ملخّص:
لقد اهتمّ علماء اللّغة العرب المحدثون بنظريّة النّظم في مصنّفات عبد القاهر الجرجاني النّحويّة والبلاغيّة. وبيّنوا منزلتها في التّراث اللّغوي العربي والإنساني. وأكّدوا قيمتها العلميّة في علاقتها بالكلام. وأضاؤوا جوانب منها وفق العلوم اللّسانيّة الحديثة. لكنّها مازالت في نظرنا في حاجة إلى مزيد من البحث والتّفكير نظرا لثرائها وعمقها. لذلك ارتأينا في هذا المقال أن ننظر في مسألة النّسيج اللّغوي من خلالها. ورأينا أنّ هذا النّسيج يرتقي إلى مستوى “البراديغم” الذي يمكن أن يقدّم لنا طرائق وأدوات للإحاطة بالكلام في مستوياته التّركيبيّة والدّلاليّة. فلم تعد عبارة النّسيج مجرّد استعمال استعاري، بل أصبحت في هذا السّياق مصطلحا علميّا.
الكلمات المفاتيح: نظم، نسيج، براديغم، كلام، قصد.
Abstract:
Arabiclinguists have paid attention to the theory of systems in the linguistic and rhetorical works of Abdul Qahir Al-Jurjani. They have highlighted its place in the Arabic and human linguistic heritage, affirming its scientific value in relation to speech. They shed light on aspects of it according to modern linguistic sciences. Nevertheless, in our view, there is still a need for further research and thinking due to its richness and depth. Therefore, in this article, we have sought to examine the issue of linguistic fabric through it. We think that this fabric rises to the level of a paradigm that can provide us with methods and tools to comprehend speech at its structural and semantic levels. The term « fabric » is no longer merely a metaphorical usage but has become a scientific term.
Keywords: Syntax theory, fabric, paradigm, speech, intention.
1- تمهيد:
لم يكن النّظم مصطلحا اخترعه الجرجاني (ت ـ471 هـ)، وإنّما سبقه إليه علماء في الأدب والبلاغة. ولكن فضله أو إضافته العلميّة تمثّلت في إخراجه من الالتباس والغموض والتّعميم إلى بناء نظري متكامل غيّر مفهوم البلاغة. فقد ذهب في ظنّ كثير من معاصريه أنّ هذا المفهوم قد استقرّ واكتمل ولم يعد في حاجة إلى مراجعة وتحديد. واقترن كتاباه ” دلائل الإعجاز” و” أسرار البلاغة” بهذا المصطلح في تاريخ العلوم اللّغوية العربيّة. ولئن اهتمّت الدّراسات اللّغوية قديما وحديثا بهذه المسألة وسعت إلى أن تحيط بأسسها ومكوّناتها ونتائجها، فإنها لم تعتن العناية الكافية بالعلاقة الكامنة بين هذه النّظرية والنّسيج اللّغوي الذي تحقّقه مختلف المستويات اللّغوية في الكلام المنجز، أي في ما يسمّيه اللّسانيون المعاصرون بالخطاب. لذلك يهدف هذا المقال إلى إبراز هذا النّسيج في معناه وخصائصه ومزاياه في الكلام من خلال نظريّة النّظم التي صاغها عبد القاهر الجرجاني في مؤّلفاته.
وتجدر الإشارة إلى أن عبارة النّسيج قد ذكرت في قصائد الشعراء وفي متون كتب النّقد الأدبي القديم والبلاغة والنّحو. وقد ردّدها أيضا ابن خلدون (ت808 هـ) في مقدّمته من خلال فصول خصّصها للحديث عن تأليف الكلام وصناعة الشّعر[1]. ولكنّها أهملت ولم يستأنف النّظر فيه الإخراجها من مجرّد علامة لغويّة تستعمل في سياق تشبيه الكلام بالقماش الموشّى أو البرد أو بغيره ممّا يحاك وينسج. فلعلّ هذا البحث ينفض عنها غبار النّسيان ويرفعها إلى درجة “البراديغم” (PARADIGM)الذي يعادل نظرية النّظم. لذلك نحن نفترض أنّ القول في النّسيج اللّغوي قول في هذه النظريّة.
2- النّظم قبل الجرجاني:
عرّف القاضي عبد الجبار (359-415 هـ) النّظم وهو يتحدث عن فصاحة الكلام بقوله «إنما تظهر في الكلام بالضم على طريقة مخصوصة»[2]. غير أنه لا يعرّف هذه الطريقة ولا يتقصّى أسسها وأسبابها. ولذلك أضاف مستدركا أن «لابد مع ضمّ من أن يكون لكل كلمة صفة»[3]. وقد أورد اللّساني عبد القادر المهيري رأيا في النّظم لأبي سليمان الخطابي(319 ـ 388هـ) مؤلّف كتاب ” بيان إعجاز القرآن “، يوافق الرأي السابق وتضمّنه قوله: «إنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة لفظٌ حامل ومعنى قائمٌ ورباطٌ لهما ناظمٌ»[4].
ومن أشهر المصنّفات التراثيّة الّتي حملت عناوينها لفظ “النّظم” كتاب الجاحظ “نظم القرآن”[5] ممّا يعني أنّ نشأة نظريّة “النظم” وتطورها لم يكونا منفصلين عن البحث في أدلّة إعجاز القرآن. ولقد كان هذا البحث مسألة كلاميّة بين مختلف الفرق الإسلاميّة ولا سيّما بين المعتزلة والأشاعرة. وتكمن وراء هذه المسألة قضيتان:
- قضيّة أولى جُعل الغوص فيها للإجابة عن سؤال له صلة بالعقيدة والمعجزات وهو: لماذا خصّ النّبيّ محـمد بمعجزة القرآن؟
- قضيّة ثانية تعلّقت بمفهوم البلاغة وعلاقتها بالبيان والإفهام والفصاحة وسبل تعلمها وتملّكها.
ولقد سعى عدد من أيمّة اللّغة والبلاغة وعلم الكلام إلى الفصل بين القضيّتين. فرأوا أنّ إرادة الله تحدّد المعجزة وتنزّلها بحسب الميدان أو النّشاط العلمي أو النّظري الغالب على قوم من الأقوام. «وعلى هذا الوجه رتّب تعالي المعجزات فجعل المعجز الذي أظهره على موسى ممّا الأغلب وضوحه لأهل زمانه وانكشافه لهم، فقد كانوا يتعاطون السّحر، فلمّا ورد عليهم ما ورد من انقلاب العصا حيّة آمنوا لظهور الأمر، وكان اعترافهم وإيمانهم مقويّا لدواعي غيرهم إلى البصيرة وشدّة التّأمّل (…)وعلى هذا الوجه أجرى تعالى عادة الرسول صلى الله عليه وسلّم في أن خصّه بالقرآن الذي هو مشاكل لصناعتهم وطريقتهم غير خارج عن الأمر الذي يشتدّ به اهتمامهم ويقوى له افتخارهم»[6].فلم ينظروا إلى الإعجاز من داخل النص وأساليبه وتعلّقِ كلمهِ بمعناه، وإنّما عالجوه من خارجه ولعلّ السّبب في هذا الإعراض يعود في نظرنا إلى عائقين:
- عائق عقديّ: تمثّل في الاعتقاد بأن القرآن أمر إلهي خصّ به نبيّه دون سائر البشر. فهو كلام الله استنادا إلى قوله تعالى: «قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا»[7]. وهو لذلك كلامٌ مُعجز من لدُنه صادرٌ عنه. فترتّب عن ذلك أنِ انصرف خلقه عن معارضته أو محاكاته. «ويبدو كذلك أنّ الدّاعي إلى وضع التآليف الأولى المتّصلة بالإعجاز ليس نكران هذا المبدإ من غير المسلمين بقدر ما هو موقف بعض المسلمين في تأويلهم له وتبريره، لا بخصائص القرآن الأسلوبية، وإنما بما فيه من إخبار عن الماضي والمستقبل وبصرف الله عباده عن محاكاته»[8].
