ملخّص:
يعرض المقال بعض التّصوّرات حول الأبعاد الرّمزيّة والوظيفيّة لخزف التّكسية الجداريّ في فنون الحضارة الإسلاميّة من خلال محاولة تأويليّة لفنون الرّقش ولزخمها التّركيبيّ في بعض النّماذج من التّراث الزّخرفيّ للعمارة الأندلسيّة والمغاربيّة. سنسعى إلى تأويل البعد “الرّوحانيّ” لمفهوم “السّكن” في استقراء الأبعاد الجماليّة لخزف التّكسية الجداريّ استنادا إلى المرجعيّة النّاظمة لقيم الثّقافة الإسلاميّة، وبالتّالي مناقشة فرضيّة أن يكون للزّخرفة -وبخاصّة فنّ الرّقش- دور في إضفاء صفة روحانيّة على الفضاءات المعماريّة وتحويلها إلى سكن بالمعنى المجازيّ.
الكلمات المفاتيح: الرّوحانيّة- السّكن- خزف التّكسية الجداريّ- الزّخم الرّقشيّ.
Abstract:
This article presents some interpretations of the symbolic and functional dimensions of wall tiling ceramics in Islamic civilization arts through an interpretive attempt of the art of floral motifs and their compositional momentum in some examples of the decorative heritage of Andalusian and Maghrebi architecture. We will seek to interpret the “spiritual” dimension of the concept of “dwelling” in discerning the aesthetic dimensions of wall tiling ceramics based on the regulated reference to the values of Islamic culture. Consequently, discussing the hypothesis that ornamentation, especially the art of floral motifs, plays a role in imparting a spiritual quality to architectural spaces and transforming them into dwellings in the metaphorical sense.
Keywords: Spiritual, Dwelling, Wall Tiling Ceramics, Floral Momentum.
1- تمهيد:
يمثّل الخزف بجميع أنواعه مجالا مهمّا من مجالات فنون الحضارة الإسلاميّة فقد تطوّرت من خلاله صنائع عديدة لعلّ أهمّها تلك الّتي ارتبطت بالمتمّمات الزّخرفيّة في العمارة. ويُعتبر خزف التّكسية التّقليد الأكثر انتشارا باعتبار الوظيفة الّتي يشغلها حينما يُستعمل في تزيين جزء من الجدران، سواء في مداخل البيوت أو الحاشية السّفلى للبهو الدّاخليّ، وهو تقليد منتشر في البيوت التّونسيّة وفي سائر القصور والمدارس المشيّدة في بلدان المغرب العربيّ.
ويطرح موضوع خزف التّكسية[1] عديد الأسئلة الّتي تتعلّق بالأبعاد الرّمزيّة والجماليّة لبنيته الزّخرفيّة وعلاقة تلك الأبعاد بالوظيفة الّتي ترتبط في غالب الأحيان بالفضاء المعماريّ كما تطوّر في التّراث العربيّ الإسلاميّ. وتتميّز بنية الكساء الخزفيّ من حيث التّقنية باعتماد وحدة بنائيّة تتمثّل في مربّع موشّى بزخارف نباتيّة أو هندسيّة مطليّة بألوان متباينة وتتجاور تلك المربّعات وتتراصف مكوّنة نسيجا زخرفيّا متكاملا. ولعلّ وظيفة التّكسية متأتّية من فعل الإكساء الّذي تتحلّى به أجزاء من الجدران بكسوة متلألئة من الألوان والزّخارف.
تتعدّد تقنيات الإكساء الزّخرفيّ حسب طبيعة المعلم أو الفضاء، لذلك يُستعمل الزّليج[2] أحيانا لتمييز بعض الأركان أو الجدران المهمّة بينما تخصّص المأطورات الخزفيّة في مداخل المنازل. ولكلّ أسلوب من أساليب خزف التّكسية خصائص جماليّة لها ارتباط بتقاليد صناعة الخزف في المكان والزّمان الّذين يحدّدان انتماءه، ومن ثمّة فإنّ قراءة الأبعاد الجماليّة والرّمزيّة لا تنفصل عن محدّدات السّياق الثّقافيّ والحضاريّ الّذي تطوّرت في إطاره الصّنائع وتبلورت معاييرها الذّوقيّة والجماليّة ومستويات قبولها وانتشارها في المجتمع. ولعلّ الأسئلة الّتي سنحاول الإجابة عن بعضها في هذا البحث، تتعلّق بالوظيفة التّزيينيّة إن كانت هي الطّابع الغالب على خزف التّكسية، وبالتّالي فإنّها تصبح مجرّد متمّمات، وما ارتباطها بالفضاء المعماريّ إلاّ تعبئة للفراغات وكأنّ الصّانع المسلم يخشى الفراغ لأنّه: “مسكن الشّيطان”[3]، كما ذهب إلى ذلك -بصورة خاطئة- أغلب المستشرقين. وفي مقابل هذا الرّأي، ألا يُشير خزف التّكسية إلى دلالات رمزيّة ما، يمكن أن تحيل إلى التّصوّرات الجماليّة المرتبطة بالمرجعيّات الفكريّة والثّقافيّة للحضارة الإسلامية؟
يستشعر الإنسان داخل الفضاء المعماريّ كمّا من المشاعر والأحاسيس المتداخلة، منها ما يرتبط بوظيفة المكان، ومنها ما تمليه الذّكريات المنطبعة في الوجدان والّتي تثير انفعالا عاطفيّا في النّفس له علاقة بما ترسّب في الذّاكرة أو تمليه إشراقات روحانيّة هي نتاج لكلّ تلك المشاعر. وكان قاستون باشلار (1884- 1962) قد تجاوز الرّؤية الكلاسيكيّة للمكان في المعمار بمختلف وظائفه وخاصّة تلك النّظرة الّتي قادت إلى اعتباره “هندسة غير مأهولة”، ويذهب إلى أنّ دلالات الفضاء تتجاوز الحيّز المادّيّ وبالتّالي: “يمتدّ المكان ليشمل الأبعاد السّيكولوجيّة والسّمات الإنسانيّة“[4] ممّا يشير إلى دور الفنّ في تمثّل تلك الأبعاد وفي تجاوز الكيان الهندسيّ للمعمار نحو دلالاته العميقة، حيث أنّ المكان هو بالأحرى: “روح إنسانيّة يجسّدها ويجلّيها العمل الفنّيّ إلى الوجود في الصّورة الفنّيّة ومن خلالها“[5]، وانطلاقا من كون معايشة الفضاء المعماريّ تثير انفعالات نفسيّة وروحانيّة، فإنّ السّؤال الّذي يُطرح يتعلّق بطبيعة الدّور الّذي يمكن أن تلعبه الزّخارف الجداريّة الكثيفة الّتي تميّز بعض الفضاءات التّقليديّة، وما طبيعة تلك الإحساسات الرّوحانيّة[6] الّتي تثيرها في النّفس؟ وما علاقتها بمفهوم “السّكن” ببعديه المادّيّ والمجازيّ؟
تكمن الإشكاليّة المطروحة في هذا المقال في الدّور الرّوحانيّ الّذي يمكن أن يقوم به خزف التّكسية الجداريّ في الفضاءات المعماريّة. هل هو مصدر للسّكينة باعتبارها تجلّ من التّجلّيات الرّوحانيّة للحُسن والجمال النّاتجين عن كمال الصّنعة ودقّة التّركيب وجاذبيّة الألوان؟ أم هو مجرّد زينة وبهرج وغلاف يمنح العين متعة بصريّة عابرة؟
إنّ الإجابة عن مثل هذه التّساؤلات تفرض على الباحث في قراءة لخزف التّكسية، التّوقّف عند الأشكال والبنى الّتي تشير إلى دلالات ارتباطها العضويّ بالمثال المعماريّ وخصائصه الأسلوبيّة والوظيفيّة من ناحية، والنّظر في مدى استجابتها لمعايير الحسن والجمال كما صاغها الفكر الجماليّ في الحضارة الإسلاميّة خاصّة في ما يتعلّق بتأويل الدّلالات والمضامين والرّموز، من ناحية ثانية. ونعتقد أنّ قراءة المربّع الخزفيّ منفردا لا تفي بالغرض المرجوّ من صناعته الّتي ارتبطت دوما بوظيفة التّكسية الّتي تميّز الفضاءات الدّاخليّة للمباني الخاصّة والعامّة، وهذا ما يجعل القراءة مركّبة وتتداخل فيها المحدّدات الفنّيّة للمربّع باعتباره صنعة خزفيّة، مع المقوّمات الهندسيّة للفضاء باعتباره حيّزا معماريّا له خصائصه الجماليّة والوظيفيّة لذلك سنحاول في هذا البحث التّركيز على بعض النّماذج الّتي رأينا أنّها يمكن أن تساعدنا على تفكيك أوجه الارتباط العضويّ أو الرّمزيّ ما بين الفضاء المعماريّ ومتمّماته الزّخرفيّة وتحليلها سواء كانت جصّا أو كساء من الزلّيج أو مأطورات خزفيّة.
