ملخّص:
يكشف هذا المقال المفارقة العميقة بين القوّة والعنف، فبقدر ما تضمن القوّة متانة الدّولة وتؤكّد هيبة سلطتها وتعلي من شأنها، بقدر ما يؤدّي العنف إلى ضعفها وأفولها وانهيارها. فقد تجلّت قوّة إفريقيّة في العهد الأغلبي في القدرة الحربيّة، وتحقيق العدل وتنفيذ الأحكام، والتّسامح الدّيني والتّعايش السّلمي، واختيار المالكيّة مذهبا رسميّا للدّولة، والتّصدّي للمذهب الشّيعي ومحاولاته التّوسّعيّة، والازدهار الفكري والعلمي والعمراني والاقتصادي.
ولكن كلّ ذلك لم يصمد أمام الصّراعات السّياسيّة التي تلوّثت بالعنف الشّديد، فقد تسبّبت ثقافة العنف المنتشرة ونظام الحكم الوراثي وسلوك الحكّام في تفشّي مظاهر العنف السّياسيّ وانتشاره بأشكال متنوّعة فظيعة في غالب الأحيان أدّت في نهاية المطاف إلى تحطّم الدّولة وهلاكها واضمحلالها.
الكلمات المفاتيح: الصّراع السّياسيّ- القوّة- العنف السّياسيّ- أشكال العنف السّياسيّ- إفريقيّة.
Abstract:
This article reveals the profound paradox between power and violence. Force upholds the authority of the state, ensures its strength, and promotes its stature, but in return violence contributes to its weakness, decline, and collapse. Power in Ifriqiya was quite evident during the Aghlabid era in military capacity, achieving justice and implementing rulings, religious tolerance and peaceful coexistence, along with opting for Malikiism as the official sect of the state, confronting the Shiite sect and its expansionist attempts, and achieving intellectual, scientific, urban and economic prosperity. Yet, all of this did not stand firm against the political conflicts that were infected by extreme violence. The widespread culture of violence, the hereditary system of government, and the behaviour of the rulers caused the spread of manifestations of political violence and its spread in various, often horrific, forms ultimately led to the collapse, destruction, and decline of the state.
Key words: Political conflict – power – political violence – forms of political violence – Ifriqiya.
1- تّمهيد:
يظلّ الصّراع السّياسيّ على السّلطة من أبرز المسائل المثيرة للجدل نظرا إلى تأثيراته العميقة على مختلف مناحي الحياة. ويبقى هو السّبب الأبرز لانهيار الأمم والدّول، فمهما اكتسبت الدّولة من عناصر القوّة، لا تستطيع أن تستمرّ أو تزدهر إذا ما تفشّى الصّراع والعنف فيها.
لقد بدأت تجلّياته في المشرق العربيّ الإسلاميّ منذ وفاة الرّسول وحدث السّقيفة، مرورا بحروب الرّدّة، ثمّ تعيين عمر واختيار بقيّة الخلفاء الرّاشدين، وغيرها من الأحداث السّياسيّة المهمّة التي أدّت إلى نشوب معركة الجمل واندلاع حرب صفّين، وموقعة النّهروان واستقلال بني أميّة بالحكم إلى حدود انهيار دولتهم على يد العبّاسيّين بمعاضدة العلويّين سنة 132هـ/ 751م. وغيرها من الصّراعات السّياسيّة المهمّة.
هذه الأحداث كلّها سينعكس تأثيرها على الغرب الإسلاميّ الذي سيشهد هو أيضا- وخاصّة إفريقيّة- صراعات متتالية على السّلطة. فبعد أن استقلّ سياسيّا عن السّلطة المشرقيّة صنع قوّة لا مثيل لها في كامل المنطقة، لكنّه يستطع أن يُحافظ عليها نتيجة تفشّي العنف وانتشاره بشكل أصبح يمثّل مأزقا حقيقيّا أهلك العباد وأسقط البلاد وأدّى في النّهاية إلى انهيار تلك القوّة.
نُحاول ههنا توضيح هذه المسألة بالكشف عن ثنائيّة القوّة والعنف في إفريقيّة وإبراز المأزق السّياسيّ الذي شهدته المنطقة بسبب التّحوّل من القوّة إلى العنف إلى حدود نهاية القرن الثّالث للهجرة/ التّاسع للميلاد، وهي الفترة التي شهدت أعنف صراع بين الدّولة الأغلبيّة الآفلة في القيروان والقوّة السّياسيّة الصّاعدة بقيادة العبيديّين التي حطّمت القيروان وأسّست المهديّة.
فما هو مفهوم الصّراع عامة والصّراع السّياسيّ خاصّة؟
وما هي أهمّ ملامح القوّة في إفريقيّة الأغلبيّة؟ وما هي مظاهر العنف وأشكاله فيها؟
وما هي مآلات انتشار العنف وتفشّيه في المنطقة؟
2- المحدّدات المفهوميّة:
2- 1- في مفهوم الصّراع:
الصّراع فعل ثنائيّ أو جماعيّ يقوم به الإنسان، إذ جاء في لسان العرب: “الصّرعُ الطّرحُ بالأرضِ، وخصّه في التّهذيب بالإنسان”،[1] ذلك أنّه حركة عاقلة واعية وراءها تدبير، وليست مجرّد سلوك طبيعي فطري أو غريزي. و “صارَعَهُ فصَرَعَه يَصْرَعُه صَرْعاً وصِرْعاً، فهو مَصْروع وصَريع، والجمعُ صَرْعى. والمصارَعَة والصِّراعُ: معالجتهما أيّهما يصرع صاحبه، وفي الحديث: مثل المؤمن كالخامة من الزّرع تصرعها الرّيح مرّة وتعدلها أخرى، أي تُميلها وتَرميها من جانبٍ إلى جانب”.[2]
يحتاج الصّراع بهذا المعنى على الأقلّ إلى طرفين لينشأ ويبرز نتيجة وجود خلاف حول مسألة مّا، فتُستعمل الطّرق السّلميّة وغير السّلميّة لإدارته. وهو في هذا الإطار حركة مرتبطة بالحياة اليوميّة للأفراد والمجتمعات. ولا تخلو المدوّنة العربيّة الإسلاميّة: تاريخا وأدبا وفقها وفلسفة من مرادفات لفظ الصّراع وما دار في فلكه الكبير من المعاني التي تحيل إليه وتوحي به، وهو “سمة لكلّ المجتمعات البشريّة، سمة غالبة يفرضها واقع الحياة المتغيّرة، ومن ثمّ فلن تجد مجتمعا يخلو من الصّراع، بغضّ النّظر عن طبيعة هذا المجتمع أو نوع ذلك الصّراع، وهو خاصّية ملازمة لكلّ تفاعل في الحياة، إلى الحدّ الذي يجعلنا نقول إنّه ما وجد الصّراع فهناك الحياة”.[3] لقد أكّد ذلك ابن خلدون (تـ808هـ/1406م) عندما اعتبر الصّراع ظاهرة إنسانيّة عامّة انتشرت في كلّ الحضارات السّابقة. وتحدّث عن الحروب باعتبارها تجسيدا لمعنى الصّراع، فيقول: “اعلم أنّ الحروبَ وأنواعَ المقاتلةِ لم تزل واقعة في الخليقةِ منذُ برأها اللهُ. وأصلُها إرادة انتقام بعض البشر من بعض، ويتعصّب لكلّ منها أهل عصبيّته. فإذا تذامروا لذلك وتوافقت الطّائفتان، إحداهما تطلب الانتقامَ والأخرى تدافعُ كانت الحربُ، وهو أمر طبيعيّ في البشر لا تخلو منه أمّةٌ ولا جيل”.[4]
أكّدت عديد البحوث أنّ للصّراع أربعة أركان: أوّلها تعدّد أطراف الصّراع، وثانيها تعارض الأنشطة التي يُمارسها كلّ طرف، وثالثها الوسائل التي بها تتحقّق أهداف الصّراع، وهي إمّا سلميّة أو عنيفة قهريّة تسعى إلى تحطيم الأطراف الأخرى أو التّحكّم فيها، ورابعها أن تكون صور الصّراع واضحة مُعلنة مُدركة من قبل الملاحظين المحايدين.[5] وقد ميّزت هذه البحوث بين الصّراع والتّنافس، واعتبرت الصّراع مرحلة متأخّرة من التّنافس تصل فيه العلاقة بين الأطراف المتنافسة حدّا غير مسموح به من الخروج عن القانون. ولئن لامس الصّراع مختلف مناحي الحياة، كالصّراع الاجتماعي أو الطّبقي أو العرقي أو الدّيني أو الصّراع من أجل الماء أو الكلأ أو الأرض أو الثّروات الظّاهرة والخفيّة، أو الشّواطئ والجزر والأنهار وغيرها من العناصر التي يُمكن أن يُتصارع البشر من أجل الظّفر بها وغنمها وافتكاكها، فإنّه ارتبط بشكل أكبر وأوضح وأوسع بالحياة السّياسيّة، وهو ما أصبح يُعرف بالصّراع السّياسيّ.
فماذا نعني بالصّراع السّياسيّ؟
2-2- في مفهوم الصّراع السّياسيّ:
يُصبح الصّراع سياسيّا إذا كانت أهدافه ودوافعه سياسيّة. وإذا كان الصّراع يحتاج إلى طرفين أو أكثر، فإنّ هذه الأطراف هي التي تصارع من أجل الوصول إلى السّلطة بطرق سلميّة شرعيّة أو اغتصابها بطرق عنيفة غير شرعيّة، أو من أجل الحفاظ عليها والتّصدّي لكلّ محاولة للاستبداد بها. “وأغلب الظنّ أنّ أكثر عملياته تقع في النّطاق السّياسيّ، بل لقد وجد هناك من يذهب إلى أنّ كلمة صراع ليست إلاّ عمليّة سياسيّة، مهما كانت صبغتها التي تبدأ بها، إذ لا بدّ أن ينتهي بها الأمر إلى أن تكون سياسيّة، ومن ثمّ يكون الصّراع هو خلاصة العمليات السّياسيّة، بل وأحد المداخل للتّعريف بالسّياسة”[6].
إنّ القول بأنّ الصّراعَ سياسيٌّ هو تخصيص داخل مبحث الصّراع عموما، إذ يتميّز عن أنواع الصّراعات الأخرى، ذلك أنّ القول في السّياسة مبحث شاسع “تندرج ضمنه جميع المسائل المتعلّقة بالحياة الإنسانيّة، كأن نقول سياسة مدرسيّة أو سياسة اجتماعيّة أو سياسة أسريّة أو سياسة اقتصاديّة أو سياسة ثقافيّة، وغيرها من السّياسات المنظّمة للحياة البشريّة، إلى حدّ يُمكن معه القول أنْ لا شيء يقع خارج دائرة السّياسة”[7]. ولا يخفى على الباحث العلاقات المتينة بين السّياسة بما هي تدبير شؤون النّاس وسياسة مشاغلهم وبين بقيّة المجالات العديدة الأخرى من قبيل الثقافة والدّين والاقتصاد والاجتماع الإنسانيّ عامّة. فجميع هذه المجالات تتأثر بالحياة السّياسيّة فتتطوّر باستقرارها وتتراجع باضطرابها.
2- 3- إفريقيّة: لمحة تاريخيّة جغرافيّة:
تحتلّ إفريقيّة موقعا جغرافيّا هامّا، لذلك فهي منطقة لا تهدأ أبدا، ومثال ذلك أنّها كانت لقرون عديدة مدار صراع بين روما وقرطاج والسّكان الأصليين، فهي تقع في ملتقى الطرق التّجاريّة البحريّة والبرّية بين المشرق والمغرب وأوروبا شمالا وإفريقيا جنوبا. فكانت دائما محلّ أطماع القوى المهيمنة على حوض المتوسّط، والمسيطرة عليه، وبهذا المعنى جاز اعتبارها أرضا دائمة للصّراع السّياسيّ. سكّانها الأصليون البربر أو الأمازيغ وهم “قبائل منتشرة في البلاد لا حضارة لهم، حياتهم على غاية من السّذاجة. فمساكنهم الأكواخ والدّواميس، واشتغالهم الصّيد أو شيء من فلح الأرض وتربية المواشي”[8]. ويُروى عنهم أنّهم باعوا قطعة أرض لعلّيسة فبنت عليها مدينة قرطاج سنة 880 ق م، لتصبح إمبراطوريّة عظيمة سيطرت على حوض المتوسّط لقرون عديدة قبل أن تضعف نتيجة عدّة أسباب، من بينها سوء معاملة السّكّان الأصليين وانقسام رجال حكومتها إلى أحزاب متنافرة بسبب الأنانيّة وحبّ الذّات، ثمّ تداول على حكمها عديد القوى الأخرى مثل الرّومانيّين سنة 146 ق م. وقد سقطوا هم أيضا نتيجة عدّة أسباب من أبرزها السّياسة الاستعماريّة تجاه السّكّان الأصليين الذين لم يخضعوا كلّهم للسّلطة الرّومانيّة بل بقي الكثير منهم متحصّنا بالجبال والمناطق الوعرة منتظرين ضعف السلطة، إلى أن اضطرب أمرها خاصّة بعد عديد الصّراعات السّياسيّة، وآخرها تمرّد “الكونت بونيفاس” (Count Boniface) واستنجاده بالوندال الجرمانيين القادمين من إسبانيا سنة 439م، وقد سلكوا سياسة مرنة مع البربر فساعدوهم على القضاء على بقايا روما في إفريقيّة. ولكن كثرة الملذّات والتّرف والصّراع المتعاقب على السّلطة أدى بهم في نهاية الأمر إلى الضّعف والانحطاط، إلى أن استنجد أحد المخلوعين عن عرشه، وهو “هيلديريك” (Hilderic) بقيصر الرّوم “جوستنيان” (Justinian) الذي وجد الباب مفتوحا على مصراعيه ليسترجع حكما ضائعا، وكان ذلك سنة 534م. وقد تواصل الحكم الرّوماني البيزنطي في إفريقيّة إلى أن فتحها المسلمون نهائيّا سنة 27 هـ/ 647م.
حينئذٍ، أصبحت إفريقيّة ولاية تابعة للدّولة الأمويّة ثمّ فيما بعد للدّولة العبّاسيّة، وهي تضمّ أرض تونس الحاليّة وطرابلس في شمال غرب ليبيا وقسنطينة شمال شرق الجزائر، واِتّخذت من القيروان عاصمة لها. وقد حكمها الأغالبة والفاطميون والموحدون وبنو غانية وبنو حمّاد، وبسبب الصّراعات السّياسيّة كانت هذه الدّول تحكم كامل إفريقيّة أحيانا، وفي بعض الأحيان الأخرى كانت تحكم جزءا منها فقط.
