ملخّص:
تدفعنا التحوّلات الطارئة في الحياة السياسيّة والثقافيّة التي تعرفها المجتمعات وأنظمة الحكم في بعض البلدان العربية، وما صاحبها من حراك اجتماعي وانتفاضات ومن تغيير كبير في نوعية الخطابات ومسارات النقاش التي صاحبتها، إلى إعادة طرح سؤال المثقف وما هي الأدوار التي يضطلع بها اليوم، بل إلى التساؤل إن كان هذا الكائن الذي طالما أزعج السلط وزعزع اليقينيات والأفكار والنماذج الجامدة، إن كان لا يزال على قيد الحياة أم أن خطاب النهايات والموت قد لحقه؟
أن المثقّف العربي المعاصر يعيش في محنة حقيقية، فمنذ أن دخلت الدبابة خرج المثقف من صدارة المشهد العام والمشهد السياسي على وجه الخصوص، واحتل المثقفون مواقع متفاوتة في المشهد العام، فكانت لهم أدوار لم يقصدوها بالضرورة، ويتجلى ذلك في الحالة المصرية بعد أن تآكلت الطبقة الوسطى التي شكّلت الوسيط أو «موجات الحمل» بين المثقف والجماهير بعد أن أُخرج المثقف عنوة وبالقوة من صدارة المشهد العام.
إن مهمّة إنجاز التحول الديمقراطي لا تتعلق بالمثقف باعتباره منتجا للمعرفة وإنما باعتباره شخصا «يمارس الحياة ويتفاعل مع مجتمعه». وعليه تتحد مهمة المثقف العربي في اللحظة العربية الحاليّة، في أنسنة الممارسة الاجتماعية، والسياسية، أو استعادة الحالة الإنسانيّة حتى في أبسط معانيها وهي الشفقة الإنسانية وإخضاع الدولة لحكم القانون العقلاني المنتج العادل، ويكون ذلك بالدفاع عن حقوق الإنسان والشعب بل والدفاع عن التطلعات المشتركة للإنسانية يندرج تحت هذا التعريف لدور المثقف باعتباره «شخصا».
الكلمات المفاتيح: أزمة المثقف – التحول الديمقراطيّ – السلطة – الراديكالية – النخبة السياسيّة.
Abstract:
The urgent transformations in the political and cultural life that societies and ruling systems are experiencing in some Arab countries, and the social movement and uprisings that accompanied them and the major change in the type of discourses and paths of discussion that accompanied them, push us to re-ask the question of the intellectual and what roles he plays today, and even to ask: If this being, who has always disturbed the authorities and shaken certainties, ideas and rigid models, is still alive or has the discourse of endings and death caught up with him?
The contemporary Arab intellectual is living in a real ordeal. Since the tank entered, the intellectual has been removed from the forefront of the public scene and the political scene in particular. Intellectuals have occupied varying positions in the public scene, and have had roles that they did not necessarily intend. This is evident in the Egyptian situation after the middle class was eroded. Which formed the mediator or “waves of pregnancy” between the intellectual and the masses after the intellectual was forcefully removed from the forefront of the public scene.
The task of achieving democratic transformation does not relate to the intellectual as a producer of knowledge, but rather as a person who “lives life and interacts with his society.” Accordingly, the task of the Arab intellectual in the current Arab moment is united in humanizing social and political practice or restoring the human condition even in its simplest meaning, which is human compassion and subjecting the state to the rule of rational, productive, just law. This is done by defending the rights of man and the people, and even defending the common aspirations of humanity falls under this. Definition of the role of the intellectual as a “person”.
Keywords: the crisis of the intellectual – democratic transformation – power – radicalism – the political elite.
1- مقدّمة:
باتت أسئلة المثقف العربي وقضاياه اليوم أكثر تعبيرا عن أزمته، أزمة الوعي والوجود والموقف والمصير، وإذا كانت معطيات الواقع أكثر إثارة، فإنّ هذه الأسئلة ستكون مدعاة إلى تلمّس ما يتساقط من هذه الإثارة، وباتجاه أن يتموضع هذا المثقف في خندقه أو معسكره أو حزبه أو مقهاه، ليصطنع فعاليّة استيهاميّة للمواجهة، مواجهة كلّ ما يجري من هموم وانكسارات وتشوهات لم يعد المثقف قادرا على التعاطي معها إلا في سياق الثورة عليها. لكنّ السؤال الأكثر حرقة يكمن في طبيعة هذه الثورة – نقصد ثورة الوجود والأسئلة- وهويتها وطبيعة القوى الاجتماعية والسياسية والثقافية والتمويلية التي تقف وراءها وتعبّر عن سيرورتها.
يعيش المثقف العربي المعاصر هامشية وعزلة، أو حضور كتابع للحاكميات السياسية والفقهية، إذ جعلته بعض الأدوار أكثر عرضة لمواجهة التهم التي طالما صممتها له سلطات الاستبداد بدءا من(التكفير) والزندقة والمروق وانتهاء بالخروج عن الملة والأمة، وصولا إلى المثقف المضاد للحزب والثورة. وقد ذهب ضحية هذه التهم الباطلة والخارقة الكثير من المبدعين الكبار في تاريخ ثقافتنا العربية والإسلامية.
ولعل نموذج المثقّف السياسيّ بمعناه الوظيفيّ، والمثقف الإيديولوجي بمعناه الدوغمائي، والمثقف الأصولي الفقهوي بصورته المسلحة، تحول في هذا السياق إلى حاضنة لأمثلة تبرير وظيفة البطل الافتراضي المتضخم لصورة المثقف، لان هذه النماذج كانت أكثر أنواع المثقفين تعرضا إلى توصيف دور (الضحية) في التاريخ الثقافي، إذ تعرض هذا المثقف إلى السجون والمصائر المجهولة والميتات المختلفة، وتعرض أيضاً للملاحقة والنفي، مثلما عاش هذا المثقف أوهام السحر الوطني، والحلم الثوري ومتاهة المنفى الثقافي، ونحسب أن المنفى الثقافي العربي كان أكثر المنافي تغييبا ورعبا وطردا لدور المثقف العضوي ولترسيم وظيفته في التاريخ.
وسيظل المثقف العربي المعاصر وسط هذا الرعب، ولوقت غير منظور، الكائن الجينالوجي المطرود، الذي تعوّد أن ينشأ ويعيش مع الأزمات، وأن يصطنع له دور المفسّر أو قارئ الأحلام أو المؤّول السريّ، مثلما كان هذا المثقف -في مرحلة سابقة- مثالا ونموذجا للكائن الأيديولوجي والعقائدي وحتى التهريجي، لذا فهذا المثقف هو الأكثر عرضة الآن لكل ما يتبدى من عاهات الثورة والمكان والكينونة والتاريخ والاستبداد والسلطة.
والجدير بالذكر أن التحولات الطارئة في الحياة السياسية والثقافية التي تعرفها المجتمعات وأنظمة الحكم في بعض البلدان العربية، وما صاحبها من حراك اجتماعي وانتفاضات ومن تغيير كبير في نوعية الخطابات ومسارات النقاش التي صاحبتها تدفعنا، إلى إعادة طرح سؤال المثقف وما هي الأدوار التي يضطلع بها اليوم، بل إلى التساؤل إن كان هذا الكائن الذي طالما أزعج السلط وزعزع اليقينيات والأفكار والنماذج الجامدة، إن كان لا يزال على قيد الحياة أم أن خطاب النهايات والموت قد لحقه؟
حالة الانكشاف العربي الراهنة واضحة، لكنها لم تتجل بكامل صورتها كتجليها في حالة المثقف العربي الذي ربما لم يكن يتوقع مطلقا، فما حدث ويحدث من حوله وأمامه من مشاهد وأحداث دراماتيكية لم تكن في حسبانه ولم تستطع نرجسيته تقبلها، باعتبارها خارج نطاق توقعاته المؤدلجة أو الذاتية.
بيد أنّه ليس من المنطق وضع حالة كهذه في إطار تعميمي شامل، فبالتأكيد ما زال هناك مثقفون عرب جسدوا حالة نضالية فارقه، قابضين على جمرة نار “برومثيوس” كمثقفين طليعيين، بهرتهم عبقرية هذا الجيل الذي حول عالمه الافتراضي إلى واقع، فيما ظلوا هم حبيسي جدران اليوتوبيا الافتراضية عقودا.
ولا يمكن لنا أن نفهم مغزى اللحظة الراهنة في التطور المجتمعات العربية إلاّ في سياق التطور السياسي الذي مرت به المنطقة في نصف القرن الأخير، وربما أكثر من ذلك بقليل، لما عرفته تلك الحقبة من انتقال من الحكم الاستعماري إلى الحكم الليبرالي المتعثر قصير الأمد، ثم الحكم العسكري تحت شعارات الثورة والتقدمية التي آلت بنا الآن إلى هذه الأوضاع التي نناضل في سياقها من أجل العودة بشكل جاد وحقيقي إلى الديمقراطية.
ومن هنا، ظهرت أهميّة التحول الديمقراطي باعتباره أحد الضمانات والدعامات التي يمكنها أن تساهم في نهضة العقل العربي والمثقف العربي وتسهم في بناء المجتمع العربي الواعد.
ومن أجل ذلك، قمنا بتقسيم البحث إلى محورين أساسيين، تناولنا في المحور الأول: التعريفات الشهيرة حول المثقف باعتباره ظاهرة تاريخية. أما المحور الثاني فجاء بعنوان: أزمة المثقف ورهان التحول الديمقراطي.
2- المحور الأول: الظاهرة التاريخية للمثقف العربي:
يعيش المثقف العربي المعاصر هامشية وعزلة، أو حضور كتابع للحاكميات السياسية والفقهية، إذ جعلته عرضة إلى مواجهة التهم التي طالما صممتها له سلطات الاستبداد بدءا من(التكفير) والزندقة والمروق وانتهاء بالخروج عن الملة والأمة، وصولا إلى المثقف المضاد للحزب والثورة. ولقد ذهب ضحية هذه التهم الباطلة والخارقة الكثير من المبدعين الكبار في تاريخ ثقافتنا العربية والإسلامية.