- عائق منهجيّ: يتعلّق بالموقف من البلاغة. فهل هي بلاغة المعنى الناتج عن تركيب الكَلِمِ ونظمه وفق مقتضيات النّحو أم هي نابعة من الألفاظ؟
3- الإعجاز في فكر الجرجاني:
لقد حدّدت الإجابةُ عن هذا الإشكال المنهجيّ المواقفَ القديمة من الإعجاز القرآنيّ. وبرزت في خضمّ هذا الجدل البلاغيّ والكلاميّ، براعة عبد القاهر الجرجاني وظهرت إضافته العلميّة بأن أحدث ثورة منهجيّة في فهم البلاغة وتصوّرها ومعالجة إشكاليّة الإعجاز القرآنيّ.
لقد نظر إلى هذا الإعجاز من داخل النّص وأساليبه، فقال في دلائل الإعجاز «وهل تجد أحدا يقول: هذه اللّفظة فصيحة، إلاّ وهو يعتبر مكانها من النّظم. وحسن ملاءمة معناها لمعاني جاراتها، وفضل مؤانستها لأخواتها؟ وهل قالوا: لفظة متمكّنة مقبولة، وفي خلافه قلقة نابية ومستكرهة، إلا وغرضهم أن يعبّروا بالتّمكّن عن حسن الاتفاق بين هذه وتلك من جهة معناهما، وبالقلق والنّبوّ عن سوء التلاؤم، وأنّ السّابقة لم تصلح أن تكون لفقا للتّالية في مؤدّاها؟ وهل تشكّ إذا فكّرت في قول الله تعالى: ﴿وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجوديّ وقيل بعدا للظالمين﴾، فتجلّى لنا منها الإعجاز، وبهرك الذي ترى وتسمع، أنّك لم تجد ما وجدت من المزيّة الظاهرة والفضيلة القاهرة، إلا لأمر يرجع إلى ارتباط هذه الكلم بعضها ببعض، وأن لم يعرض لها الحسن والشّرف إلا من حيث لاقت الأولى بالثانية والثّالثة بالرّابعة؟ وهكذا إلى أن تستقريها إلى آخرها وأنّ الفضل تناتج ما بينها وحصل من مجموعها»[9].
لقد أخرج الجرجاني مفهوم الإعجاز من التّصوّر العقديّ الغيبيّ إلى التّصوّر العقليّ لما هو ماديّ ومحسوس في قوله السّابق «وبهرك الذي ترى وتسمع». ولم يفصل بين القضيّتين: قضيّة الإعجاز وقضيّة البلاغة. فقال أيضا «إن شككت فتأمّل؟ هل ترى لفظة منها بحيث لو أخذت من بين أخواتها وأفردت لأدّت من الفصاحة ما تؤدّيه وهي في مكانها من الآية؟ قل “ابلعي” واعتبرها وحدها من غير أن تنظر إلى ما قبلها وإلى ما بعدها وكذلك فاعتبر سائر ما يليها»[10].
وعلى ذات هذه السبيل سار الجرجانيّ عندما نظر في الإعجاز القرآنيّ والكلام البليغ البشريّ فاعتمد منظار النّظم. فهو «يعتبر أنّ النّظم سبب للإعجاز وأساس لكلّ بلاغة»[11]. ولمّا كان قد ورث أفكارا نظريّة عن التّيّار الثاني القائل ببلاغة التّركيب والمعنى مقابل تيّار العبارة ومعناها الوضعيّ اللّغويّ، فقد استطاع أن يُفيد من آراء الجاحظ (ت ــ 255هـ) في ” البيان والتبيين” وفي “نظم القرآن” ومن القاضي أبي الحسن عبد الجبّار الأسد آبادي (ت415 هـ) في “المغني في أبواب التّوحيد والعدل” ومن عليّ بن عيسى الرّمانيّ (م386هـ)في “النكت”[12] ومن غيره. وتسنّى له أيضا أن يعلو فوق الجدل المذهبيّ والعقائدي، وأن ينعطف بالتّفكير البلاغيّ منعطفا علميّا صرفا ليبني نظريّة في النّظم متكاملة في موضوعها ومنهجها ومفاهيمها وأدواتها الإجرائيّة التطبيقيّة. فسعى في كتابيه “الدلائل” و”الأسرار” إلى أن يقدّم أدلّة عديدةعلى وجاهة رأيه في النّظم من القرآن وجيّد الشّعر والنّثر البليغ ممعنا النّظر في أساليب العرب وفصاحتهم. ولم يتوانَ في كلّ ذلك عن الرّد على خصومه بالحجج البيّنة النّقليّة والعقليّة المنطقيّة. ولذلك يمكن أن نستشفّ خلفيّته الفلسفيّة والكلاميّة من متون تآليفه وردوده على مخالفيه وخصومه. فقد انبرى يضبط منهجه الجديد بالنّسبة إلى عصره لتغيير التّصوّر السائد الموروث عن البلاغة وأسسها وأسبابها وعلاقتها بالنّحو واللّفظ والكلمة والأغراض والمقاصد المعبّرة عن مقامات القول. وعلى هذا الأساس المنهجيّ فرّق بين مصطلحات أساسيّة لبناء نظريّة النّظم وهي الكلام واللّغة واللّفظ والكلمة والغرض.
4- الفروق بين هذه المصطلحات:
لقد رفض الجرجانيّ أيضا ما كان سائدا من الآراء. فلم يعدَّ البلاغةَ في اللّفظ، ولم ير مزيّة الكلام فيما ينطق به المتكلّم من أصوات. فاللّفظ عنده هو الجانب الصوتيّ بنطق الحروف متتالية. إذ يعجز الجهاز الصّوتيّ عن التصويت بحروف كلمة ما دفعة واحدة. فـنظمُ «الحروف هو تواليها في النطق فقط وليس نظمها بمقتضى عن معنى، ولا النّاظم بمقتف في ذلك رسما من العقل اقتضى أن يتحرّى في نظمه لها ما تحرّاه، فلو أنّ واضع اللّغة كان قال ربض مكان ضرب لما كان في ذلك ما يؤدّي إلى فساد»[13].
