ملخّص:
استهدف البحث الحاليّ الكشف عن الآثار النّفسيّة النّاجمة عن التّطرّف الدّينيّ والمذهبيّ، ولتحقيق هذا الهدف، عمد الباحث إلى رصد وقائع الميدان، واستخلص منها الآثار النّاجمة عن هذه الظّاهرة. وقد تبيّن من خلال الرّصد، أنّ ثمّة آثارا نفسيّة قد ترتّبت عن هذا النّوع من التّطرّف منها: زيادة حدّة الكراهية، وزيادة مستوى الفساد السّياسيّ، وصعوبة التّعبير عن الرّأي.
كما نجم عن التّطرّف الدّينيّ والمذهبيّ، زيادة مستوى النّفوذ السّياسيّ للعشيرة أو القبيلة، وخفض مستوى تأثير النّخبة المثقّفة في المجتمع، كذلك ترتّب عنه تعرّض بعض الفئات الاجتماعية إلى التّهجير القسريّ، وزيادة معدّلات التّسرّب من الدّراسة، وشيوع ظاهرة التّكفير بين الجماعات الإثنيّة، وتجريد الآخر من صفاته الإنسانيّة، إلى جانب زياد معدّلات التّعرّض إلى الصّدمات النّفسيّة، ومن المفيد أن نذكر هنا، أنّ معالجة هذه الآثار تقتضي من الجهات الاجتماعيّة وضع مخطّط يشتمل على برامج نفسيّة واجتماعيّة بهدف الحدّ منها.
الكلمات المفاتيح: التّطرّف، الدّين، المذهب، الكراهية، العدوان، المجتمع العراقيّ.
Abstract:
The current research aimed to uncover the psychological effects resulting from religious & doctrinal extremism. To achieve this goal, the researcher monitored the facts of the field & extracted from it the effects resulting from this phenomenon. Through monitoring, it became clear that there are psychological effects that have resulted from this type of extremism, including: increasing the intensity of hatred, increasing the level of political corruption, & difficulty expressing one’s opinion. Religious & doctrinal extremism also resulted in an increase in the level of political influence of the clan or tribe, a decrease in the level of influence of the educated elite in society. This type of extremism also resulted in; some social groups have been exposed to forced displacement, increased rates of school dropout, the spread of the phenomenon of excommunication among ethnic groups, & the deprivation of others from their human qualities, in addition to increased rates of exposure to psychological trauma. It is useful to mention here, that addressing these effects requires social groups to develop a plan that includes psychological & social programs with the aim of reducing it.
Keywords: Extremism, religion, doctrine, hatred, aggression, Iraqi society.
1- مقدّمة:
لقد شغلت ظاهرة التّطرّف الدّينيّ والمذهبيّ اهتمام الباحثين في العلوم الإنسانيّة، ولعلّ سبب اهتمامهم هذا يرجع إلى الآثار السّلبيّة المترتّبة عنها في النّواحي النّفسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة. والمهمّ في الأمر، أنّ هذه الظّاهرة في حال استمرارها دون إيجاد الحلول النّاجمة لها، ستؤدّي إلى خفض مستوى الرّابطة الوطنيّة بين أفراد المجتمع الواحد، ومن ثمّ انقسامه إلى جماعات إثنيّة متعدّدة لتشكّل في نهاية المطاف مجتمعات متمايزة. وقد يفضي هذا التّمايز في حال استمراره مدّة أطول إلى المطالبة بتشكيل أقاليم على أساس إثنيّ ممّا يؤدّي بالمحصّلة النّهائيّة إلى تكوين دويلات صغيرة تتولّى إدارة شؤونها بنفسها دون التّنسيق مع سلطة المركز، وذلك يعني إشاعة الفرقة والانقسام في عموم المجتمع.
وستركّز الدّراسة الحالية على رصد الآثار النّفسيّة النّاجمة عن التّطرّف الدّينيّ والمذهبيّ في المجتمع، على أنّ استمرار هذا النّوع من التّطرّف سيفضي، والحال هذه، إلى تراكم هذه الآثار وسينجم عنها آثار أخرى من الصّعب التّكهن بنوعيّتها وشدّتها.
2- مفهوم التّطرّف :
لقد أجمع الباحثون -على اختلاف الحقول المعرفيّة الّتي ينتمون إليها- على أنّ التّطرّف Extremism، سلوك غير سويّ، ولأنّه كذلك، فقد اختلفوا في تحديد ماهيته. وحتّى نكوّن تصوّرا واضحا عن المصطلح، نجد أنّه من الضّروريّ تحديده على المستويين: اللّغويّ والاصطلاحيّ، إذ يوجد تداخل بين اللّغة والاصطلاح فيما يتّصل به.
يشير المعنى اللّغويّ للتّطرّف إلى “تجاوز موقع الوسط، أو الاعتدال. وبذلك فالمتطرّف هو من يميل إلى أحد الطّرفين على خطّ افتراضيّ متواصل”([1]).
ويشير معنى آخر، إلى أنّ التّطرّف “مشتقّ من الطّرف أي النّاحية، أو منتهى كلّ شيء. وتطرّف أتى الطّرف وجاوز حدّ الاعتدال ولم يتوّسط. وكلمة التّطرّف [كما ترد في الذّهن] كلمة الغلوّ الّتي تعني تجاوز الحدّ. وهو غلا زاد وارتفع وجاوز الحدّ”([2]). ولقد نبّه الله -سبحانه- عباده من خطورة الغلوّ بقوله: “لا تغلو في دينكم”([3])، أي التزموا حدود الاعتدال في الدّين، ولا تذهبوا بعيدا. كذلك يشير المعنى اللّغويّ للتّطرّف إلى “التّشدّد وتجاوز الحدّ، والوسطيّة يعني العدل والسّماحة”([4]) وبذلك، يصبح التّطرّف من النّاحية اللّغويّة، هو الرّأي الّذي يتجاوز فيه الفرد الوسط أو الاعتدال، وذلك يعني: الانتقال إلى أحد الطّرفين، فإمّا أن يكون باتّجاه اليمين أو أن يكون باتّجاه اليسار، وليس هناك حدّ فاصل بينهما، على أنّ الانتقال إلى أحد الطّرفين دون التّفكير بالحدّ الفاصل بينهما، يعدّ غلوّا، وهو من الأمور غير المفضّلة على النّطاق الإنسانيّ.
أمّا المعنى الاصطلاحيّ للتّطرّف، فقد اختلف الباحثون في تحديده، ويرجع سبب الاختلاف إلى حداثة المصطلح في ميدان علم النّفس الاجتماعيّ، وبالرّغم من أنّ التّطرّف، أو ما يعرف بالاستجابات المتطرّفة، ترجع إلى منتصف القرن العشرين، فإنّ المصطلح لم يستقرّ على معنى محدّد. وكان هدف الباحثين من دراسة الاستجابات المتطرّفة تحديد الانحراف، أو الميل عن الاستجابات الطبيعيّة عند الأفراد غير الأسوياء، مقارنة بأقرانهم الأسوياء. كما أنّ التّقدّم الحاصل في المجتمعات البشرية إلى جانب الأزمات الّتي تعرّضت لها، أشاع حالة من المبالغة والتّشدّد في آراء الأفراد وفي مواقفهم، وقد ترتّب عن ذلك آثار نفسيّة واجتماعيّة، ممّا دفع بالمجتمعات إلى الاهتمام بهذه الظّاهرة ومحاولة الإلمام بتفاصيلها ليتسنّى لها بعد ذلك تقليل مستوى انتشارها. وما يهمّنا هنا، تعدّد تعريفات التّطرف، فبهدف تحديده على وجه الدّقّة، استعرض الباحث عددا منها:
يعرف التّطرّف بأنّه “أسلوب للاستجابة أو شكل من [الاستجابة] يتميّز بالانحراف عمّا هو شائع”([5]).
والواقع، أنّ هذا التّعريف لم يقدّم صورة واضحة عن ماهية التّطرّف، وأنّه اكتفى بتوصيف عامّ. إنّه أسلوب استجابة، أو هو شكل دالّ على الاستجابة. يبتعد عن المألوف، لذا يعدّ تعريفا غير كافٍ لتحديد ماهية التّطرّف.
والتّطرّف من وجهة نظر أخرى، “اندفاع غير متوازن إلى التّحمّس المطلق لفكر واحد يصبح معه [الفرد] أحاديّ الشّعور وفي حالة اضطراب نفسيّ يفقده [القدرة على] التّمييز بين الحسن والأحسن والسّيّئ والأسوأ”([6])، والمتمعّن في هذا التّعريف، يجد أنّ التّطرّف قد حُدّد على أساس الإيمان الرّاسخ بفكر واحد أو معتقد واحد، يتمّ بموجبه معالجة المشكلات على اختلاف أنواعها، على أنّ الفرد الّذي يتصّف بالتّطرّف، عادة ما يعاني من اضطراب نفسيّ -كما يرى التّعريف- يفقده القدرة على التّمييز بين الأشياء، وهو رأي غير سليم، إذ يقع المتطرّف من النّاحية الفكريّة، في أحد طرفي المنحنى الاعتداليّ، وهذا معناه: أنّ أفكاره أو معتقداته، تخرج عن المألوف أو الشّائع عند غالبيّة الأفراد الّذين يقعون في العادة في وسط المنحنى الاعتداليّ، وهو يشير بشكل صريح، إلى أنّ ثمّة انغلاقا عقليّا، يتبنّى الفرد فيه رأيا واحدا، دون النّظر إلى الآراء الأخرى. ولو كان الانحراف عن المألوف أو الشّائع اضطرابا نفسيّا، فسيعدّ المبدعون والمبتكرون من الكتّاب والأدباء والشّعراء والمنظّرين والعلماء من المضطربين نفسيّا لأنّهم يقعون في الطّرف الآخر من المنحنى. لذا، يمكننا أن نقول إنّ اللّا-سواء لهذه الفئة، يعدّ إيجابيّا وليس سلبيّا كما هو الحال مع اللّصوص والمجرمين. أمّا التّطرّف، فإنّه يعدّ غير سويّ من حيث الأحكام الفكريّة الّتي يتبنّاها الفرد.
كذلك يعرّف التّطرّف، بأنّه عمليّة “اتّخاذ الفرد موقفا متشدّدا يتّسم بالقطيعة في استجابته للمواقف الاجتماعيّة الّتي تهمّه، والموجودة في بيئته الّتي يعيش فيها هنا والآن: وقد يكون التّطرّف إيجابيّا في القبول التّامّ، أو سلبيّا في اتّجاه الرّفض التّامّ. ويقع حدّ الاعتدال في منتصف المسافة بينهما”([7])، واللّافت في هذا التّعريف، أنّه حدّد التّطرّف على أساس أنّ الفرد يستصدر أحكاما قاطعة حيال المواقف الاجتماعيّة الّتي يتعرّض لها، وقد تنطوي هذه الأحكام على قبول تامّ أو رفض تامّ، وليس هناك تدرّج في الاستجابة؛ فهو إمّا أن يكون مؤيّدا لقضيّة معيّنة أو أن يكون رافضا لها.
كما يشير التّطرّف إلى معنى “المبالغة لدرجة الغلوّ والتّشدّد في التّمسّك فكرا أو سلوكا بجملة من الأفكار قد تكون دينيّة عقائديّة أو سياسيّة أو اقتصاديّة أو أدبيّة أو فنّيّة، يشعر الفرد [أنّه] يمتلك الحقيقة المطلقة الّتي لا تقبل الجدل ليعيش بمعزل عن بنية الثّقافة والمجتمع، ومنفصل عن [السّياق] الاجتماعيّ الّذي يعيش فيه وينتمي إليه، ويعاني [جرّاء ذلك] من الغربة عن الذّات والجماعة معا”([8]).
ويفهم من هذا التّعريف، أنّ التّطرّف يعدّ أسلوبا ينطوي على التّشدّد أو المبالغة في الأحكام الّتي يتعرّض لها في الحياة اليوميّة، وعادة ما تكون غير قابلة للمناقشة لأنّه يرى أنّها على صواب، ولأنّها كذلك، فهو يشعر بالغربة عن سياقه الاجتماعيّ. ولعلّ الجديد في هذا التّعريف، أنّ الآراء أو الأفكار الّتي يتمسّك بها الفرد، قد تجعله يشعر بالغربة عن الجماعة الّتي ينتمي إليها وذلك لعدم قدرته على التّكيّف معها، ومن ثمّ الاندماج فيها.
