ملخّص:
يتناول بحثنا هذا – في مرحلة أولى- مسألة التّركيب اللّغويّ وعلاقته بالمعنى، ثمّ سنولي الأهمّيّة للتّراكيب الّتي خرجت عن المألوف من كلام العرب ووقعت في اللاّ-معنى وأصبحت فاسدة غير صالحة لأداء المعنى المقصود -في مرحلة ثانيّة- مُعتمدين في هذه الدّراسة بالأساس على نصّ “الاستقامة من الكلام والإحالة” لسيبويه، لما لهذا النّصّ من مكانة مهمّة، فهو يكشف عن عبقريّة اللّغة العربيّة عند صياغة متكلّميها لتراكيبها. وسنبيّن من خلال أجزاء هذا البحث أسباب وقوع التّراكيب اللّغويّة في اللاّ-معنى، وهذا الأمر أرجعناه إلى عوامل ثلاثة وهي على التّواليّ: التّناقض الدّلاليّ داخل الجملة نفسها، وسوء اختيار المفردة المُناسبة لنظم بعينه، وأخيرا موقع المفردة بين التّأخير والتّقديم.
الكلمات المفاتيح: التّراكيب اللّغوّيّة – المعنى – اللاّ-معنى – النّظم – التّناقض الدّلاليّ.
Abstract:
Our research addresses, in the first stage, the issue of linguistic structure and its relationship to meaning. Then we will give importance to the compositions that went out of the ordinary in Arab speech and fell into meaninglessness and became unsuitable for performance in order to fulfill the intended meaning. In a second stage, we relied in this study mainly on the text “Integrity of Speech and Reference” by “Sibawayh” because of this text’s important status as it reveals the genius of the Arabic language when its speakers formulate its structures. And we will explain through the parts of this research the reasons for the occurrence of linguistic structures in meaninglessness, and we attribute this matter to three factors, which are, respectively: the semantic contradiction within the sentence itself, the poor choice of the appropriate word for a particular system, and finally the position of the word between delay and precedence.
Keywords: Linguistic structures, meaning, no-meaning, systems, semantic contradiction.
1- مقدمة:
من المُتعارف عليه، أنّ اللّغة العربيّة -كغيرها من اللّغات الأخرى- تسعى إلى تحقيق هدف واحد وهو هدف الفهم والإفهام، وكي تُحقّق هدفها هذا، وضعت العديد من الضّوابط والقواعد الّتي من شأنها أنْ تَعمل عَلَى اختيار المفردات المكوّنة للتّركيب النّحويّ اختيارا حسنًا، ومن ثمّ نظمها نظما صحيحا له القدرة على حمل المعنى المراد وتوصيل الفهم وتحقيق الإفادة. وقد سعت العربيّة هذا السّعي على عدّة مستويات منها: مستوى التّركيب وبناء الجملة بناء نحويّا ودلاليّا سليما. وهذا هو موضوع بحثنا الّذي سنتناول فيه التّراكيب اللّغويّة في العربيّة من ناحية كونها حاملة لمعنى أو لا معنى لها، مستندين في ذلك بالأساس على نصّ “الاستقامة من الكلام والإحالة” لسيبويه، والّذي كشف فيه عن لمحة لغويّة مهمّة بها جوانب عقليّة وأخرى منطقيّة، تكشف عن عبقريّة اللّغة العربيّة عند صياغة تراكيبها في عقل مُتكلّمِيها وكيفيّة إيصال المعنى المراد إلى متلقّيها. سنحاول أن نبيّن من خلال البحث صور إحالة التّراكيب اللّغويّة وجعلها حاملة للاّ-معنى وأسباب ذلك. ونحن نخوض في حديثنا هذا نجد أنفسنا مجبرين على التّساؤل عن موقع المعنى من البنية عامّة والبنية اللّغويّة خاصّة.
2- موقع المعنى من البنية عامّة والبنية اللّغويّة خاصّة:
تتّفق العديد من الدّراسات اللّغويّة على أنّ “المعنى” هو النّقطة المشتركة أو الخيط الرّابط بين البنيويّين، لكنّ الأمر قد يكون أبعد وأشمل من ذلك بكثير فمفهوم المعنى في حقيقة الأمر هو النّقطة الأساس، أو المفهوم المركزيّ، أو السّمة المميّزة عندهم. وبمجرّد دراسة البنيويّة[1]Structuralis سنكتشف أنّه منهج بحث مستخدم في عدّة تخصّصات علميّة، ويقوم أساسا على دراسة العلاقات المتبادلة بين العناصر الأساسيّة المكوّنة لبُنى على اختلاف حقولها المعرفيّة: عقليّة مجرّدة، لغويّة، اجتماعيّة، ثقافيّة… فالبنيويّة تقوم بوصف مجموعة من النّظريّات المطبّقة في علوم ومجالات مختلفة مثل: العلوم الإنسانيّة والاقتصاد، ورغم هذا التّنوّع في الحقول واختلافه، فهي قادرة بمنهجها أنّ تجمع جميع هذه النّظريّات وتُعالجها وتُحلّلها، وفي هذا تأكيد على أنّ العلاقات البنيويّة بين المصطلحات تختلف حسب اللّغة، وهي بالتّالي قابلة للدّراسة والبحث.
بهذا تكون البنيويّة مقاربة أو طريقة أو منهجا يشمل العديد من التّخصّصات الأكاديميّة، ويهدف هذا المنهج بشكل عامّ إلى اكتشاف العلاقات الدّاخليّة للعناصر الأساسيّة في اللّغة أو الأدب أو الحقول المختلفة… ويظلّ الشّغل الشّاغل للبنيويّة هو “التّركيب”؛ تركيب “شبكات بنيويّة” أو بُنى اجتماعيّة أو لغويّة أو عقليّة سامية أو عليا. ومن خلال هذه الشّبكات البنيويّة يتمّ إنتاج ما يُسمى “المعنى Meaning” لحقل معرفيّ ما أو لثقافة ما أو للغة ما “فالمعنى ليس قطّ مبدأ ولا أصلًا، وإنّما هو منتوج. وليس علينا اكتشافه واستعادته وترميمه وإعادة استخدامه، وإنّما ينبغي توليده بفعل آليّات جديدة، فهو لا ينتمي إلى الأعالي، كما لا يغرق في الأعماق، وإنّما هو مفعول سطوح، وهو لا ينفصل عن السّطح. مثلما أنّه لا ينفصل عن بعده الخاصّ، لا يعني هذا أنّ المعنى ينقصه العمق أو يعوزه السُّموّ، وإنّما بالأحرى أنّ السُّمو والعمق هما اللّذان يعوزهما التّسطّح، يعوزهما المعنى، أو أنّهما لا يمتلكانه إلاّ من جرّاء “مفعول“ يفترض المعنى“[2]. هذا عن المعنى، فما المقصود باللاّ-معنى؟
3- فلسفة اللاّ-معنى:
في حديثنا السّابق عن البنيويّة والمعنى، وأنّ المعنى يمثّل النّقطة الأساس، يجرّنا هذا الحديث إلى ضرورة التّساؤل عن طريقة توليد هذا المعنى الّذي لا يظهر مطلقا وإنّما هو مفعول سطحيّ أو موقعيّ، متولّد عن حركة الخانة الفارغة في سلاسل البنية؛ أي أنّه بلغة الفلاسفة يحتلّ موقعا يمكن أن نُشبّهه بالموقع الميّت أو الدّال العائم أو القيمة صفر أو العلّة الغائبة.
إنّ البنية هي بحق آلة لتوليد المعنى اللاّجسديّ[3] (سكيندا بسوس)، وعندما تُفهم البنيويّة بهذه الكيفيّة، نكتشف أنّ المعنى متولّد عن اللاّ-معنى وأنّه يتولّد عن الموقع المتبادل لعناصر ليست “دالّة” في حدّ ذاتها، ذلك أنّ اللاّ-معنى عند فلسفة العبث هو ما يقابل المعنى ويتعارض ضمن علاقة بسيطة معه، فالعبث يتحدّد دومًا كنقص في المعنى؛ أي كعوَز، أي ليس هناك ما يكفي من المعنى المُتاح. هذا هو التّعريف نفسه تقريبا الّذي ذهب إليه نجيب محفوظ في تعريفه لفلسفة العبث في روايته “ثرثرة فوق النّيل” إذ قال: “العبث هو فقدان المعنى، معنى أيّ شيء”، أمّا من وجهة نظر البنية فإنّه يوجد فائضٌ وإفراطٌ في المعنى على عكس ذلك: وهو إفراط يتولّد بفعل اللاّ-معنى كنقص فيه هو ذاته.
و مثلما يحدّد “ياكوبسون”[4] وحدة صوتيّة من درجة صفر لا تتوفّر على أيّ قيمة صوتيّة معيّنة لكنّها تقابل غياب الوحدة الصوتيّة [5] وليس الوحدة ذاتها، فإنّ اللاّ-معنى لا يتوفّر على أيّ دلالة معيّنة إلاّ أنّه يقابل غياب المعنى، فاللاّ-معنى هو في الوقت ذاته ما ليس له معنى، ورغم ذلك فهو يقابل غياب المعنى بقيامه بعمليّة إضفاء المعنى. هذا ما ينبغي فهمه من اللاّ-معنى.
واستنادا إلى ما سبق يمكننا طرح السّؤال عن كيفيّة بناء الجملة العربيّة وموقع المعنى واللّا-معنى من ذلك.