ولعل نموذج المثقف السياسي بمعناه الوظيفي، والمثقف الإيديولوجي بمعناه الدوغمائي، والمثقف الأصولي الفقهوي بصورته المسلحة، تحول في هذا السياق إلى حاضنة لأمثلة تبرير وظيفة البطل الافتراضي المتضخم لصورة المثقف، لان هذه النماذج كانت أكثر أنواع المثقفين تعرضا إلى توصيف دور (الضحية) في التاريخ الثقافي، إذ تعرض هذا المثقف إلى السجون والمصائر المجهولة والميتات المختلفة، وتعرض أيضا إلى الملاحقة والنفي، مثلما عاش هذا المثقف أوهام السحر الوطني، والحلم الثوري ومتاهة المنفى الثقافي، واحسب أن المنفى الثقافي العربي كان أكثر المنافي تغييبا ورعبا وطردا لدور المثقف العضوي ولترسيم وظيفته في التاريخ.
وفي ظل تسارع الأحداث وحركة الشارع المتوالية، وجد المثقف العربي، نفسه معزولا، أو بلغة ابن سينا «معلقا بين السماء والأرض»، وليست هذه العزلة ناجمة عن عجز في ذاته ولا عن عدم قدرته على القيام بدوره التاريخي، وإنما بالأساس عن «مصير» تاريخي يتعلق بصيرورة اندثار المثقف الحديث.
سوف نناقش مفهوم المثقف أولاً، ثم نعرض لتمثيلات المثقف العربي أو صوره حسب رؤية المفكرين العرب، وثالثاً وأخيراً نتناول فرضيات موت المثقف، وهي الفكرة التي نادى بها كثير من الباحثين.
2- 1- المثقف: دلالات المفهوم وإشكالاته:
إنّ الإشكالية المطروحة هنا، بكلّ تعقيداتها وتداخلاتها المعرفية، هي في ماهيّة المثقف، ودوره أو أدواره، وفي المساحات المتاحة له، للقيام بدوره الأساس في محيطه المجتمعي، فيصعب الحديث عن «أدوار للمثقف» العربي -بشكل عام- من دون تحديد لماهية المثقف الذي نتحدث عنه، ومرجعيته الفكرية، المعرفية، المذهبية، الإيديولوجية، كما أنّ التباس وتداخل مفهومي الدور والوظيفة يجعلنا ملزمين بإعادة طرح سؤال المثقف بشكل إشكالي.
وحين نعمد إلى تحديد مفهوم المثقف لا نستطيع تجاهل التعريفات التي أوردها عديد من الكُتَّاب والمهتمين بقضية المثقف ودوره في المجتمع. إن هذا المفهوم هو من بين المفاهيم الحديثة النشأة التي يصعب الجزم بوجودها في الثقافة العربية، مما يجعل هذه العبارة “تحيل إلى مفهوم حديث للكاتب صانع الأفكار”، وبكون صورة المثقف، باعتباره صاحب موقف نقدي من قضايا المجتمع، وفاعل اجتماعي قادر على التأثير في الواقع. هذا إضافة إلى كونه أسس لنسق من المعارف الجديدة، اتخذت من الانقلابات العلمية الحديثة قاعدتها في إثبات نسبية الحقائق، لم يظهر إلا حديثاً بعد أن ارتبط بتحول عميق في الوعي لدى الكاتب ذاته، وأصبح يعبر بالفعل عن قاعدة اجتماعية في القراء تدعم موقفه وسلطته الفكرية، وهو ما لم يتحقق في الواقع العربي[1].
ولم يظهر هذا المفهوم أو التعريف بالشكل الذي نطرحه قبل أن يطرحه المفكر الإيطالي أنطونيو جرامشي، فهناك عدة تعريفات للمثقف، ولكن أول تعريف نجده تعرض إلى مفهوم المثقف بشكل واضح ومحدد هو تعريف جرامشي (1891 – 1937) في كتابه “دفاتر السجن”، حيث ميّز جرامشي بين المثقف التقليدي، وهو الذي يواصل فعل الأشياء نفسها من جيل إلى جيل مثل المدرس والكاهن والموظف، والمثقف العضوي، وهو صاحب العقل والمفكر المرتبط بصورة مباشرة بالطبقات أو المشاريع ذات المصالح المحددة، والتي توظف المثقف لتنظيم مصالحها أو في إحكام السيطرة والمزيد من السلطة، وأدرج جرامشي ضمن هذه الفئة؛ التقني والخبير والمتخصص.
وقد آمن جرامشي أن المثقف العضوي متورط بصورة فاعلة في المجتمع؛ أي أنه يكافح بصورة فاعلة لتغيير العقول والأفكار.
المثقفون حسب رؤية “جرامشي” يمارسون دوراً حيوياً ومهمّاً في تكوين وبناء الأيديولوجيات وفي تدعيم الموافقة أو القبول، وكما أن التماسك الاجتماعي وظيفة يقوم بها البناء الاجتماعي فإنّه –أي التماسك الاجتماعي- أيضاً وظيفة للمثقفين في المجتمع.
وبداية يُعرِّف “جرامشي” المثقف رافضاً تصور النشاط الفكري أو الذهني كمسألة أو خاصية متأصلة لطبقة اجتماعية بعينها، فالعمل اليدوي لا يخلو من الفكر، والعمل الذهني لا يخلو من الجهد العضلي، وخاصية إعمال الذهن يشترك فيها كل أفراد المجتمع، ويعبر عن ذلك بقوله المأثور “إن كل الأفراد مثقفون في نظري. ولكن ليس لكل الأفراد وظيفة المثقفين في المجتمع”[2].
وكلّ إنسان مثقف في نظر “جرامشي” بما أنه يملك رؤية إلى العالم وبما أنه يملك فلسفة خاصة به، وبهذا فهو يساهم في الثقافة السائدة[3].
والمثقف –كما يُشير “جرامشي”- ليس مجرّد أحد عناصر البنية الفوقية، وإنما يجب البحث عنه في مجمل العلاقات الاجتماعية، علاقات الإنتاج، فالمثقفون هم منظمو الوظيفة الاقتصادية للطبقة التي يرتبطون بها عضوياً. كما أنّهم حملة وظيفة الهيمنة التي تمارسها الطبقة السائدة في المجتمع المدني.
كذلك هم منظمو الإكراه الذي تمارسه الطبقة السائدة على سائر الطبقات بواسطة الدولة. وذلك لأنّ المثقفون عموماً تخلقهم الطبقات الاجتماعية أثناء تطورها، وبالتالي فإنّ البحث عنهم يجب أن يكون بحثاً في إطار الوظيفة التي تمارسها هذه الطبقة أو تلك، بحكم المكانة التي تحتلها في نمط الإنتاج.
كل ذلك يحمل “جرامشي” على القول بأن لكلّ طبقة اجتماعية مثقفيها الذين يرتبطون بها عضوياً، وينشرون وعيها وتصورها عن العالم، ويقول في ذلك “الوعي الذاتي النقدي يعني تاريخياً وسياسياً، خلق نخبة من المثقفين، فالكتلة البشرية لا تتميز ولا تصير مستقلة من تلقاء ذاتها دون أن تنظم نفسها، ولا تنظيم بغير مثقفين، أي بدون منظمين وبدون قادة، فالوعي النقدي لا يتحقق إذن بدون المثقفين. ومن هنا فالمثقفون شريحة اجتماعية تمثل كافة الفئات والطبقات الموجودة في المجتمع، وهم لسان حالها، الناطقون باسمها يمثلون مصالحها المتفقة والمتعارضة ويعبرون عنها”[4].
ويؤكد “جرامشي” “أن المثقفين هم منظمو الزعامة الاجتماعية، وذلك باعتبارهم موظفين في البناء الفوقي للمجتمع –على حد تعبيره- يستطيعون أن يتوسطوا عالم الثقافة وعالم الإنتاج، وأن يقدموا أفكاراً يتقبلها جماهير الشعب بطريقة تلقائية على أنها أفكار مشروعة، لأنها تعبر عما هو أكبر بكثير من مصالح الجماعة المسيطرة”[5].
ويميز “جرامشي” بين فئتين متمايزتين من المثقفين، الأولى: أطلق عليها المثقف التقليدي، والثانية: نعتها بالمثقف العضوي. “إن كل جماعة اجتماعية تظهر إلى حيز الوجود في عالم الإنتاج الاقتصادي، حيث تؤدي وظيفتها الجوهرية، تخلق معها عضوياً شريحة أو أكثر من المثقفين، تمنحها التجانس والوعي بوظيفتها، لا في الميدان الاقتصادي وحده، بل في الميدانين الاجتماعي والسياسي أيضاً”[6].
والمثقف العضوي، هو المثقف المرتبط بطبقة معينة، فهو الّذي يقوم بتنظيم وظيفتها الاقتصادية. وهو أيضاً من حملة وظيفة الهيمنة التي تمارسها تلك الطبقة في المجتمع المدني، بهدف تحقيق قبول وإجماع الطبقات الأخرى، وذلك من خلال عملهم في مختلف الهيئات الثقافية والإعلامية كالمدارس والجامعات، وأجهزة النشر وغيرها. وفي هذا كله تبرز وظيفة العضويين باعتبارهم نسيجاً عضوياً يربط البنية الفوقية والتحتية للمجتمع، ويستثنى “جرامشي” طبقة الفلاحين من هذه القاعدة، فجماهير الفلاحين رغم ممارستهم لوظيفة أساسية في مجال الإنتاج، إلا أنهم لا يُولدون مثقفين عضويين خاصين بهذه الفئة، ولا تستوعب أية فئة من فئات المثقفين التقليديين، علماً بأن الطبقات الاجتماعية الأخرى تستمد العديد من مثقفيها من الأوساط الريفية وبأن عدداً كبيراً من المثقفين التقليديين هم من أصل ريفي.
