ملخّص:
جاء هذا البحث كمحاولة لإحياء التّيّار الشّخصانيّ في الفكر المعاصر في ظلّ البحوث الشّحيحة الّتي تعاطت معه بشكل محتشم ، وإيمانا منّا بـأنّ النّداء الإنسانيّ والدّعوة لى القيم الإنسانيّة لا يمكنهما أن يتحقّقا إلّا إذا استغرقنا بالتّفكير في مسألة الشّخص باعتباره العنصر الأساسيّ الّذي يسبق الإنسان، فأن تكون إنسانا معناه أنّك حقّقت الشّخص في ذاتك عبر سيرورة التّشخصن، و هذا الاتّجاه في التّفكير لا نجده إلّا في الشّخصانيّة فهي التّيّار الّذي يبعث مفهوم الشّخص في صلب التّفكير الفلسفيّ. جرى تناول هذا المفهوم في الغرب مع إيمانويل مونييه ورونفييه، وهاجر إلى العالم العربيّ الإسلاميّ وتبنّاه المفكّر المغربيّ محمّد عزيز الحبّابيّ الذي أرسى الشّخصانيّة الواقعيّة على أسس متينة، بما في ذلك صقل للمفاهيم الّتي تكتنفها وشحذ لأدوات التّفكير فيها، وسنعمل في هذا المقال على ربط هذا التّيّار و إدماجه في عمق التّحوّلات والتّطوّرات العالميّة منطلقين من إشكاليّات محوريّة تبدأ من سؤال الماهيّة إلى سؤال الكيف، أي من تحديد مفاهيميّ للشّخص والإنسان ومساءلة لإمكان تحقيقهما .
الكلمات المفاتيح: الكائن، الشّخص، الإنسان، الشّخصيّة، التّشخصن، الشّخصانيّة، محمّد عزيز الحبّابيّ.
Abstract:
This research came as an attempt to revive the personalism trend in contemporary thought in light of the lack of research that dealt with it in a humble and pale manner, and out of our belief that the humanitarian call and the call to human values are not achieved unless we focus on thinking about the human issue as the basic element that precedes humanity. Being human means that you have achieved the person in yourself through the process of embodiment, and this direction of thinking only exists in personalism. It is the direction that sends the concept of the person to the heart of philosophical thinking. This concept was discussed in the West with Emmanuel Meunier and Ronvier. It migrated to the Arab Islamic world, and was adopted by the Moroccan thinker Muhammad Aziz Al-Habbabi, who established the realistic personalism on solid foundations, including refining the concepts that surround it and sharpening the tools for thinking about it. In this article, we will work to link and integrate this trend into the depth of global transformations and developments, starting from the pivotal problems that start from the question of essence to the question of how, that is, from a conceptual definition of the person. And the human being, and the question of the possibility of achieving it.
Key-words: Object, Person, Human, Personality, Personalization, Personnalism, Muhammad Aziz Al-Hababi.
1- مقدّمة:
لطالما كان هذا العالم الّذي نعيش فيه مثارا للتّساؤلات الّتي لا تنتهي حول معنى وجوده؟ ومآله؟ وموقعنا فيه ككائنات؟ وعلاقتنا به كبشر؟ فما تلبث هذه التّساؤلات تخبو وتخفت حتّى تعاد حياكتها من جديد لأنّ الإنسان الّذي يطرحها يحيا وسط أحداث لا تكفّ عن الحدوث و وقائع لا تكفّ عن الوقوع، لأنّ هذا الّذي نسمّيه إنسانا يكاد ينسى أنّه يوجد –فحسب- ولا جدوى من سؤال المعنى لأنّ الإنسان، هذا المجهول ، على حدّ تعبير ألكس كاريل، مخلوق معقّد متشابك من الدّاخل، يرفده العطش للحقيقة ودأبه المتواصل نحو الارتواء الأنطولوجيّ من بحور المعنى الّتي تنبع من الدّين والثّقافة والمجتمع والفنّ والإبداع. يتيه الإنسان في الوجود دون هذه المنابع ويصير مقذوفا به في العالم؛ لا قرار له ولا اختيار، لا فعاليّة ولا إضافة . لقد أجاد عالم الأحياء الفرنسيّ جاك مونو حين اعتبر أنّ الإنسان يدرك آخر الأمر أنّه وحيد في عالم فسيح الأرجاء، عديم الاكتراث انبثق منه مصادفة ، وهو يسعى إلى معرفة ما يجب عليه عمله والوقوف على مصيره أو سيظلّ مجرّد كائن خامّ ككلّ الكائنات يعتقد أنّ تميّزه يكمن في عقله، والحقيقة أنّ هذا الإنسان المتباهي والمتفاخر ما هو إلّا نتاج لمحدّدات ومؤثّرات اجتماعيّة وثقافيّة وبنيويّة وتاريخيّة دفينة. أضحى إنسان الفلسفة الحديثة مجرّد أسطورة مبتكرة ومبتدعة كما وصفه ميشيل فوكو[1]، وقد خنق هذا المناخ الفكريّ الّذي ساد في الفكر المعاصر كلّ نزعة إنسانيّة، وفي هذا الأمر يقول الأستاذ عبد الرّزّاق الدّواي: “إنّ الفلسفة كانت تكذب على نفسها وتحيا على وهم عندما آمنت خلال قرون عديدة بالإنسان كوعي وكإرادة وكذات خالقة للمعنى ومبدعة للدّلالات. إنّ إنسان الفلسفة على وشك الانقراض، إذ لم يبق له من ملاذ سوى بقايا متهاوية من الفكر الميتافيزيقيّ أو بعض الإيديولوجيّات الّتي قيل بصددها: بأنّها قد دخلت مرحلة الاحتضار”[2]، بالمقابل ازدهرت الفردانيّة وتوهّج مفهوم الفرد واقترن بالحرّيّة ومنه برزت اللّيبيراليّة اقتصاديّا ، وبات الفرد سيّد المشهد الفكريّ في أوروبا بعد أن سلبت منه دوافع الفاعليّة والإبداع الحرّ، وأصبح كما وصفه ماكس هوركايمر أسير التّقنية الّتي أرادتها الرّأسماليّة أن تحتويه ضمن سيرورة وظيفيّة يكاد ينعتق منها.
بناء على ما سبق، أصبحنا نتحدّث عن إنسان جديد، إنسان ذو بعد واحد بتعبير هربرت ماركيوز، لا يفكّر ولا يبدع، إنّه يعمل فقط وعمله هذا ينصبّ على مصلحته فقط وإن كان ذلك على حساب الجماعة، وهذا ما أجّج المنافسة بين الذّوات وأخمد وشائج التّعاون والتّضامن بينها فنجم عن ذلك أفول مفهوم ظلّ لفترة طويلة على هامش التّفكير الفلسفيّ، هو مفهوم الشّخص حتّى التقطه الاتّجاه الشّخصانيّ مع مونيي ولاكروا ورونوفي والحبّابيّ -بالخصوص- الّذي واجه تجربة الاغتراب إبّان سفره إلى فرنسا، أين وجد انتعاش تيّارات فلسفيّة شكّلت المصدر الأساسيّ الّذي يتدفّق منه كلّ سؤال عن الوجود البشريّ في العالم، كالوجوديّة مع سارتر والعبثيّة مع كامو ، وذلك إثر انهيار الإنسان الأوروبيّ جرّاء ما لحق الأرض من خراب ودمار مع انتهاء الحرب.