4- بناء الجملة العربيّة بين المعنى واللاّ-معنى:
من المُتعارف عليه عندنا أنّ الجملة في العربيّة تُبنى على رُكنيْن أساسيّيْن لا يمكن الاستغناء عنهما وهما: المسند والمسند إليه. يقول سيبويه: “هما ما لا ينبغي ….. واحد منهما عن الآخر، ولا يجد المتكلّم منه بدّا، فمن ذلك الاسم المبتدأ والمبنيّ عليه، وهو قولك: عبد الله أخوك، وهذا أخوك، ومثل ذلك: يذهبُ عبد الله، فلا بدّ للفعل من الاسم كما لم يكن للاسم الأوّل بدّ من الآخر في الابتداء”[6]، فبالمسند والمسند إليه يكتمل معنى الجملة ويُحقّق للسّامع دلالة واضحة، فهُما عمدة الجملة وهما أدنى حدّ تركيبيّ وأقلّ بناء لغويّ يصلح به التّركيب ليُعطيَ دلالة واضحة ولا يصحّ حذفهما، يقول السّيوطي في هذا الصّدد: “العمدة: هو عبارة عمّا لا يسوغ حذفه من أجزاء الكلام إلاّ بدليل يقوم مقام اللّفظ به”[7]، أمّا ما دون ذلك من عناصر لغويّة فتسمّى حسب العُرف اللّغويّ بالــ “الفُضلة”[8] ويكون دورها بالأساس في إضافة معنى فرعيّ للجملة ويمكن أن يَستغنيَ المعنى الأصليّ عن هذا المعنى الفرعيّ الثّانويّ، مع العلم أنّ هذه “الفُضلة” وفي بعض الحالات قد لا يصّح الاستغناء عنها ويصبح دورها ضروريّا داخل السّياق، فقد تمثّل ركنا بنائيّا مهّما لا يصحّ تركه أو حذفه لتوقّف المعنى عليه. يبدو أنّ أمر تهميش “الفُضلة” أمر غير مسموح به، ولم تُسَمَّ “فضلة” لهامشيّتها بل المقصود بذلك: أنّه لا يصحّ بناءٌ لغويٌّ مكوّن من فُضلة ومسند إليه، مثلا، أو من فُضلة ومسند فقط، فقد ترتقي الفُضلة في كثير من السّياقات النّحويّة للجملة إلى مرتبة “العُمدة” فتصبح الفُضلة عُمدة إذا كانت من متطلّبات المعنى ولوازم السّياق، والأمثلة على ذلك كثيرة منها: قول الله تعالى في سورة لقمان الآية 18: ” ولا تمشِ فِي الأرض مرحا”، فكلمة “مرحا” هنا ضروريّة في السّياق حتّى يُبلّغ القائلُ المُراد من كلامه، فالمنع لم يكن لمشي الإنسان على الأرض مطلقا بل لنوع بعينه من المشي كما أشار إلى ذلك القُرطبيّ في تفسيره إذ قال: “ولا تمشِ في الأرض مرحا، هذا نهي عن الخيلاء وأمر بالتّواضع. والمرح: شدّة الفرح. وقيل: التّكبّر في المشي. وقيل: تجاوز الإنسان قدره”، ومن بين الأمثلة الأخرى الّتي نسوقها وتكون واضحة جليّة لإبراز أهمّيّة الفُضلة في السّياق نذكر ما قاله الشّاعر عديّ بن الرّعلاء الغسّانيّ[9] إذا قال:
ليس من مات فاستراح بميّت … إنّما الميّت ميّت الأحياء
إنّما الميّت من يعش ذليلا … كاسفا باله قليل الرّخاء.
فالحالان “مرحا” و “كئيبا” كلاهما صارا من لوازم المعنى ومن متطلّبات السّياق حتّى لا يفهم الكلام في مخالفة للعقل أو الشّرع أو ينقض الكلام أوّله إذا ما اكتفى بالقول مثلا: ” إنّما الميّت من يعش”، وفق هذا لن تكون الفضلة فقط الكلام الزّائد الّذي يمكن حذفه من السّياق بل قد تكون الكلام المهمّ لتَحقُق المعنى، فالاستغناء عنه قد يكون ممكنا من النّاحية النّحويّة فقط لا من النّاحية الدّلاليّة وهذا ما بيّنه الصّبّان في قوله: “ما يَستغني الكلام عنه من حيث هو كلام نحويّ”[10]، فالفُضلة بذلك ترتقي إلى مرتبة العُمدة لحاجة السّياق إليها كي يكتمل المعنى.
أمّا إذا خلا الكلام من النّواة الإسناديّة الأساسيّة المتمثّلة في “المسند” و”المسند إليه” صار من العبث أو هو كما وصفه الزّمخشريّ “حكم الأصوات الّتي حقّها أن ينعق بها”[11]، وهذا يحصل عندما يخلو الكلام من الدّلالة أو المعنى حتّى وإن كان النّظم حاصلا أي؛ حتّى وإن جمعت كلمة بجانب كلمة أخرى، وبالتّالي فالتّركيب هو الإسناد أو هو إقامة العلاقات بين المفردات داخل النّظم المتفاعلة فيما بينها، وهو ما قصده الزّمخشريّ في قوله: “الإعراب لا يستحقّ إلاّ بعد العقد والتّركيب”[12]، ولا يتمّ ذلك إلاّ بعد تكوين العلاقات وتشابك القرائن واختيار المفردات.
من المتعارف عليه أنّ العربيّة تنقسم إلى نوعين اثنين من البناء: بناء على طبيعة البناء، وطريقة رصّ الكلمات ونظم العلاقات؛ وهما الجملة الاسميّة والجملة الفعليّة، ورغم أنّ كلا النّوعين مكوّنان من مسند ومسند إليه أو العكس في التّرتيب، إلاّ أنّ الأهمّيّة للصّدر[13]. والمقصود بالصّدر هنا في الجملة الفعليّة ليس نفسه في الجملة الاسمّية، فالصّدر في الأولى هو “الفعل” أمّا في الثّانية فهو “الاسم”.
خلاصة ما نقوله: أنّ الجملة من دون إسناد واضح لا تكون جملة، يقول ابن السّراج في ذلك: “والجمل المفيدة على ضربيْن: إمّا فعل وفاعل وإمّا مبتدأ وخبر”[14]. هذا، وأنّ جلّ التّعريفات للجملة تدور حول الإفادة وتمام المعنى وحسن السّكوت عنهما، يقول ابن جنّيّ: “وأمّا الكلام فكلّ لفظ مستقلّ بنفسه مفيد لمعناه وهو الّذي يسمّيه النّحويّون “الجمل””[15]، ولنا أن نتساءل عن علاقة المعنى بالإسناد في الجملة العربيّة. ولنا أن نسأل كيف يتحقّق المعنى داخل هذه النّواة الإسناديّة؟ أي هل نعتمد في ذلك على المسند أم على المسند إليه؟
5- المعنى والإسناد في الجملة العربيّة:
احتكر الاسم مسألة الإسناد دون غيره من مكوّنات الجملة؛ فإمّا أن يكون مسندا إليه مبتدأ أو مسندا إليه فاعلا، فالجملة في العربيّة تأخذ واحدة من بين هاتيْن الصّورتيْن، إمّا:
مسند إليه (مبتدأ) + مسند (الخبر) أو مسند(فعل) + مسند إليه (فاعل).
وقد عللّ النّحاة هذا الأمر بقولهم “إنّ الفعل والحرف لا يكون منهما إسناد: وذلك لأنّ الفعل خبر، وإذا أسندت الخبر إلى مثله لم يفد المخاطب شيئا، إذ الفائدة إنّما تحصل بإسناد الخبر إلى مخبر عنه معروف نحو: قام زيد، وقعد بكرٌ، والفعل نكرة: لأنّه موضوع للخبر، وحقيقة الخبر أن يكون نكرة: لأنّه الجزء المستفاد، ولو كان الفعل معرفة لم يكن فيه للمخاطب فائدة لأنّ حدّ الكلام أن يبتدئ بالاسم الّذي يعرفه المخاطب كما تعرفه أنت. ثمّ تأتي بالخبر الّذي لا يعلمه ليستفيده، ولا يصحّ أن يسند إلى الحرف أيضا شيء لأنّ؛ الحرف لا معنى له في نفسه. فلم يفد الإسناد إليه ولا إسناده إلى غيره. فلذلك اختصّ الإسناد إليه بالاسم وحده”[16]. وفق هذا القول السّابق سيكون هناك ضرب من العبث إذا قلنا مثلا: (في) شربَ أو (يُضرب) يشربُ أو هلْ (قائم) أو قام (إن) أو شرب (يلعبُ)…. فالإفادة ما دامت غير مسندة إلى الاسم في كلّ مثال من الأمثلة السّابقة غير حاصلة نتيجة سوء اختيار المفردات. وهذا ما يكمن أن نطلق عليه اللاّ-معنى في التّراكيب النّحويّة فانتفاء التّركيب اللّغويّ الصّحيح ينجرّ عليه انتفاء الإفادة وتعطّل المعنى. هذا ما وضّحه الفارسيّ إذ قال: “الاسم يأتلف مع الاسم فيكون كلاما مفيدا كقولنا: عمرُو أخوك، وبشير صاحبك، ويأتلف الفعل مع الاسم، فيكون كذلك كقولنا: كتب عبد الله وسُرّ بكرٌ”[17].
يقول الزّمخشريّ في حديثه عن التّركيب: “والكلام هو المركّب من كلمتيْن أسندت إحداهما إلى الأخرى وذاك لا يتأتّى إلاّ في اسميْن كقولك: زيدٌ أخوك وبشرٌ صاحبك أو في فعل واسم نحو قولك: ضُرب زيدٌ، وانطلق بكرٌ، وتسمّى الجملة”[18].
