسفة، والتي هي الأشياء البشرية. وبيّن بنفسه أنّ الأشياء البشرية هي رئيسيا الأشياء السياسية، لأنّ أكبر أهداف الجنس البشري وأجدرها بالاحترام، إنّما هي سياسية – وهي الحرية والسلطان. ويمكن أن نقول أيضا إنّ السلم والحرب هي ظواهر سياسية بيّنة[12]. إنّ السياسي ضمن السياسي هو ما يسمّيه الإغريق بوليتيا (وهو عنوان محاورة الجمهورية في الأصل الإغريقي). ويعني هذا اللفظ في شرح بسيط ما يشبه الدستور. وتعني “بوليتيا”، طابع الحكم، سلطات الحكم، ومع ذلك، من جهة ثانية تعيّن “بوليتيا”- وهذه هي الدلالة الأهمّ – ضربا من الحياة.
وهكذا فضرب الحياة الخاص بمجتمع من المجتمعات تحدّده بطريقة حاسمة تراتبيته أو كما يقال اليوم نظام طبقاته. وإنّ الشكل الأكثر كثافة لهذا النظام يمكن أن نعبّر عنه بهذا السؤال استكمالا لعين الإشكال: ما هو نمط الإنسان الذي يسود علنا بممارسة سلطان يقصد إلى الإرغام على الطاعة والاحترام؟ ما هي العادات المندوبة والمحمودة في المجتمع بأكمله فتظهر في سلوكه من حيث هو مجتمع؟ ما هو الذوق الخلقي المؤثّر في توسّل النظام السياسي؟
نحن نرى مباشرة، وبالاستناد إلى تجاربنا الحالية، أنّ ثمّة أنظمة متنوعة من هذا النوع. وإنّ النزاع بينها لا يوجد إلا في عقول البشر، وهكذا يبرز سؤال معرفة النظام الأفضل. لقد كانت الإجابة الأولى التي قدّمها رجال مثل “أفلاطون” و”أرسطو” و”سقراط” من قبلهما، هي التالية: إنّه النظام الذي يحكم فيه العلماء على نحو مطلق ودون أن يسألوا، أي دون مساءلة أناس آخرين. وإنّه ليبدو مما يخرق طبيعة الأشياء أن يَسْأَلَ الحُكماءَ من ليسوا كذلك. ولكن هذا النظام غير ممكن الوجود كما كان يعلّم كلّ من “أفلاطون” و”أرسطو”. إنّ عدد الحكماء قليل ما يجعله غير قادر على إرغام العدد الكبير من غيرهم، ولا يستطيع الحكماء إقناع من ليسوا كذلك بالقدر الكافي (من الإقناع). فينبغي حَدُّ الإقناع عند الموافقة، وينبغي تلوين الحكمة بالموافقة، أي بموافقة غير الحكماء. وبعبارة أخرى يتضمّن السياسي مثلَ حقّ اللاحكمة، حقّا في الجنون أو الحمق. تلك هي مفارقة السياسي: الاعتراف بحقّ اللاحكمة. إنّ البوليس – الشعب –[13] يفرض أكبر احترام دون أن يستأهل ذلك، تلك هي معضلة السياسي، ليست تعاليم الحكمة ما يحْكُم بل القوانين السائدة. إنّ حكم الحكمة ليس ممكنا إلا في الشكل التالي: يمكن أن يبلور مُشَرَعٌ حكيم مدونة تُقْبَل تاليا باقتناع مجموع المواطنين. ومن الجليّ أنّه لا يكفي أن نتبنّى القوانين، بل ينبغي أن يوجد من يقدر على تطبيقها وعلى تصريفها بشكل منصف. إن اللفظ الإغريقي الذي يفيد “منصفا” – يرادف اللفظ الذي يعني “النبيل”. إنّ النوع المناسب من الحكم هو حكم النبلاء، إنّ ذلك يعني المواطنين الحضريين الذين تأتي ثرواتهم من الريف لا من التجارة، هو ذا الشرط الاقتصادي الشهير للفكر الإغريقي[14].
وحتّى نفهم طبيعة هذه الانزياحات لا بدّ أن ندرك أنّ رهان المسألة إنما يكمن في تخصيص “ليو شتراوس” هذه الندوة الجميلة لأجمل محاورة لـ “أفلاطون” حول موضوع جميل، بقدر ما هو عويص، نعني القبض النظري اللاتاريخي- الذي يكرر “المأدبة” في الندوة – على تواشج الفلسفة والحب والسياسة[15]. ولسوف نرى كيف ينطلق “المترجم” منذ البدء في تقديم التبريرات التي جعلته يختار مفردة “المأدبة” على باقي المفردات، موضحا أنّ ترجمة الكلمة الإغريقية “مأدبة” ليست يسيرة، إذ ترتبط بسياقات طريفة وأصيلة، في علاقة بالتجربة الإغريقية القديمة، بيد أن هذا التصور ليس يظهر على حقيقته إلا إذا أبصرنا به على ضوء ما يعنيه “الشرب الجماعي”، الذي يلحق “الأكل” ومن هنا عدم إحاطة معنى “الوليمة”[16] بمعنى “سيمبوزيوم” لعدم تضمنه “الشراب” وهو ما يقال كذلك على معنى “المائدة” القرآني[17]. وإذا نحن تأمّلنا هذا، علمنا يقينا أن “المترجم” يعتزم النظر في كيفية التغلّب على المأزق المزدوج للمماهاة والاختزال. ما دام هو يتضمن معنى “الوليمة” ويختلف عن معنى “الطاولة” التي لا تتضمن وجود الطعام كما نجد في فقه اللغة ولا يتضمن معنى “الشراب” كما لا يتضمّن “تبادل الكلام” بالضرورة. ويتضمن معنى “الندوة” بالعربية معنى تبادل الكلام[18]. ولكنّه لا يعود إلى “الشراب”. ليست الترجمة بـ “المأدبة”[19]، الناتجة عن الترجمة عن الفرنسية، بالكافية لأنها لا تتضمن بالضرورة معنى تبادل الخطب[20].وبضرب من رفع الاستغلاق المعتم لكلّ الدّلالات، يجب الإشارة إلى أنّ النصّ الأفلاطوني ذاته يسوده، قلق متعمد في حال “الإيروس”. وقد أشارت إلى ذلك المحاورة ذاتها “فقالت ديوتيما: لا تندهش من ذلك، فهل يدهشك أننا قد فضلنا عن “إيروس” بعض جنسه (إيدوس). وغني عن القول أن هذه الاعتبارات لم تكن لتراودنا أو تشغل بال المعاصرين، إلاّ لأنها تكشف عن أسف دفين وفي الوقت عينه عن رغبة مبهمة في العناية بالأمر ومراجعته، ليستبين “أننا قد سميناه “إيروس”، بإسناده اسم الكلّ، في حين أننا ندعو كلّ الأجزاء الأخرى بأسماء مختلفة”[21]. هذا ويجد القارئ لاحقا في بعض المواضع لفظ “الحب” أو لفظ “الشوق”، زيادة على “إيروس”[22].