هذا الاتّجاه الّذي لم يحظ بعناية كافية من قبل الباحثين، ولم تنبثق منه فروع أو تيّارات من شأنها أن تدشن لاستمراره فتعرّض بذلك للإقبار والإهمال، وإنّنا نعتبر الفيلسوف المغربيّ محمّد عزيز الحبّابيّ صاقل هذا المذهب حيث ضخّ فيه دماء جديدة وأعاد نحت مفاهيمه الأساسيّة، فكتبت شخصانيّة جديدة باسمه. ولعلّ السّؤال الأبرز الّذي يمكن أن يتبادر إلى ذهن كلّ دارس وباحث في فلسفة الحبّابيّ هو: لماذا افتتن الحبّابيّ بالشّخصانيّة دون المذاهب الفلسفيّة الأخرى ذائعة الصّيت آنذاك في فرنسا؟
أرجع الحبّابيّ سبب افتتانه هذا إلى حالة الحرمان والقلق والعصاب، وقد حفّز هذا المناخ المتوتّر والتّراجيديّ الدّاعي إلى العبثيّة والتّشاؤميّة والمثاليّة والتّجريديّة الجالبة للقرف والغثيان والاشمئزاز وكلّ ما يمكنه أن يبعد الشّخص عن بيئته ومجتمعه ويفرده بعيدا عن كلّ أشكال الوجود الاجتماعيّ، وكان السّؤال: كيف يمكن التّموضع في مناخ كهذا بالنّسبة لثالثي محطّم القدرة، عانى الذّلّ فحلّ بفرنسا بحثا عن أفق لتطلّعاته وآماله وأمل كلّ الشّعوب المضطهدة؟ ونعتقد أنّ في الإجابة عن هذا السّؤال تفجير لأسئلة أخرى، وإذا تأمّلنا سؤال التّموضع نجد أنّه يحتوي على إرادة ورغبة في إعادة تكوين الذّات، أو بالأحرى إعادة بناء الشّخصيّة.
وإذا أمعنّا في تأمّل سؤال الأفق، نستجلي طموحا جامحا للخروج من حالة القهر والاضطهاد الّتي ترزح تحت نيرها العديد من الشّعوب المستعمرة، ومنه نقول إنّ الإشكال الأوّل عند الحبّابيّ كان هو ذاته كإنسان وقبله كشخص وقبله ككائن، وفي هذا تجسيد لمقولة أبي حيّان التّوحيديّ: “أشكل الإنسان على الإنسان”، فالحبّابيّ قد أشكل نفسه وطرح سؤال: ما الكائن؟ ليمنح له الشّرعيّة بعد ذلك ليطرح سؤال: ما الشّخص؟ الّذي يفتح أفقا شاسعا على سؤال آخر هو ما الإنسان؟ وكان هذا هو مشروعه الأوّل والأطروحة المركزيّة الّتي حاز بموجبها على شهادة الدّكتوراه بجامعة السّوربون، ومنها كتابه “من الكائن إلى الشّخص” وهو الكتاب الّذي سنعتمد عليه كثيرا بغية الإجابة على الأسئلة السّابقة، ساعين من خلاله إلى فكّ الرّهان الأساس لمقالتنا هذه، وهو: كيف يمكن للشخص أن يحتفظ بذاته؟ أن يكون هو باستمرار؟ أن يسكن العالم دون أن يغترب عنه؟ أن يرتمي في أحضان الحبّ والمودّة والإخاء والألفة؟
2- الشّخص بين الظّهور والوجود: في الشّخصانيّة الواقعيّة:
تتركّز الفلسفة الشّخصانيّة عند الفيلسوف المغربيّ محمّد عزيز الحبّابيّ على دعامتين أساسيّتين: الأولى تتعلّق بالشّخصانيّة الواقعيّة وما تحبل به من مفاهيم الشّخص والكائن والشّخصيّة والتّشخصن، والثّانية تتعلّق بالمنحى الفلسفيّ الغدويّ. شكّلت هاتان الدّعامتان المشروع الفكريّ للحبّابيّ في صيغة تكامليّة، وذلك لارتباطه باللّحظات التّاريخيّة والاجتماعيّة والإيديولوجيّة السّائدة في فترتي الاستعمار الغاشم، وكذا الاستقلال الوطنيّ للأمّة المغربيّة والعربيّة والبلدان الثّالثيّة، وهذا الأمر شاهد على أنّ مشروع الحبّابيّ يقوم على وعي تاريخيّ ضارب في الأعماق عن طريق التّحرّر الّذي لا يتقوّى إلّا حين يتحصّل لنا الوعي بالذّات، والسّبيل إلى ذلك يكمن في انسحاب الإنسان من حالة الكينونة والظّهور والانكشاف -الّتي اهتمّ بها هايدجر– إلى حالة الشّخص الفاعل ، فالوجود في الشّخصانيّة الواقعيّة لا يتحقّق (بـ -كذا) بل يتحقّق (مع) أي أنّه ليس وجودا بذاته كحقيقة فقط، ولا وجودا في العالم فحسب بل وجودا مع الآخر أو مع الغير؛ إنّي، كما يقول الحبّابيّ، “كائن في -ذاتي- أستكمل كينونتي بالآخرين، فالذّاتيّة والتّواصل هما قطبا الشّخص؛ إنّي، أنا (ولكن) أنا بـ -ومع- الآخرين في عالم ذي أبعاد مادّيّة وروحيّة وفكريّة”[3] فالشّخصانيّة بهذا المعنى تنضح بالمبادئ الاجتماعيّة والأخلاقيّة الّتي تنصّ على أنّه للشّخص قيمة مطلقة لا يجوز انتهاكها بأيّ وجه من الوجوه، و تتمثّل هذه القيمة في انصهار الشّخص ومشاركته العقليّة والوجدانيّة في العلاقات الإنسانيّة.
يجب، هنا، أن نميّز بين الشّخص والفرد لأنّ نقطة التّمييز كفيلة بأن تبرز لنا جوهر هذا الّذي نسمّيه شخصا، وبالتّالي نعزله عن المفاهيم الأخرى الّتي تتربص به، وفي هذا الأمر يقول الفيلسوف الفرنسيّ جورج غوسدروف: “الفرد يرغب في الانفصال والتّميّز، أمّا الشّخص فغايته التّضامن والتّعاضد لأنّه يعلم أنّ الأنا لا يمكنه أن يتحقّق إلّا مع النّحن”[4]. ويحيلنا هذا القول إلى الثّنائيّة الباراديغميّة الّتي عقدها إيمانويل ليفيناس بين بارديغم (الأنا-الغير) وباراديغم (الأنا-الأنت)[5]، فالأوّل يدعو للمنافسة من أجل تحقيق التّميّز ويتّضح ذلك في العلاقة الجدليّة الّتي صاغها هيجل بين السّيّد والعبد؛ فلكي يكون الإنسان سيّدا، يجب عليه أن ينتقص من قيمة كلّ عبد من عبيده، والواضح أنّ هذا الباراديغم يشجّع على الأنانيّة والفردانيّة.