وفي الفصل الذي جعله “في شبهة الذين حصروا الفصاحة في صفة اللّفظ من “دلائل الإعجاز” بيّن أنّ اللّفظ دون المعنى. فهو لا يعدو أن يكون طَرْق الحروف متتالية. فقال: «فإن قال قائل إنّي لا أجعل تلاؤم الحروف معجزا حتّى يكون اللّفظ مع ذلك دالّا»[14]. وهو بذلك يفرّق بين اللّفظ ومعناه، ولا يشمل اللّفظ والمعنى سوى الكلمة المفردة. وقد أشار إلى ذلك في حديثه عن خاصيّة النّظم «والنّظم والتّرتيب في الكلام كما بيّنّا عملٌ يعمله مؤلّف الكلام في معاني الكلام لا في ألفاظها»[15]. فلا تفاضل في الكلمات بين فصيح وغير فصيح، ولا مزيّة فيها للمتكلّم لأنّها ممّا تواضع عليه النّاس وورثوه من أقوامهم. وهي عنده ثلاثة أقسام: «الكلم ثلاث اسم وفعل وحرف»[16]. فللكلمة في رأيه وجهان: وجه لفظيّ صوتيّ ووجه معنويّ، مما جعل منها علامة أو سمة اعتباطيّة لا تحتاج إلى تبرير عقليّ، «ومن شأن العلامة أن تكون وسيلة تمييز وهي لا تكتسب قسمة معنويّة إلا إذا قوبلت بما لا تدلّ عليه، فهي مع العلامات الأخرى في علاقة تقابليّة»[17].
وقد سبق الجرجانيّ دي سوسيرDe Saussure (1857-1913) في إبراز قيمة العلامة اللّغويّة بقوله»ولا معنى للعلامة والسّمة حتّى يحتمل الشّيء ما جعلت العلامة دليلا عليه وخلافه، فإنّما كانت ” ما ” مثلا علما للنّفي لأنّ ههنا نقيضا له وهو الإثبات، وهكذا إنّما كانت “مَنْ” لِمَا يَعْقِلُ لأنّ ههنا “ما” لا يعقل»[18]. فالكلمات والألفاظ المفردة هي أوضاع اللغة وبهذا أطلق الجرجاني مصطلح اللغة ليعني به مجموعة من المفردات أو كل الوحدات المعجميّة التي اتّفق عليها بالتّواضع. وهي إنّما تعرف «بالتّوثيق والتّقدّم بالتّعريف»[19]. لقد استطاع الجرجانيّ أن يفرّق بين اللّفظ والكلمة بوضوح. فاستند إلى هذا التّفريق بين المفهومين في هذا الزّوج الأوّل ليفرّق بين المفهومين في الزّوج الثاني: اللغة والكلام.
لقد احتفى الجرجاني بمنزلة الكلام ونوّه به أكثر من احتفائه واهتمامه باللغة، وملخّص التّفريق بينهما ورد في قوله: «وجملة الأمر أنّه إنّما يتصوّر أن يكون المعنى أسرع فهما منه لمعنى آخر إذا كان ذلك ممّا يدرك بالفكر، وإذا كان يتحدّد له العلم به عند سمعه الكلام، وذلك محال في دلالة الألفاظ اللّغويّة لأنّ طريق معرفتها التّوقيف والتّقدّم بالتّعريف»[20]. فاللّغة اصطلاحيّة وضعيّة يتملّكها المتكلّم عبر السّماع والتّلقين أثناء تنشئته الاجتماعيّة. والمتكلّم من الكلام الذي يصاغ ويعقل ويفهم بتوخّي معاني النّحو في معاني الكلم أو الألفاظ المفردة. ههنا يكون الكلام عملا فرديّا ومسؤوليّة تقع على المتكلّم لا غير. ولا يقصي الجرجاني المخاطب الّذي أشار إليه بشكل غير مباشر وضمني أثناء تأكيده الأغراض والمقاصد في الكلام كما أشار إليه مباشرة باعتباره سامعا. وذلك في قوله: «ممّا يعلم ببدائه العقول أنّ النّاس يكلّم بعضهم بعضا ليعرف السّامع غرض المتكلّم ومقصوده»[21]. ويقول سورل: «إن كنت مثلا أعتقد أنّها تمطر فإنّ محتوى اعتقادي أنّها تمطر»[22]. وقد ينقد الجرجاني من هذا الجانب بأنّه أشار إلى السّامع إشارة سلبيّة لا تبيّن تأثيره في المتكلّم، وتحصر دوره فقط في السّماع.
وإذا فرّق بين اللّغة والكلام من النّاحية الاصطلاحيّة فإنّه لا يقطع بينهما، فاللّغة يفصح بها عن المعنى في سياقات الكلام. فالعلاقة بينهما متينة لارتباط وظيفتهما، وليس للّغة وظيفة خارج الكلام. وعلى هذا السّبيل اختلف عن سابقيه في تناول علم البلاغة وقضاياه.
5- علم البلاغة من خلال نظريّة النّظم:
نفر الجرجاني من منهج التّبويب والإحصاء، فقد كانت البلاغة «إحصاء وتعريفا، إحصاء للتّعابير البيانيّة والمحسّنات اللّفظيّة، وتعريفا لها بتسميتها وتوضيح خصائصها الشّكليّة أو المعنويّة حتّى تتّخذ مقاييس لتقييم الكلام وربّما وسائل تعليميّة لتكوين الكتّاب»[23]. وقد فسّر العسكري (ت 395هـ) في بداية كتابه “الصّناعتين” هذا المنهج بقوله: «رأيت أن أعمل كتابي هذا مشتملا على جميع ما يحتاج إليه في صنعة الكلام نثره وشعره»[24]. فقد توجّهت البلاغة قبل الجرجاني إلى إحصاء ما يستعصى عن الإحصاء وإلى ضبط وحصر ما يخرج عن التّقنين والحصر. فكأنّ البلاغيين أرادوا أن يضبطوا السّياقات التي لا حدّ لها ولا ضابط. ولذلك جعلوا البلاغة رهينة العبارة والكلمة. وغفلوا عن وضعها في التّركيب والسّياق الملائمين للمعنى المقصود. فغلب التّبويب على أعمالهم وتوهّموا تقعيد إرادة المتكلّم «وقدرته على التّصرّف في معطيات اللّغة وابتكاره»[25]، لكنّ الجرجاني أحدث منعرجا هامّا في تصوّر البلاغة وطريقة فهمها. فابتعد عن التّبويب وإن كان في الظّاهر فقد بوّب مسائل في التّشبيه والاستعارة والتّجنيس وغيرها. فقد كانت غايته الحقيقيّة «أن تدخل في جوانب هذه المسائل وزواياها وتستثير كوامنها وخفاياها»[26]. وكان يروم البحث عن الأسباب الكامنة وراء الأساليب البلاغيّة لا عن ظواهرها وإحصائها. ولم يتسنّ للجرجاني الوصول إلى هذا التصوّر الثّابت إلّا لأنّه كان نحويّا قبل أن يكون بلاغيّا. فاعتبر معاني النّحو الخلفيّة الأساسيّة لتطريز الكلام ونسجه في معانيه الثّواني الخفيّة التّي تستخرج بكدّ الفكر والعقل.