من المفيد ههنا أن نلاحظ أنّ المسلمين لم يتأخّروا في فتح بلاد المغرب، فقد استغلّوا الصّراع الفارسي/ الرّوماني (خسروا الثّاني وهرقل) في الشّرق، والصّراع الرّوماني/ الرّوماني (قرطاج وسبيطلة) في المغرب (إفريقيّة). ليتّجهوا صوب إفريقيّة سنة 23هـ/644م،مستغلّين الصّراع بين قرطاج وسبيطلة التّابعتين للقسطنطينيّة الرّومانيّة، حيث كان الوالي البيزنطي جرجير قد استقلّ بسبيطلة في حين بقيت قرطاج على ولائها للعاصمة البيزنطيّة. وقد أثّر هذا الانقسام على ولاء السّكّان الأصليين/ الأمازيغ البربر للسّلطة الرّومانيّة فانقسموا إلى معسكرين، وهو ما أدّى إلى تأجيج الصّراع واحتداد التّنافس بينهما. وفي خضمّ هذا الوضع سَهُلَ على القوّة الجديدة الصّاعدة فتح البلاد وأسلمتها وإخضاعها للسّلطة الأمويّة، ثمّ العبّاسيّة فيما بعد.
يُؤكّد هذا الوضع التّاريخي أنّ المنطقة كانت أرضا خصبة للصّراع، وهو صراع سياسيّ بالأساس يطلب على الدّوام التّوسّع والنّفوذ واستغلال الثّروات الطّبيعيّة، استغلّ في عديد المرّات ضعف السّكّان الأصليين وكثرة الخلافات والصّراع على السّلطة والحكم، ثمّ في مرّات أخرى استغلّ الدّين والقبيلة والمال ليتحكّم في العباد والبلاد، فالرّومان والوندال لم ينشروا تعاليم المسيحيّة فقط، وإنّما سيطروا وحكموا ونهبوا. والفتح الإسلامي نفسه الذي اتّجه نحو إفريقيّة عند بعض الباحثين “لا يعني التّأسلم بأيّ حال من الأحوال”[9]، لأنّ خطّ الفتح الأوّل هو خطّ مرور الجيش العربي الفاتح، وأنّ هؤلاء الفاتحين محتلّون مثل غيرهم[10]. وقد تحدّث ابن خلدون كثيرا عن تاريخ المغرب واعتبره تاريخ “قبائل متناحرة ومتصارعة”. فالمنطقة كلّها مكان مناسب لتفشّي ظاهرة الصّراع، في ظلّ حكم هشّ وأوضاع سياسيّة مضطربة وأطماع متواصلة لا تنتهي. وإذا كان الصّراع أمرا طبيعيّا وحالة عاديّة من مطالب العمران البشري والاجتماع الإنسانيّ، فإنّه جزء لا ينفصل عن مشاغل الحياة السّياسيّة يحتاج إلى صناعة وقوّة وخبرة وكياسة وحُسن تدبير.
فكيف أدار السّياسيون في إفريقيّة الصّراع على السّلطة؟
3- إدارة الصّراع السّياسيّ في إفريقيّة:
كان الشّأن السّياسيّ لإفريقيّة في العهدين الأمويّ والعبّاسيّ إلى حدود قيام الدّولة الأغلبيّة يُدار من المشرق. وقد وجدت السّلطتان الأمويّة والعبّاسيّة نفسيهما أمام خيارات صعبة لمواجهة الصّراع في الغرب الإسلاميّ، وكيفيّة إدارته، لذلك استغلّ الخليفة العبّاسيّ أوّل فرصة سانحة ليسمح بحكم ذاتيّ للمنطقة بقيادة بني الأغلب بشرط أن يُحافظ على ولائه. فكان الاتّجاه أولا منحصرا في خيار القوّة لتحقيق الاستقرار وضمان الولاء. ولكنّ القوّة لم تدم طويلا، ولم تُستغلّ بالشّكل الصّحيح لتحقيق المطلوب فتوسّعت دائرة الصّراع وتضخّم حجمه فاتّخذت القوّة أبعادا أخرى وأصبحت في غالب الأحيان مشوّهة بالعنف وأضحت إدارة الصّراع قائمة على العنف أساسا، إلى الحدّ الذي أصبح معه العنف آليةَ حكمٍ ووسيلةَ تحكّمٍ وسيطرة واستبداد، وهو ما أدّى في النّهاية إلى انهيار الدّولة وأفولها.
فكيف انقلبت إدارة الصّراع على السّلطة في إفريقيّة من مطلب للقوّة إلى مأزق للعنف؟
3- 1- مطلب القوّة:
يرد مفهوم القوّة (Force) للدّلالة على القدرة الماديّة أو الذهنيّة في المجال الفيزيائي، وفي كلّ المجالات ذات العلاقة بالعمران والاجتماع الإنساني، من قبيل المجال الاجتماعيّ أو السّياسيّ أو الاقتصاديّ، وفي غيرها من المجالات. وهي “مصدر الحركة والعمل، ومنه قوّة الرّوح وقوّة الإرادة وقوّة التّفكير”[11]، فتبدو مرتبطة بشدّة بكلّ ما هو إيجابيّ محمود، يؤكّد ذلك طه عبد الرّحمان بقوله إنّها تحمل “معنى إيجابيّا ومحمودا”[12]. وبهذا المفهوم أضحت القوّةُ مطلبا إنسانيّا لتنشئة الأفراد وتكوين الجماعات وتشكيل المجتمعات وتأسيس الإمارات والدّول. وأصبحنا نطلب القائد القويّ والجماعة القويّة والدّولة القويّة، وفي كلّ الحالات ثمّة قرائن عديدة تعبّر عن هذه القوّة وتجعلها بعيدة عن العنف أو التّسلّط أو الاستبداد. وذهب الكثيرون إلى التّفصيل في علامات القوّة فأدرج بعضها في حالة الحرب وأدرج بعضها الآخر في حالة السّلم. ومن أبرز هؤلاء ابن تيميّة (ت728هـ/ 1328م) الذي اِهتمّ في كتابه السّياسة الشّرعيّة في إصلاح الرّاعي والرّعيّة بالولاية وأكّد قيامها على ركنين، وهما القوة والأمانة. وقد قدّم القوّة وجعلها الرّكن الأوّل، محتجّا في ذلك بالآية الكريمة: “قَالَتْ إحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اِسْتَأجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنْ اِسْتَأجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ”[13]. ويؤكّد أنّ القوّة لا تتعلّق بحالة مخصوصة واحدة، وإنّما لكلّ حالة قوّتها التي تنفرد بها، يقول: “والقوّة في كلّ ولاية بحسبها، فالقوّة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب، وإلى الخبرة بالحروب، والمخادعة فيها، والقدرة على أنواع القتال… كما قال الله تعالى: “وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوّكم وآخَرِينَ”[14]… والقوّة في الحكم بين النّاس ترجع إلى العلم بالعدل الذي دلّ عليه الكتاب والسّنّة، وإلى القدرة على تنفيذ الأحكام”[15].
لا تتعلّق القوّة إذن بشأن واحد، وإنّما لكلّ مقام قوّته ولكلّ مجال قوّته. فتتجلّى قوّة السّاعد أو قوّة اللّسان أو قوّة الإرادة أو قوّة الحقّ أو قوّة المنطق أو قوّة التّيّار أو قوّة السّلطان، وكلّ شيء له قوّته التي يتمايز بها وينفرد ويختصّ. وقد لمسنا في إفريقيّة إلى موفّى القرن الثّالث للهجرة/ التّاسع للميلاد عناصر للقوّة تجلّت أساسا في ما ذكره ابن تيميّة في حالتيْ السّلم والحرب، ويمكن بلورتها في ثلاثة وجوه: أوّلها الحرب والقيادة وما يتعلّق بهما من حكمة وكياسة، وثانيها الدّين والعقيدة وما يحيط بهما من سلوك وتسامح، وثالثها الفكر والعلم وما يرتبط بهما من ازدهار عمرانيّ واقتصاديّ.
3- 1-1- الحرب والقيادة:
* القدرة الحربيّة: يُرجع ابن تيميّة هذا الصّنف من القوّة إلى شجاعة القلب والخبرة بالحروب والمخادعة فيها والقدرة على أنواع القتال. ويُمكن استجلاء ذلك في حالة إفريقيّة باعتبارها كانت في البداية وجهة فتح إسلاميّة، ومشروعا لتوسيع الدّولة الناشئة، ثمّ لمّا استقرّ فيها الإسلام وأرست الدّولة نظامها السّياسيّ القائم على حكم مركزي في الشّام ثمّ في العراق وحكم الولاة والعمّال في الأطراف، تحوّلت إلى مركز تنطلق منه الفتوحات وتتصدّى لهجمات أعداء الخارج وثورات الدّاخل. وكلّ ذلك جعل منها منطقة للحروب والصّراعات. فتطلّب الأمر سياسة مخصوصة لإدارة الصّراع فيها وحفظ مصالح الدّولة الإسلاميّة سواء في العهد الأمويّ أم العهد العبّاسيّ. ويمكن ملاحظة ذلك منذ بداية الفتح الإسلاميّ، وتحديدا خلال الحملات الإسلاميّة الأولى التي خطّها أوّلا عبد الله بن أبي سرح سنة (27هـ/647م)الذي بلغ سبيطلة وقتل ملكها جرجير، ثمّ معاوية بن حُدَيْج الكندي سنة (45هـ/665م)، وتلاهما عقبة بن نافع (50هـ/670م. و62هـ/680م)، ثمّ حسّان بن النّعمان (78-88هـ/697م-706م)، ثمّ موسى بن نصير (88-95هـ/706-713م). وقد كان الإصرار واضحا على فتح المغرب والاستقرار فيه، وتجلّى ذلك خاصّة مع عقبة بن نافع الذي قرّر بناء القيروان في أرض جديدة غريبة وعرة، في مغامرة تتطلّب الكثير من شجاعة القلب والخبرة بالحروب والمخادعة فيها والقدرة على أنواع القتال بحسب تعبير ابن تيميّة. وبلغ مع جنده سواحل المغرب الأقصى وقال قولته الشّهيرة: “اللّهمّ أشهد أنّي بذلت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك حتّى لا يعبد أحد دونك”[16]. ثمّ سرعان ما تبعته بقيّة الحملات التي قضت شيئا فشيئا على الوجود الرّوماني وأدخلت المنطقة كاملة في الدّين الجديد، بالإضافة إلى جهود الولاّة والمهالبة والأغالبة في تأسيس حكم قويّ في إفريقيّة، حيث “كانت إدارة البلاد الإفريقيّة من تاريخ الفتح إلى قيام الدّولة الأغلبيّة منوطة إلى عهدة وُلاَة يُعيّنهم الخليفة ويُوجّههم من المشرق نوّابا عنه، ويقيم الوالي في دار الإمارة بالقيروان بجانب الجامع الكبير، وكانت وظيفته تقتضي النّظر الأعلى في شؤون الدّواوين الرّسميّة ومن أهمّها: ديوان الجند، وديوان الخراج، وديوان الرّسائل، ولكلّ واحد منها فروع يقوم بخدمتها كتّاب ومحاسبون. أمّا جهات البلاد فكان يديرها عمّال يختارهم الوالي، وكانت إفريقيّة منقسمة عهدئذٍ إلى خمسة أعمال: تونس.. الزّاب.. قسطيلية.. طرابلس.. المغرب”[17].
لم تكن الإمارة الأغلبيّة لتستقلّ عن الحكم المركزي في بغداد لولا خبرة زعمائها وشجاعتهم وعلمهم بالحروب ومكائدها، ومن أبرزهم إبراهيم بن الأغلب (بن سالم بن عقال التّميميّ) الذي كان “فقيها، أديبا، شاعرا، خطيبا، ذا رأي ونجدة وبأس وحزم وعلم بالحروب ومكائدها، جريءُ الجَنان، طويل اللّسان، لم يلِ إفريقيّة أحسنُ سيرة منه، ولا أحسنُ سياسةً، ولا أرأفُ بِرَعيّة، ولا أوفى بعهدٍ، ولا أرعى لحرمة منه. فطاعت له قبائل البربر، وتمهّدت إفريقيّة في أيّامه”[18]. وجاء بعده أبناؤه وأحفاده، منهم مَنْ استبدّ وظلم وجار، ومنهم من كان مثله في سيرته وخبرته وحسن إدارته للبلاد، مثل زيادة الله بن محمّد بن الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب الذي كان “عاقلا، حليما، حسن السّيرة، جميل الأفعال، ذا رأي ونجدة وجود وشجاعة”[19]. وعلى الرّغم من كثرة المنغّصات وتوسّع دائرة الصّراع السّياسيّ، ينقل ابن عذاري أنّ الأغالبة فتحوا عديد المدن بصقلّيّة، وخاصّة قصريانة وهي المدينة التي بها دار الملك بصقلّيّة، وقد فتحها العبّاس سنة (237هـ/852م)، وبنى فيها مسجدا أقيمت فيه صلاة الجمع، وقاموا بغزوة السّريّة المعروفة بغزوة ألف فارس سنة (251هـ/865م)، وواصلوا الفتح إلى أن دخلوا “سرقوسة” نهائيّا في عهد إبراهيم الثّاني سنة (273هـ/887م)[20].
* تحقيق العدل وتنفيذ الأحكام: في هذا الإطار يُركّز صاحب كتاب “السّياسة الشّرعيّة في إصلاح الرّاعي والرّعيّة” على القوّة في الحكم بين النّاس، ويُرجعها إلى العلم بالعدل والقدرة على تنفيذ الأحكام. وقد تجلّى ذلك منذ بداية الفتح الإسلاميّ للمنطقة والسّياسات الحكيمة التي اتّبعها قادة الحملات الإسلاميّة الأولى، ونخصّ بالذّكر حسّان بن النّعمان الذي عمد إلى توزيع مساحات شاسعة من الأراضي الفلاحيّة التي كانت ملكا للحكومة البيزنطيّة على صغار الفلاّحين البرابرة مباشرة بعد تخلّصه من الكاهنة سنة 84هـ/ 703م، وكانت هذه السّياسة الحكيمة سببا في هدوء البربر واستمالة قلوبهم للإسلام، وكانت منطلقا حقيقيّا لدخول عناصر بربريّة في الجيش الإسلامي الذي تمكّن من مواصلة الفتح نحو المغرب والأندلس[21]. وكذلك ابن الأغلب الذي طلب الاستقلال عن السّلطة العبّاسيّة فناله. وقد شهدت المنطقة في بداية هذا العهد حالة من الهدوء نتيجة الحكم العادل والاستقرار السّياسيّ الحكيم، نتيجة حسن معاملة الرّعيّة، وخير مثال على ذلك حكمة أحمد بن محمّد الأوّل أبي العبّاس وعدله، فقد “كان حسن السّيرة كريم الأخلاق والأفعال، من أجود النّاس وأسمحهم وأرفقهم بالرّعيّة، مع دين واجتناب للظّلم على حداثة سنّه وقلّة عمره. وكان يركب في ليالي شعبان ورمضان، وبين يديه الشّمع، فيخرج من القصر القديم ويمشي حتّى يدخل من باب أبي الرّبيع[22] ومعه دواب بالدّراهم، فكان يعطي الضّعفاء والمساكين حتّى ينتهي إلى المسجد الجامع بالقيروان فيخرج النّاسُ إليه يدعون له”[23].