إلاّ أنّه ليس بمستبعد أنّ “الكائنات البشرية لم تدرك البتة قدرة إيروس”[23]، فإذا فتشت وأجدتّ التأمل وجدت، أنّها “لو فهمتها لكانت قد بنت له كبريات المعابد والهياكل ولكانت قد قدّمت له أعظم الأضاحي (…) سبب ذلك هو أنه إيروس الإله الأكثر محبّة للبشر”[24].
ولنقترب من هذا الذي لا يزال يشكل إشكالا، نعثر عند “شتراوس” على تأكيد مفاده إنه مُستوحى من “تقليد”، إذ الفلسفة السياسية تمكن من الدلالة على تعقل ضاف لطبيعة الإيروس واختباره دونما مبارحة نطاق التفكير فيهما. فالسياسي بالمعنى الحصري هو ما يحدّد مقام المحاورة، لأن “القبيادس” قد خُصّ منذ بداية المحاورة إلى جانب “سقراط” و”أغاثون” باهتمام محاور “أبولودورس”، كما هو في النهاية من يقطع الحفل ليحوّله عنوة إلى مأدبة، ويختم سلسلة الخطب الايروتيقية بتقريظ “سقراط”.
ويستفرغ “شتراوس” الجهد لإجلاء ذلك المنسي، برهانه سنة حصول الحفل تلك التي تضفي معنى سياسيا على مقام المحاورة وعلى غرضها وهما ليسا سياسيين، لأنّ الحفل قد أقيم مباشرة قبل الحملة على “صقلية” التي كان “القبيادس” مدبّرها. إن انسحابه الذي كان بالفعل في أصل فشل تلك المغامرة، يعود إلى الهستيريا التي سادت “أثينا” بعد تشويه الهرامسة وتدنيس الأسرار اللذين كان يُعتقد أن “القبيادس” متورّطفيها. والواقع إننا إذا دققنا النظر في هذا، وجدنا أنه وبعد أن تأثر المضمون بتلك الحوارات على نحو صارم، بات “الحدث” مهيأ لأن يتحول. ويؤول “شتراوس”، “المأدبة” على أنها تُعَبّرُ عن موقف “أفلاطون” من ذلك التدنيس: فيُبيّن “سقراط” على لسان “ديوتيما” الناطقة باسمه أنّ “إيروس” ليس إلها، وهكذا يلتقي السياسي باللاهوتي مما يسمح باستعادة همّ “شتراوس” الدائم[25].
3- ايروس؛ الاكتمال وتحدّي الناس للآلهة:
قد يتعيّن علينا بمحاذاة ما لمحّنا إليه أن نذكّر أن الناس يتصرفون “كما لو أنّهم لم يَخْبروا أبدا قوة “إيروس”، لأنهم لو خبروها، لبجّلوه أكثر من أيّ إله آخر، وهم لا يبجّلونه اليوم مثلما ينبغي أن يفعلوا”[26]. وليس بوسع المرء أن لا يتبيّن ما يومئ إليه “شتراوس” وهو ينثني راجعا إلى ما يقترحه “اريسطوفانس” والذي “سنسميه ثورة دينية لا مجرد تحوير للقانون كما اقترح باوسنياس”[27]. وما لا ينفك “شتراوس” يذكّر به أن “اريسطوفانس” يبتكر بمعنى ما آلهة جديدة، إنه الجرم عينه الذي اتّهم به “سقراط” لمّا بَدا البَدْءُ.
وقد يكون من اليسير علينا الآن أن نجزم بأن قدرة “شتراوس” على تَبيُّنِ القيمة الكبرى لأشياء تبدو صغرى، لا تظهر للعيان في أي موضع أكثر منها في تأويله “محاورة المأدبة”. وهو يبين أن هوبريس “سقراط” التي نبّه إليها كل من “أغاثون” و”القبيادس”، لتبدو في مذهبه في “إيروس” كما في منافسته لـ”أغاثون” على حدّ السواء، أين يبدو “القبيادس” حكما، وهو بذلك قد رحلّ محلّ “ديونوسيس” وتبوأ منزلته. ويظهر النزاع بين “سقراط” و “أغاثون” بدوره على أنه نزاع بين الشعر والفلسفة: فلقد كان “سقراط” قد بيّن لـ”اريستوديموس” الهوبريس(الظلم) التي طال بها “هوميروس”الخير. وإنما الخطة العميقة على الحقيقة لـ”اريسطوفانس”، وخطبة “أغاثون” الغبية في ظاهرها تشتركان في كلّ ما يمكن أن تزعمه كلّ من الكوميديا والتراجيديا بصدد الفلسفة[28].
وإذا تغلغلنا في تمحيص هذا الذي يحاول “شتراوس” بيانه لأدركنا أن (أريسطوفانس وأغاثون وسقراط) فقط يقدمون خطبا لا تستتبع “إيروس” لشيء آخر. وإنما خطبهم فقط خطب ملهمة، لأن “فايدرس” ينظر إلى “إيروس” من زاوية الأنانية، و(ياوسنياس) من منظور الأخلاق و (أريكسيماخوس) من وجهة نظر العلم. ويضمحل “إيروس” في كل حال من هذه الأحوال في شيء آخر ولا يبدو في ذاته، حتى تكلّم “أريسطوفانس” بعد خلاصه من الفراق. لقد أربك فراقه ترتيب الخطب ووضع الشاعرين في ذات جانب “سقراط”[29]. ولم يمنع تحديد “شتراوس” لتوزع الخطب إلى زمرتين، كلّ واحدة تتضمّن ثلاث خطب، من متابعة الخطب الثلاث الأولى بكل عناية.