ولمّا كانت معاني النّحو لا تتمّ إلّا بالتّعلّق، فإنّ الإسناد هو المعنى الأوّل لها، والإسناد لا يكون إلّا خبرا. والخبر هو أصل الكلام ومبدؤه ومنطلقه، وهو الّذي تُبنى عليه الأعمال الإنشائيّة كلّها بوسم محلّ المتكلّم الإعرابي بحروف تعبّر عن إرادته. وقد تفطّن سيبويه إلى نظريّة الإسناد وبنى عليها مؤلّفه “الكتاب”. وهذا ما وضّحه الجرجاني بقوله: «اختصّت الفائدة بالجملة. ولم يجز حصولها بالكلمة الواحدة، كالاسم الواحد والفعل من غير اسم يضمّ إليه، والعلّة في ذلك أنّ مدار الفائدة في الحقيقة على الإثبات والنّفي، ألا ترى أنّ الخبر أوّل معاني الكلام وأقدمها والّذي تستند سائر المعاني إليه وتترتّب عليه، وهو ينقسم إلى هذين الحكمين (الإثبات والنّفي)، وإذا ثبت ذلك فإنّ الإثبات يقتضي مثبتا ومثبتا له…وكذلك النّفي يقتضي منفيّا ومنفيّا عنه…فلمّا كان الأمر كذلك احتيج إلى شيئين يتعلّق بالإثبات والنّفي بهما، فيكون أحدهما مثبتا والآخر مثبتا له، وكذلك يكون أحدهما منفيّا والآخر منفيّا عنه، فكان ذانك الشّيئان: المبتدأ والخبر، والفعل والفاعل، وقيل للمثبت وللمنفيّ مسند وحديث، وللمثبت له والمنفيّ عنه مسند إليه ومحدّث عنه. وإذا رمت الفائدة أن تحصل لك من الاسم الواحد أو الفعل وحده، صرت كأنّك تطلب أن يكون الشّيء الواحد مثبتا ومثبتا له، ومنفيا ومنفيّاعنه. وذلك محال»[27]. فيمكن أن نعتبر الخبر القائم على الإسناد بمثابة البناء التّحتي المادّي الدّلالي الذي ينهض عليه الكلام ويتحقق ويتعدّد ويمتدّ. فهو بمثابة الوجود المنبثق من العدم.
وليس الإثبات والنفي سوى شحنتين: واحدة موجبة وأخرى سالبة، ليحدث تيّار الكلام. فإنْ أثبت المتكلّم أمرا استحضر ذهنه النّفي بالغياب والعكس صحيح أيضا. ولعلّه يمكن أن نتصوّر أنّ البنية العميقة للّغة قائمة على مبدإ الشّرط. فشرط الخبر الإسناد وشرط الإسناد الإثبات أو النّفي. وشرط الإسناد التّعلّق بين مسند ومسند إليه وشرط الإنشاء الخبر. فتشتغل اللغة بشكل لولبيّ متصاعد منطلق من وحدة تامّة بين معاني النّحو ومعاني الكلم. ولذلك جعل اللّسانيّ التّونسي صلاح الدّين الشّريف “الشرط والإنشاء النّحويّ للكون ” عنوانا لأطروحته[28]. ولمّا كان معقد البلاغة الكلام المنظوم المنسوج بتوخّي معاني النّحو في معاني الكلم وفق مقتضيات الأحوال، فإنّه وجب السّؤال عن المقصود بالنّظم.
6- مفهوم النّظم:
يمكن أن نجيب عن هذا السؤال باعتماد تدرّج المتكلّم في إنجاز الكلام، فهو يبدأ بتعجيم المحلات الإعرابية المجرّدة، ولكنّه في هذا المستوى لا ينجز كلاما، فينحو إلى دمج هذا المستوى بالمقاصد والأغراض، فتلتقي المستويات اللغويّة جميعا في النّظم. وفيه يتّحد ما هو تركيبيّ وصوتيّ وصرفيّ ومعجميّ ومقاميّ في كلٍّ واحدٍ سمّاه الجرجاني بالمرآة. وظهر ذلك في قوله: «هذا كلام وجيز يطّلع به النّاظر على أصول النّحو جملة، وكلّ ما يكون به النّظم دفعة، وينظر منه في مرآة تريه الأشياء المتباعدة قد التقت له، حتّى رآها في مكان واحد»[29]. فتتشكّل اللّغة في قطبين: قطب صوتيّ وقطب دلاليّ لا فصل بينهما.
وأمّا الأغراض والمقاصد فلها دور ناجع في سبك التّركيب وتمتين التّعلّق، لأنّ الدّلالة تزيد المستويات النّحويّة التحاما حتّى تصبح كالكلمة الواحدة. وأكّد الجرجانيّ هذا الأمر بقوله: «وإذا كان ذلك كذلك بان منه وثبت أنّ المفهوم من مجموع الكلم معنى واحد لا عدّة معان…ولهذا المعنى تقول إنّه كلام واحد»[30]. وحين يبلغ نظم الكلام هذا الشّأو يصعب على سامعه أو ناقله أن ينقص منه جزء من أجزائه. فكلّ تغيير يبدّل المعنى بأيّ شكل من الأشكال. ذلك أنّ تركيب الكلام مرتبط بسياقه الذي لا يمكن تغييره وتبديله لأنّه ليس مفردة أو تركيبا جزئيا أو غيره. فهو علاقة رابطة بين متكلّم ومخاطب تشكّل الإطار الذي به نفهم الجمل والنّصوص ولا دخل فيه لطرف ثالث.
وتضطلع السّياقات بأغراضها ومقاصدها بترتيب معاني النّحو المتوخّاة في معاني الكلم على نحو مخصوص. ويمكن أن نعتبر هذا التّرتيب المخصوص هو حقيقة النّظم وصميمه لأنّه لا ينجزه المتكلّم إلا بإعمال عقل وفكر ورويّة. وقد وضّح الجرجانيّ ذلك في قوله: «لا نعلم شيئا يبتغيه النّاظم بنظمه غير أنّ ينظر في وجوه كلّ باب (من النّحو) وفروقه فينظر في الخبر إلى الوجوه الّتي تراها في قولك: جاءني زيد مسرعا، وجاءني يسرع… فيعرف لكلّ من ذلك موضعه ويجيء به حيث ينبغي له. وينظر في التي تشترك في المعنى ثمّ ينفرد كلّ واحد منها بخصوصيّة في ذلك المعنى، فيضع كلّ من ذلك في خاصّ معناه… وينظر في الجمل التي تسرد، فيعرف موضع الفصل فيها من موضع الوصل… ويتصرّف في التعريف والتنكير، والتّقديم والتّأخير في الكلام كلّه، وفي الحذف والتّكرار والإضمار فيضع كلا من ذلك في مكانه»[31]. فيلاحظ في قوله ثلاث إشارات مثيرة للانتباه ونراها بمثابة القانون في النّظم وهي:
ــ «فيعرف لكلّ من ذلك موضعه ويجيء به حيث ينبغي له».
ــ «فيضع كلا من ذلك في خاصّ معناه».