3- 1- 2- الدّين والعقيدة:
* التّسامح الدّيني والتّعايش السّلمي: يُمكن اعتبار القيروان وإفريقيّة عامّة منطقة تعايش اجتماعيّ وسياسيّ وتسامح دينيّ منذ المراحل الأولى للفتح الإسلامي. فقد “امتازت بداية هذا العصر بوئام عجيب بين عرب الفتح وإخوانهم البربر المسلمين الذين أقبلوا في شغف على تعلّم الدّين الجديد”[24]. ولم يبخل الفاتحون على السّكّان الأصليّين فاقتسموا معهم أموال الفيء[25] وهو ما كان له أثر إيجابيّ في دخولهم في الدّين الإسلاميّ بسرعة. من ذلك يقول المقدسيّ (تـ380هـ/990م) عن القيروان: “ليس فيها غير مالكي وحنفي، مع ألفة عجيبة”[26]. فهذا الشّاهد على قصره يسمح لنا بالاستنتاج أنّ القيروان فضاء للتّسامح الدّيني والتّعايش الاجتماعيّ. وبهذا المعنى نؤكّد أنّ الصّراع في القيروان لم يكن دينيّا في الأصل، وإنّما كان لأسباب سياسيّة بالأساس. فأهل القيروان يطلبون الأمان والعيش الكريم بغضّ النّظر عن التّديّن، وقد قبلوا الأغالبة لأنّهم أنقذوهم من استبداد المهالبة[27]. ثمّ قبلوا الشّيعة واستقبلوا الدّاعي عبد الله الشّيعي لأنّه أنقذهم من استبداد الأغالبة. ومن الأدلّة على التّعايش الواضح بين الملل المختلفة والأعراق المتنافرة، ما قاله اليعقوبيّ: “وفي مدينة القيروان أخلاط من قريش ومن سائر بطون العرب من مضر وربيعة وقحطان وبها أصناف من العجم من أهل خُراسان ومن كان وردها من عمّال بني هاشم من الجند وبها عجم من عجم البلد البربر والرّوم وأشبه ذلك”[28]. ويؤكّد اليعقوبي، وهو شيعيّ المذهب، وجود أبناء آل أبي طالب في المنطقة بشكل كثيف دون أن يتحدّث عن ملاحقات أو مطاردات عكّرت استقرارهم بهذه المناطق المغربيّة، يقول: “وإذا خرج الخارج من عمل الزّاب مغربا صار إلى قوم يُقال لهم بنو برزال وهم فخذ من بني دمر من زناتة وهم شراة كلّهم… ومن هذا الموضع البلد الذي تغلّب عليه الحسن بن سليمان بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب… ثمّ يصير إلى بلد يقال له متيجة تغلب فيه رجال من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السّلام يقال لهم بنو محمّد بن جعفر، وهو بلد واسع فيه عدّة مدن وحصون… ثمّ مدينة مدكرة فيها ولد محمّد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السّلام”[29]. وقد عبّر الطّبري، السّنّيّ المذهب أيضا، عن ذلك عندما قال إنّ البربر في إفريقيّة “مازالوا من أسمع أهل البلدان وأطوعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك”[30]. أي أنّهم قبلوا التّعايش السّلميّ مع كلّ الوفود القادمة من الشّرق. وبهذا المعنى يُجمع المؤرّخون على اختلاف انتماءاتهم المذهبيّة والسّياسية على ميزة التّعايش السّلمي في القيروان الأغلبيّة، وقد ساعد على ذلك تبنّي المذهب المالكي المعتدل.
* المالكيّة مذهبا رسميّا للدّولة: انحصر اختيار أهل القيروان في البداية بين المذهب الحنفي والمذهب المالكي ولكنّهم “تجنّبوا الأوّل لاشتهاره بالميل إلى الرّأي، الذي كان سببا في الفتن التي عاشوها… وأقبلوا على الثّاني، لاعتماده على الحديث وموافقة ذلك ما في نفوسهم من التّعطّش إلى السّنّة”[31]، فقد كان صاحب الموطّأ مالك بن أنس (93هـ- 179هـ/ 712م- 795م) مستقرّا في المدينة المنوّرة، وكان يعتمد اعتمادا كليّا على الكتاب والسّنّة ويستند إلى الثّقات من الصّحابة والتّابعين، ويتجنّب الرّأي والتّأويل. وقد وجدت فيه السّلطة السّياسيّة ضالّتها فشجّعت الإقبال عليه وفرضته مذهبا رسميّا للبلاد. فشجّعوا الطّلبة ليسافروا إلى المدينة وينهلوا مباشرة من الإمام مالك. فتزايد عددهم بشكل كبير تجاوز في بعض الدّراسات أربعين تلميذا[32]، من أبرزهم فقيه تونس الأوّل علي بن زياد الذي كان له فضل إدخال المذهب المالكي إلى إفريقيّة[33]، وفقيه أهل المغرب عبد الله بن فرّوخ[34]. وقد ازدهر المذهب ونضج على يدي أسد بن الفرات، ثمّ كان لجهد الإمام سحنون أفضل الأثر لتثبيت فقه الموطّأ في القيروان وكافة إفريقيّة وبعض مناطق من المغرب، إذ تجاوز عدد تلامذته سبعمئة تلميذ. “واستمرّ المذهب في نموّ حتّى صار في مطلع القرن الخامس هو المذهب الوحيد في إفريقيّة، وهكذا أصبحت القيروان هي المركز الثّاني للمذهب المالكي بعد المدينة المنوّرة”[35]. وعلى الرّغم من عديد الصّعوبات والمنغّصات[36] التي شهدتها المنطقة في ظلّ الصّراع المذهبي “التزم النّاس المذهب المالكي وتشبّثت به الجماهير الشّعبيّة”[37]. ويميل عديد الباحثين إلى تفسير ذلك بأنّ هذا المذهب هو أقرب المذاهب إلى الواقع وأكثر التصاقا بعادات النّاس وأعرافهم، إذ أنّه ينسجم مع التّفكير المغاربي، لأنّه “فقه عمليّ، يعتدّ بالواقع، ويأخذ بأعراف النّاس وعاداتهم، ويستند إلى المصالح المرسلة التي هي من أجلّ قواعده. ولم ينتشر هذا المذهب فيهم بقوّة السّلطان –كما قيل- وما كان له ذلك، وإنّما وجد النّفوس مهيّأة، والأذهان متفتّحة، فتجاوب مع إحساسات المغاربة وتطلّعاتهم، وتعانق مع مطامحهم ورغباتهم، ويكفي أن يتوافرا عُنْصُرا الملاءمة والتّجاوب ليحصل الإقناع والاقتناع”[38]. ولم يُخف الباحثون والمؤرّخون على اختلاف مذاهبهم الاعتراف بوجود فترات من التّوافق والتّعايش السّلمي بين مختلف المذاهب والقوى السّياسيّة[39]. على الرّغم من وجود تهديدات عقديّة عديدة، لعلّ أبرزها المذهب الشّيعي الفاطمي.
* التّصدّي للمدّ الشّيعيّ: كان موقف المالكيّة من التّشيّع واضحا وصارما، إذ أعلن الفكر السّنّي رسميّا رفضه للتّديّن الشّيعيّ. يصف صاحب مدرسة الحديث الصّراع السّنّي الشّيعي بـ “المواجهة بين الإيمان القويّ الرّاسخ وبين قوّة السّلاح، بين الحقّ والباطل”[40]. لذلك عرفت المنطقة مواجهة بينهما، اتّخذت أشكالا متنوّعة[41] يُمكن تحديدها بثلاثة مراحل:
1- مرحلة التّقيّة: عند وصول عبيد الله الشّيعي إلى القيروان “تلقّاه الفقهاء ووجوه أهل القيروان داعين له مهنّئين مظهرين السّرور بأيّامه”[42]. أمّا طلبة العلم من السّنّة فقد كانوا يقرؤون المصنّفات في البيوت فقط، وكانوا يتبادلونها بأن يجعلوها تحت ثيابهم إلى أن تبتلّ بالعرق خوفا من بني عبيد[43]. وكان المعلّمون يُرغّبون أهل كتامة بتدريس أبنائهم من دون مقابل وذلك لحفظ المذهب السّنّي وذلك حتّى يقطعوا عليهم التّعلّق بالفكر الشّيعي الباطني، وبذلك تمكّنوا من حفظ مذهب السّلف الصّالح وأحيوا على الدّوام المذهب السّني المالكي. وهذا ما يُفسّر عدم قدرة المذهب الشّيعيّ على الإقناع، فزال بسرعة.
2- مرحلة المقاومة السّلميّة فكريّاً ودينيّاً: اتّجهت فتاوى علماء القيروان السّنّة إلى تكفير العُبيديّين وتوضيح تهافت مذهبهم وعدم صحّته[44]. وعمدوا إلى مواجهتهم بمناظرات عديدة تهدف إلى بيان تهافت المذهب الباطني ونقاء المذهب السّنّي. ومن أشهر هذه المناظرات: المناظرة التي جمعت بين أبي بكر القمودي وأبي العبّاس الشّيعيّ[45]. واستماتوا في الدّفاع عن مذهبهم. وتشبّثوا بأرضهم ولم يفرّوا كما فعل غيرهم من أصحاب الأموال والمناصب السّياسيّة. وهو ما دعا صاحب المعالم ليقول: “جزى الله مشيخة القيروان خيرا، هذا يموت، وهذا يُضرب، وهذا يُسجن، وهم صابرون لا يفرّون ولو فرّوا لكفرت العامّة دفعة واحدة”[46]. ونقرأ في رياض النّفوس أنّ القيروانيّين واجهوا الوجود العُبيدي بمقاومة “شعبيّة” كان لها عميق الأثر في عدم انتشار مذهبهم، وزوال ملكهم. فقد رفضوا مناكحتهم ورفضوا الاحتكام إلى قضاتهم وهجروا المساجد التي يؤمّها أئمّتهم ورفضوا المشي خلف جنائزهم والصّلاة على موتاهم[47]، وفتحوا دورهم للاجتماع ومدح الصّحابة وذمّ العُبيديّين والتّحذير من مخاطر دعوتهم على الدّين الإسلامي وعلى المذهب السّنّي. يقول أبو إسحاق السّبائي (تـ356هـ/ 967م) مستدعيا أصحابه في بيته عوض الاجتماع في المساجد: “افتحوا باب داري نأخذ في ذمّهم والتّحذير منهم”[48]. وقد كان البهلول بن راشد يدعو إلى عدم إلقاء التّحيّة عليهم أو ردّ تحيّتهم، وقال بعدم مخالطتهم أو مجالستهم. فأثّر ذلك في غيره من فقهاء المالكيّة، حيث يورد الإمام سحنون: “ما اقتديت في ترك السّلام على أهل الأهواء إلاّ بالبهلول”[49]. وكانت آراؤهم متّفقة على ضرورة مقاطعة تديّنهم وأنكروا جميع المظاهر التي حاول الدّاعي الشّيعي فرضها عليهم. “وقد شعر العُبيديون بهذا الإنكار الصّامت، فلم يكن شيء أشدّ عليهم منه، وكان ذلك من أهمّ أسباب انتقالهم إلى المهديّة ثمّ إلى مصر”[50].
3- مرحلة المقاومة المسلّحة: لم تبق المواجهة مع الشّيعة صامتة حذرة خفيّة وإنّما كانت من حين إلى آخر تشهد صدامات مسلّحة، فمنذ البداية “لمّا نزل عُبيد الله برقادة ترك جبلة بن حَمُّود الصَدَفيّ (تـ297هـ/910م) الرّباط في قصر الطّوب ونزل رقّادة، وقال: كنّا نحرس عدوّا بيننا وبينه البحر فتركناه، وأقبلنا على حراسة هذا الذي حلّ بساحتنا، لأنّه أشدّ علينا من الرّوم”[51]، وتتالت الدّعوات إلى التّصدّي للمدّ الشّيعي الجديد، “وكان ربيع القطان أوّل من شرع في الدّعوة إلى الجهاد ضدّ العبيديّين وندب النّاس وحضّهم عليه”[52]. وتعالت الأصوات داعية إلى الجهاد، من ذلك ما جاء في خطبة أحمد بن محمّد بن أبي الوليد: “اللّهمّ إنّ هذا القرمطيّ الكافر المعروف بابن عُبيد الله المدّعي الرّبوبيّة من دون الله، جاحدا لنعمتك، كافرا بربوبيتك، طاعنا على أنبيائك ورسلك، مكذّبا لمحمّد نبيّك وخيرتك من خلقك.. سفّاكا لدماء أمّته، منتهكا لمحارم أهل ملّته… أهلك اللّهمّ شيعته، وشتّت كلمته، وفرّق جماعته، واكسر شوكته، واشف صدور قوم مؤمنين”[53].
3-1-3- الفكر والعلم والازدهار العمرانيّ والاقتصادي:
اعتبرت القيروان الأغلبيّة قاعدة فتح للمسلمين، منها انطلقوا متوسّعين نحو صقلّيّة شمالا والمغرب الأقصى والأندلس غربا. وقد غنمت الدّولة من هذه الفتوحات أموالا طائلة ساهمت في ازدهارها ونموّها. وبالتوازي مع ذلك، ساعد الاستقرار السّياسيّ والهدوء النّسبي على توسّع مظاهر العمران وبناء المساجد والقناطر وحفر المواجل، يقول ابن عذاري: “كان حفر المأجل الكبير على باب تونس المعروف ببئر ابن الظّبيان… وفي سنة (248هـ/ 863م)، كَمُلَ بناء مأجل باب تونس الكبير، وتمّت الزّيادة في جامع القيروان، وكَمُلَ إصلاح قنطرة باب أبي الرّبيع”[54]. كما شيّد الأغالبة عدّة مدن جديدة، أوّلها العبّاسيّة أو القصر القديم، وبناء مدينة رقّادة سنة (263هـ/ 877م).