وعلى هدي هذا الضرب من الإدراك وانطلاقا من هذه اللحظة أصبحت أنانية “فايدروس” مرتبطة بانزلاق سقراط من اهتمام بالجمال – وهو الفهم العادي – إلى اهتمام بالخير. وإن دفاع “باوسنياس” غير المستقر في عديد مراحل حجاجه عن الحرية والفلسفة والأخلاق يلخّص المشكل السياسي الذي تَطْلُبُ “محاورة الجمهورية” حلَّهُ: ويُمَكّن التوازي الذي يقيمه “أريكسيماخوس” بعدُ بين “إيروس” والعلم من استشعار المشروع الحديث الذي توقعه “أفلاطون” على نحو غريب واطّرحَهُ مسبقا[30].
والأمر الحقيق بالمعاينة أن “شتراوس” رأى ضرورة المقارنة، فقارن في بعض الأحيان محاورات أفلاطون، إذ طبّق ذات ملاحظات سقراط الخاصة بالكتابة، بحيوانات في حديقة يُدفَعُ زائرها إلى تصنيف فتاتِ الأصناف المفردة في زمر مختلفة. ولقد كانت بعض مقاييس التصنيف الأوضح التالية: هل كانت المحاورات مَروِية أو لا ؟ وإذا كانت مروية فهل رواها سقراط أم غيره؟ هل يُعرَفُ مقامُها أو أعطيت تواريخها؟ هل تُعرفُ شخوصُها؟
وهكذا فالفكرة لا تستدعي مراجعة الطروحات الفائتة فحسب – سواء ما نُطق به على عجل أم دون تروّ، كما تبلورت في تاريخ الفلسفة، بل تُمَكِنُ إذا ما فُهمت بصفتها مبدأ من مبادئ المعقولية، من قيام نقد جذري.
ولقد رُويت محاورة (المأدبة) عديد المرات وهي تشترك في ذلك مع محاورة (البارمينيدس) حيث تروي إحدى علاقات سقراط تجربتَه الثانية في الفلسفة. ويروي (فيدون) في محاورة (الفيدون) قصة سقراط ذاته لتجربتِه الأولى في الفلسفة ويروي (أبولودورس) في محاورة (المأدبة)، هو الذي لم ينفكّ عن البكاء في (الفيدون)، التجربة الأخيرة لسقراط في الفلسفة. ولقد لاحظ “شتراوس” أن رواية “ديوتيما” التي تظهر إيروس بمظهر “دايمونيون”[31]، أي وسيط بين الآلهة والبشر الفانين، إنما تقصد بوضوح إلى رفع المصاعب التي وجدها بارمينيدس في مُثُل سقراط الذي لم ير من موجودات غير المُثل والأشياء التي تشترك فيها.
وإذا ما نزّلنا هذا الاهتداء في سياق البحث عن منابت الكلمة، تبين لنا أن للمفردة كما استخدمت وظيفة مركزية. ويرى “شتراوس” أن إيروس أي ماهية النفس، ينبغي أن يكون وسيطا لا يمكن ردّه إلى مثال نموذجي ولا إلى نسخة. وتبعا لذلك تصبح السيكولوجيا مرتبطة بالأنطولوجيا أو بالكوسمولوجيا ويفتَح الباب أمام الالتفاف على المفارقة البارمينيدية. وقد تابع “شتراوس” بكون “محاورة البروتاغوراس” تتضمّن شخوص المأدبة باستثناء “اريسطوفانس”.
وليس شيئا في باب الاكتشاف العظيم أن يقال إن إطار الفهم الذي انتهينا للتو من تحديده بعبارات عامة جدا، يكشف عن نظرة معينة تستنتج أن “اريسطوفانس” قد عوّض “بروتاغوراس”: يقدّم الشاعر الكوميدي أسطورة حول أصل الإنسان وطبيعته تتفوّق على أسطورة السفسطائي، لأنها تجمع بين عقوق الإنسان وتحضّره، أي ازدواجية طبيعة الإنسان، وذلك على نحو لم يفهمه “بروتاغوراس” البتة. وتَجُرّ صلة “محاورة المأدبة” بـ “محاورة البروتاغوراس” معها محاورة الجورجياس التي تتعلق بالعلاقة بين العدالة والخطابة أو مسألة المعقولية والعقاب. ولا تستفيد “محاورة المأدبة” من خلال تقريبها من تلك المحاورات صلة بمحاورة الجمهورية فحسب، بل وتستبق أيضا “محاورة الفايدرس”، وأغراضها الإقناع والديالكتيكا والكتابة في نطاق عنصر الإيروس.
ولسوف نرى كيف يمكن لـ “شتراوس” في سياقات طريفة وأصيلة، التفكّر والتَبَصُّر بالقرابة بين محاورتي الفايدروس والقوانين، أو بين محاورتي المأدبة والأبينوميس، لأن الكتابة تربط الزوج الأول في حين يربط معنى المناسبة الزوج الثاني. لم يقم “شتراوس” دائما بتخريج هذه الصلات بوضوح، ولكنّه اقترح طريقة لمحاولة ترتيب عالم المحاورات الأفلاطونية الناقص ضرورة، وذلك بالسعي إلى جعله محاكاة للكسموس الحقيقي[32].وإذا أردنا أن نستظهر البنية الأنطولوجية للموجودات والأشياء في صلابتها وكثافتها الطبيعية في تشكيليتها الحسية فإنه غني عن البيان القول إنطبيعة إيروس ستظل غامضة برغم كلّ ما يقول “اريسطوفانس”[33].
نريد في هذا المستوى من الاستشكال أن نوضّح أنّه ليس ثمة كما اليوم الرجل والمرأة فقط بل وكذلك جنس ثالث مشترك بينهما، وكان يوجد حينذاك جنس خنثوي”[34]. كلّ هذه دلائل تدل على أن الإنسان كان في الأصل شيئا مستديرا يتحرك دائريا، وهو إعلان مضمونه أن الشمس والقمر والأرض آلهة، وحرصا منه على ربط هذا بما ذهب إليه قبلا، يوضح “شتراوس”، أن “الشمس والأرض هما الإلهان اللذان يقدم لهما البرابرة الأضاحي (لا يؤمنون مثل الإغريق بأن الآلهة لها أشكال بشرية) في حين لا يقدم الإغريق ذلك إلا لآلهة الأولمب”[35].