ومن التّعريفات الّتي تصدّت لتحديد مصطلح التّطرّف، تعريف يرى أنّ التّطرّف عبارة عن “أسلوب مغلق للتّفكير يتّسم بعدم القدرة على تقبل أيّة معتقدات تختلف عن معتقدات [الفرد] أو الجماعة أو على التّسامح معها. ويتّسم هذا الأسلوب بنظرة إلى المعتقد [تستند إلى الآتي]:
1- أنّ المعتقد صادق صدقا [تامّا].
2- يصلح لكل زمان ومكان.
3- لا مجال لمناقشته ولا البحث عن أدلّة [تثبته] أو تنفيه.
4- المعرفة كلّها بمختلف قضايا الكون لا تستمدّ إلّا من خلال هذا المعتقد دون غيره.
5- إدانة كلّ اختلاف عن المعتقد.
6- الاستعداد لمواجهة الاختلاف في الرّأي أو حتّى التّفسير [بالإكراه].
7- فرض المعتقد على الآخرين بالقوّة”([9]).
وممّا يستحقّ الذّكر، هو أنّ التّعريف الوارد هنا، يعدّ من أدقّ التّعريفات الّتي تناولت التّطرّف، ولعلّ دقّته تكمن في أنّه ينظر إلى التّطرّف على أنّه أسلوب يتّسم بالانغلاق العقليّ الّذي يدفع بالفرد إلى رفض معتقدات الغير، وتحديدا تلك الّتي تتعارض مع معتقداته الشّخصيّة. كما تبرز دقّة التّعريف، في أنّه طرح عددا من الخصائص الّتي يتّصف بها التّطرّف، وهو الأمر الّذي جعله أكثر دقّة في تحديد المصطلح في حين أنّ التّعريفات الأخرى، لمّا تزل بعد، يشوبها بعض الغموض فضلا عن غلبة التّكرار فيها، ممّا جعل المصطلح يفتقر إلى الدّقّة في توصيفه وتحديد ماهيته.
وممّا يستنتج من التّعريفات الواردة:
1- أنّ التّطرّف عبارة عن أفكار أو معتقدات تحمل معنى الغلوّ، وهي تخرج عن نطاق المألوف أو الشّائع في الحياة الاجتماعية.
2- أنّ المعتقدات الّتي يحملها الفرد، تدفع به إلى الاعتقاد أنّه يمتلك وحده الحقيقة المطلقة.
3- وهذه الحقيقة صائبة، إذ تصلح لكلّ زمان ومكان، ولو أخذ بمضامينها، فإنّ الكثير من المشكلات ستجد طريقها إلى الحلّ.
4- ولأنّ التّطرّف يحمل معنى الغلوّ والتّشدّد، فهو أسلوب يتّسم بالانغلاق العقليّ ويدفع بالفرد إلى رفض المعتقدات الّتي تتعارض مع معتقداته الشّخصيّة.
استنادا إلى التّعريفات الواردة، نستطيع أن نعرّف التّطرّف الدّينيّ والمذهبيّ على النّحو الآتي:
نعني بالتّطرّف الدّينيّ والمذهبيّ، أنّه أسلوب يتّسم بالانغلاق العقليّ الّذي يدفع بالفرد إلى رفض المعتقدات الدّينيّة أو المذهبيّة للآخرين إذ يجد فيها تعارضا مع المعتقدات الّتي يحملها، فهو يؤمن إيمانا راسخا بأنّها على صواب، ولأنّها كذلك، فهو يعتقد أنّها صالحة لكلّ زمان ومكان وأنّ الأخذ بها سيفضي إلى حلّ الكثير من مشكلات المجتمع، وهو على استعداد لفرضها بالإكراه أو القوّة، إن اقتضى الأمر ذلك.
3- خصائص التّطرّف الدّينيّ والمذهبيّ:
نشير في هذا السّياق إلى أنّ التّطرّف في المجال الدّينيّ والمذهبيّ، يتّصف بعدد من الخصائص، ولعلّ أهمّها:
1- يعدّ التّطرّف الدّينيّ والمذهبيّ نتاجا اجتماعيّا، بمعنى أنّ القوى الاجتماعيّة والثّقافيّة، تبدأ بتشكيلة في مرحلة مبكّرة من حياة الفرد ومع التّقدّم في العمر يزداد حدّة، ويصبح من الصّعب خفضه ولاسيما في البيئات الّتي تشهد تشدّدا دينيّا أو مذهبيّا.
2- أنّ الأفراد الّذين يتّصفون بالتّطرّف الدّينيّ أو المذهبيّ، يعتقدون جازمين([10]) أنّ معتقداتهم صائبة تماما، وممّا يدلّل على صوابها، أنّ تجارب الحياة -كما يرون- قد أثبتت صحّتها.
3- يعتقد هؤلاء أنّ معتقداتهم هذه تصلح لكلّ زمان ومكان، ومعنى ذلك: أنّه بالإمكان تعميمها على تجارب إنسانيّة أخرى مختلفة زمانا ومكانا.
4- يعتقد هؤلاء أنّ معتقداتهم الّتي يعتنقونها في المجال الدّينيّ أو المذهبيّ، لا يتطرّق إليها الشّكّ، وأنّه لا مجال لمناقشتها لأنّ وقائع الميدان، كما يشيرون، أثبتت صحّتها لذا لا يشغلون أنفسهم في البحث عن الأدلّة الّتي تثبت صحّة مضمونها.
5- تعدّ المعتقدات الدّينيّة أو المذهبيّة للأفراد الّذين يتّصفون بالتّطرّف بمثابة إطار مرجعيّ لهم، إذ يتمّ بموجبها تفسير الظّواهر الحادثة في الطّبيعة والمجتمع ومن دونها تبطل عمليّة التّفسير .
6- ومن الخصائص الّتي يتّصف بها المتطرّفون في المجال الدّينيّ أو المذهبيّ، أنّهم يكثرون انتقاد الآراء أو الأفكار المخالفة لهم، إذ تشير الشّواهد أنّهم لم يكتفوا بتوجيه النّقد لأولئك المخالفين لهم وإنّما توعّدوا بالتّصفية الجسديّة لهم حين تكون الأوضاع المحيطة بهم مناسبة، وذلك يعكس نفورهم من الآراء المخالفة ومن ثمّ صعوبة احتمالها.
7- يلاحظ أنّ التّطرّف الدّينيّ والمذهبيّ يبرز في ثلاثيّة وجدانيّة ومعرفيّة وسلوكيّة: فعلى المستوى الوجدانيّ أو الانفعاليّ، فإنّ التّطرّف يجعل الأفراد أشدّ كراهية لأولئك الّذين يختلفون معهم في الدّين أو المذهب، كما يضعف قدرتهم على ضبط انفعالاتهم في المواقف الّتي تقتضي منهم التّحكّم بانفعالاتهم .
وأمّا على المستوى المعرفيّ، فإنّ التّطرّف يضعف قدرة الأفراد على التّفكير في الحلول المتعدّدة للمشكلة الواحدة، كما يضعف قدرتهم على التّمييز بين الصّواب والخطأ إلى جانب انخفاض مستوى الاستبصار بحقيقة الأمور.
وأمّا على المستوى السّلوكيّ، فإنّ التّطرّف الدّينيّ أو المذهبيّ، يدفع بالأفراد إلى أن يكونوا أكثر عدوانا من غيرهم وأميل إلى استعمال القوّة بوصفها أسلوبا مناسبا لحلّ الخلافات مع الآخرين المخالفين لهم في الدّين أو المذهب .
8- يعدّ النّفور من الغموض من الخصائص الّتي يتّصف بها التّطرّف، والسّبب يرجع في واقع الأمر إلى أنّه يجعل الأفراد يواجهون صعوبة في تقبّل المعتقدات المخالفة لهم على المستوى الدّينيّ أو المذهبيّ، إذ يجدون فيها غموضا يصعب عليهم تحمّله ممّا يدفع بهم إلى رفضها مقدّما من دون سماع الأدلّة أو الشّواهد الّتي تثبت صحّتها.
9- نلاحظ أنّ الأفراد الّذين يتّصفون بالتّعصّب يظهرون درجة كبيرة من التّطرّف والسّبب يرجع إلى أنّ التّعصّب والتّطرّف، تجمعهما فكرة النّفور من الآخرين أو كراهيّتهم، ولاسيما أولئك الّذين يختلفون معهم في المعتقدات الدّينيّة أو المذهبيّة، فكلّما اختلفت هذه المعتقدات مال الأفراد إلى التّعصّب، ومن ثمّ أصبحوا أكثر تطرّفا والعكس صحيح، ينخفض مستوى التّطرّف حين يكون التّعصّب أقلّ حدّة.
10- نلاحظ أنّ الأفراد الّذين يتّصفون بالتّطرّف، يظهرون درجة كبيرة من الجمود الفكريّ والسّبب يعود إلى أنّ الجمود الفكريّ يدفع بهؤلاء الأفراد إلى الاعتقاد أنّهم يمتلكون الحقيقة المطلقة ([11]) الّتي لا يتطرّق إليها الشّكّ. ولمّا كان الأمر كذلك، فإنّ الحقيقة الّتي يمتلكونها تعدّ منزّهة ومقدّسة في الوقت نفسه، ولا مجال لمناقشتها أو تقديم الدّلائل على صحّتها.
11- يلاحظ على الأفراد الّذين أظهروا درجة كبيرة من التّطرّف، أنّهم أشدّ طاعة لزعيم الجماعة، وتحديدا الزّعيم الّذي يتّصف بالقوّة والجرأة والإقدام. ولعلّ الأهمّ من ذلك، أنّ الطّاعة الشّديدة الّتي يظهرونها لزعميهم تدفع بهم إلى التّضحية بالغالي والنّفيس لأنّهم يعتقدون أنّ التّضحية بكلّ ما يمتلكون هي جهاد، والجهاد واجب شرعيّ، ولاسيما الجهاد الّذي ينصب على مقاتلة الكافرين([12])، وعند تحديد هذه الفئة، نجد أنّها تنحصر بالأهل والأقارب لأنّهم يعتقدون أنّ هذه الفئة هي أشدّ كفرا من اليهود والنّصارى والطّوائف الأخرى الّتي يكفّرونها([13])، وهذا يعني صراحة أنّ الجهاد من وجهة نظرهم يبدأ بالأهل والأقارب أوّلا، ثمّ الانتقال بعد ذلك إلى الطّوائف الأخرى الخارجة عن شرع الله كما يرون.
12- إنّ المتمعّن في المعتقدات الّتي يحملها المتطرّفون، يجد أنّها تركّز على التّقليل من شأن الحياة ومن قيمتها، فضلا عن التّقليل من أهمّيّة الحياة الدّنيا، بدليل أنّ الأقوال الصّادرة عن هؤلاء المتطرّفين يعدّون الحياة وكأنّها الجحيم الّذي ينبغي مغادرته عندما تكون الفرصة مواتية. ونسي هؤلاء أو تناسوا أنّ الله سبحانه، أوجد العباد وأتاح الفرص المواتية للحياة من أجل إعمار الأرض ونشر السّلام والوئام فيها. وهذا الرّأي له ما يسنده على صعيد الوقائع الميدانيّة، ففي أحد البيانات الصّادرة عن تنظيم القاعدة، مخاطبا الحكومات، ورد فيه القول إنّه “إذا لم توقفوا مظالمكم، فإنّ المزيد من الدّم سيسفك”، وأضاف: “أنتم تحبّون الحياة، ونحن نحبّ الموت”([14])، ويفهم من هذا البيان، أنّ المتطرّفين يكرهون الحياة ويسعون إلى تدميرها ويفضّلون الموت عليها، وتلك تعدّ من الخصائص الّتي يتميّز بها المتطرّفون عن غيرهم .
4- الآثار النّفسيّة النّاجمة عن التّطرّف الدّينيّ والمذهبيّ:
تشير الدّلائل إلى أنّ التّطرّف الدّينيّ والمذهبيّ قد شاع في عموم المجتمع العراقيّ وأنّه آخذ بالتّصاعد، وقد ترتّبت على تصاعده جملة من الآثار النّفسيّة، وفي هذا السّياق نستعرض أبرزها:
4- 1- زيادة حدّة الكراهية :
إنّ المتتبّع لعمليّات التّفاعل الاجتماعيّ الحادثة في المجتمع وتحديدا بعد موجة التّطرّف، يجد أنّ ثمّة كراهية أخذت تشيع بين الجماعات الإثنيّة، وليس أدلّ على ذلك سوى الأحاديث الدّائرة بين أفراد كلّ جماعة، إذ تفيد أنّ التّدهور الحاصل في المجتمع سواء على المستوى الأمنيّ أو على المستوى الاقتصاديّ يكون سببا في بعث الجماعات الأخرى، فهي غير مكترثة بشؤون المجتمع، وقد سهّلت في وقت مضى دخول العناصر الإرهابيّة إلى المناطق السّكنيّة، ومن ثمّ قدّمت لهم التّسهيلات اللّازمة الّتي تمكّنهم من أحداث الفوضى والاضطراب داخل المجتمع.