كلّ ما سبق يؤكّد أنّه ليس كلّ تركيب نحويّ يحمل دلالة ويؤدّي معنى واضحا، بل لا يصحّ التّركيب وقد يصير لغوا لا يُتكلّم به، يقول الفارسيّ في ذلك: “لو أسند إلى الفعل شيء، فقيل: ضحكَ خَرَجَ أو كَتَبَ يَنْطلِقُ، ومَا أشبه ذلك لم يكن كلاما”[19]، فهذا التّركيب الخالي من المعنى مخالف لقواعد النّظام اللّغويّ لسوء الاختيار. من خلال هذا نفهم أنّ المقصود من التّركيب الّذي عناه اللّغويّون في كلامهم هو عبارة عن مجموعة العلاقات اللّغويّة والوشائج المترابطة والقرائن السّياقيّة الّتي تكتنف المفردات في نظم واحد دالّ، وحسن اختيار المفردات الّتي تشغل الوظائف النّحويّة يعني صحّة التّأليف اللّغويّ من حيث الحقيقة والمجاز وهما شرطا الإفادة في الكلام واستقامته.
6- المعنى واللاّ-معنى في التّراكيب النّحويّة:
أكّدنا في الحديث السّابق عن أهمّيّة النّظم وحُسن التّركيب من حيث إقامة العلاقات والوشائج والقرائن بين المفردات عن طريق الإسناد، وحُسن اختيار المفردات الّتي تشغل الوظائف النّحويّة، وهذا ما اعتنى به سيبويه وخصّص له بابا كاملا سمّاه “باب الاستقامة من الكلام والإحالة” قال فيه: “فمنه مستقيم كذب، ومستقيم قبيح، وما هو محال كذب. فأمّا المستقيم الحسن فقولك: أتيتك أمسِ وسآتيك غدا، وأمّا المُحال، فأنْ تنقضَ أوّلَ كَلاَمكَ بآخره فتقُولَ: أتيكَ غدا وسآتيك أمسِ، وأمَّا المستقيم الكذب فقولك: حملت الجبل، وشربت ماء البحر ونحوه. وأمّا المستقيم القبيح فأنْ تضع اللّفظ في غير موضعه، نحو قولك: قد زيدا رأيتُ، كي زيدا يأتيك، أشباه هذا. وأمّا المحال الكذب فأن تقول: سوف أشربُ ماءَ البحرِ أمسِ”[20]، ويمكننا أنْ نفصّل كلّ نوع من أنواع التّراكيب النّحويّة الّتي ذكرها سيبويه وعلاقتها بالمعنى أو اللاّ-معنى أي أنّنا سنتناول بالبحث التّركيب وراء التّركيب، وإن كان سيؤدّي المعنى أو أنّ المعنى فيه منعدم فيكون تركيبا كضرب من العبث وهذا هو المقصود باللاّ- معنى.
6- 1- تراكيب حاملة للمعنى بين المستقيم الحسن والكذب والقبيح:
أ–مستقيم حسنٌ: أتيتكَ أمسِ وسآتِيكَ غدا.
اعتبرَ هذَا النّظم مستقيم التّركيب عن بقيّة التّراكيب الأخرى الّتي ذكرها سيبويه نتيجة صحّة المعنى الّذي أفادهُ وموافقته للنّظم الّذِي تكلّمت به العرب منذ القدم. ولنا أنّ نسأل كيف تمّ ذلك؟
الإجابة ببساطة، هي أنّه قد تمّ وضع كلّ لفظ في موقعه الصّحيح من حُسن اختيار مفرداته مع وظائفها النّحويّة ولم يقع التّناقض في دلالته، فجاءت صورته التّجريدّية وصورته المنطوقة صحيحتين ويمكن نسج آلاف التّراكيب اللّغويّة والجمل العربيّة عليها. فماذا عن التّراكيب الّتي تعذّر فيها المعنى ووقعت في اللاّ-معنى.
ب–مستقيم كذب: حملتُ الجبل، وَشَربتُ ماءَ البَحرِ.
تجسّد مفهوم الاستقامة هنا من خلال حُسن اختيار العلاقات النّحويّة والقرائن السّياقيّة بين مفرداته، فكانت الجملة على النّحو التّالي: “فعل + فاعل +مفعول به”، لكنّ الخلل يكمن في سوء اختيار المفردات المستخدمة في هذا النّظم فاستخدامها بمعناها غير الحقيقيّ هو الّذي جعل التّركيب كذبا. الكذب هنا هو “كذب دلاليّ” وهذا وجه من أوجه اللاّ-معنى في التّراكيب النّحويّة، والخلل كامن بين الوظائف النّحويّة بعلاقتها وما يمثّلها من المفردات بدلالتها. ربّما قد يصبح هذا التّركيب تركيبا مستقيما حسنا لو استعملت المفردات في غير معناها الحقيقيّ، أي أنّها اُستعملت مجازا كأن تقول: “زادت الهموم عليّ ليلة أمس حتّى صارت كالجبل الأشمّ ثقلا وحجما، وما إن قرأتُ نزرا يسيرا من القرآن الكريم حتّى قوّيت نفسي وحملتُ الجبل وطرحته عن كاهلي…”.
ج– مستقيم قبيح: قد زيدا رأيتُ، وكي زيدٌ يأتيك.
صفة الاستقامة في الجملة السّابقة تنطبق على الدّلالة لا على التّركيب النّحويّ، فصفة القبح إذن، تكون للنّظم اللّغويّ والّذي به أصبح التّركيب مُحالا، فالعرب لا تتكلّم بمثل هذه الجمل ولا بمثل هذا النّظم التّجريديّ فلا نقول: “حرف تحقيق+ اسم+ فعل + فاعل”، ولا نقول: “حرف مصدريّ+ اسم+ فعل+ مفعول به”. وهذا ما أشار إليه سيبويه عندما قال: “وضع اللّفظ في غير موضعه”، فالخلل كان في اللّفظ لا في المعنى، والعلّة في أنّك “أفسدتَ النّظام بالتّقديم والتّأخير”[21]، ويكمن ذلك عندما دخل الحرفان “قد” و “كي” وهما اللّذان لا يدخلان إلاّ على الفعل باتّفاق المجموعة اللّغويّة، ففساد النّظام يجعل التّركيب محالا.
التّركيب الّذي يوصف بالاستقامة هو ذلك التّركيب المستقيم في المعنى ونظام اللّغة، و كان على سيبويه أن يصف هذا التّركيب بالمحال لا بالقبيح كما فعل لأنّ العرب مُحال أن تأتيَ بمثله. وليصبح هذا التّركيب صحيحا، ما علينا إلاّ أن نغيّر في طريقة النّظم وموقع كلّ كلمة داخل النّظم فنقول مثلا: “قد رأيتُ زيدا، وكي يأتيك زيدٌ” فيصبح التّركيب على الصّيغة المجرّدة التّالية: “قد+ فعل+ فاعل + مفعول به” و”كي+ فعل+ فاعل+ مفعول+ فاعل”، وهما صيغتان تكلّمت بهما العرب ومازالت ويمكن أن نصوغ منهما آلاف الجمل العربيّة الّتي توصف بأنّها من المستقيم الحسن نحوا ودلالة.
6- 2- تراكيب وقعت في اللاّ- معنى؛ بين التّناقض الدّلاليّ وسوء اختيار اللّفظ وترتيب النّظم:
6- 2- 1- التّناقض الدّلاليّ:
* نَقضُ أوّل الكلام لآخره:
إنّ التّناقض الدّلاليّ داخل نفس النّظم يجعل التّرل نعتمد في ذلك على المسند أم المسند إليه.
ك.كيب مُحالا كقول سيبويه في تمثيله عن ذلك بقوله: “أتيتك غدًا، وسآتيكَ أمسُ”، إنّ حضور زمنيْن مُختلفين في التّركيبيْن السّابقيْن هو ما جعلهما تركيبيْن محاليْنِ: التّركيب الأوّل ضمّ زمن الماضي “أتيتُكَ” وَزمن المستقبل “غدا”. أمّا التّركيب الثّاني فقد ضمّ زمن المُستقبل “سآتيك” وزمن الماضي “أمسُ”. وهذا النّوع من التّركيب المُحال عرّفه سيبويه بقوله: “نقض أوّل كلامك لآخره”، فأوّل الكلام المنطوق به مستقيم حسن إلاّ أنّ استعمال الظّرف في غير محلّه “غدا” و”أمس” هو الّذِي أحالهما وخلق نوعا من التّناقض الّذِي لا يستقيم عقلا ولا دلالة ولا تتكلّم به العرب في تراكيبها. إنّ الصّور التّجريديّة للتّركيب صحيحة من حيث البنية لا من حيث البناء،ّ والّذي أحالها هنا هو البناء اللّغويّ المنطوق لا المستوى التّجريديّ، لأنّ المستوى التّجريديّ أو مستوى البنية في الجُملة الأولى هو: “فعل ماض+ فاعل+ مفعول به+ ظرف زمان.”