إذن يؤكد جرامشي في كتابه “دفاتر السجن” أنّ كلّ الناس مثقفون، لكن ليس لهم كلّهم أن يؤدوا وظيفة المثقفين في المجتمع، وقد كان جرامشي دقيقاً حين فرق بين نوعين من المثقفين، أو نوعين من الذين يؤدون الوظيفة الفكرية في المجتمع، كما أسلفنا، يضم أولهما المثقفين التقليديين مثل المعلمين ورجال الدين والإداريين ممن يواصلون أداء العمل نفسه من جيل إلى جيل، ويشمل ثانيهما المثقفين العضويين الذين اعتبرهم جرامشي مرتبطين على نحو مباشر بطبقات أو بمؤسسات تجارية تستخدم المثقفين لتنظيم المصالح، واكتساب المزيد من القوة وزيادة السيطرة، ولذا قال جرامشي عن المثقف العضوي: ” إن منظم الأعمال الرأسمالي يخلق إلى جانبه التقني الصناعي والاختصاصي في الاقتصاد السياسي، ومسؤولين لإنشاء ثقافة جديدة أو نظام قانوني جديد إلى ما هنالك”[7].
نخلص مما سبق إلى أن كلّ إنسان مثقف وإن لم تكن الثقافة مهنة له، ذلك لأنّ لكلّ إنسان رؤية معينة للعالم، وخطاً للسلوك الأخلاقي والاجتماعي ومستوى معيناً من المعرفة والإنتاج الفكري، فكل إنسان مثقف، وإن اختلفت مستويات ودلالات ثقافته، وهكذا يتسع مفهوم المثقف ليشمل (المفكرين، والأدباء، والعلماء، والكُتَّاب، والمبدعين، والفنيين، ورجال الدين، والأطباء، والمهندسين والمديرين، ورجال القانون، والصحفيين، ورجال الأعمال، والطلبة) بل يتسع المفهوم ليشمل كذلك قوى الإنتاج اليدوي من عمال وتقنيين.
وبهذا المعنى الواسع للمثقف ينقسم المثقفون إلى مثقف عام، ومثقف متخصص، وذلك على ضوء التفرقة الحادّة التي أدركها “جرامشي” بين اليدوي والذهني في محاولة لتوصيف المثقف بأنه ذهني، أما العامل فهو يدوي، رغم أن العمل اليدوي لا يخلو من الفكر، والعمل الذهني لا يخلو من اليدوي.
في مقابل هذا التعريف الملتزم بالفكر الماركسي الذي أفاض فيه الحديث أنطونيو جرامشي في كتابه “دفاتر السجن” نجد تعريف جوليان بندا (1867 – 1956) Julien Benda الكاتب الفرنسي في كتابه “خيانة الأكليروس” “La trahison des clercs”، حيث وصف المثقفين بكونهم تلك الفئة القليلة العدد من الفلاسفة والموهوبين المتفوقين الذين يمثلون ضمير البشرية ويسهرون على الحفاظ على القيم المطلقة كالعدالة والحقيقة والعقل مثل سقراط والمسيح وسبينوزا وفولتير.
وجوليان بندا، هو مثقف فرنسي، روائي وفيلسوف، زعيم حركة “نقض الرومانتيكية anti-Romantic” المعروفة في النقد الفرنسي.
قدّم جوليان بندا رؤية فلسفية أخلاقية عميقة لدور المثقف بتأثير من “قضية درايفوس” (وهو ضابط فرنسي يهودي اتُهم بالتجسس لصالح ألمانيا، العدو التاريخي اللدود لفرنسا، حُكم عليه عام 1899، بالسجن المؤبد، والنفي إلى جزيرة الشياطين في جوييانا الفرنسية بعد محاكمة غير نزيهة، وبضغط من الرأي العام، ثم أعيدت محاكمته فتمت تبرئته ورُدَّ الاعتبار له.
ويُذكر للضابط درايفوس رفضه الانصياع لرغبة الحركة الصهيونية، بزعامة هرتزل، في استخدام قضيته للدعاية للمشروع الصهيوني، معتبراً قضيته قضية فرنسية خالصة لا علاقة لها بانتمائه الديني).
يذهب جوليان بندا بدور المثقفين إلى مقام المثالية، فولاؤهم للحقيقة والعدالة وحدها، ويرفض ولاءهم لأمة بعينها أو طبقة بعينها أو أيديولوجية بعينها أو عرق بعينه؛ لأن الولاء الشعوبي أو الإيديولوجي الدوغمائي أو العرقي العنصري ليس سوى وصفة هستيرية للذبح المنظم للأمم أو الطبقات أو الأعراق “الإثنيات”، بينما المثقف الحقيقي في نظره هو “مخلوق نادر لأنه يساند معايير الحقيقة والعدالة الأبدية، ويقول الحق في أصعب الظروف”. كما جاء في كتابه: “خيانة الأكليروس”. فهو يرى أن المثقفين الحقيقيين سلالة عابرة للتاريخ من سقراط إلى يسوع، وصولاً إلى سبينوزا وفولتير وأرنست رينان، وغيرهم ممن يُشكلون ضمير البشرية الأخلاقي. حتى أنه أنزلهم منزلة الكهنة، تمييزاً في المنزلة والأداء عن العوام “أولئك الناس العاديون المهتمون بالفائدة المادية والتقدم الشخصي” دون أن يكون هؤلاء المثقفون الحقيقيون منفصلين عن الواقع. أي أنهم بالضرورة مثقفون عضويون لجهة انحيازهم البطولي للحقيقة والعدالة والدفاع المستميت ضد الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي والتعصب الديني أو العرقي واعتداء الأقوياء على الضعفاء؛ أكانوا أفراداً على أفراد، أم أمة على أمة…! إنهم مثقفو السلطة الأخلاقية، وهم يختلفون عن المثقفين المُوظًّفين، الذين تنازلوا عن سلطتهم الأخلاقية لمصلحة ما يسميه بندا تنظيم العواطف الاجتماعية مثل الروح الطائفية، والمشاعر الجماهيرية، والعدوان القومي، والمصالح الطبقية.
إن مثقفي “السلطة الأخلاقية” لا مكاسب مادية خاصة لهم. إنهم مشاريع استشهاد ضميري بالصلب أو بالحرق أو بالنبذ، حسب وسائل العقاب.
وتكمن مشكلة مثقفي هذه الأيام بحسب رأي بندا في أنهم تخلوا عن سلطتهم الأخلاقية لمصلحة الروح الطائفية والمشاعر الجماهيرية والعدوان القومي والمصالح الطبقية، فقد حوًّلت الحكومات المثقفين إلى خُدام لها.
ويفترض بندا في كتابه “خيانة الإكليروس” أن رسالة المثقف تكمن في أنه يتحول إلى شخص رمزي قد يتعرض إلى الحرق أو الصلب من أجل هدف ورسالة ما، ولذلك هم قلة منتقاة ونخبوية في المجتمع.
وعلى عكس التعريف الجرامشي الذي يوكل للمثقف مهمّة تمثيل فئات معينة والدفاع عن مصالحها، فإن جوليان بندا يوكل إليهم أساساً مهمة الحفاظ على القيم المطلقة وينزهم عن الاهتمام بالدنيوي والنفعي.
2-2- تمثيلات المثقف العربي:
عرض المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد (1935 – 2003)، في كتابه “صور المثقف” أو “تمثيلات المثقف” للعديد من أنواع المثقفين، وتناول أيضاً في كتابه دور المثقف والوظيفة المنوطة به.
إنه يؤكد أن المثقف فرد مُنح قدرة على تمثيل رسالة أو وجهة نظر أو موقف أو رأي وتجسيدها والنطق بها أمام جمهور معين ومن أجله، ومهمته حسب وجهة النظر هذه هي “أن يطرح على الناس الأسئلة المربكة المعقدة وأن يواجه الأفكار التقليدية والعقائدية الجامدة”[8].
والمثقف– حسب إدوارد سعيد- شخص يَرْهن وجوده كلّه بالإحساس النقدي وهو إحساس يشي بعدم تقبل الصيغ السهلة أو الأفكار الجاهزة أو البراهين الناعمة الملائمة تماماً، وبالتالي فإنّ رسالته هي الحفاظ على حالة التنبه الدائم، كما أنّه يجب عليه الحفاظ على حالة التفكير ومراجعة الذات، ورفض النمط أياً ما كان.
هكذا يتبين أن المثقف هو إنسان صاحب رسالة سواء كانت تتعلق بالحفاظ على القيم الإنسانية المطلقة أو بخدمة قضايا المجتمع والنزوع الدائم إلى نقد السائد.
إن المثقفين في رأيه هم في طليعة من يقود عمليّة التغيير ويساهم في إرساء قواعد المشاريع الحضارية الكبرى. كما أنه يؤكد على أهمية استقلالية المثقف ليحافظ على فكره النقدي.
وفي خضم هذه الصور المتعددة والمتولدة للمثقف، يرى إدوارد سعيد أن: “ثمة خطر ناجم عن احتمال اختفاء وجه المثقف أو صورته في خضم بحر من التفاصيل، واحتمال تحول المثقف إلى مجرد مهني آخر أو أحد الوجوه في تيار اجتماعي ما..”[9].
وهو ما يجعل إدوارد سعيد ينظر في المسألة من منظور تجربته الشخصية الخاصة، على خلفية منهجه الفلسفي، المؤسَّس على فكر ما بعد الحداثة، وما بعد الكولونيالية، والذي طرح في ظله سقوط الأيديولوجيات والسرديات الكبرى، فمع إقراره بمنطقية التعريف الجرامشي وموضوعيته لتعددية صور المثقف، فكرياً ومهنياً، إلاّ أنّ المثقف في رأي إدوارد سعيد هو فرد له في المجتمع دور علنيّ محدّد لا يمكن تصغيره إلى مجرد مهني لا وجه له، أو عضو كفؤ في طبقة ما لا يهتم إلا بأداء عمله، يقول: “فالحقيقة المركزية بالنسبة إليّ، كما أعتقد، هي أن المثقف وُهب مَلكه عقليّة لتوضيح رسالة، أو وجهة نظر، أو موقف، أو فلسفة، أو رأي، أو تجسيد أي من هذه، أو تبيانها بألفاظ واضحة لجمهور ما، وأيضاً نيابة عنه!”[10].