كما لوحظ، أنّ بعض الجماعات الإثنيّة أخذت تلقي باللّائمة على جماعات أخرى لأنّ قياداتها أساءت استثمار موارد المجتمع، وقد أفضى ذلك إلى إفلاس الخزينة العامّة ممّا انعكس سلبا على الحياة الاقتصاديّة. ولا غرابة بعد ذلك أن نسمع أصواتا في بعض المدن العراقيّة تطالب الحكومة بإنشاء أقاليم إداريّة وذلك لضمان حقوقها من الموازنة العامّة. وحسبنا أن نذكر في هذا المجال -ولو من باب الإشارة- أنّ استمرار الكراهية بين الجماعات الإثنيّة، سيفضي إلى تهديد عمليّة الاندماج بين هذه الجماعات، وهذا بدوره سيؤدّي إلى إشاعة مجتمعات متمايزة داخل المجتمع، وقد أثبتت الأحداث الأمنية الّتي شهدها المجتمع صحّة ما ذهبنا إليه فلقد أخذت كلّ جماعة تعيش في عزلة عن بقيّة الجماعات الأخرى، وحتّى تحافظ على عزلتها هذه، ومن ثمّ المحافظة على وجودها، أخذت تمنع الجماعات الأخرى من دخول مناطقها عندما شهد المجتمع انفلاتا أمنيّا بحجّة أنّ ما يحصل في مناطق غيرها من الجماعات، هي غير معنية به تماما، وهو الأمر الّذي أفضى إلى خفض مستوى الشّعور بالمسؤوليّة الوطنيّة.
4- 2- زيادة مستوى السّلوك العدوانيّ :
يجد المتتبّع لمجريات الحياة الاجتماعيّة أنّ السّلوك العدوانيّ بنوعيه: اللّفظيّ والبدنيّ، قد زاد بطريقة غير مسبوقة إثر الزّيادة الحاصلة في مستوى التّطرّف، فلقد لوحظ، أنّ الأفراد من الفئات العمريّة كافّة، يتبادلون ألفاظا دالّة على السّباب والتّنابز بالألقاب عندما يختلفون في قضيّة معيّنة، وقد ينتهي الخلاف إلى اشتباك بالأيدي وربّما يتطوّر الأمر إلى استعمال السّلاح ممّا يفضي إلى إيقاع المزيد من الإصابات، وهذا بدوره سيزيد من تهديد الأمن الاجتماعيّ.
من المفيد أن نذكر هنا، أنّ السّلوك العدوانيّ الّذي شاع في عموم المجتمع، صاحبه نشوء جرائم إرهابيّة لم يألفها المجتمع من قبل إذ تشير البيانات الصّادرة عن وزارة الدّاخليّة أنّ معدّلات هذه الجرائم آخذة بالزّيادة، وهذا يدلّ دلالة واضحة على أنّ موجة التّطرّف الدّينيّ والمذهبيّ قد أوجدت أجواءً ملائمة لهذا النّوع من الجرائم، ولو أجرينا مسحا لهذه الجرائم لوجدنا أنّها تتوزّع على النّحو الآتي :
- ثمّة عصابات مسلّحة تولّت عمليّة خطف الأفراد ومساومة أسرهم بهدف إطلاق سراحهم، وقد تنتهي بعض حالات الاختطاف إلى قتل الضّحايا في محاولة من الخاطفين لإخفاء شخصيّاتهم.
- ثمّة عصابات مسلّحة تولّت عمليّة سلب الأموال الّتي بحوزة الأفراد إلى جانب سلب الممتلكات العائدة إلى المؤسّسات الحكوميّة.
- شيوع حالات السّطو المسلّح على المنازل السّكنيّة بهدف سرقتها، وقد تنتهي عمليّة السّطو هذه إلى مواجهة مسلّحة قد تتسبّب بإصابات بالغة لأحد الطّرفين أو لكليهما، أو تتسبّب بقتل أحد الطّرفين.
- ثمّة عمليّات إرهابيّة أخذت تنفذّها الجماعات المتطرّفة في الأماكن المكتظّة بالسّكّان أو في المناطق السّكنيّة، ممّا أدّى إلى إلحاق أضرار بالغة بالمدنيّين، وقد ترتّب عن ذلك حدوث تفكّك أسريّ ناجم عن فقدان أحد الأبوين أو لكليهما، فضلا عن إصابة آخرين بجروح بالغة. وقد تحدث هذه الإصابات عاهة بدنيّة مستديمة أو تشويها بدنيّا، وقد يترتّب عن هذه الإصابات صعوبة مزاولة الأفراد لحياتهم اليوميّة وربّما تكون الإصابة بالغة الشّدّة فتمنعهم من تدبير شؤونهم الشّخصيّة.
- شيوع جرائم القتل على الهويّة الدّينيّة أو الطّائفيّة بسبب الكراهية الحاصلة بين الأفراد من أديان وطوائف مختلفة، وهو الأمر الّذي زاد من معدّلات الجريمة في المجتمع، وأدّى بالمحصلة النّهائيّة إلى خفض مستوى الشّعور بقيمة الحياة.
والرّأي الّذي ننتهي إليه، هو أنّ الزّيادة الحاصلة في معدّلات الجرائم الإرهابية إلى جانب تنوّع الأنماط الدّالّة عليها، دفعت بأفراد المجتمع العراقيّ إلى الشّعور بأنّ الحياة قد أفرغت من مضمونها ومن ثمّ أصبحت عديمة المعنى، بل أصبح من الصّعوبة بمكان العيش في أوضاع حياتيّة فاقدة المعنى، ذلك أنّه ينبغي للمعنى أن يكون موجودا وهو لا يمنح ([15]) بأيّ حال، والسّبب يرجع إلى أنّ الأفراد هم الّذين يكتشفون المعنى. وهو لا يخترع كما تذهب وجهة النّظر الوجوديّة([16])، لذا نقول إنّ هؤلاء الأفراد قد شعروا بأنّ حياتهم لا معنى لها وأنّ وجودهم لا قيمة له، ولما كان الأمر كذلك، فقد أفضى إلى استثارة نفورهم وتبرّمهم من الحياة.
4- 3- الشّعور بالاغتراب الثّقافيّ :
تشير الدّلائل إلى أنّ الأفراد الّذين يتّصفون بدرجة عالية من التّطرّف، أظهروا صعوبة بالغة في الاندماج مع الثّقافة السّائدة، أو بتحديد أدقّ: أنّ هؤلاء كانوا يشعرون في كلّ لحظة أنّهم غرباء عن هذه الثّقافة وأنّهم لا يمتّون لها بصلة. والواقع، أنّ سبب الاغتراب هذا، يرجع إلى المعتقدات الّتي يحملونها. وإذا أمعنّا النّظر فيها، نجد أنّها تتعارض مع المعتقدات الشّائعة في الثّقافات الفرعيّة للطّبقات المتوسّطة والرّاقية، إذ يعتقد هؤلاء -وهم من الفقراء والمحرومين- أنّ معتقداتهم هي الّتي يعوّل عليها في إصلاح المجتمع أو إحداث تغييرات جوهرية فيه. وعند تجاهل هذه المعتقدات كما يرون، فإنّ برامج الإصلاح أو التّغيير المنشود سيتعطّل، ومن ثمّ سيدخل المجتمع في دوّامة من الخلافات الّتي تفضي بدورها إلى مزيد من المشكلات.
والمهم في الأمر، أنّ هؤلاء قد أخذوا يواجهون صعوبة في التّكيّف مع الثّقافة السّائدة، وبالنّتيجة أصبحوا أكثر اغترابا مع مرور الوقت.
4-4- ديمومة الفساد السّياسيّ :
نشير إلى أنّ موجة التّطرّف الّتي شهدها المجتمع العراقيّ قد عمدت إلى تنمية الفساد بأنواعه المختلفة، ولعلّ من أخطر هذه الأنواع: الفساد الحاصل في الميدان السّياسيّ. والسّؤال الّذي نطرحه في هذا الصّدد، هو: كيف تمكّن التّطرّف من تنمية الفساد السّياسيّ؟ وما الجهات الّتي ساعدت على تنميته؟
وللإجابة نقول إنّ موجة التّطرّف أتاحت للأحزاب السّياسيّة، وتحديدا الإسلاميّة منها، أن توظّف الأوضاع الاستثنائيّة الّتي تشكّلت إثر التّطرّف لصالحها وذلك من خلال الإفادة من التّأييد الشّعبيّ الّذي تحظى به في المناطق الشّعبيّة والعشوائيّة الّتي تتمتّع بكثافة سكّانيّة عالية. وإذا أمعنّا النّظر في الأسباب الّتي جعلت هذه المناطق أكثر تأييدا للأحزاب الإسلاميّة، نجد في المقدمة منها: ارتفاع مستوى التّديّن لسكّان هذه المناطق، وقد عمدت الأحزاب الإسلاميّة إلى توظيف هذه الظّاهرة لصالحها وذلك بطرح خطاب يغلب عليه الطّابع المذهبيّ في محاولة منها لاستمالة السّكّان ومن ثمّ دفعهم إلى تأييدها، وقد حقّقت نجاحا كبيرا في هذا الصّدد. كما أنّ الأفراد الّذين يعيشون في هذه المناطق يتمتّعون بوعي سياسيّ منخفض للغاية، فضلا عن انخفاض مستواهم الثّقافيّ، وهو الأمر الّذي مكّن هذه الأحزاب من التّلاعب بوعيهم السّياسيّ ومن ثمّ توجيهه طبقا لمخطّطاتها.
والرّأي الّذي نريد أن نصل إليه هو أنّ هذه الأحزاب، عمدت إلى توظيف التّأييد الشّعبيّ في خدمة مخطّطاتها السّياسيّة الّتي تستهدف بالدّرجة الأساس الوصول إلى مجلس النّوّاب ومن ثمّ تشكيل الحكومة بعد ذلك، وهو الهدف الّذي تسعى إليه وحتّى يتحقّق ذلك، فإنّ الأمر يقتضي استقدام شخصيّات فاشلة وفاسدة في الوقت نفسه إلى جانب افتقارها إلى الكفاءة المطلوبة على المستوى السّياسيّ والاقتصاديّ لكي تتمكّن من خلالها تحقيق ما تصبو إليه.
والواقع، أنّ وصول هذه الشّخصيّات إلى السّلطتين؛ التّشريعيّة والتّنفذيّة، منحها فرصة لاستقدام شخصيّات أخرى فاسدة وفاشلة على شاكلتها، وكأنّ عمليّة الفساد هذه، تعيد إنتاج نفسها في كلّ مرّة ولكن بطرق جديدة: فمرّة، تعتمد على اللّباس الدّينيّ في ترويج مرشّحيها، ومرّة أخرى، تعتمد على شخصيّات تكنوقراط تتمتّع بمستوى منخفض من الكفاءة، وثالثة، تعتمد على شراء الذّمم عن طريق المال السّياسيّ. وبموجب هذه الطّرق يتمّ المحافظة على الفساد السّياسيّ وديمومته عبر شخصيّات مختلفة في كلّ دورة انتخابيّة.