ــ «فيضع كلا من ذلك في مكانه»
لقد تكرّرت كلمات لها نفس المعنى: “مكان” و”موضع” و”حيث ينبغي”. ونستنتج انطلاقا من ذلك التّكرار أنّ النّظم، أي نسج الكلام وتأليفه وفق معاني النّحو، لا يكون إلّا بمعرفة المواضع التي لا تعدو أن تكون محلّات إعرابيّة ذات دلالات نحويّة موسومة باللّفظ المختار المناسب والموضوع في محلّه الّذي ينبغي له حسب كلّ غرض ومقصد. فكأنّنا إزاء عمليّة كيميائيّة على جانب كبير من الدّقّة والعناية والإصابة ظهرت في قول الجرجاني: «وينظر في الجمل التي تسرد». والسّرد لا يخلو من معنى الرّبط والنّسج والمزج بين المستويات اللّغويّة. فسرد الدّرع نسجها فشكّ طرفي كلّ حلقتين وسمّرهما. ومعاني النّحو والفروق بينها معارف مشتركة يمكن أن يجتهد المتكلّم في اكتسابها مثل اكتسابه الرّصيد المعجمي اللّغوي. ولكن ما لا يمكن تعليمه ونقله هو هذا التّرتيب المخصوص للألفاظ ومعاني النّحو معا في سياقات متعدّدة. ويعرّف السكّاكي (ت626) النّحو ومعانيه بقوله: «هو أن تنحو معرفة كيفيّة التّركيب فيما بين الكلم لتأدية أصل المعنى مطلقا»[32]. وهي أيضا المعاني الأول التّي تتحقّق حسب الجرجاني بتعليق الكلم بعضها ببعض. فبالمواضع تُعرف أحكام النّحو وبالمواضع أيضا يتحقّق الكلام في ترتيبه وتأليفه المخصوص على وجوه لا يمكن حدّها أو حصرها: «واعلم أنّ علم المعاني هو تتبّع خواصّ تراكيب الكلام في الإفادة وما يتّصل بها من الاستحسان وغيره…لكن لا يخفى عليك حال التعرّض لها منتشرة فيجب المصير إلى إيرادها تحت الضبط بتعيين ما هو أصل لها وسابق في الاعتبار ثمّ حمل ما عدا ذلك عليه شيئا فشيئا على موجب المساق. والسّابق في الاعتبار في كلام العرب شيآن الخبر والطّلب»[33]. وخواصّ التراكيب هي المعاني الثّواني التي تفيدها الأغراض والمقاصد، ولا يمكن فهم هذه المعاني الخاصّة أو إنجازها إلاّ بالاستناد إلى السّابق في الاعتبار الذي هو معاني النّحو. فالجانب التّداولي المتمثّل في الأغراض والمقاصد كالمحلول الكيميائي الّذي يضاف إلى مواد أخرى ليذيب بعضها في بعض حتّى تصبح شيئا أو محلولا واحدا. لذلك قال الجرجاني في الدّلائل: «إذا قلت: ضرب زيد عمرا يوم الجمعة ضربا شديدا تأدية له فإنّك تحصل من مجموع هذه الكلم على مفهوم هو معنى واحد»[34]. وقد توصّل اللّساني التّونسي خالد ميلاد في دراسته للإنشاء في العربيّة دراسة نحويّة تداوليّة إلى نتيجة مفادها أنّ الأبنية النّحويّة «تتفاعل كما تتفاعل الأنسجة العضويّة أو المحاليل الكيمياويّة»[35]. فبدا لنا قوله تأصيلا لنظريّة النّظم وتطويرا لها على أسس نحويّة عربيّة تراثيّة وعلى أسس تداوليّة لسانيّة من التّراث الغربي المعاصر باعتبار أنّ الدّراسات اللّغويّة تراث إنساني مهما اختلفت منابتها. فالنّظم إذن نسيج فرديّ مخصوص للكلم في سياقات معيّنة وفق قواعد النّحو وأحكامه، وليست عبارة النّسيج ههنا مجرّد تشبيه وإنّما أوردناها بمعنى ما ينطبق على عمليّة النّسج من قواعد وخصائص.
7- الكلام نسيج:
استعمل مصطلح النّسيج مدخلا أساسيّا في علم البيولوجيا، فـالنّسيج «الحيوي هو المستوى التّنظيمي الخلوي وهو الوسيط بين الخلايا والكائنات الكاملة. فهو مجموعة متكاملة من خلايا مماثلة من نفس المنشأ تحمل وظيفة محدّدة. والأعضاء تتكوّن من مجموعة وظيفيّة من الأنسجة»[36]. فلم تعد عبارة النّسيج مقتصرة فقط على عالم صناعات القماش أو خيوط الصّوف أو غيرها، وإنّما انتقلت إلى مجالات علميّة دقيقة وثابتة وخرجت من التّعبير الاستعاري إلى الاستخدام العلمي الاصطلاحي مثلما هو شائع اليوم استخدام المتصوّر “النّسيج العمراني” في الهندسة المدنيّة. لكنّ هذا المصطلح لم يلق العناية الكافية والاهتمام العلمي اللّافت في مجال البحوث اللّغويّة العربيّة القديمة. ويمكن أن يعود ذلك إلى شيوع مصطلحات أخرى مثل النّظم والتّعليق والعمل والإعراب تصدّرت المصنّفات النّحويّة والبلاغيّة، فحجبته لكثرة تداولها. ولم يبرز أيضا بصورة جليّة في المؤّلفات اللّسانيّة العربيّة الحديثة والمعاصرة نظرا إلى أنّ الجهد العلمي والمعرفي كان منصرفا إلى استيعاب المنجز اللّساني الغربي بغية فهمه وتطبيقه على النّصوص الإبداعيّة وقراءة التّراث اللّغوي في ضوئه. إلّا أنّ الشّعراء قد تفطّنوا بكلامهم المخيِّل إلى هذه المسألة في إشارات حدسيّة. فقال بشّار بن برد مثلا (الوافر):
كسـوتــك حلّةً مـمّا أُســــدّي ** بـُــرودا لا يفـارقها بــــرودُ
ملابس لا ترثُّ على اللّيـالي ** ولا تبلَى وإنْ بليَت جــــلودُ
جلسـتُ أحوكها واللّيـلُ داج** محبّــرةً تُبـــيد ولا تَبــــــــيدُ
يورّثــــها بنـــوك بنــــــيهم ** إذا هلكـوا ومنشرها جــــديدُ
كذاكَ الدّهر يبلـي كلَّ شيء ** ولا يفنى على الدّهر القصيد [37]
ويَقصدُ بالملابس والحلّة والبرود القصائدَ، وحاك يحوك في معنى نسج الصّوف أو غيره وفي معنى نظمَ الشّعر أيضا. فنظم الكلام هو حياكة ونسج، وهذه الأبيات تلخيص مكثّف لنظريّة النّسج وتأسيس لها وإدراك عميق لِكُنهِ خلود النّصوص رغم فناء جلود أصحابها. وقد وقف الشّاعر فيها، إضافة إلى ذلك، عند لحظتين مهمّتين: لحظة التكوّن ولحظة التّحوّل. وكِلتاهما مرتبطتان بالبعد الزّمني: (اللّيالي/ اللّيل/ ومنشرها جديد/ الدّهر). وليس هذا الزّمن خارجيّا فقط بل هو داخليّ أيضا. فهو جزء مكوِّن للكلام الّذي به يحقّق خلوده.