حاول سعيد أن يبحث عن المثقف البطل المثالي الذي من شأنه أن يقول كلمة الحق وأن يتصدى لاستبدادية المؤسسات الحديثة، كذلك عمل على أن يدفع إلى الواجهة بثنائية المثقف والسلطة من جديد.
وإذا نظرنا نظرة فاحصة في كتاب “صور المثقف” سنجد أن إدوارد سعيد يورد عدة صور للمثقف وتمثيلاته، تعبر عن أنواع للمثقفين في بلداننا العربية وفي مصر على وجه الخصوص :
2- 2- 1- المثقف العضوي عند أنطونيو جرامشي:
وهو نوعان :
- المثقف التقليدي: وهو كل شخص له علاقة مباشرة بالمعرفة كالمعلم، أو الإداري.
- المثقفون المنسقون أو العضويون: كالفني الصناعي، والمتخصص في الاقتصاد والسياسي ..إلخ.
فالمثقف عند “جرامشي” هو شخص يؤدي مجموعة من المهام والوظائف في المجتمع[11].
ولا تقتصر صفة المثقف على الأشخاص الذين ينتمون أو يخدمون المؤسسة الأدبية، بل كل من يساهم في بناء المجتمع يعتبر من طبقة المثقف العضوي وهو المرتبط على نحو مباشر بطبقات أو بمؤسسات تجارية تستخدم المثقفين لتنظيم المصالح أو اكتساب المزيد من القوة وزيادة السيطرة.
2-2-2- المثقف النخبوي عند جوليان بندا:
يميّز “جوليان بندا” بين نوعين من المثقفين، النوع الأول وهم: “عصبة ضئيلة من الملوك الفلاسفة من ذوي المواهب الفائقة والأخلاق الرفيعة الذين يشكلون ضمير البشرية”، وهم ما يسميهم “بالمثقفين المزيفين” أما النوع الثاني وهم المثقفون الحقيقيون والذين “لا يتمثل جوهر نشاطهم في محاولة تحقيق أهداف عملية، أي جميع الذين ينشدون المتعة في ممارسة أحد الفنون أو العلوم. ومنه فالمثقف الحقيقي عند “بندا” هو الذي ينشد المتعة ولا يهدف إلى تحقيق أهداف مادية ومراكز سلطوية عليا[12]. إذ لا يجب أن تكون للمثقف (الحقيقي) أية نية في تحقيق المكاسب المادية والمراكز العليا.
2- 2 -3- المثقف الهاوي عند إدوارد سعيد:
يعرض “إدوارد سعيد” في كتابه الشهير تمثيلات المثقف أو صور المثقف أو المثقف والسلطة كما أطلق عليه بعض المترجمين، إلى محاولة لضبط صورة للمثقف، وذلك بنقد كلّ من الرأيين السابقين بقوله: “هو فرد في المجتمع له دور علنيّ محدد لا يمكن تصغيره إلى مجرد مهني لا وجود له، أو عضو كفؤ على مجموعة أو طبقة ما لا يهمّه سوى أداء مهامه فالحقيقة بالنسبة إلى المثقف هي وهب ملكة عقلية لتوضيح رسالة، أو وجهة نظر أو موقف أو فلسفة (…)، مهمته أن يطرح علناً لمناقشة أسئلة حرجة، ويجابه المعتقد التقليدي والتصلب العقائدي بدلاً من أن ينتجها”[13].
وهو بهذا ينتقد أراء كل من “جرامشي” و “بندا” محاولاً الجمع بين خصائص كلا الرأيين. وقد توصّل من خلالها إلى تحرير المثقف، وجعله مثقفاً”هاوياً” يمكنه خوض غمار أي مجال من المجالات وطرح الأسئلة الحرجة ومناقشتها علنية، فهو ليس مجرد مهني، ولا عضو مهم مقيم بانتمائه إلى طبقة معينة.
وكذلك حاول محمد عابد الجابري تقديم صور للمثقف وتمثيلاته انطلاقاً من وضع تعريف له، فالمثقف في كتابه “المثقفون في الحضارة العربية” استناداً إلى قضية ألفريد دريفوس ذات القضية التي جعلت جوليان بندا يعيد تقييم وضعية المثقف، ويرى الجابري أن هذه القضية هي التي جعلت هذا المثقف ناقداً اجتماعياً، فهو يُعرف المثقف على أساس هذه القضية فيقول: “وبعبارة أخرى إن المثقفين، وفقاً لهذه التحديدات، هم أولئك الذين يعرفون ويتكلمون، يتكلمون ليقولوا ما يعرفون، وبالخصوص ليقوموا بالقيادة والتوجيه في عصر صار فيه الحكم فناً في القول، قبل أن يكون شيئاً آخر”[14].
يرى الجابري أن صور مفهوم المثقف اتسع ليشمل جميع الذين يشتغلون بالثقافة، إبداعاً وتوزيعاً وتنشيطاً، الثقافة بوصفها عالماً من الرموز يشمل الفن والعلم والدين. إذن في تحديده لمفهوم المثقف عن غيره، قال الجابري ما نصه “كيف يمكن إذن تبرير اختيار صنف أو فئة من هذه الأصناف والفئات من أهل العلم والمعرفة والأدب في الحضارة العربية الإسلامية وتخصيصهم باسم المثقفين هل ندخلهم جميعاً في مضمون هذه المقولة، وفي هذه الحالة ما الفائدة من التسمية إذا كان لا تحدد ولا تعين؟ ولماذا نحتفظ بالأسماء القديمة التي تحدد وتعين مثل علماء، فقهاء، أدباء، كما فعل المؤلفون القدماء؟ ثم لماذا لا ننظر إلى هذه الفئات كمثقفين عضويين بحسب تعبير جرامشي بآرائه في الموضوع؛ حيث يقول إن المثقفين بما هم مثقفون لا يشكلون طبقة مستقلة بل إن كل مجموعة اجتماعية لها جماعة المثقفين خاصة بها، بل ربما تعمل هي على خلقها[15].
في حين أن عبد السلام المسدي قد قدّم تمثيلات للمثقف المنتمي عديدة -في مقال له نُشر في جريدة الرياض السعودية بتاريخ 1 مايو 2003 يقول فيه-: “المثقف هو الذي من خلال إقراره بشرعية السلطة يحترف النقد، ليبني الصرح الثقافي الذي لا يقدر الخطاب السياسي السائد أن يشيده” مفرقاً في نفس المقال بين المثقف الملتزم والمثقف المنتمي، وهي فكرة تساعد الباحث في التفريق بين أنواع المثقفين، والرهانات المطروحة عليهم، فالمثقف الملتزم يتعرض للتأديب الحزبي إذا خرج عن الخطاب التبريري السائد داخل المؤسسة التي ينتمي إليها، أما المثقف المنتمي يرتبط التصاقه بالمؤسسة النضالية أو ابتعاده عنها بما توفره داخلها من حرية نقدية، والسبب أن المثقف إذا انتمى أو تحزب وقبل أن يكون مناضلاً قاعدياً، فإنه يرفض أن يكون دوره إعادة إنتاج الأدوار التي تطلبها القمة من القواعد.
يلتقي هذا القول فيما يخص وظيفة المثقف، رغم أنه يقرّ له بشرعيّة الانتماء، مع طرح إدوارد سعيد الذي يؤكد على أهمية استقلالية المثقف، ليحافظ على فكره النقدي.
ولا تقتصر وظيفة المثقف على أن يكون المنبّه الطليعي والحافظ للقيم المطلقة، ولكن أيضاً يجب أن يكون صاحب رؤية للكون وأحد الأطراف المساهمة في بناء المشروع الحضاري الذي ينخرط فيه. وعليه أن يتصدى للأفكار والنظريات التي تنسف مكاسب الحداثة وتجذب باتجاه العنف، وتكرِّس التخلف والرأي الواحد. ومن أهم الأدوار المنتظرة منه أن يقوم بتجديد الهوية وتجذير الانتماء وتكريس الثقافة، ويحارب التنميط الثقافي والدعوة إلى ثقافة الابتذال. هذا المثقف لا يمكن إلاّ أن يكون منتمياً بل وملتزماً بقضايا وطنه وشعبه، وهو في انتمائه والتزامه إنما يمارس حقه في الدفاع عن مشروعه الحضاري.
كما يؤكد حسن عجمي في كتابه “السوبر حداثة” أن المثقف يختلف مفهومه ودوره في الحداثة وما بعدها؛ إذ يقول: “ختاماً بالنسبة إلى الحداثة، فالمثقف هو مالك المعيار الصحيح للحكم على المعتقدات، وصاحب الحقيقة والمعرفة لأنه يوجد معيار صحيح وتوجد الحقيقة والمعرفة. أما بالنسبة إلى ما بعد الحداثة، فالمثقف هو الناقد، والرافض لمعيار صحيح، ولحقيقة ومعرفة واحدة؛ لأن المعيار متكثر والحقيقة والمعرفة نسبية. أما السوبر حداثة فتقول إن المثقف غير موجود هذا لأن مفاهيم المعيار والحقيقة والمعرفة لابد أن تستبدل بمفهوم الممكنات. فالسوبر حداثة تدرس ما هو ممكن وليس ما هو صادق وما نعرفه بالنسبة إلى معيار معين أو آخر”[16].
والجدير بالذكر أنّه ليس من الغريب أن يصطدم المثقف بالسلطة ، وإنما الغريب أن يداهن المثقف السلطة، فالمثقف الحق دائماً على يسار السلطة؛ لأنه ينظر دائما بنظرة مثالية تطمح إلى ما ينبغي أن يكون ولا ترضى أبدا بما هو كائن.