2- مدخل مفاهيميّ واصطلاحيّ:
2- 1- الرّوحانيّة، السّكن:
يرتبط لفظ “الرّوح” بالعديد من الرّؤى الفلسفيّة والدّينيّة والصّوفيّة، إذ نجد في المعاجم الفلسفيّة ما يفيد بأنّها: “الجوهر العاقل المدرك لذاته من حيث هي مبدأ التّصوّرات والمدرك للأشياء الخارجيّة من جهة ما هي قابليّة للذّات”[7]، أمّا في الفلسفات الحديثة فإنّ الرّأي الغالب هو اعتبار الرّوح مقابلا للمادّة. وتُدرك الرّوح كصفة للنّشاط الفكريّ كالقول بـــ “الرّوح الفلسفيّ” أو “الرّوح الهندسيّة”[8]، وحينما يضاف لفظ “روح” إلى الظّاهرة أو إلى الشّيء فهي إشارة إلى ماهيّته وجوهره، مثلما هو المعنى في القول: “روح القوانين”[9]، والمقصود بذلك معناها وحقيقتها. ولعلّنا نخلص من كلّ هذه التّعريفات والإشارات الاصطلاحيّة إلى مفهوم الرّوح في المجال الفلسفيّ، إلى محاولة ضبط الدّلالات المقصودة من “روحانيّة السّكن” كما سنجريها في هذا المقال.
يناقض المذهب الرّوحانيّ (spiritualisme) في الفلسفة توجّهات ومواضيع المذهب المادّيّ لأنّه قائم على فلسفة الأخلاق الّتي ترى أن الهدف من حياة الفرد والمجموعة منقسم إلى غايتين: “إحداهما متعلّقة بالحياة الحيوانيّة والمادّيّة والأخرى متعلّقة بالحياة الرّوحيّة المحضة، وهاتان الغايتان متعارضتان“[10]، ويرتبط المذهب الرّوحانيّ بالتّصوّر الأنطولوجيّ الّذي يرى بشكل عامّ أنّ: “الرّوح جوهر الوجود وأنّ حقيقة كلّ شيء ترجع إلى الرّوح السّارية فيه“[11]، أمّا لفظ “سكن” فإنّه يرد في “لسان العرب” من “السّكون، ضدّ الحركة، سكن الشّيء يسكن سكونا إذا ذهبت حركته“[12] و “السّكن كلّ ما سكنت إليه واطمأننت به من أهل وغيره“[13]، و “السّكن ما يُسكن إليه”، ومنه قوله تعالى: “وجعل اللّيلَ سكنا“[14]، والسّكينة: الوداعة والوقار، و “السّكينة: الرّحمة وقيل هي الطّمأنينة، قال تعالى: “فأنزل سكينته على رسوله“[15] نستخلص من التّحديدات المعجميّة أنّ للسّكن دلالتان: تتمثّل الأولى في السّكن بمعناه المادّيّ، المتمثّل في الفضاء الوظيفيّ في المعمار (المسكن، المنزل…) ويتمثّل الثّاني في معناه المجازيّ أي الطّمأنينة، الرّحمة والسّكينة، وهي معاني مرتبطة بالحالة النّفسيّة وبالأحاسيس المتولّدة في النّفس، وبالتّالي فإنّ إضافة لفظ “روح” إلى “السّكن” تعني الإشارة إلى حقيقته وجوهره، ويقتضي الضّبط الاصطلاحيّ لــ “روحانيّة السّكن” البحث في ماهيّة “السّكن” وحقيقته كلفظ له دلالاته ومضامينه المباشرة والمجازيّة، لذلك سنحاول اعتماد التّأويل كمنهج لدراسة أوجه تمثّل البعد “الرّوحانيّ” لهذا المفهوم باعتباره فضاء جماليّا يؤثّثه الزّخرف الخزفيّ وبالتّالي مناقشة فرضيّة أن يكون لفنّ الرّقش العربيّ دورا في إضفاء صفة روحانيّة على الفضاءات المعماريّة وتحويلها إلى مصدر للسّكينة باعتبارها تجلّ من التّجلّيات الرّوحانيّة للحُسن والجمال النّاتجين عن كمال الصّنعة ودقّة التّركيب وجاذبيّة الألوان.
2-2- أساليب الكساء الخزفيّ:
اُعتمد خزف التّكسية كأسلوب في زخرفة الجدران والحواشي السّفليّة للمباني بواسطة المربّعات الخزفيّة أو بواسطة الجلّيز والمأطورات. ويُعتبر استعمال المربّعات ذات الطّلاء الملوّن في المنازل التّونسيّة من التّقاليد القديمة، إذ تذكر المصادر أنّ المؤرّخ ليون الإفريقيّ (1488-1554) تحدّث عن “تبليط الغرف بواسطة مربّعات ذات طلاء لامع“[16] في القرن السّادس عشر الميلاديّ. أمّا استعمال الخزف في تكسية الجدران فيذكر علماء الآثار أنّه كان شائعا منذ القرن الثّامن عشر، ويمكن تقسيم التّقنيات والأساليب الّتي تستعمل في خزف التّكسية إلى:
– الجلّيز نوع من الخزف المرصّع وهو عبارة عن تجميع لقطع صغيرة من الطّين النّاضج المطليّ وفق لوينات متعدّدة ولها أشكال المعيّن أو المربّع أو النّجمة، تُنحت بدقّة ثمّ يقع تجميعها بأسلوب يشبه تجميع فصوص الفسيفساء ولكن ضمن تركيبات هندسيّة متشابكة تُعرف في فنّ الرّقش العربيّ بالأطباق النّجميّة .
– المربّعات الخزفيّة المتقايسة الّتي ترصّف على الجدران لتتكامل زخارفها وتشكّل في مجموعها نسيجا رقشيّا مسترسلا واستعملت تقنية الحبل الجافّ de la cuerda seca للفصل بين الأصباغ ولتحديد الأشكال والزّخارف وهي “أسلوب أقلّ تكلفة يعتمد على رسم مختلف الأشكال على نفس المربّع مع الفصل بينها بواسطة خطّ يرسم بمادّة عضويّة تمنع اختلاط الألوان عند الشّيّ“[17] عوّضت هذه التّقنية تقنية الجلّيز في البلاد التّونسيّة منذ القرن السّادس عشر نظرا لتكلفتها الأقلّ ولسرعة إنجازها.
– المأطورة الخزفيّة وهي عبارة عن شكل مستطيل مركّب من عدد من المربّعات الخزفيّة (حوالي 50 مربّعا) وله اتّجاه عمودّي يوضع عدد منها بمداخل البيوت آو المنازل أو بالبهو، وهي “تتوزّع في الغالب بطريقة تناظريّة على الحيطان الأربع لساحة البيت التّونسيّ، ويكون ارتفاعها مساويا لارتفاع قامة الإنسان، فوقها وبارتفاع ثلاث أو أربعة أمتار، يوجد زخرف خزفيّ للمربّعات المتكرّرة منتظمة بأسلوب يشبه نظام السّجّاد أو في شكل أشرطة“[18]. نخلص من كلّ التّحديدات الاصطلاحيّة السّابقة، إلى أنّ التّعريف الإجرائيّ الّذي سنعتمده في قراءتنا التّأويليّة لخزف التّكسية في العمارة التّقليديّة المغاربيّة يتمثّل في كون المقصود من “روحانيّة السّكن” كلّ ما يشير إلى المعاني والدّلالات الّتي يمكن استنباطها من الخصائص المادّيّة المحسوسة في الزّخارف الخزفيّة الّتي تكسو الجدران في الفضاءات المعماريّة، انطلاقا من فرضيّة اعتبار أنّ تلك الزّخارف تتضمّن جوهرا روحانيّا يُستدلّ به على المعاني الشّريفة الّتي تعشقها النّفس و(تسكن) إليها. ويقودنا هذا الإطار الاصطلاحيّ إلى افتراض أنّ “روحانيّة السّكن” تمثّل المجال الّذي سيتمّ ضمنه تأويل المعاني الّتي تستشعرها النّفس عند دخولها للفضاءات المعماريّة المزخرفة بواسطة الجلّيز أو الخزف أو غيرها من فنون الرّقش العربيّ.
