ملخّص:
واجهت الأندلس موجة من الأمراض والأوبئة خلال فترة حكم المسلمين بها، وعلى رأسها وباء القرن الـ 8ه، الطّاعون الأسود، واهتمّ المبحث الأنثروبولوجي بثقافة الإنسان في تمثّله للأمراض والأوبئة وتحليل سلوك الفرد والجماعة في تقبّله لهذا الاضطراب الصحّيّ، هذا إلى جانب، استقراء وسائل العلاج والوقاية التّي ينتهجها الإنسان لإنقاذ حياته، ولا يخفى على الباحث أنّ المرجعيّة الثّقافيّة هي المحرّك الرّئيسيّ لأنماط العلاج ووسائله المختلفة.
الكلمات المفاتيح: الأندلس، الأمراض، الأوبئة، العلاج، ثقافة.
Abstract:
The Andalucia faced many epidemics and diseases during the Muslim rule therein, especially the black death. The anthropology research was concerned with human culture in its representation of diseases and epidemics and analyzing the behavior of the individual and group in accepting this health disorder. This is in addition to extrapolating the means of treatment and prevention that a person adopts to save his life. It is no secret to the researcher that cultural reference is the main driver of the various types of treatment and its means.
Key-words: Andalucia, diseases, epidemics, therapy, culture.
1- تأطير عام:
تحوّلت ظاهرة الصحّة والمرض حديثا، خاصّة بعد بروز فيروس كورونا المستجد[1]، إلى إشكال منفتح على علوم أخرى غير المجال الطبّي فحسب، ونعني بذلك أنّها أضحت مبحثا منفتحا على علم الأنثروبولوجيا، والاجتماع، والتّاريخ والجغرافيا. فلم يعد بذلك مفهوم المرض حكرا على الأبحاث الطبيّة والعلميّة فقط، فإن كان الطّبيب معالجا بيولوجيّا فالمؤرّخ له دور هامّ في تأريخ الظّاهرة، والجغرافيّ عني بتحديد مسالك انتشاره وأصول نشأته، واشتغل الأنثروبولوجي باستقراء ثقافة المجتمع في تمثّله للمرض أو الوباء، وتحليل سلوك الفرد والجماعة في تقبّل المرض والوباء أو رفضهما، وكيفيّة اختياره لوسائل العلاج والوقاية. فلم يعد بذلك العلاج الهاجس الوحيد لفهم المرض، بل أضحى نمط تفكير الفرد والجماعة، وما ينتج عنهما خلال ظهور هذه الظّاهرة من سلوك، محلّ إشكال، وهذا ما يدفع الباحث إلى دراسة ما يفرزه المجتمع من تفاسير لتحليل هذه الظّاهرة.
فالثّقافة مجموعة من الظّواهر والأشكال التّي تُميّز مجتمعا من آخر، وهي تشمل العادات والتّقاليد والممارسات العقائديّة، كما تشمل نمط العيش وأسلوب تعامل أفراد المجتمع فيما بينهم. وتحدّد ثقافة المجتمع، على غرار قواعد ارتداء الملابس وطقوس الأكل والشّرب والعبادات وتحدّد حتّى مفهوم الإيمان السّليم. ولا تعنى الثّقافة بالأفراد منفصلين عن مجتمعهم بل تستقرئ نمط عيشهم وتفكيرهم داخل المجتمع، ولا تستثني طبقة دون أخرى من شرائح المجتمع. وتُعنى الثّقافة أيضا بدراسة كلّ الممارسات والطّقوس داخل المجتمع دون إقصاء لأيّ كان. وممّا لا شكّ فيه أنّه توجد علاقة متينة بين وسائل العلاج والموروث الثّقافيّ، ونحن نروم تحليل هذه التمثّلات التّي انتشرت ضمن المحضن الأندلسيّ، ونحاول من خلالها فهم طبيعة هذا المجتمع وما يُميّزه عن غيره. فهذه الدّراسة، تتبنّى طرق تفسير عامّة النّاس وخاصّتهم للمرض أو الوباء على اختلاف مرجعيّاتهم الثّقافيّة. فعلاج الأمراض والأوبئة يكشف عن نسق تفكير المجتمع وثقافته، ويتجلّى تفسير المجتمع للأمراض والأوبئة في الآراء التّي يصوغها تصوّر النّاس لأسباب ظهورها وتفشّيها. فالإطار الاجتماعيّ والثّقافيّ مرآة تعكس طريقة عيش الأفراد ونظامهم، وصحّة المجتمع نشاط سوسيو-ثقافيّ يساعد الأفراد على ضمان القيام بأدوارهم ضمن البناء الاجتماعيّ. وأساليب العلاج والوقاية مرتبط بما ينتهجه النّسق الثّقافيّ للمجتمع.
وفي اختيارنا للمحضن الأندلسيّ فضول قويّ لاستقراء طبيعة هذه البيئة التّي شملت مختلف الحضارات والثّقافات: بربريّة وعربيّة وقوطيّة… فتشكّل مجتمع هجين، مشحون بالثّقافات، فبلاد الأندلس كانت في بيئتها الأصليّة محضنا لتلاقح الأديان (مجتمع جمع كلّا من الدّيانتين المسيحيّة واليهوديّة قبل الفتح)، وبعد دخول المسلمين إلى أراضيها وتمسّكهم بالحكم، أضحت البلاد موطنا للتنوّع والاختلاف الدّينيّ والطّائفيّ والمذهبيّ والعرقيّ. فهي بيئة مزدوجة الثّقافات: مشرقيّة مغربيّة، ومنفتحة على المحضن الأوروبيّ لانتماء البلاد جغرافيّا إلى البيئة الأوروبيّة ولرسوخ آثار الثّقافة الأوروبيّة حتّى بعد استقرار الحكم الإسلاميّ بالبلاد. ظلّت العادات والتّقاليد والفكر الأوروبيّ والفكر اللاّتينيّ جُزءا لا يُمحى من الثّقافة الأندلسيّة، وتمّ استغلال هذا الموروث فنجد انصهارا للثّقافات وتواصلا بين العلوم لمواجهة خطر هذه الآفة. فالحكم الإسلاميّ لبلاد الأندلس جعلها في تواصل وترابط مع المشرق.
1-1- في المنهج:
اعتمدنا في هذه الدّراسة المنهج الأنثروبولوجي، لأنّه انطلاقا من هذا المنظور يُنظر إلى المرض كظاهرة، فالمرض أو الوباء هو عبارة عن مفهوم ثقافيّ نسبيّ، يُعنى بالمعتقدات الثقافيّة والتصوّرات الذهنيّة المتعلّقة بالمرض، ويختلف تفسير المرض وتوصيفه من مجتمع إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى، فما يُعدّ مرضا في مجتمع ما، لا يُعدّ كذلك في مجتمع آخر، وبذلك يتّضح لنا أنّ المجتمع هو من يقوم بتحديد من هو المريض ومن هو السّليم: “عندما يُعرّف المرض على أنّه انحراف بيولوجيّ غير طبيعيّ في وظائف الجسم، علينا أن نسأل من هو الذّي يقرّر ما هو الانحراف الطّبيعيّ وما هو الانحراف غير الطّبيعيّ”[2].
فليس المرض حدثا بيولوجيّا يصيب الجسد بقدر ما هو حدث ثقافيّ له علاقة متينة بالعوامل الخارجيّة عن جسد الإنسان مرتبطة بالتصوّرات الاجتماعيّة والثّقافيّة والطّبيعيّة والبيئيّة المميّزة لمحضن ما.
وبناء عليه تكون الحالة الصحيّة للإنسان شديدة الارتباط بتفاعل هذه المتغيّرات الاجتماعيّة، إلى جانب ذلك يكون سبب انتشار الأمراض نتيجة عدّة أسباب منها ما يتعلّق بنوعيّة الحياة وأسلوبها ومنها ما هو شديد الصّلة بالثّقافة السّائدة ضمن المجتمع، ونعني بذلك دراسة الثّقافات باعتبارها وحدات عضويّة وأنظمة متكاملة تعبّر عن ذاتها من خلال المعتقدات، واللّغة، والتصوّرات، والعادات، والتّقاليد، والقيم، والرّموز والفنون.