ما يمكن استجلاءه أنّه كانت للإنسان الأصلي أفكار عالية وكان الناس الأُّوَل الأخلاف المستديرين للآلهة الكونية (…) بات واضحا إذن أن الأفكار العالية هي أفكار الذين لا يستسلمون للطغاة وبما أنهم من أخلاف الآلهة الكونية فقد كانت أفكارهم عالية ولم يكونوا خاضعين للطغاة وبالتالي ليس يمكن أن يحترموا آلهة الأولمب، الآلهة ذات الشكل البشري “لقد كانوا هائلي القوة البدنية وعظيمي البأس وكانت لهم أفكار عالية واعتزاز بالنفس”[36].ولعلّه استبان لنا الآن سبب رفض الناس الأوّلين من أصل كوني الخضوع لآلهة الأولمب، وما لا يسعنا إنكاره أن كلّ تمرد على الآلهة الأحياء مآله الفشل، كما أنه يسهل إدراك أنّ النّاس في الأصل قد بجّلوا آلهة الأولمب وقدّموا لها الأضاحي قبل التمرد عليها. وما يمكن أن نعود إليه بعد هذا المنعرج من الاستدلال الطويل هو أن الآلهة لم تكن لتسمح بالسلوك الإباحي للإنسان، ففي تعقب ذلك اعتلن أنها لو فعلت خلاف ذلك لكان يمكن أن تفقد قوّتها وما إليها. إلا أن المبلغ الذي بلغناه يدل على أنه ليس ينبغي على الآلهة تحطيم الناس لأنها في حاجة إلى الكرامات والأضاحي (…) وإذا كان الأمر على هذا فغير بعيد أن ليس حب الإنسان ما يحرّك الآلهة، وقد سبق منا القول أن “إيروس” هو الإله الوحيد المحب للإنسان[37].
ولا يصعب على المتمعن آنئذ أن “يتفهم” الوضع المتوعر الذي كان يوجد فيه “زيوس”، ولأن الحكام لا يستطيعون تدمير رعاياهم، ولا يستطيعون تركهم يفعلون ما يشاؤون، وجد “هوميروس” في صورة الحاكم الكامل، الحكم الأكثر حكمة، وجد حلا: حفظ الناس وإضعافهم، أناس أكثر عددا وأناس أكثر ضعفا، إنه يزيد من نفع الناس للآلهة، فلا وجود لمحبة الإنسان هنا. ومن المفارقات الكبرى أن أصبح الناس طبيعيين ومرّتبين، وهكذا فقدوا أفكارهم العالية.
لقد أمسى الناس أناسا بفضل عقاب “زيوس”، وأصبحوا متمدّنين، فالتمدّن تأهيل[38]. والسؤال الأساس الذي يطرحه “شتراوس” وينزاح به عن الدلالات المألوفة: هل أن الآلهة ذاتها عادلة ومرتّبة؟ ويوحي هذا السؤال بتضمين مفاده أن الآلهة لا تحركها غير منافعها الخاصة. ولكن ما الذي بجعل الناس عادلين؟ القانون يجعل الناس عادلين، ولكن القانون يفرضه الأقوى. إلا أن البشر لا يصبحون كذلك ما لم يخضعوا للقانون ويدين الإنسان بإنسانيته للقانون الإلهي، وستكون الدعوى العامة لخطبة “اريسطوفانس” أن “ايروس” هو طبيعة الإنسان وقد جُعلت همجيّة، وهي طبيعة قد تضاءلت بسبب فرض القانون. وبالتالي يكون المشكل النهائي معرفة كيفية إرساء علاقة تحول دون التمرد ومحاولة العودة إلى الوضعية الأصلية وإلى آلهة الأولمب التي يدين لها الإنسان بكل حياته[39].
إن الإنسان الأصليّ قريب على نحو منظور من الآلهة الكونية، والإنسان المشتق قريب على نحو منظور من الآلهة ذات الشكل البشري، وقد صنع هذا الإنسان من قبل الآلهة لا حبا في الناس بل من أجل نفع الآلهة الخاص، ولو كان الإنسان صنع على حب فإنه سيكون الناموس مقدسا، ولكنه لن يكون كذلك إذا كان قد صنع من أجل منفعة، وقد وضح أمر التمرد وهو ماهية “إيروس” وضح أكثر لاحقا عندما أصبح “إيروس” أكثر من مجرد شوق لإشباع شخصي، ولم تطرح مسألة أصل الآلهة إلا في خطبة “أغاثون” أما عند “اريسطوفانس” فالمسألة هي قوة “إيروس” والجانب الحاسم الذي يقدمه هو التالي: إننا لا نستطيع فهم “إيروس” ما لم نر فيه عنصر تمردّ، إنه أعمق من كل شوق إلى اللذة أو إلى الإنجاب[40].
وتمكننا خطبة “أريسطوفانس” وهي الخطبة المركزية في المأدبة من التمييز ضمنيا بين آلهة الأولمب والآلهة الكونية ونحن نستطيع توصيف غرض “المأدبة” على النحو التالي: المأدبة هي المحاورة الوحيدة المخصصة لإله – الإله “إيروس”، إله إغريقي حليف لإلهة أولمبية – أفروديت، ولكنه إله صغير فليس هو مثلا موضوع عبادة عمومية في أثينا. وتعارض كلّ “محاورة المأدبة” و “اريسطوفانس” فيها على وجه الخصوص، آلهة الأولمب، الآلهة التي تقدّسها المدينة. ولكن “اريسطوفانس” هو الوحيد الذي يتحدّث عن الآلهة الكونية، بل إنه لا يتحدّث عنها صراحة باعتبارها آلهة كونية[41].
لقد تحوّل الناس الطبيعيون بفضل صناعة الآلهة ليصبحوا مرتّبين ويمثل “أبولون” نوعا من الطبيب ولكنه كذلك إسكافي، إن الحضارة البشرية حربُ خَصي[42]. ولقد ترك الإنسان عاريا ولم تقدر على إنقاذ الجنس البشري إلا سرقة نار “هيفايستوس” من جانب “برومثيوس”، ولقد شغل في خطبة “اريسطوفانس”، “إيروس”، مكانة “بروميثيوس” باعتباره مؤسسا للحضارة.