يتمثّل السّؤال الّذي يختزل الإشكاليّة الّتي نحن بصددها في هذا المقال في: كيف وبأيّ معنى تُضفي الزّخرفة الإسلاميّة على المكان أو الفضاء بعدا روحانيّا مكمّلا لبعده الوظيفيّ والاستعماليّ؟ وهل أنّ تدخّل فنون الرّقش على المحامل بمختلف مستوياتها وبتنوّع موادّها وخاماتها، يحوّلها إلى حيّز للتّأمّل والتّفكّر والمتعة الجماليّة الّتي تخاطب الذّهن والوجدان، البصر والبصيرة؟
3- قراءة تحليليّة/ تأويليّة لمأطورة خزفيّة تونسيّة (ق19م):
3- 1- البنية والوصف العامّ للمأطورة:
صُنع هذا الشّكل الخزفيّ في البلاد التّونسيّة في بداية القرن التّاسع عشر وهو ما يطلق عليه باحثو المعهد الوطنيّ للآثار اسم “المأطورة الخزفيّة”[19]، انظر: (النّموذج عدد1) وهي مأطورة بها نصّ مكتوب ومدمج ضمن النّسيج الزّخرفيّ يعرّفها الدّكتور عدنان الوحيشيّ، فيقول: “هذا النّوع من المأطورات نادر كذلك، لكن توجد منه عديد الأمثلة جُلّها من إنتاج ورشة الخميريّ الّتي تُزيّن بها مداخل البيوت ببعض المدن التّونسيّة“[20]، ويبدو شكلها العامّ مستطيلا باتّجاه عموديّ، ويكاد يبلغ ارتفاعها ضعف عرضها. يمنحها شكلها العامّ صفة المأطورة، وهي تسمية متأتّية من الإطار الزّخرفيّ الّذي يعزلها كوحدة مستقلّة عمّا يحيط بها، وتحتوي داخل الإطار نصّا مكتوبا ومدمجا ضمن النّسيج الزّخرفيّ بواسطة ما سمّاه الدّكتور الوحيشي بـ”الجيوب” وهي خمسة جيوب ذات أحجام متقايسة وجيب سفليّ أصغر يحتوي اسم الخزّاف وتاريخ الصّنع. يعلو تلك الجيوب شكل لقوس يمثّل ثلاثة أرباع الدّائرة تتوسّطه قبّة مندمجة في محورها بصومعة مرتفعة، تجاورها صومعتان أقلّ ارتفاعا من كلّ جهة وفق توزيع تناظريّ. تتخلّل العناصر المعماريّة والكلمات المكتوبة زخارف نباتيّة هي في مجملها تفريعات ورقيّة وتكوينات زهريّة متماثلة ومتناظرة. أمّا من ناحية التّركيب العامّ للمأطورة فيغلب عليه التّكوين التّناظريّ العموديّ الّذي يكاد يكون مطلقا ما عدا ما يبدو في الجمل المكتوبة من اختلافات في تراكيب الأحرف وأشكالها. كما تنقسم بنية المأطورة أفقيّا حسب خطّ يفصل بين تقويس الجزء العلويّ الّذي يمثّل نسبة الثّلث من الارتفاع العامّ. أمّا الألوان فتتمثّل في الأزرق الشّبيه بما يعرف في الشّرق بـ”القاشانيّ” وبدرجة منه تميل إلى الأخضر، أمّا الكتابة فتبدو بلون بنيّ داكن، أمّا الأصفر فقد توزّع في وضعيّات صغيرة في فراغات الأحرف وفي بعض تفاصيل الزّخرف النّباتيّ.
ويمكن تقسيم العلامات والرّموز الحاضرة في المأطورة إلى علامات معماريّة، هي الأقرب من حيث شكلها إلى الرّموز مثل الصّومعة والقبّة. كما يوجد شكل لقوس يعلو ما يشبه العمودين قي إشارة لشكل المحراب. ونلاحظ بعض الرّموز مثل: الهلال، النّجمة، وما يشبه الرّايات. كُتب في الجيوب نصّ يتمثّل في البسملة: “بسم الله الرّحمان الرّحيم” ثمّ بيتين من الشّعر:
هذه الدّار أضاءت بهجة وتجلّت فرحا للنّاظرين
كُتب السّعد على أبوابها اُدخلوها بســـــلام آمنين
أمّا بخصوص التّركيب فنلاحظ وجود خطوط عموديّة وأفقيّة تبرز وكأنّها فواصل بين وحدات تشبه المربّعات. إلّا أنّ النّظام العامّ لتوزيع مختلف العناصر يظلّ مميّزا بطابعه التّناظريّ الدّقيق. وتثير العلامات الّتي عدّدناها سابقا الانتباه لما تتضمّنه من أبعاد رمزيّة وخاصّة في ما تقترحه من خصائص تشكيليّة على مستوى الألوان والتّركيب، وبالتّالي فإنّها تثير التّساؤلات تتعلّق بدلالات الرّبط بين النّصّ وشكل القوس وما يحتويه من قباب وصوامع وبدلالة الألوان في علاقتها بتقنيات الطّلاء وأسلوب زخرفة المربّعات الخزفيّة وبالتّالي: ما المقصود من وضع البسملة والنّصّ داخل جيوب وضمن الفضاء الّذي يوحي بشكل المحراب؟
3- 2- الدّلالات الوظيفيّة والرّمزيّة للمأطورة:
تبدو الوظيفة الرّمزيّة للعناصر والعلامات المكوّنة للمأطورة مرتبطة بالدّلالات المعماريّة للقوس (المحراب) والدّلالات الدّينيّة للمآذن والقباب وخاصّة لمضمون النّصّ المكتوب حيث يُبتدأ بالبسملة وهي آية قرآنيّة[21]. وتشير مضامين الأبيات الشّعريّة في هذه المأطورة إلى أنّ خزف التّكسية مشحون بتعبيرات زخرفيّة نباتيّة ومعماريّة تقوم على التّرميز الدّينيّ لمفهوم “السّعادة” وعلى ربط بهجة الدّنيا وتجلّيها للنّاظرين بالمفاهيم القرآنيّة للسّلام والأمن حيث اُستعمل “الاقتباس”[22] كأسلوب بلاغيّ في الاستشهاد بجز ء من آية قرآنيّة ضمن الخطاب الكتابيّ: “اُدخلوها بسلام آمنين”. توجد هذه الآية في سورة الحجر حيث يقول الله تعالى: “إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(45) اُدخلوها بسلام آمنين(46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ(47) لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ(48)“. يمكن تأويل “الاقتباس” للآية القرآنيّة الكريمة على أنّها إشارة ضمنيّة لوظيفة المأطورة حيث يمكن اعتبارها بمثابة اللّافتة الدّعائيّة الّتي ترغّب في الدّخول للدّار طلبا للسّلام والأخوّة والأمن وغيرها من الصّفات الّتي يتّسم بها أهل الجنّة في الآخرة، وبالتّالي يمكننا قراءة النّظام الزّخرفيّ للمأطورة باعتباره خطابا جماليّا يقوم على نوع من المتعة البصريّة الّتي هدفها إثارة البهجة الحسّيّة الموصولة ببهجة روحانيّة أشمل وأعمق يغذّيها التّوق والشّوق للنّعيم الحقيقيّ والدّائم في الجنّة الّتي وعد الله بها عباده في الآخرة، ممّا يؤكّد ارتباط الوظائف الرّمزيّة للزّخرف في فنون الحضارة الإسلاميّة عموما، وفي فنون الخزف خصوصا، بالمرجعيّات الدّينيّة نظرا لارتباط تلك الفنون بالتّصوّر الأخلاقيّ الّذي يرغّب الإنسانَ المؤمن في النّعيم الأخرويّ باعتباره المثل الأسمى للسّعادة الأبديّة. ويمنح هذا التّأويل بقيّة العلامات والرّموز، مثل القبّة والمآذن، سياقا دلاليّا يبدو منسجما مع معاني الاستبشار والتّفاؤل وحسن الاستقبال والضّيافة وتمنّي السّعادة وكلّ ذلك عبر استحضار رمزيّة المسجد وما يرتبط به من قيم روحيّة مصدرها قداسة فضاء العبادة باعتباره ملتقى المؤمنين.
تهدف المأطورة إلى جعل الزّائر للدّار يستحضر في ذهنه تلك المعاني، عبر خطابها البصريّ الّذي يشحن الوجدان بفيض من المشاعر الدّينيّة في ربط رمزيّ بين الفضاءين الخاصّ والعامّ. وتتضافر كلّ العلامات لأجل توفير نوع من الاستقبال الحميميّ الّذي يستشعره الوافد على الدّار قبل دخولها، ممّا يؤكّد على مدى حضور الرّوابط الاجتماعيّة المستمدّة من التّعاليم الدّينيّة والّتي تقوّي قيم التّضامن والعيش المشترك وتوفّر مناخات الطّمأنينة والأمان.