خلاصة القول إذن، إنّ لكلّ ثقافة خصوصيّتها وشخصيّتها، وتنوّع السّلوك الإنسانيّ مرتبط بأسباب ثقافيّة وليس بيولوجيّة. وتتحكّم هذه الثّقافة في الآن ذاته بتحديد أشكال العلاج والوقاية من الأمراض والأوبئة. إذ تتحكّم هذه المعتقدات في صياغة مفهوم الشّفاء. ويحدّد المقدّس أشكال العلاج حسب ما يؤمن به الفرد. ومن خلال ذلك، يتشكّل مفهوم خاصّ انطلاقا من التصوّرات والاعتقادات الدينيّة للمرض وتحديد كيفيّة الشّفاء منه. فالمرجعيّة الثقافيّة إذن، هي المتحكّمة على الأغلب في ابتكار أنماط العلاج والوقاية.
1- 2- الإشكاليّة:
ما هي مكانة الطبّ العلميّ في الأندلس؟ كيف استفاد الأندلسيّون من الانفتاح الثّقافيّ والتعدّد العرقيّ للتوسّع العلميّ؟ لماذا يلتجئ أهل البلاد إلى الطبّ الشّعبيّ؟ ما دور الأطبّاء في تحسين الأبحاث العلميّة أمام التجاء أهل البلاد إلى وسائل علاج من الموروث الشّعبيّ؟ وهل أنّ كلاّ من الخاصّة والعامّة يلتجؤون إلى أنماط علاج شعبيّة بدلا عن العلاج العلميّ القائم على البحث والتجربة والاستقراء؟ أين يبرز دور السّلطة في تنظيم الرّعاية الصحيّة للعامة؟
2- منزلة الطب العلميّ بالأندلس:
دعت الحاجة (انتشار الفتن والحروب والمجاعات…) إلى الاهتمام بالحركة العلميّة خاصّة علم الطبّ. ونال من العناية بداية من عصر الخلافة لبني أميّة والمرابطين خاصّة والموحّدين حتّى بلغ الذّروة. ورغم تطوّر حركة الاسترداد المسيحيّ لم تتعثّر حركة التطوّر الطبيّ وعلم الصّيدلة. فقد قامت كلّ من دولة المرابطين والموحّدين على أساس الجهاد وحماية الأندلس من حركة الاسترداد المسيحيّ الذّي استفحل أمره بالبلاد خلال القرن 5هـ/ 11م وما بعده فكانت كلتا الدّولتين في مواجهة مستمرّة مع المسيحيّين الأمر الذّي استدعى جيش الدّولتين إلى المرابطة[3]. لذلك كانت المعسكرات والرّبط إلى جانب مهمّتها الدّفاعيّة يتمّ فيها العلاج.[4] فقد كان الطّبيب أبو إسحاق إبراهيم الدّاني”[5] يرافق الجيش الموحّدي أثناء حروبه بالأندلس[6]، بل إنّ ابنه أبا عبد الله محمد قد نال حتفه في معركة العقاب 609ه/1212م وهو يؤدّي مهامه، لعلاج الجرحى من الجند[7]. وبذلك نقرّ أنّ المرض واقع يداخل أفراد المجتمع ويثير سلوكا ثقافيّا في تقبّل المرض ومواجهته، وخلق نمطا فكريّا لتلقّيه وتقبّله ومواجهته. فالبيئة والأعراف المتوارثة عبر الأجيال تخلق نمطا من التّفكير خاصّا بذلك المحضن في مواجهة المرض أو الوباء. ونذكر على سبيل المثال الزّهراوي الذّي برع إلى جانب الطبّ والجّراحة في تركيب الأدوية وتحضيرها، وقد اعتمد في هذا العلم على من سبقه من العلماء كديسقوريدوس[8]وجالينوس[9]وعلى معاصريه كابن جلجل[10] وعلى أهل المشرق كالرّازي وابن الجزّار القيروانيّ[11].
استمدّ الطبّ الأندلسيّ ماهيّته ومنهجه ونتائجه من المشترك العلميّ الذّي ترسّخ عبر تاريخ الأندلس، فإذا كان العلم عند الأندلسيّين هو معرفة المعلوم على ما هو معروف به[12] فموضوعه بالنّسبة إلى الأطبّاء هو الجسم المحسوس بثباته وتغيّره، وغايته معرفة أحواله البسيطة والمركّبة، والاطّلاع على مكوّناته وصوره وعلله وأعراضه وخواصه من خلال الاستقراء والقياس والتّجربة والنّسبيّة في التّنظير والممارسة[13]. ويعتمد الأطبّاء على قاعدة تجريبيّة قوامها بعض مفاهيم الفلسفة الطّبيعيّة الوسيطيّة، ومنهما التّماثل بين مكوّنات نظريّة الأخلاط ومقوّماتها الطّبيعيّة الوسيطيّة، ومنهما التّماثل بين مكوّنات الأخلاط ومقوّماتها الطّبيعيّة المناظرة لها، فإنّهما قاما بذلك على فلسفة علميّة مزدوجة، إذ يبحثان في خواص الأبدان، صحّة ومرضا، وهدفهما هو الكشف التّجريبيّ عن الطّبائع، لا إدراك القوانين النظريّة. كما أنّهما نوع من المعرفة الاستدلاليّة التّي ترتبط فيها الفرضيّات النظريّة بالممارسة والتّجربة وعلاوة على ذلك، لم يعتمد الأطبّاء والصّيادلة الاستقراء إلاّ من حيث أهمّيته في المساعدة على إثبات القواعد والمبادئ، لأنّ المعرفة الطبيّة لديهم استمدّت مقدّمتها النظريّة وكلّياتها المنهجيّة ونتائجها التّجريبيّة من علم المنطق، وخاصّة في ما تعلّق بالمقولات والقياس والبراهين[14]. ففي تقديرهم أنّ الأولى لمن لم يتدرّب في علم المنطق ألاّ ينظر في الطبّ الذّي يكون على قياس وعلم الطّبائع، ويقتصر على الذّي يكون عن التّجربة حتّى يتدرّب في صناعة المنطق، لأنّ من لم يتدرّب على تلك الصّناعة كان جديرا أن يخطئ[15].
وعليه فمن البديهيّ أن يستشنع الأطبّاء الأندلسيّون الأخطاء المهنيّة، ويتشدّدوا في معاتبة مرتكبيها ومتابعتهم تحت طائلة المسؤوليّة التّقصيريّة حتّى يتمّ التصدّي لمن لم تكن لهم بصارة بصناعة الطبّ[16] ولجهّال الأطبّاء[17] لأنّ قلّة تجربة الطّبيب وعدم تبصّره فيه إتلاف المهج وخطأ الطّبيب “التّراب يستره”[18] ما دام أنّ الطبّ فيه حياة العالم[19]. فأطبّاء الأندلس أسّسوا رؤية موضوعيّة كشفت عنه الأدبيّات الطبيّة الأندلسيّة النّقديّة لما سبقها من معارف[20]. وانفتح الأطبّاء على الممارسات الطبيّة المشرقيّة والمغربيّة وفي الآن ذاته، تشدّدوا في التّضييق على الطبّ الشّعبيّ بحكم افتقاره للمهنيّة في التّكوين والتّجربة[21]. لذلك تعالت الأصوات المنبّهة إلى صناعة الأدوية أو اقتنائها من الصّيادلة غير المتخصّصين، فقد تمّ التّحذير من أن “لا يبيع الشّراب ولا المعجون ولا يُركّب الدّواء إلاّ الحكيم الماهر، ولا يشتري ذلك من عطار ولا شرابيّ، فإنّهم حرصاء على أخذ الثّمن بلا علم، فيفسدون الفتوى ويقتلون الأعلاّء، لأنّهم يركّبون أدوية مجهولة مخالفة للعمل[22]. وفعلا ذلك التّطبيب غير الاحترافيّ هو ما أودى بحياة أبي محمد عبد الله بن سعيد الشقّاق القُرطبيّ (ت426هـ/1034م)، إذ يذكر “أنّ سبب موته أنّ عينه رمدت فأشير عليه بالفصد ففصد، والوقت حمّارة القيظ، فانهدت قوّته، وفنيت رطوبته، وتسكّع في علّته ثلاثا ثمّ قضى نحبه[23].