وليس من النافل أن فعل “شَطَر” يفيد “خَصى” – قسمة الكائن البشري إلى قسمين – ولقد نشأ “إيروس” من هذا الوضع، ومن المؤكد أنّ “إيروس” ليس أقدم الآلهة، وليس “إيروس” متصلا البتة بآلهة الأولمب وبالتالي لا صلة له بـ “أفروديت” على وجه الخصوص، و “إيروس” ممكن دون أفروديت وينتمي “إيروس” إلى الآلهة الكونية، من حيث هو شوق إلى استعادة الشكل الكوني المستدير – كان الإنسان في الأصل شيئا مستديرا يتحرك دائريا – ويمكن أن نقول بعد إن “إيروس” حركة من الطبيعة، من الطبيعة وقد تناقضت، إنه ضد القانون. ويتوجّه “إيروس” نحو وجهة مقابلة لوجهة فعل آلهة الأولمب. ولنبالغ قائلين لجعل الأمر أوضح إن “إيروس” جاحد جذريا. فإذا فحصنا كل الأفعال الفطرية التي يقدر عليها الإنسان فسنرى أنها يمكن أن تكون جميعا موجّهة في تحقيقها نحو مجد الإله. والتحقيق الوحيد الذي لا ينطبق عليه ذاك هو الفعل الجنسي. لقد كان ثمة على الدوام توتر بين الديانة التوراتية – الإنجيلية وإيروس[43]. ولقد اسقط “اريسطوفانس” “الخنثيين” من تعداده، لأنهم لم يعودوا خنثيي، فلا وجود من هنا فصاعدا إلا لرجال ونساء[44]. وهكذا قد يسمح الإشباع الجنسي للإنسان بالبقاء من أجل عبادة الآلهة ومن منظور الآلهة غاية الإشباع الجنسي هي التقوى ومن منظور الإنسان الغاية هي الإشباع الجنسي: إنهما غايتان مختلفتان تماما، وإن “إيروس” نتيجة طبيعية للتقسيم المصطنع الطبيعة القديمة، ليس “إيروس” هبة من آلهة الأولمب[45].
“إيروس” شوق إلى الطبيعة القديمة إلى الحال التي كانت فيها للإنسان أعلى الأفكار إلى الحال التي كان يريد فيها فتح السماء أو بالأحرى فتح الأولمب. “إيروس” تمرّد على الناموس. يكفّ الناس بفضل “إيروس” أن يكونوا عرضة للترهيب وهم يحصّلون مجددا أكثر الأفكار علوا. وإذا كانت هذه ماهية “إيروس” فإن جماعة الأباسل بطبعهم هي بالنحو الأرفع الأكثر ايروتيقية بالدرجة الأعمق من وجهة نظر ما يطلبه “ايروس” في نهاية المطاف: أي حال الاكتمال التي قد يمكن فيها للناس تحدّي الآلهة[46].
ويتوجب علينا الآن التذكير بأنّ الناس تأنّسوا بفعل “زيوس”، لأن الإنسان قد أصبح إنسانيا بفعل القانون، نتيجة الفعل العقابي لـ “زيوس، “فقد حدّد ذلك الفعل جنسانية الإنسان بقضاء تحريم نكاح المحارم[47]. ومهما كان الأمر فمن ماهية الإنسان أن يتكون من الاثنين – شوق جنسي لا حدود له وقانون، وإن القانون في مثل جوهرية الشوق الجنسي إضافة إلى الإنسان: ينبغي فهم “إيروس” في ضوء هذه الثنائية، التعارض بين الطبيعة والمواضعة[48].ويوغل “شتراوس” في الاستشكال، ذاهبا إلى أن “إيروس” هو الشوق إلى الطبيعة القديمة التي لم تخفضها المواضعة، الشوق إلى الكليّة أو التمام الأصلي، ولكن إذا كان “إيروس” كل هذا فإن هدفه خارج المستطاع. وفي عبارة هادئة: تكفل “زيوس” بذلك.
وإذا قرأنا الأمر ببعض العناية والتركيز فسيبدو لنا أنه في هذه اللحظة قد ظهرت الحاجة إلى التقوى. ويتبدّى جليا أنه ينبغي إتباع “إيروس” وهو قائد جيش وبالتالي فهو “ذكر” وهذا يتضمن تفادي استثارة غضب الآلهة، وإننا لندرك أن التخريج الأرفع إنما يظهر في تأكيد مفاده أننا إذا ما أصبحنا أصدقاء الإله وتصالحنا معه فإننا سنجد محبوبنا الحقيقي. ولقد انهى “اركسيماخوس” خطبته بضرورة وجود صداقة بين الناس والآلهة[49].
ويوافق الجميع على أنه إله عظيم، إلا أن في هذا أيضا نظر، حسب ديوتيما[50] وهي الآن تقول شيئا قاهرا: ليس “إيروس” حتى إلها – فليس هو مجرد إله عادي بل إنه ليس إله تماما[51]. وليس “إيروس” إلها لأنه ليس طيبا ولا جميلا، ولذلك فهو كما تقول ليس فانيا ولا خالدا[52]. وكل ما هو شيطاني هو بين الفاني والخالد، و”إيروس” شيطان وليس إلها، ومن حيث هو شيطان هو وسيط بين الآلهة والناس، بين الفانين والخالدين[53].
ويؤدي بنا نفي أن يكون إيروس حبّا ما لذات النفس ونفي أن يكون “إيروس” حب الجميل إلى اطّراح الآلهة، لأنّ الآلهة من خلق الشعراء[54]، الخلود حكر على أحسن الشعراء الذين يخلّدون أولا بآثارهم. ويفترض هذا أن الشعر ينتج في أفضل حال جودة الروية السياسية، وأنه يربّي أكبر رجالات الدولة والمشرّعين. ولقد اعرض “سقراط” تماما عن الأشياء “الميتافيزيقية” واكتفى بالأشياء البشرية (التي يهتم بها رجل الدولة) فهل أن “سقراط” غريم للشعراء ؟ يهتم الشعراء بالفضيلة وذلك يعني بشيء جميل من أجل الخلود، من أجل ما لذوات نفوسهم. ولذلك لا يحرك الشعراء حبّ الجميل أو النبيل، لا يحرّكهم “إيروس” الخلق من حيث هو كذلك. فهل يمكن أن يكون الفرق بين سقراط والشعراء قائما على كون سقراط يحرّكه إيروس النبل أو الجميل وأنه محب للفضيلة الخلقية؟
البيّن هو هذا: “إيروس” الشعراء ليس الأرفع، الشعراء أخصاب، أما سقراط فلا، الشعراء صناع منتجون مبتكرون، أما سقراط فلا يصنع وليس صانعا لأنه فيلسوف ويهتم الفيلسوف باكتشاف الحقيقة لا بابتكارها[55].