أمّا في الجملة الثّانية فهو على هذه الشّاكلة: “حرف استقبال+ فعل مضارع+ فاعل+ مفعول به+ ظرف زمان”، فلو غيّرنا نوع الظّرف في الجملة الأولى والثّانية و قلنا مثلا: “أكل محمّد الرّغيف أمس” و“سوف يأكلُ محمّدٌ الرّغيف غدا” لكان التّركيبان مستقيمين، “فالجمع بين النّقيضين هو الصّورة المُثلى للكلام المُحال”[22]، ولم يجعل التّناقض التّركيب محالا فقط -كما أشار إلى ذلك سيبويه- بل قد يتجاوزه ويتعدّاه، فمثلا: “تتّسعُ دائرتها لتشمل أشكالا أخرى خالية من مفهوم التّناقض لكنّها تتضمّنُ علاقات مرفوضة لا يمكن أن تتحقّق بسبب خلل في التّركيب تتعدّدُ أسبابه ومصادرهُ.”[23]
* نَقضُ العامل للمعمول فيه:
يظهر التّناقض الدّلالي أيضا من خلال المفعول المطلق وعلاقته بعامله، فبالنّظر إلى تعريف المفعول المطلق بأنّه “مصدر فُضلة تسلّط عليه عامل من لفظه أو من معناه”[24]، ويأتي المفعول المطلق مؤكّدا لعامله أو مبيّنا لنوعه أو عدده، والعامل في المصدر هو الفعل المتقدّم سواء اتّفق لفظها ومعناها أم اتّفقا معنى فقط: فالأوّل كقولنا “ضربتُ اللّصّ ضربا”، والثّاني كقولك: “شنئتُهُ بغضا، وأحببته مقتا”. هذه التّراكيب كلّها صحيحة مستقيمة في بنيتها الأساسيّة وصورتها المنطوقة، لكن هل يمكن أن يأتي المفعول المطلق غير متّفق مع عامله في اللّفظ والمعنى معا؟
الجواب حتما: لا، فقد تنوب عن المصدر أشياء، لكنّ شرط هذه الإنابة أن تدلّ على المصدر كعدده وآلته يقول ابن جنيّ: “وإنّما يعمل الفعل من المصادر فيما فيه عليه دليل ألا تراك لا تقول: قمتُ جلوسا ولا ذهبتُ مجيئا ولا نحو ذلك لما لم تكن فيه دلالة عليه”[25]ـ والّذي جعل هذين التّركيبين محالين أنّ آخرهما ينقض أوّلهما. فكيف يؤكّد المصدر فعلا له علاقة بينهما لفظا أو معنى أو دليلا، والعرب لا تقول هذا فقد أحيلت الصّورة المنطوقة رغم الصّحة في البنية الأساسيّة، ولو ذهبت تؤوله وتقدر فيه ما صحّ التّقدير ولا المعنى.
* نَقضُ مقولة العدد للتّركيب:
يظهر التّناقض الدّلالي أيضا من خلال تثنية الفعل وجمعه: ولم يرد الفعل في العربيّة مثنى أو مجموعا[26]، فإذا أردت أن تجعل من الفعل “قام” أو “جمع” في المُثنّى فتقول مثلا، على سبيل القياس مع الاسم: “قاما زيد” وأنت تريد من ذلك تثنية الفعل (قام)، أو تقول وأنت تريد الجمع “قامُوا زيد” للدّليل على أنّه قام بالفعل أكثر من مرّة، لكنّ هذا الكلام صارا مُحالا في صورته المنطوقة وفي بنيته الأساسيّة: “فعل ماض مسند لألف الاثنين أو لواو الجمع + اسم مفرد مرفوع”، وهي صورة لم ترد لا مجرّدة أو منطوقة في كلام العرب، ونحن في اللّهجة الدّارجة نقول: “غلبوني الأولاد، سألوني النّاس، رجعوا الحجّاج… إلخ” ويقول ابن مالك: “إنّ الفعل يجب إفراده حتّى لو كان الفاعل مثنًّى أو مجموعًا- أي لا تتّصل به علامة تثنية ولا علامة جمع” فنقول: “سافر عليّ وسافر الأخوان وسافر الرّجال ونجحت الطّالبتان ونجحت الطّالبات ويبارك الأهلون…”، أمّا جملة (أكلوني البراغيث) فيسمّيها ابن مالك لغة: “يتعاقبون فيكم ملائكة” (لأنّ هناك حديثًا شريفًا توقّف فيه على هذا الاستخدام (صحيح البخاري رقم 555)، وعليه فإنّنا نخطّئ من يقول اليوم: عادوا الإخوة، ضحكتا الفتاتان… تلك هي القاعدة المطّردة في لغتنا الفصحى شعرًا ونثرًا.
6- 2-2- سوء اختيار عناصر النّظم:
6- 2- 2- 1- استبدال المصدر المؤوّل بالمفعول المطلق:
من النّادر وقوع المصدر المؤوّل مفعولا مطلقا إذا لم نقل من المستحيل أن يرد تركيب في العربيّة لمفعول مطلق مؤوّل[27]، فلا تجد هذا التّركيب مثل: “جريتُ أن أجريَ” أو “ضربتُ زيدا أن أضربَ” وأنت تقصد بالقول “جريتُ جريا” و “ضربتُ زيدا ضربًا”، وقد استنكر النّحاة هذا النّوع من التّركيب في المفعول المطلق إذ قالوا: “لا يقع المؤوّل مفعولا مطلقا”[28]، وممّا جعل بنيته وصورته المنطوقة محالة هو عدم التّكلّم بها وقد تصحّ بنيته الأساسيّة على غير المفعول المطلق فتصبح على النّحو التّالي: “ضربتُ زيدا أن يضرب أخاه؛ أي لأنّ يضرب أخاه”.
6- 2- 2- 2- التّضارب في استعمال (قطّ) و (أبدا):
يجب علينا عند استعمالنا لـ(قطُّ) و(أبدا) الحذر، فـ(قطّ) ظرف زمان لاستغراق الماضي المنفيّ، وعرّفها العرب بالعودة إلى أصلها “واشتقاقه من قططته، أي: قطعته، فمعنى: ما فعلته قطّ، ما فعلته فيها انقطع من عمري؛ لأنّ الماضي منقطع عن الحال والاستقبال، وبنيت لتضمّنها معنى (مذ وإلى)، إذ المعنى مذ أن خلقت أو مذ خلقت إلى الآن”[29]، فاختصاص (قطّ) بالمضيّ والنّفي يجعلها تُحال عند العرب في تراكيب الحال والاستقبال وتراكيب الإيجاب، و مثالها في الاستقبال المُحال قولك: لا آتيه قطُّ ولا أفعلُه قطّ. يقول الزّجاجيّ في ذلك: “فلو قلت: لا أتيه قطّ كان محالا… وإنّما تدخل (قطّ) على ما كان نفيا للماضي لا المستقبل”[30] لذلك يقول ابن هشام: “والعامّة يقولون: لا أفعله قطُّ وهو لحنٌ”[31] فليس من كلامهم ومثالها في الإيجاب المحال، قولك: “رأيته قطُّ وأضربُ زيدا قطُّ”، يقول الزّجاجيّ: “لو قلت: رأيته قطّ، كان محالا”[32] لأنّها ببساطة لا تدخل في الإيجاب.
6- 2- 2- 3- سوء اختيار المستثنى والمستثنى منه:
يكون ذلك من خلال استثناء نصف الشّيء من كلّه، فالكثير من تراكيب الاستثناء وصفها العرب بالإحالة ولم تكن إحالتها من جهة النّحو أو المعنى، فالصّورة التّجريديّة صحيحة والصّورة المنطوقة صحيحة أيضا لكنّها قبيحة واستحقّت هذا القبح لسببين: الأوّل منها، ورُود صورة تجريديّة ومنطوقة أفصح منها وأبلغ ومختصرة. والثّاني، عدم تكلّم العرب بهذه الصّورة، ونحن ملتزمون بما تكلّمت به العرب “لأنّ المصير إلى ما لا نظير له في كلامهم محال”[33]، يقول الزّجاجيّ في ذلك: “فأمّا استثناء نصف الشّيء فقبيح جدّا، لا تتكلّم به العرب، فإذا قلت: عندي عشرةٌ إلاّ خمسة، فليس تكون الخمسة مستثناة من العشرة، لأنّها ليست تقرب منها، وإنّما يتكلّم بالاستثناء كما يتكلّم بالنّقصان فتقول: عندي درهم ينتقص قيراطا، فلو قلت: عندي درهم ينقصُ خمسةُ الدّوانيقِ أو ينقصُ نصفُه كان الأولى بذلك: عندي نصفُ درهم؛ لأنّ نصف درهم لا يقع عليه اسم درهم”[34]، فقد نقول مثلا: “أكلت الرّغيف إلاّ نصفهُ” ويعتبر هذا الكلام صحيحا نحويّا، لكنّ فيه قبحا يتمثّلُ في أنّ العرب لا تتكلّم بمثل هذه التّراكيب أبدا و”لمْ يأتِ الاستثناء في كلام العرب إلاّ قليلٌ من كثير”[35]، ولو أردنا أن نعبّر عن أكل نصف الرّغيف لقلنا مثلا “أكلت نصف الرّغيْف بغير استثناء.”
كما يمكن ذلك من خلال استثناء الكلّ من الكلّ واللّفظ من الواحد، فلو نظرنا في تعريف العرب للاستثناء لوجدنا أنّ جلّ التّعاريف تجتمع حول الإخراج لما كان داخلا أو منزّلا منزلة الدّاخل فالاستثناء المتّصل هو الدّاخل والاستثناء المنفصل أو المتقطّع هو المنزّلُ منزلة الدّاخل، وهو إخراج بعض من كلّ أو إخراج كلّ من كلّ بشرط تغيير لفظ المستثنى عن لفظ المستثنى منه، فإنّ كان اللّفظ واحدا وأردت إخراج الكلّ من الكلّ فلا يجوز، فلم يرد في كلام العرب شيء من هذا كقولنا مثلا: “جاء الطّلاب إلاّ الطّلاب” بل يجوز “جاء الطّلاب إلاّ الدّارسين” مع العلم أنّ الطّلاب هم الدّارسون. والمعنى المقصود بالتّالي هو أنّه لم يجئ أحد منهم، ولذلك قالت العرب: “استثناء الكلّ من الكلّ لا يصحّ إذا كان بلفظ المستثنى منه بأن قال: نسائي طوالقُ إلاّ نسائي، وبغير ذلك اللّفظ يصحّ مثل: نسائي طوالقُ إلاّ زينبَ، وكذا لا يصحّ: ثلث مالي لزيدٍ إلاّ ثلثَ مالي، ويصحّ: ثُلث مالي لزيد إلاّ ألفا، وثلث ماله ألف، لكن لا يستحقّ شيئا”[36] فسبب إحالة هذا التّركيب وجعله في سلّة اللاّ-معنى هو عدم التّوفيق في اختيار المفردات المنطوقة المناسبة، فالإحالة في الصّورة المنطوقة لا في البنية الأساسيّة.