فمنذ أن ترسّخت أركان الدّولة العربيّة في العهد الأمويّ، أقبل العلماء على ترجمة المصنّفات الطبيّة وغيرها من اللّغات القديمة على غرار الإغريقيّة والسّريانيّة والهنديّة والفارسيّة. ومن المعروف أنّ الإغريق أسهموا في تطوير الطبّ[24]. وشاعت حركات التّرجمة في بلاد الأندلس بدورها. فنشأت مدرسة للطبّ، اعتمدت على ترجمة كتاب الفصول لأبقراط ومصنّفات لاتينيّة أخرى من اللاّتينيّة إلى العربيّة مباشرة[25]. ولم يكتف أطبّاء الأندلس بالتّرجمة فحسب وتقبّل المعارف دون التوسّع، فابن رُشد لمّا صنّف كتاب الكليّات اقترح على ابن زهر أن يضع مصنّفا في الأمور الطبيّة والجزئيّة لتكون جملة كتابيهما ككتاب واحد في صناعة الطبّ[26]. إضافة إلى ذلك، الطبّ الأندلسيّ والعربيّ والمغربيّ كان في تواصل. ونجد هذا التّواصل في تعريفهم للأمراض وتشخيصهم لها: “أمّا ابن الجزّار (ت369ه/979م) والزّهراوي فيصفان لون الحمرة بين الأصفر والأحمر”[27]. وفي وصف قروح الصّفن: “يمكن اعتبار إشارات الرّازي فيما أورده في الجزء التّاسع: “في القروح خبيثة المصدر”: “فإن كانت القرحة. أو الخراج نقيّين، كان ما يخرج مادّة بيضاء قليلة المقدار مع لدغ، وليست لها رائحة”.
في حين اكتفى كلّ من المجوسيّ وابن الجزّار وابن زهر بالإشارة إليها: فالمجوسي يشير إليها في أمراض أعضاء التّناسل:” في كتابه الباب 37 المقالة التّاسعة ص458 بقوله: “فأمّا ما يعرض في جلدة الأنثيين فهي أنواع البثور والقروح والحكّة وغير ذلك في ظاهر الجلد”. إلاّ أنّ ابن الجزّار يكتفي بوصفها بأنّها قروح متنقّطة، فيقول في كتابه الباب 7 المقالة 6، ص528: “إذا حدث في الخصيتين قروح متنقّطة وأكّال محكّة”. أمّا ابن زهر فيتحدّث فقط عن علاجات لالتهابات الأنثيين في كتابه ص288، كذلك ابن رشد الذّي لا نجده عنده دلالات تشريحيّة مرضيّة لهذه القروح”[28]. وفي الآن نفسه تشبّع الطبّ الأندلسي بمعارف مكّنته من انتقاد سابقيه ومعاصريه، ومن مظاهر النّزعة النّقديّة التّي ميّزت التّأليف الطبّي أنّ عبد الرّحمان بن إسحاق بن الهيثم القرطبي الطّبيب (من أهل الق4ه/10م) ألّف كتاب الاقتصار والإيجاد في خطإ ابن الجزّار، انتقد فيه الطّبيب أبا جعفر أحمد بن إبراهيم بن الجزّار (ت369ه/979م) على علوّ كعب هذا الأخير بإفريقيّة زمن الأغالبة[29].
بيد أنّ هذا التطوّر الطبيّ في بلاد الأندلس لم يضمن توفير الرّعاية الصحيّة لعامّة النّاس. فبقدر ما كان العلاج الطبيّ ضروريّا لضمان سير حياة الفرد الأندلسيّ، بغضّ النّظر عن انتمائه الطّبقيّ أو العقديّ، ظلّت الفئة الثريّة الأوفر حظّا في التمتّع بامتيازات العلاج الطبيّ المتقن والحصول على أنجع الأدوية، وتمتّع الخاصّة بالرّعاية الصحيّة داخل بلاطاتهم، في حين أنّ عامّة النّاس، بمختلف ثقافاتهم ومرجعياتهم العقديّة، لم تلق لعناية الصحيّة نفسها وظلّت الرّعاية الاستشفائيّة مقتصرة على الأماكن العامّة التّي تمّ توفيرها بفضل الصّدقات. وبقيت مجهودات الدّولة لتأمين الرّعاية الصحيّة المجانيّة لعامّة الأندلسيين شبه منعدمة. “…وربّما كان هذا راجعا إلى حقيقة أنّ الحفاظ عليها كان محدودا بصور مطّردة بما يقدّمه الملوك من هبات، وعندما كانت الهبات تتناقص، تدهور نشاط المستشفيات وبدأ يتّجه إلى هذا الاتّجاه، بحيث صار محدودا في نطاق علاج المرضى”[30]. ولعلّ هذا السّبب دفع عامّة النّاس إلى الالتجاء إلى الطبّ الشّعبيّ وما يعرضه من خدمات استشفائيّة بثمن زهيد.
3- الطبّ الشّعبيّ بالأندلس:
الطبّ الشّعبيّ هو مجموعة المعتقدات التّي يؤمن بها عامّة الشّعب، ويرتبط هذا المفهوم بالثّقافة الشّعبيّة بوصفها الثّقافة الاعتياديّة للنّاس الاعتيادييّن، أي ثقافة تُصنع يوما بيوم، خلال الأنشطة العاديّة والمتجدّدة يوميّا وفي الآن معا، إنّ هذه الثّقافة متجدّدة ومبثوثة، لأجل فهمها يجب فهم ذكاء النّاس العاديّين العمليّ، ورئيسيّا فيما يعمدون إليه في استخدامهم للإنتاج[31] الثّقافيّ الخاصّ بمجتمعهم، وما يمارسه أفراد المجتمع فيما يتعلّق بالأمور الطبيّة عند المرض وعلاجه. وتتميّز هذه المعتقدات ببعض الخصائص التّي تنفرد بها عن سائر أنواع العلاج الأخرى، فالكثير منها يأتي في إطار الخرافات والشّعوذة والسّحر[32]. واستنبطت عناصر هذا الطبّ من الطبّ العلميّ. بيد أنّ وصولها إلى العامّة أفقدها صبغتها العلميّة وأضفى عليها صفة البساطة والتّفاهة أحيانا[33]. فالمرجعيّة الثّقافيّة في الأندلس تثق بمن لهم التّجربة والخبرة ويعتبرونها وسيلة لامتلاك العلم والتميّز، ويُتداول في الأوساط الشّعبيّة المثل القائل “اسأل المجرّب ولا تسأل الطّبيب”[34]. وتختلف أشكال العلاج وأساليبه نذكر أهمّها:
- العلاج بالأعشاب والأغذية:
يمارس الطبّ الشّعبيّ الشّيوخ وبعض الحرفيّين وخاصّة الحلاّقين أو الحجّامين الّذين يمارسون وظائف متعدّدة كالحلاقة وطبّ الأسنان والفصد وعلاج الجروح والبيطرة وعلاج العيون وبناء على تكوين هؤلاء الأطبّاء فهم يخضعون لفطنتهم وحدسهم. وهذا ما سيوقع بهم في إلحاق الضّرر بالمرضى[35]. وتحظى الأعشاب والأغذية بالنّصيب الأوفر في أساليب العلاج. وانتشرت الحوانيت المتخصّصة في بيع هذا النّوع من الأطعمة. وعمل بها أناس لهم الخبرة في العشب وأنواعه وفضائله: كأحمد بن مفرج النّباتيّ ابن الرّوميّة (ت637ه/1239م) في إشبيلية[36]. ولقد ارتبط المرض والصحّة بالنّمط الغذائيّ المتّبع ضمن محضن ثقافيّ محدّد: “فالمعدة بيت الدّاء والحمية رأس الدّواء وأصل كلّ داء البردة”[37]. لذلك شهد العلاج بالأغذية إقبالا كبيرا من قبل الأندلسيّين. واشترك المسلمون واليهود والمسيحيّون في اتّخاذ الأطعمة والأشربة مصدرا استشفائيّا. فسعى كلّ من جهته إلى تطوير نظام التّغذية ليُصبح أكثر فعاليّة. ويعتبر المؤرّخون، على غرار المقّري، أنّ بلاد الأندلس زخرت بخيرات غذائيّة وفّرها مناخها المعتدل وطيب أرضها ويقول في هذا الشّأن: “خصّ الله تعالى بلاد الأندلس من الرّيع وغدق السّقيا، ولذاذة الأقوات، وفراهة الحيوان، ودرور الفواكه، وكثرة المياه… وصحّة الهواء، وابيضاض ألوان الإنسان”[38].