4- 5- صعوبة التعبير عن الرأي:
جعلت موجة التّطرّف الّتي أخذت تشيع في عموم المجتمع العراقيّ الأفراد يواجهون صعوبة في التّعبير عن آرائهم المتعلّقة بالشّخصيّات البارزة في المشهد السّياسيّ تحديدا، إذ أخذوا يخفون آراءهم الّتي تتعلّق بهذه الشّخصيّة أو تلك خشية الملاحقة أو الاستهداف أو الإخفاء القسريّ، لذا يلجأ هؤلاء الأفراد إلى الإحجام عن تقديم آرائهم الصّريحة المتّصلة بهذه الشّخصيّات إيثارا للسّلامة، وممّا يزيد الأمور تعقيدا أنّ كلّ شخصيّة سياسيّة أخذت تزعم العصمة، بمعنى أنّها بعيدة عن الشّبهات وأنّ عملها في الوسط السّياسيّ يكاد يخلو من الأخطاء. واللّافت للانتباه، أنّ الخطاب السّياسيّ لهذه الشّخصيّات يطرح فكرة (المنقذ) بصيغة غير مباشرة، والمتتبّع للخطاب الصّادر عنها يجد أنّه يركّز على الفكرة القائلة: إنّ المرحلة الرّاهنة تقتضي وجود هذه الشّخصيّة وذلك لإرساء دعائم الأمن والاستقرار في المجتمع، ولأنّ المرحلة الرّاهنة تقتضي وجود هذه الشّخصيّة فهي مطالبة بتكريس جلّ وقتها لحلّ المعضلات الّتي تواجه المواطنين، وهو الأمر الّذي يضفي على هذه الشّخصيّة أو تلك هالة من القدسيّة، وينبغي على الجميع -وهو المهمّ هنا- مراعاة ذلك في أثناء الحديث اليوميّ، لذا، ينبغي عدم المساس بها أو التّشكيك في وطنيّتها، وقد يبلغ التّطرّف بأولئك المتعاطفين مع هذه الشّخصيّة أو تلك الإعلان صراحة بأحقّيّتها لقيادة البلاد والعباد، وعلى الجميع أن يقدّم لها فروض الطّاعة والولاء لأنّها قدّمت تضحيات كبيرة من أجل الوطن ولها إرث سياسيّ عريق، كما أنّها سليلة أسرة دينيّة عُرف عنها الاستقامة والتّقوى. وبذلك، فإنّ التّأييد الّذي تحظى به شخصيّات سياسيّة معيّنة قد أوجد صعوبة في نقدها بشكل مباشر خشية الملاحقة من المحسوبين عليها، ممّا دفع بالأفراد إلى استعمال الإشارات الغامضة في أحاديثهم عن هذه الشّخصيّة أو تلك في محاولة منهم لتجنّب المتطرّفين.
4- 6- زيادة مستوى النّفوذ السّياسيّ للعشيرة أو القبيلة:
لقد أصبح للعشيرة أو القبيلة نفوذ سياسيّ بارز إثر موجة التّطرّف الّتي اجتاحت المجتمع العراقيّ بعد عام 2003 تحديدا. وقد أفضى ذلك إلى إضعاف مؤسّسات الضّبط الرّسميّ في ضبط سلوك الأفراد والجماعات داخل المجتمع، ممّا أدّى والحال هذه، إلى انفلات أمنيّ على نطاق واسع.
والواقع، أنّ هذه الأجواء قد أتاحت مجالا للعشيرة أو القبيلة في أن تتحوّل إلى قوّة سياسيّة، شأنها في ذلك، شأن الأحزاب السّياسيّة. والثّابت، أنّ العشيرة أو القبيلة تركّز اهتمامها على مسألة الوحدة القرابيّة والمحافظة على التّضامن بين أفرادها والاهتمام بشؤونهم. والسّؤال الّذي نثيره هنا: هل ان تمتلك العشيرة أو القبيلة مقوّمات العمل السّياسي؟ وبمعنى آخر: هل تتقن العشيرة أو القبيلة العمل السّياسيّ؟
وللإجابة، نقول إنّ العشيرة أو القبيلة تعدّ إحدى القوى الاجتماعيّة- الثّقافيّة المؤثّرة في سلوك الأفراد، وهو تأثير ينسجم مع توجّهاتها الاجتماعية إلّا أنّها لا تمتلك مقوّمات العمل السّياسيّ وذلك لأسباب متعدّدة، منها: أنّ العمل السّياسيّ يستند إلى توجّهات إيديولوجيّة، والعشيرة أو القبيلة تفتقر إلى هذه التّوجّهات فهي تتعارض تماما مع التّوجّهات الماركسيّة والقوميّة واللّيبراليّة، فالماركسيّة تستند إلى فكرة الصّراع الطّبقيّ والتّوجّهات القوميّة تستند إلى فكرة الوحدة العربيّة، والّليبراليّة تستند إلى حرّيّة الفرد. أمّا العشيرة أو القبيلة فهي تستند في حقيقة الأمر إلى توجّهات اجتماعيّة تتمثّل في رابطة الدّم والولاء للجماعة القرابيّة الّتي تعيش على رقعة جغرافيّة محدّدة المساحة، ولأنّ توجّهاتها اجتماعيّة أصبحت مطالبها اجتماعيّة هي الأخرى ولم تكن سياسيّة.
وهناك سبب آخر يجعل العشيرة أو القبيلة لا تتقن العمل السّياسيّ، وهو: أنّ شيوخ العشائر والقبائل لا يمتلكون الثّقافة السّياسيّة الكافية الّتي تؤهّلهم لفهم العمل السّياسيّ ومن ثمّ إتقانه، إذ تشير الوقائع الميدانيّة إلى أنّ العشيرة أو القبيلة الّتي حاولت الدّخول إلى المعترك السّياسيّ في الحقبة الملكيّة، على سبيل المثال، لم يكن دخولها موفّقا، وقد دخلت إليه بتحريض من بعض القوى السّياسيّة بهدف تشجيع أفرادها على التّمرّد وعدم الاستجابة إلى الحكومة، وذلك لإحباط جهود الوزارة ومن ثمّ إجبارها على الاستقالة، وتلك كانت الغاية المنشودة من تحريض العشائر على الحكومة.
والحقيقة، أنّ الافتقار إلى الثّقافة السّياسيّة يعني صراحة: الافتقار إلى المهارات السّياسيّة وبالتّبعيّة. الافتقار إلى حرفة السّياسة والعمل السّياسيّ يقتضي بين ما يقتضي إتقان حرفة السّياسة. كذلك، يعدّ الولاء للوحدة القرابيّة حصرا، أو ما يعبّر عنه بالعصبيّة، من الأسباب الّتي تجعل العشيرة أو القبيلة لا تتقن العمل السّياسيّ بسبب تعارض المنطلقات الّتي تستند إليها العصبيّة مع منطلقات العمل السّياسيّ، فالمنطلقات الّتي تستند إليها العصبيّة تنحصر بجماعة معيّنة ينتمي أفرادها إلى أصل قرابيّ واحد وتربطهم علاقات اجتماعيّة قويّة، ممّا يترتّب عن ذلك بعض الالتزامات الاجتماعيّة، ومنها على سبيل المثال: المناصرة والإسناد والحماية عند التّعرّض إلى الأخطار من الجماعات الأخرى. وعلى النّقيض من ذلك، نجد أنّ العمل السّياسيّ يستند إلى منطلقات لا تنحصر بجماعة معيّنة وإنّما تشتمل منطلقاته كافّة الجماعات داخل المجتمع، لذا تعدّ العصبيّة الّتي تستند إليها العشيرة أو القبيلة عاملا معوّقا في إتقان العمل السّياسيّ. وإلى جانب هذه الأسباب، نضيف سببا يتعلّق بإدراك العشيرة أو القبيلة لحدودها الإقليميّة، ذلك أنّها تدرك حدودها الإقليميّة على أساس المساحة المخصّصة لها، وما يخرج عن نطاقها يعدّ أرضا للغير، بل ينحصر الوطن من وجهة نظرها في المساحة الّتي تعيش عليها، وهو لا يعني لها المساحة المحدّدة دوليّا، وبذلك ينحصر خطابها الإقليميّ بالمساحة المكانيّة الّتي تعيش عليها.
تشير هذه الأسباب إلى أنّ العشيرة أو القبيلة غير قادرة على الدّخول إلى المعترك السّياسيّ، ومن الصّعب أن تتقن العمل السّياسيّ، وقد عمدت موجة التّطرّف الّتي عمت المجتمع بعد العام 2003 إلى إضعاف فعاليّة مؤسّسة الضّبط الرّسميّ وكانت النّتيجة المترتّبة عن كلّ ذلك: أنّ العشيرة أو القبيلة أخذت تتولّى ضبط سلوك أفرادها، ممّا دفعها إلى أن تحلّ محلّ المؤسّسة الأمنيّة في أداء وظيفتها الأمنيّة، وهو الأمر الّذي أتاح لها نفوذا سياسيّا غير مسبوق. ولعلّ الأخطر من ذلك، أنّ هذه الموجة أتاحت لها فرصة لأن تتحوّل إلى قوّة عسكريّة منافسة بعد انتشار السّلاح في أرجاء المجتمع، كما أنّها دفعت بزعماء الأحزاب السّياسيّة إلى الاعتماد على العشيرة أو القبيلة في الحصول على الأصوات الانتخابيّة الّتي تؤهّلهم لدخول مجلس النّوّاب ومن ثمّ التّأثير في العمليّة السّياسيّة، كذلك دفعت برؤساء العشائر أو القبائل إلى الدّخول في منافسة مع قادة الأحزاب والقوائم الانتخابيّة اعتمادا على نفوذهم العشائريّ أو القبليّ، وقد زاد هذا، بطبيعة الحال، من هشاشة العمليّة السّياسيّة. ونشير أيضا، إلى أنّ هذه الموجة أتاحت مجالا للعشيرة أو القبيلة للتّأثير على الوضع الأمنيّ وذلك بتحريض أفرادها على إحداث إضراب أمنيّ أو فوضى في حال امتناع الحكومة عن الاستجابة لمطالبها.
4- 7- انخفاض مستوى تأثير النّخبة المثقّفة في المجتمع:
تشير الشّواهد إلى تعرّض النّخبة المثقّفة في العراق إلى خبرات مؤلمة جرّاء الأزمات السّياسيّة والاقتصاديّة المتلاحقة، فضلا عن القهر السّياسيّ للحكومات المتعاقبة.
والواقع، أنّ هذه الأزمات على كثرتها قد أثّرت تأثيرا سلبيّا في النّخبة المثقّفة، ومن ثمّ جعلتها ضعيفة في التّأثير في المجتمع، على أنّ موجة التّطرّف الّتي شهدها المجتمع قد أضعفت الوسائل الّتي تعتمد عليها في عمليّات التّأثير، وهو الأمر الّذي جعلها غير فعّالة في إحداث التّغييرات الاجتماعيّة المطلوبة.
والسّؤال الّذي نطرحه في هذا الصّدد، هو: كيف أضعفت موجة التّطرّف فعاليّة النّخبة المثقّفة؟
وللإجابة، نقول إنّ موجة التّطرّف الّتي اجتاحت المجتمع عمدت إلى تشكيل مناخ سياسيّ حافل بالقهر والإرهاب. وبطبيعة الحال، أفضى ذلك إلى إضعاف دور النّخبة المثقّفة بشكل ملحوظ، ذلك أنّ النّخبة المثقّفة لن تكون مؤثّرة في المجتمع ما لم يتوافر لها المناخ السّياسيّ الّذي يتيح لها حرّيّة التّعبير عن آرائها دون ملاحقة أو الشّعور بالخوف. وقد أدّى غياب الحرّيّة السّياسيّة إلى خفض مستوى تأثيرها بشكل واضح وقد ترتّب على ذلك: التزام الصّمت حيال العديد من الموضوعات المثيرة.
كما عمدت موجة التّطرّف هذه إلى خفض مستوى الأمن الاجتماعيّ، ومنع هذا بدوره أفراد النّخبة المثقّفة من إنشاء المراكز البحثيّة والمنتديات الثّقافيّة والظّهور على شاشات الفضائيّات وكتابة المقالات الّتي تتناول أوضاع المجتمع في الوقت الحاضر، وقد أفضى ذلك كلّه إلى تجريدهم من مقوّمات التّأثير في الرّأي العامّ. نشير كذلك إلى أنّ النّخبة المثقّفة لا تمتلك قنوات الاتّصال الجمعيّة الّتي يتمّ بموجبها الاتّصال بالجمهور المستهدف، وهو الأمر الّذي حرم هذه النّخبة من إنتاج خطاب تنويريّ يسهم بدوره في إشاعة العقلانيّة في عموم المجتمع.