أما من يداهنون السلطة فهؤلاء لا يستحقون لقب مثقف لأنهم قد تخلوا عن دور المثقف الحقيقي فأخذوا يبحثون عن مصالحهم الشخصية ومطامعهم الذاتية بعيدا عن مصلحة الوطن .
ومن ثم فإننا من خلال بحثنا هذا نضن بلقب المثقف على كلّ من يداهن السلطة ويسير في ركابها معلناً أنه ليس بالإمكان أفضل ممّا كان ، ثم يطلق على الحاكم ألقابا من قبيل الزعيم الملهم، والأخ القائد ، وقائد الأمة ومؤسس نهضتها الحديثة …فأين تلك النهضة أيها الوصولولي وحالنا لا يخفى على أحد!!!
هكذا تبدو لنا تمثيلات للمثقف عديدة يصعب حصرها، كما وضح في رؤية بعض المفكرين العربي، غير أن كثير من الباحثين نادوا بفكرة بـ«موت المثقف» باعتباره أنه سقطت عنه تمثيلاته، وأفرغت صورته من محتواها عندما حدث ما حدث من مفاجأة العالم بثورات الربيع العربي التي لم يقودها المثقفون التقليديون.
2-3- موت المثقف العربي:
كثيرة هي عبارات موت المثقف العربي في كتابات المفكرين، الذين أذاعوا هذه الدعوة بينهم ومنهم عبدالله الغذامي، الذي ساعد في انتشار هذه الفكرة بشكل كبير في كتاباته.
والذي ينظر إلى رؤية بعض المفكرين العربي لفكرة موت المثقف من خلال تعريفهم لدوره ووظيفته يفهم بجلاء حقيقة ما تخبئه الكلمات الصادمة من معاني باطنة تشيء بشيء من الحراكية التي تشبه الرماد الذي يعلو النار، النار التي تغلي فيها المجتمعات العربية غلي المرجع ولا يبين فوق السطح إلا قليل مما تمور به أوساطها الفكرية وتياراتها الأيديولوجية.
يرى فريق أخر من المفكرين أن المثقف لا فائدة من وجوده، وأنّه يغرق دوماً في أوهام تبعده عن دوره الحقيقي، مثلما فعل علي حرب في كتابه “أوهام النخبة”، كذلك شاركه هذا الاتجاه عبد الإله بلقزيز وفهمي جدعان، فهذا الاتجاه يهدف إلى الإجهاز على المثقف وحرقه على أمل انبعاثه من رماده من جديد بصورة المفكر الذي يُضفي عليه جدعان هالة من الأسطورة، تجعله محط آمال ومعقد رجاء، ولكن دون أن نهتدي إلى مكانه وإلى طبيعة أفكاره.
كانت نزعة التشاؤم عند كل من علي حرب وعبد الإله بلقزيز التي تقع على التضاد من مساعي الجابري وإدوارد سعيد، قد حظيت باهتمام إعلامي تستحقه؛ لجرأتها وقدرتها على كشف المستور والمخبوء في خطاب المثقف التقدمي وممارسته، في إيديولوجيا تبدو مزيفة وغير واقعية، مما يسرب لنا نظرة تشاؤمية عن استبعاد إمكانية عودة الروح الحقيقية والدور الذي نراهن عليه للمثقف ثانية.
هذه النظرة تلازم فهمي جدعان في بحثه عن “الطريق إلى المستقبل”. فهو لا يلتفت إلى الأكاديميين ولا يعيرهم اهتماماً “لأنهم لا يقدرون على تصريف شئون مجتمعهم، ولا يعتبرهم وجهاً من وجوه المثقف، وعندما يلتفت إلى المثقف فهو يوجه نقده إلى جملة مثقفينا المعاصرين”[17].
فالمثقفون الاتباعيون والمثقفون الحداثيون لم يسهموا إلا في تيسير وجود ثقافي عربي مبتسر مبتور، يتمثل في خطابات مجاوزة للتاريخ العياني المباشر، لأنّهم لا يأبهون كثيراً بالتأسيس العلميّ لأفكارهم، ويتعجلون إطلاق الأحكام، ويسقطون في رذيلة التعميم.
ويذهب جدعان في نقده مذهباً بعيداً عندما ينتقد أصحاب المشاريع الثقافية، سواء تلك التي تتصل بالعقل أو بالتراث أو بالفلسفة، متهماً إياهم بنقص الأدلة وسيادة الأحكام وانتحال النزعة العلمية، ثم يلتفت بعد ذلك ليكشف عبر منهج التحليل النفسي الذي يغوي كثيرين عن أمراض المثقف النرجسية والنفسية.
كذلك يفعل عبدالإله بلقزيز في “نهاية الداعية” “فالمثقف كأغلبية الشعراء، شغوف بنفسه مولع بإعجاب الناس به، حريص كل الحرص على هذا الإعجاب، يتلمسه في كل رأي ويبحث عنه في كل مجلس ويتوقع أصداء له في وسائل البث الإعلامي المطبوع والمسموع والمرئي، فإذا ما وقع عليها أخذته عزة الخيلاء، والدلائل كثيرة على أن لديه نزعة التمثل بالنجوم”[18].
وهذا ما يقوله علي حرب في كتابه “أوهام النخبة أو نقد المثقف” الذي يرى أن مشروعية المفكر، هي القيام بنقد المثقف، خاصة بعد أن فقد هذا الأخير أسلحته، وأصبح يشكل وجهاً من وجوه المشكلة والأزمة في حياة المجتمع ودورة الثقافة، ومن هنا تبشيره أيضاً بدور المفكر بعد أن فشل المثقف في إذكاء دوره، ولذلك فهو لا يرى دوراً للمثقف إلا في ظل الفكر.
وقع المثقف –بحسب علي حرب- في وهم النخبة، ويعني بهذا الوهم سعي المثقف إلى تنصيب نفسه وصياً على الحرية والثورة، أو رسولاً للحقيقة والهداية، أو قائداً للمجتمع والأمة.
“إن المثقف تلبسه وهم أن يكون الهادي أو القائد للأمة، وقد نصب نفسه وصياً على الحرية والثورة، وقد فشل المثقف في هذه المهمة، فالمثقفون حيث سعوا إلى تغيير الواقع من خلال مقولاتهم، فوجئوا دوماً بما لا يتوقع: “لقد طالبوا بالوحدة، فإذا بالواقع ينتج مزيداً من الفرقة. وناضلوا من أجل الحرية، فإذا بالحريات تتراجع. وآمنوا بالعلمنة فإذا بالحركات الأصولية تكتسح ساحة الفكر والعمل”[19].
ينطلق علي حرب في نقده للمثقف العربي من مقولة أن المثقف يسعى من خلال عمله الفكري والتنظيري إلى توظيف سلطته العلمية والمعرفية لزيادة نفوذه الاجتماعي، وتحقيق سلطة سياسية مدفوعاً بإرادة القوة، والغريزة الوحيدة التي يعتمدها المفكر بعد الحداثي لتفسير السلوك الاجتماعي والسياسي. لذلك نجد “حرب” يسارع ليعيد أزمة المثقف تحديداً إلى بداية الاضطرابات الطلابية في فرنسا، التي اندلعت في شوارع باريس في عام 1968، فقد أدت هذه الاضطرابات إلى اهتزاز صورة المثقف، سواء في نظر نفسه أو في نظر غيره. إنّه لم يعد يثق بقدرته على تنوير العقول والتأثير في الرأي العام، أو بكونه صاحب عقيدة صلبة قادرة على قيادة الناس، لتنوير المجتمع، وتغيير العالم، ولكن لم يشر “حرب” إلى الاحتقان السياسي والاجتماعي الذي اجتاح الشارع العربي بعد هزيمة 1967، وبالطبع أدى إلى اهتزاز مفهوم المثقف الذي كان يقود الجماهير في زمن سابق، فهزيمة 1967 كان لها أبعد الأثر في تجذر وتعمق أزمة المثقف العربي، إضافة بالطبع إلى التغييرات التي انتابت العالم كله بعد ثورة الطلاب الفرنسيين 1968.
وهكذا يرى علي حرب أن المثقف “يجد نفسه اليوم أشبه بالمحاصر. وليس السبب في ذلك محاصرة الأنظمة له، ولا حملات الحركات الأصولية عليه، كما يتوهم بعض المثقفين. بالعكس، ما يفسر وضعية الحصار هو نرجسية المثقف وتعامله مع نفسه على نحو نخبوي اصطفائي، أي اعتقاده بأنه يمثل عقل الأمة أو ضمير المجتمع أو حارس الوعي. إنه صار في المؤخرة بقدر ما اعتقد أنه يقود الأمة، وتهمش دوره بقدر ما توهم أنه هو الذي يحرر المجتمع من الجهل والتخلف. وهذا أدى إلى مزيد من عزلة المثقف عن الناس الذين رغب في أن يقودهم”[20].
كذلك وقع المثقف في وهم آخر، وهو وهم تحرير المجتمعات والشعوب من أشكال التبعية والهيمنة، وقد شكّل هذا الوهم عائقاً أعاق المثقف عن الإنتاج الفكري بقدر ما منعه عن المعرفة بالإنسان والمجتمع والسياسة.