أمّا الثّاني، فإنّه ينادي إلى التّعاون والتّضامن تحت مظلة “النحن” ، ويضمّ مفهوم النّحن جميع الأفراد بغضّ النّظر عن اختلافاتهم وتبايناتهم. إنّ الباراديغم الأوّل الّذي ينطوي على الصّراع هو ما سمّاه الحبّابيّ ب ” المزاحمة ” ، إذ يقول فيها: “إنّها عمليّة تفكّك الـ(نحن) لصالح الـ(أنا) وحده، لأنا عائم في الفردانيّة، فعلى العكس من التّحرّر، تلقي بنا المزاحمة في صراعات يشنّها كلّ منّا ليبعد الآخر، فيضحّي كلّ واحد من أجل مصالحه الخاصّة بمصالح المجموع، إنّها علاقات سلبيّة”[6]، إذن، وبناء عليه فجوهر الشّخص -كما يعتبر ذلك جاك شيفالييه، وعلى خلاف الفرد- ليس الأنا وإنّما الآخر، فالشّخصيّة الإنسانيّة لا تنمو وتتفتّح إلّا باقترانها بالآخر وبإهداء نفسها إليه عن طريق الحبّ النّزيه[7]، فهذا الأخير لا يتحقّق في نظر آلان باديو إلّا بالإيمان بمنطق العيش الثّنائيّ وتجاوز منطق الانكماش على الذّات ولذلك حدّد شارل رونوفي مهمّة الشّخصانيّة في إيجاد حلّ لمشكلة الشّرّ في العالم باعتبارها مشكلة تنبجس من اهتزاز العلاقات الإنسانيّة، ووصفها بأنّها ديانة عقليّة وعلمانيّة وفلسفيّة يختصّ بها رجال الفكر بحيث لا أركان فيها ولا قساوسة ولا كنائس، وبالنّسبة إلى هذا الفيلسوف الفرنسيّ، تسهم الأنا والنّحن بفضل التّواصل في بناء المجتمع وتطوّره عوضا عن تحوّلها إلى قوى حاجزة، كلّها فرديّة متطرّفة، تغلق المنافذ الممكنة أمام التّواصل والتّعاون والتّعاطف[8].
على خلاف شخصانيّة رونوفي الغارقة في التّجريد و الموغلة في المثاليّة، نجد أنّ شخصانيّة مونييه ولاكروا ذات نزعة دينيّة كاثوليكيّة، وهي ترتفع إلى مستوى لا يكون فيها المبحث المركزيّ علاقة الشّخص بالإله فقط بل علاقة الشّخص المؤمن بالّذي لا يؤمن”[9]، وبالتّالي فالشّخصانيّة، كما يذهب إلى ذلك الفيلسوف الفرنسيّ ميشيل لاكروا، مفتوحة للجميع وتهدف إلى غرس قيم المساواة والعدل بين جميع النّاس وإسكات النّعرات الطّائفيّة ، لذلك فشخصانيّة مونييه ولاكروا واقعيّة وعمليّة تؤمن بالنّداء الماركسيّ حول الفلسفة والّذي يقول أنّها لم تقم إلّا بتأويل العالم تأويلات مختلفة في حين أنّه ينبغي تغييره، فهي تسعى إلى إنقاذ الشّخص من دوّامة التّقنية بوصفها داء المدنية على حدّ تعبير جابريل مارسيل، كما يحثّ الحبّابيّ من جانبه على “اتّخاذ الشّخصانيّ موقفا إزاء كلّ مشكل يتولّد عن الأحداث الرّاهنة”[10] فالفيلسوف الشّخصانيّ يسعى إلى أنسنة العالم بتجاهل الهمسات المثاليّة والمادّية والتّأسيس لفلسفة تأليفيّة واقعيّة (…)،وصحيح أنّ الشّخصانيّة تعترف بالثّنائيّات الميتافيزيقيّة رغم الهجمات والطّعنات الّتي تلقّتها من طرف تيّارات الفكر المعاصر، وربّما كان هذا سببا في إحجامها وإقصائها ضمن المشروع الفكريّ المعاصر، إلّا أنّها لا تنظر إلى الثّنائيّات في ازدواج مجرّد بل في تكامل تركيبيّ[11]، وينطبق هذا التّكامل على الشّخص كذلك، إذ لا تنحصر ماهيّته في ظهوره أو كينونته بل أيضا في مشاركته الفعّالة وانخراطه في النّسيج الاجتماعيّ. إذن، يمكننا أن نحدّد الشّخص بمحدّدين: الأوّل، ذاتيّ داخليّ. والثّاني، موضوعيّ خارجيّ. لكن هل يشكّل هاذان المحدّدان حقّا ماهيّة الشّخص؟
تناولت المعرفة العلميّة الإنسان بالدّراسة والبحث، وجلّ ما توصّلت إليه نتفات بيولوجيّة أنثروبوتوميّة[12] لا تعدو أن تكون إلّا جانبا بسيطا وظاهرا من كيان هذا الّذي نسمّيه “إنسانا”، وهذا الجانب يقرّبه من الكائنات الأخرى دون أن يفصله عنها، وبما أنّ التّعريف منطقيّا هو حدّ الشّيء وفصله، بمعنى تمييزه، فإنّ الإنسان بما هو ذاته لا يتحقّق بيولوجيّا وما يظهر منه إنّما يظهر بفعل الطّبيعة، وما يخفيه ويضمره أعظم بكثير من ذلك. إنّ الأشخاص، كما يقول فاليري، يختلف بعضهم عن بعض فيما يظهرون، ويشبهون بعضهم بعضا فيما يخفون، فالأجساد تختلف؛ فهذا نحيف والآخر بدين، هذا ضرير والآخر بصير… والمعرفة العلميّة تساعدنا على إبراز هذا الاختلاف ولا تنفع في تكوين صورة عامّة تحسم في ماهية الإنسان، وهنا يميّز فردناند ألكيي بين العلم والمعرفة الفلسفيّة أي بين معرفة معطاة من الخارج ومعرفة معطاة من الدّاخل، وقد انتقد العلم على أنّه معرفة للموضوع لا للكائن أي كونه اكتشافا بطيئا من الخارج، في حين أنّ المعرفة الفلسفيّة الحقّة هي إظهار تجربة أساسيّة أي حضور الكائن في الشّعور دون اعتماد على المفاهيم.
نستنتج من التّمييز السّابق أنّه لا يمكن الحصول على الشّخص من الخارج بل حصوله يشترط النّفاذ إلى أناه العميق بتعبير برغسون، وليس السّطحيّ والعلميّ لأنّ هذه الأنا لا تتحقّق إلّا في داخلها أي بما هي داخل، وحتّى يوضّح الحبّابيّ هذا الأمر استعان بمثال المرآة الّذي قدّمه الفيلسوف الفرنسيّ لويس لافيل في قوله: “إذ المرآة تحبس عنّي عالما آخر ينفلت منّي، حيث أرى نفسي من غير أن أستطيع الحصول على أناي، إنّ مسافة مغلوطة تفصلني عنه”[13]، فصحيح أنّ المرآة تعكس صورتي وحالتي إلّا أنّها لا تظهر كياني كشخص، وهنا نعود لنطرح السّؤال السّابق بصيغة أخرى: هل يمكن تعريف الشّخص بما هو داخل؟ أي في ذاته؟
يجيب مؤسّس الشّخصانيّة إمانويل مونييه على سؤاله المركزيّ: “ما هو الشّخص؟” بحضوره في الأنا، وهو تحديد يجاور تعريف الأنا العميق الّذي يتحدّث عنه بيرغسون في “رسالة معطيات الشّعور المباشر”، وفي الحقيقة فإنّ مونييه أجاب في موضع آخر على نفس السّؤال إجابة تنفي إمكانيّة تعريف الشّخص لأنّه ليس الشّخصيّة وليس هو الفرد، فالفرد غاية ذاته أمّا الشّخص فغايته تتجاوزه حسب الفيلسوف الفرنسي شيفالييه. ويتّفق محمّد عزيز الحبّابيّ مع هذا التّعريف الّذي لا يعرّف، بيد أنّه على خلاف مونييه، أنكر إمكانيّة تعريف الشّخص بيولوجيّا فقط وانفتح على إمكانيّة تعريفه وظيفيّا باعتباره توتّرا دائم التّغيّر والحدوث ضمن وجوده مع الآخرين، ويشرح التّجاوز بالهدف والتّوتر إذ يقول: “إنّ الشّخص لا يعرف، كما حاول آخرون أن يعرّفوه بالتّيّار الحيويّ، ولكن الحركة الهدفيّة والوظيفيّة تجعله دائما مقدّما عليها، هي المحدّدة له (…). لا يجوز لنا أن نقول، بأنّ الشّخص ليس إلّا شخصيّة أزيل عنها القناع، مادام الشّخص صيرورة تطغى على كلّ تحديد لما لها من غنى وإمكانات (…). الشّخص هو الممكن في توتّر نحو اللّانهاية”[14]، ويوحي هذا الكلام إلى صعوبة الإمساك بمفهوم الشّخص، والسّبب في ذلك يرجع إلى ما سمّاه الحبّابيّ بالتّوتّر أو الحركة الهدفيّة القائمة على المبادرة والاختيار .