ونشير أيضا إلى أنّ موجة التّطرّف قد أوجدت جماعات مجهولة الهويّة تولّت خطف اللّامعين والمتميّزين في الميادين العلميّة والثّقافيّة من أفراد النّخبة المثقّفة وذلك لإجبارهم على مغادرة البلاد أو التّهديد بالاغتيال في حال البقاء. والقصد هنا واضح، هو إضعاف فعاليّة هذه النّخبة في المجتمع ومن ثمّ -وهو المهمّ- إفراغ المجتمع من قوى التّغيير الاجتماعيّ والّذي يفضي بالمحصّلة النّهائيّة إلى خدمة المخطّطات الأجنبيّة. والواقع أنّ العلميات الإرهابيّة الّتي أخذت تطال أفراد النّخبة المثقّفة، عمدت إلى إشاعة أجواء مضطربة ممّا أدّى -والحال هذه- إلى خفض إنتاجيّة هؤلاء بسبب تعطيل هذه الأجواء العمليّات العقليّة العليا، وذلك يعني صراحة: انخفاض إنتاجيّتها كمّا ونوعا. دفعت العمليّات الإرهابيّة أفراد هذه النّخبة إلى البقاء في منازلهم أو التّواري عن الأنظار أو الانتقال إلى مكان آخر أكثر أمنا، وهذا سيعرّضهم إلى الإعياء وربّما ينتهي بهم الأمر إلى الإصابة بأحد الاضطرابات السّايكوسوماتيّة، وقد تتطوّر الإصابة إلى نمط آخر –ربّما- يكون أكثر شدّة. وبالمحصّلة النّهائيّة، قد تفضي هذه الإصابة إلى إعاقة بعض أفراد هذه النّخبة من أداء التزاماته العلميّة أو الثّقافيّة على النّحو المطلوب. كما دفعت العمليّات الإرهابيّة بأفراد النّخبة المثقّفة، وتحديدا أساتذة الجامعة من أولئك الّذين يتمتّعون بخبرة تدريسيّة وبحثيّة طويلة، إلى ترك البلاد والهجرة إلى الخارج بهدف حماية أنفسهم من التّصفية الجسديّة، وقد تترتّب عن هذه الهجرة مشكلات علميّة من قبيل: صعوبة إحلال الأساتذة الجدد محلّ القدماء، وتكمن الصّعوبة في أنّ الأساتذة الجدد بحاجة إلى التّأهيل التّربويّ الّذي يشتمل على أساليب التّعامل مع الطّلبة وإدارة الحوار والمناقشة داخل القاعة الدّراسيّة. ويلاحظ أنّ هؤلاء الأساتذة يفتقرون إلى الخبرة الكافية في طرائق التّدريس، فضلا عن أنّ مستواهم العلميّ في حقل اختصاصهم لم يكن بالمستوى بالمطلوب. وقد نجم عن ذلك آثار سلبيّة انعكست على العمليّة التّربويّة برمّتها، وهنا نشير إلى أهمّ هذه الآثار:
تشير الدّلائل إلى أنّ القاعات الدّراسيّة أخذت تشهد فوضى لم تألفها من قبل، وهذا يعود إلى حداثة الموقف بالنّسبة إلى هؤلاء الأساتذة الّذين أصبحوا يواجهون صعوبة في السّيطرة على القاعة الدّراسيّة، ممّا أدّى إلى إشاعة الارتباك وضياع وقت المحاضرة في إسكات الطّلبة. كذلك أدّى عدم إلمام الأساتذة الجدد بأساليب التّعامل مع الطّلبة إلى إحلال الطّريقة التّسلّطيّة محلّ الطّريقة المرنة ممّا ولّد نفورا عند هؤلاء الطّلبة ومن ثمّ الشّعور بالاستياء والتّذمّر، وأفضى هذا بطبيعة الحال إلى إشاعة أجواء مضطربة داخل القاعة الدّراسيّة. ولعلّ الأهمّ من ذلك، أنّ حالة الاستياء والتّذمّر الّتي شاعت بين الطّلبة، جعلت الكثير منهم، ينصرف عن متابعة المحاضرة. كما انعكست حداثة الخبرة العلميّة لهؤلاء الأساتذة سلبا على المستوى العلميّ للطّلبة، إذ بدأنا نشهد في الآونة الأخيرة انخفاض الحصيلة المعرفيّة لهؤلاء الطّلبة بشكل ملحوظ وذلك يعود إلى عدم تكمّن هؤلاء الأساتذة من استثارة دافعيّة الطّلبة في تحصيل المعرفة. كما أنّ هؤلاء الأساتذة أخذوا يقدّمون المحاضرات بصيغة مختصرة دون الإلمام بالتّفاصيل، وكانت النّتيجة المترتّبة عن ذلك: انخفاض الحصيلة المعرفيّة لهؤلاء الطّلبة وعدم ارتقائها إلى المستوى المطلوب. وإلى جانب ذلك، لم تنجز المفردات المقرّرة للمادّة العلميّة بكاملها وأخذت تخضع للاجتهادات الشّخصيّة.
ومن الآثار السّلبيّة المترتّبة عن تكليف الأساتذة الجدد بمهمّات تدريسيّة، ضعف التّقاليد العلميّة المتعارف عليها بشكل واضح، ولعلّ السّبب يرجع إلى ارتفاع عدد الأساتذة الجدد على عدد الأساتذة القدماء الّذين أخذت أعدادهم بالتّناقص بمرور الوقت حتّى وصل عددهم في القسم العلميّ بين (3-4)، والبقيّة من الجدد([17]). كما عزف بعض الأساتذة القدماء عن التّدريس في الدّراسات الأوّليّة، واقتصر جهدهم على التّدريس في الدّراسات العليا بسبب شعورهم بالإرهاق جرّاء الأعباء النّاجمة عن التّدريس، وأدّى هذا إلى عزوفهم عن متابعة مجريات الأمور داخل القسم العلميّ وهو الأمر الّذي جعل التّقاليد العلميّة في الأقسام العلميّة تشهد انحسارا ملحوظا.
4- 8- التّهجير القسريّ :
لقد أوجدت موجة التّطرّف الّتي اجتاحت المجتمع بعد العام 2003، ظاهرة اجتماعيّة في غاية الخطورة، وهي: التّهجير على أساس الهويّة الدّينيّة أو المذهبيّة. والمتتبّع لعمليّات التّهجير الّتي تعرّض لها المجتمع العراقيّ، يجد أنّها مرّت بمرحلتين: المرحلة الأولى، حدثت في السّنوات الممتدّة بين 2006-2007، وقد بلغ عدد المهجّرين من مناطقهم الأصليّة بحدود (2,189,804) مهجّرا، استنادا إلى البيانات الصّادرة عن الهلال الأحمر العراقيّ([18]). في حين، بلغ عدد المهجّرين في دول الجوار حوالى (1,450,000) مهجّرا، طبقا لبيانات المفوّضيّة العليا لشؤون اللّاجئين([19]).
وأمّا المرحلة الثّانية من التّهجير القسريّ، فقد حدثت في عام 2014 بعد دخول الجماعات المتطرّفة إلى المدن الواقعة في الجهة الشّماليّة والغربيّة من العراق. وقد بلغ عدد المهجّرين من هذه المناطق حوالي (3,200,000) مهجّرا، استنادا إلى بيانات بعثة الأمم المتّحدة في العراق لعام 2016. وبذلك، بلغت أعداد المهجّرين في المرحلة الأولى والثّانية، أكثر من ستّة ملايين مهجّرا، واستقرّ هؤلاء في مخيّمات وسط العراء لأنّهم خرجوا إليها وهم لا يمتلكون شيئا من مدّخراتهم. كما زاد ابتعاد أرباب الأسر عن مصادر رزقهم من الصّعوبات المعيشيّة لأسرهم. كما أضافت المدّة الزّمنيّة الطّويلة الّتي استغرقها التّهجير عبء جديدا إلى الأعباء اليوميّة للمهجّرين، لذا نستطيع القول إنّ هذه الأعداد الكبيرة من المهجّرين أخذت تعاني من أوضاع معيشيّة شديدة البؤس والقسوة، وهو الأمر الّذي زاد من معدّلات الفقر والحرمان في المجتمع.
واللّافت للانتباه، أنّ عمليّات التّهجير القسريّ الّتي تعرّض لها المجتمع قد شملت المناطق المتجانسة إثنيّا ونظيراتها غير المتجانسة، فعلى مستوى المناطق المتجانسة إثنيّا أجبر الأفراد الّذين ينتمون إلى جماعة إثنيّة مختلفة على ترك منازلهم والانتقال إلى المناطق الّتي تقطنها جماعتهم.
أمّا في المناطق غير المتجانسة إثنيّا، فقد عمدت الجماعات المتطرّفة إلى إفراغها من الأفراد الّذين يختلفون معها إثنيّا بحكم الغلبة المسلّحة لكي تصبح في نهاية المطاف متجانسة إثنيّا. كذلك نشير إلى أنّ عمليّات التّهجير القسريّ الّتي تعرّض لها المجتمع العراقيّ قد دفعت بالأقلّيّات الدّينيّة أو القوميّة إلى الهجرة الخارجيّة، وتحديدا إلى بلدان أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة هربا من العمليّات الإرهابيّة الّتي أخذت تستهدف أفرادها بشكل مباشر، إلى جانب استهداف دور العبادة العائدة لها. وكان من الطّبيعيّ، والحال هذه، أن تتّخذ قرارا بالهجرة لحماية بقيّة أفرادها. وبالرّغم من ندرة البيانات المتعلّقة بحجم الهجرة للجماعات الإثنيّة غير المسلمة، فإنّ ثمّة بيانات غير رسميّة صادرة عن هذه الجماعات تشير إلى أنّ عدد المسيحيّين في العراق، تراوح بين (800,000)-(1,200,000) نسمة قبل عام 2003. وبعد موجة التّطرّف بلغ حجم هذه الجماعة أقلّ من (500,000) نسمة في عام 2010([20]).
انخفض هذا العدد إلى حدّ كبير بعد العمليّات المسلّحة الّتي طالت المناطق المسيحيّة، فلقد شهدت المناطق الّتي تقطنها هذه الجماعة نزوحا باتّجاه بغداد أو كردستان بهدف التّخطيط للهجرة الخارجيّة. كما تعرّضت الطّائفة الإيزيديّة إلى إبادة جماعيّة نفّذها تنظيم الدّولة الإسلاميّة (داعش) في منطقة سنجار التّابعة لمحافظة نينوى، فضلا عن خطف (5000) امرأة و(2000) طفلا من هذه الطائفة كما أفادت بذلك تقارير المنظّمات الدّوليّة. كذلك، نشير في هذا الصّدد إلى تناقض حجم طائفة الصّابئة المندائيّة بشكل كبير بعد موجة التّطرّف، وهذا يدلّ دلالة قاطعة على أنّ المجتمع لم يعد آمنا للأقلّيّات، وهو الأمر الّذي دفع أفرادها إلى التّفكير بالهجرة الخارجيّة بشكل جدّيّ بهدف الشّعور بالأمن والطّمأنينة.
4- 9- زيادة معدّلات التّسرّب من الدّراسة:
تشير البيانات التّربويّة إلى أنّ التّطرّف الدّينيّ والمذهبيّ الّذي تعرّضت له بعض المدن العراقيّة قد أثّر بشكل واضح على انتظام الأطفال في مدارسهم، والسّبب يعود إلى أنّ الجماعات المسلّحة الّتي سيطرت على هذه المدن دفعت بالأسر إلى التّوجّه إلى المناطق الآمنة. وقد ترتّب عن ذلك، أنّ الكثير من أطفال هذه الأسر قد ترك الدّراسة ولم يعد بإمكانه العودة إليها، وأنّ ثمّة أسبابا تحول دون مواصلة الأطفال لدراستهم، منها: افتقار المناطق الّتي استقرّوا فيها إلى مدارس قريبة منهم، وإن توافرت، فهي تبعد بمسافة بعيدة عن منطقة سكناهم، وهو الأمر الّذي دفع بهؤلاء الأطفال إلى صرف انتباههم عن الدّراسة. كما منع تدهور المستوى المعيشيّ للأسر من السّماح لأطفالها بأن يلتحقوا بالدّراسة، والسّبب يرجع إلى أنّ الانتظام فيها يقتضي الإنفاق على ملستزماتها ، وهو أمر يتعارض مع أوضاعها المعيشيّة الرّاهنة، لذا، تعدّ الدّراسة بالنّسبة إلى الأسرة المهجّرة مسألة غير مهمّة. كذلك استثارت الصّعوبات الحياتيّة الّتي أخذ يعاني منها الأبوان جرّاء التّهجير القسريّ المزيد من الخلافات بينهما([21])، وقد انعكست على الأطفال، وبالنّتيجة النّهائيّة، أدّت هذه الخلافات إلى إشاعة أجواء رافضة للدّراسة.