وكان عديد المشعوذين المتجوّلين الذّين يجولون المدن مداوين ومخفّفين عن النّاس آلامهم، وقد كان أغلبهم دجّالين يخادعون النّاس، وتصدّت السّلطات لهذه الظّاهرة، وذلك بإصدار أدب طبّي يفضح تحيّلهم. وأجبرت السّلطات إجراء امتحان طبّي لكلّ راغب في امتهان الطبّ في ق11م وأصدر ابن عبدون القاضي الإشبيلي عدّ تعليمات نذكر أهمّها:
- تمنع ممارسة الطب أو الجراحة للّذين ليست لهم معرفة كافية.
- لا أحد يستطيع أن يسحب الدّم حسب رغبته لأنّ ذلك يكون فرصة للمرض أو سببا في موت المريض…[39] وغيرها من التّعليمات المنبّهة من الوقوع في براثين مدّعي المعرفة الطبيّة.
تبرز هذه التّعليمات معاناة المجتمع الأندلسيّ من سقطات ممارسيّ هذا الطبّ غير الملتزم بنواميس الطبّ، فالعلاج الشّعبيّ يفتقر إلى المعرفة العلميّة، فهو مجرّد ممارسات موروثة جيلا عن جيل قد تؤدّي إلى الهلاك في أغلب الأحيان. ورغم محاولات السّلطات والأطبّاء في التصدّي لهذه الظّاهرة إلاّ أنّها تلقى رواجا لدى الأندلسيّين فلم يلتجئ أهل البلاد إلى هذه الوسائل العلاجيّة القاتلة في أغلب الأحيان؟
نرجّح إلى أنّ أغلب النّاس، والعامّة منهم خاصّة، تفضّل هذه الممارسات الطبيّة الشّعبيّة لغياب رعاية صحيّة لعامّة النّاس، فهذه الممارسات يوفّرها مدّعو الطبّ ضمن محلاّت ودكاكين في الأسواق، وهي غير مكلفة نظرا إلى ما يطلبه الطّبيب أجرا لخدماته. فقد فتح كثير من الأطبّاء أبواب منازلهم لاستقبال المرضى وعلاجهم، بل إنّ بعضهم احتفظ بالمرضى فيبيته لتمريضهم: “تخلّى ابن البغنوش الطّليطلي (ت446ه/1154م)[40] عن خدمة بني النون ولازم بيته، حيث يفترض أنّه كان يمارس مهنته ويستقبل المرضى[41]. وتواصل دور منازل الأطبّاء في التّطبيب إلى حدود القرن5ه/11م وفي نهاية القرن ظهر نوع جديد عرف بدكاكين الأطبّاء في الأسواق، وهو مكان للتطبّب وعلاج المرضى. وتتمركز هذه الدّكاكين في الأسواق، وهذه الوجهة كانت وجهة عامّة النّاس وخاصّتهم. ولعلّ الأطبّاء سعوا إلى التقرّب من العامّة والخروج من بلاطات الأمراء والسّلاطين: “اتّخذوا دكاكين لهم في الشّارع”[42]. وصارت هذه الدّكاكين المظهر البارز بالأندلس خلال القرن 5ه/11م، وفي المقابل برزت مصحّات خاصّة في القصور لعلاج الملوك وحاشيتهم. وتعدّ هذه المصحّات مركزا لعلاج الطّبقة الخاصّة من المجتمع الأندلسيّ[43]. ويتمّ توزيع ما زاد عن حاجة الخاصّة من أدوية وعقاقير على الفقراء والمساكين[44]. فالدّولة لا تُوفّر ميزانيّة خاصّة لتوفير الرّعاية الصحيّة للمعوزين ومقابل ذلك تمنحهم هبة وصدقة ممّا يزيد عن حاجة الحكام وحاشيتهم، ومن خلال ذلك نخلص إلى أنّ سياسة البلاد الأندلسيّة لم تنهج منهاجا واضحا يضمن العلاج والوقاية من الأمراض والأوبئة للعامّة. وذُكر في الأخبار أنّ من الأطبّاء من قدّم بعض خدماته مجّانا لعامّة النّاس: “الطّبيب القرطبي أبو القاسم الزّهراوي كان كثيرا ما يعالج مرضاه دون مقابل”[45].
وما يبرز أنّ العلاج كان مكلفا قول ابن الجزّار في مقدّمة كتابه “طبّ الفقراء والمساكين”: “رأيت عند ذلك أن أجمع لمحبّي الطبّ ومن قد يتمهّر في قراءة كتابنا هذا المسمّى زاد المسافر وعلم منه العلل وأسبابها ودلائلها وطرق مداواتها بالأدوية التّي يسهل وجودها بأخفّ مؤونة وأيسر كلفة، فيسهل عند ذلك علاج العوام على الأطبّاء، ومن أهل الفقر والمسكنة بهذه الأدوية التّي جمعتها من كتب جالينوس ودياسقوريدوس وبولس وغيرهم من أفاضل الأطبّاء[46].
هذه المقدّمة تؤكّد أنّ الفقراء والمساكين لم يكن لهم المقدرة الماليّة الكافية للحصول على الشّفاء، ممّا دفعهم إلى الاستسلام إلى قضاء الله وقدره أو اللّجوء إلى الطّرق والأساليب العلاجيّة التّقليديّة لعدم تكلفة أجرته، إذ اعتاد أهل الأندلس الامتثال بهذين البيتين لابن الجزّار كلّما تعلّق الأمر بموضوع الأجرة:
عجبت لذي وجع مؤلم يسوم الطّبيب ويُكدي عليه
يضنّ عليه بديــــــــــــناره ويجعل مهجته في يديـــــــــــــه[47]
فمساومة الطّبيب عيب[48]، وإلى حدود القرن 4هـ/ 10م، كان هناك شبه غياب لاتّفاق حول الأجرة، فالطّبيب لا يُحدّد أجرا، والمريض أو وليّه يدفع حسب مكانته ومرتبته الاجتماعيّة[49].
- أشكال علاج أخرى:
لم يقتصر العلاج الشّعبيّ على الأدوية المركّبة من الأعشاب الغذائيّة فحسب بل تمّ اعتماد وسائل كالكيّ[50]: “يعتمد الطبّ التّقليديّ النّار للكيّ”[51]، وانتشر مثل في “الأندلس” يقول: “آخر الطبّ الكيّ”[52]. ونالت منه حتّى الأوساط الخاصّة حظّا وافرا. فالمنصور أبو عامر، حاجب الأمويين، لما أصيب بداء “النّقرس” احتاج إلى الكيّ، فأمر الذّي يكويه بذلك[53]. ويذكر “ابن عذاري” أيضا: فحمل عليها (رجله) عدّة كيّات”[54]. وتمارس هذه العمليّة بشكل منتظم أو فقط عند الحاجة إلى تخفيف الضّغط، كما يفعل “عبد الرّحمان النّاصر”[55]. وإلى جانب الكيّ يلتجأ البعض إلى شكل آخر من أشكال العلاج التّقليديّ وهو ما يعرف بالفصاد: “الفصادة phleboomy هي شقّ العرق vessel أو الوريد vein لاستخراج الدّم، وهي تختلف عن الحجامة التّي تجرى بتشري الجلد وليس شقّ العرق”[56].
يتّخذ الأمراء والسّلاطين فصّادين خاصّين بهم: “وفي لفظ لأبي نُعيم، خير ما تداويتم بهم الحجم والفصاد”. وكذلك: “عبد الله بن سعيد الأمويّ بن الشّقاق القرطبي (ت426هـ/1035م)”، و”للمنصور بن أبي عامر فصّاد خاصّ به يتعهّده بالفصد”[57].
والتجأ العلماء إلى الفصد في بعض الأحيان على غرار “إبراهيم بن مبشّر بن شريف البكريّ القرطبيّ” (ت395هـ/1004م) “فصد فتعرّض لنزيف مات منه”[58].
فالفصد كان منتشرا بقوّة ويُستخدم لعلاج عدد كبير من الأمراض، والتجأ إلى هذا الصّنف من العلاج خاصّة النّاس وعامّتهم. ولكنّ غياب الخبرة والعلم الكافي لمدّعي الطّب، عرّض حياة النّاس إلى الموت والهلاك، وثقافة الفصد ذات مرجعيّة إسلاميّة[59].
فقد كان الطبّ عند العرب يقوم على فئتين من العلاج:
أوّلا، فئة تقوم في جوهرها على الكيّ واستئصال الأطراف الفاسدة.