ذلك أنّه إذا كانت مهنة المثقف هي الاشتغال على الأفكار، فالمطلوب منه أن ينجح في هذه المهمة بحيث ينجح في اجتراح طريقة للتفكير، أو يصوغ إشكالية فكرية. وهو هنا يكون مطالباً بأن يفكّر تفكيراً نقدياً يمكنه من إنتاج أفكار حرة ونقدية، تتيح له تفكيك ما يستعصي على الفهم، وذلك من أجل خلق رهانات فكرية تزحزح الأسئلة أو تقلب الأولويات، وعلى النحو الذي يؤدي إلى التعامل مع الحاضر بصورة ديناميكية عقلانية، وعملية في آن، فهو ينجح في أن يطرح أسئلة الواقع: لماذا يزداد انتهاك الحرية في عصر التحرر، ولماذا تتراجع الحريات الديمقراطية على أرضها بالذات؟ وما دور المثقف في التكريس لدولة المواطنة، والدولة المدنية في عصر سادت فيه الأفكار اللاعقلانية، وتراجعت فيه الحريات؟
هذا ما يتيحه الفكر النقدي، إلا أن المثقف العربي تناسى مهمته تلك تحت وقع دعاوى النضال والثورة والدور اللاهوتي، والرادكاليات الدينية، وتفشى أفكار اليمين المتطرف، وقد ألهته هذه الدعاوى عن إنتاج المعرفة وعن تغيير المجتمع، فمن لا ينتج معرفة بالمجتمع لا يستطيع المساهمة في تغييره. ومن لا يبدع فكراً هو أعجز من أن يؤثر في مجرى الأحداث وتطور الأفكار. لقد خبا دور المثقف العربي، وتوقف المثقف بدوره عن إنتاج الفكر، فأدّى هذا إلى انفصال حادّ بين المثقف وبين مجتمعه، ممّا قلّل من قدرته على التأثير في المجتمع بأيّ شكل كان.
نخلص ممّا سبق أنّ مفكري هذا التيار المعارض الناقم على المثقف وتغييب دوره إنما يجعلون من المفكر وريثاً من للمثقف، ولكنّهم حين ينبون آمالهم على المفكر، فإنّهم يرسمون لنا هالة من الأسطورة حول المفكر، فتحجب هذه الهالة المفكر/الإنسان وتضفي عليه جميع صفات البطل الميثودلوجي.
وإذا كان البعض يعطي امتيازاً لأهل الفكر على سواهم، باعتبار أنّ الإنسان هو كائن ميزته أنه يفكّر، فإن عمل الفكر سيف ذو حدين: قد يكون أداة كشف وتنوير، وقد يكون أداة حجب وتضليل. ولا عجب فالمرء بقدر ما يوغل في التجريد أو يغرق في التفكير ينسلخ عن الواقع المراد تغييره أو يتناسى الموجود في مورد العلم به. ولهذا فإنّ صاحب الفكر الحيوي والمتجدد يبقى على قلقله ويقيم في توتره المستمر بين الفكر والحدث، أو بين النظرية والتطبيق، فالممارسة العمليّة على أرض الواقع تظهر لنا ذلك البون الشاسع بين الإسهام في تغيير الواقع وبين الانعزال عن هذا الواقع بحجة إنتاج الفكر.
إذن هناك أدوار عدّة يقوم بها المثقف، منها تحصيل المعرفة ونشرها في المجتمع، ومنها الوصول لوعي ناتج من امتلاك هذه المعرفة، ثم التأثير في المجتمع، وممارسة الفعل الاجتماعي الذي قد يكون فيه المثقف –حسب تصور سابق لمفهوم المثقف- أنه قائد وموجه، ولكنه حسب تصور آخر حاضر لمفهوم المثقف أنه مشارك في الشأن العام والهموم الاجتماعية من أجل تطوير هذا المجتمع.
وعلى هذا، تتقاطع أدوار المثقف مع غيره من الفاعلين الاجتماعيين أو الشرائح الأخرى في المجتمع، فمثلاً، في النظر المعرفي يتقاطع المثقف مع المفكرين والأكاديميين ورجال الدين، وفي الفعل الاجتماعي كذلك يتقاطع المثقف مع السياسيين أو الناشطين الحقوقيين أو علماء الدين وغيرهم.
ومتى غائب دور المثقف غابت عنه بوصلته التي توجه إلى أهميّة التحول الديمقراطي وإرساء دعائم الآخاء الإنساني.
وهذا ما سوف نناقشه باستفاضة في المحور الثاني من البحث تحت عنوان أزمة المثقف ورهان التحول الديمقراطي.
3- أزمة المثقف العربي ورهان التحول الديمقراطي:
لا يمكننا تفكيك أزمة المثقف العربي في الآونة الأخيرة، بمعزل عن دراسة إشكالية التحول الديمقراطي وتحليل معوقات حدوثه في داخل أنظمة ومؤسسات المجتمع العربي المعاصر. ونستطيع من خلال آليات إجرائية رصد حالة الاغتراب والتهميش والإقصاء التي عانى وما زال يعاني منها المثقف العربي عبر الأجيال والعصور، ففقدان الحرية والديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان، كلّها عوامل أدّت إلى اغترابه وتهميش دوره إزاء التحولات التاريخية الواقعة بمجتمعه.
يعيش المثقف العربي المعاصر أزمة حقيقية، فمنذ أن دخلت الدبابة خرج المثقف من صدارة المشهد العام والمشهد السياسي على وجه الخصوص، واحتل المثقفون مواقع متفاوتة في المشهد العام، فكانت لهم أدوار لم يقصدوها بالضرورة.
إن مهمة إنجاز التحول الديمقراطي لا تتعلق بالمثقف باعتباره منتجا للمعرفة، وإنما باعتباره شخصا «يمارس الحياة ويتفاعل مع مجتمعه». وعليه تتحد مهمة المثقف العربي في اللحظة العربية الحالية، في أنسنة الممارسة الاجتماعية والسياسية، أو استعادة الحالة الإنسانية حتى في أبسط معانيها، وهى الشفقة الإنسانية وإخضاع الدولة لحكم القانون العقلاني المنتج العادل، ويكون ذلك بالدفاع عن حقوق الإنسان والشعب بل والدفاع عن التطلعات المشتركة للإنسانية يندرج تحت هذا التعريف لدور المثقف باعتباره «شخصا».
على المثقف العربي في سياق التحولات التاريخية الواقعة الآن أن يكون فاعلاً إيجابيا ومبدعا في إنضاج الوعي العربي بأهمية التنظير للفكر الديمقراطي، ووضع اللبنات المنهجية للتحول ناحية الديمقراطية وإرساء دعائمها.
لذا، لزم تحليل أزمة المثقف العربي المعاصر، من أجل الخروج منها، والتأسيس لفكر ديمقراطي حر، يدعو إليه ويتفاعل معه، حتى تنعم مجتمعاتنا بمزيد من الحرية والعدالة والديمقراطية، ولذلك سوف نتناول أولاً: أسباب أزمة الثقافة والمثقف في بلادنا وثانياً: الدور البارز للمثقفين في الأزمات التاريخية وثالثاً : المثقف ودوره في إرساء دعائم الديمقراطية.
3- 1- أسباب أزمة الثقافة والمثقف في بلادنا:
لا شك إن ظاهرة الأزمة لا تفارق المثقف في كلّ مجتمع، «وفي كل حقبة من الحقب التاريخية بل أن الأزمة هنا لا تدل في الغالب على انحطاط مجتمع ما بقدر ما تواكب نهضته وتطوره. إن أزمة المثقف انعكاس لأزمة مجتمعه، لكن المثقف عامل فعال في المجتمع، يستطيع إما أن يخفف من الأزمة المجتمعية بدراسة أسبابها وإظهار سبل الخروج منها، وإما أن يضعفها بأزمة ذاتيه تهمه هو ويلهى بها ذهنه وأذهان قارئيه»[21].
والجدير بالذكر أنّ أزمة المثقف في البلاد العربية تعد من أوضح الظواهر والتي لا يستطيع أن ينكرها إلاّ جاحد ، فالمثقف في البلاد العربية – شأنه في ذلك شأن كلّ دول العالم الثالث- يعاني من إنكار واسع النطاق لحقه في حياة يصنعها لنفسه ، وثقافة يحدد هو عناصرها وأهدافها باعتبار كل ما تعنيه الثقافة من تحقيق للهوية الإنسانية رغم كلّ المعوقات المفروضة عليه ، وكأنّه لم يكف قوى القهر ما تمارسه من صور الاستغلال المحلي والعالمي ، والممثلة في مظاهرها السياسية والاقتصادية ، من نظام دولي غير ديمقراطي إلى أزمات التضخم والدوران اليومي في دائرة الاستهلاك الجهنمية ، وإنما راحت هذه القوى أيضاً بوعي مقصود تصادر حق هذا الإنسان في التعبير عن آلامه ، أو التطلع لإنقاذ ثقافته وضمان دينامية جدلها الخاص في مواجهة عوامل التجميد والمصادرة عليها أو النفي المفروض عليها من الخارج[22].
ولا شك أن أزمة الثقافة العربية: »ليست سوى تعبير دقيق عن أزمة المثقفين العرب الذين لم ينجحوا بعد في التصدي لما يعانيه المجتمع العربي من تحديات وأخطار«[23].
ويلاحظ اقتران انبثاق أزمة المثقف بالحدث التاريخي وبالوقفة والمسئولية التاريخية التي كان يتطلبها الظرف الذي ولد هذا المفهوم والأزمة وهذه الفئة من الناس. الأمر الذي يعني اشتراط الموقف المسؤول لدى المثقف تجاه قضايا مجتمعه، إضافة إلى الشروط الموضوعية الأخرى التي تحدد مفهومه.
هذه هي بعض مظاهر أزمة الثقافة والمثقف في بلادنا العربيّة، أمّا اليوم فإنّ التحولات التي يمرّ بها العالم العربي تتطلب منا أن نعيد النظر في أمور عديدة من ضمنها علاقة المثقف بمحيطه وزمنه.
ولا يجب أن نغفل عن رصد أهمّ مظاهر الأزمة، أن المفارقة بين حالة المثقفين العرب وحالة غيرهم يدخل النسبيّة على كثير من أحكامنا. فلو تساءلنا: هل هناك أزمة مثقفين في اليابان أو الصين أو في بعض دول أوربا الشرقية أو إفريقيا؟ ستكون الإجابة عندئذ على هذا السؤال متسعة وكبيرة وتحتاج إلى بحث مفصّل لبيان أسباب الأزمة في كلّ دولة على حدة، والمستفاد من المقارنة بين مشكلاتنا ومشكلات الغير، القريب منا والبعيد إعادة النظر في الأحكام المسبقة، ذلك لأن أزمة المثقفين عامّة رغم خصوصية أشكالها وتفاوت حدتها من حضارة إلى حضارة ورصد الأزمة وتحليلها يسهم في تخفيف حدتها وتقليل خطورتها.