ومن الأسباب الّتي أدّت إلى زيادة معدّلات التّسرّب من الدّراسة، أنّ الأوضاع الأمنيّة المضطربة قد دفعت ببعض الأسر إلى منع الأطفال من الانتظام في الدّراسة. كذلك، مُنعت الإناث من الالتحاق بالمدارس والجامعات، ممّا أدّى والحال هذه، إلى زيادة معدّلات التّسرّب بشكل ملحوظ مقارنة بالسّنوات الّتي سبقت موجة التّطرّف.
4- 10- شيوع ظاهرة التّكفير بين الجماعات الإثنيّة :
تشير الوقائع الميدانيّة إلى أنّ ظاهرة التّكفير أخذت بالذّيوع والانتشار إثر موجة التّطرّف الّتي شاعت في عموم المجتمع العراقيّ، فلقد لوحظ أنّ المسلمين من كلتا الطّائفتين: الشّيعيّة والسّنّيّة، أخذوا يكفّرون بعضهم بعضا بصورة علنيّة ودون خشية من أحد والسّبب يرجع إلى وجود تنظيمات سياسيّة تعتنق معتقدات لا تتناسب مع مقتضيات الحياة المعاصرة. والمتتبّع للبيانات الصّادرة عنها، يجد أنّها تدعو إلى إحياء الخلافة الإسلاميّة بالصّيغة الّتي وردت في كتابات منظّريها، وليس بصيغة الإسلام في عهد الرّسول الكريم. وحتّى نلمّ بمعتقدات هذه التّنظيمات وبأهدافها السّياسيّة الّتي تدعو إليها، نشير في هذا السّياق إلى بحث بعنوان (لماذا نقاتل ونقاتل من؟) لأبي حمزة البغداديّ، أحد أعضاء الهيئة الشّرعيّة لتنظيم القاعدة، ورد فيه كما يشير الهرماسيّ 2010، أنّ الرّافضة -وهو يقصد هنا الشّيعة تحديدا- تكالبوا على إسقاط الخلافة العبّاسيّة ثمّ تكرّر هذا التّكالب في الوقت الحاضر -كما يشير البحث- وذلك من خلال التّحالف الحاصل بين أئمة الرّافضة وأهل الكفر الأميركيّ على أهل السّنّة والجماعة([22])، ثمّ ينتقل البغداديّ بعد ذلك إلى تصنيف ديانة الأفراد إلى ثلاث فئات:
فأمّا الأولى، فهي الفئة الّتي تشتمل على الأفراد الّذين يؤمنون بالإسلام ويلتزمون بأحكامه -وهؤلاء كما يرى البغداديّ- هم إخوتنا. وأمّا الثّانية، فهي الفئة الّتي تشتمل على الأفراد الّذين يؤمنون ببعض أحكام الإسلام ويعرضون عن أخرى، والواجب يقتضي قتالهم بهدف إجبارهم على قبول أحكام الإسلام بكاملها ودون أن يعطّلوا جزءًا منها.
وأمّا الفئة الثّالثة، فهي تشتمل على الأفراد الكافرين وهؤلاء من أهل الكتاب والمجوس، والواجب الشّرعيّ -كما يشير التّصنيف- عرض الإسلام عليهم، فإن أبدوا معارضة فعليهم أن يدفعوا الجزية مع صغارهم([23])، وإن امتنعوا عن الدّفع فإنّ الواجب يقتضي هنا قتالهم حتّى ينصاعوا للواجب الشّرعيّ. كما يضيف البغداديّ إلى الفئة الثالثة، الحكّام وأنصارهم من الصّحفيّين والكتّاب وعلماء السّوء وأولئك الّذين يقدّمون الدّعم والإسناد للحكّام، وفي المقدّمة منهم: رجال الجيش والشّرطة([24])، وهؤلاء لابدّ من قتلهم مع ذرّيّتهم ونسائهم([25]) بهدف تقليص أعداد الكافرين، وصولا إلى مجتمع نقيّ من النّاحية الدّينيّة.
وحسبنا أن نذكر في هذا المجال، ولو من باب الإشارة، أنّ التّكفير الصّادر عن التّنظيمات المتطرّفة لم يقتصر على الأفراد فحسب وإنّما شمل التّشريعات الوضعيّة أيضا، فهي تعدّ من وجهة نظر هذه التّنظيمات إشراكا بالله([26])، ولأنّها كذلك، فهي أحكام غير شرعيّة لأنّ البشر قد وضعوها لكي تحلّ محلّ الأحكام الشّرعيّة، وهي بذلك تنكر السّيادة لله وحده. كذلك، شمل التّكفير الفكر الإنسانيّ الّذي يضمّ الإيدولوجيا والفلسفة الّتي أنتجها الغرب، فضلا عن تكفير أحزابه السّياسيّة ومؤسّساته البرلمانيّة([27]). ويفهم من تكفير فكر الآخر ومؤسّساته، أنّ الإسلام بوصفه ديانة سماويّة، يتناقض مع الأوضاع المرتبطة بالحداثة وأنّ الحداثة من وجهة النّظر هذه، تتعارض تماما مع الفكر الإسلاميّ، وهو أمر غير سليم. وينبغي الحذر من تعميم أطروحات فكريّة مثل هذه، والسّبب يرجع إلى أنّ هذه التّنظيمات تعتقد أنّ استعادة الماضي والاعتماد على أطروحاته في إدارة الشّؤون العامّة سيفضي إلى إصلاح حال البلاد والعباد. وبتحديد أدقّ: إنّ التّدهور الحاصل في أحوال البلاد والعباد، سببه الابتعاد عن أطروحات الماضي وعدم الأخذ بها، كما أنّ إدخال فكر الآخر غير المسلم زاد من مستوى التّدهور والانحلال الأخلاقيّ في البلاد، وأنّ الضّرورة تقتضي العزلة كما يرى أصحاب هذا الفكر والانقطاع عن الاتّصال بالآخر، وهذا سيؤدّي بالنّتيجة إلى المحافظة على الخصوصيّة الدّينيّة أوّلا ثمّ الخصوصيّة الثّقافيّة ثانيا.
نشير في هذا الصّدد إلى أنّ التّفكير لم ينحصر بالمسلمين المختلفين مذهبيّا وإنّما شمل أيضا الجماعات الإثنيّة الّتي لا تدين بالإسلام، فلقد أخذت تُنعت بالكفر والزّندقة وتُتّهم بمساعدة الأجنبيّ على إشاعة الفاحشة والرّذيلة في أرض المسلمين، ولأنّ هذه الجماعات كافرة ولا تؤمن بالله فقد وجب تصفيتها وتخريب دور العبادة العائدة إليها، ولعلّ السّبب يعود من وجهة نظر الجماعات الّتي تعتنق الفكر المتطرّف إلى أنّها أماكن لا يذكر فيها اسم الله وتعبد فيها الأوثان.
في مقابل تطرّف الجماعات الإسلاميّة بدأنا نشهد تطرّفا من جانب الجماعات غير المسلمة، وإذا أمعنّا النّظر فيه، نجد أنّه ردّ فعل إزاء الإساءة أو الضّرر الّذي لحق بها من طرف الجماعات الإسلاميّة. وكانت النّتيجة المتوقّعة، أن برز التّطرّف الّذي أظهرته هذه الجماعات بصيغة لفظيّة تفيد: أنّ المسلمين قوم غير مؤمنين ولا يعرفون الأخوّة الإنسانيّة، وأنّهم يؤدّون شعائر دينيّة شكليّة، ودليلهم على ذلك أنّها لم تؤثّر في سلوكهم اليوميّ، لذا يعدّ، المسلمون من وجهة نظر الجماعات غير المسلمة قوما من دون ديانة.
4- 11- تجريد الآخر من صفاته الإنسانيّة :
تشير الدّلائل إلى أنّ الأفراد الّذين يتّصفون بالتّطرّف الدّينيّ أو المذهبيّ، يطلقون أحكاما جاهزة على الآخرين المخالفين لهم. والمتمعّن فيها، يجد أنّها سلبيّة للغاية وتكمن سلبيّتها في أنّها تجرّد الآخرين من صفاتهم الإنسانيّة وكأنّهم كائنات غير بشريّة، ولأنّهم كذلك، فهم حثالة المجتمع أو فضلاته([28]) وأنّ المجتمع ينبغي أن يتخلّص منهم في القريب العاجل ليتفرّغ بعد ذلك إلى الإصلاح والبناء، على أنّ تجريد الآخر من صفاته الإنسانيّة سيترتّب عنه مشكلات من قبيل: زيادة مستوى السّلوك العدوانيّ الموجّه نحو الآخر المخالف في الدّين أو المذهب، ممّا يفضي إلى تقليل مستوى التّفاعل الاجتماعيّ بين الجماعات الإثنيّة المختلفة، وهذا بدوره، سيؤدّي إلى صعوبة الاتّصال بين هذه الجماعات. ومن المتوقّع أن تشيع العزلة الاجتماعية فيما بينها.
كذلك لوحظ، أنّ تجريد الآخر من صفاته الإنسانيّة، أفضى إلى تنمية ما يسمّى بــ (التّوحّش). والتّوحّش بهذا المعنى، يشير إلى تجريد الفرد من صفاته الإنسانيّة لينتهي الأمر بعد ذلك إلى عدم الاكتراث بمعاناته النّفسيّة والبدنيّة، والتّعامل معه على أنّه كائن يشكّل وجوده خطورة على غيره وأنّ الضّرورة تقتضي التّخلّص منه. والواقع، أنّ هذا الأسلوب، برز بشكل جليّ عند الجماعات الّتي أظهرت تطرّفا بالغ الشّدّة في المناطق الّتي شهدت صراعات مسلّحة، فهو والحال هذه، أشبه بسلوك الحيوانات المفترسة. وقد تبيّن من الوقائع الميدانيّة أنّ التّنظيمات المتطرّفة الّتي سيطرت على المدن في كلّ من العراق وسوريا، تعاملت مع الآخر المختلف دينيّا أو مذهبيّا على أنّه عبد خاضع لسيّده وله كامل الحقّ في التّصرّف به، بل وصل الأمر إلى بيعه في سوق النّخاسة كما حصل مع نساء الدّيانة الإيزيديّة والمسيحيّة. كما دفع تجريد الآخر من صفاته الإنسانيّة بالمتطرّفين إلى اغتصاب النّساء بحجّة أنّهنّ غنائم حرب، والفقه الشّرعيّ العائد لهم يجيز الاعتداء على النّسوة المخالفات في الدّين أو المذهب.
والنّتيجة الّتي ننتهي إليها، هي أنّ تجريد الآخر من صفاته الإنسانيّة سيترتّب عنه عواقب وخيمة.
4- 12- زيادة معدّلات التّعرّض للصّدمات النّفسيّة :
تعدّ الصّدمات النّفسيّة من أبرز الآثار النّفسيّة النّاجمة عن التّطرّف الدّينيّ أو المذهبيّ، وممّا يزيد من حدّة هذه الصّدمات تحوّل التّطرّف إلى صراع مسلّح، وهو الأمر الّذي يزيد من شدّة تأثيرها باعتبار الأطفال هم الأكثر تأثّرا بالصّدمات النّفسيّة من الكبار، ذلك أنّ وجودهم في مناطق الصّراع هو ما يدفع بهم إلى التّعرّض إلى خبرات مؤلمة على اختلاف أنواعها، وفي هذا السّياق نشير إلى أبرزها:
– الاعتداء بالسّبّ والشّتم
– الاعتداء بالضّرب
– الاعتداء الجنسيّ على أحد أفراد الأسرة
– تعرّض أحد أفراد الأسرة إلى القتل
– تعرّض أحد أفراد الأسرة أو بعضهم إلى الاختطاف
– اقتحام المنزل وإلحاق الأضرار بممتلكاته
– اندلاع النّيران في منزل الأسرة
– اندلاع النّيران في أحد المنازل المجاورة
– تعرّض منزل الأسرة إلى الانهيار
– تعرّض أحد المنازل المجاورة إلى الانهيار
– سماع دويّ الانفجارات بالقرب من المنازل
– مشاهدة المسلّحين يجوبون الشّوارع
– مشاهدة الجثث على قارعة الطّريق
– مشاهدة انفجار عبوة ناسفة
– مشاهدة أفراد أبرياء يعتدى عليهم
– مشاهدة أفراد يذبحون بالسّيف
– مشاهدة أفراد يقتلون رميا بالرّصاص
من ذلك يتضّح لنا، أنّ تعرّض الأطفال إلى خبرات مؤلمة من هذا النّوع سيؤدّي ولا ريب إلى مشكلات نفسيّة متعدّدة، وقبل الحديث عن التّفاصيل المتعلّقة بهذه المشكلات لابدّ من تعريف الصّدمة النّفسيّة أوّلا، ثمّ الإحاطة بشروطها ثانيا، ليتسنّى لنا بعد ذلك الحديث عن المشكلات النّفسيّة النّاجمة عن تعرّض الأطفال إلى الصّدمة النّفسيّة.