إنّ الشّخص “يلتزم ويندمج وينسجم ويشعر ويقبل ويرفض… فتلك هي الخصائص اللّازمة للاعتراف بأنّ الشّخص استقلال ذاتيّ”[15]، إنّه نتاج حركة أفعاله كما يقول غرامشي[16]، فالشّخص يصبح هو ولا هو في نفس الوقت أي أنّه يتغيّر ضمن توتّر مستمرّ ، “توتّر تعبيريّ ينبثق عن واقع الحياة، حياة الإنسان، هذا الكائن الّذي يعيش في التّاريخ، ويجعل أناه تاريخا: يكون الإنسان من نفسه تاريخ تحرّره بمساهماته في التّاريخ، فالوجود الإنسانيّ لا يكون وجودا إلّا في حينونة دائمة التّفتّح لأنّ الكينونة المنغلقة ليست وجودا”[17]، بل هي مجرّد ظهور، والظّهور يدلّ على الكينونة لا على الشّخص أي أنّ الشّخص لا يصير هو إلّا حينما ينعتق من الكينونة، أي حينما لا يصير معطى خامّا. ليصبح الكائن شخصا، يقتضي الأمر أن يندمج في مجتمع الأشخاص عبر عمليّة التّشخصن، ويقول الحبابي في ذلك: “إنّ الكائن الإنسانيّ معطى خامّ، يظهر ويصير كلّما ازداد اتّجاهه نحو التّشخصن والاندماج في مجتمع الأشخاص، فهو باق كائنا خامّا ما لم يظهر للآخرين (…) والظّهور لا يحمل في ذاته معان خاصّة، إنّه يقتصر على كشف الكائن باعتباره مادّة أوّليّة فقط”[18]، ويضرب الحبّابيّ مثالا للتّمييز بين الكائن والشّخص بقطعة القماش، فهي عند ظهورها لأوّل مرّة عارية ومفتقرة لأيّ دور خاصّ ثمّ تصبح سروالا أو معطفا أو قميصا أو شيئا غير ذلك عقب تدخّل الخيّاط، هذا يعني أنّ الظّهور بالنّسبة إلى الكائن إمكانات غير محدّدة لكنّ صيرورة التّشخصن هي الّتي تنقل هذا الكائن إلى التّحديد ليصبح متميّزا.
قطعة القماش نوع شامل بينما السّروال أو القميص تحديد لإمكانيّة الصّيرورة في التّحقّق من إمكانات أخرى لم تتحقّق، كذلك الحال مع الكائن البشريّ فهو في الظّهور نوع إنسانيّ فقط لكنّ تدخل المجتمع (الآخر) هو الّذي يسحبه من مرحلة الظّهور إلى مرحلة الوجود. هذه النّقلة نستعيرها عند أرسطو، أي الانتقال من النّوع إلى الوحدة. إذن، هنا، وعوض أن نرى مع سارتر أنّ النّظرة الّتي يركّزها الآخرون عليّ تفرغني وتسرق منّي ذاتيّتي، حاولنا أن نبرهن -كما قال الحبّابيّ- على أنّ وجود الآخر أمر ضروريّ لـ(أناي)، فـ”حضور الآخرين لا يفرّغني ولا يجمّد حرّيّتي، بل على العكس، إنّه يعكسني ويجعلني على استعداد لمواجهة المواقف (…) لا أستطيع أن أعرف الآخرين إلّا بفضل تأمّلي، ومن خلال ذاتي، ولا أستطيع أن أعرف ذاتي إلّا في الآخرين، إنّي أتعرّف فيهم على ذاتي، أو كما يقول حديث لنبي الإسلام: (المؤمن مرآة أخيه)”[19]، إضافة إلى أنّ تعريف أيّ إنسان يجب أن يتحدّد بعلاقته بكلّ الأشياء في هذا العالم بما فيها الآخر أو سيدور تعريف هذا الإنسان في حلقة مفرغة.
لنفترض أنّ فردا منعزلا عن العالم له وعي بذاته يتجلّى في أنّه يقول: “أنا”، حسنا، و “ما أنا؟”. إنّي كائن مفكّر ويحمل معرفة محضة، هذه المعرفة حين أفكّر تجسّم الـ “أنا”، أي “أنا فلان”. فما هو، إذن، فلان هذا؟ أي هذا الّذي يفكّر ماذا كان قبل أن يفكّر، وماذا يصير حين ينتهي من التّفكير. هذا السّؤال لم يعد سؤالا حول الإنسان باعتباره كائنا فحسب بل حول الإنسان باعتباره شخصا وكائنا معا، فالوجود يسبق التّفكير ولا فكر دون كائن. أنا موجود، إذن، أنا أفكّر، وليس العكس كما عند ديكارت. والإجابة على السّؤال هي: فلان كائن من لحم ودم أوّلا، يعلم أنّه كائن في وسط أشياء، فالشّعور يبدو كعلاقة مع الآخرين والموضوع والعالم والطّبيعة، ثمّ إنّ معرفتي للآخرين هي معرفة لذاتي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فكلّ معرفة لذاتي هي معرفتي للآخرين وللعالم[20].
إذن، فقد انتقلت من كائن محدود الإمكانات إلى شخص مفتوح على جميع الإمكانات في كنف الآخر. في الأخير يصحّ لنا أن نقول مع الحبّابيّ إنّ “الكائن ليس شخصا ولكنّه يصير شخصا بفضل الآخر”.