ثانيا، فئة تتّجه في علاجها على شرب العسل[60] ومنقوع بعض الأعشاب واللّجوء إلى التّمائم والتّعاويذ على يد الكهّان والعرّافين[61]. وقد سعى الأطبّاء إلى الحدّ من هذه الظّاهرة، ظاهرة تصنّع أهل الجهل مهنة الطبّ، إذ دعا “الشّقوريّ” أهل الدّين والعقل ممّا أسند إليه أمرا من أمور المسلمين أن يمنع أهل الجهل والإقدام من مضرّة المسلمين بإعطائه الأدوية دون مشورة الأطبّاء، واستعمال الفصد كذلك: “وما الّذي يضرّ الفاصد أو العطّار في ألاّ يقدم على شيء من ذلك إلاّ بنظر طبيب”[62]. فالأندلسيّ سعى جاهدا، مستعينا بطرق شعبيّة، للحفاظ على حياته وطرد شبح الموت ومواجهته بعلاج تنقصه الدقّة العلميّة.
ولعلّ غياب الرّعاية الصحيّة من قبل الدّولة هو ما شجّع في ازدهار الطبّ الشّعبيّ، إذ تأخّر ظهور أوّل مستشفي حتّى عهد بني نصر(ق8ه/14م) حيث بني أوّل وآخر مارستان في “غرناطة”[63]، ربّما كان تقليدا لنموذج في فارس الساسانيّة وسرعان ما انتشرت هذه المؤسّسة في جميع أنحاء العالم الإسلاميّ[64]. وكان في مدينة “قرطبة” وحدها ما يقارب خمسين بيمارستانا[65]. ظهر المارستان فعلا في “غرناطة في عهد الأمير محمد بن يوسف بن فرج بن إسماعيل الغني بالله المعروف بمحمد الخامس (تولّى الحكم 755هـ/1354م)، ويحتفظ الإسبان في قصر الحمراء بلوحة رخامية على شكل باب بأقواس تخلّد بناء هذا المارستان[66]: “أقيم في آخر ممالك المسلمين في الأندلس وفي “غرناطة” بيمارستان في عهد محمد الخامس في الفترة ما بين (767هـ-768هـ/1365م-1367) للمسلمين الفقراء المرضى، وكان عبارة عن مبنى مستطيل مكوّن من طابقين، له فناء رئيسيّ وبه بركة كبيرة تزيّنها نافورات الماء الذّي يقف على أسدين من الرّخام يقفان على أرجلهم الخلفيّة، ويحيط بهذا الفناء أروقة من طابقين مستندة على أعمدة من الآجر”[67]. وجُعلت المستشفيات أو البيمارستانات لعامّة النّاس ممّن لم يمتلك القدرة على العلاج: “ويجب أن نوضّح أنّنا حين نتحدّث عن أماكن لمساعدة المرضى، فإنّنا نشير دائما إلى أناس من الطّبقات الدّنيا ممّن لا يمتلكون وسيلة لحضور العمليّات الجراحيّة التّي كان الأطبّاء يقومون بها في المدن المهمّة، وفوق هذا وذاك لم يكن بإمكانهم تدبير الرعاية السّليمة لمرضاهم بالمنزل”[68].
فالخدمات الّتي تقدّمها المستشفيات يعتبرها الأندلسيّون خاصّة بالغرباء أمّا من له أسرة فهو يرفض اللّجوء إليه بل ويتقزّز النّاس من دخوله[69].
فالتّمريض في البيوت يختصّ به خاصّة النّاس. ويتماشى التّمريض المنزليّ مع التّماسك العائليّ[70]. وتمّ الاعتناء بجميع أصناف الأمراض على غرار الجذام[71]. ويُعدّ من أهمّ الأمراض الّتي عرفت بها “الأندلس”.
فالبيمارستان لم يلق مكانة هامّة عند خاصّة النّاس في الأندلس. فهو مكان للعامّة وللغرباء وللفقراء والمساكين.
أمّا أعيان البلاد من ملوك ووزراء فقد خُصّص لهم من الأطبّاء خيرتهم ومن الممرّضين أفضلهم. فمعظم الأطبّاء خلال العصر الوسيط في “الأندلس” يعملون في قصور الأمراء والملوك، ويتفرّغون لمعالجة ما يؤلم أو يؤرق صحّة الأمير أو السّلطان: “ففي عام 349هـ/959م) لمّا مرض “النّاصر الأمويّ” أكبّت الأطبّاء على معالجته إلى أن ظهر عليه تخفيف”[72].
أمّا خاصّة النّاس فقد تمتّعوا بعناية صحيّة، داخل مساكنهم. وتمتّع حكّام البلاد وسلاطينها بامتيازات تفوق خاصّة النّاس: فتوفّرت لهم مجموعة هامّة من الأطبّاء تحرص على رعايتهم وحفظ صحّتهم وتأمين أشكال العلاج: “أمّا فيما يتعلّق بالطّبقات العليا، فمن المعروف أنّ القصور كانت تحتوي على غرف خاصّة مكرّسة للاستخدام الطبّي ومن بينها تظهر صيدليّة مدينة “الزّهراء” الشّهيرة”[73].
أمّا الملوك والسّلاطين، فخصّصوا أماكن مجهّزة بكلّ مستلزمات العلاج. فمنذ عهد عبد الرّحمان الثّاني (ت239هـ/853م)، خُصّصت خزانة في القصر خاصّة بالطبّ: “فتقدّم الأمير إلى نصر بإدخال “الحرّاني” إلى خزانة الطبّ، وتمكينه ممّا يريد من أخلاط دوائه ليقيمه على حده”[74]. وهذا الاهتمام بتوفير مستلزمات العلاج التامّة في البلاطات يبرز أهميّة الحفاظ على صحّة الحكّام السياسيّين، وتبرّعاتهم للفقراء والمساكين بما تجود به الخزائن الطبيّة، يؤكّد ما توصّلنا إليه أنّ علاج العامّة أمر غير محكم التّنظيم من قبل الدّولة. وكلّ ما يجود به الحكّام ما هو إلاّ محاولات فرديّة تدخل في باب الصّدقات والإحسان والعطف على المساكين.
فبقدر ما كان العلاج الطبيّ ضروريّا لضمان سير حياة الفرد الأندلسي، بغضّ النّظر عن انتمائه الطّبقيّ أو العقديّ، ظلّت الفئة الثريّة الأوفر حظّا في التمتّع بامتيازات العلاج الطبّي المتقن والحصول على أنجع الأدوية وحظوا بالرّعاية الصحيّة الخاصّة في منازلهم أو بلاطاتهم.
في حين أنّ عامّة النّاس، كذلك بمختلف ثقافاتهم ومرجعيّاتهم العقديّة، لم تلق العناية الصحيّة ذاتها. وظلّت الرّعاية الاستشفائيّة مقتصرة على الأماكن العامّة التّي تمّ توفيرها بفضل الصّدقات. وبقيت مجهودات الدّولة لتأمين الرّعاية الصحيّة المجانيّة لعامّة الأندلسيّين شبه منعدمة.
4- الخاتمة:
تسبّبت الأمراض والأوبئة في إحداث آثار اقتصاديّة واجتماعيّة وسياسيّة كارثيّة، ممّا دفع الأطبّاء إلى إيجاد حلول للعلاج والوقاية اتّقاء شرّ هذه الظّواهر. فاختلفت أساليب العلاج باختلاف الوسائل المعتمدة من قبل الطّبيب. فإمّا بالأطعمة والأشربة وكلّ ما له صلة بعالم النّبات والحيوان. وإمّا بالأدوية والعقاقير التّي يركّبها الطّبيب، حسب معرفته العلميّة، من الأعشاب. ولم يكن الطّبيب المرخّص له الوحيد في الأندلس لإبراء المرضى والموبوئين إذ ظهر مدّعون للطبّ مُنحوا الثّقة التّي حظي بها الطّبيب العارف بدواء كلّ علّة. ولقي هذا الصّنف من المتطبّبين ترحابا كبيرا في صفوف عامّة النّاس، إيمانا منهم بأنّ له القدرة على شفائهم بعد محاولات فاشلة. والتجأ إليهم عامّة النّاس لزهد أجورهم مقارنة بالطّبيب العالم العارف بكلّ شؤون الأمراض، بعد أن اعتبر المال الممنوح للمعالج العارف بالعلاج ما هو إلاّ تعبير عن كرم المعالج. أمّا عامّة النّاس وخاصّة ذوي الفاقة منهم فقد التجؤوا إلى من انتشر في صفوف العامّة من مدّعي الطبّ، بحثا عن علاج لا يُكلّف مالا طائلا. وانتهى أمر الكثيرين إلى الهلاك لسوء معرفة المتطبّب للعلاج، في حين أنّ الدّولة لم تكن لها سياسة لحفظ نفوس النّاس من الهلاك. وكانت جلّ محاولاتها عبارة عن صدقات من قبل بعض الملوك والخاصّة من المحسنين. ولعلّ هذا كان من أهمّ الأسباب التّي جعلت الأندلس غير مهيكلة صحيّا ولم تكن هنالك خطّة سياسيّة واضحة تضمن الرّعاية الصحيّة السّليمة لعامّة النّاس وخاصّتهم على حدّ سواء. فالمستشفيات التّي خصّصها السّياسيّون لضمان علاج النّاس كانت مخصّصة لأهل الحاجة والمساكين والغرباء. ولعلّ تخصيص ميزانيّة الدّولة للحفاظ على استمراريّة الحكم الإسلاميّ في الأندلس كان أهمّ من الحفاظ على استمراريّة حياة المسلمين هناك. وتمكّن خاصّة النّاس والملوك والسّلاطين من توفير أجود وسائل العلاج ولم يكونوا ممّن يلجؤون إلى المستشفيات، بل خُصّصت لهم وسائل العلاج التّامّة داخل بيوتهم وبلاطاتهم.