الصّدمة النّفسيّة “أحداث مفاجئة وغير متوقّعة تكون خارج حدود الخبرة الإنسانيّة الاعتياديّة، تتهدّد أو تدمّر صحّة الفرد أو حياته، يستجيب لها بالخوف الشّديد، العجز أو الرعب”([29])، وبذلك، فهي من وجهة نظر هذا التّعريف، ينبغي أن تكون أحداثا مفاجئة وغير متوقّعة أي غير مألوفة للفرد، على أن تنطوي هذه الأحداث على خطورة تهدّد حياته، وعندما يدرك أنّها مهدّدة لحياته، فمن الطبيعي أن تصدر عنه استجابات دالّة على الخوف الشّديد أو الرّعب.
وهناك تعريف آخر للصّدمة النّفسيّة، يرى أنّها عبارة عن “حالة من الضّغط النّفسيّ ذي المصدر الخارجيّ تتجاوز قدرة الإنسان على التّحمّل والعودة إلى حالة التّوازن الدّائم بعدها”([30]) والحقيقة أنّ التّعريف الوارد هنا، حدّد الصّدمة النّفسيّة على أساس أنّها ضغط نفسيّ، وهو عبارة عن حدث أو مجموعة أحداث يتعرّض لها الفرد وعادة ما تكون خارجيّة المصدر وشدّتها تفوق قدرة الفرد على التّحمّل، وهي لا تمكّنه من العودة إلى حالة التّوازن.
وتعرف الصّدمة النّفسيّة من وجهة نظر ثالثة، بأنّها “ذلك الحدث الّذي يخرج عن نطاق الخبرة [الاعتياديّة] للبشر ويفضي إلى انحطاط نفسيّ ملحوظ لأيّ فرد يقع ضحيّة له”([31]). والتّعريف الوارد في هذا الصّدد، لم يخرج عن سياق التّعريفين السّابقين، فهو يرى أنّ الصّدمة النّفسيّة عبارة عن حدث ولكنّه يختلف عن الأحداث الحياتية الأخرى في درجة التّأثير، إذ يخرج تأثيره عن نطاق الخبرة الإنسانيّة الاعتياديّة ويدخل في نطاق الخبرة غير الاعتياديّة، لذا سيؤدّي تعرّض الفرد إلى الحدث المعنيّ، ولا ريب، إلى تدهور وضعه النّفسيّ.
نستنتج من التّعريفات الّتي ورد ذكرها، ما يلي:
- إنّ الصّدمة النّفسيّة، هي حدث أو مجموعة من الأحداث المفاجئة وغير المتوقّعة.
- و عادة ما يكون هذا الحدث (الأحداث) مهدّدا لحياة الفرد إلى حدّ يفوق قدرته على التّحمّل.
- و تتمثّل الاستجابة لهذا الحدث (الأحداث) بالخوف الشّديد أو الرعب.
واستنادا إلى ذلك، نستطيع أن نعرّف الصدمة النّفسيّة بأنّها عبارة عن حدث أو مجموعة من الأحداث المفاجئة أو غير المألوفة الّتي يتعرّض لها الفرد وتهدّد حياته، وتصل إلى مستوى يفوق قدرته على التّحمّل، وتتّخذ الاستجابة لها في العادة صيغة الخوف الشّديد أو الرّعب، وقد يفضي ذلك إلى شعوره بالعجز وعندها يصبح يائسا من الخلاص.
ممّا يجب الإشارة إليه في هذا الصّدد، هو أنّ الصّدمة النّفسيّة تعتمد على شرطين اثنين: فأمّا الشّرط الأوّل، فهو أنّ الفرد قد عانى من الحدث أو وقع أمامه. وأمّا الشّرط الثّاني، فيستجيب الفرد إلى الحدث المعنيّ بالخوف الشّديد أو الرّعب([32])، وبموجب هذين الشّرطين نستطيع أن نصنّف الأطفال الّذين تعرّضوا إلى الصّدمة النّفسيّة عن غيرهم.
وما يهمّنا هنا هو أنّ الأطفال الّذين تعرّضوا إلى الصّدمة النّفسيّة جرّاء الصّراع المسلّح ومن ثمّ تهجيرهم عن مناطقهم السّكنيّة، أصبحوا يعانون من مشكلات نفسيّة متعدّدة، وفي هذا الصّدد نذكر أهمّها:
أ- لقد كانت العمليّات العكسريّة الّتي شهدها الأطفال شديدة الوطأة عليهم من النّاحية النّفسيّة وقد سبّبت لبعضهم اضطرابات نفسيّة، وتوجد مؤشّرات دالّة عليها، منها: التّعب والإرهاق وفقدان الشّهيّة واضطرابات النّوم([33]) وآلام الرّأس وأوجاع البطن وآلام المفاصل والنّحول والإسهال والحزن والاكتئاب والانطواء والانعزال عن الآخرين والنّفور منهم، يصاحب ذلك أحلام مزعجة أو كوابيس ليليّة يتعرّضون لها، وتعكس هذه الكوابيس طبيعة الكارثة الّتي تعرّضوا لها([34])، وقد يصعب عليهم نسيان ما حدث، وتبعا لذلك، ستظلّ صور عمليّات الصّراع المسلّح ملازمة لهم مدّة من الزّمن، قد تطول أو تقصر وهذا يعتمد على طبيعة الإسناد الاجتماعيّ الّذي يقدّم إليهم، فكلّما كان فعّالا أفضى إلى التّخفيف من معاناتهم والعكس صحيح، فإن كان الإسناد الاجتماعيّ ضعيفا فقد يفضي إلى زيادة معاناتهم.
ب- ومن الآثار النّفسيّة المترتّبة عن الصّدمة النّفسيّة، تعرّض الأطفال إلى تشتّت الانتباه ويتمثّل ذلك في صعوبة تركيزهم على المنبّه الهدف، وهو الأمر الّذي استثار تذمّر المعلّمين منهم لكونهم لا يركّزون في الدّرس، كما أنّ فهمهم للموادّ الدّراسيّة بات ضعيفا كما يشير هؤلاء المعلّمون ويرجع السّبب من وجهة نظرهم إلى أنّ هؤلاء الأطفال غير مكترثين بالدّراسة.
والحقيقة الّتي لابدّ من ذكرها هنا، هي أنّ العمليّات المسلّمة الّتي تعرّض لها الأطفال عمدت إلى إحباطهم، ومن ثمّ استثارت حقدهم على الأوضاع المحيطة بهم والّتي أدّت بالمحصّلة النّهائيّة إلى تشتّت أسرهم وضياع ممتلكاتهم، ولقد أفضى ذلك كلّه إلى تذمّرهم من الدّراسة وعدم اكتراثهم بها لأنّها أصبحت من وجهة نظرهم غير مجدية. لذا، سيظلّ تشتّت الانتباه ملازما لهم ولن يستيطعوا التّخلّص منه طالما أنّ المعاناة النّاجمة عن الصّدمة النّفسيّة لمّا تزل بعد مستمرّة.
ج- لقد استثارت صور القتل والتّدمير في المناطق الّتي شهدت صراعا مسلّحا كراهيّة الأطفال ونفورهم من الشّخصيّات الإنسانيّة الّتي يرونها في البيئة الاجتماعيّة. وهذا يشير إلى حقيقة مهمّة، ألا وهي: أنّ الأوضاع المرتبطة بالصّراع المسلّح وما نجم عنه من تهجير قسريّ، جعلت الأطفال يكوّنون أفكارا سلبيّة عن الشّخصيّات الإنسانيّة، وليس أدلّ على ذلك، سوى أحاديثهم الّتي تنعت هذه الشّخصيّات بنعوت سلبيّة.
نشير في هذا الصّدد، إلى أنّ إحدى الدّراسات الّتي أجريت على أطفال المرحلة الابتدائيّة في مجتمع شهد عمليّات تهجير قسريّ على نطاق واسع وطلبت من أطفاله أن يرسموا موضوعات تعدّ مفضّلة بالنّسبة إليهم. وبعد تحليل الرّسوم، تبيّن أنّ نسبة (75٪) من الأطفال الذّكور قد رسموا الشّخصيّات الإنسانيّة بطريقة سلبيّة، وأنّ نسبة (53٪) من الإناث رسمن هذه الشّخصيّات بطريقة سلبيّة أيضا([35]).
وبالرّغم من التّفاوت في السّلبيّة الحادثة في رسوم الأطفال من كلا الجنسين فإنّ ذلك يشير إلى أنّ الخبرات المؤلمة الّتي تكوّنت بفعل صدمة التّهجير قد أحدثت تغييرا في اتّجاهات الأطفال على نحو سلبيّ، على أنّ الذّكور كانوا أكثر تأثّرا بصدمة التّهجير من الإناث. وقد انعكست هذه الصّدمة في رسومهم، بدليل أنّ الذّكور رسموا العمليّات المسلّحة، في حين، أنّ الإناث رسمن البيئة الاجتماعيّة([36]). وهذا يدلّ دلالة قاطعة على أنّ نظرة الأطفال نحو المجتمع والعلاقات الاجتماعيّة قد تغيّرت بطريقة سلبيّة، ممّا يستدعي إعداد البرامج النّفسيّة والاجتماعيّة الّتي من شأنها أن تحدث تعديلا في نظرتهم هذه، بحيث تتحوّل من السّلب إلى الإيجاب وذلك هو المطلوب.
د- واضح أنّ عمليّات الصّراع المسلّح الّتي وقعت في البيئة الّتي يعيش فيها الأطفال عمدت إلى تشويه مدركاتهم، أو بمعنى آخر: عمدت إلى تشويه مخطّطاتهم الإدراكيّة، وذلك يعني، أنّه لم يعد بمقدورهم تفسير التّنبيهات الحادثة في عالمهم الاجتماعيّ طبقا لهذه المخطّطات وذلك يرجع بطبيعة الحال، إلى أنّ العمليّات المسلّحة الّتي شهدها الأطفال قد سيطرت على مخطّطاتهم الإدراكيّة.
وفي هذا السياق، تشير إحدى الدّراسات الّتي أجريت على مجتمع تعرض إلى التّهجير جرّاء العمليّات المسلّحة إلى أنّ الخبرات المؤلمة النّاجمة عن هذه العمليّات قد سيطرت على مخطّطات أطفاله. ولبيان آثار العمليّات المسلّحة على المخطّطات الإدراكيّة للأطفال، طلبت الدّراسة من الأطفال الفلسطينيّين الّذين خبروا آلام الحرب في عام 1967 أن يرسموا صورا شتّى، لا على التّعيين. وبعد تحليل الرّسوم تبيّن أنّ فكرة الحرب وما تضمّنته من معاناة قد سيطرت على رسومهم الّتي عكست حالة الهلع الّتي تعرّضوا لها ، وقد تمثّلت حالة الهلع هذه في اللّجوء إلى المغارات خشية من قصف الطّائرات أو مشاهدة أفراد دفنوا تحت الأنقاض أو الصّور البشعة لأولئك الّذين ماتوا في العراء وقد برزت أحشاؤهم([37]). كما عكست رسوم الأطفال، مناظر الحرب الّتي تمثّلت في المسير ضمن قوافل المهاجرين وعطش الصّغار وصور السّيارات الّتي احترقت على جانبي الطّريق جرّاء القصف([38])، كذلك، عكست الفكرة ونقضيها من قبيل: ورقة مورقة وطائرة تحوم حولها أو خيمة منصوبة في العراء وطائرة تعلوها أو سيّارة لنقل الرّكّاب وطائرة تحوم حولها([39]).