أمّا في مجال العلوم فقد أسّسوا بيت الحكمة في مدينة رقادة قرب القيروان سنة (264هـ/ 878م)، وتحوّلت إلى مركز علميّ فكريّ لنقل المعارف والعلوم، واعتبرت حلقة وصل بين المشرق والأندلس. وبرز فيها أعلام كثيرون أمثال: أسد بن الفرات (عالم وقاض وقائد جيش) والإمام سحنون (قاض من أعلام المالكيّة) وابن الجزّار (طبيب) وابن الصّائغ (أديب وشاعر)، وغيرهم. وقد ساهم هذا الثّراء العلمي والتّنوّع المعرفي في تطوّر فنّ المناظرات والمجالس العلميّة، حيث “أصبح عالم الفكر والثّقافة في إفريقيا أيّام الحكم الأغلبي ثابت الرّكائز واضح الخصائص. ولقد أوصل تطوّر المدرسة الفقهيّة في القيروان إلى درجة الحيويّة والتّنوّع. وأصبحت المدرسة الكلاميّة تزخر برجالات أفذاذ لهم مقالاتهم ومناظراتهم الجدليّة ولهم تلاميذهم”[55]. بالإضافة إلى ذلك تطوّرت صناعة السّفن وبناء الأساطيل الحربيّة، وهو ما ساعد على صدّ الهجمات الخارجيّة وساهم في توسّع الفتوحات البحريّة، وجمع الأموال، وكان لها دور فعّال في تنشيط الحركة الاقتصاديّة، وخاصّة التّجارة والتّحكّم في حوض المتوسّط شرقا وغربا.
بهذا المعنى، بدت القوّة عنصرا فاعلا في تأسيس كيان مغربيّ مستقلّ أصبح عاصمة للمسلمين في كامل المغرب، وتحوّل إلى جسرٍ ربط الدّولة الإسلاميّة من أقصى الشّرق إلى الأندلس غربا. ولكن عناصر القوّة جميعها لم تكن قادرة على الحفاظ على صلابة هذا الكيان، فقد بدأ في الانهيار والتّراجع والخسران نتيجة عدّة عوامل من أبرزها ما عرفه المشهد السّياسيّ من صراعات خطيرة على السّلطة وقعت بموجبه القوّة في مأزق العنف.
فما هي مظاهر ذلك؟ وما هي مآلاتها؟
3- 2- مأزق العنف:
إذا كانت القوّة مثلما رأينا في المبحث السّابق ذات دلالات إيجابيّة، فإنّ العنف – على عكس ذلك- حامل لدلالة سلبيّة. نقرأ في لسان العرب في مادة (ع ن ف): “العُنْفُ: الخُرْقُ بالأمْرِ وقلّةُ الرّفْقِ به، وهو ضِدُّ الرِّفْقِ… وأعْنَفَ الشّيءَ: أخَذَهُ بِشِدَّة.. والتّعْنِيفُ: التَّعْيِيرُ واللَّوْمُ، والتَّوْبِيخُ والتَّقْرِيعُ”[56].وبهذا المعنى يبدو العنف على وجوه عديدة، منها الماديّ، ومنها المعنويّ، ومنها اللّفظيّ. ونجد في معجم “أكسفورد” الأنجليزي أنّ العنف هو “فعل من أفعال القوّة الماديّة التي تلحق الأذى والضّرر بالأشخاص والممتلكات”[57]، وهو كذلك “الاستعمال غير المشروع أو على الأقل غير القانوني للقوّة”[58]. إنّه كلّ ممارسة للقوّة بطريقة متعمّدة وجائرة، يبغضه البعض “ويعتبره سلوكا سلبيّا مدمّرا ومقوّضا للنّظام ومنافيا للأخلاق وللعقل، وحتّى إن قبل به فلفترة محدودة وغاية مضبوطة، والبعض الآخر يرى فيه وسيلة ثوريّة محرّكة للتاريخ ومطوّرة للوجود الإنسانيّ. فالتّحرّر من الاستبداد لا يأتي في الغالب إلاّ بالعنف حيث يموت الكثير ليحيا البقيّة في كنف الحريّة. وبهذا المعنى يكون العنف من أكثر الأساليب نجاعة وسرعة لتحقيق الكثير من الأهداف”[59] المشروعة وغير المشروعة على حدّ السّواء.
يبدو العنف إذن ممارسة ذات اتّجاهين: الأوّل عنف ايجابي ومقبول وبنّاء إذا كانت أهدافه مشروعة. والثّاني عنف سلبي ومرفوض وهدّام إذا كانت أهدافه غير مشروعة. وهو عموما ظاهرة إنسانيّة لم تخل منها أيّ حضارة، وهي موجودة في الثّقافة العربيّة الإسلاميّة مشرقا ومغربا مثل غيرها من الحضارات. وقد تجلّت وتبلورت في القرآن والسّنّة والفقه والشّعر وكتب التّأريخ والأدب والسّيرة[60].
فما هي أسبابه وأشكاله ومآلاته؟
3- 2- 1- الأسباب المنشئة للعنف السّياسيّ في إفريقيّة:
3- 2- 1-1- ثقافة العنف البيئة العربيّة الإسلاميّة عموما وإفريقيّة خصوصا:
تأثّر الصّراع السّياسيّ بين مختلف الأطراف المتنافسة على الحكم والسّيطرة بالمعيش اليومي والثّقافة السّائدة، إذ لم تختلف البيئة المغربيّة في إفريقيّة عن مثيلتها في المشرق، فقد لاحظنا[61] أنّ الفرد ينشأ منذ طفولته وسط ثقافة تشجّع على الصّراع والمواجهة والتّغلّب والتّغنّي بالانتصارات والحروب، وهو ما يُساهم في جعله يتقبّل العنف ويتعايش معه. فقد كانت المنطقة مسرحا كبيرا لممارسة العنف وشهدت صراعات سياسيّة عنيفة، وتأثرت كثيرا بالثّقافة المشرقيّة، فالشعر الجاهليّ مليئ بمعاني العنف والحثّ على القتال، يقول امرئ القيس متغنّيا بفرسه مقبلة مدبرة تصارع الأعداء: [من الطّويل]
مكرّ مفرّ مقبل مدبر معاً *** كجلمود صخر حطّه السّيل من علٍ
ويقول عنترة الشّاعر الجاهلي متغنّيا بفتوّته وقدرته القتاليّة العالية: [من البسيط]
فَتًى يَخُوضُ غِمَارَ الحَرْبِ مُبْتَسِماً *** وَيَنْثَنِي وَسِنَانُ الرُمْحِ مُخْتَضِـــــبُ[62].
ولم تعرف المنطقة العربيّة الإسلامية توقّفا عن ممارسة العنف، وإنّما ازداد انتشارا في العهد الأمويّ في ظلّ تطوّر الصّراع السّياسيّ على السّلطة، وقد تجلّى بشكل واضح في شعر النّقائض. يقول الكميت بن زيد الأسدي مدافعا عن حق بني هاشم وأولاد عليّ وفاطمة في الخلافة: [من الطويل]
بَنِي هَاشِمٍ رَهْطُ النّبيّ فإنّنِي *** بِهِمْ ولَهُمْ أرْضَى مِرَارًا وأغْضَبُ[63].
ولم يتوقّف في العصر العبّاسيّ، فكان الشّعر الحماسيّ مع أبي تمّام (تـ231هـ/846م) والمتنبّي (تـ354هـ/965م) من أبرز تجلّياته، وهو شعر سياسيّ بالأساس، وكان صدى للمنافسات السّياسيّة والصّراعات الدّاخليّة والخارجيّة ينتصر فيه الشّاعر للقادة والخلفاء العبّاسيّين تأكيدا لأحقّيتهم في الخلافة والحكم. وقد حذا حذوهما ابن هانئ الأندلسيّ (تـ363هـ/973م) في إفريقيّة، وهو شاعر شيعيّ المذهب معاضد للسّلطة الفاطميّة في صراعها مع مختلف الأطراف، ولم يكفّ لسانه عن الدّعوة إلى الثّورة والانفراد بالحكم في ظلّ الخلافات العبّاسيّة الدّاخليّة التي أدّت إلى الفشل في التّصدّي للغزو الرّوماني الخارجي، ومن أبرز دعواته مخاطبا أهل المشرق السّنّة: [من الكامل]
فَتَرَبَّصُـوا، فَاللهُ مُنْجِــزُ وَعْدِهِ *** قَــدْ آنَ لِلظّلْمَــاءِ أنْ تَتَكَشَّفـــا
هَذَا المُعِزُّ ابنُ النَّبِيّ المُصْطَفَى *** سَيَذُبُّ عَنَ حَرَمِ النّبيّ المُصْطفَى[64].
بهذا المعنى، ينشأ الفرد وسط بيئة تشجّع على العنف وتدعو إليه، إذ زاد انتشار أسماء المواليد ذات الدّلالات العنيفة كالهيثم والأسد والسّيف والمهند والشّدّاد من منسوب تقبّل العنف، فترى الطّفل يلعب بالسّيف ويبارز أقرانه بالرّماية ويتقن الفروسيّة والحيلة، في لحظات تنشئة تربويّة على ممارسة العنف والاحتفال بالبطولة والأبطال، فـ”التربية هي الفعل الذي يمارسه أجيال الكهول على أجيال الصغار الذين لم ينضجوا بعد للحياة الاجتماعية ومحور هذا الفعل أنه يثير لدى الطفل جملة من الهيئات الجسدية والفكرية والأخلاقية وأن ينميها عنده وهي هيئات يفرضها عليه المجتمع السّياسي بأسره، كما يفرضها الوسط الخاص الذي يؤهل له”.[65] وفي هذا الإطار، نستنتج “أنّ الثّقافة العربيّة تتّسم بالعنف الذي تعكسه اللّغة والتّقاليد من عصبيّة وأخذ بالثّأر، وتفشّي التّسلّط في العلاقات الاجتماعيّة وإعادة إنتاج هذا التّسلّط عن طريق التّربية الوالديّة”[66]. وإذا كان هذا حال العامّة، فإنّ الخاصّة من الأمراء والملوك – وهم في حالة صراع لا تنتهي- يحرصون على تربية أبنائهم بشكل صارم لا ينتج في النّهاية إلاّ العنف والاستبداد، إذ كانوا يحدّدون لهم منذ الصّغر طرق الأكل والشّراب واللباس ويختارون لهم الأصدقاء ومناهج التّعليم، ويرسمون علاقاتهم الخاصّة والعامّة. يقول الجاحظ في هذا السّياق: “وحقّ الملك أن يُعامله ابنه كما يعامله عبده وأن لا يَدخل مداخله إلاّ عن إذنه، وأن يكون الحجاب عليه أغلظ منه على من هو دونه من بِطانة الملك وخدمه لئلا تحمله الدّالة على غير ميزان الحقّ”[67]. وأكّد الثّعالبي ذلك بالقول: “ويُذكر أنّ إيتاخ نظر إلى الواثق وقد وصل إلى مجلس المعتصم بغير إذن، فزبره وقال له: تنحّ. فوالله لولا أنّي لم أتقدّم إليك بترك الدّخول لضربتك مائة عصاً”[68].
ويتجلّى العنف بشكل ظاهر في إفريقيّة، إذ يذكر أبو العرب التّميمي (تـ333هـ/945م) في سيرته، وهو من أسرة حكمت إفريقيّة، أنّه اضطرّ مرغما إلى التّشبّه بأبناء الأمراء والملوك، فقد كانت أمّه تمنعه من ارتداء ثياب العامّة على الرّغم من رغبته فيها، وكانت أكثر من ذلك تمنعه من مخالطة زملائه من الطّلبة، يقول كنت آتي و”الطّرطور على رأسي ونعلي أحمر في رجلي في زيّ أبناء السّلاطين، وكان الطّلبة ينقبضون منّي من أجل ذلك الزّي… فرجعت إلى أمّي فقلت: نلبس الرّداء وثياباً تُشاكل لباس أهل العلم والتّجّار، فأبت عليّ وقالت: إنّما تكون مثل آبائك وأعمامك”[69].
بهذا المعنى، يبدو أنّ التّنشئة كان لها دور في تكوين شخصيّة السّياسيّ. “فالتّربية الأولى هي التي تخلق سياسيّا مشوّها، فعوض أن ينشأ على حبّ التّوافق والتّواصل مع الآخرين والاستمتاع بلذّة العيش معهم بما فيها من مظاهر الودّ والأمن والسّعادة. ينشأ الأمير الصّغير على الطّقوس الصّارمة التي تجعل منه سياسيّا غشوما غيرَ رحيم غضوبا قلقا متوتّرا على الدّوام”[70]. بالإضافة إلى ذلك، يجد نفسه لاحقا في صراع متواصل مع أفراد وجماعات نشؤوا هم أيضا في بيئة مليئة بالعنف ومتأثّرة به، خاصة في ظلّ تشبثه بالحكم واستبداده به نتيجة نظام الحكم القائم على التّوريث وإقصاء الآخر.
3- 2- 1- 2- طرائق انتقال السّلطة:
كانت إفريقيّة بعد الفتح الإسلامي مثل غيرها من المناطق المفتوحة، ولاية تابعة للخلافة الإسلاميّة في المشرق، أي أنّ القائم على أمرها يحمل صفة والٍ يُعيّن من قبل الخليفة الأمويّ في عهد الدّولة الأمويّة، أو من قبل الخليفة العبّاسيّ في عهد الدّولة العبّاسيّة إلى حدود استقلال الأغالبة بالحكم. وبعد أن استقلّت الدّولة الأغلبيّة عن الحكم المركزي في بغداد، لم تعلن قطعها مع النّظام العبّاسيّ. وأكّد المؤرّخون أنّها كانت حريصة على إعلان الطّاعة للخلافة العبّاسيّة باستمرار. وقد كان ذلك في عهد الخليفة هارون الرّشيد عندما طلب منه إبراهيم بن الأغلب حكما ذاتيّا دون الاستقلال التّام عن السّلطة العبّاسيّة، ليتحوّل الحكم بعدئذٍ إلى إرث يتوارثه بنو الأغلب، وصارت الإمارة وراثيّة بعد أن كانت تتمّ بالتّعيين من السّلطة المركزيّة.