المراجع:
- ابن الأبّار، التّكملة، تحقيق: معروف بشّار عواد، سلسلة التّراجم الأندلسيّة، الط1، 2007.
- ابن بسّام، الذّخيرة في محاسن أهل الجزيرة، تحقيق: إحسان عبّاس، دار الثّقافة، الط1، بيروت-لبنان، 1997.
- ابن بشكوال، الصّلة في تاريخ أئمّة الأندلس وعلمائها ومحدّثيهم وفقهائهم وأدبائهم، تحقيق: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب المصريّ، القاهرة، دار الكتاب اللّبنانيّ، بيروت_لبنان، الط1، 1990.
- ابن البيطار، محمد عبد الله بن أحمد بن ضياء الأندلسي المالقي، الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، wdl.org.
- ابن جلجل، أحمد بن قاسم بن خليفة، طبقات الأطبّاء والحكماء، مؤسّسة الرّسالة بيروت، الط2، 1985.
- حسن، محمد، ثلاث رسائل أندلسيّة في الطّاعون الجارف، بيت الحكمة تونس، قرطاج، الط1، 2013
- حقّي، محمد، الموقف من المرض في المغرب والأندلس في العصر الوسيط، مطبعة مانبال، بني ملال، الط1، 2007.
- حقي، محمد، العلاج في المغرب والأندلس في العصر الوسيط، عصور جديدة، العدد1، المجلد8، ماي 2017.
- ابن حيّان، المقتبس، دار الكتاب العربي، بيروت، الط1، 1973.
- ابن خاقان، مطمع الأنفس، مؤسّسة الرّسالة، بيروت، الط1، 1983.
- الخطّابي، محمّد العربي، الطبّ والأطبّاء في الأندلس، دار الغرب الإسلامي، (د.ت) .
- ابن خلدون، المقدّمة: كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيّام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السّلطان الأكبر، دار الكتب العلميّة، بيروت_لبنان، 1992.
- دي موراليز ألفارينزو جيونايرونيس، البيمارستانات والمستشفيات، ترجمة قاسم عبد قاسم، ندوة بعنوان “ابن خلدون البحر المتوسّط في القرن الرّابع عشر سقوط وقيام إمبراطوريّات، التّنسيق العلميّ: مريا خيس وسفيرجيرا مولينز، تقديم النّسخة العربيّة: إسماعيل سراج الدّين، المنجي بو سنينة، مشعل بن جاسم آل ثاني، مكتبة الإسكندريّة 2007.
- دندش عصمت عبد الله، في نهاية المرابطين، دار الغرب الإسلامي، بيروت،الط1، 1988.
- ابن رشد الحفيد، أبو الوليد، رسائل ابن رشد الطبيّة، تحقيق: جورج شحاتة قنواتي وسعيد زايد، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، القاهرة، الط1، 1987.
- الزجّالي، أمثال العوام، وزارة الثّقافة بالمغرب، (د.ت) .
- سانشث، فرانشسيكو فرانكو، تطوّر الطبّ في الأندلس، تعريب: جمعة شيخة والشّاذلي النّفطي، المجلّة العربيّة للثّقافة، عدد14، مارس_سبتمبر2014.
- السّقطي، آداب الحسبة، نشره ليفي بروفنسال، المطبعة الدوليّة باريس، الط1، 1931.
- الطّوخي، أحمد محمد، مظاهر الحضارة الأندلسيّة في عصر بني الأحمر، تقديم: أحمد مختار العبايدي، مؤسّسة شباب الجامعة، الط1، 1997.
- ابن عبدون، محمد ابن أحمد التجيبي، رسالة في القضاء، دار ابن حزم للطباعة والنّشر والتّوزيع، الط1، 2009 .
- علام، عبد الله علي، الدّولة الموحديّة بالمغرب في عهد عبد المؤمن بن علي، ، دار المعارف، الط1، مصر، 1971.
- أبو العبد، عطيوه، سعاد، من ملامح الثّقافة الشّعبيّة، الأوضاع الصحيّة في ليبيا 1835_1950م أعمال النّدوة العلميّة التّاسعة التّي عقدت بمدينة المرج في الفترة 30/06 إلى 04/07 2001، تحرير محمود أحمد الدّيك، الجماهريّة العربيّة اللّيبيّة الإشتراكيّة العظمى، 2009.
- علي محمد، ماهر عبد القادر، مقدّمة في تاريخ الطبّ العربي، دار العلوم العربيّة للطّباعة والنّشر، القاهرة، الط1، 1988.
- المرّاكشي، عبد الواحد، المعجب في تلخيص أخبار المغرب، تحقيق: حسين مؤنس، المكتبة الثّقافيّة الدينيّة، الط1، مصر 1997.
- المقّري، نفح الطّيب، تحقيق: إحسان عبّاس، دار صادر، الط1، 1968.
- المقّريّ، أزهار الرّياض، مطبعة فضالة، المحمديّة 1979.
- الهوني، محمد فرج، تاريخ الطبّ في الحضارة العربيّة الإسلاميّة، دار الجماهريّة للنّشر والتّوزيع والإعلان، 1996.
- Gareci, Gomez, E. Y Lévi Provençal, E. Sevilla, 1982.
- Kelvyn Jones, Graham Moon, Health disease and society: A critical Medical Geography, Routledge and kegan Paul, 1987.
- Lévi, Provençal, Inscription arabes de l’Espagne, éd : Larousse, Paris, 1931.
- Max, Mayrhof, Esquisse dhistoire de la hevista al-pharmacologie et botanique chez les musulmans d’Espagne, Andalus, 1935.
- Michel, De Certeau, Art de faire, union général, d’édition Paris, 1980.
- Savage, Smith, « medecine » in Encyclopedia of the history of arabic science, Edited by Roshdi rashed with the collaboration of régis Morelon, Routledge, London, New York, https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-coronavirus- 2019.
[1]– مرض كوفيد 19 الذّي ظهر سنة 2019، هو مرض يسببه نوع جديد من فيروسات كورونا اكتشف لأوّل مرّة عندما حدث تفشّ للمرض في ديسمبر 2019. وفيروسات كورونا هي عائلة كبيرة من الفيروسات التّي يمكن أن تسبّب أمراضا تتراوح ما بين الأمراض الطّفيفة، مثل نزلات البرد الشّائعة، إلى أمراض أكثر شدّة، مثل المتلازمة التنفّسيّة الحادّة الشّديدة (السارس) ومتلازمة الشّرق الأوسط التنفسيّة. وبما أنّ فيروس كورونا المسبب لمرض سارس، أطلق عليه اسم فيروس كورونا 2 المرتبط بالمتلازمة التنفسيّة الحادّة الشّديدة، ولم يتأكّد المتخصّصون بعد من مصدر فيروس كورونا 2 المرتبط بالمتلازمة التنفسيّة الحادّة الشّديدة بالضّبط المسبّبة للوباء، ولكن من المحتمل أنّه انتقل إلى البشر من الخفافيش.
– https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019
[2]– Kelvyn Jones, Graham Moon, Health disease and society: A critical Medical Geography, Routledge and kegan Paul, 1987, p4.
[3]– المرّاكشي، عبد الواحد، المعجب في تلخيص أخبار المغرب، تحقيق: حسين مؤنس، الط1، المكتبة الثّقافيّة الدينيّة، مصر 1997، ص122.