* سوء اختيار الأداة في المُجازاة
تُعرف (إذا) في اللّغة العربيّة بأنّها تُستعمل في التّراكيب عند المجازاة لما يعلم أو يغلب على الظّنّ حُصوله، فمدخولها واجب الحصول ومحقّق الوقوع على عكس (إن)، فإنّها مبهمة الوقوع ومدخولها مشكوك في وقوعه ولا تستعمل إلاّ لما هو مشكوك وقوعه أو يستحيل وقوعه، مثل ذلك تقول: “إذا طلعت الشّمس جئتُ إليك” ولا تقول: “إن طلعت الشّمس جئت إليك”. يقول سيبويه: “(إذا) تجيء وقتا معلوما، ألا ترى أنّك قلت: أتيك إذا احمرّ البسر كان حسنا، ولو قلت: آتيك إن احمرّ البسر، كان قبيحا. فـ(إن) أبدا مبهمة”[37]، ويقول المبرّد مفرّقا بين (إذ) و(إن) : “وإنّما منع (إذا) من أن يُجازى بها؛ لأنّها مؤقّتة وحروف الجزاء مبهمة، ألا ترى أنّك إذا قلت: إن تأتني آتك، فأنت لا تدري أيقع منه إتيان أم لا؟ وكذلك من أتاني أتيته، إنّما معناه: إن تأتني واحد من النّاس آته، فإذا قلت: إذا أتيتني وجب أن يكون الإتيان معلوما، ألا ترى إلى قول الله عزّ وجلّ “إذا السّماءُ انفَطرتْ” (الانفطار: 1) و (إذا الشمسُ كوّرت) (التّكوير: 1) و (إذا السّماء انشقّت) (الانشقاق: 1) أنّ هذا واقع لا محالة، ولا يجوز أن تكون في موضع هذا (إن) لأنّ الله عزّ وجلّ يعلم، و(إن) وإنّما مخرجها الظّنّ والتّوقّع فيما يخبر به المخبر، وليس هذا مثل قوله: (إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) (الأنفال: 38) لأنّ هذا راجع إليهم وتقول: آتيك إذا احمرّ البُسر، ولو قلت: أتيك إن احمرّ البسر. كلام محال؛ لأنّه واقع لا محالة.”[38]
يظهر لنا أنّ سبب الإحالة كانت في الصّورة المنطوقة الخاصّة به فالأداة الّتي استعملت في غير موضعها وأدّت معنى خاطئا في الجملة، يقول أبو منصور الأزهريّ: “سئل ثعلبُ: إذا قال الرّجل لامرأته: إن دخلتِ الدّار إن كلمتِ أخاك فأنتِ طالقٌ، متى تطلّق؟ فقال: إذا فعلتها جميعا، قيل له: لمِ؟ قال: لأنّه قد جاء بشرطين قيل له: فإن قال لها: أنتِ طالقٌ إن احمرّ البُسرُ، فقال: هذه مسألة محال؛ لأنّ البسر لابدّ من أن يحمرّ، قيل له: فإن قال: أنت طالقٌ إذا احمرّ البُسر قال هذا شرطٌ صحيح، تُطلّق إذا احمرّ البُسر”[39]. نفهم من هذا أنّ الشّرط الأوّل فاسد لإحالة التّركيب لغويّا، والثّاني شرط صحيح لأنّه أصبح كلاما لغويّا صحيحا مستقيما ويبقى المُحال قولك: إن احمرّ البسر آتك، وما كان على شاكلته.
* سوء اختيار الشّرط والجزاء
إنّ الشّرط ينبغي أن يكون غير الجزاء لا عينه: الهدف الأوّل للّغة هو الإفهام والإفادة كما أكّدنا على ذلك بداية البحث، وبالتّالي يعدّ أيّ تركيب بلا فائدة أي دون معنًى ضربا من اللّغو والنّعيق لا قيمة له، ومن ثمّ يمكن أن نصفه بالإحالة، فضلا عن عدم تكلّم العرب به فلم تقل العرب مثلا: “إن قعدُوا قَعَدُوا، وإنْ قَامُوا قَامُوا” وذلك لخلوّها من الإفادة رغم أنّ البنية الأساسيّة والصّورة التّجريديّة لهما صحيحة والمُتمثّلة في: “أداة شرط+ جملة الشّرط+ جملة الجواب” وما جعل التّركيب محالا هنا، هو تكرار اللّفظ الأوّل بلفظه ومعناه دون أيّ زيادة وذلك لأنّ فعلا الشّرط يتّحدان شرطا وجزاء وهذا لا يجوز و لابدّ من تغييرهما، فالشّيء لا يكون شرطا لنفسه، ودليل ذلك قول عبد القاهر: “إنّ الشّرط ينبغي أن يكون غير الجزاء من حيثُ كان الشّرط سببا والجزاء مسبّبا. وأنّه محال أن يكون الشّيء سببا لنفسه… كما لا يسوغ أن تقول: إن قمتَ قُمتَ. وإن خرجتَ خرجتَ”[40] فمُحال أن يكون الجواب عين الشّرط.
ومن الرّوابط الّتي شرطها اللّغويّون حتّى يصحّ التّركيب ويكون مفيدا دلاليّا، وذلك إن زدت في الثّاني شيئا كأن يشتمل على: النّعت والحال والمصدر وشبه الجملة… وغيرها وهذا معنى قولهم: تصلح “المجازاة بالفعل الواحد إذا أُتي به مطلقا في الشّرط ومعدّى إلى شيء في الجزاء”[41] فمن خلال هذه التّعدية وهذه الزّيادة اختلف الأوّل عن الثّاني وزال التّطابق بينهما وصار في حكم فعل ثانٍ بلفظ عبد القاهر الجرجانيّ، ويقول ابن جنّيّ في قول الأحوص:
” فإذا تزولُ تزولُ عن متخمّطٍ تُخشَى بَوَادِرهُ على الأقرانِ”[42].
ويقول أيضا: “محال أن تقول : إذا قُمت قُمت، وإذا أقعدُ أقعدُ؛ لأنّه ليس في الثّاني غيرُ ما في الأوّل، وإنّما جاز أن تقول: فإذا تزُول تزول لما اتّصل بالفعل الثّاني من حرف الجرّ المفاد منه الفائدة، ومثله قول الله تعالى في الآية 63 من سورة القصص: هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَ،ا ولو قيل: هؤلاء الّذين أغويناهم أغويناهم، لم يُفد القول شيئا؛ لأنّه كقولك: الّذي ضربته ضربتُه، والّتي أكرمتُها أكرمتُها، ولكنّ لمّا اتّصل ب (أغويناهم) الثّانية قوله: (كما غوينا) أفاد الكلام كقولك: الّذي ضربتُه ضربتُه لأنّه جاهل”، ومن الأمثلة على ذلك الشّيء الكثير من كلام العرب مثل: “المرءُ بأصغريه إن قال ببيان وإن صال صال بجنان”[43] أو من القرآن: في الآية 142 من سورة النّساء “وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى” وأيضا في الآية 7 من سورة الإسراء: “إنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ”، وفي الآية 12 من سورة الشّعراء: “وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ”، وفي الآية 31 من سورة المطفّفين: “وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ”. بهذه الزّيادة لم يستقم التّركيب فحسب، بل صار تكرار الفعل مرّتين: “من النّسج الجزل في الكلام“[44] و“من محاسن الاستعمال”[45]، “حتّى أنّك تجد له من الرّوعة والبهجة ما لا تجده لتعليقه بالفعل الأوّل دون إعادة”[46] الفعل.
* سوء اختيار أداة العطف المُناسبة
تعرّف (لا) العاطفة بأنّها تنفي عن الثّاني ما وجب للأوّل أو التّحقيق للأوّل والنّفيّ عن الثّاني أو أنّها حرف عطف لإخراج الثّاني ممّا دخل فيه الأوّل كقولك مثلا: “زيدا لا عمرا” أو “اضرب زيدا لا عمرا” و “جاءني عالم لا جاهلٌ”… ومن التّراكيب الّتي لا نجد لها أثرا عند العرب القول التّالي: “قام رجلٌ لا زيد” ولا: “قام النّاسُ لا زيدٌ ولا قامت امرأة لا هندٌ”، على العطف بـ(لا) وعلّة ذلك أنّه من شروط استخدام (لا) العاطفة أن لا يصدق المعطوف عليه على المعطوف، يقول السّهيليّ: “وأن لا يصدق أحد متعاطفيها على الآخر، فلا يجوز: زيد لا رجل وعكسه ويجوز: جاءني رجل لا امرأة”[47]، وسبب ذلك أنّ الأوّل لا يتناول الثّاني وفي هذا يقول أبو حيّان: “وشرط عطف الاسم بـ(لا) أن يكون ما بعدها غير صالح لإطلاق ما قبلها عليه فلذلك لا يجوز قام رجلٌ لا زيدٌ”[48]، ويقول ابن هشام: “والثّالث. أي من شروط العاطفة أن لا يتعاند متعاطفان. فلا يجوز: جاءني رجل لا زيد،لأنّه يصدق على (زيد) اسم رجل بخلاف جاءني رجل لا امرأة”[49] ومن الجدير بالذّكر أنّ مفهوم الكلام ما ينفي الفعل عن الثّاني، وهي لا تدخل إلاّ لتوكيد نفي “فإنّ أردت ذلك المعنى جئت بلفظ (غير) فتقول: مررتُ برجل غير زيد وبرجل غير عالم ولا تقول: برجل غير امرأة ولا بطويل غير قصير؛ لأنّ في مفهوم الخطاب ما يغنيك عن معنى النّفي الّذي في(غير) وذلك المعنى الّذي دلّ عليه المفهوم حين قلت: بطويل لا قصير”[50].