ولم تخل المنطقة في الفترتين من حالات صراع تتعمّق حينا وتخفت حينا آخر. ففي حالة التّعيين الخارجي يتفشّى الصّراع بين الحاكم والمحكومين نظرا إلى أنّ الوالي الجديد يكون مقربا من الخليفة فيعتقد أنّه بهذا القرب سيكون محميّا ومسندا فيتسلّط ويتجبّر، وهو ما يُثير السّكّان الأصليّين فيثورون ويُطالبونه بالرّحيل ولا يتمّ ذلك إلاّ بالعنف والتّمرّد، وأبرز مثال على ذلك ما حدث بين محمّد بن مقاتل العكّيّ الذي كان “أخا للرّشيد من الرّضاع، قدم إفريقيّة سنة (181هـ/797م)، وسلك مع الأمّة سيرة الجور والعنف، ظنّا منه أنّ الخليفة أقطعه البلاد لقرابته منه، فتوغّرت عليه الصّدور واختلّت لديه الأمور وثار عليه عامله على مدينة تونس، تمّام بن تميم، فخرج له العكّي ورجع مهزوما وتحصّن بدار سكناه في القيروان. وتمادى تمّام في متابعته حتّى أطرده من إفريقيّة سنة (183هـ/799م)، فاستنجد المكيّ حينئذٍ بعامل الزّاب إبراهيم بن الأغلب الذي أسرع إلى نجدته وقمع الثّوّار بثبات وحسن تدبير. وعندئذ وافى عهد الخليفة بعزل العكيّ وتعيين إبراهيم بن الأغلب مكانه فصارت الإمارة وراثيّة”[71].
أمّا في حالة الحكم الوراثي، فإنّ الصّراع يتفشّى أكثر فأكثر بين الأبناء والإخوة والأعمام وأبناء الأعمام. فقد ثار أحمد بن أبي عقال الأغلبي على أخيه محمّد الأوّل أبي العبّاس واحتلّ القصر القديم/ مدينة العبّاسيّة وقتل الوزير أبا عبد الله بن علي بن حميد. ولئن انتهى هذا الحادث بطريقة سلميّة اتّفق خلالها الطّرفان على تجنّب الغدر، إلاّ أنّ أحمد غدر بأخيه واغتصب منه السّلطة لمدّة سنة (231هـ-232هـ)، فقد “قبض أحمد على من شاء، واصطفى من أراد، وعذّب من أحبّ، وأعطى الرّجال وجبى الأموال”[72]. ولعلّ الحادثة الأشهر هي اعتلاء إبراهيم بن الأغلب عرش الأغالبة بعد اغتصاب السّلطة من ابن أخيه أبي عقال الوليّ الشّرعيّ للعهد باعتباره ابن محمّد الثّاني المشهور باسم أبي الغرانيق، يقول ابن عذاري: “كان (أبو الغرانيق) عهد لابنه أبي عقال، واستخلف أخاه إبراهيم بن أحمد ألاّ ينازعه في مُلكه بخمسين يمينا… (ولكنّه) ركب إلى القيروان ومعه أكثر أهلها، فحاربوا أهل القصر حتّى دخل إبراهيم داره”[73].
لقد أكّد ابن خلدون أهمّية المعطى الوراثي في إرساخ الاستبداد السّياسيّ، وأشار إلى دور العصبيّة القبليّة، في زيادة وتيرة العنف، يقول: “اعلم أنّ كلّ حيّ أو بطن من القبائل وإن كانوا عصابة واحدة لنسبهم العام ففيهم أيضا عصبيّات أخرى لأنساب خاصّة هي أشدّ التحاما من النّسب العامّ لهم.. والرّياسة فيهم إنّما تكون في نصاب واحد منهم ولا تكون في الكلّ. ولمّا كانت الرّياسة إنّما تكون بالغلب وجب أن تكون عصبيّة ذلك النّصاب أقوى من سائر العصائب ليقع الغلب بها وتتمّ الرّياسة لأهلها.. فلا تزال في ذلك النّصاب متناقلة من فرع منهم إلى فرع، ولا تنتقل إلاّ إلى الأقوى من فروعه، لما قلناه من سرّ الغلب”[74]. يُضاف إلى ذلك ما يمكن أن تكتسبه الشّخصيّة السّياسيّة من سلوكات تساهم بشكل مباشر في تواصل الصّراع وتعميق العنف.
3- 2- 1- 3- سلوك رجال الحكم:
تشير أغلب البحوث العلميّة في علم النّفس الحديث[75] أنّ السّياسيّ الذي يمارس العنف ولا يكفّ عن الصّراع هو شخص قلق ومضطرب دائما. ويبدو كثير الخوف من خسارة منصبه، فلا يطمئنّ للمحيطين به أبدا، مسكون بالظّن والشّكّ، متسرّع في الانتقام والثّأر. وهو كذلك سريع الغضب، كثير الملل وشديد الحسد[76]. يؤكّد ذلك صاحب كتاب في آداب الملوك بقوله: “من أخلاق الملوك سرعة الغضب، وليس من أخلاقهم سرعة الرّضا”[77]. وقد كان أغلب من حكموا إفريقيّة بهذا الشّكل، ونخصّ بالذّكر إبراهيم بن الأغلب الذي قتل كلّ من اعتبره منافسا سياسيّا، مثل ابنه وبناته وإخوته، والكثير من أقاربه والمحيطين به. يقول فيه المؤرّخ ابن عذاري: “فأخذ في قتل أصحابه وحجّابه، حتّى أنّه قتل ابنه المَكْنِىَّ بأبي الأغلب، وقتل بناته… وكان كثير الملل، شديد الحسد.. وكان سبب قتله لولده ظنّ منه، فضربت رقبته بين يديه صبرا. وقتل إخوته ثمانة: ضربت أعناقهم بين يديه.. وأدخل كثيرا من فتيانه الحمّام وأغلق عليهم باب البيت السُّخن، فماتوا فيه جميعا. وأخباره كثيرة في هذا المعنى”[78]. فقد أتى “بأمور لم يأت بها أحد غيره، وكان كثير الملل، شديد الحسد”[79]. فالحسد “داء يُنهك الجسد ويفسد الودّ، علاجه عَسِرٌ وصاحبه ضجّ، وهو باب غامض، وأمره متعذّر وما ظهر منه فلا يُداوى وما بطن فمداويه في عناء”[80]. وهو من أعظم الأسباب التي تغذّي الصّراع العائلي على السّلطة، و”منه تتولّد العداوة وهو سبب كلّ قطيعة، ومنتج كلّ وحشة، ومفرّق كلّ جماعة، وقاطع كلّ رحم بين الأقرباء، ومحدث التّفرّق بين القرناء، وملقح الشرّ بين الخلطاء”[81]. ومن أشدّ أنواع الحسد سوءًا ما كان بين الإخوة، فهو أكثر دناءة ووجعا وإيلاما، إنّه: “خُلق دنيء ومن دناءته أنّه يبدأ بالأقرب فالأقرب”[82]. فيدمّر العلاقات السّياسيّة ويُفسد علاقات القرابة العائلة بين أفراد الأسر الحاكمة، فهو”يوقع الفتن، ويورث البغضاء والحقد والغضب والتّعدّي والظّلم والجور وما شاكل ذلك”[83]. إضافة إلى أنّه شرّ على العباد والبلاد، وهو سبب كلّ البلايا والرّزايا التي تلحق الأسر الحاكمة. يقول ابن قتيبة: “إذا أراد اللّه أن يسلّط على عبده عدوّا لا يرحمه سلّط عليه حاسدا”[84].
ومن سير الملوك وسلوكهم في الصّراعات السّياسيّة أنّهم لا يقبلون النّقد أو الاعتراض، أو تغيير مواقفهم وإن كانت مجانبة للصّواب. فقد كان إبراهيم بن الأغلب “لا يقبل الجدال مطلقا”[85]، ويؤمن بالفأل والتّطيّر والخرافات، ويصدّق المنجّمين، ففي سنة (279هـ/893م)، “قتل جميع فتيانه، وسبب ذلك أنّه كان كثير الإصغاء إلى قول المنجّمين والكهنة… وكانوا قالوا له: إنّه يقتله رجل ناقص العقل، وإنّه يُمكن أن يكون فتىً، فكان إبراهيم، إذا رأى أحدا من فتيانه، فيه حركة ونشاط وحدة، يتقلّد سيفا، قال: هذا هو صاحبي فيقتله… واستخدم عوضا عنهم السّودان. ثمّ عرض لهم منه ما عرض للفتيان الصّقالبة: فقتل السّودان أجمعين”[86].
يُظهر السّياسيّ في صراعه مع خصومه تفرّده واعتداده بنفسه، فتتضخّم الأنا ويزداد شعورها بالعظمة وبأنّه لا مثيل له في هذا المجال، وبأنّه الوحيد القادر على إدارة الشّأن السّياسيّ وقيادة الدّولة. وقد وجد هذا النّوع من السّياسيّين دوما من يُغذّي لديهم هذه الفردانيّة ويمدحها، بشكل أصبحت معه خاصّية من خصائص الملك وأخلاق السّياسة، ويصبح هذا السّياسيّ نموذجا للهيبة والعزّ. يؤكّد ذلك الجاحظ بقوله: “أولى الأمور بأخلاق الملك إن أمكنه التفرّد بالماء والهواء ألاّ يشرك فيهما أحدا فإنّ البهاء والعزّ والأبّهة في التفرّد”[87]. ويتأكّد أيضا بقول الثّعالبي: “كان يُقال: السّلطان الضّعيف شؤم، وسلطان تخافه الرّعيّة خير لها من سلطان يخافها”[88]. ومثل هذه النّصائح هي التي زادت من غطرسة السّلطان واستبداده بالحكم وجعلته لا يتردّد في خوض الصّراع مع خصومه، وخير مثال على ذلك ما أبداه إبراهيم بن الأغلب من ميل نحو القتل والفتك، إذ لم يتورّع عن قتل أقرب المقرّبين منه بأفظع الطّرق وأشنعها[89]. مع استعمال مختلف أشكال العنف دون تردّد.
3- 2-2- أشكال العنف السّياسيّ في إفريقيّة:
تنوّعت أشكال العنف السّياسيّ وتعدّدت، بعضها مارسته السّلطة السّياسيّة القائمة في إطار خوضها للصّراع السّياسيّ ضدّ مختلف الخصوم، وبعضها مارسته بعض القوى المعارضة والمنافسة لتلك السّلطة. ويمكن في هذا الإطار التّعرّف على بعض الأشكال المشهورة أكثر من غيرها، من قبيل:
* السّجن:
يبدو أنّ سجون إفريقيّة كانت تعجّ بالسّجناء السّياسيّين، فقد أشارت أغلب المصادر أنّ سجون القيروان – وقد ذكرت بالجمع هكذا للتّعبير عن ارتفاع عددها- قد امتلأت، فاضطر ابن الأغلب إلى إرسالهم إلى سجون أخرى في المدن المجاورة. وقد حوّل بعض السّجون إلى دواميس للتّنكيل بالسّجناء وتعذيبهم، من ذلك يُشير ابن عذاري إلى سجون سوسة في عهد إبراهيم بن الأغلب، وينعتها بالدّواميس، وقد خصّصت للمعارضين السّياسيّين، وخاصّة بعد ثورة أهل تونس سنة (280هـ/893م)، إذ انتقم منهم فساق أكابر القوم ووجهائهم إلى القيروان وطاف بهم في شوارعها وملأ سجونها بهم، وعندما غصّت بهم تلك السّجون أرسلهم إلى سجون سوسة[90]. ويؤكّد أنّ المساجين فيها لم يسلموا من التّعذيب المتواصل، بل تعرّضوا أحيانا إلى الاغتيال داخل السّجن، وذلك بدسّ السّمّ لهم وقتلهم، مثلما فعل إبراهيم بن الأغلب مع سجينه عبد الله بن أحمد بن طالب بن سفيان قاضي إفريقيّة[91]. وفي الغالب كان السّجين السّياسيّ يهلك داخل سجنه لأنّ السّجون كانت تهدف أساسا إلى إقصاء المعارضين، والتّخلّص من المغضوب عليهم، بشكل بطيءٍ فيه الكثير من سلب الذّات والاحتقار، مع التّشويه والعقاب والتّنكيل والتّعذيب.
*التعذيب:
اقترن السّجن في غالب الأحيان بشتّى أصناف التّعذيب، فيتعرّض السّجين إلى التّعذيب خارج السّجن وداخله، وكان يُمارس عن وعي بغاية التّنكيل والاحتقار، ذلك أنّ السّياسيّ يرى أنّ عقوبة “التّعذيب أسوأ من عقوبة الموت”[92]. فلم يعد السّجن أو الموتُ لوحده كافيا، وإنّما أصبح التّعذيب أمرا لازما في العقوبة السّياسيّة، فلا يتحقّق مراد الجلاّد إلاّ عندما يُنكّل بغريمه السّياسيّ ويراه ذليلا مهانا بين يديه. يروي المؤرّخون مشاهد فظيعة من التّعذيب سبقت القتل لم يُر أبشع منها، وخير مثال على ذلك ما ذكره ابن عذاري في أخبار إبراهيم بن الأغلب، وخاصّة في خبر قتل الثّائر الكتامي أبي الفهم الذي ظفر به أبو الفتح المنصور سنة (378هـ/989م). فـ “لُطم لطماً شديدا ونُتفت لحيته، حتّى أشرف على الموت… فأخذه بعضُ رجاله، فنَحرهُ، وشَقّ بطنهُ، وأُخرجت كبده، فشُويت وأُكِلت. وأخذه عَبيدُ المنصور، فشرّحوا لحمه وأكلوه”[93]. وسنة (284هـ/897م)، قتل بعض الأسرى بطريقة فظيعة جدّا. فقد ذبح أحد الشّيوخ من أسرى نُفُوسة “وشقّ عن قلبه، وأخرجه بيده، وأمر أن يُفعل ببقيّة الأُسارى كذلك، حتّى أتي على آخرهم. ونُظِمَتْ قلوبهم في حبال، ونصبت على باب تونس”[94] ترهيبا لسكّانها وتحذيرا من التّمرّد أو العصيان.
يبدو أنّ التّخلّص من المعارضين السّياسيّين في إفريقيّة بالسّجن لم يعد كافيا. فامتدّت يد السّياسيّ إلى اللحم تنهشه والأكباد تشويها وتأكلها، مستهدفا الأجساد المتمرّدة الصّالحة للتّعذيب في مرحلة أولى، والعقول التي تفكّر في المعارضة والبحث عن مكان في السّلطة في مرحلة ثانية.