[4]– ابن بسّام، الذّخيرة في محاسن أهل الجزيرة، تحقيق: إحسان عبّاس، الط1، دار الثّقافة، بيروت-لبنان، 1997، القسم الرّابع، المجلّد الأوّل، ص178.
[5]– “كانت له عناية بالغة في صناعة الطبّ، وأصله من بجاية، ونقله إلى الحضرة، وكان أمين البيمارستان وطبيب الدّاني في مرّاكش في دول المستنصر بن النّاصر” ابن أبي أصيبعة، طبقات الأطبّاء، تحقيق: نزار رضا، الط1، دار مكتبة الحياة بيروت، ص491.
[6]– علام، عبد الله علي، الدّولة الموحديّة بالمغرب في عهد عبد المؤمن بن علي، الط1، دار المعارف، مصر، 1971، ص193.
[7]– ابن أبي أصيبعة، طبقات الأطبّاء، مرجع سابق.
[8]– “طبيب يونانيّ ولد في عين زربة في فيايقة. منطقة بشمال الجزيرة السورية وجنوب شرق تركيا حوالي سنة 40 ق.م درس الطبّ في الإسكندريّة ثمّ في أثينا، أتى روما فأصبح طبيبا عسكريّا في الفرقة الأجنبيّة في عهد الإمبراطور الرّومانيّ نيرون وطاف بين سنة 54 ق.م و68 ق.م في قسم كبير من أروبا واستفاد من رحلاته لتعميق معارفه السّريريّة والنباتيّة، واستمدّ منها عناصر كتاب يُعدّ أوّل وصف للأدوية وتحضيرها باستخدام الأعشاب الطبيّة يعرف كتابه لدى الغرب باللاّتينيّة de materia medica نقله اصطفن بن بسيل إلى اللّغة العربيّة (عاش في القرن 3هـ/ 9م كان تلميذ حنين بن إسحاق اشترك معه في ترجمة كتاب ديسقوريدوس) ثمّ راجعه حنين بن إسحاق يعرف في المصادر العربيّة بعنوان:
كتاب الحشائش / كتاب الحشائش والأدوية / كتاب الخمس مقالات / كتاب المقالات الخمس / كتاب هيولي الطبّ / كتاب ديسقوريدوس في الأدوية المفردة
توفي سنة 90 ق.م ، مقال إلكتروني بتاريخ 10/01/2018: www.qssas.com
[9]– “يعتبر جالينوس من أهمّ أطبّاء العصور القديمة، ولد جالينوس في بيرغامون عام 129م، كان له أثر عظيم في تطوّر عدّة فروع علميّة مثل علم وظائف الأعضاء، وعلم الأعصاب وعلم التّشريح وعلم الأدوية وغيرهم من العلوم الأساسيّة في مجال الطبّ، توفي جالينوس بروما عام 216م”، مقال إلكتروني بتاريخ 10/01/2018: www.qssas.com
[10]– “هو أبو داود بن حسّان يعرف بابن جلجل، وكان طبيبا فاضلا خبيرا بالمعالجات، جيّد التصرّفات في صناعة الطبّ. وكان في أيّام الحسام بن المؤيّد. وخدمه بالطبّ وله بصيرة وعناية بقوى الأدوية، المفردة من كتاب ديسقوريدوس”، ابن أبي أصيبعة، طبقات الأطبّاء، مرجع سابق، ص53 .
[11]– المعجب في تلخيص أخبار المغرب، تحقيق: حسين مؤنس، الط1، المكتبة الثّقافيّة الدينيّة، مصر 1997، ص122.
[12]– الباجي، أبو الوليد، رسالة في بيان حدود الألفاظ الدّائرة بين المتناظرين، مخطوط المكتبة العامّة بتطوان، رقم 153، ص118.
[13]– مؤلّف أندلسيّ مجهول، شرح قصيدة ابن سينا في الطبّ، مخطوطة خزانة الجامع الكبير بمكناس رقم 522، ص4.
[14]– الجابري، مقدّمة تحقيق الكلّيات في الطبّ لابن رُشد، مركز دراسات الوحدة العربيّة، 1997ص41، 49.
[15]– ابن رشد الحفيد، أبو الوليد، رسائل ابن رشد الطبيّة، تحقيق: جورج شحاتة قنواتي وسعيد زايد، الط1، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، القاهرة، 1987، ص87-88.
[16]– ابن جلجل، أحمد بن قاسم بن خليفة، طبقات الأطبّاء والحكماء، الط2، مؤسّسة الرّسالة بيروت، 1985، ص92-101.
[17]– ابن البيطار، محمد عبد الله بن أحمد بن ضياء الأندلسي المالقي، الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، www.wdl.orgج2، ص327.
[18]– ابن عبدون، محمد ابن أحمد التجيبي، رسالة في القضاء، الط1، دار ابن حزم للطباعة والنّشر والتّوزيع، 2009، ص46.
[19]– ابن البيطار، محمد عبد الله بن أحمد بن ضياء الأندلسي المالقي، مرجع سابق، ج2، ص327.
[20]– Max, Mayrhof, Esquisse dhistoire de la hevista al-pharmacologie et botanique chez les musulmans d’Espagne, Andalus, 1935, P. 8-9-29.
[21]– Savage, Smith, «medicine» in Encyclopedia of the history of Arabic science, Edited by Roshdi rashed with the collaboration of régis Morelon, Routledge, London, New York, vol 3, p912.
[22]– ابن عبدون محمد ابن أحمد التجيبي، رسالة في القضاء، مرجع سابق، ص47.
[23]– ابن بشكوال، الصّلة في تاريخ أئمّة الأندلس وعلمائها ومحدّثيهم وفقهائهم وأدبائهم، تحقيق: إبراهيم الأبياري، الط1، دار الكتاب المصريّ، القاهرة، دار الكتاب اللّبنانيّ، بيروت_لبنان، 1990، ج2، ص409.
[24]– حسن، محمد، ثلاث رسائل أندلسيّة في الطّاعون الجارف، الط1، بيت الحكمة تونس، قرطاج، 2013، ص38.
[25]– المرجع نفسه.
[26]– ابن أبي أصيبعة، طبقات الأطبّاء، مرجع سابق، ص531.
[27]-سانشث، فرانشسيكو فرانكو، تطوّر الطبّ في الأندلس، تعريب: جمعة شيخة والشّاذلي النّفطي، المجلّة العربيّة للثّقافة، عدد14، مارس_سبتمبر2014.
[28]– المرجع نفسه، ص80.
[29]– ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء، مرجع سابق، ص493.
[30]– دي موراليز ألفارينزو جيونايرونيس، البيمارستانات والمستشفيات، ترجمة قاسم عبد قاسم، ندوة بعنوان “ابن خلدون البحر المتوسّط في القرن الرّابع عشر سقوط وقيام إمبراطوريّات، التّنسيق العلميّ: مريا خيس وسفيرجيرا مولينز، تقديم النّسخة العربيّة: إسماعيل سراج الدّين، المنجي بو سنينة، مشعل بن جاسم آل ثاني، مكتبة الإسكندريّة 2007.
[31]– Michel, De Certeau, Art de faire, union général, d’édition Paris, 1980, p18.
[32]– أبو العبد، عطيوه، سعاد، من ملامح الثّقافة الشّعبيّة، الأوضاع الصحيّة في ليبيا 1835_1950م أعمال النّدوة العلميّة التّاسعة التّي عقدت بمدينة المرج في الفترة 30/06 إلى 04/07 2001، تحرير محمود أحمد الدّيك، الجماهريّة العربيّة اللّيبيّة الإشتراكيّة العظمى، 2009، ص41.
[33]– حقّي، محمد، الموقف من المرض في المغرب والأندلس في العصر الوسيط، الط1، مطبعة مانبال، بني ملال، 2007، ص64.
[34]– الزجّالي، أمثال العوام، وزارة الثّقافة بالمغرب، (د.ت)، ج2 ص100.
[35]– ابن خاقان، مطمع الأنفس، الط1، مؤسّسة الرّسالة، بيروت، 1983، ص98/ حقّي، المرجع نفسه، ص65.
[36]– ابن الأبّار، التّكملة، تحقيق: معروف بشّار عواد، الط1، سلسلة التّراجم الأندلسيّة، 2007، ج1، ص121.
[37]– ابن الخطيب، لسان الدّين، مقنع السّائل عن المرض الهائل، ص16.