* عدم التّناسب بين المفضّل والمفضّل عليه
إنّ إضافة أفعل التّفضيل في غير محلّها المُناسب يُسبّبُ خللا في المعنى و يُوقعنا في اللاّ- معنى، يقول ابن السّراج: “ولا يضاف (أفعل) إلى شيء إلاّ وهو بعضه كقولك: عمرُو أقوى النّاس ولو قلت: عمروُ أقوى الأُسدِ لم يجز، وكان محالا لأنّه ليس منها. ولذلك لا يجوز أن تقول: زيدٌ أفضل إخوته، لأنّ هذا كلام محال يلزم منه أن يكون هو أخا نفسه، فإن أدخلتَ (من) فيه جاز فقلت: عمرُو أقوى منَ الأُسدِ، ولكن يجوز أن تقول: زيدٌ أفضل الإخوةِ إذا كان واحدا من الإخوة”[51]، إنّ استقامة التّركيب وصحّته هاهنا لا تكون إلاّ مع دخول حرف (من) وهذا ما قاله المبرّدُ: “لأنّ (من) دخلت للتّفضيل وأخرجتهم من الإضافة”[52] لذلك لا يجوز القول مثلا: “زيدٌ أفضل الطّيور” أو قولك: “بكرٌ أحسنُ النّسور” رغم أنّ البنية الأساسيّة للتّركيب سليمة وصحيحة ومستقيمة: “مبتدأ + خبر (أفعل التّفضيل) + مضاف إليه”، والّذي جعل التّركيب محالا وأفسد بنيته هو سوء اختيار المفردات الّتي تتفاعل مع وظائفها النّحويّة. أمّا أنْ تقول “زيد أفضل النّاس” أو “بكر أحسن الأصدقاء” هذا أمر مستقيم سليم المعنى، فهذا (أفعل) المقصود في قول النّحاة: “(أفعل) الّذي لا يضاف إلاّ إلى الجمع وهو واحد منه هو الّذي فيه معنى يزيد كذا على كذا، كقولك: الياقوت أفضل الحجارة ولا يجوز: الياقوت أفضلُ الزّجاج؛ لأنّه ليس بعض الزّجاج، ولا يجوز يوسف أفضل الإخوةِ ولا يجوز: يوسف أفضلُ إخوته غيره”[53].
6- 2- 3- خلل في نظم النّظم:
قد يوقعنا ترتيب المفردات أو العناصر المكوّنة للجملة بالتّقديم أو التّأخير هذا في اللاّ-معنى ويصبح الكلام ضربا من القعقعة واللّغو الفارغين من أمثلة ذلك نذكُر.
6- 2- 3- 1- أسبقيّة الصّدارة على العامل فيها:
من المُتعارف عليه في نظام بناء النّحو العربيّ أنّ “ما له الصّدارة لا يتقدّمُ على عامله“ من بين ذلك أسماء الشّرط والاستفهام، فلا يجوز أن يتقدّم عليها العامل. ومن الأمثلة الّتي توضّح لنا ذلك الجملة التّالية: ” مررت بمنْ يقمْ أكرمه” فالعامل في الجارّ والمجرور “بمَن” هو “مررت” ولا يوجد عامل يصحّ له التّعليق به غيره، فهو بناء لا يجوز في بنيته الأساسيّة ولا في صورته المنطوقة، كما أنّه لم يرد في كلام العرب وإنّما يجوز القول “بمَن تمررْ أمررْ” لأنّ الجار والمجرور متعلّقان بفعل الشّرط المتأخّر وهو المقصود بالبناء والدّلالة، فلا يتوسّط ما له الصّدر مطلقا ولذلك منعوا أيضا أمثلة من التّراكيب مثل قولك: ” لأضربنّ أزيدا في الدّار، وضربتُ أزيدا” وقول آخر مثل “تمرّون بأيّ دار؟” وجاز القول: “بأيّ دار تمرّون” وهي من التّراكيب التّجريديّة الّتي تمّ التّعارف عليها في كلام العرب، ومثالنا على ذلك ما ورد من أمثلة في عدم الصّحّة من تقدّم العامل في أسماء الشّرط والاستفهام عليها في القرآن الكريم في الآية 47 من سورة الرّحمن إذ قال تعالى: ” فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان” وفي قوله تبارك وتعالى في الآية 50 من سورة المرسلات: “فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ” ذلك لأنّ الاستفهام لا يتقدّم عليه عامله.
بالإضافة إلى هذا يمكن إبراز مسألة الصّدارة في التّركيب من خلال أسماء الاستفهام والشّرط فهي أدوات لا يعمل ما بعدها فيما قبلها: من ذلك أسماء الاستفهام والشّرط، فمعمول ما بعدها لا يتقدّم عليها لأنّ هذه الصّورة لا تجُوز، فلا يجوز أن نقول مثلا: “زيدا أضربت؟” كما لا يجوز أن نقول أيضا: “زيدا إن تضربْ أضربْك، ولا زيدا إن جئتني أضربْ” وقد شرح الرّضيّ علّة ذلك عندما قال: “فلا يجوز: زيدا إن جئتني أضرب، بالجزم، بل، إنّما تقول: أضربُ مرفوعا ليكون الشّرط متوسّطا و (زيدا أضرب) دالاّ على جزائه، أي: إن جئتني فزيد أضرب، وعلّة ذلك كلّه أنّ لكلمة الشّرط صدر الكلام كالاستفهام. ولا يجوز أيضا زيدا إن جاءكَ فأكرمه”[54]، فالإحالة هنا هي المتسبّب في وقوع التّركيب في اللاّ-معنى وهو ما جاء في الصّناعة لأنّ هذا البناء لم يرد في كلام العرب بصورته المنطوقة ومخالف لما شرطه النّحاة في بناء الجملة.
6- 2- 3- 2- ضوابط التّقديم والتّأخير في جملة “إنّ” النّاسخة:
يُشترط في تقديم خبر النّاسخ على اسمه، أن يكون الخبر ظرفا مضافا مع مضاف إليه أو أن يكون جارا مع مجرور، إذ يقول المبرّد في ذلك: “إن كان الّذي يليها ظرفا فكان خبرا أو غيره خبر جاز، وذلك: إنّ في الدّار زيدا ،وإنّ في الدّار زيدا قائمٌ؛ وإنّما جاز ذلك لأنّ الظّرف ليس ممّا تعمل فيه (إنّ) لوقوع غيرها فيه”[55]، وبالتّالي إذا كان خبر إنّ مفردا[56] امتنع تقديمه على اسمها قولا واحدا، وفي ذلك قال أهل اللّغة: “(إنّ) لا يليها مرفوعا”[57] ولم يرد عن العرب كلام حسب هذا السّيّاق، فلا نقول مثلا: “إنّ منطلقٌ زيدا” ولا نقول أيضا: “إنّ يقومُ زيدا”، ويقول سيبوبه في ذلك: “لا يجوز أن تقول: إنَّ أخوك عبد الله على حدّ قولك: إنّ عبد الله أخوك؛ لأنّها ليست بفعل. وإنّما جُعلت بمنزلته، فكما لم تتصرّف (إنّ) كالفعل كذلك لم يَجزْ فيها كلُّ ما يجوز فيه ولم تقْوَ قوّته”[58]، فلا نقول مثلا: “إنّ يقومُ زيدا؛ لأنّ (يقوم) ليس ممّا تعمل فيه (إنّ) فإنّ هذا محال من وجهين، أحدهما: أنّ (إنّ) مشبّهة بالفعل، فلا يجوز أن تلي الفعل؛ كما لا يلي فعلٌ فعلا، ليس فيها ضمير فيكون بمنزلة: كاد يقومُ زيدٌ؛ لأنّ في (كاد) ضميرا حائلا بينهما وبين الفعل، والجهة الأخرى: أنّ (يقوم) في موضع (قائم) فلا يجوز أن تفصل بها بين (إنّ) واسمها، كما لا يجوز أن يفصل ب (قائم)”[59]، فالإحالة هاهنا على ضربين في الصّورة المنطوقة وفي بنيته الأساسيّة.
6- 2- 3- 3- ضوابط التّقديم والتّأخير بين المرجع والتّنوين:
يظهر هذا في قطع الإضافة لفظا لا معنى في (كلّ وبعض)، فقد قرّر النّحاة أنّ قطع الإضافة لفظا لا معنى في (كلّ وبعض) بتنوين العوض ولا بدّ للتّنوين فيها من مرجع متقدّم يعود إليه لأنّه حينئذ قائم مقام الضّمير الّذي لا بدّ له من مرجع، فإن قلت: “مررت بالجنود وقد أخذوا مواقعهم”، “فكلٌّ متأهّبٌ”، فالتّقدير “فكلّهم متأهّبٌ”، أي فكلّ الجنود متأهّب، ولم يرد في كلامهم ولا يصحّ أن تبتدئ كلامك، فتقول: “كلٌّ متأهبٌ” لأنّ التّنوين لا مرجع له حينئذٍ، قال ابن سيده: “لا تقول: مررتُ بكلّ قائما ولا ببعض جالسًا مبتدئًا، وإنّما يتكلّم به إذا جرى ذكر قوم، فتقول: مررت بكلّ، أي: مررتُ بكلّهم، ومررتُ ببعض أي: مررتُ ببعضهم، فيُستغنى بما جرى من الكلام ومعرفة المُخاطب بما يغني (أصلها يُعْنَى) عن إظهار الضّمير”[60]، لهذا قال تعالى في الآية 85 من سورة البقرة: “أفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتابِ وتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ”، وقال عزّ وجلّ في الآية 253 من نفس السّورة: “تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ”، وقوله تعالى في الآية 33 من سورة الأنبياء: “وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ”. إنّ تقديم المرجع أوّلا يجعل الكلام أصحّ وأكثر استقامة، ولو لم يتقدّم المرجع لأُبهم الكلام والمُبهم محال في كلامهم ولم يرد.