إنّ السّياسيّ المعذّب غيره مريض وحاقد ومصاب بعمى البصيرة، يبحث عن تأكيد لذاته المريضة الضّعيفة الرّاغبة في التّفرّد والتّميّز، ويظلّ يُحس بأنّه يُمثّل قيمة عالية متفرّدة لا مثيل لها تفوق قيمة المحيطين به، وهو ما يجعله يُمارس السّلوك العنيف بلا تردّد[95]. ولعلّ المعارضين الأكثر حظا هم الذين حُكم عليهم بالإقصاء مباشرة دون سجن أو تعذيب، فقتلوا صبرًا فرادى أو جماعات.
* القتل:
شهدت إدارة الصّراع السّياسيّ في إفريقيّة حالات لا تُحصى ولا تُعدّ من القتل الفرديّ والجماعيّ لحقت أغلب المعارضين السّياسيّين والمنافسين من الحاشية والأقارب والإخوة والآباء والأبناء، إذ لم يتردّد إبراهيم بن الأغلب في قتل كاتبه محمّد بن حيّون المعروف بابن البريدي، وحاجبه نصر بن الصّمصامة[96]، وحاجبه فَتْح، وعمد إلى قتل فتيانه الصّقالبة جميعا استجابة لتحذير المنجّمين الذين رأوا أنّه يقتله فتى من فتيانه، فكان يختار كلّ فتى تظهر عليه علامات النّشاط والحركة والنّبوغ فيقتله، وفي نهاية المطاف عزم على قتل البقيّة دفعة واحدة وعوّضهم بالفتيان السّودان، ولكنّه لم يُشف من الخوف فقرّر التّخلّص منهم جميعا[97]. فكان من تبعات ذلك تبذير أموال طائلة في شراء العبيد تعويضا لخسائره المتتالية. وفي سنة (268هـ/881م)، قام بالانتقام من مدن كاملة دون تمييز، وعاقبها عقابا جماعيّا، إذ عمد إلى استقبال كبار وجوه الزّاب، وأحسن إليهم، ووصلهم، وكساهم أجود الثّياب وأحسنها، وحمّلهم أجمل الهدايا وأثمنها، ثمّ قتل أكثرهم، وفتك بهم. يقول ابن عذاري: “فتك إبراهيم الثّاني بأهل الزّاب، فقتلهم وقتل أطفالهم، وحُملوا على العجل إلى الحُفر، فألقوا فيها”[98]. وفي خضمّ الصّراع السّياسيّ تواصلت جرائمه وسياسته العقابيّة، فشتّت أهل لواتة ولاحقهم قتلا وتشريدا دون رحمة. وفي سنة (281هـ/895م)، أغار على تونس وأمر قائده بقتل جماعة من بني تميم وغيرهم، وصلبهم على بابها[99]. ولم يتوقّف إبراهيم بن الأغلب عن سياستة العقابيّة، بل ازدادت وحشيته وبدت أكثر بشاعة وفظاعة، حيث “قتل في تاوَرْغا خمسة عشر رجلا، وأمر بطبخ رؤوسهم، مظهرا أنّه يريد أكلها، هو ومن معه من رجاله”[100]. وفي سنة (284هـ/897م)، قتل بعض الأسرى بطريقة بشعة جدّا، فقد ذبح أحد الشّيوخ من أسرى نُفُوسة “وشقّ عن قلبه، وأخرجه بيده، وأمر أن يُفعل ببقيّة الأُسارى كذلك، حتّى أتي على آخرهم. ونُظِمَتْ قلوبهم في حبال، ونُصبت على باب تونس”[101]. ترهيبا لأهلها وتهديدا لهم.
* النّفي والعنف النّفسي:
تميّزت أغلب أشكال العنف بطابعها المادي المحسوس، إذ كان يستهدف الأجسام والأبدان قتلا أو تعذيبا أو أسرا. ولكن من بين الأشكال الأخرى ما اتّخذ طابعا مختلفا اِستهدف كلّ مَنْ لا يرغب السّياسيّ في قتله أو تعذيبه أو أسره لأسباب عائليّة أو قبليّة أو سياسيّة، فيكتفى بإبعادهم عن البلاد نفيًا أو يعمد إلى تسليط عقوبة نفسيّة تهدف إلى تحقيرهم بجعلهم محلّ سخرية فيتعذّبون نفسيّا بشكل قد يفوق العذاب البدني المحسوس، والأمثلة على ذلك عديدة، ففي خضمّ الصّراع السّياسيّ في إفريقيّة وجّهوا في الغالب إلى المشرق وبغداد تحديدا، من ذلك أنّه في سنة 231هـ و232هـ/ 846م و847م، اشتدّ الخلاف العائلي على السّلطة بين الإخوة فقبض محمّد الأوّل أبو العبّاس على أخيه أحمد بمساعدة جماعة من بني عمّه ومواليه، فاصطفى أمواله ونفاه إلى المشرق، وهناك في بغداد مات[102]. وجاء إبراهيم الثّاني في فترة لاحقة، فلم يكتف بالعنف المادي، وإنّما تعمّد هذه الأساليب النّفسيّة، ترهيبا وتنكيلا، من ذلك أنّه كان يُمارس بعد كلّ انتفاضة سلوكات نفسيّة احتفاليّة استعراضيّة تتمثّل في عرض الأسرى في الشّوارع وصلب الجثث في السّاحات وأبواب المدن، وكان الهدف من ذلك التّعذيب النّفسيّ وغرس الرّهبة في النّفوس لكي لا تفكّر في الثّورة أبدا[103].
* الثّورة:
اعتبرنا الثّورة في الصّراعات السّياسيّة شكلا من أشكال العنف من جهة صدورها عن العامّة والمعارضين السّياسيّين والثّائرين على السّلطة القائمة سواء أكانوا على حقّ أم كانوا على باطل. فالإحساس بالإحباط السّياسي والتّهميش الاجتماعيّ والظّلم المسلّط لأبسط الأسباب من جهة، وفشل النّظام السّياسيّ القائم في تأمين حقوق العباد ورعاية مصالحهم من جهة ثانية، من أبرز الأسباب التي تدفعهم إلى مواجهة أشكال العنف الصّادرة عن السّلطة الرّسميّة بعنف مضادّ يكون شكله في الغالب أشدّ وأقسى، وهو الثّورة بمختلف ألوانها وأشكالها. فقد شهدت إفريقيّة ثورات متعاقبة تخمد حينا، ولكنّها سرعان ما تعاود الاندلاع بطريقة عشوائيّة غير منظّمة في غالب الأحيان، معبّرةً عن رفض سياسة العنف والاستبداد. وقد توسّع ابن عذاري في ذكرها مثل ثورة حمديس بتونس سنة (186هـ/802م)، وثورة طرابلس سنة (189هـ/805م)، وثورة الأدارسة بالمغرب، وكذلك ثورة زياد بن سهل المعروف بابن الصّقلّيّة سنة (207هـ/823م)، وثورة منصور بن نصير الطّنبذي سنة (208هـ/824م). وتتالت الثّورات وتضخّم حجمها وتوسّعت دائرتها، إذ ثارت عدّة قبائل في عهد أبي عقال بن الأغلب بين سنتيْ (223هـ-226هـ/ 838م- 841م)، مثل لواتة ومكناسة وزواغة من البربر. كما ثار أمير الزّاب سالم بن غليون على محمّد الأوّل أبي العبّاس. وفي آخر عهد الأغالبة عرفت حالة من التّمرّد والعصيان بسبب توسّع دائرة الصّراع العائلي والخارجي وازدياد العنف وتضخّم حجمه وتنوّع أشكاله، حيث “كان تمنّع البلاد ومُخالفتُها على السّلطان إبراهيم بن أحمد”[104]. فكثرت عمليّات السّطو وقطع الطّرق وانتشر الحرق والنّهب في كلّ مكان، وقلّ الأمن وتعطّلت التّجارة، وازداد الوضع الاقتصاديّ تأزّما، واضطربت علاقة النّاس بالسّلطة. ولكنّ هذه الثّورات وحالات التّمرّد لم تكن منظّمة بالشّكل المناسب، وإنّما اتّسمت في الغالب بالعشوائيّة حينا، والفردانيّة أحيانا أخرى، إذ “لم يجتمع أهل هذه الكور بمكان واحد، بل أقام كلّ رئيس مكانه”[105]. وكان ذلك من أسباب فشلهم وسرعة القضاء عليهم.
تبدو الثّورة رهينة بمغامرات فرديّة ومحاولات عشوائيّة غير محسوبة العواقب تنتهي في غالب الأحيان بمآسي وفظائع شنيعة صادمة للضّمائر والعقول عبّرت عنها حنّه أرندت بقولها: “نحن نعلم كم هي نادرة ثورات العبيد وانتفاضات المضطهدين والمحرومين على مدى التّاريخ، وفي المرّات القليلة التي حدثت فيها انتفاضات من ذلك النّوع، كانت مجرّد فورات غضب مجنون حوّلت الأحلام إلى كوابيس سقط الجميع في وهادها”[106]. ويمكن تفسير ذلك “أنّ العامّة وحتّى الخاصّة التي تعيش الاستبداد السّياسيّ وتتعرّض إلى شتّى أنواع العنف وتشاهد ضحاياه من الوزراء والأمراء والخلفاء من دون استثناء تكتشف أنّه لا يُمكنها أن تتحصّل على حقوقها إلاّ بمواجهة ذلك العنف بعنف آخر أكثر فظاعة قد يخرج في كثير من الأحيان عن التّحكّم والسّيطرة “[107]. يؤكّد ذلك ميشال فوكو بقوله إنّ “الشّعب بعد التّعوّد على رؤية سيلان الدّم يتعلّم بسرعة أنّه لا يستطيع الانتقام إلاّ بالدّم”[108]. والمعنى نفسه عبّر عنه محمّد الطاّلبي في قراءته لفشل الثّورات في عهد إبراهيم بن الأغلب، عندما اعتبر أنّ هشاشة الثّورات وضعف الانتفاضات أدّى إلى دعم الاستبداد وتقويته[109].
3-2-3- مآلات العنف السياسيّ:
تحوّل الصّراع السّياسيّ من مطلب للقوّة يُعبّر عمّا بلغته إفريقيّة منذ الفتح الإسلامي إلى العهد الأغلبي من نضج سياسيّ وقدرة على ضمان الاستقرار والتّوسع والتّطوّر والازدهار، إلى مأزق كبير للعنف السّياسيّ يكشف ما وصلت إليه المنطقة من اضطراب وانهيار وأفول وهلاك.
كانت السّياسة الأغلبيّة التي هيمن عليها العنف والاستبداد منذرة بخراب الدّولة، إذ نُعت زعيم الدّولة إبراهيم بن الأغلب بالجنون وبدأت سلوكاته تضطرب وتبدو في غالب الأحيان غير مقبولة حتّى بالنّسبة إلى حاشيته والمقرّبين منه. فقد قضى أحيانا على أنصاره دون أن يعي خطورة ذلك.
يفسّر ابن عذاري سبب هلاك دولة الأغالبة بقضاء زعيمها على “البَلَزْميّين” سنة (280هـ/ 894م)،قائلا: “وكان ذلك من أسباب انقطاع دولة بني الأغلب، إذ كان أهل بَلَزْمة في نحو ألف رجل من أبناء العرب والجند الدّاخلين إلى إفريقيّة عند افتتاحها وبعده، وكان أكثرهم من قيس، وكانوا يُذلّون كُتامة، فلمّا قتلهم إبراهيم، استطالت كُتامة، ووجدت السّبيل للقيام مع الشّيعيّ على بني الأغلب”[110]، خاصّة وأنّ كتامة قد ضمّت الكثير من المغضوب عليهم والهاربين من استبداد بني الأغلب. فقد كان الثّائرون يهربون من تونس أو القيروان إلى كتامة[111]. يقول محمّد الطّالبي واصفا نهاية الدّولة الأغلبيّة بعد مسار العنف والاستبداد: “وقد ضرب آخر أمراء هذه السّلالة رأس الدّولة. فبدأت عند ذلك مرحلة الهدم الذّاتي، وصارت عزلة الأمير تامّة، فلم يبق محاطا إلا بمرتزقة طامعين شركاء في الجرم خاصّة. واضمحلّت عصبيّة الأغالبة في الدّم، وفقد البلاط ما تبقّى له من هيبة”[112]. واعتبر النّويري أنّ الصّراع على السّلطة والاستبداد بالحكم والعنف غير المبرّر في نهاية الدّولة الأغلبيّة كان “أعظم فتح عند الشّيعيّ”[113]. فقد قتل الأمراء الأغالبة بعضهم البعض. ويؤكّد ذلك القاضي النّعمان فيما ذكره الطّالبي: “وكان ذلك من صنع الله لأوليائه. وما أراده من قطع دولة الظّالمين. فقتل بعضهم بعضا، وكان في ذلك وهن لهم وتضعيف لأمرهم”[114]، لتنتهي الدّولة في عهد زيادة الله الذي حاول الانقلاب على أبيه، ولكنّه فشل فأمسكه وسجنه. وشاءت الظّروف أن يُقتل أبوه على يد مملوكين طامعين، فيتولّى العرش. عندها قام بإرضاء القوّاد بتوزيع الأموال عليهم، وقتل أعمامه وكلّ من له طمع في السّلطة، وقتل المملوكين اللّذين قتلا أباه، وانغمس في الملذّات[115]، وأفسد كلّ مظاهر التّقشّف والزّهد التي حاول أبوه إرساءها في الدّولة الأغلبيّة. ثمّ قتل أخاه عبد الله الأحول سنة (290هـ/903م)، ليقطع عنه طمعه في السّلطة على الرّغم من أنّ المؤرّخين لم يذكروا أيّ خبر يؤكّد رغبة الأخ فيها، فقد قتله لمجرّد الشّك. وبذلك يكون قد قضى على كلّ إمكانيّة لمواجهة الخطر الشّيعي الذي كان على الأبواب ينتظر الفرصة للقضاء على القيروان. فخلال هذه الأحداث كان الدّاعي الشّيعي يجتهد لتركيز دعائم مشروعه الجديد فقد دخل إفريقيّة واتّخذ من كتامة مركز انطلاق لحملته[116]. ولكنّ السّلطة الأغلبيّة لم تول ذلك أهمّية كبيرة، أو بالأحرى لم تكن تتصوّر خطورة العدوّ الذي يتربّص بها، أو أنّها تعرّضت لمؤامرة داخليّة مثلما يذهب محمّد الطّالبي الذي حمّل مسؤوليّة انهيار الأغالبة في آخر المطاف إلى عبد الله بن الصّائغ الذي ولي الوزارة والبريد في عهد زيادة الله، إذ اعتبره قد تفنّن في “تحقير الخطر لدى زيادة الله الثّالث، وإخفاء الحقائق المؤلمة عنه، والتّهدئة من روعه، وتحريضه على الانغماس في أحضان الملذّات والهروب من الهموم… وخلاصة القول إنّه فعل الكثير حتّى حام الشّكّ في كونه عمل ذلك بالاتّفاق مع الدّاعي، إذ كان عن وعي أو بلا، أحسن حلفائه من الوجهة الموضوعيّة دون منازع، ذلك أنّه خرّب الدّولة من الدّاخل تخريبا ناجعا جدّا”[117].