تُستشفّ الدّلالات الرّوحانيّة لـ “السّكن” بصورة مباشرة من الخطاب اللّسانيّ الّذي يستعمل أسلوب “الاقتباس” في الرّبط الصّريح بين الدّخول للمسكن والإحساس بعمق المعاني الّتي تتعلّق بـــ “الإضاءة- البهجة- تجلّي الفرح- السّعادة- السّلام والأمن”، بالإضافة إلى أنّ الرّموز المعماريّة كالقباب والصّوامع وشكل المحراب كلّها تهيّئ المشاهد لاستحضار المشاعر المرتبطة بمعايشة الفضاءات الدّينيّة حيث تغمر النّفسَ فيوضاتٌ من السّكينة والطّمأنينة الرّوحانيّة الّتي تستحضر زمانا ومكانا مفارقين.
ولئن جاء خطاب الدّلالة الرّوحانيّة للسّكن واضحا ومباشرا[23] في المأطورة الخزفيّة المدروسة سابقا، فإنّ خزف التّكسية الجداريّ يستعمل أساليب بلاغيّة مستترة، ومضامين روحانيّة ترميزيّة تحتاج إلى مفاتيح ضروريّة للكشف عن أسرار الإنسان، والتّأويل بهذه المعاني: “لن يكون مجرّد تحديد لمعنى لا يُرى بشكل مباشر، إنّه حالة وعي فلسفيّ لا ترى في المحدّد بشكل مباشر سوى حالات رمزيّة تحتوي هذه المرّة على “أسرار الإنسان”. وهي أسرار يجب الكشف عنها من خلال امتلاك المفاتيح الضّروريّة للتّأويل“[24]، والسّؤال الّذي يطرح حيال ما أشار إليه بنكرّاد يتمثّل في طبيعة مفاتيح التّأويل باعتبارها تبدو وكأنّها شرط من شروطه الّتي تتعلّق بسياقات متداخلة يهمّ جانبا منها القارئ، ولكنّ الأهمّ منها ما يتعلّق بالنّموذج المدروس والشّروط الّتي تساهم في بلورة إنتاجه من جهة وبملابسات تقبّله من جهة ثانية ضمن شبكة القيم الجماليّة والحضاريّة الّتي تشكّل وعاء جامعا لدوافع الإنتاج ولمآلاته الوظيفيّة والجماليّة.
4- في حدود ما هو مرئيّ في الزّليج: الشّكل أم الفكرة ؟
يطرح الزّخم الرّقشيّ في خزف التّكسية، خصوصا في الفضاءات المعماريّة المكسوّة بالزّليج، أسئلة عديدة تتعلّق بالبنية المرئيّة وما تمنحه لعين النّاظر من ثراء وتنوّع في الأشكال والحركات والضّفائر والزّوايا والعقد الّتي تجذب النّظر، مثال ذلك: الكساء الزّخرفيّ في قصور الحمراء بغرناطة وبمدرسة العطّارين بفاس وبالقصور الملكيّة بالرّباط. تبلورت حيال تلك الزّخرفة آراء مختلفة وتأويلات متضاربة، منها ما اعتبر أنّ المزخرف لا يتقيّد بحدود المساحة، ولا يراعي خصوصيّاتها ولا يميّز بين طبيعة المحمل ونوعيّة الرّقش، وكأنّه يسعى إلى تغليف الجدران والأركان والأعمدة والقباب بصورة اعتباطيّة ممّا يحوّل المشهد إلى بهرج تزيينيّ خال من المشاعر، وقد عبّر المستشرق الفرنسيّ هـنري تيراس (1895-1971) Henri Terrasse)) عن ذلك حينما اعتبر الزّخرف الإسلاميّ في بلاد المغرب مجرّد ملهاة للعين، قائلا: “سيبقى هذا الفنّ أقرب إلى الزّخرفة وفارغا من كلّ معنى، بدلة رائعة ولباسا فاخرا، إنّه لا يترجم عن المشاعر الجماليّة“[25]، والملاحظ أنّ مثل هؤلاء المستشرقين وغيرهم يقفون عند الإدراك الحسّيّ المباشر في اعتبارهم للرّقش بأنّه مجرّد مشهد، دون التّساؤل عن دلالاته العميقة والّتي تتجاوز ما هو مرئيّ. وقد ردّ المؤرّخ المغربيّ د. عثمان عثمان إسماعيل (1925-؟ ) على مزاعم تيراس، متّهما إيّاه بأنّه يُنكر أيّ دور للمصادر العربيّة في دراسة التّراث الحضاريّ والمعماريّ المغربيّ ويحاول التّفرقة بين العرب والبربر في مجال الصّنائع والفنون[26]، وعلى خلاف دراسات بعض المستشرقين المنصفين فإنّ ه. تيراس “حكم على الفنّ المغربيّ بالجمود والتّحجّر خلافا للحقيقة والواقع“[27]، وهو الأمر الّذي سعى الباحثون والمؤرّخون المغاربة إلى إبرازه منذ السّبعينات من القرن الماضي، ممّا ساهم في التّعريف بمختلف الفنون والمحافظة عليها وتطويرها بما يلائم خصائصها المميّزة. ونرى أنّ الرّدّ على هذه المزاعم يقتضي النّظر في الأبعاد الرّمزيّة للكساء الخزفيّ ومحاولة تأويل أبعاده الرّوحانيّة منطلقين من التّساؤل عن غايات المزخرف في تغليف الجدران وإكسائها بمختلف أنواع الزّخرف وخاصّة الخزفيّ منه، وهل تعكس تلك التّغطية رغبة ما في ستر المادّة الأصليّة للمحمل سواء أكان غرضا استعماليّا أم فضاء معماريّا؟
إنّ محاولة الإجابة على هذا التّساؤل يقتضي تبرير التّحوّل عن النّظر إلى حدود ما هو مرئيّ في الرّقش من بعده الشّكلانيّ الصّرف، إلى اعتباره فكرة تحيل إلى مضامين الفكر العربيّ الإسلاميّ بروافده المختلفة. ونعتقد أنّ محاولة الإجابة عن هذه التّساؤلات تقتضي استقراء مظاهر وأسس الكساء الخزفي وأسسه في علاقته بالفضاء المعماري ومن ثمّة محاولة استنباط الدلالات الرّوحانيّة المرتبطة بمفهوم “السّكن” وبمقاصد الرّقّاش في الإكساء الكلّيّ والتّامّ للجدران. ولمحاولة قراءة البُعد الرّمزيّ والوظيفيّ لخزف التّكسية ضمن حيّزه المعماريّ لابدّ من تحليل بعض النّماذج الّتي تميّز صناعة الزّليج المغربيّ في القصور والأضرحة أو تلك الّتي ارتبطت بالتّراث الأندلسيّ خصوصا في قصر الحمراء الّذي يمثّل نموذجا يعكس مدى تطوّر كافّة الصّنائع: الجصّ، الخزف، فنون الخطّ والعمارة وتكاملها، كما يقتضي البحث في روحانيّة السّكن الإشارة إلى المصادر الّتي اعتمدناها في التّأويل أو بعض الآراء الدّاعمة لفرضيّة البحث.
5- الزّخم الرّقشيّ للكساء الزّخرفيّ: دعوة للتّأمّل:
تثير هيمنة الكساء الزّخرفيّ على كافّة الفضاءات والعناصر المعماريّة المكوّنة لها سؤالا محوريّا يتعلّق برمزيّته خاصّة وأنّه يتعدّى الوظيفة التّزيينيّة بما يمثّله من كثافة في الحضور في الأساليب والتّقنيات خاصّة في قصور الحمراء بغرناطة حيث يمكن اعتباره تمثيلا رمزيّا لفكرة السّموّ بالمادّة الخزفيّة أو بالزّخارف الجصّيّة في المقرنصات، أجاب تيتوس بوكهاردت (1908-1984) Titus Burckhardt)) عن هذا التّساؤل حينما اعتبر أنّ نسيج النّور والظّلّ في المقرنصات المميّزة للزّخرف الحجميّ في العمارة الإسلاميّة (اُنظر مقرنصات قبّة الأختين في قصور الحمراء بغرناطة صورة عدد 2) بأنّه نوع من “خيمياء الضّوء” يقول: “بالمماثلة مع ما يعتقده الخيميائيّون les alchimistes الّذين يرون بأنّ الرّوح لا تصبح جسدا إلّا حينما يقع تحويل الجسد إلى روح، فإنّنا نقول بأنّ العمارة الإسلاميّة تحوّل الحجر إلى نور والّذي بدوره يتحوّل إلى لآلئ“[28]، ويصبح ذلك التّحويل الزّخرفيّ في مستوى الكساء الخزفيّ للزّليج تجربة ذوقيّة وإحساسا بمتعة التّأمّل النّاتج عن تحوّل الزّخرفة من بعدها التّزيينيّ المشهديّ إلى الرّقش كبنية هندسيّة تحتاج إلى تأويل أبعادها الدّينيّة.