لم يعد يسعفنا الانتقال من الكائن إلى الشّخص للتّسليم بقضيّة “هاملت” بطل شكسبير الّتي تقول: “أن يكون المرء أو لا يكون”، وفي الحقيقة فإنّ هذه ليست هي المسألة الكبرى والوحيدة الّتي تحصر المرء بين الكينونة والعدم بل هي مسألة بين مسائل أخرى. أن يكون الإنسان فهذا أمر جيد، لكن: يكون ماذا؟ وماذا يكون؟ ذلك أنّه من شأن كلّ كائن بشريّ ألّا يكتفي بأن يكون على نحو ما تكون عليه هذه الورقة الّتي أكتب عليها أو هذا القلم الّذي أخطّ به. مجرّد كائن خامّ بلغة الحبّابيّ، إنّما شأن الإنسان أكبر من هذا: شأنه أنّه الكائن الّذي يتشخصن أي لا يبقى موضوعا سهل التّناول بمعنى لا يبقى شيئا إنّما يصير شخصا، وأكثر من هذا لا يبقى هو شيئا بين الأشياء إنّما يصير شخصا بين الأشخاص أي أنّه يتميّز، فكيف يتميّز؟
إنّه يتميّز كإنسان لا كفرد، فهذا فريدريك بانتنغ طبيب كنديّ، اكتشف الأنسولين وأنقذ حياة ملايين النّاس المصابين بمرض السّكّريّ. هذا الطّبيب انتقل من الشّخص إلى الإنسان لأنّه لم يقدّم الأنسولين لمجتمعه أو لمحيطه أو لوطنه فقط بل للإنسانيّة جميعا، والإنسان كما يقول الحبّابيّ هو الغاية القصوى للإمكانات الّتي يحتويها[21]، والشّخص يتوق إلى أن يحقّق هذا الإنسان في ذاته[22]، والأكيد أنّ اكتشاف الطّبيب الكنديّ قادته دافعيّة مسبقة، هي بمثابة تشخيص لواقع الحال الإنسانيّ وهم تجاه هذا المصاب الّذي يجثم على جسد الإنسان؛ إنّها دافعيّة العصر وكلّ اكتشاف أو تفكير هو تفكير لعصر[23].
لنعد لسؤال: ماذا يكون الشّخص؟ لنحاول أن نبيّن أنّ الشّخص هو عدّة أشخاص في الحقيقة، وهذا التّعدّد هو ما يسمّى بالشّخصيّة، وقد قلنا سابقا -مع مونييه- إنّ الشّخصيّة ليست الشّخص، فكيف يكون ذلك؟
لا يطرأ أيّ تغيّر على الشّخص بما هو داخل لأنّه جوهر، والجوهر لا تطاله الأعراض. إنّنا ننخدع حتما حين يقال لنا إنّ الشّخص (فلان) قد تغيّر، والحقيقة أنّ ما تغيّر فيه هو شخصيّته وليس شخصه، فهذا فلان يسكن في إحدى القرى النّائية في المغرب هو شخص، وفي نفس الوقت له شخصيّة، نصفها على أيّ حال بأنّها شخصيّة هشّة. فلان طوّر من نفسه واستطاع في مرحلة شبابه أن يلتحق بإحدى الجامعات في فرنسا بفضل تفوّقه الدّراسيّ وحتما ستتغيّر شخصيّته في فرنسا ، فهل نقول إنّ فلان في فرنسا ليس هو نفسه في المغرب؟ نعم يمكننا قول ذلك، لكن من جانب الشّخصيّة وليس من جانب الشّخص فالشّخصيّة متعدّدة بينما الشّخص واحد، والإنسان يتطوّر أطوارا في شخصيّات يتقنّع بهذه ويتلفع بتلك، وقد يجمع في شخصه الواحد بين شخصيّات عدّة؛ ففلان قد يتشرّب من الثّقافة الفرنسيّة وفي نفس الآن يحتفظ بالثّقافة المغربيّة في لباسه، مثلا، وقد يكون هذا الاحتفاظ قسرا عليه بفعل الهابيتوس وقد يحمل بطاقة هويّة مغربيّة وفي نفس الوقت أخرى فرنسيّة.
وعلى العموم فشخصيّتنا تتحدّد بما نحن عليه وما نملكه في نفس الوقت، وبطاقة الهوّيّة حيث تتواجد قسمات الوجه ولون البشرة والمهنة وتاريخ الولادة ومكانها، والكائن لا يكون بشريّا بالنّسبة إلى الحبّابيّ إلّا على أساس هذه الأبعاد (الأحوال المدنيّة، الجنس، اللّون…)[24]. أمّا الشّخص فهو جماع الشّخصيّات ومؤتلفها، فحزمة الشّخصيّات أو جماعها هي ما يكون شخصه أو ذاته، وكأنّنا بالشّخص حركة أي مركز ثقل ديناميّ يتّسع بقدر ما يتقدّم تحت تأثير الأمواج المتعاقبة من الشّخصيّات الّتي تتجاذب في داخله فتضاعف كثافته الّتي تتوارى خلف “أنا مقنع”، ومن هذا القناع جاء مفهوم La personne لأنّ الشّخص لا يكفّ عن التّنكّر والتّقنّع، وهو على حدّ تعبير كارل يونغ قناع يرتديه الفرد بانتمائه إلى المجتمع، إنّه قناع النّفس الجماعيّة، قناع يتظاهر بالفرديّة، إنّه ليس شيئا حقيقيّا غير مصالحة بين الفرد والمجتمع فيما يتعلّق بما يجب أن يظهر به الإنسان في المجتمع وبموجب ذلك يدخل في مشاهد تمثيليّة كلّما تواجه معه فيظهر شخصيّات متعدّدة يتلاعب بها كما يشاء، ويقدر على تقمّص شخصيّات ليست له وما هي في شخصه؛ إنّه “يتمسرح” بتعبير أرفنج غوفمان، وهو ما أورده الحبّابيّ في كتابه “الشّخصانيّة الإسلاميّة” حين قال: “مجرّد كائن مسرحيّ مقنّع، أحيانا بقناع المأساة وأحيانا بقناع المهزلة”[25]، ولا يأخذنا هذا المفهوم القدحيّ الّذي صاغه كارل يونغ إلى أسطرة الشّخص أي جعله أسطورة لأنّه، كما قلنا من قبل، فإنّ الشّخص مهما تعاقبت عليه الشّخصيّات سواء الماضية أو الحاضرة، يظلّ هو مركز الاتّصال بينها لذلك أعزى الحبّابيّ نموّ الشّخصيّة إلى الذّاكرة فهي الّتي ترفعنا من الشّعور بالذّات إلى معرفتها.
تعتبر عمليّة التّذكّر عمليّة رجوع إلى الوراء: فأنا في هذه اللّحظة كنت ما كنت في الماضي، و على حد تعبير جابريل مارسيل نحن ماضينا، لأنّ الذّاكرة ليست تواصلا بين الأنا الواقعيّ والأنا الماضي، فالماضي الّذي حييناه يحيا فينا وهو شرط لكلّ وعي، إنّه لا يسعني إلّا أن أشعر به، إنّني لا أتذكّر إلّا الأحداث الّتي وعيتها فالذّاكرة لا تنفصل عن الوعي، ودورها بالنّسبة إلى تاريخ حياتنا يماثل دور النّسيان لما قبل تاريخنا. إنّنا لا نعي ما قبل وجودنا لأنّنا ما كنا نملك ذاكرة فحصل لنا النّسيان و الانقطاع وغاب التّشخصن، أمّا في ما بعد وجودنا -أي حين امتلكنا ذاكرة وصرنا كائنات تاريخيّة- حصل التّذكّر والاسترسال وحضر التّشخصن.
ونخلص من هذا إلى أنّ الشّخصيّة متأخّرة، فالكائن يستقبل عمليّة التّشخصن قبل أن يعي شخصيّته وبسبب ذلك هناك حركة مستمرّة تستلزم حضورا مكثّفا ودائما في الوضع الحياتيّ والاجتماعيّ، وأيّ ارتداد من الشّخص إلى الكائن المحض أو من الوجود إلى الكينونة وأيّ انقطاع أو انفصام أو نسيان لتاريخ حياتنا وذاكرتها ينتج عنه ما يسمّيه الحبّابيّ بـ”أمراض الشّخصيّة”.