[38]– المقّري، نفح الطّيب، تحقيق: إحسان عبّاس، الط1، دار صادر، 1968، ج1، ص22.
[39]– Gareci, Gomez, E. Y Lévi Provençal, E. Sevilla, 1982, p144_145.
[40]– حقي، محمد، العلاج في المغرب والأندلس في العصر الوسيط، عصور جديدة، العدد1، المجلد8، ماي 2017، ص32.
[41]– المرجع نفسه.
[42]– دندش عصمت عبد الله، في نهاية المرابطين، الط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1988، ص188.
[43]– “فمنذ عبد الرّحمان الثّاني الأموي (206هـ_239هـ/960م_977م) كانت في قصر قرطبة خزانة خاصّة بالطبّ: فتقدّم الأمير إلى نصر بإدخال الحراني إلى خزانة الطبّ وتمكينه ممّا يريد من أخلاط دوائه ليقيمه على حده……وتطوّرت هذه الخزانة منذ عهد المستنصر (850هـ_866هـ/ 960م_977) الذّي أسند إدارتها لطبيبه الخاصّ أحمد بن يونس الحرّاني في عهد هشام المؤيّد فنظّمها وعيّن فيها اثني عشر صقلبيّا لطبخ الأشربة والمعاجين”.
– السّقطي، آداب الحسبة، نشره ليفي بروفنسال، الط1، المطبعة الدوليّة باريس، 1931، ص44.
[44]– ابن جلجل، أحمد بن قاسم بن خليفة، طبقات الأطبّاء والحكماء، الط2، مؤسّسة الرّسالة بيروت، 1985، ص66.
[45]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[46]– ابن الجزّار، أبو جعفر أحمد، طبّ الفقراء والمساكين، تحقيق: الرّاضي الجازي وفاروق عمر العسلي، الط1، المجمع التّونسي للعاوم والآداب والفنون، بيت الحكمة، 2009، ص76م.
[47]– ابن بسّام، الذّخيرة، ج6، مرجع سابق، ص905.
[48]– ابن الأبّار، لتّكملة، مرجع سابق، ج2، ص395.
[49]– حقي، محمد، لعلاج في المغرب والأندلس في العصر الوسيط، مرجع سابق، ص102.
[50]– “الكيّ Cautery حرق الجلد بحديدة أو نحوها بقصد العلاج، وهو أسلوب قديم لجأ إليه الإنسان لعلاج كثير من الأمراض والأوجاع لأنّه كان يجهل الأسباب الحقيقيّة للمرض، ولم يكن لديه وسائل كافية للعلاج”.
كنعان، أحمد محمد، الموسوعة الطبيّة الفقهيّة، الط1، دار النّفائس، 2000، ص807.
[51]– حقّي، محمّد، لعلاج في المغرب والأندلس في العصر الوسيط، مرجع سابق، ص66.
[52]– الزّجاليّ، أمثال العوام، مرجع سابق، ج2، ص61.
[53]– المقّريّ، أزهار الرّياض، مصدر سابق، ج1، ص396.
[54]– ابن عذاري، البيان المغرب، ج2، ص300.
[55]– المقّريّ، أزهار الرّياض، ال ط1، مطبعة فضالة، المحمديّة 1979، ج2، ص265.
[56]– المقري، أزهار الرياض، ص771.
[57]– ابن عذاري، البيان المغرب، ج2، ص290.
[58]– ابن بشكوال، الصّلة في تاريخ أئمّة الأندلس… مرجع سابق، ج1، ص89.
[59]– حقّي، محمد، لعلاج في المغرب والأندلس في العصر الوسيط، مرجع سابق،ص67.
[60]– “العسل honey السّائل الذّي يصنعه النّحل من رحيق الأزهار، وهو غذاء غنيّ جدّا بالطّاقة ويختلف تركيب العسل باختلاف الزّهور والمناطق والأرض والفصول”. الموسوعة الطبيّة الفقهيّة، ص708.
[61]– ابن خلدون، المقدّمة: كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيّام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السّلطان الأكبر، الط1، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، 1992 ص 901.
[62]– الخطّابي، محمّد العربي، الطبّ والأطبّاء في الأندلس، الط1، دار الغرب الإسلامي، (د.ت) ص155.
[63]– ابن الخطيب، الإحاطة، مرجع سابق، ج2، ص 50-51.
[64]– دي موراليز، ألفاريزو وإيرويست جيرون، البيمارستانات والمستشفيات، ترجمة: قاسم عبد قاسم، ندوة: ابن خلدون البحر المتوسّط قيام وسقوط إمبراطوريّات.
[65]– الهوني، محمد فرج، تاريخ الطبّ في الحضارة العربيّة الإسلاميّة، الط1، دار الجماهريّة للنّشر والتّوزيع والإعلان، 1996، ص198.
“ورد لدى بعض المؤرّخين أنّ أوّل من مارس مهنة الطبّ في الأندلس إبراهيم المذبحي” مجموع في تاريخ الأندلس، تراجم علماء الأندلس، مدريد سنة 1915، نقلا عن محمد العربي الخطابي: الطبّ والأطباء في الأندلس الإسلاميّة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1988، ج1، ص2.
“وكان مختصّا بالأمير عبد الرّحمان الدّاخل (138هـ/273ه/875م-886م)”، وورد عند ابن جلجل أنّ أوّل من اشتغل بالطبّ في الأندلس حمدين بن أبان الذّي خدم الأمير محمد بن عبد الرّحمان، طبقات الأطبّاء، ص 93.
“وأوّل من كتب في علم الطبّ في الأندلس عبد الملك بن بيب السّلمي الإلبيري (عبد الملك بن حبيب وهو من كبار أئمّة الفقهاء والمحدّثين في الأندلس من خلال العصر الأمويّ وله مؤلّفات عديدة في الطبّ منها الحسبة في الأمراض)،وله كتاب مختصر الطبّ.
أنظر الحميدي: جذوة المقتبس، ص 447-449.
[66]– Lévi, Provençal, Inscription arabes de l’Espagne, éd : Larousse, Paris, 1931, p164-165.
وورد في تعريف “ابن الخطيب” في تعريف المارستان ما يلي: “فخامة بيت، وتعدّد مساكن ورحب ساحة، ودور مياه وصحّة هواء وتعدّد خزاين ومتوضّآت، وانطلاق جراية، وحسن ترتيب… ساحة عريضة وأهوية طيّبة وتدفّق مياه من فورات المرمر وأسود الصّخر وتموّج البحر وانسدال الأشجار”.
– ابن الخطيب، الإحاطة، مرجع سابق، ج3، ص 50-51.
[67]– الطّوخي، أحمد محمد، مظاهر الحضارة الأندلسيّة في عصر بني الأحمر، تقديم: أحمد مختار العبايدي، الط1، مؤسّسة شباب الجامعة، 1997، ص 379.
ورد في الأخبار أيضا أنّ “مسلمي الأندلس أولوا اهتماما كبيرا للمجانين، لدرجة أنّه كان لهم مستشفى خاصّ بهم يتوفّر فيه جميع مستلزمات العلاج الكافية لمعالجة المرضى وكانت الموسيقى والغناء من وسائل العلاج لمثل هذه الأمراض فضلا عن المسكّنات والمهدّئات”.
– السامرّائي، خليل إبراهيم، مختصر تأريخ الطبّ العربي، تحقيق. بدر العمراني الطنجي، الط1، دار ابن حزم، 1428ه، ج2، ص 431.
“بحيث كانت هناك أماكن مخصّصة لذوي الأمراض العقبيّة ومعزولة بقضبان حديديّة ذلك لكي لا يتسنّى لهم الاعتداء على الأسوياء من المرضى”.
– علي محمد، ماهر عبد القادر، مقدّمة في تاريخ الطبّ العربي، الط1، دار العلوم العربيّة للطّباعة والنّشر، القاهرة، 1988، ص 490
[68]– دي موراليز، ألفاريزو وإيرويست جيرون، البيمارستانات والمستشفيات، مرجع سابق.
[69]– حقّي، محمد، الموقف من المرض والمرضى، مرجع سابق، ص42.
[70]– المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[71]– المرجع نفسه.
[72]– المرجع نفسه، ص36.
[73]– دي موراليز، أفارينز، ألفاريزو وإيرويست جيرون، البيمارستانات والمستشفيات، مرجع سابق.
[74]– ابن حيّان، المقتبس، ال ط1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1973، ج2، ص15.