إنّ الضّفائر الهندسيّة للزّليج “تستدرج العين لتتبّع مسارها المسترسل فيتحوّل النّظر إلى تجربة إيقاعيّة مصحوبة بمتعة ذهنيّة متأتّية من الانتظام الهندسيّ للمجموع“[29]، تتولّد تلك المتعة الذّهنيّة، عندما تدرك العين علاقات التّناسب الهندسيّ ما بين الأشكال والألوان الّتي تُفضي إليها الحركة الإيقاعيّة للضّفائر.
تثير آراء بوركهارت التّفكير في ما يمكن اعتباره إشارات للدّلالة الرّوحانيّة الّتي يتحوّل بمقتضاها النّظر إلى الرّقش إلى نظر في الفعل الزّخرفيّ ذاته وفي ارتباطه بالتّصوّر الصّوفيّ للجمال وبالتّالي اعتبار الزّخم الرّقشيّ للكساء بمثابة التّجربة الإدراكيّة للفضاء الّتي تقود المتلقّي إلى مناخات من المتعة الحسّيّة والذّهنيّة وهو الأمر الّذي أثاره إتنجهاوزن في سؤاله عن السّبب الّذي يجعل الزّخرفة إسلاميّة الطّابع.[30]
لا تحجب التّغطية في الكساء الخزفيّ المساحة الأصليّة للجدران المكسوّة بالجلّيز كما يتصوّر أولئك الّذين يتبنّون فكرة الفزع من الفراغ، وإنّما هي بدل ذلك تشفّ عمّا يمكن أن توحي به وظيفة المعلّم ورمزيّته من إشراقات للمعاني والأنوار. تتكشّف من خلال فراغات الضّفيرة وألوانها للنّاظر مسارات ومستويات تقود العين عبر زخم الحركة اللّامتناهية الّتي تنشد امتدادا أفقيّا وعموديّا يفسح مجال الرّؤية للتّأمّل. ويحتاج المتلقّي لإدراك الإحساس بالامتداد اللّانهائيّ عبر الحدس إلى الإحاطة بخاصّيّة “الزّخم المندفع في الفضاء اللّانهائيّ وفي كافة الاتّجاهات“[31] لأنّه عامل مهمّ في استحضار “حالة التّأمّل المطلوبة لحدس الحضور الإلهيّ“[32]، ومن هنا يشترك كلّ من الرّقّاش والمتلقّي في استنباط المعاني الرّوحانيّة وحدسها من خلال تأويل البنية البصريّة للإيقاع.
تغطّي الزّخرفة المساحيّة (اُنظر الصّور عدد 3 و4) الجزء المزخرف بالكامل ولا تتقيّد بحيّز محدّد بل هي نسيج متواصل، ضفيرة متّصلة الحلقات تُغلّف المساحة وتكسوها.
لا يتقيّد تكرار الأطباق النّجميّة بحدود مساحة الجدار أو الباب أو الأعمدة بل يوحي للعين بأن تتجاوز حاجز الحيّز وتواصل تصوّرها للحركة اللّانهائيّة للزّخم الرّقشيّ ويمكن اعتبار الزّخم التّركيبيّ الّذي أشار إليه الفاروقي بمثابة الأساس الجماليّ الّذي يجعل حركة العين متحرّرة من الأطر الزّخرفيّة، وبالتّالي يمكن للنّاظر أن يؤوّل تلك الحركة المساحيّة الّتي تفتح المجال في جميع الاتّجاهات بأنّها نوع من التّدرّج الرّمزىّ نحو الانعتاق من الحضور المادّيّ المقيّد للفضاء وبالتّالي الاستسلام لتّأمّلات عميقة تتقاطع فيها الرّؤى الرّوحانيّة بالرّؤى الثّقافيّة الّتي يستدعيها الرّقش باعتباره بنية دالّة بحسب ما أشار إليه أوليغ كرابار (1929-2011) حينما أكّد على أنّ “الالتجاء إلى الرّقش هو انتقال إلى مستوى القيمة الثّقافيّة للعمل الفنّيّ، إذ يلغي العلاقة بين الشّيء المرئيّ وبين دلالته المادّيّة ومعناه المتداول، وهكذا فإنّ الصّورة تتغيّر كلّيّا عن أصلها. ووراء الوظيفة الظّاهريّة للرّقش يبدو نسق كامل من الإشارات والطّابع الرّمزيّ الكامل الّذي يفرض نفسه علينا، ولكنّه يترك لنا حرّيّة التّفسير”[33]، ونجد في الفكر العربيّ الإسلاميّ ما يشير إلى النّسق الموجّه للإشارات الّتي يتحدّث عنها كرابار وهي تتصّل بالحرّيّة في التّفسير وفي التّأويل، ونقصد بذلك المفاهيم الّتي وضعها أبو حامد الغزاليّ (450-505ه) لــ “الكمالات الممكنة” باعتبارها إطارا لسيرورة لانهائيّة في طلب الحُسن والجمال.
يعتبر الغزاليّ أنّ المدركات الحسّيّة والعقليّة منقسمة إلى ما هو حسن وإلى ما هو قبيح، ومن ثمّة فإنّ الأشياء المدركة رغم اختلافها تشترك في معنى ما للحسن. وهنا يطرح الغزاليّ السّؤال: “فما معنى الحُسن الّذي تشترك فيه هذه الأشياء؟“، ويجيب على ذلك بالقول: “كلّ شيء، فجمالُه وحسنُه في أن يحضر كمالُه اللّائق به الممكن له، فإذا كان جميع كمالاته الممكنة حاضرة فهو في غاية الجمال وإن كان الحاضر بعضُها فله من الحُسن والجمال بقدر ما حضر“[34]، ولا يرتبط الحسن وفق تعريفات الغزاليّ بنقطة محدّدة تبلغها صناعة الخطّ أو الزّخرفة مثلا، بل “الحُسن” مسارٌ يطلب الكمالات الممكنة للشّيء وهذه الكمالات غير محدّدة وليست لها نقطة وصول نهائيّة.
نستنتج أنّ ابتغاء الحُسن وطلبه بهذا المعنى في الصّنائع، يظلّ في تصوّرنا مسارا ديناميّا متواصلا دون توقّف لأنّ غايته بلوغ ما هو ممكن وما هو مطلوب في الشّيء. والكمالات لا حدّ لها أيضا لأنّها مرتبطة بكمالات أخرى يسعى الصّانع إلى تحقيقها في ذاته وهي خلق الإتقان والإجادة. ونرى أنّ المزخرف في فنون الحضارة الإسلاميّة يبحث دون كلل عن تحقيق مبدأ “الكمالات الممكنة” للفضاء باعتبار أنّ قيمة الحُسن لا تتحقّق في الفضاء المعماريّ إلّا من خلال حضور الكمالات الممكنة لذلك الفضاء. ونتيجة لذلك فإنّ قراءة الأبعاد الرّمزيّة لخزف التّكسية ترتبط بتصوّر شامل تمليه مفاهيم نابعة من علاقة الصّانع المسلم بالمادّة وبفهمه للعمل المُتقن باعتبار أنّ العلاقة الأولى يحكمها معنى التّوحيد وأمّا الفهم الثّاني فيحكمه السّعي إلى تحقيق العمل الصّالح ومن ثمّة يُتوّج اقتران العلم بالعمل ببلوغ مرتبة “الإحسان”، وهي تلك المنزلة الّتي منها تشعّ كلّ الكمالات الممكنة وبها تتحقّق معايير الحسن في النّفس وفي الأشياء. وتتجلّى تلك العلاقة بين العبادة في بعدها الطّقوسيّ وبين العمل المتقن في بعده الصّنائعيّ من خلال مسالك التّعلّم ومراتبه ومقاماته.