أثارت حالة العجز الّتي يعاني منها الأطفال جرّاء الكارثة الّتي تعرّضوا لها عندهم فكرة التّطلّع إلى (المنقذ) الّذي يخلّصهم ممّا يعانون. وبالفعل، عكست رسومهم هذه الفكرة، فبات المنقذ عندهم، هو (الفدائيّ) الّذي أصبح “سوبرمان” أطفال المخيّم([40]). وهذا يدلّ دلالة قاطعة على أنّ العمليّات المسلّحة الّتي شهدها الأطفال، وما ترتّب عنها من تهجير قسريّ، قد أحدثت بما لا يدع مجالا للشّكّ تغييرا في مخطّطاتهم الإدراكيّة، وهذا معناه: أنّ التّشاؤم والسّخرية والحيرة وفقدان المعنى، قد سيطرت عليها، وبهدف تعديلها ينبغي تغيير بيئة الأطفال وذلك بإزالة مخلّفات الكارثة ليتسنّى بعد ذلك ترتيب مخطّطاتهم من جديد.
المصادر والمراجع:
- القرآن الكريم.
- أحمد عبد الخالق [وآخرون]، الاضطرابات التّالية للأحداث الصّدميّة، (مكتب الإنماء الاجتماعيّ، الكويت، 2000).
- أيّوب نوري صبيح أبو رغيف، التّطرّف في الثّقافة العراقيّة: دراسة أنثروبولوجيّة في منطقة بغداد الجديدة، (جامعة بغداد، رسالة ماجستير ، 2017 ).
- حذام خليل حميد، العنف المجتمعيّ في رسوم تلاميذ المرحلة الابتدائيّة في محافظة ديالى، الكتاب السّنويّ لمركز أبحاث الطّفولة والأمومة، ( جامعة ديالى)، المجلّد 5، (2010).
- حسن حمّاد، ذهنيّة التّكفير: الأصوليّات الإسلاميّة والعنف المقدّس، (الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2015).
- ساري حنفي، الهجرة القسريّة في الوطن العربيّ: إشكاليّات قديمة جديدة، المستقبل العربيّ، السّنة 37، العدد 427، (أيلول/ سبتمر،2014).
- سمير نعيم أحمد، المحدّدات الاقتصاديّة والاجتماعيّة للتّطرّف الدّينيّ، ورقة قدّمت إلى: الدّين في المجتمع العربيّ (ندوة)، ط2، (مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2000).
- صحيفة البيّنة الجديدة، 29/11/2010.
- عادل محمّد هريدي، نظريّات الشّخصيّة، (إيتراك للطّباعة والنّشر، ط2، القاهرة، 2011).
- عبد الرّحمن الشّقير، قتل الأهل والأقارب لأسباب دينيّة، إضافات، (المجلّة العربيّة لعلم الاجتماع)، العددان 38-39 (ربيع- خريف، 2017).
- عبد الغنيّ عماد، سوسيولوجيا الهويّة: جدليّات الوعي والتّفكّك وإعادة البناء، (مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت، 2017).
- عبد اللّطيف الهرماسيّ، ظاهرة التّكفير في المجتمع الإسلاميّ من منظور العلوم الاجتماعيّة للأديان، (الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2010).
- عدنان أبو مصلح، معجم علم الاجتماع، (دار أسامة للنّشر، عمان، 2010).
- علاء زهير الرّواشدة، التّطرّف الإيديولوجيّ من وجهة نظر الشّباب الأردنيّ: دراسة سوسيولوجيّة للمظاهر والعوامل، المجلّة العربيّة للدّراسات الأمنيّة والتّدريب، السّنة 31، العدد 63 (2015).
- العيّاشي عنصر، العولمة والتّطرّف: نحو استكشاف علاقة ملتبسة، سياسيّات عربيّة، العدد 21، (تموز/ يوليو، 2016).
- كريستيان تيليغا، علم النّفس السّياسيّ: رؤية نقديّة، ترجمة أسامة الغزّولي، (المجلس الوطنيّ للثّقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 2016).
- محمّد فرغلي فرّاج، مرضى النّفس في تطرّفهم واعتدالهم، (الهيئة المصريّة العامّة للتّأليف والنّشر ، القاهرة، 1971).
- محمود شمال حسن، الأطفال والتّهجير القسريّ: الآثار النّفسيّة المترتّبة على تعرّض الأطفال إلى التّهجير القسريّ، (دار الكتب العلميّة، بيروت، 2014).
- محمود شمال حسن، النّخبة المثقّفة العراقيّة وإشكاليّة التّأثير في الوسط الاجتماعيّ، مجلّة حمورابي للدّراسات، السّنة 5،العدد 23-24 (صيف-خريف، 2017).
- محمود شمال حسن، وضعيّات السّلوك البشريّ أثناء وقوع الكارثة وما بعدها، الموقف الثّقافيّ، السّنة 4،العدد 24، (تشرين الثّاني- كانون الأوّل، 1999).
- مكتب اليونسيف الإقليميّ في الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا، مساعدة الطّفل الّذي يعاني من الصّدمة النّفسيّة، (مكتب اليونسيف الإقليميّ، عمان، 1995).
- ميسون الوحيدي، الأسرة الفلسطينيّة والموروث الثّقافيّ الدّاعم وقت الأزمات، مجلّة الطّفولة والتّنمية، المجلّد 1،العدد 2، (صيف، 2001).
- نصيف جاسم حمدان، الدّعاية والحرب النّفسيّة لتنظيم داعش: العمليّات النّفسيّة العسكريّة. أسلوب قتال داعش، (دار الكتب العلميّة، بغداد، 2017).
- هاني حوراني، الفلسطينيّ الصّغير: دراسة في رسوم أطفال النّازحين الفلسطينيّين، شؤون فلسطينيّة، العدد 4، (1972).
- هيئة الهلال الأحمر العراقيّ، المهجّرون في داخل العراق، المستقبل العربيّ، السّنة 31، العدد 352، (حزيران/يونيو، 2008).
- يحيى فايز الحدّاد، الحروب وآثارها النّفسيّة على الأطفال، عالم الفكر، المجلّد 36، العدد 2، (أكتوبر- ديسمبر، 2007).
[1]– العيّاشي عنصر، العولمة والتّطرّف: نحو استكشاف علاقة ملتبسة، سياسيّات عربيّة، العدد 21، (تموز/ يوليو، 2016)،ص10.
[2]– عدنان أبو مصلح، معجم علم الاجتماع، (دار أسامة للنّشر، عمان، 2010)، ص132.
[3]– القرآن الكريم، سورة النّساء، الآية: 171.
[4]– أبو مصلح، معجم علم الاجتماع، ص133.
[5]– محمّد فرغلي فرّاج، مرضى النّفس في تطرّفهم واعتدالهم، (الهيئة المصريّة العامّة للتّأليف والنّشر ، القاهرة، 1971 )،ص136.
[6]– أيّوب نوري صبيح أبو رغيف، التّطرّف في الثّقافة العراقيّة: دراسة أنثروبولوجيّة في منطقة بغداد الجديدة، (جامعة بغداد، رسالة ماجستير ، 2017 )، ص43.
[7]– العياشي عنصر، العولمة والتّطرّف: نحو استكشاف علاقة ملتبسة، ص11.
[8]– علاء زهير الرّواشدة، التّطرّف الإيديولوجيّ من وجهة نظر الشّباب الأردنيّ: دراسة سوسيولوجيّة للمظاهر والعوامل، المجلّة العربيّة للدّراسات الأمنيّة والتّدريب، السّنة 31، العدد 63 (2015)، ص90.
[9]– سمير نعيم أحمد، المحدّدات الاقتصاديّة والاجتماعيّة للتّطرّف الدّينيّ، ورقة قدّمت إلى: الدّين في المجتمع العربيّ (ندوة)، ط2، (مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2000)، ص218.
[10]– سمير نعيم أحمد، المحدّدات الاقتصاديّة والاجتماعيّة للتّطرّف الدّينيّ، مرجع سابق، ص218.
[11]– عبد الغنيّ عماد، سوسيولوجيا الهويّة: جدليّات الوعي والتّفكّك وإعادة البناء، (مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت، 2017)، ص229.
[12]– عبد الرّحمن الشّقير، قتل الأهل والأقارب لأسباب دينيّة، إضافات، (المجلّة العربيّة لعلم الاجتماع)، العددان 38-39 (ربيع- خريف، 2017)، ص130.
[13]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[14]– حسن حمّاد، ذهنيّة التّكفير: الأصوليّات الإسلاميّة والعنف المقدّس، (الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2015)، ص102.
[15]– عادل محمّد هريدي، نظريّات الشّخصيّة، (إيتراك للطّباعة والنّشر، ط2، القاهرة، 2011)، ص106.
[16]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[17]– محمود شمال حسن، النّخبة المثقّفة العراقيّة وإشكاليّة التّأثير في الوسط الاجتماعيّ، مجلّة حمورابي للدّراسات، السّنة 5،العدد 23-24 (صيف-خريف، 2017)، ص91.
[18]– هيئة الهلال الأحمر العراقيّ، المهجّرون في داخل العراق، المستقبل العربيّ، السّنة 31، العدد 352، (حزيران/يونيو، 2008)، ص113.
[19]– ساري حنفي، الهجرة القسريّة في الوطن العربيّ: إشكاليّات قديمة جديدة، المستقبل العربيّ، السّنة 37، العدد 427، (أيلول/ سبتمر،2014)،ص81.
[20]– صحيفة البيّنة الجديدة، 29/11/2010.
[21]– محمود شمال حسن، الأطفال والتّهجير القسريّ: الآثار النّفسيّة المترتّبة على تعرّض الأطفال إلى التّهجير القسريّ، (دار الكتب العلميّة، بيروت، 2014)، ص24.
[22]– عبد اللّطيف الهرماسيّ، ظاهرة التّكفير في المجتمع الإسلاميّ من منظور العلوم الاجتماعيّة للأديان، (الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2010)،ص50-51.
[23]– المصدر نفسه، ص51-52.
[24]– المصدر نفسه، ص52.
[25]– نصيف جاسم حمدان، الدّعاية والحرب النّفسيّة لتنظيم داعش: العمليّات النّفسيّة العسكريّة. أسلوب قتال داعش، (دار الكتب العلميّة، بغداد، 2017)، ص87.
[26]– عبد اللّطيف الهرماسيّ، ظاهرة التّكفير في المجتمع الإسلاميّ، مصدر سابق، ص46.
[27]– المصدر نفسه، ص47.
[28]– كريستيان تيليغا، علم النّفس السّياسيّ: رؤية نقديّة، ترجمة أسامة الغزّولي، (المجلس الوطنيّ للثّقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 2016)،ص84.
[29]– مكتب اليونسيف الإقليميّ في الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا، مساعدة الطّفل الّذي يعاني من الصّدمة النّفسيّة، (مكتب اليونسيف الإقليميّ، عمان، 1995)، ص22.
[30]– يحيى فايز الحدّاد، الحروب وآثارها النّفسيّة على الأطفال، عالم الفكر، المجلّد 36، العدد 2، (أكتوبر- ديسمبر، 2007)، ص271.
[31]– أحمد عبد الخالق [وآخرون]، الاضطرابات التّالية للأحداث الصّدميّة، (مكتب الإنماء الاجتماعيّ، الكويت، 2000)، ص36.
[32]– أحمد عبد الخالق [وآخرون]، الاضطرابات التّالية للأحداث الصّدميّة، (مكتب الإنماء الاجتماعيّ، الكويت، 2000)، 143.
[33]– ميسون الوحيدي، الأسرة الفلسطينيّة والموروث الثّقافيّ الدّاعم وقت الأزمات، مجلّة الطّفولة والتّنمية، المجلّد 1،العدد 2، (صيف، 2001)، ص196.
[34]– محمود شمال حسن، وضعيّات السّلوك البشريّ أثناء وقوع الكارثة وما بعدها، الموقف الثّقافيّ، السّنة 4،العدد 24، (تشرين الثّاني- كانون الأوّل، 1999)، ص37.
[35]– حذام خليل حميد، العنف المجتمعيّ في رسوم تلاميذ المرحلة الابتدائيّة في محافظة ديالى، الكتاب السّنويّ لمركز أبحاث الطّفولة والأمومة، ( جامعة ديالى)، المجلّد 5، (2010)، ص270.
[36]– المصدر نفسه، ص273.
[37]– هاني حوراني، الفلسطينيّ الصّغير: دراسة في رسوم أطفال النّازحين الفلسطينيّين، شؤون فلسطينيّة، العدد 4، (1972)، ص168.
[38]– هاني حوراني، الفلسطينيّ الصّغير: دراسة في رسوم أطفال النّازحين الفلسطينيّين، مرجع سابق، ص168.
[39]– المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[40]– المرجع نفسه، الصفحة نفسها.