3- أمراض الشّخصيّة: من التّشخصن إلى التّعدّم:
يغرس الواحد منّا إصبعه في التّربة فيعرف الأرض الّتي ينتمي إليها من الرّائحة الّتي يشمّها، وأغرس أنا إصبعي في الوجود فيعبّر عن اللّاشيء: فأين أنا؟ وكيف جئت هنا؟ وما هذا الشّيء المسمّى بالعالم؟ وكيف وصلت إليه؟ لماذا لم أسأل ولماذا لم أؤهل لأتطبّع بطرقه وعاداته؟ بل قذفت إلى جوعه وكأنّما اشتريت من خاطف ملعون أو تاجر أرواح؟ وكيف أصبحت مهتمّا به؟ أو ليس أمرا طوعيّا؟ وإن كنت مرغما على تمثيل دور فيه: فأين هو المخرج؟ بودّي لو أراه[26].
لقد نقل كولن ولسون هذه العبارات عن الفيلسوف الوجوديّ كيركغارد، وهي عبارات مشبعة بروح التّساؤل وتثوي خلفها رغبة جامحة في بعث المعنى في العالم، عالم الذّات أوّلا باعتبارها منبع كلّ معنى. الملفت في هذه العبارات هو سؤال المخرج الّذي يومئ بورطة وجوديّة تقتضي بوصلة يسترشد بها الإنسان من أجل بلوغ ذاته أوّلا، وحتّى يتسنّى له ذلك، وجب أن ينطلق من مطارحة ذاته فالإنسان سؤال مستمرّ حول ذاته ومن شأن تساؤلاته الدّائمة أن تعزّز لديه قناعة بأنّ ما كان هو بالكائن الجامد، وأنّه يتميّز بماهيّة ترفعه فوق درجة الكائن الخامّ و تجعل من المستحيل تشييء وجوده. هذا الارتفاع وتلك الرّفعة هي ما يطلق عليه الحبّابيّ بـ (التّشخصن)، فأن يوجد الإنسان معناه أن يكسب المقدرة على التّشخصن أي أن يستحيل هو شخصا، وإلّا ما كان على شيء وما كان شيئا. صحيح أنّ الإنسان يحسّ بأنّه ملقى وتائه في الكون الرّحب وغارق في عدد لانهائيّ من الكائنات كما يقول روسو، إلّا أنّ المجتمع يلتقطه من صحراء التّيه والضّلال ويمنحه هويّة خاصّة به فيصبح بذلك كائنا تاريخيّا، وفي هذا السّياق يقول الحبّابيّ: “إنّ الكائن يلج هذا العالم مجهولا، لا اسم له ولا ورقة هويّة، ولكنّه بمجرّد ما يندمج في الصّيرورة وفي اللّحظة الّتي يبدأ فيها تشخصنه ينقلب ذاك الشّيء الّذي دخل العالم إلى كائن تاريخيّ”[27]، وبالتّالي فإنّ التّشخصن يعني أنّ الكائن البشريّ عندما يظهر (لا يوجد) يدخل مباشرة في عمليّة احتضان ورعاية من المجتمع، ابتداء من الأسرة ثمّ الشّارع ثمّ المدرسة وصولا إلى العمل والوظيفة الّتي يقدّمها الشّخص كدور فعّال ينبني على العلاقات الاجتماعيّة الّتي تعطيه هويّته المدنيّة وتدعم شعوره في الانفتاح والنّضج، وفيها يتأثّر ويؤثّر بالخضوع والتّكيّف.
يؤكّد الحبّابيّ في مقام آخر على أنّ الشّخصانيّة تبتدئ عندما يرفض الشّخص الطّاعة العمياء، سواء طاعة الأشخاص أو حتّى طاعة الأشياء[28]، مشيرا إلى أنّ الرّكون للخضوع والخنوع يقتل الإبداع ويخنق روح النّشاط والفاعليّة ويجهز على التّواصل والتّعاون، ويؤدّي هذا إلى العودة مرّة أخرى إلى باراديغم السّيّد والعبد الّذي شرحناه سابقا مع إيمانويل ليفيناس.
وإذا اختلّت العلاقة الجدليّة بين الشّخص والمجتمع أو الآخرين يفضي ذلك إلى ما يسمّيه الحبّابيّ بـ”أمراض الشّخصيّة” حين تداهم الأنا الأخطار فيتشتّت ويتفكّك وفي الأخير يموت ويتعدّم (من التّعدّم، أي يصبح عدما)، فالموت هو الحدّ الأخير للتّشخصن بمعنى تصدّعه وتفكّك عناصره الشّخصية، وما السّهو والغفلة إلّا درجة في هذا التّصدّع، فأن أموت أو أن أسهو معناه أن أنتهي ككائن وأفنى كشخص وأهلك كإنسان، لكن، وقبل هذا التّعدّم وهذا الموت، يحصل أن يهتزّ التّوازن عند الإنسان إذا افترضنا أنّه تأليف من الكائن والشّخص، فلا يوجد إنسان ولا يمكن أن يوجد خارج هذا التّأليف. ومع الاهتزاز والاختلال، أمكننا أن نتحدّث عن وجود أحدهما مستقلّا عن الآخر: فهناك الكائن بلا شخصيّة ولا نزوع ولا شعور كالجنين والمليص (الولد الّذي أسقطته أمّه)، وهناك الشّخص بلا كائن يحيا في آثاره فحسب أي في الذّكريات الّتي نحتفظ بها كالصّور الفوتوغرافيّة الباقية رغم فناء صاحبها وكذلك الأفكار الّتي أبدعها، فحينما أقول: إنّني أحبّ إسبينوزا، فمعناه أنّني أحبّ آثار هذا الفيلسوف من أفكار وكتب، فبعد الموت أي الانفصام البالغ حدّه الأخير، ينعدم الإنسان كلّيّا بكينونته وجزئيّا بشخصه، نقول: إنّ الميّت يضمحل جزئيّا بشخصه لأنّه يبقى في ذاكرة الآخرين وفي الآثار الفنّيّة وفي الأعمال الّتي قام بها وفيما ترك من ممتلكات.
يمكن كذلك أن نتحدّث عن غلبة الكائن على الشّخص أو العكس: ففي الحالة الأولى يرى الحبّابيّ أنّ الفنّ هو أكثر مجال يتميّز بها، وغالبا ما تطغى اندفاعات الكينونة على تدخّلات الشّخص فيه فإنتاج فان خوخ هو فان خوخ نفسه، ومعزوفات بيتهوفن هي بتهوفن نفسه، وشعر هولدرين هو هولدرين نفسه، وهذا ما يعكس إعجاب هايدجر به لأنّه اهتمّ بالكينونة وإبراز الحضور المطلق للوجود. أمّا في الحالة الثّانية، تغلب ناحية الشّخص على ناحية الكينونة وترجّح هذه الغلبة عند الحبّابيّ بشكل كبير، فديكارت حينما أبدع فلسفته قام بمراعاة الرّقابة الاجتماعيّة ومارس التّقيّة خوفا من تشنيع مناوئيه من ذوي عصره أي أنّه وضع نصب عينه الآخر وحكمه عليه. ظلّ ديكارت حبيس عصره وفكره ولم يخترق حدود هذا العصر، وصحّ قول ماركس، هنا، حين قال إنّ الفلاسفة لا ينبثقون من الأرض كما ينبثق الفطر، إنّهم نتاج عصرهم و شعبهم فالمعاني الفلسفيّة تعبّر عن خيرة عصارات بيئتهم وألطفها لأنّ الفكر الّذي يبني الأنساق الفلسفيّة في أدمغة الفلاسفة هو نفس الفكر الّذي يبني السّكك الحديديّة بأيدي العمّال، فالفلسفة لا توجد خارج العالم وديكارت لم يكتب إلّا ما أمكنه أن يكتبه لا كلّ ما أراد أن يكتب[29]، والإمكان يتحدّد بما يعاينه ويجاريه لا بما يتخيّله وينتظره.