وللتّدليل على عمق الأبعاد الرّوحيّة للزّليج نورد شهادة معتبرة لأحد صنّاعه بالمغرب يربط فيها بين حذقه وإتقانه للتّراكيب الهندسيّة المعقّدة للجلّيز وبين طريقة حفظه وتكراره للقرآن الكريم، فالعملان يقودان النّفس إلى الهدف ذاته وهو الارتقاء في مراتب الإحسان علما وعملا. وردت الشّهادة في كتاب ضخم مخصّص لدراسة الزّليج بالمغرب حيث خلصت الباحثة بعد استجواب أحد الصّنّاع “أحمد الذّيب” باعتباره محترفا لفنّ الزّليج، حذق الصّنعة من خلال متابعة معلّمه لمدّة ستّ وعشرين سنة عبر الملاحظة إلى القول: “عاملان فقط يوضعان في الاعتبار لفهم فنّ الزّليج: العامل الأوّل، أنّ عناصره الأساسيّة مستوحاة من القرآن ومن قوّة كلماته ودلالاتها ومن طريقة حفظه في الذّاكرة. القرآن بالنّسبة إليه يضع الضّوابط الأساسيّة أو القاعدة الّتي تقوم عليها أعماله. أمّا العامل الثّاني، فيتمثّل في الانضباط في التّعلّم عن ظهر قلب والّذي يعتبره الأساس في تحصيله للكفاءة البصريّة والصّنائعيّة”[35]، ونرى أنّ الرّبط بين حفظ القرآن وتعلّم الصّنعة وحذقها يؤكّد ما ذهبنا إليه من أنّ فعل الزّخرفة له أبعاد روحيّة وإيمانيّة نجد ما يدعّمها في مفهوم “الإحسان” الّذي يشمل في تجلّيّاته العمليّة كلّ مظاهر الجمال الّتي أبدعها الصّنّاع في الحضارة الإسلاميّة ويتبدّى ذلك بالخصوص في تناسق جميع مكوّنات الفضاء المعماريّ بمتمّماته الزّخرفيّة إلى درجة تبلغ فيها الخامات والموادّ مستوى انصهارها البصريّ والنّورانيّ في تفاعلاتها المشتركة المساحيّة والضّوئيّة والإيقاعيّة، وهو ما يشير -في تصوّرنا- إلى القيمة الرّمزيّة لخزف التّكسية الجداريّ في تحويل السّكن إلى فضاء للسّكينة والتّأمّل.
6- القيم الجماليّة لخزف التّكسية في علاقتها بالدّلالة الرّوحانيّة للسّكن:
لا يمكن قراءة القيم الجماليّة العامّة للزّليج أو لخزف التّكسية إلّا من خلال المفاهيم الّتي صاغها الفكر وحدّدتها الثّقافة الّتي كانت مهدا لتلك الصّنائع ولتلك الفضاءات، وقد أشار إلى ذلك الدّكتور عدنان الوحيشي[36] عند طرحة لسؤال يتعلّق بدلالة الزّخرف في معرض قراءته التّحليليّة لزخارف بعض المأطورات المنسوبة إلى صناعة الخزف التّقليديّ التّونسيّ بالقول: “هل يُتوقّع لهذه الزّخارف أن تغطّي دلالة أخرى غير البحث عن الجمال؟”[37]، وهو -ولئن لم يبحث في إجابات ممكنة لهذا السّؤال- إلّا أنّه يقرّ صراحة على ضرورة البحث في هذه الدّلالات ضمن سياقها الثّقافيّ والفكريّ، ويرى أنّه “من الممكن أن تكون هناك حاجة لموضعتها ضمن سياقها لكي تكون مؤهّلة للتّأويل. يمكن التّوصّل دون شكّ إلى تأويل خارجيّ له أهمّيّته لكنّه لا يوضّح الرّسالة المضمّنة في الموضوع“[38]، وتبعا لذلك فإنّه يتوجّب على من يروم استجلاء الأبعاد الرّمزيّة للزّخرف بجميع أنواعه أن يتجنّب الإسقاطات والتّأويلات الخارجة عن سياق الفعل الزّخرفيّ بمقوّماته الجماليّة والتّقنية وأن يحاول البحث في المفاهيم الجماليّة الّتي من خلالها تطوّرت صنائع الزّخرف المختلفة.
ولهذه المفاهيم الجماليّة معايير تقوم عليها ومبادئ تحكم صياغاتها العمليّة، من أهمّها: مبدأ “التّناسب” ومدى ارتباطه بمبدأ “الملاءمة” الّذي يتجلّى في مدى التّلاؤم بين الخزف وحواشي الجدران ودرجة التّلاؤم بينه وبين الجصّ عندما يكون في ارتفاع يناسب تعرّضه للإضاءة ليُفضي تلاقحه بالنّور نسيجا من طبيعة مغايرة. وتبيّن تكسية الجدران والأعمدة والأبواب بما يُناسبها وما يُلائمها من خامات وتقنيات القيمة الجماليّة لمبدأ الملاءمة خاصّة حينما يدرك المتلقّي تلك القيمة باعتبارها تنسجم مع ما تطلبه نفسه من لذّة وترتبط تلك اللّذّة الجماليّة بمدى ملاءمتها للنّفس أيضا باعتبار أنّ المتلقّي طرف فاعل وأساسيّ في بلورة مجالات الصّنائع وتطويرها ومدى ارتباطها بالعمران بفعل الطّلب والحاجة، يقول ابن خلدون بخصوص ذلك: “… فإذا كان المرئيّ متناسبا في أشكاله وتخاطيطه الّتي له بحسب مادّته، بحيث لا يخرج عمّا تقتضيه مادّته الخاصّة من كمال المناسبة والوضع وذلك هو معنى الجمال والحسن في كلّ مدرَك، كان ذلك حينئذ مناسبا للنّفس المدركة فتلتذّ بإدراك ملائمها“[39]. إنّ الالتذاذ بإدراك ملائمها في الزّخرف الكسائيّ للجلّيز يجعل النّفس تطمئنّ للفضاء، وتسكن إليه، وليس فيه، إنّها تتماهى مع دعوته للانعتاق من الحيّز المادّيّ للسّكن نحو فضاء مطلق يستدرجها إليه الزّخم الإيقاعيّ للرّقش في امتداداته اللّامتناهية.
7- خاتمة:
نستنتج بعد معاينتنا للنّماذج وتحليلنا لمختلف الآراء والأقوال، أنّ خزف التّكسية يقوم بوظيفة بنائيّة ورمزيّة في الفضاءات الدّاخليّة وليس مجرّد كساء أو عباءة، وإنّما هو في جوهره محاولة لاستكشاف “نورانيّة” الفعل الزّخرفيّ وكشفه في بعده الرّمزيّ، ولئن اعتبره المستشرق الفرنسيّ هنري تيرّاس (Henri Terrasse) (1895-1971) مجرّد بدلة فاخرة وخال من الإحساس أو التّعبير فلأنّه لم ير في النّسيج الرّقشيّ سوى مظهره البصريّ وقشرته الخارجيّة، ولم يدرك أنّه دعوة للنّظر والتّأمّل باعتباره بنية دالّة. وقد توصّل الباحث المعاصر أوليج قرابار Oleg Grabar (1929 –2011) إلى استنتاج مفاده أنّ الرّقش أكثر من مجرّد خطاب بصريّ لأنّه يتضمّن دعوة للتّفكير وإعمال البصيرة، “التّفكير الّذي يثيره الرّقش، لا يتعلّق بما هو مُبصَر، بل هو في بصيرة من هو مُبصِر“[40] باعتبار أنّ الزّخرف الهندسيّ عامّة يتضمّن خطابا عقليّا تحرّكه بنية توليديّة غير ثابتة تنشّط الذّهن في بحثه عن علاقات ممكنة بين الخطّ والخطّ، بين الشّكل والشّكل، بين الفراغ والشّكل، بين اللّون والشّكل. وهذا ما يجعل الزّخرف الهندسيّ (أو ما يُعرف بالرّقش) يرتقي من حيّز المبَصر إلى دلالة الفكرة أو الفكرة ذاتها أحيانا وهو الأمر الّذي خلُص إليه كرابار عندما اعتبر أنّ الزّخرفة الإسلاميّة أكثر من مجرّد مشهد، وإنّما هي فكرة، يقول في ذلك: “عوض أن نعتبرها شكلا بإمكاننا أن نرى فيها فكرة“[41]، ومن هنا ندرك القيمة الرّمزيّة للفعل الزّخرفيّ ولعمليّة التّكسية باعتبارها انكشافا لمواقف جوهريّة ومبدئيّة في التّعامل مع الفضاء المعماريّ[42].