7- خلاصة البحث:
نستنتج من كلّ ما سبق أمرين: أوّلهما، أنّ المستقيم من الكلام هو: ما سار على نظام اللّغة الّذي وضعه العرب لأنفسهم، فلا تناقض فيه ولا خلل أو هو المستقيم نحوا ودلالة. أمّا المُحال فهو ما خالف النّظام اللّغويّ؛ نظما ومعنى وتوجيها وضوابط وقصدا، أو هو ما أدّى إلى نظم لم يرد ومعنى متناقض، أو هو ما خالف أنظمة العربيّة النّحويّة والدّلاليّة.
قائمة المصادر والمراجع:
-المصادر باللّغة العربيّة:
- الأزهريّ (أبو منصور محمّد بن أحمد): “تهذيب اللّغة“، تحقيق محمّد عليّ النّجار وآخرون، الدّار المصريّة للتّرجمة والتّأليف.
- الأستراباذيّ (رضيّ الدّين محمّد بن الحسن): “شرح كافية ابن الحاجب“، تحقيق محمّد محي الدّين عبد الحميد، دار الأقصى، القاهرة.
- الأشمونيّ (أبو الحسن عليّ نور الدّين بن محمّد بن عيسى): “شرح الأشمونيّ”، دار إحياء الكتب العربيّة.
- الأنباري (أبو البركات عبد الرّحمن بن محمّد بن أبي سعيد): “أسرار العربيّة“، تحقيق محمّد بهجة البيطار، مطبوعات المجمع العلميّ بدمشق.
- الأنباري (أبو البركات عبد الرّحمن بن محمّد بن أبي سعيد): “الإنصاف في مسائل الخلاف“، تحقيق د. جودة مبروك محمّد جودة، مكتبة الخانجيّ، القاهرة، ط1، 1992م.
- الأنصاري (جمال الدّين عبد الله بن هشام): “مغني اللبيب عن كتب الأعاريب“، تحقيق مازن المبارك ومحمّد عليّ حمد الله، دار الفكر، ط1، 1419هــ -1998م.
- البغداديّ (عبد القادر بن عمر): “خزانة الأدب“، تحقيق عبد السّلام هارون، مكتبة الخانجيّ، القاهرة، ط2، 1404هــ – 1984م.
- الجرجاني (عبد القاهر): “دلائل الإعجاز“، تحقيق محمود محمّد شاكر، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، القاهرة، 2000م.
- ابن جنّيّ (أبو الفتح عثمان): “التّنبيه على شرح مشكل أبيات الحماسة“، تحقيق د. سيدة حامد عبد العال ود. تغريد حسن أحمد عبد العاطي، دار الكتب والوثائق القوميّة، مركز تحقيق التّراث، القاهرة، 2010م.
- ابن جنّيّ (أبو الفتح عثمان): “الخصائص“، تحقيق محمّد عليّ النّجار، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، ط4، 1999م.
- الرّمانيّ (أبو الحسن عيسى عليّ بن عيسى بن عليّ): “كتاب الحدود في النّحو وكتاب منازل الحروف“، دت.
- الزّجاجيّ (عبد الرّحمن بن إسحاق): “حروف المعاني“، تحقيق د. عليّ توفيق الحمد، مؤسّسة الرّسالة، دار الأمل، ط2، بيروت، 1406 هـــ – 1986م.
- الزّركشيّ (الإمام بدر الدّين محمّد بن عبد الله): “البرهان في علوم القرآن“، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار التّراث، القاهرة.
- الزّمخشري (الإمام محمود بن عمر): “الكشّاف“، تحقيق مصطفى حسين أحمد، دار الرّيّان، ط7، القاهرة، 1987م.
- الزّمخشري (الإمام محمود بن عمر): “المفضّل في صنعة الإعراب“، تحقيق د. عليّ بو ملحم، مكتبة الهلال، ط1، بيروت، 1993م.
- السّرّاج (أبو بكر محمّد سهل): “الاصول في النحو“، تحقيق عيد الحسين الفتليّ، مؤسّسة الرّسالة، بيروت.
- السّهيلي (أبو القاسم عبد الرّحمن بن عبد الله): “نتائج الفكر في النّحو“، تحقيق الشّيخ عادل أحمد عبد الموجود والشّيخ محمّد عليّ معوّض، دار الكتب العلميّة، ط1، بيروت، 1412هــ- 1992م.
- السّيوطي (جلال الدّين): “الإتقان في علوم القرآن“، قدّمه وعلّق عليه الأستاذ محمّد شريف سكر، راجعه الأستاذ مصطفى القصّاص، مكتبة المعارف، ط2، الرّياض، 1416هـــ – 1996 م.
- السّيوطي (جلال الدّين): “همع الهوامع على شرح جمع الجوامع“، تحقيق د. عبد الحميد هنداوي، المكتبة التّوفيقيّة، القاهرة، د.ت.
- ابن عاشور (الإمام محمّد الطّاهر): “التّحرير والتّنوير“، الدّار التّونسيّة، 1984م.
- الصّبّان (محمّد بن عليّ): “حاشية الصّبّان على شرح الأشمونيّ”، دار إحياء الكتب العربيّة.
- العسكريّ (أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل): “الصّناعتين الكتابة والشّعر“، تحقيق محمّد عليّ البجاويّ ومحمّد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربيّة، ط1، 1371هــ- 1952م.
- العكبريّ (أبو البقاء عبد الله بن الحسين): “اللّباب في علل البناء والإعراب“، تحقيق غازي مختار طليمات، دار الفكر المعاصر، ط1، بيروت، 1416هــ-1995م.
- الفارسي (أبو الحسن بن أحمد بن عبد الغفّار الفارسيّ): “الإيضاح“، تحقيق د. كاظم بحر المرجان، عالم الكتب، ط2، بيروت، 1416 هـــ- 1996م.
- القرافيّ (شهاب الدّين أحمد بن إدريس بن عبد الرّحمن): “الاستغناء والاستثناء“، تحقيق محمّد عبد القادر عطا، دار الكتب العلميّة، ط1، بيروت، 1406هـــ -1986م.
- القيسيّ (أبو الحسن بن عبد الله): “إيضاح شواهد الإيضاح“، تحقيق د. محمّد بن محمود الدّعجاني، دار الغرب الإسلاميّ، ط1، بيروت، 1408هــ- 1987م.
- المبرّد ( أبو العبّاس محمّد بن يزيد): “الكامل في اللّغة والأدب“، تحقيق د. محمّد أحمد الدّالي، مؤسّسة الرّسالة، بيروت.
- ابن منظور (أبو الفضل جمال الدّين محمّد بن مكرم بن منظور الإفريقيّ المصريّ): “لسان العرب“، تحقيق محمّد عبد الوهّاب ومحمّد الصّادق العبيديّ، دار إحياء التّراث العربيّ، ط3، بيروت، 1419هــ-1999م.
- النّحّاس (أبو جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل): “إعراب القرآن“، تحقيق زهير غازي، عالم الكتب، ط2، 1405هـ- 1985م.
- ابن يعيش (موفّق الدّين يعيش): “شرح المفصّل“، تحقيق أحمد السّيد سيّد أحمد، المكتبة التّوفيقيّة، القاهرة.
-المراجع:
- عبد اللّطيف (محمّد حماسة): “النّحو والدّلالة“، دار الشّروق، ط1، القاهرة، 1420هــ- 2000م.
- النّجار (لطيفة إبراهيم): “مفهوم الإحالة عند سيبويه، أبعاده وضوابطه“، بحث منشور في المجلّة الأردنيّة في اللّغة العربيّة وآدابها، المجلّد 3، العدد 1، الأردن، ذو الحجّة 1428ه/ كانون الثّاني 2007م.
-رسائل دكتواره:
- عبد الحميد (زينب الشّافعي): “الإحالة والكذب في التّراكيب عند النّحاة“، رسالة دكتوراه غير مطبوعة بكليّة دار العلوم، جامعة القاهرة، 1416 هـــ -1998م.
[1]– البنيويّة: منهج نقديّ تحليليّ. تقوم فلسفته على اعتبار البنية الذّاتيّة للظّواهر في معزل عن محيطها الخارجيّ والتّأثيرات الأخرى، هي تنظر إلى تلك الظّواهر من الدّاخل، وتفترض أنّها مغلقة على ذاتها، فالنّصّ يدرس في ذاته ومن أجل ذاته والتّعامل معه يكون بعيدا عمّا يدور خارجه، كعلاقته بالواقع الاجتماعيّ وغيره. هي تفسّر الحدث مثّلا من خلال البنية، ومن خلال ذلك النّسق المتكامل الّذي يتألّف من أصوات وكلمات ورموز وصور وموسيقى. وتعود نشأة البنيويّة إلى أوائل القرن العشرين مع نشر كتاب “محاضرات في اللّسانيات” لدي سوسير سنة 1917م في باريس، وهو المصدر الأوّل للبنيويّة في الثّقافة الغربيّة، وهو نفس الكتاب الّذي تبنّته البنيويّة في السّتّينات من القرن نفسه في فرنسا، وإن كانت البنيويّة لم تُعرف عنده بهذا الاسم المتداول بل كان يستعمل كلمة نسق. وعمد في مؤلّفه هذا إلى التّفريق بين اللّغة والأقوال أي بين اللّغة كنظام واللّغة كاستعمال (كلام)، فاللّغة عنده مؤسّسة اجتماعيّة. أمّا الكلام أو التّعبير فهو عمل فرديّ. ارتبطت نشأتها بالمجال اللّغويّ ثمّ سرعان ما توسّعت وشملت تطبيقاتها على مجالات أخرى كالظّواهر الاجتماعيّة والسّياسيّة. من أعلام النّقد البنيويّ في الغرب نذكر رولان بارت Roland Barthes وتزيفتان تودوروفTzvetan Todorov وجيرار جينيت Gérarad Genette ومن أهمّ البنيويّين العرب في مجال النّقد بكلّ أنواعه: حسين الواد، وعبد السّلام المسدّي، وجمال الدّين بن الشّيخ، وعبد الفتّاح كليطو وغيرهم كثير.