الظّاهر في الحالة الثّانية أنّ حضور الشّخص مقتصرا على ذاته إنّما هو حدّ لإمكان حدوث إمكانات يمكن أن تحصل، وهي الإمكانات الّتي بإمكانها أن تفتح للشّخص أفق الإنسان، وهو كما أكّدنا سابقا أعلى درجات التّشخصن، و يتبدّى لنا مسبقا جرّاء أمراض الشّخصيّة هذه أنّ الإنسان هو ذلك المستحيل في ظلّ الانغلاق والانسداد، وأنّ الحبّ الإنسانيّ أسطورة غير مرغوبة، وأنّ كثيرا من الشّعوب تئنّ تحت وطأة البدائيّة وهي غير مدركة لذلك؛ شعوب تكابد الانفصام والانشقاق بين مستواها الثّقافيّ الحاضر وبين الفترة الحالية الّتي وصل إليها تاريخ المدنيّة الإنسانيّة، فلكلّ عصر بدائيّون كما يقول الحبّابيّ، وهم جميع الأفراد الّذين لا ينسجمون مع وسطهم ويشجّعون على الانزواء والانعزال، الشّيء الّذي يخمد جذوة التّقدّم والتّطوّر لديهم لأنّ المجتمعات شأنها شأن الأشخاص لا يمكن أن ترتقي إلّا بانفتاحها وبتوطيد علاقتها بالعالم، وهذا الانفتاح هو أساس بناء الثّقافات وتشييد الحضارات فالثّقافة بالنّسبة إلى الحبّابيّ ترجمة لعبقريّات الشّعوب في رؤيتها للعالم؛ إنّها أشبه ما يكون بالفلاحة، فكما أنّ هذه تسعى إلى إثمار الحقل بفلحه تسعى تلك إلى إثمار العقل بتثقيفه، فالمثقّف حسب هذا المنظور هو ذلك الشّخص المطّلع على ثقافات الشّعوب دون أن يزدري منها فالثّقافة، إذن، تفتّح وهي كذلك تشخصن، بمعنى أنّها تنقل الفرد من حالة الوجود الخامّ الفظّ إلى الحياة الواعية المفكّرة لذلك أكّد الحبّابيّ أنّ الثّقافة عنصر لا غنى عنه في التّركيبة البشريّة، إن لم نقل أنّه جزء لا يتجزّأ من كيان الإنسان شأنه شأن العنصر البيولوجيّ.
كما يحثّ محمّد عزيز الحبّابيّ على مسايرة التّطوّرات والتّحوّلات الحاصلة في العالم والابتعاد عن الخطابات الدّاعية إلى التّحجّر والتّحنّط والتّقوقع والحاملة لمعانٍ دفينة تفرض نوعا من الجمود والتّكلّس، إنّها خطابات تنهب منّا نوازع الكينونة فتكبح جماح حرّيّتنا وتزجّ بنا في أقفاص الانحطاط والتّذلّل، أين نتأفّف من الاختلاف ونذعن للتّقليد والتّبعيّة، “إنّنا منغمرون في بيئات تجعلنا نشعر بأنّنا نعيش في عالم مليء بأنواع العداء والامتعاض لكلّ ما هو إنسانيّ، ولكي يدعم الإنسان سيادته في هذا العالم يلزمه أن يبقى حذرا دائما، وأن يكيّف باستمرار آراءه وعواطفه وأدواته حسب الإيقاع الّذي يسير به العالم المحيط به، فهذا بالنّسبة إلى الحبّابيّ التزام إنسانيّ، فإذا لم يفعل ذلك ألقي به على هامش الحياة[30] حيث أخطار الاغتراب تتربّص به من جديد، وما التّجاذبات الّتي يجد الإنسان العربيّ نفسه مشدودا بينها سوى دليل على التّشوّه الضّاربة جذوره في أعماق الكيان الإنسانيّ العربيّ، وهو تشوّه ناتج عن ضعف الاختيار وأفول تطلّعات التّحرّر، فأمسى هذا الإنسان غير عارف بمصيره أو بالأحرى بشخصه، لا يعلم هل يتشبّث بتراث أجداده أم ينساق مع السّيل الجارف للتّطوّر العلميّ والتّقنيّ أو يظلّ مشدودا بين الاثنين .
4- خاتمة :
وهب الفيلسوف المغربيّ محمّد عزيز الحبّابيّ نفسا جديدا للمذهب الشّخصانيّ وبصم على فلسفة جديدة تلتفت إلى الإنسان، هذا الكائن الّذي بات يتخبّط في أزمات ونكبات ومزالق، يقاسي التّمزّق والتّصدّع بفعل التّحوّلات المتلاحقة والسّريعة والّتي أضحت تستدعي نوعا من اليقظة الفلسفيّة والوجوديّة بغية تحصين هذا الكائن من مختلف الهجمات التّقنيّة والضّربات الاقتصاديّة.
إنّ كلّ هذه الأوضاع لا يجمعها إلّا النّزعة الشّخصانيّة الواقعيّة، بل لا تلتئم جروح الكائن إلّا بها لأنّها تنطلق من التّجربة المعيشة عن طريق دعوتها الصّريحة إلى الانفتاح على تحوّلات العالم الحديث الحاصلة والإقبال عليها دون تعنّت أو تعصّب، فما ترمي إليه الشّخصانيّة أساسا يتجلّى في تجاوز التّعدّد العرقيّ والاختلافات الدّينيّة والمذهبيّة لأنّها السّبب الرّئيسيّ في اندلاع الحروب وفي انتهاك حقوق الشّعوب المستضعفة باسم الإمبرياليّة، كلّ ذلك تمخّض عن حظر الاختلاف بل وتجريم فكرة الاختلاف فلا غرابة أن تجد إنسانا يعتنق دينا معيّنا يكنّ الحقد والبغض لإنسان آخر يعتنق دينا مختلفا. والحقيقة أنّ ما نحتاج إليه هنا هو قبول الاختلاف وتدبير الاختلاف، هذا الرّهان الّذي عقدت العزم على الخوض فيه في جميع تفاصيل هذا المقال فضلا على أنّ الشّخصانيّة ساعدتني كثيرا على ذلك، فهي المذهب الّذي يشجّع على الانفتاح على الثّقافات والقبول بالآخر واستضافة هذا المختلف عنّي في عقر داري (شخصيّ)، فكما تبنى الحضارات بالتّلاقح والتّجانس يبنى الشّخص ومن ثمّة الإنسان بالأخذ والعطاء: فالأخذ ينطوي على معاني الصّداقة والحبّ والإخاء، وأمّا العطاء فيحمل في طيّاته رموزا تحيل إلى التّعاون والتّآزر والتّضامن.