ونلمس في قراءة روجيه غارودي Roger Garaudy (1913-2012) للفضاء الدّاخليّ لمسجد قبّة الصّخرة بالقدس بما يتميّز به من زخارف فسيفسائيّة ونقائش كتابيّة، ما يؤكّد على مدى ارتباط الفضاء المعماريّ بالدّلالة الرّوحانيّة الّتي تدركها النّفس وتلتذّ بها استشعارا لسكينة وجوديّة عميقة. يصف روجيه غارودي تجربة التّجوال بالبصر في فضاء مسجد قبّة الصّخرة والتّأمّل في الأركان والزّوايا والأعمدة وتجويف القبّة وملمس سطح الصّخرة مخاطبا الزّائر بالقول: إنّك “تتيه في زمن سحيق وتهيج في ذاكرتك مستويات عدّة لسموّ هذه الرّوح الإنسانيّة. تذكر إبراهيم عليه السّلام وتذكر عيسى عليه السّلام وتتوقّف عند معجزة الإسراء والمعراج للنّبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم“[43]، كما يتحدّث غارودي عن الأنوار المنبعثة من أعلى القبّة حيث توجد السّتّ عشرة نافذة بأنّها أنوار ذات ألوان لؤلؤيّة، واصفا تمازجها وتشابكها من خلال زجاجها الملوّن بـ“العزف النّورانيّ والصّلاة الكونيّة الّتي تحتضن البصر وتطرب العين”[44] إذ يكتسي الضّوء المتمازج بألوان الزّجاج أسفل القباب في العمارة أبعادا رمزيّة لها ارتباط بمفهوم “النّور” ومضامينه القرآنيّة. ونتوقّف عند تأويل غارودي للتّكرار الإيقاعيّ للفظ الجلالة “الله” المكتوب بخطّ عربيّ منمّق في أغلب أجزاء الفضاء الدّاخليّ للمعلم لأنّه يلخّص منتهى فنون الخطّ والرقش في الحضارة الإسلامية وغايتها الّتي ترنو إلى انعتاق البصر من حدود المكان والزّمان.
المصادر والمراجع:
المصادر:
- القرآن الكريم.
- ابن خلدون (عبد الرّحمان): “المقدّمة”، دار الكتاب اللّبنانيّ، بيروت 1967.
- الغزاليّ (أبو حامد): “إحياء علوم الدّين”، ج. 4 دار المعرفة، بيروت. (دت).
- الغزاليّ (أبو حامد): “إحياء علوم الدّين”، دار ابن حزم، ط1، بيروت، لبنان، 1426هـ/ 2005 م.
المراجع:
- إسماعيل (عثمان عثمان): “دراسات جديدة في الفنون الإسلاميّة والنّقوش العربيّة بالمغرب الأقصى”، دار الثّقافة، بيروت، (د ت).
- الإمام (غادة): “جاستون باشلار، جماليّات الصّورة”، التّنوير للطّباعة والنّشر، ط1، بيروت، لبنان، 2010.
- الجليطي (عليّ): “ما بين المشهد والشّهادة، قراءة في ممكنات التّأويل لفنّ الرّقش العربيّ”، مكتبة علاء الدّين، صفاقس، تونس 2019.
- الفاروقيّ (إسماعيل): “التّوحيد ومضامينه”، نقله إلى العربيّة: د. السّيّد عمر، مدارات للأبحاث والنّشر، مصر، جانفي 2014.
- بن الشّيخ (الناصر): “المقال التّقديميّ في كتالوج المعرض الّذي نظّمه الفنّان الألمانيّ رودلف بونفي”، المعهد العالي للفنون الجميلة بصفاقس/ أكتوبر 1998 .
- بنكراد (سعيد): “السّيميائيّات، مفاهيمها وتطبيقاتها”، دار الحوار للنّشر والتّوزيع، ط3، سوريا، 2012.
- البهنسيّ (عفيف): “جماليّة الفنّ العربيّ”، سلسلة عالم المعرفة، عدد 14، الكويت، فبراير 1979.
معاجم:
- ابن منظور (محمّد بن مكرم بن عليّ): “لسان العرب”، دار صادر، (د ت).
- صليبا (جميل): “المعجم الفلسفيّ”، ج1 و ج2، دار الكتاب اللّبنانيّ، بيروت، 1972.
- عكّاوي (إنعام فوّال): “المعجم المفصّل في علوم البلاغة، البديع والبيان والمعاني”، دار الكتب العلميّة، ط2، بيروت، لبنان، 1996.
مقالات:
- إتنجهاوزن (رتشارد): “الفنون الزّخرفيّة والتّصوير، شخصيّتها ومجالها”، ضمن كتاب: “تراث الإسلام”، ج1، سلسلة عالم المعرفة، العدد 8، الكويت، السّنة: 1985.
مراجع باللّسان الفرنسيّ:
- Collectif: «Couleurs de Tunisie, 25 siècles de céramique», (Cat. Expo. Paris, Institut du monde arabe, 1994), Paris: IMA/ Adam Biro, 1994.
- Garaudy (Roger): «Mosquée: miroir de l’islam», Les éditions du Jaguar, 1985.
- Grabar (Oleg): «La formation de l’art islamique», Flammarion, Paris 1987.
- Hedgecoe (John) et Damluji (Salma Smarr): «Zillig, L’art de la Céramique Marocaine», Ed. Garnet, Paris 1993.
- Keith (Critchlow) et Marchant (Paul): «Zillig, Une Etude Géométrique, In Zillig, l’art de la Céramique Marocaine», Ed. Garnet, Paris 1993.
- Louhichi (Adnan): «La céramique de revêtement mural», In Couleurs de Tunisie, 25 siècles de céramique, (Cat. Expo. Paris, Institut du monde arabe, 1994), Paris: IMA/ Adam Biro, 1994.
- Loviconi (A.) et Faïence (D.): « …. ??de Tunisie», Ed sud, France, 1994.
- Burckhardt (T.): «l’art de l’islam langage et signification», Sindbad, Paris, 1985.
مراجع الكترونية:
- سعيد بنكراد، معجم السّيميائيّات، http://saidbengrad.free.fr/ar/index.htm.
[1]– اخترنا اعتماد مصطلح “خزف التّكسية الجداريّ” كتعريب للمصطلح الفرنسيّ la céramique de revêtement mural وهو عنوان لمقال للباحث التّونسيّ عدنان الوحيشي منشور ضمن كتالوج:
– Couleurs de Tunisie, 25 siècles de céramique, (cat. expo. Paris, Institut du monde arabe, 1994), Paris : IMA / Adam Biro, 1994, p 189.
[2]– الزّليج: تقنية تستعمل فصوصا من الخزف الملوّن أعدّت حسب أشكال هندسيّة مدروسة بدقّة بحيث تتكامل حينما تتجاور لتكوّن زخارف هندسيّة. ولازالت ورشات الخزف في المغرب الأقصى تنتج أنواعا وأصنافا من الزّليج إلى يومنا هذا.
[3]– نشير هنا إلى ما تعوّد المستشرقون نعته بــhorror وهي فكرة تقوم على تأويل خصائص الزّخرف وخاصّة نموّه اللّامتناهي في جميع الاتّجاهات بكونه نوع من الخوف من الفراغ ويبرّر ذلك بكون الفراغ مسكنا للشّيطان؟ وكردّ فعل رافض لذلك التّفسير يعلن د. عفيف بهنسي بأنّه: “قد آن الأوان لكي نضع حدّا لهذا التّفسير السّاذج والّذي تبنّاه أكثر مؤرّخي الفنّ الإسلاميّ“[3]، مطالبا باعتماد تفسير مغاير يقوم على تصوّر أصيل لمفهوم “المنظور الرّوحيّ” يختلف عن “المنظور الخطّيّ” الّذي تطوّر منذ عصر النّهضة في إيطاليا (ق14م) والّذي احتكم إليه التّصوير الأوروبيّ إلى حدود المدارس الحديثة. انظر: عفيف البهنسي، جماليّة الفنّ العربيّ، سلسلة عالم المعرفة، عدد 14، الكويت، فبراير 1979، ص42.
[4]– انظر: غادة الإمام، جاستون باشلار، جماليّات الصّورة، التّنوير للطّباعة والنّشر، ط1، بيروت، لبنان، 2010، ص289 وما بعدها.
[5]– المرجع السّابق، الصّفحة ذاتها.
[6]– نشير إلى أنّ المستشرق الألمانيّ رتشارد إتنجهاوزن (1909- 1979) وضمن دراسة له بعنوان: “الفنون الزّخرفيّة والتّصوير، شخصيّتها ومجالها” نشرت معرّبة في كتاب “تراث الإسلام”، كان قد طرح سؤالا مهمّا يلخّص مجمل الإشكاليّات المتعلّقة بالخصائص الفنّيّة والجماليّة للخطّ العربيّ وللزّخرفة الإسلاميّة، بالقول: “ما الّذي يجعل الزخارف الهندسيّة أو الزهريّة أو الكتابات المنقوشة شيئا فريدا في ذاته محبّبا إلى النّفس وحاضرا في الذّهن دوما؟ ما الّذي يجعلها “إسلاميّة” الطّابع؟” ونلاحظ أنّ هذا السّؤال يشير إلى أربعة أبعاد أساسيّة محدّدة لكلّ أثر فنّي، وتتمثّل في: أوّلا، خاصّيّة الفرادة وهي تعني الأصالة والابتكار وبالتّالي التّفرّد من حيث الشّكل ومن حيث المضمون. وتتمثّل الخاصّيات الأخرى في البعد التّداوليّ للأثر الفّنّيّ، وتشمل أسباب قبوله وتقبّله نفسيّا وفكريا. انظر: رتشارد إتنجهاوزن، الفنون الزّخرفيّة والتّصوير، شخصيّتها ومجالها، ضمن كتاب: تراث الإسلام، ج1، سلسلة عالم المعرفة، العدد 8، الكويت، السّنة: 1985، ص321- 340.