[2] Gilles Deleuze: Logique du sens, «Onzième série: Du non-sens» Editions de Minuit, coll. «Critique», Paris, 1969, pp88-90.
[3]– الما-بعد، الما-وراء، اللاّ-زمنيّ، غير قابل للتّشويه لأنّه غير موجود…
[4]– هو لسانيّ وناقد أدبيّ روسيّ (1896_ 1982) من روّاد المدرسة الشّكليّة الرّوسيّة. وقد كان أحد أهم علماء اللّغة في القرن العشرين وذلك لجهوده الرّائدة في تطوير التّحليل التّركيبيّ للّغة والشّعر والفنّ.
[5]– انظر بهذا الصّدد: ملاحظات ليفي ستروس حول “الوحدة الصّوتيّة من درجة صفر” في “مقدّمته لأعمال مارسيل موس”، ضمن كتاب:Mauss, Sociologie et anthropologie, p50
[6]– سيبويه، الكتاب، ج1، ص23.
[7]– السّيوطيّ: همع الهوامع، تحقيق د. عبد الحميد هنداوي، المكتبة التّوفيقيّة، القاهرة، ج1، ص359.
[8]– الفضلة هي العنصر الّذي يأتي بعد تمام الجملة واستيفاء أركانها الأساسيّة فهي عكس العمدة وسميّت كذلك لأنّها زائدة على المسند والمسند إليه، فالفضلة في اللّغة معناها الزّيادة.
[9]– عديّ بن الرّعلاء الغسّانيّ: من بني كوث بن تفلذ ثمّ من بني عمرو بن مازن بن الأزد، شاعر مجيد، كان ببادية دمشق، والرّعلاء أمّه. مطلع قصيدته الّتي نظمها على بحر الخفيف: كم تركنا بالعين عين أباغ … من ملوك وسوقة ألقاء
[10]– اُنظر: حاشية الصّبّان على شرح الأشمونيّ، دار إحياء الكتب العربيّة، القاهرة، ج2، ص169.
[11]– الإمام محمود بن عمر الزّمخشريّ (ت 598ه): المفصّل في صنع الإعراب، تحقيق الدّكتور، عليّ بو ملحم، مكتبة الهلال، ط1، بيروت، 1993م، ص43.
[12]– المرجع نفسه، ص24.
[13]– الصّدر له عدّة اعتبارات وضوابط منها:
لا عبرة بالحروف المقدّمة على الصّدر كحروف النّسخ والشّرط، مثل قوله تعالى في الآية 1 من سورة المؤمنين: “قد أفلح من تزكّى”.
لا عبرة بالتّقديم والتّأخير كقوله تعالى في الآية 49 من سورة النّحل: “لله يسجد ما في السّماوات وما في الأرض”.
اعتبار المقدّر والمحذوف: في قوله تعالى الآيتان (10 و11) من سورة القارعة: “وما أدراك ما هي. نارٌ حامية”، فنار حامية هنا جملة اسميّة باعتبار تقدير المبتدأ المحذوف.
[14] أبو بكر محمّد بن السّرّاج (ت 316ه): الأصول في النّحو، تحقيق عبد الحسين الفتليّ، مؤسّسة الرّسالة، بيروت، ج1، ص64.
[15]– أبو الفتح عثمان بن جنّيّ (ت 392ه): الخصائص، تحقيق محمّد عليّ النّجّار، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، ط4، سنة 1999م، المجلّد 1، ص17.
[16]– شرح المفصّل، ج1، ص86.
[17]– الإيضاح، ص72.
[18]– المفصّل، ص23.
[19] الإيضاح، ص72.
[20] الكتاب، ج1، صص25-26.
[21]– الصّناعتين، ص80.
[22]– مفهوم الإحالة عند سيبويه ص77.
[23]– مفهوم الإحالة عند سيبويه ص79. واُنظر أيضا ص90.
[24]– شرح قطر النّدى، ص312.
[25]– الخصائص، ج2، ص450.
[26]– يقول العكبريّ في كتابه “اللّباب”، ج1، صص96-97: “وإنّما لم تُثنّ الأفعال لخمسة أوجه: أحدهما، أنّ لفظ الفعل جنس يقع بلفظه على كلّ أنواعه. والغرض من التّثنية تعدّدُ المسمّيات والجنس لا تعدّد فيه. والثّاني، أنّ الفعل وضع دليلا على الحدث والزّمان، فلو ثُنّي لدلّ على حدثين وزمانين وهذا محال. والثالث، أنّ الفعل لابدّ له من فاعل، فيكون جملة وتثنية الجمل محال…. والرّابع، أنّ الفعل لو ثُنيَّ لكنت تقول في رجل واحد قام مرّتيْن أو مرارا: قاما زيد أو قاموا زيد وهذا محال. والخامس، أنّ التثنية عطف في الأصل استغنى فيها بالحرف عن المعطوف فيفضي ذلك إلى أن يقوم حرف التّثنية مقام الفعل والفاعل، وذلك الفعل دالّ على حدث وزمان وليس في لفظ حرف التّثنية دلالة على أكثر من الكمّيّة”.
[27]– المصدر المُؤوَّل: تركيب يتكوَّن من حرف مصدريّ مثل “أنْ، ما” وجملة فعليّة أو “أنَّ” وجملة اسميّة، ويُمكِن تأويله -أيْ: إرجاعه-إلى مصدر صريح.
[28]– حاشية الصّبّان، ج2، ص109.
[29]– مغني اللّبيب، ص181.
[30]– حروف المعنى، ص36.
[31]– مغني اللّبيب، ص181.
[32]– حروف المعاني، ص36.
[33]– اُنظر: الإنصاف في مسائل الخلاف، لابن الأنباريّ، تحقيق الدّكتور جودة مبروك محمّد جودة، مكتبة الخانجي، ط1، القاهرة، 2002م. ص55.
[34]– النّحّاس: إعراب القرآن، ج3، صص251-252.
[35]– معاني القرآن وإعرابه، ج4، ص164.
[36]– اللكلّيّات، ص93.
[37]– الكتاب، ج3، ص20.
[38]– المقتضب، ج2، ص54-55. في توسّع أكثر يقول ابن يعيش في شرح المفصّل، ج4، ص92: “وتقول إذا أقام الله القيامة عذب الكفّار، ولا يحسن: إذا أقام الله القيامة؛ لأنّه يجعل ما أخبر الله تعالى بوجوده مشكوكا فيه”.
[39]– أبو منصور الأزهريّ: تهديب اللّغة، تحقيق عبد السّلام هارون وآخرون، الدّار المصريّة للتّأليف والتّرجمة 15/568 وانظر أيضا: تاج العروس، 34/204-205.
[40]– دلائل الإعجاز، ص534.
[41]– دلائل الإعجاز، ص534.
[42]– المعنى أنّ الخطوب والملمّات إذا نزلت بساحتي لا تلين لها عريكتي ولا تضعف قناتي فإذا انكشفت تلك الخطوات والملمّات انكشفت عن رجل متكبّر غاضب يخاف فلتاته وبدراته عند نظرائه في البأس والشّدّة.
[43]– قول ضمرة بن ضمرة.
[44]– محمّد الطّاهر بن عاشور: التّحرير والتّنوير، الدّار التّونسيّة، 1984م، ج30، ص212.
[45]– التّحرير والتّنوير، ج19، ص79.
[46]– التّحرير والتّنوير، ج1، ص192-193.
[47]– شرح الأشموني، ج3، ص111. يقول السّهيليّ: “ولا تكون (لا) عاطفة إلاّ بعد إيجاب وشرط آخر وهو أن يكون الكلام قبلها يتضمّن بمفهوم الخطاب نفي الفعل عمّا بعدها، كقولك: جاءني رجل لا امرأة”.
[48]– أبو حيّان: ارتشاف الضّرب، تحقيق د. رجب عثمان محمّد، مكتبة الخانجيّ، القاهرة، 1997م، ص203.
[49]– مغني اللّبيب، ص243.
[50]– نتائج الفكر، ص202-203.
[51]– الأصول، ج1، ص225. وانظر أيضا: المقتضب، ج3، ص38، يقول المبرّد: “ولا يضاف أفعل على شيء إلاّ وهو بعضه؛ كقولك: الخليفة أفضل بني هاشم ولو قلت: الخليفة أفضل بني تميم كان محالا. لأنّه ليس منهم”.
[52]– المقتضب، ج3، ص38.
[53]– أبو الحسن عيسى بن عليّ بن عيسى بن عليّ الرّمّانيّ: كتاب الحدود في النّحو وكتاب منازل الحروف، ص8.
[54]– ابن الحاجب: شرح كافية ، ج4، ص100.
[55]– المقتضب، ج4، ص190. يقول المبرّد في موضع آخر من كتابه المقتضب: “تقول: إنّ زيدا منطلق. ولو قدّمت الخبر لم تقل: إنّ زيدا.
[56]– الجملة كالمفرد يمتنع تقديمها أيضا على اسم “إنّ” فيكون المسموح له التّقديم هو شبه الجملة وحده.
[57]– همع الهوامع، ج3، ص117. وحاشية الصّبّان، ج1، ص201.
[58]– الكتاب، ج1، ص59.
[59]– المقتضب، ج4، ص110.
[60]– أبو الحسن عليّ بن إسماعيل بن سيده (ت 458ه): المخصّص، دار الكتب العلميّة، بيروت، السّطر السّابع عشر، ج5، ص132.