«بعبارة أخرى لتعود مواكبة لأزمات المجتمع المتعثرة دون أن تضعفها ونلهي الناس عنها، وإذا لم يفعل أي مجتمع ذلك- وبشكل خاص المجتمع العربي، سيعيش كلّ مشكلاته وأزماته، يتغلب على بعضها ويخلق أزمات أخرى بسبب ذلك النجاح ذاته، إلاّ أنّ المثقفين لن يلعبوا دوراً متميزاً في حل تلك المشكلات»[24]، ولا حتى الإسهام بدور فعال في فهم التحولات التاريخية التي يمر بها. «ما دام المثقفون منفصلين نسبياً عن مجتمعهم، فإن أزمتهم تهمهم هم في الدرجة الأولى، وتهم عرضاً المجتمع إلا أن فرصاً تضيع وإمكانيات تجمد»[25].
وللمثقف العربي دور قيادي، هو المشاركة المباشرة في الحياة العمليّة، وبنائها وتنظيمها، ومن دون هذا الدور سيتحول إلى مثقف اختصاصي فقط، يعيش حياته كفارس منابر، لذا يجب على المثقف أن يحوّل الكلام إلى فعل، والنظرية إلى ممارسة ليتمكن من تحقيق الغاية البعيدة المنوطة به، ألا وهي تغيير عقلية المجتمع وتوعيته، وتعويده على تحكيم العقل والمنطق، بدل الأهواء والمصالح الآنية[26].
ولن يصل المثقف إلى هدفه، ولن يؤدي دوره كما يجب إلاّ إذا تمكن من استخدام ثقافته بشكل سليم وصحيح، وسعى إلى نشر الثقافة الأصيلة، التي تتميز بما يلي[27]:
أ- الاستقلالية، وبذلك تتم مواجهة التبعية الخارجية.
ب- الهدف إلى إنتاج حياة أفضل وأجمل.
ج- التجدد باستمرار، لأن تخلف الثقافة ينفى دور المثقف.
د- تميز الثقافة الأصيلة بأنها متعالية، لتمكن الناس من استيعابها وفهمها.
ومن هنا، تتحدد وظيفة المثقف من أجل الخروج من الأزمة الحالية بأن يلتزم المثقف بقضايا مجتمعه وقضايا أمته العربية. “بحيث لا يكون مثقفاً إذا ابتعد عن هموم مجتمعه وقضايا أمته”[28].
3- 2- الدور البارز للمثقفين في الأزمات التاريخية:
لا شك أن الأحداث الكبرى التي حصلت في بعض البلدان العربية، أحدثت تخلخلاً كبيراً في الآراء والمواقف والأحكام، فقد عملت –ولا زالت- الاحتجاجات والانتفاضات على إعادة صوغ أسئلة أساسية تتعلق بالحرية، والعدالة، والكرامة، والدولة، والديمقراطية، والدين، ووظائف الفكر والثقافة.
وقد توزّعت الآراء في خضم هذه الانتفاضات الثورية حول أدوار المفكرين وأداء المثقفين في الأزمات التاريخية، وقدرتهم على الفعل والمشاركة في صنع الأحداث وإنجاح التغيير.
فهناك من رأى أن ما حصل، ويحصل، قد أظهر عجز المثقف وتقاعسه عن التفاعل الإيجابي مع حركية الاحتجاجات، وفقدانه بوصلة التفكير الملائم لقراءة المرحلة. وهناك من رأى أن سرعة الأحداث جرفت المثقفين وخصوصاً في بدايات الاحتجاجات التي أدت إلى تغيير رؤوس الأنظمة في بعض الدول مثل؛ تونس، ومصر، وليبيا واليمن، وزجَّت بالبعض في إطلاق إسقاطات وتمنّيات حول الثورة والتغيير، والانتقال الديمقراطي، والتحول إلى مجتمع أكثر عدالة وحرية، وأكثر صوناً لكرامة الإنسان العربي، لكن سرعان ما تبخّرت هذه الاستيهامات والتمنيات.
كما أننا وجدنا من أكّد أن المثقف العربي، وخارج كلّ مراهنة على أدواره، أصبح «صورة افتراضية» يحركها حنين إلى نماذج وأوجه مثقفين عرب كبار انتهى عهدهم وتأثيرهم. والحال أن الأحداث والقوى الفاعلة فيها لم تعد تعترف بالروايات الكبرى أو المشاريع الفكرية، لأن الاستبداد السياسي أنتج فئات وبنى اجتماعية تُعاند التحديث الفكري والسياسي، وتُفرغ الأفكار والمفاهيم من دلالاتها.
وبخلاف ذلك، تماماً، نعثر على آراء وكتابات ترى أن المثقف العربي لم يكن بالسلبية التي أطلقها البعض، بخفّة، على أدائه، كما لم يكن محايداً أو مستقيلاً، وإنّما انخرط في الحراك العام، سواء بالالتحاق بميادين الاحتجاج، أو بمقالاته وكتاباته. لم يكن أداؤه ريادياً أو قيادياً من دون شك، لكن يصعب تحمُّل ادعاء أنه كان حالماً، أو صامتاً كلّياً.
ونجد، أيضاً، موقفاً مختلفاً من علاقة المثقف بالأحداث، يقضي بالقول إن الحديث عن التزام المثقف بقضايا السياسة والمجتمع، أو ارتباطه «العضوي» بقوى التغيير، هو حديث تبسيطي، و«أيديولوجي»، لأن المثقف يستحق جدارة تسميته ممّا يكتب، ويبدع، ويفعل، وليس ممّا يدعي تمثيله. وإذا كان البعض يلهث وراء التموقعات والشهرة، فإن إنتاج المثقف، سواء كان شاعراً أو روائياً، أو رساماً، أو سينمائياً، أو موسيقياً، أو مُنظّراً، هو الأداة الأنجع التي بها يصوغ أسئلة الحدث والوجود، ومن خلالها يشقُّ مسارات وآفاق الحياة، وأن يصدع بالحق أمام السلطة.
وهو الموقف الذي تبناه الباحث وانطلق من حيثياته للبحث عن الدور البارز للمثقفين في الأزمة الحالية التي يعيش المجتمع العربي، ولكن قبل الحديث عن ذلك، ينبغي أولاً أن نعرض بإيجاز لأهم أراء المفكرين في دور المثقف بشكل عام في المجتمع العربي.
أصبح المثقف في المجتمع العربي، يعكس حالة التفرق الموجودة في المجتمع، ويُتهم بأنه فقد فاعليته، لأنّه لم يقم بالدور المنتظر منه، وهو إنتاج المعرفة، مما جعله في مؤخرة المجتمع، وفي عزلة عن الناس.
وحين نتحدث عن دور المثقف العربي المنتظر منه لا نستطيع أن نحدد هذا الدور بعيداً عن رؤية دقيقة وقريبة للواقع العربي الذي يتسم بحالة من الانقسام والتشرذم، وذلك الدور الخطير الذي تلعبه النظم العربية مع المثقف، والتي تسعى جاهدة إلى الهيمنة والسيطرة، بغض النظر عن متطلبات الشعوب ومصالحها، وفي سبيل تحقيق ذلك عملت النظم على تدجين المثقف، وتهميش دوره، ولا غرو ففي فترات سابقة كان للمثقف التأثير الأهم على ما هو مجتمعي، فسعت السلطات والنظم في مجتمعاتنا العربية شاملة إلى إقصاء المثقف وتهميش دوره.
ومع ذلك فالباحثين ينتظرون من هذا المثقف أدواراً عدة، محمد عابد الجابري أن : “المثقف يجب عليه إعادة التفكير في مشروعنا النهضوي انطلاقاً من مراجعة المفاهيم والتصورات التي يعمل عليها المثقفون العرب أو الفكر العربي”[29].
أما عقلة عرسان فيرى أن دور المثقف ينحصر في “مسئوليات الحفاظ على الهوية، هوية الجماعة، وهو الشخصية العامة للمجتمع”[30].
في حين يرى مراد كاسوحه أن المثقف العربي عليه مهمّة “إعادة الاعتبار إلى الثقافة العربيّة عن طريق الخروج من دائرة التشرنق الثقافي القطري، ورفض التجزئة الثقافية التي تفرضها الأنظمة العربية كجزء مهم للتجزئة القطرية”[31].
ورغم كلّ هذه الأدوار المنتظرة من المثقف العربي إلاّ أنّه لم ينجزها كما ينبغي له، بل لم يحمل مشروعه الخاص، ولم يقم بدوره في تنمية وعي المجتمع وفكره، فالمثقف العربي كما يرى ميشيل كيلو لم ينجز مهمته المنتظرة فهو “لم يحمل مشروعه الخاص القادر على مساعدة المجتمع على التحرر من آثار الأمراض الكثيرة التي عاني منها، ولا يزال، بل التصق التصاقاً مثالياً بحزب من الأحزاب، حوّل نفسه إلى بوق ينفخ في العراء الاجتماعي. وفي ظل ذلك خسر المثقف الدور التاريخي الذي كان حرياً به التصدي له”[32].
والسؤال الذي يفرض نفسه ما الذي أدّى إلى تراجع دور المثقف العربي في العقود الأخيرة؟!
يرى كريم حلاوة أنّ هناك عقبات حالت بين المثقف العربي ودوره الذي يجب أن يؤديه “:أولى هذه الإشكاليات نخبوية الثقافة والمثقفين، هذه النخبوية التي تعبر عن وجودها في شكل قطيعة تسم علاقة المثقف بالناس العاديين الذي يفترض أن المثقف يتكلم لهم وباسمهم، أما الإشكالية الثانية، فهي عدم تحديد الأولويات، فقد أُهدِرت جهود كثيرة لإثبات أولوية المسألة الوطنية عن المسألة الاجتماعية أو العكس.