ويعدّ مؤلّف الكلام، شاعرا أو ناثرا، نسّاجا، قال ابن خلدون: «فمؤلّف الكلام هو كالبنّاء أو النّسّاج»[38]. وقد سبقه الجاحظ إلى هذا المعنى في تعريفه الشّعر بقوله: «فإنّما الشّعر صناعة وضرب من النّسج وجنس من التّصوير»[39]. ولذلك قال الجرجاني: «واعلم أنّ مثل واضع الكلام مثل من يأخذ قِطعا من الذّهب أو الفضّة فيذيب بعضها في بعض حتّى تصير قطعة واحدة»[40]. وكلمة “قِطَعا” تشير إلى الكلم أي المفردات المعجميّة التي تنبجس في ذهن المتكلّم وتشكّل حركة داخليّة نفسيّة ذهنيّة قبل أن تتجسّد في الكلام المنطوق أو المكتوب. فاللّغة في فكر اللّساني الأمريكي لانقاكير (Langaker) «جزء لا يتجزّأ من العرفان البشريّ»[41]. وقد بيّن الجرجاني كيف تتحرّك الكلم ومن أين تاتي فقال:«هذا كلام وجيز…ينظر منه في مرآة تريه الأشياء المتباعدة الأمكنة قد التقت له، حتّى رآها في مكان واحد، ويرى بها مشئما قد ضمّ إلى معرق، ومغرّبا قد أخذ بيد مشرّق»[42]. فالمفردات المعجميّة تنطلق من نقاط مختلفة وتتحرّك فوضىفيما بينها لتنتظم لاحقا في نسيج مكتمل التّركيب والدّلالة حتّى يصبح كلاما مفيدا قائما على الإسناد، فهذه قادمة من الشام (مُشئمة) وتلك من العراق (مُعرقة)،ولها حركة، وحركتها غير منفصلة عن سرعة الذّهن في معالجتها، ولها أيضا مكانان: مكان تصدر عنه ومكان تستقرّ فيه. فـاللّغة «نظام فضائي وهذا الفضاء شكل بنيوي مجرّد لولبيّ مسترسل»[43]. وقد يحدث ما يشبه الصّراع بين المفردات اللّغويّة في ذهن المتكلّم الذّي يجد نفسه أمام إكراهات عديدة كإكراهات المعنى الذي يجب مراعاته وإكراهات القواعد النّحويّة الّتي عليه أن يمتثل لها وإكراهات المخاطب الّذي لا يتواصل معه إلّا إذا فهم عنه وإكراهات السّلطة بأنواعها الّتي تراقب ما يقول ليضطرّ أحيانا إلى التّلميح دون التّصريح. فالكلام في نهاية الأمر سياسة المعنى واللّفظ معا في ظلّ هذه الإكراهات.
وعلى هذه السّبيل يمكن القول إنّ نسج الكلام أو سديه يحتاج إلى آلة سدي، وهي النّظام اللّغوي لِلِسَانٍ من الألسن، وإلى خيوط نسج، وهي المفردات المعجميّة التّي تتحوّل لاحقا إلى جمل في النّصّ، وإلى قواعد في فنّ النّسج وهي قواعد النّحو وأحكامه، وتحتاج أيضا إلى تصميم أو مثال يتّبعه النّسّاج وهو تركيب الكلام بشكل مخصوص وفق المقاصد والأغراض. فالنّسج عمليّة مركّبة تتكوّن من عدّة عناصر.
وقد وضّح الجرجاني كيف يكون شكل نسيج الكلام بعد الفراغ من إنجازه، فقال مخاطبا القارئ: «وإذ عرفتَ هذا فهو العبرة أبدا. فبيت بشّار إذا تأمّلته وجدته كالحلقة المفرغة الّتي لا تقبل التّقسيم، ورأيته قد صنع في الكلم الّتي فيه ما يصنعه الصّانع حين يأخذ كسرا من الذّهب فيذيبها ثمّ يصبّها ويخرجها لك سِورا أو خلخالا. وإن أنت حاولت قطع بعض ألفاظ البيت عن بعض كنت كمن يكسر الحلقة ويفصم السوار، وذلك أنّه لم يرد أن يشبّه الّنّقع باللّيل على حدة والأسياف بالكواكب على حدة ولكنّه أراد أن يشبه النّقع والأسياف تجول فيه باللّيل في حال ما تنكدر الكواكب وتتهاوى فيه، فالمفهوم من الجميع مفهوم واحد والبيت من أوّله إلى آخره كلام واحد. فانظر الآن ما تقول في اتّحاد هذه الكلم الّتي هي أجزاء البيت، أتقول إنّ ألفاظها اتّحدت فصارت لفظة واحدة أم تقول إنّ معانيها اتّحدت فصارت الألفاظ من أجل ذلك كأنّها لفظة واحدة»[44]. وبيت بشّار الّذي أخذه مثالا هو (الطّويل):
كأنّ مُثار النّقع فوق رؤوسنا ** وأسيافَنا ليل تهاوى كواكبه
وأورد بعده مباشرة هذا السّؤال: «وانظر هل يتصوّر أن يكون بشّار قد أخطر معاني هذه الكلم بباله أفرادا عارية من معاني النّحو الّتي تراها فيها»[45]. والبال ههنا هو الذّهن الذّي يعالج الكلم بمعاني النّحو لينتج كلاما بمقاصده وأغراضه. فالمفردات لا تحضر في الذّهن دون قواعد اللّغة وأحكامها. وتجسيدها كتابة أو نطقا هو ممكن من الممكنات أو احتمال من الاحتمالات. وفي ضوء ما ذكرنا يمكن أن نعتبر النّسيج براديغما ولا يختصر في حدّ المفهوم. والبراديغم (paradigm) كلمة يعود أصلها إلى الكلمة اللاتينية (paradigma) وإلى الكلمة الإغريقيةparadeigma)). وتعني مثالا أو نموذجا (pattern). وترجع عبارة paradeigma بدورها إلى الفعل paradeiknunai الذي يعني قارن. وتتكون هذه الكلمة من كلمتين: para في معنى الشمول و deigma التي تفيد المثال. وعلى هذا الأساس يمكن أن يترجم هذا المصطلح إلى الأنموذج أو الأنموذج الإرشادي أو النموذج الموجه أو النموذج العلمي الموجه. وفي معجم أكسفورد «البراديغم هو وجهة نظر العالم الّتي تقوم عليه النّظريات، ومنهجيّة البحث في المبادين على وجه الخصوص، فأصبح مثلا اكتشاف الجاذبيّة الكونيّة براديغم العلم النّاجح»[46]. أمّا اصطلاحا فـالبراديغم أو «النّموذج العلمي الموجّه هو تلك الإنجازات العلميّة التي تقبل في زمن معيّن وتشكّل أساسا قويّا لطرح المشكلات العلميّة وطرائق حلّها. وهو كذلك مجموعة قيم الّتي يشترك الباحثون في قبولها والتّمسّك بها. وتتمثّل هذه القيم في المناهج والمعايير الّتي تتحدّد وفقا له لأنّ نموذجا علميّا واحدا يكون منطلقا لاكتشافات علميّة من خلال أمثلة منتقاة وغير مكتملة أيضا. وبذلك فهو تقليد علمي خاص ومنسجم»[47]. ويرى “توماس كون” (1922-1996) صاحب هذا المصطلح العلمي أنّه «لا يظهر الاكتشاف ولا تصير النظرية براديغما إلّا عندما تصاغ التّجربة والنّظريّة المؤقّتة معا صياغة تجعلهما متّفقين»[48]. وتشرح د.سعاد سراي قول “كون” بأنّ البراديغم «هو مجموعة القوانين والتّقنيات والأدوات المرتبطة بنظريّة علميّة والمسترشدة بها، والّتي بواسطتها يمارس الباحثون عملهم ويديرون نشاطهم. وحالما تتأسّس تتّخد اسم العلم العادي»[49].