[7]– جميل صليبا، المعجم الفلسفيّ، ج2، دار الكتاب اللّبنانيّ، بيروت، 1972، ص624.
[8]– المصدر نفسه، ص627.
[9]– روح القوانين De l’esprit des lois من أشهر كتب مونتاسكيو (1689- 1755) نُشر سنة 1748، تعرّض للمنع من قبل الكنيسة الكاثوليكيّة، يعرض فيه مونتاسكيو الأسس الّتي ينبني عليها القانون ودور العوامل المختلفة، الطّبيعيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة في تحديده وفي تبلوره.
[10]– جميل صليبا، المعجم الفلسفيّ، مصدر سابق، ص66.
[11]– المصدر نفسه، ص627.
[12]– ابن منظور، لسان العرب، المجلّد 13، دار صادر، (د ت)، ص211.
[13]– المصدر نفسه، ص212.
[14]– “فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَاَلْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ اَلْعَزِيزِ اَلْعَلِيمِ”. سورة الأنعام: الآية 96.
[15]– “إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا”. سورة الفتح: الآية 26.
[16]– Louhichi Adnan,”la céramique de revêtement mural”, in Couleurs de Tunisie, 25 siècles de céramique, (cat. exp. Paris, Institut du monde arabe, 1994), Paris : IMA / Adam Biro, 1994, p189.
[17]– Louhichi Adnan,”la céramique de revêtement mural”, p189.
[18]– Louhichi Adnan,”la céramique de revêtement mural”, p189.
[19]– مأطورة بها نصّ مكتوب ومدمج ضمن النّسيج الزّخرفيّ يعرّفها عدنان الوحيشي بالقول: “هذا النّوع من المأطورات نادر كذلك، لكن توجد منه عديد الأمثلة جُلّها من إنتاج ورشة الخميريّ، ينتظم النّصّ المكتوب بخطّ ليّن ما بين عموديّ المحراب داخل جيوب (cartouche). المعنى العامّ الّذي يُفصح عنه النّصّ هو تمنّيات بالقدوم الحسن والتّرحاب بضيوف البيت. هذا الانتظام في شكل جيوب مجتمعة مع العناصر النّباتيّة والمعماريّة يبدو لا سابق له في خزف التّكسية”، انظر:
– Collectif, Couleurs de Tunisie, 25 siècles de céramique, (cat. exp. Paris, Institut du monde arabe, 1994), Paris: IMA / Adam Biro, 1994, p191.
[20]– Ibidem.
[21]– يقول تعالى في سورة النّمل الآية 30، “إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ“.
[22]– يعرّف الأسلوب الّذي يعتمد على إدراج جزء من القرآن في النّثر أو الشّعر بــ “الاقتباس” أو “التّضمين”. والاقتباس: “هو أنّ تدرّج كلمة من القرآن أو آية منه في الكلام تزيينا لنظامه وتضخيما لشأنه“، اُنظر: إنعام فوّال عكّاوي، المعجم المفصّل في علوم البلاغة، البديع والبيان والمعاني، دار الكتب العلميّة، ط2، بيروت، لبنان، 1996، ص194 وما بعدها.
[23]– يمكن إدراج هذه الدّلالات المباشرة ضمن ما يسمّيه سعيد بنكراد المستوى الدّلاليّ الأوّل وفي هذا المستوى ليس على المؤوّل إلّا أن يشير إلى المعنى الّذي “تقترحه العلامة بشكل مباشر” أي المعنى الأوّل الماثل صراحة في معطى العلامة، وبالتّالي يكون التّأويل مقيّدا بحدود العلامة ذاتها وبمعطيات “الموضوع المباشر” أي أنّ عناصر التّأويل ليست سوى “ما هو معطى داخل العلامة بشكل مباشر“. اُنظر: سعيد بنكراد، السّيميائيّات، مفاهيمها وتطبيقاتها، دار الحوار للنّشر والتّوزيع، ط3، سوريا، 2012، ص103.
[24]– سعيد بنكراد، معجم السّيميائيّات، اُنظر الرّابط:
– http://www.saidbengrad.net/dic/index.htm
[25]– ورد هذا الاقتباس في المقال التّقديميّ للأستاذ النّاصر بن الشّيخ في كتالوج المعرض الّذي نظّمه الفنّان الألمانيّ رودلف بونفي بالمعهد العالي للفنون الجميلة بصفاقس/ أكتوبر 1998 .
[26]– اعتبر عثمان عثمان إسماعيل أنّ هنري تيراس سعى من خلال طريقته في البحث والاستقراء إلى “إرجاع كلّ أثر معماريّ أو عنصر خزفيّ مغربيّ إلى التّأثيرات الأندلسيّة (ذات الأصل البيزنطيّ)، فإذا اصطدم بعنصر مغربيّ أصيل قال إنّ مبدعه كان في الأصل أندلسيّا، وهذا ما لم ينقطع صداه بين جميع أقسام كتابه الفنّ الأندلسيّ المغربيّ“. ويربط د. عثمان عثمان تحامل المستشرقين، بصفة عامّة على فنون بلاد المغرب بتزامنها مع الحملة الاستعماريّة قائلا: “بينما كان الاستعمار ينشب أظافره في جسم الشّمال الإفريقيّ بحدّ السّيوف الطّاغية، كان علماء الاستعمار ينهشون في فنونه وحضارته بقدر ما أسعفتهم أقلامهم النّابية“. اُنظر: عثمان عثمان إسماعيل، دراسات جديدة في الفنون الإسلاميّة والنّقوش العربيّة بالمغرب الأقصى، دار الثّقافة، بيروت، (د ت)، ص21.
[27]– عثمان عثمان إسماعيل، دراسات جديدة في الفنون الإسلاميّة والنّقوش العربيّة بالمغرب الأقصى، مصدر سابق، ص25.
[28]– T. Burckhardt, L’art de l’islam langage et signification, Sindbad, Paris, 1985, p128.
[29]– Ibid. p119.
[30] أشرنا إلى رأي إتنجهاوزن، اُنظر: هامش عدد6.
[31] إسماعيل الفاروقي، التّوحيد ومضامينه، نقله إلى العربيّة: د. السّيّد عمر، مدارات للأبحاث والنّشر، مصر، جانفي 2014. ص320.
[32] المصدر السّابق، نفس الصّفحة.
[33]– أوليج كرابار، نقلا عن: عفيف بهنسي، جماليّة الفنّ العربيّ، مصدر مذكور، ص72.
[34]– أبو حامد الغزاليّ، إحياء علوم الدّين، دار ابن حزم، ط1، بيروت، لبنان، 1426 هـ/2005 م، ص1626.
[35]– اُنظر:
– Keith Critchlow et Paul Marchant, Zillig, Une Etude Géométrique, InZillig, l’art de la Céramique Marocaine, éd. Garnet, Paris 1993. p208.
[36]– عدنان الوحيشي: مؤرّخ وعالم آثار تونسيّ معاصر، شغل منصب مدير المعهد الوطنيّ للآثار بتونس. له العديد من البحوث والإصدارات.
[37]– Louhichi. A, La céramique de revêtement mural, In Couleurs de Tunisie, 25 siècles de céramique, (cat. exp. Paris, Institut du monde arabe, 1994), Paris : IMA / Adam Biro, 1994, p 190.
[38]– Ibid. p190.
[39]– ابن خلدون، مقدّمة ابن خلدون، دار الجيل بيروت، (د ت)، ص470-471.
[40]– Grabar, La formation de l’art islamique, Flammarion, Paris 1987, p286: «…. La réflexion qu’elle fait naître n’est pas dans ce qui est visible mais dans l’esprit de celui qui la regarde.»
[41]– Ibid. p288: «…Mais au lieu de la considérée comme une forme, nous pouvons voir en elle une idée».
[42] اُنظر: عليّ الجليطي، ما بين المشهد والشّهادة، قراءة في ممكنات التّأويل لفنّ الرّقش العربيّ، مكتبة علاء الدّين، صفاقس، تونس 2019.
[43]– Roger Garaudy, Mosquée: miroir de l’islam, Les éditions du jaguar, 1985, p133.
[44]– Ibid. p94.