إن خطبة “ديوتيما” في جملتها كشف لأسرار، إن هذه الأسرار أسرار غريبة تكشفها امرأة غريبة[56]. “أن نحب ّ بدنا جميلا وأن ننشئ بصدده أقوالا جميلة، إنها إحالة على فعل الحب ثم بعد ذلك انزلاق من فعل الحب إلى فعل الإبصار[57]. فحب بدن واحد وحب كل الأبدان وحب النشاطات الجميلة والقوانين الجميلة وحب العلوم الجميلة، والشيء الجميل إطلاقا هي الغاية التي وجّهت إليها كلّ الجهود السالفة[58]. ويضمن “إيروس” من حيث هو شوق إلى ما هو جميل بكل بساطة ووضوح، من حيث هو شوق إلى الجميل المطلق، يضمن وجود ما هو جميل بصفة خالدة[59]. ولندركنّ أن “أيدوس”هو الشكل الذي لا يمكن إبصاره إلا بعين الفكر[60]. وهكذا ستحتلك المُثُل محلّ الآلهة، وبالتالي ألا تكون المُثُل كما يعرضها أفلاطون كذلك منتجات “إيروس” الجمال، تماما مثلما أن الآلهة هي مُثُلُ تلك المنتجات؟[61]. ولأنّ إيروسه نقيا، موجها إلى الجميل فحسب لا إلى الخلود، لم يكتب سقراط[62]. والشعراء وحدهم ينتجون مثل تلك الآثار الخالدة (وسقراط يحتقر هذا النوع من الخلود)، لا الفلاسفة[63]. وهو ما يؤشر على الطابع الإشكالي لـ “إيروس”، من جهة ويجعلنا نطرح السؤال “إذ لم يكن سقراط هو إيروس”(فسقراط يحتقر كلّ الناس بيد أنه يعتني بكلّ الناس وعلى وجه الخصوص الشبّان وفق ألقيبيادس)، سيما وأن “إيروس” لا يحبّ ووحدها الكائنات البشرية تحبّ[64].
4- خاتمة:
لقد جلب انتباه “ليو شتراوس” بشكل مثير، أن”المأدبة” هي المحاورة الأفلاطونية الوحيدة التي تتناول إلها، ولنحاذر من أخذ هذا الأمر الأخذ البسيط، فهذه الإيماءة متجذرة تجذرا، وهو ما كان قد هيأ لـ”فايدروس” التأكيد على أنّه الإله الأقدم وجعل “اريسطوفانس” يرتئي أنه أكثر الآلهة محبة للإنسان، كما ظهر مع “أغاثون” الأصغر والأرفع بين الآلهة. والأمر المذهل أن تستبعد “ديوتيما” أن يكونإلها البتّة. ولأن الغرض إعادة بناء ما استقر في مألوفنا يفترض “ليو شتراوس” أن “سقراط” قد قبل بدرس “ديوتيما”، ومن ثمة فما يبدو له واضحا هو أن “سقراط” لم يؤمن بأي من هذه الآلهة، أي آلهة المدينة، وهو لذلك قد اتهم وأدين، وعندما اتهم قال المدّعي “إن سقراط لا يحترم آلهة المدينة وهو يبتدع “دايمونيين “جددا”، وبعد ذلك يقول “سقراط” في محاججة المدعي “ميليتوس”، “ماذا تعني، أنني لا أؤمن بآلهة المدينة، ولكني أؤمن بآلهة أخرى؟” وقد رد “ميليتوس”: “كلا، إنك بكل وضوح وبساطة جاحد صريح”، فأجاب سقراط: “تقول إنني أؤمن بالدايمونيا”، ولكن ماهي الدايمونيا إن لم تكن آلهة أو أبناء آلهة؟[65].
وهكذا كانت “المأدبة” في جملتها تقريظ لـ “إيروس” من حيث هو إله أو على الأقل من حيث هو شيطان وبالتالي فهو يتوافق مع التراجيديا[66].وإنه لمن الباهر أن ينهض لهذه “الترجمة” ومقارعة هذه الأذهان الحادة “صالح مصباح”، محولا مساحات هذا “النص” على نحو وطيد يثير الإعجاب، إلى سؤال أصبح علامة على مساره، قريب المتناول يسير، وتلك كانت زوايا رؤية وإبصار مدهشة، إذ حاول جهده المقاربة بين المُبهم والمُبيّن في إصغاء مليح لـ “رنات” النص الأفلاطوني “تتمزق”، وقد هيمنت، في مساءلة مرتكزاته ومرجعياته المتداخلة.
المصادر والمراجع:
-المصادر:
- أفلاطون، محاورة هيبياس الصغرى، ترجمة عبدالعال عبد الرحمان، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، 2003.
- أفلاطون، محاورة هيبياس الأكبر، ترجمة علي نجيب إبراهيم، دار كنعان للدراسات والنشر، 2016
- أفلاطون، في السفسطائييين والتربية، (محاورة بروتوغراس)، ترجمة عزت قرني، دار قباء للنشر والتوزيع، القاهرة 2001.
- أفلاطون، محاورة الفيدون أو في خلود النفس، ترجمة، عزت قرني، دار قباء، 2003.
- أفلاطون، محاورة الجمهورية، (المحاورات الكاملة)، نقلها إلى العربية، شوقي داوود تحرار، الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت 1994.
- أفلاطون، المحاورات الكاملة، محاورة بروتاغوراس- في المجلد الثالث – محاورة سيمبوزيوم أو المائدة- في المجلد الرابع – محاورة النواميس – المجلد السادس – نقلها إلى العربية شوقي داوود تمراز، بيروت 1995.
- أفلاطون، المأدبة، فلسفة الحب، ترجمة وليم الميري، دار الاعتماد، القاهرة، الطبعة الأولى 1954 دار المعارف بمصر، القاهرة، الطبعة الثانية 1970.
- (الذي اقترحه محمد لطفي جمعة أو مترجم 1923 لنص أفلاطون وتبعه شوقي داوود تمراز1995.(مائدة أفلاطون، كلام في الحب، تأليف الحكيم اليوناني، ترجمة محمد لطفي جمعة، الطبعة الأولى، القاهرة 1920، الطبعة الثانية، المشروع القومي للترجمة، القاهرة 2009 – يقول المترجم أنه قد أنجز الترجمة بين مصر وجنيف بين 1908 و 1912).