إنّ النّسيج اللّغوي هو إذن براديغم لأنّه تنطبق عليه خصائص أيّ براديغم. فهو «يتضمّن قوانين وتعريفات وتعميمات رمزيّة Modelization»[50]. مثل قواعد النّحو والصّرف وأحكام التّعاملات الصّوتيّة والمقولات الاسميّة والفعليّة والمقولات الإعرابيّة كالعمل والإعراب والإسناد الذي يصاغ رمزيّا بـ : عامل * معمول. ويشمل أيضا تعريفات للكلم والمتكلّم والمعنى والتّعليق وغيرها. ويحتوي هذا البراديغم أيضا على «نماذج ميتافيزيقيّة واعتقادات (Beliefs) معيّنة تتيح للمجموعة العلميّة استلهام الرّموز والاستعارات لشرح النظريّة العلميّة»[51]. فاستلهم الجرجاني مصطلح النّسيج من حياكة الصّوف والأقمشة وسرد الدّروع وحرفة السّدي. واعتقد صاحب ” الدّلائل ” أيضا أنّ المعاني النّفسيّة الذّهنيّة تنشئ الكلام وتتحكّم فيه قبل نطقه أوكتابته. ويحمل النّسيج اللّغوي أيضا قيما Values)): من قبيل تماسك النّظريّة العلميّة واتّساقها الدّاخلي وانسجامها مع الواقع. والقيم تشمل أيضا المواقف المشتركة للعلماء تجاه أزمات العلم وتجاه النّظريات المتجدّدة “[52]. ولا يكتمل هذا البراديغم إلّا إذا تضمّن «نماذج ((Examplesفي شكل معارف ضمنيّة تكتسب عن طريقة ممارسة العلم»[53]. فالجرجاني لم يدّخر جهدا في تقديم أمثلة من الشّعر والقرآن ليؤكّد أنّ الكلام يفهم في إطار هذا البراديغم النّسيج اللّغوي الّذي برهنّا عليه بإفادة خصائصه الأربع.
8- خاتمة وآفاق:
لقد انطلقنا من نظريّة النّظم في مصنّفي الجرجاني “دلائل الإعجاز” و “أسرار البلاغة” لنخلص في نهاية البحث إلى أنّها براديغم للكلام الخبري والإنشائي. وسمّينا هذا البراديغم النّسيج اللّغوي الذّي ذكر في الأشعار وكتب النّقد الأدبي والنّحو والبلاغة بعبارات السّدي والنّسج والحياكة والتّطريز والسّرد والإذابة. ولكنّه أهمل ولم يُستأنف النّظر فيه. فالمستويات اللّغويّة التّي يحوزها المتكلّم بكفاءتها للّغويّة الذّهنيّة المجرّدة، ويدمج بعضها في بعض بكفاءته التّواصليّة الإنجازيّة في الكلام، تسترسل فيما بينها استرسالا تامّا يماثل الحلقة الواحدة التّي لا تقبل التّكسير بالزّيادة أو النّقصان. ولقد برهن الجرجاني على ذلك بعبارات مثل اللّفظ الواحد والمعنى الواحد والسّوار والخلخال. فبيّنا خصائص هذا البراديغم الذي يحتاج إلى مزيد من البحث والتّدقيق والتّعمّق لفهم الظّاهرة اللّغويّة من ناحية ولقراءة النّصوص قراءة متدبّرة للكلام في قطبيه الصّوتي والدّلالي من ناحية أخرى.
ولقد وقفنا عند نتائج عديدة من أهمّها شكل حركة الكلم في الذّهن قبل أن تتشكّل خطيّا في النّطق أو الكتابة. وهي حركة نحسب أنّها متدفّقة دائريّة كما تتدفّق الأمواج. وهي كذلك لأنّ الذّهن حين يشتغل باللّغة يشتغل بها طبيعيّا. فاستنتجنا أنّ الكلم وهي في الذّهن ليست منعزلة عن معاني النّحو أي عن قواعده وأحكامه. وهذا ما أكّده الجرجاني مرار باستعمال عبارتي البال والنَّفْس. فمعاني الكلام هي معاني الأفضية: الفضاء الذّهني النّفسي والفضاء المقامي في معنى ظروف التّلفّظ التي تربط المتكلّم بالمخاطب والفضاء النّحوي التّركيبي.
لكنّ الجرجاني تحدّث عن مؤلّف الكلام كمن يأخذ قطعا من الفضّة أو الذّهب ويذيبها ليصنع منها شيئا واحدا غير قابل للقسمة كالماء تماما. أليس يدعونا ذلك إلى التّفكير مستقبلا في العلاقة بين الذّوبان الذي كالماء وبين النّسيج اللّغوي. وإذا ربطنا هذه الإشارات بفكرة أنّ أعذب الشّعر ما كثر ماؤه يمكن أن نفتح تفكيرننا اللّساني على قضايا بكر لم تفضّ بعد.
قائمة المصادر والمراجع:
– المصادر:
- القرآن الكريم.
- عبد القاهر (الجرجاني)، دلائل الإعجاز، تحقيق وتصحيح محمد عبده ومحمد محمود التركزي الشّنقيطي، دار المعرفة، بيروت، ط3، 2001.
- عبد القاهر (الجرجاني)، أسرار البلاغة، تحقيق محمّد بن إبراهيم الأزهري، مكتبة التقوى ودار تواصل للطبع والنّشر والتّوزيع، مصر، ط 1، 2020.
-المراجع العربيّة:
- بشّار بن برد، الدّيوان، جمع وتحقيق محمد الطاهر ابن عاشور، دار السّلام للطباعة والنّشر والتوزيع والترجمة ودار سحنون للنشر والتوزيع، ط 1، 2008.
- توماس كون، بنية الثّورات العلميّة، ترجمة حيدر حاج إسماعيل، المنظّمة العربيّة للتّرجمة، بيروت، ط1 2007.
- خالد ميلاد، الإنشاء في العربيّة بين التّركيب والدّلالة، جامعة منوبة والمؤسّسة العربيّة للتّوزيع، ط 1، 2001.