هذه هي القيم الّتي نرجوها ونطمح إليها لأنّها السّبيل الوحيد من أجل رأب التّصدّعات وسدّ الشّروخ الّتي حلّت بالإنسان نتيجة تفشّي القيم السّلبيّة وانتكاس الأخلاق و تعاظم المعايير الاقتصاديّة والمادّيّة المفرطة، والّتي أمست موجّها لأنماط سلوكه وأفعاله وأردته إنسانا مستلب الحرّيّة؛ إنسانا منكمشا على ذاته، لا هو بمنخرط في مجتمع الأشخاص ولا هو منصهر في الواقع، وأصبحنا اليوم لا نتحدّث عن الشّخص الّذي لا يتحقّق إلّا بالآخر الواقعيّ بل نتحدّث عن (شخص- ميديا) لا يتحقّق إلّا بقدر الأشخاص الّذين يتابعونه وبقدر “اللّايكات والجادوغات” الّتي يحصدها؛ إنّه شخص مصطنع ينعزل عن واقعه الفعليّ ويهرب إلى واقع سرياليّ، إنّه نفور من العالم العموديّ إلى العالم الأفقيّ، عالم لا تفرض فيه الذّات نفسها كقدرة واختيار وتوتّر وإبداع، بل كصورة ووهم و”سيلفي” ومادّة، لذلك نقول مع إلزا غودار في عنوان لكتابه “أنا أوسيلفي، إذن أنا موجود”، فما دام الشّخص يسمو عبر عصره وواقعه ويرتفع درجات بعمله وعلمه، وبما أنّه وجود مع الآخرين وذوبان في النّحن، فإنّي أسمّي الشّخص الّذي ينأى عن كلّ هذا في العالم الافتراضيّ بالشّخص-الشّبح، وبما أنّ هذا الشّخص الجديد في هذا العالم السّرياليّ الجديد يتسمّر في ركن من أركان بيته حاملا للهاتف، يعقد علاقات مع آلاف النّاس الّذين لا يعرفونه إلّا بالصّور الّتي يشاركها، نطرح أسئلة تفتحنا على آفاق أخرى: هل تنفعنا الشّخصانيّة اليوم؟ هل يصحّ أن نتحدّث عمليّا عن شخصانيّة واقعيّة في غياب شبه تامّ للواقع؟ هل يسوقنا أفول الشّخص الواقعيّ إلى القول بانصرام عصر الواقعيّة؟ هل يجوز لنا أن نستعيض عن الشّخصانيّة الواقعيّة بالشّخصانيّة الافتراضيّة؟ هل تنذر القيم الّتي سعت الشّخصانيّة إلى بثّها في العالم الإنسانيّ بالتّلاشي والزّوال؟ ما مآل الإنسان في هذا العالم؟ هل أصبح أفقه مسدودا؟ هل يمكننا أن نأمل في غد أفضل؟ وأيّ فضل في هذا الغد إذا نظرنا إلى التّطوّرات العظيمة والحاسمة في التّاريخ البشريّ والّتي انعطفت إلى مسار تألية العالم (أي جعله آلة)؟
لائحة المراجع و المصادر:
– المراجع العربيّة:
- الحبّابيّ (محمّد عزيز): “دراسات في الشّخصانيّة الواقعيّة، من الكائن إلى الشّخص”، دار المعارف، مصر، 1968.
- الحبّابيّ (محمّد عزيز): “من الحرّيّات إلى التّحرّر”، دار المعارف، مصر، 1972.
- الحبّابيّ (محمّد عزيز): “الشّخصانيّة الإسلاميّة”، دار المعارف بمصر، 1983.
- الدوّاي (عبد الرّزّاق): “موت الإنسان في الخطاب الفلسفيّ المعاصر”، دار الطّليعة للطّباعة والنّشر، بيروت، 2000.
- ليفيناس (إيمانويل): “الزّمن والآخر”، ترجمة د. منذر عيّاشي، دار نينوى للدّراسات والنّشر والتّوزيع، دمشق، الطّبعة الأولى، 2015.
- ولسون (كولن): “ما بعد اللّامنتمي”، من دار الآداب ببيروت، الطّبعة الخامسة، 1981.
- غرامشي (غرامشي): “دراسات ومختارات”، منشورات وزارة الثّقافة، دمشق، 1972.
– المراجع الأجنبيّة:
- Chevalier (Jacques): «La vie morale et l’au-delà», Revue Philosophique de Louvain, 1938.
- Foucault (Miche): «Les mots et les choses», Gallimard, Paris, 1966.
- Gusdrof (Georges): «Traité de l’existence morale», Librairie Armand Colin, Paris, 1949.
[1]– Foucault (Michel): Les mots et les choses, Gallimard, Paris, 1966, P319
[2]– الدّواي (عبد الرّزّاق): موت الإنسان في الخطاب الفلسفيّ المعاصر، دار الطليعة للنّشر والتّوزيع، بيروت ، الّطبعة الأولى، ص7.
[3]– الحبّابيّ (محمّد عزيز): من الحرّيّات إلى التّحرّر، دار المعارف بمصر، ص11.
[4]– Gusdrof (Georges): Traité de l’existence morale, Librairie Armand Colin, Paris, 1949, p380.
[5]– ليفيناس (إيمانويل): الزّمن والآخر، ترجمة د. منذر عيّاشي، دار نينوى للدّراسات والنّشر والتّوزيع، الطّبعة الأولى، 2015، ص14- 15.
[6]– الحبّابيّ (محمّد عزيز): من الحرّيّات إلى التّحرّر، مرجع سابق، ص178.
[7]– Chevalier (Jacques): La vie morale et l’au-delà, Revue Philosophique de Louvain, Année 1938. P103.
[8]– الحبّابي (محمّد عزيز): دراسات في الشّخصانيّة الواقعيّة. من الكائن إلى الشّخص، دار المعارف بمصر، الطّبعة الثّانية، صص116-117.
[9]– المرجع نفسه، ص 122.
[10]– المرجع نفسه، ص 125.
[11]– الحبّابيّ (محمّد عزيز): من الحرّياّت إلى التّحرّر، مرجع سابق، ص11.
[12]– جسديّة.
[13]– الحبّابيّ (محمّد عزيز): من الكائن إلى الشّخص، مرجع سابق، ص131.
[14]– المرجع نفسه،ص84.
[15]– الحبّابيّ (محمّد عزيز): الشّخصانيّة الإسلاميّة، دار المعارف بمصر، ص11.
[16]– غرامشي : دراسات ومختارات، منشورات وزارة الثّقافة، دمشق، 1972، ص184.
[17]– الحبّابيّ (محمّد عزيز): من الحرّيّات إلى التّحرّر، مرجع سابق، ص11.
[18]– الحبّابيّ (محمّد عزيز): من الكائن إلى الشّخص، مرجع سابق، ص11.
[19]– الحبّابيّ (محمّد عزيز): من الحريات الى التحرر ، مرجع سابق، ص 179
[20]– الحبّابيّ (محمّد عزيز): من الكائن إلى الشّخص، مرجع سابق، ص48. في سياق مناقشة الحبّابيّ للكوجيطو مع ديكارت وهيجل، حوّرت فيه قليلا من أجل أن يتناسب مع الموضوع.
[21]– الحبابي ، من الكائن إلى الشّخص، مرجع سابق، ص15، 102.
[22]– المرجع نفسه، ص21.
[23]– المرجع نفسه، ص72.
[24]– الحبّابي (محمّد عزيز): من الكائن إلى الشّخص، مرجع سابق، ص14.
[25]– الحبّابيّ (محمّد عزيز): الشّخصانيّة الإسلاميّة، مرجع سابق،ص14.
[26]– ولسون (كولن): ما بعد اللّامنتمي، من دار الآداب ببيروت، الطّبعة الخامسة، 1981، ص22.
[27]– الحبّابيّ (محمّد عزيز): من الكائن إلى الشّخص، مرجع سابق،ص72.
[28]– الحبّابيّ (محمّد عزيز): الشّخصانيّة الإسلاميّة، مرجع سابق، ص12.
[29]– الحبّابيّ (محمّد عزيز): من الكائن إلى الشّخص، مرجع سابق، ص68.
[30]– الحبّابيّ (محمّد عزيز): من الحرّيّات إلى التّحرّر، مرجع سابق، ص178.