- ليو شتراوس، حول مأدبة أفلاطون، ندوة الفلسفة السياسية، جامعة شيكاغو – خريف 1959، حقّقها وصدّرها، سيثبينارديت، نقلها من الإنجليزية وقدّم لها، صالح مصباح، معهد تونس للترجمة، تونس 2022.
-المراجع:
- الجاحظ، كتاب الحيوان6، تحقيق عبدالسلام هارون، بيروت، دار الكناب العربي، 1969.
- عبدالرحمان بدوي، أفلاطون في الإسلام، طهران 1973.
Textes de Platon:
- Platon, Œuvres complètes, (traduction E. Chambry et R. Baccou), 8 Volumes, Garnier – Flammarion, Paris, 1966-1969.
- Platon, Œuvres complètes, (traduction, Croiset, Dies, E. Chambry , Robin, Rivaud, Souilhé, Des places), 14 Volumes, Les belles lettres, Paris, 1920-1964.
- Platon, Œuvres complètes, (traduction, L. Robin), 2 Volumes, Gallimard, Paris, 1977.
Etudes générales:
- C, Jambet, L’apologie de Platon, Grasset, Paris, 1976.
- Chatelet, Platon, Gallimard, Paris 1965.
- Jean- François Pradeau, Platon, L’imitation de la philosophie, Paris, Aubier / Philosophie, 2009
- M. Benoit, Tyrannie du Logos, Minuit, Paris, 1989.
- Brisson, Lectures de Platon, Vrin, 2000.
- Leo Strauss On Plato’s Symposium, Leo STRAUSS, Livensed by the University of Chicago Press Chicago, IIinois – U.S.A. 2001.
- Leo Strauss, On Nietzsche’s Thus Spoke Zarathustra, Edited and Annoted by Richard L. Velkley, University of Chicago Press, 2017.
- Dixsaut, Platon et la question de la pensée, Etudes platoniciennes, Vrin, Paris, 2000.
- Dixsaut, Platon, le désir de comprendre, Vrin, Paris, 2003.
- M, Simon, La philosophie de la religion, p 12, n 11, Aus Schleiermacher Leben, IV, 1863.
- Ricœur, P, Etre, essence et substance chez Platon et Aristote Cours professé a l’université de Strasbourg en 1953- 1954. Seuil 2011.
- Goldschmidt, Les Dialogues de Platon: Structure et méthode dialectique; P.U.F, Paris, 1947.
[1]– ليو شتراوس، حول مأدبة أفلاطون، ندوة الفلسفة السياسية، جامعة شيكاغو – خريف 1959، حقّقها وصدّرها، سيثبينارديت، نقلها من الإنجليزية وقدّم لها، صالح مصباح، معهد تونس للترجمة، تونس 2022.
– Leo Strauss On Plato’s Symposium, Leo Strauss, Livensed by the University of Chicago Press Chicago, IIinois – U.S.A. 2001.
[2]– ليو شتراوس، حول مأدبة أفلاطون، ندوة الفلسفة السياسية، مصدر سابق، ص282.
[3]– المصدر نفسه، ص30.
[4]– Jerusalem and Athens. Some Preliminary Reflexions, New York, The City, Papers N, 6, 1967.
[5]– في ذات الفترة خصص ليوشتراوس سلسلة من ست محاضرات لـ”مشكلة سقراط” 1958 تناول فيها الخصومة بين الفلسفة والشعر:
– The Origins of Political science and the Problem of Socrates. Six Public Lectures, Interpretation, 22, 2 (Winter 1996) p127-207.
-كما تناول ذات الخصومة جزئيا في الندوة حول كتاب “هكذا تكلم زرادشت” لـ “نيتشه” 1959.
-Leo Strauss, On Nietzsche’s Thus Spoke Zarathustra, Edited and Annoted by Richard L. Velkley, University of Chicago Press, 2017.
-هذا وسيعود ليو شتراوس إلى كلّ مسرحيّات اريسطوفانس في أحد كتبه الأخيرة لتدبر المواجهة بين الفنان (الشاعر والمسرحي) وبين الفيلسوف.
– Socrates and Aristophanes, New York, London, Basic Books 1966.
[6]– ليو شتراوس، حول مأدبة أفلاطون، مصدر سابق، ص31-32.
[7]– المصدر نفسه، ص 250.
[8]– لا موساسية = مشتقة من اللفظ الإغريقي موساي، ويشير النص إلى ربّات الشعر (والفنون) الإغريقيات التسعة، ولذلك يمكن بتجوّز ترجمة ذلك بـ “لاربانية” (المترجم). هامش ص32
[9]– ليو شتراوس، حول مأدبة أفلاطون، مصدر سابق، ص32.
[10]– لمصدر نفسه، ص33.
[11]– المصدر نفسه، ص34.
[12]– ليو شتراوس، حول مأدبة أفلاطون، مصدر سابق، ص34.
[13]-وردت بالإغريقية في الأصل وقد حافظنا عليها لأن ليو شتراوس يميّز بين “بوليس” بمعنى “الشعب” أو “الوطن” وبين “المدينة”، انظر الملاحظات القيّمة في الفصل الأول حول أرسطو من كتاب المدينة والإنسان، مصدر مذكور، City بمعنى الكيان السياسي، وفي بعض الأحيان “المدينة” town بالمعنى الاقتصادي والاجتماعي والعمراني Polis(المترجم).
[14]-ليو شتراوس، حول مأدبة أفلاطون، مصدر سابق، ص37.
[15]-المصدر نفسه، ص12.
[16]-كما رسمها شوقي داوود تمراز، 1995 -أفلاطون، المحاورات الكاملة، محاورة بروتاغوراس- في المجلد الثالث – محاورة سيمبوزيوم أو المائدة- في المجلد الرابع – محاورة النواميس – المجلد السادس – نقلها إلى العربية شوقي داوود تمراز، بيروت 995..
[17]– الذي اقترحه محمد لطفي جمعة أو مترجم 1923 لنص أفلاطون وتبعه شوقي داوود تمراز1995. (مائدة أفلاطون، كلام في الحب، تأليف الحكيم اليوناني، ترجمة محمد لطفي جمعة، الطبعة الأولى، القاهرة 1920، الطبعة الثانية، المشروع القومي للترجمة، القاهرة 2009 – يقول المترجم أنه قد أنجز الترجمة بين مصر وجنيف بين 1908 و1912.