4- الخاتمة:
كان الصّراع السّياسيّ الذي شهدته إفريقيّة في القرن الثّالث للهجرة/ التّاسع للميلاد من أبرز الأسباب التي حوّلت القوّة إلى عنف أدّى في نهاية المطاف إلى انهيار الدّولة الأغلبيّة. وهو ما يؤكّد أنّ الغرب الإسلاميّ لم يكن بمعزل عن المشهد السّياسيّ المشرقي، وأنّ الصّراع كان من لوازم السّياسة والحكم شرقا وغربا بالقدر نفسه، وأنّ العنف السّياسيّ كان منتشرا بالأشكال نفسها في غالب الأحيان. وهو ما يعني أنّ السّلطة السّياسيّة العربيّة الإسلاميّة القديمة كانت محكومة باللآليات نفسها، وتعيش حالة متواصلة لا تنتهي من الاضطراب والتّأزّم. ولا يمكن تفسير ذلك إلاّ بفهم المنطلقات البيئيّة والنّفسيّة والاجتماعيّة والذّهنيّة التي تحكم العقل السّياسيّ العربيّ في كلّ زمان ومكان. إنّه العقل المكبّل بسلطة القبيلة والغنيمة والعقيدة، وأنّ مظاهر القوّة ومطالبها التي تحوّلت إلى مأزق من العنف ليست إلاّ مظهرا من مظاهر ضعف السّلطة التي تقود الدّولة، إذ أنّ كلّ عنف تمارسه الدّولة هو في الحقيقة “مظهر من مظاهر الضّعف الذي يعتري سلطتها، وواجبها أن تكون هذه السّلطة قوّة، لا عنفا”[118]. وأنّ “كلّ انحطاط يصيب السّلطة، إنما هو دعوة مفتوحة للعنف”[119]. وإذا انجرّت السّلطة إلى العنف واتّخذته خيارا لها، واعتمدت عليه آلية للحكم تكون قد أعلنت عن موعد قريب لأفولها وانهيارها، وهو ما حدث ومازال يحدث في أغلب التّجارب السّياسيّة في كلّ عصر ومصر.
المصادر والمراجع:[120]
– باللغة العربية:
- القرآن الكريم.
- أرندت (حنّه): في العنف، ترجمة إبراهيم العريش، ط1، بيروت- لبنان، دار السّاقي، 1992م.
- الأسدي (الكميت بن زيد): الدّيوان، ط1، جمع وتحقيق، محمّد نبيل طريفي، بيروت، دار صادر، 2000م.
- الأندلسي (ابن هانئ): الدّيوان، ط1، تحقيق محمّد اليعلاوي، تونس، دار الغرب الإسلامي، 1995م.
- التّميمي (حيدر قاسم): بيت الحكمة العبّاسيّ ودوره في ظهور مراكز الحكمة في العالم الإسلاميّ، ط1، عمان، الأردن، دار زهران للنّشر والتّوزيع، 1432هـ/ 2011م.
- (ابن تيميّة): السّياسة الشّرعيّة، في إصلاح الرّاعي والرّعيّة، بيروت، القاهرة، دار الكتاب العربي، 1901م.
- الثّعالبي (أبو منصور عبد الملك بن محمّد بن إسماعيل): آداب الملوك، ط2، تحقيق جليل العطيّة، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 2005م.
- الجاحظ (أبو عثمان عمرو بن بحر): التّاج في أخلاق الملوك، تحقيق أحمد زكي باشا، القاهرة 1914م.
- الجاحظ (أبو عثمان عمرو بن بحر): الرّسائل، ط1، شرحه وعلّق عليه، محمّد باسل عيون السّود، منشورات محمّد علي بيضون، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1420هـ/2000م.
- الجيدي (عمر): مباحث في المذهب المالكي بالمغرب، ط1، الرّباط، مطبعة المعارف الجديدة، 1993م.
- حسن (حسن إبراهيم): تاريخ الإسلام السّياسيّ والدّينيّ والثّقافيّ والاجتماعي، ط7، القاهرة، دار إحياء التّراث العربيّ، 1964م.
- ابن خلدون (عبد الرّحمان): المقدّمة، اعتناء ودراسة أحمد الزّعبي، بيروت- لبنان، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنّشر والتّوزيع، 2001م.
- خليفة (عبد الرّحمان): ايديولوجيّة الصّراع السّياسيّ، دراسة في نظريّة القوّة، مصر، دار المعرفة الجامعيّة، 1999م.
- الدّبّاغ (عبد الرّحمان بن محمّد): معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان، ط1، تونس 1320هـ/ 1902م.
- ابن شدّاد (عنترة): الدّيوان، ط1، شرح وتقديم محمّد أشرف عبد العزيز، بيروت، لبنان، دار مكتبة المعارف، 1433هـ/ 2012م.
- شوّاط (الحسين بن محمّد): مدرسة الحديث بالقيروان من الفتح الإسلاميّ إلى منتصف القرن الخامس الهجريّ، ط1، الرّياض، الدّار العالميّة للكتاب الإسلاميّ، 1411هـ.
- الصّفاء (إخوان): رسائل إخوان الصّفاء وخلاّن الوفاء، تقديم بطرس البستاني، بيروت، دار صادر، 2004م.
- الصّلابي (محمّد علي): الدّولة الفاطميّة، ط1، القاهرة، مؤسّسة إقرأ للنّشر والتّوزيع والتّرجمة، 1427هـ/ 2006م.
- الطّبري (أبو جعفر محمّد بن جرير): تاريخ الأمم والملوك، راجعه وقدّم له وأعدّ فهارسه نواف الجرّاح، ط 3، دار صادر، بيروت 2008م.
- ابن عاشور (محمّد الفاضل): أعلام الفكر الإسلامي في تاريخ المغرب العربي، ط1، تونس، مكتبة النجاح، (دت).
- ابن عبد الحكم (عبد الرّحمان بن عبد الله): فتوح إفريقيا والأندلس، ط1، حقّقه وقدّم له عبد الله أنيس الطّباع، بيروت، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللّبناني للطّباعة والنّشر، 1964م.
- عبد الرّحمان (طه): سؤال العنف بين الائتمانيّة والحواريّة، ط1، بيروت، لبنان، المؤسّسة العربيّة للفكر والإبداع، 2017م.
- عبد الوهاب (حسن حسني): خلاصة تاريخ تونس، تقديم وتحقيق حمّادي السّاحلي، تونس، دار الجنوب، 2001م.
- ابن عذاري (أبو العبّاس أحمد بن محمّد): البيان المُغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب، ط1، حققه وضبط نصّه وعلّق عليه، بشّار عوّاد مغروف ومحمود بشّار عوّاد، تونس، دار الغرب الإسلامي، 1434هـ 2013م.
- عليبي (عبد اللّطيف): مواقف المؤرّخين والأدباء من العنف السّياسيّ في القرنين الثّالث والرّابع للهجرة/ التّاسع والعاشر للميلاد، أطروحة دكتورا، كلّية الآداب والفنون والإنسانيات بمنّوبة، 2020م.
- عمّار (عبد الرّزّاق): السّلطة والعنف والجنس، ط1، دار نقوش عربيّة، تونس 2014م.
- عياض (القاضي): تراجم أغلبيّة، استخرجها من المدارك محمّد الطّالبي، تونس، المطبعة الرّسميّة، 1968م.
- ابن فرحون (إبراهيم بن علي بن محمّد): الدّيباج المذهب في معرفة علماء المذهب، مصر، مطبعة السّعادة، 1329هـ.
- فوكو (ميشال): المراقبة والمعاقبة، ولادة السّجن، ترجمة علي مقلد، مراجعة وتقديم مطاع صفدي، بيروت، مركز الإنماء القومي، 1990م.
- ابن قتيبة الدّينوري (أبو محمّد عبد الله بن مسلم): عيون الأخبار، ط1، تحقيق منذر محمّد سعيد أبو شعر، بيروت، المكتب الإسلاميّ، 1429هـ/ 2008م.
- الماوردي (أبو الحسن علي بن محمّد بن حبيب): الأحكام السّلطانية والولايات الدّينيّة، ط1، تحقيق أحمد مبارك البغدادي، الكويت، مكتبة دار ابن قتيبة، 1409هـ/ 1989م.
- المجدوب (عبد العزيز): الصّراع المذهبي بإفريقيّة إلى قيام الدّولة الزّيريّة، ط1، تونس، دار سحنون للنّشر والتّوزيع، 1429هـ/ 2008م.
- مجمع اللّغة العربيّة: المعجم الفلسفي، طبع بالهيئة العامّة لشؤون المطابع الأميريّة، جمهوريّة مصر العربيّة، القاهرة 1403هـ- 1983م.
- المسعودي (أبو الحسن عليّ بن الحسين بن علىّ): أخبار الزّمان، بيروت، دار الأندلس للطّباعة والنّشر والتّوزيع، 1416هـ/ 1996م.
- المنصوري (مبروك): تشكلّ الفكر الإسلاميّ وتطوّره وانتشاره في بلاد المغرب، ط1، تونس، الدّار المتوسّطيّة للنّشر، 1432هـ/ 2011م.
- ابن منظور: لسان العرب،تحقيق عبد الله علي الكبير ومحمّد أحمد حسب الله وهاشم محمّد الشّاذلي، القاهرة، دار المعارف، (د ت).
- النّويري (شهاب الدّين أحمد بن عبد الوهاب): نهاية الأرب في فنون الأدب، ط1، تحقيق مفيد قميحة، منشورات محمّد علي بيضون، بيروت- لبنان، دار الكتب العلميّة، 1424هـ/ 2004م.
- هروود (بيرنهاردت ج.): تاريخ التّعذيب، ط4، ترجمة ممدوح عدوان، دمشق، دار ممدوح عدوان للنّشر والتّوزيع، 2017م.
- الوردي (علي): دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، محاولة تمهيديّة لدراسة المجتمع العربي الأكبر في ضوء علم الاجتماع الحديث، ط1، بغداد، مطبعة العاني، 1965م.
- ولسن (كولن): التّاريخ الإجرامي للجنس البشري، سيكولوجيّة العنف البشري، ط1، ترجمة الدّكتور رفعت السّيّد علي، القاهرة، جماعة حور الثّقافيّة، 2001م.
- اليعقوبي (أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح): البلدان، ط1، وضع حواشيه محمّد أمين ضنّاوي، منشورات محمّد علي بيضون، بيروت، لبنان، دار الكتب العلميّة، (د ت).
– باللغة الأجنبية:
- Durkheim (Emile), Education et sociologie, Paris, P.U. F. (coll. SUP), 1973, p. 51.
- Lalande (André) : Vocabulaire technique et critique de la philosophie, 16ème éd, P.U.F. Paris, 1988.
- Mack )Raymond W.( and Snyder (Richard C.) : The Analysis of Social conflict : Toward an Overview and synthesis, Journal of conflict Resolution, 1957.
- Oxford Dictionary of Current English: Edited by Cathrine Soanes, with Sara Hawker, and Julia Elliott; Fourth Edition 2006, University Press.
- Vonderheyden (Marie): La Berbérie Orientale sous la dynastie de Benou’l-Arlab, Librairie Orientaliste, 1927.
[1]– ابن منظور: لسان العرب،تحقيق عبد الله علي الكبير ومحمّد أحمد حسب الله وهاشم محمّد الشّاذلي، القاهرة، دار المعارف، (د. ت.)، ص2432.
[2]– المرجع نفسه، ص2432.
[3]– انظر: عبد الرّحمان خليفة: ايديولوجيّة الصّراع السّياسيّ، دراسة في نظريّة القوّة، مصر، دار المعرفة الجامعيّة، 1999م، ص153.
[4]– عبد الرّحمان بن خلدون: المقدّمة، اعتناء ودراسة أحمد الزّعبيّ، بيروت- لبنان، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنّشر والتّوزيع، 2001م، ص303.
[5]– انظر: عبد الرّحمان خليفة: ايديولوجيّة الصّراع السّياسيّ، دراسة في نظريّة القوّة، ص 154. وقد اعتمد الباحث ما جاء في كتاب:
(Raymond W. Mack and Richard C. Snyder: The Analysis of Social conflict: Toward an Overview and synthesis, Journal of conflict Resolution, 1957, P. 218)
[6]– انظر: عبد الرّحمان خليفة: ايديولوجيّة الصّراع السّياسيّ، مرجع سابق، ص155.
[7]– عبد اللّطيف عليبي: مواقف المؤرّخين والأدباء من العنف السّياسيّ في القرنين الثّالث والرّابع للهجرة/ التّاسع والعاشر للميلاد، ط1، مجمع الأطرش للكتاب المختص، تونس، 2021م، ص74.
[8]– حسن حسني عبد الوهاب: خلاصة تاريخ تونس، تقديم وتحقيق حمّادي السّاحلي، تونس، دار الجنوب، 2001م، ص15.
[9]– مبروك المنصوري: تشكلّ الفكر الإسلاميّ وتطوّره وانتشاره في بلاد المغرب، ط1، تونس، الدّار المتوسّطيّة للنّشر، 2011م، 1432هـ، ص162.
[10]– انظر: المرجع نفسه، ص162.
[11]– مجمع اللّغة العربيّة: المعجم الفلسفي، طبع بالهيئة العامّة لشؤون المطابع الأميريّة، جمهوريّة مصر العربيّة، القاهرة 1403هـ- 1983م، ص149.
[12]– طه عبد الرّحمان: سؤال العنف بين الائتمانيّة والحواريّة، ط1، بيروت، لبنان، المؤسّسة العربيّة للفكر والإبداع، 2017م، ص38.
[13]– القصص 28/ 26.
[14]– الأنفال 8/ 60.
[15]– ابن تيميّة: السّياسة الشّرعيّة، في إصلاح الرّاعي والرّعيّة، بيروت، القاهرة، دار الكتاب العربي، 1901م. ص17- 18.
[16]– عبد الرّحمان بن عبد الله بن عبد الحكم: فتوح إفريقيا والأندلس، ط1، حقّقه وقدّم له عبد الله أنيس الطّباع، بيروت، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللّبناني للطّباعة والنّشر، 1964م، ص14- 15.