- السّكاكي، مفتاح العلوم، ضبط وتعليق نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، ط 2، 1987
- سعاد سراي، البراديغم في علوم الإعلام والاتّصال، بين الضّرورة المنهجيّة والصّعوبات البحثيّة الإجرائيّة، مجلّة علوم الإنسان والمجتمع، ISSN :2253-0347، سبتمبر 2018، الجزائر.
- أبو عثمان عمرو الجاحظ، كتاب الحيوان، تحقيق عبد السلام هارون، المجمع العلمي العربي الإسلامي، بيروت، لبنان، ط1، 1969.
- عبد الرّحمان بن محمّد ابن خلدون، المقدّمة، شرح وتقديم محمد الأسكندراني، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1 2006.
- عبد القادر المهيري أعلام وآثار من التراث اللغوي، دار الجنوب للنشر، أفريل، ط1، 1993
- القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، تحقيق محمد محمود قاسم، الدّيار المصريّة للنّشر والتّوزيع، ط1، 1960.
- محمّد صلاح الدّن الشّريف، الشّرط والإنشاء النّحوي للكون، منشورات جامعة منوبة، كليّة الآداب، نونس، 2001.
- المنصف عاشور، دروس في أصول النّظريّة النّحويّة، مركز النّشر الجامعي، ط 1، 2005
- أبو هلال العسكري، كتاب الصّناعتين، تحقيق عليّ محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربيّة، مصر، ط1، 1952.
-المراجع الأجنبيّة:
- W.Ronald, Foundations of cognitive grammar, vol 1, StanfordUniversity, 1987, p 12.
- John.R., L’intentionalité, Essai de philosophie des états mentaux, trad, claudepichevin, Ed, de minuit, 1985.
-المراجع الإلكترونيّة:
- https://www.oxfordlearnersdictionaries.com/definition/english/paradigm, 10/01/2024, 11h4.
[1]– انظر الفصلين الخامس والأربعين والسّادس والأربعين من مقدّمة ابن خلدون، وقد خصّصهما للبحث في صناعة الأدب، ص520- 522 .
[2]– القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، تحقيق محمد محمود قاسم ، الدّيار المصريّة للنّشر والتّوزيع، ط1، 1960، ج 16 ص199.
[3]– المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[4]– عبد القادر المهيري، أعلام وآثار من التراث النحوي، دار الجنوب للنّشر، ط1، 1993، ص114.
[5]– نظم القرآن: من أهمّ الكتب القديمة في مسألة عجيب تأليف القرآن وإعجازه.
[6]– القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، مرجع سابق، ص205.
[7]– سورة الإسراء، آية 88.
[8]– عبد القادر المهيري، أعلام وآثار من التراث النحوي، مرجع سابق، ص110.
[9]– عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، تحقيق وتصحيح محمد عبده ومحمد محمود التّركزي الشّنقيطي، دار المعرفة، بيروت ط3، 2001، ص47-48.
[10]– المرجع نفسه، ص40.
[11]– عبد القادر المهيري، أعلام وآثار من التراث النحوي، مرجع سابق، ص114.
[12]– هو ” كتاب النّكت في إعجاز القرآن “.
[13]– عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، مرجع سابق، ص50-51.
[14]– المرجع نفسه، ص57.
[15]– المرجع نفسه، ص30 .
[16]– المرجع نفسه، ص15.
[17]– عبد القادر المهيري، أعلام وآثار من التراث النحوي، مرجع سابق، ص123.
[18]– عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، تحقيق محمد بن إبراهيم الأزهري، مكتبة التقوى ودار تواصل للطّبع والنّشر والتّوزيع، ط1، 2020، ص347.
[19]– عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، مرجع سابق، ص266.
[20]– عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، مرجع سابق، ص271.
[21]– المرجع نفسه، ص462.
[22]– Searl Jhon R. , L’intentionnalité, Trad, Claude Pichevin, Ed, De Minuit, 1985, P28.
[23]– عبد القادر المهيري، أعلام وآثار من التراث النحوي، مرجع سابق، ص104.
[24]– أبو هلال العسكري، كتاب الصّناعتين، تحقيق عليّ محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربيّة، مصر، ط1، 1952، ص5.
[25]– أبو هلال العسكري، كتاب الصّناعتين، مرجع سابق، ص104.
[26]– عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، أسرار البلاغة، ص240-241.
[27]– المرجع نفسه، ص338-339.
[28]– محمّد صلاح الدّن الشّريف، الشّرط والإنشاء النّحوي للكون، منشورات جامعة منوبة، كليّة الآداب، تونس، 2001.
[29]– عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، مرجع سابق، ص15.
[30]– المرجع نفسه، ص265.
[31]– عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، مرجع سابق، ص70.
[32]– السّكّاكي، مفتاح العلوم، ضبط وتحقيق نعيم زرزور، دار الكتب العلميّة، لبنان ، ط2، 1987، ص33.
[33]– المرجع نفسه، ص70.
[34]– عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، مرجع سابق، ص266.
[35]– خالد ميلاد، الإنشاء في العربيّة بين التّركيب والدّلالة، جامعة منوبة، والمؤسّسة العربيّة للتّوزيع ط1، 2007، ص608.
[36]– https//baytz.com.
[37]– ديوان بشّار بن برد، جمع وتحقيق محمد الطّاهر ابن عاشور، دار السّلام للطّباعة والنّشر والتّرجمة ودار سحنون للنّشر والتّوزيع، ط1، 2008، ج 3، ص22.
[38] عبد الرحمان بن خلدون، المقدّمة، شرح وتقديم محمد الأسكندراني، دار الكتاب، بيروت، ط1، 2006، ص522.
[39]– الجاحظ ، كتاب الحيوان ، تحقيق عبد السّلام هارون، المجمع العلمي العربي الإسلامي، ط1، 1969، ج 3، ص132.
[40]– عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، مرجع سابق، ص265.
[41]– Langaker W. Roland, Foundations of cognitive grammar, vol1, Stanford University, 1987, p 12.
[42]– عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، مرجع سابق،ص15.
[43]– المنصف عاشور، دروس في أصول النّظريّة النّحويّة، مركز النّشر الجامعي، جامعة منوبة، تونس، ط1، 2005، ص145.
[44]– عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، مرجع سابق، ص265-266.
[45]– المرجع نفسه، ص264.
[46]– oxforddictionaries.com/definition/
[47]– سعاد سراي، البراديغم بين علوم الإعلام والاتّصال، مجلّة علوم الإنسان والمجتمع، 347ــ 2253، ص395.
[48]– توماس كون، بنية الثورات العلميّة، ترجمة حيدر حاج إسماعيل، المنّظمة العربيّة للتّرجمة، ط1، 2007، ص136.
[49]– سعاد سراي، البراديغم بين علوم الإعلام والاتّصال، مرجع سابق،ص396.
[50]– سعاد سراي، البراديغم بين علوم الإعلام والاتّصال، مرجع سابق،ص396..
[51]– المرجع نفسه، ص397.
[52]– المرجع نفسه، ص397.
[53]– نفسه، الصفحة نفسها.