[18]– كما في دار الندوة قبل الإسلام.
[19]– أفلاطون، المأدبة، فلسفة الحب، ترجمة وليم الميري، دار الاعتماد، القاهرة، الطبعة الأولى 1954 دار المعارف بمصر، القاهرة، الطبعة الثانية 1970.
[20]– وقد احتفظنا بمعنى “المأدبة” لشيوعه في المجال التداولي العربي المعاصر، واستعملنا ما أمكن من الألفاظ العربية كلما اقتضى السياق ذلك لتوصيل أكثر معاني “سمبوزيون” Sumposion الإغريقية القديمة (المصدر السابق ص13).
[21]– المأدبة، 205ب 6، أورده شتراوس ص 201 في الأصل الإنجليزي (انظر هامش ص15).
[22]– يقول الأستاذ صالح مصباح: وقد كان ذلك منا عمدا لتمكين قارئ الترجمة من إدراك الفرق التأويلي بين استعمالين في النص الأفلاطوني / الشتراوسي: من ناحية إيروس الوارد في النص الأصلي بتفخيم الحرف الأول،Eros وهو اسم علم يشير غالبا إلى الإله إيروس وخاصة بداية من خطبة “أغاثون”، وبين إيروس[22]eros دون تفخيم الحرف الأول أو اسم الجنس الذي يعني “الشوق” أو
“الرغبة” أو “الحب” أو “الشغف الشديد” حسب المقام، من ناحية ثانية.
[23]– ليو شتراوس، حول مأدبة أفلاطون، ندوة في الفلسفة السياسية، مصدر سابق، ص243.
[24]– المصدر نفسه، ص250.
[25]– ليو شتراوس، حول مأدبة أفلاطون، ندوة الفلسفة السياسية، مصدر سابق، ص16.
[26]– المصدر نفسه، ص 250.
[27]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[28]– المصدر نفسه، ص17.
[29]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[30]– يو شتراوس، حول مأدبة أفلاطون، ندوة الفلسفة السياسية، مصدر سابق، ص17.
[31]– وردت بالإغريقية في الأصل والكلمة في صيغة المفرد (ديمون) تشير إلى ما يقترب من الإله. ولكن في العربية الأقرب إليها هي عبارات “الروح” أو “الرب” و”الشيطان” و”الملاك” مجردة من معانيها الإسلامية.
– انظر النمطية الجاحظية في كتاب الحيوان6، تحقيق عبد السلام هارون، بيروت، دار الكناب العربي، 1969، أين ترد معاني “العفريت” و “المارد” و”العبقري” و “الجنّي” وهي كلها تنويعات على المعنى الرئيس، وهي في الجمع (ديمونون) تشير إلى نوع من “الآلهة الوسيطة” أو “الأرواح الوسيطة بين الآلهة والبشر” ومن ضمنها إيروس عندما ينظر له باعتباره إلها.
– ولحفظ الدقائق التأويلية اكتفينا بالتعريب وعدلنا عن النقل، ونشير إلى أنه قد ورد رسمه معرّبا في بعض النصوص العربية الكلاسيكية بـ “ذامون” (انظر، الفارابي مثلا، فلسفة أفلاطون، في عبد الرحمان بدوي، أفلاطون في الإسلام، طهران 1973 ص 139 (المترجم).
[32]– ليو شتراوس، حول مأدبة أفلاطون، ندوة الفلسفة السياسية، مصدر سابق، ص19.
[33]– المصدر نفسه، ص252.
[34]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[35]– المصدر نفسه، ص254.
[36]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[37]– ليو شتراوس، حول مأدبة أفلاطون، ندوة الفلسفة السياسية، مصدر سابق، ص256.
[38]– المصدر نفسه، ص257-258.
[39]– المصدر نفسه، ص258-259.
[40]– لمصدر نفسه، ص259.
[41]– ولا تصبح مسألة الآلهة الكونية غرض محاورة المأدبة غير أن ذلك هو غرض محاورة ابينوميس وهي المحاورة الوحيدة المخصصة كليا للآلهة الكونية (را، ليو شتراوس، مصدر سابق، ص 261).
[42]-المصدر نفسه، ص262،
[43]-ولنتذكر الإصحاح الثاني من سفر التكوين حيث تكون لعصيان آدم صلة بفقدان النقاوة الجنسية (را، ليو شتراوس، – مصدر سابق، ص266).
[44]– ليو شتراوس، حول مأدبة أفلاطون، ندوة الفلسفة السياسية، مصدر سابق، ص266.
[45]– المصدر نفسه، ص270-271.
[46]– ليو شتراوس، حول مأدبة أفلاطون، ندوة الفلسفة السياسية، مصدر سابق، ص277-278.
[47]– المصدر نفسه، ص 292.
[48]– المصدر نفسه، ص 293.
[49]– المصدر نفسه، ص 294.
[50]– معلمة سقراط، وإنها لحالة جد نادرة أن يظهر سقراط في وضع التلميذ، وليس ثمة إلا حالة واحدة وهي في المحاورة بارمنيدس حيث يظهر سقراط في وضع تلميذ بارمنيدس، لقد كنت فحصت في بداية هذا الدرس واقع أن ليس ثمة إلا محاورات ثلاث رويت دون أن يكون قد رواها غير سقراط: البارمنيدس والفيدون والمأدبة (را، ليو شتراوس، حول مأدبة أفلاطون، ندوة الفلسفة السياسية،- مصدر سابق-، ص376).
[51]– المصدر نفسه، ص380.
[52]– المصدر نفسه، ص382.
[53]– المصدر نفسه، ص397.
[54]– المصدر نفسه، ص436.
[55]– ليو شتراوس، حول مأدبة أفلاطون، ندوة الفلسفة السياسية، مصدر سابق، ص458.
[56]– المصدر نفسه، ص359.
[57]– ل المصدر نفسه، ص462.
[58]– المصدر نفسه، ص464/465.
[59]– المصدر نفسه، ص467.
[60]– المصدر نفسه، ص468.
[61]– المصدر نفسه، ص469.
[62]– المصدر نفسه، ص488.
[63]– المصدر نفسه، ص496.
[64]– المصدر نفسه، ص542.
[65]– ليو شتراوس، حول مأدبة أفلاطون، ندوة الفلسفة السياسية، مصدر سابق، ص382.
[66]– المصدر نفسه، ص553.