[17]– انظر: حسن حسني عبد الوهاب: خلاصة تاريخ تونس، ص56.
[18]– أبو العبّاس أحمد بن محمّد، ابن عذاري: البيان المُغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب، ط1، حققه وضبط نصّه وعلّق عليه، بشّار عوّاد مغروف ومحمود بشّار عوّاد، تونس، دار الغرب الإسلامي، 1434هـ/2013م، ج1، ص130.
[19]– المرجع نفسه،ص156.
[20]– انظر: المرجع نفسه، الصفحة نفسه.
[21]– انظر: حسن حسني عبد الوهاب: خلاصة تاريخ تونس، ص47-48.
[22]– باب من أبواب القيروان.
[23]– ابن عذاري: البيان المغرب، ج1، ص154.
[24]– الحسين بن محمّد شوّاط: مدرسة الحديث بالقيروان من الفتح الإسلاميّ إلى منتصف القرن الخامس الهجريّ، ط1، الرّياض، الدّار العالميّة للكتاب الإسلاميّ، 1411هـ/ 1991م، ج1، ص57.
[25]– أموال الفيء، هي الموال التي تأتي من قبل المشركين “عفوا من غير قتال.. فهو كمال الهدنة والجزية وأعشار متاجرهم، أو كان واصلا بسبب من جهتهم، كمال الخراج”. انظر أبو الحسن علي بن محمّد بن حبيب الماوردي: الأحكام السّلطانية والولايات الدّينيّة، ط1، تحقيق أحمد مبارك البغدادي، الكويت، مكتبة دار ابن قتيبة، 1409هـ/ 1989م، ص161.
[26]– شمس الدّين أبو عبد الله المقدسي: أحسن التّقاسيم في معرفة الأقاليم، ط1، تحقيق دي خويه، طبعة ليدن، 1906م، ص20.
[27]– نسبة إلى يزيد بن حاتم بن قَبِيصة بن المهلّب، حفيد المهلّب بن أبي صفرة. وقد عُيّن على إفريقيّة والمغرب عامّة من قبل الخليفة العبّاسي أبي جعفر المنصور. انظر ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص112.
[28]– أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي: البلدان، ط1، وضع حواشيه محمّد أمين ضنّاوي، منشورات محمّد علي بيضون، بيروت، لبنان، دار الكتب العلميّة، (د ت)، ص187.
[29] – حمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي: البلدان، مرجع سابق، ص191.
[30]– أبو جعفر محمّد بن جرير الطّبري: تاريخ الأمم والملوك، ط3، راجعه وقدّم له وأعدّ فهارسه نواف الجرّاح، بيروت، دار صادر، 2008م، ج 4، ص 268.
[31]– الحسين بن محمّد شوّاط: مدرسة الحديث بالقيروان، ص94.
[32]– انظر: المرجع نفسه، ص94.
[33]– محمّد الفاضل بن عاشور: أعلام الفكر الإسلامي في تاريخ المغرب العربي، ط1، تونس، مكتبة النجاح، (دت)، ص25
[34]– انظر القاضي عياض: تراجم أغلبيّة، استخرجها محمّد الطّالبي من المدارك، تونس، المطبعة الرّسميّة، 1968م، ص24
[35]– الحسين بن محمّد شوّاط: مدرسة الحديث بالقيروان، ص95.
[36]– كانت السّلطة الأغلبيّة تميل في البداية إلى المذهب الحنفي انسجاما مع الخلافة العبّاسيّة في بغداد. لذلك حاولت فرضه بالقوّة فامتحنت فقهاء المالكيّة وضيّقت عليهم ونكّلت بهم وعذّبتهم.
[37]– عبد العزيز المجدوب: الصّراع المذهبي بإفريقيّة إلى قيام الدّولة الزّيريّة، ط1، تونس، دار سحنون للنّشر والتّوزيع، 1429هـ/ 2008م، ص48.
[38]– عمر الجيدي: مباحث في المذهب المالكي بالمغرب، ط1، الرّباط، مطبعة المعارف الجديدة، 1993، ص5.
[39]– انظر: اليعقوبي: البلدان، والمقدسي: أحسن التّقاسيم في معرفة الأقاليم، ص 42. وابن فرحون: الدّيباج المذهب في معرفة علماء المذهب، مصر، مطبعة السّعادة، 1329هـ/ 1911م. وعبد العزيز المجدوب: الصّراع المذهبي بإفريقيّة، ص ص 72-73. وعمر الجيدي: مباحث في المذهب المالكي بالمغرب.
– Marie Vonderheyden : La Berberie Orientale sous la dynastie de Benou’l-Arlab, Librairie Orientaliste, 1927, p. 141.
[40]– الحسين بن محمّد شوّاط: مدرسة الحديث بالقيروان، ص77.
[41]– لمزيد التّوسّع في هذه الفكرة انظر:م. ن، ومحمّد علي الصّلابي: الدّولة الفاطميّة، ط1، القاهرة، مؤسّسة اقرأ للنّشر والتّوزيع والتّرجمة، 1427هـ/ 2006م.
[42]– ابن عذاري: البيان المغرب، ج1، ص188.
[43]– الحسين بن محمّد شوّاط: مدرسة الحديث بالقيروان، ج1، ص76.
[44]– الرّياض، ج2، ص 339. وقد ذكره الحسين بن محمّد شوّاط فيمدرسة الحديث بالقيروان، ص78.
[45]– انظر الحسين بن محمّد شوّاط: مدرسة الحديث بالقيروان، ص80.
[46]– المعالم، ج2، ص 292. انظر الحسين بن محمّد شوّاط: مدرسة الحديث بالقيروان، ص71.
[47]– الرّياض، ج2، ص 298. منم. ن، ص78.
[48]– المعالم، ج3، ص 66. انظر الحسين بن محمّد شوّاط: مدرسة الحديث بالقيروان.
[49]– القاضي عياض: تراجم أغلبيّة، ص28.
[50]– الحسين بن محمّد شوّاط: مدرسة الحديث بالقيروان، ص78.
[51]– المرجع نفسه، ص81.
[52]– محمّد علي الصّلابي: الدّولة الفاطميّة، ص 80. والمالكي: رياض النّفوس، ج2، ص344.
[53]– المالكي: رياض النّفوس، ج2، ص ص 343-344. انظر الحسين بن محمّد شوّاط: مدرسة الحديث بالقيروان.
[54]– ابن عذاري: البيان المغرب، ج1، ص155.
[55]– حيدر قاسم التّميمي: بيت الحكمة العبّاسيّ ودوره في ظهور مراكز الحكمة في العالم الإسلاميّ، ط1، عمان، الأردن، دار زهران للنّشر والتّوزيع، 1432هـ/ 2011م، ص73.
[56]– ابن منظور: لسان العرب، ص 3132.
[57]– Oxford Dictionary of Current English: Edited by Cathrine Soanes, with Sara Hawker, and Julia Elliott; Fourth Edition 2006, University Press, p. 1030.
[58] -André Lalande : Vocabulaire technique et critique de la philosophie, 16ème éd, P.U.F. Paris, 1988,p. 1210.
[59]– عبد اللّطيف عليبي: مواقف المؤرّخين والأدباء من العنف السّياسيّ، ص45.
[60]– لمزيد التّوسّع في هذه الفكرة، انظر: المرجع نفسه، ص43 وما بعدها.
[61]– لمزيد التّوسّع في هذه الفكرة انظر: المرجع نفسه، ص183.
[62]– عنترة بن شدّاد: الدّيوان، ط1، شرح وتقديم محمّد أشرف عبد العزيز، بيروت، لبنان، دار مكتبة المعارف، 1433هـ/ 2012م، ص 64.
[63]– الكميت بن زيد الأسدي: الدّيوان، ط1، جمع وتحقيق، محمّد نبيل طريفي، بيروت، دار صادر، 2000م، ص 73.
[64]– ابن هانئ الأندلسي: الدّيوان، ط1، تحقيق محمّد اليعلاوي، تونس، دار الغرب الإسلامي، 1995م، ص 226.
[65]– Emile Durkheim: Education et sociologie, Paris, P.U. F. (coll. SUP), 1973, p. 51
[66]– عبد الرّزّاق عمّار: السّلطة والعنف والجنس، ط1، تونس، دار نقوش عربيّة، 2014م ، ص148.
[67]– الجاحظ: التّاج في أخلاق الملوك، تحقيق أحمد زكي باشا، القاهرة 1914م، ص125.
[68]– أبو منصور عبد الملك بن محمّد بن إسماعيل الثّعالبي: آداب الملوك، ط2، تحقيق جليل العطيّة، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 2005، ص203.
[69]– عبد الرّحمان بن محمّد الدّبّاغ: معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان، ط1، تونس 1320هـ/1902م، ج3، ص45.
[70]– عبد اللّطيف عليبي: مواقف المؤرّخين والأدباء من العنف السّياسيّ، ص135.
[71]– حسن حسني عبد الوهاب: خلاصة تاريخ تونس، ص56.
[72]– حسن إبراهيم حسن: تاريخ الإسلام السّياسيّ والدّينيّ والثّقافيّ والاجتماعي، ط7، القاهرة، دار إحياء التّراث العربيّ، 1964م، ج2، ص221.
[73]– ابن عذاري: البيان المغرب، ج1، ص159.
[74]– ابن خلدون: المقدّمة، ص160- 161.
[75]– من ذلك البحوث التي قام بها تيودور أدورنو/Theodor Adournou (1903م/1969م). وهو من روّاد مدرسة فرنكفورت النّقديّة التي ظهرت في أوروبا. وقد تأثّر بأبحاث أيريك فروم/ Erich fromm (1900-1980). وغيره من علماء النّفس والأنتربولوجيا الذين اهتمّوا بمسألة العنف السّياسي.
[76]– انظر: عبد اللّطيف عليبي: مواقف المؤرّخين والأدباء من العنف السّياسيّ، ص202.
[77]– الثّعالبي: آداب الملوك، ص 122.
[78]– انظر، ابن عذاري: البيان المغرب، ج1، ص177.
[79]– المرجع نفسه،ص177.
[80]– الجاحظ: الرّسائل، رسالة الحاسد والمحسود، ط1، شرحه وعلّق عليه، محمّد باسل عيون السّود، منشورات محمّد علي بيضون، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1420هـ/2000م، ج 3، ص4.
[81]– المرجع نفسه، ص4-5.
[82]– المرجع نفسه، رسالة المعاش والمعاد، ج1، ص124.
[83]– إخوان الصّفاء: رسائل إخوان الصّفاء وخلاّن الوفاء، تقديم بطرس البستاني، بيروت، دار صادر، 2004م، ج3، ص166.
[84]– أبو محمّد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدّينوري: عيون الأخبار، ط1، تحقيق منذر محمّد سعيد أبو شعر، بيروت، المكتب الإسلاميّ، 1429هـ/ 2008م، ص248.
[85]– محمّد الطّالبي: الدّولة الأغلبيّة، التّاريخ السّياسيّ، ص308.
[86]-ابن عذاري: البيان المغرب، ج1، ص166.
[87]– الجاحظ: التّاج في أخلاق الملوك، ص14.
[88]– الثّعالبي: آداب الملوك، ص54.
[89]– ابن عذاري: البيان المغرب، ج1، ص177.
[90]– شهاب الدّين أحمد بن عبد الوهاب النّويري: نهاية الأرب في فنون الأدب، ط1، تحقيق مفيد قميحة، منشورات محمّد علي بيضون، بيروت- لبنان، دار الكتب العلميّة، 1424هـ/ 2004م، ج 2، ص85.
[91]– ابن عذاري: البيان المُغرب، ج1، ص164.
[92]– بيرنهاردت ج. هروود: تاريخ التّعذيب، ط4، ترجمة ممدوح عدوان، دمشق، دار ممدوح عدوان للنّشر والتّوزيع، 2017م، ص193.
[93]– ابن عذاري: البيان المغرب، ج1، ص263-264.
[94]– المرجع نفسه،ص174.
[95]– كولن ولسن: التّاريخ الإجرامي للجنس البشري، سيكولوجيّة العنف البشري، ط1، ترجمة الدّكتور رفعت السّيّد علي، القاهرة، جماعة حور الثّقافيّة، 2001م، ص111.
[96]– ابن عذاري: البيان المغرب، ج1، ص165.
[97]– انظر: المرجع نفسه، ص166.
[98]– المرجع نفسه، ص162.
[99]– انظر: المرجع نفسه، ص173.
[100]– المرجع نفسه، ص174.
[101]– ابن عذاري: البيان المغرب، ج1، ص174.
[102]– انظر: المرجع نفسه، ص150.
[103]– لمزيد التّوسّع في هذا الحدث، انظر: المرجع نفسه، ص167.
[104]– ابن عذاري: البيان المغرب، ج1، ص167.
[105]– النّويري: نهاية الأرب في فنون الأدب، ج2، ص85.
[106]– حنّه أرندت: في العنف، ترجمة إبراهيم العريش، ط1، بيروت- لبنان، دار السّاقي، 1992م. ص21.
[107]– عبد اللّطيف عليبي: مواقف المؤرّخين والأدباء من العنف السّياسيّ، ص 271.
[108]– ميشال فوكو: المراقبة والمعاقبة، ولادة السّجن، ترجمة علي مقلد، مراجعة وتقديم مطاع صفدي، بيروت، مركز الإنماء القومي، 1990م، ص103.
[109]– محمّد الطّالبي: الدّولة الأغلبيّة، التّاريخ السّياسيّ، ص333.
[110]– ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص167.
[111]– انظر: اليعقوبي: البلدان، ج1، ص111.
[112]– محمّد الطّالبي: الدّولة الأغلبيّة، التّاريخ السّياسيّ، ص622.
[113]– النّويري: نهاية الأرب في فنون الأدب، ج2، ص93.
[114]– القاضي النّعمان: الافتتاح، مخطوط، ص153، ذكره الطّالبي في الدّولة الأغلبيّة التّاريخ السّياسيّ، ص 623.
[115]– ابن عذاري: البيان المغرب، ج1، ص182.
[116]– المرجع نفسه، ص168.
[117]– محمّد الطّالبي: الدّولة الأغلبيّة، التّاريخ السّياسي، ص624.
[118]– طه عبد الرّحمان: سؤال العنف بين الائتمانيّة والحواريّة، ص40.
[119]– حنّه أرندت: في العنف، ص79.
[120]– صدّرنا القائمة بالقرآن الكريم استثناء. واعتمدنا ترتيبا ألفبائيّا ولم نأخذ بعين الاعتبار “ابن” و”أبو” و”الـ ” التّعريف.