أما الإشكالية الثالثة فتتمثل في العلاقة التي تربط الثقافي بالسياسي كحقلين للممارسة الاجتماعية يحتويان التماهي والتمايز والتداخل والاختلاف في الوقت نفسه، فيمكن لجدل الثقافي/السياسي –في ظل ظروف الحوار والنقد- أن يفتح مجالات للتفاعل، يمكن الممارسة الاجتماعية من تحقيق جدواها الإنساني أما في حالة انتماء كلّ من السياسي والثقافي إلى حقلين أيديولوجيين مختلفين، وربما نقيضين، فتتعذر عملية تحويل الثقافة إلى جزء عضوي في الحياة الاجتماعية.
وتتمثل الإشكالية الرابعة في غياب ما أطلق عليه جرامشي المثقف العضوي، تنشأ هذه الإشكالية من ضعف تطور المجتمع العربي وجنينية المجتمع المدني فيه[33].
لكنّ كلّ هذه الاتهامات، ليست حقيقية تماماً، فهي تعكس رؤى أيديولوجية تحمل المثقف فوق طاقته، فعدم الفاعلية ليس عائداً، لكون المثقف لم يعمل بخصوصيته، وهو إنتاج المعرفة، بل عائداً لغياب فكرة القوميات، والقضايا الكلية الكبرى نتيجة للظرف التاريخي الذي مّر به المثقف العربي نتيجة لحرب 1967، وتداعياتها الاجتماعية والسياسية والثقافية، ليس على مصر وحدها، بل على كل المجتمعات العربية، إضافة للظروف التي مّر بها العالم أجمع، بعد ثورة الطلاب عام 1968، والمراجعات الفكرية والنقدية التي حدثت في شتى مناحي الحياة، كل هذا أثر على وضعية المثقف، حتى أن المؤسسات والنظم العربية لم تعد تراه فاعلاً في الشؤون العامة والقضايا المصيرية، كغيره من الفئات الاجتماعية الأخرى، بل لم تعد تعنى بأن تُولية قيادة المؤسسات الثقافية، ممّا أدّى إلى تكريس هذا الفهم لدى عامّة الناس. ويزداد الأمر سوءاً عندما تُسند المواقع القيادية لغير مستحقيها. وقد كشف هذه الأزمة وهذا التحدي الأساس المفكر هشام شرابي في كتابه: “أزمة المثقفين العرب” فقد أورد الطاهر لبيب رأيه قائلاً: “فالتحدي الحقيقي أمام المثقف العربي في اللحظة الراهنة هو أن يرتفع فوق ذاته وفوق الموقف الحالي، الذي يتسم باختلاط الأوراق. فلم يحظ المثقف العربي ووضعيته بدراسات معمقة تتناسب وحجم الدور المنوط به، فالطاهر لبيب يرى أن: “المثقف ككائن اجتماعي غائب أو مطرود أو منفي من الدراسات التي أنجزت حول تكوين العقل العربي”[34].
كما يذهب حليم بركات إلى استنتاج مفاده أن “العسكر حولوا المثقفين إلى موظفين أو اضطروهم للصمت داخل البلاد أو للنفي خارجها. إن الفكر العربي يقع تحت الاحتلال الغربي، وإن تخلصت البلاد العربية من الاحتلال العسكري”[35].
ولا تخفى علينا تلك السخرية المؤلمة في حديث حليم بركات حيث صور تغييب ملامح المشروع النهضوي العربي بوقوع الفكر العربي تحت هيمنة الفكر الغربي الذي يراه بمثابة الاحتلال.
ويرى نادر فرجاني أن ارتباط المثقفين العرب بالغرب فكراً وقيماً وسلوكاً هو إحدى النقاط الأساسي التي يجب التركيز عليها في تحديد سبب انحسار دور المثقفين العرب، ميزة هذا التركيز أنه يقدم لنا موطئ قدم في دعوة المثقفين إلى نوع من الجهاد الأكبر والتحرر من سطوة الغرب الرأسمالي سعياً لزيادة فعاليتهم في العمل نحو التقدم والوحدة والتحرر”[36].
ولا شك أن الأحداث الكبرى التي حصلت في بعض البلدان العربية، أحدثت تخلخلاً كبيراً في الآراء والمواقف والأحكام، حول الدور المنوط بالمثقفين إزاء التحولات التاريخية، فقد عملت –ولا زالت- الاحتجاجات والانتفاضات على إعادة صوغ أسئلة أساسية تتعلق بالحرية، والعدالة، والكرامة، والدولة، والديمقراطية، والدين، ووظائف الفكر والثقافة، وعلى المثقف أن يختار لنفسه دوراً ريادياً بارزاً يسهم في إحداث التحول الديمقراطي وإرساء مبادئ وقيم الديمقراطية.
3-3- المثقف ودوره في إرساء دعائم الديمقراطية:
تشهد التغيرات الراديكالية السريعة التي تمر بها مصر وسائر البلاد العربية على أننا نعيش في عالم جديد ملئ بالتغيرات والتطورات على كافة مستوياته؛ السياسية، والاقتصادية، والثقافية والاجتماعية، وأصبح واقعنا يطالبنا بقوة بضرورة التجديد والتحديث. ومن هنا وجب علينا أن نجيب على عدّة أسئلة تحدّد ماهيّة الديمقراطية ودور المثقف في إرساء دعائمها ومبادئها وقيمها، وتمكنّنا من تحقيق أملنا المنشود في التحول الديمقراطي الذي ينهض بالأمة العربية كلّها، ويجعلها قادرة على اللحاق بالركب الذي تخلفنا عنه كثيراً. ومن أهم هذه الأسئلة التي نحاول أن نجيب عليها في ثنايا هذه الدراسة: من أين نبدأ؟ وما المقصود بالتحول الديمقراطي؟ وما الفرق بين ثقافة الديمقراطية والتحضر وثقافة الجمود والتخلف؟ وما هي تحديات العصر؟ وكيف نواجهها؟ وما هي آليات حصول التحول الديمقراطي المنشود؟ وكيف نرى مستقبل مصر والأمة العربية في ظل التحديات الراهنة؟
يجب أن ينطلق الحديث من إصلاح تفكيرنا وتجديد رؤيتنا الثقافية لتتلاءم مع قيم ثقافة الديمقراطية والتقدم، وتهيل التراب على قيم ثقافة التخلّف التّي لا تزال مترسخة لدى الكثيرين منا والتي باتت تؤرق مضجعنا صباحاً ومساءً. لذلك فلابد أن يبدأ الحديث من التحول الديمقراطي.
والتحول الديمقراطي –بحسب التعريف- التحول من نظام سياسي سلطوي يقيّد حركة الأحزاب السياسية، ويضع القيود أمام مؤسسات المجتمع المدني، إلى مجتمع ليبرالي يطلق فيه عنان حرية تعاطي السياسية، بما يعنيه ذلك من تعددية سياسية حزبية، وتعددية فكرية، وحرية عمل لمؤسسات المجتمع المدني.
والتحول الديمقراطي –كما تشهد بذلك التجارب العالمية المقارنة- عملية بالغة الصعوبة والتعقيد؛ ذلك أنه ينطوي ليس فقط على إسقاط بعض الممارسات السياسية، واستحداث ممارسات أخرى تهدف إلى توسيع دائرة المشاركة السياسية إلى أبعد مدى، وإنما ينطوي على تغيير اجتماعي وثقافي مخطط.
وهذا التغيير لابد له أن يهاجم القيم السياسيّة السلطوية التي عادة ما تحاول بكلّ ما تملكه الدولة من أجهزة إيديولوجية، تقديس الحاكم، وفي الوقت نفسه تحصين النظام السياسي من النقد الجذري للمنطلقات التي يقوم على أساسها بما يهدد شرعيته المفروضة.
وهدم القيم السلطوية لابد أن يترافق معه بناء أو إعادة بناء القيم الديمقراطية، التي تركز على حقوق الأفراد في المقام الأول باعتبارهم مواطنين وليسوا رعايا؛ ذلك أن الدولة السلطوية عادة ما تهدر حقوق المواطنة حتى لو كانت الدساتير المطبقة تنص عليها، وتعامل الأفراد بحسبانهم رعايا من حقها أن تحدد أوضاعهم كما تشاء حتى لو كان ذلك ضد الدستور أو القانون، كما أن من حقها المزعوم أن تغير كما تشاء وتهوى من أوضاعهم القانونية والسياسية.
والقيم الديمقراطية تؤمن بالتعددية السياسية والفكرية، وتقوم وتزدهر في ضوء حرية التفكير وحرية التعبير وحرية التنظيم.
وهي تحض على السلوك السياسي الإيجابي الذي يتمثل في الحرص على المشاركة السياسية، سواء بالانضمام إلى الأحزاب السياسية المختلفة، أو بالمشاركة في الانتخابات التي تجري بصورة دورية.
ويُمكن القول إن انتشار الديمقراطية في العالم الحديث قد جاء على شكل موجات. فقد اندلعت الموجة الأولي في أعقاب الثورتين الأمريكية والفرنسية، وهو ما مَثّل بداية التحول الديمقراطي في أوروبا والأميركتين في القرن التاسع عشر. إلاّ أنّ هذه الموجة قد انحصرت بفعل صعود الشيوعيّة والحركات الفاشية وذلك حتى ظهرت الموجة الثانية من الديمقراطية غداة الحرب العالمية الثانية، والتي شهدت إعادة انتشار الديمقراطية في أوروبا الغربية ووصول الديمقراطية إلي اليابان، والهند، وبعض الدول المستقلة حديثاً عن الاستعمار.
وفي تطور لاحق، بدأت الموجة الثالثة في أوائل السبعينيات مع عمليات الانتقال الديمقراطي في أوروبا الجنوبية: إسبانيا، والبرتغال، واليونان، وأيضاً مع الانتقال الديمقراطي في البرازيل وبلدان أخري في أمريكا الجنوبية والوسطي. ويُلاحظ أن هذه الموجة أصبحت أكثر اتساعاً بفعل تفكك الاتحاد السوفيتي، وتداعي جدار برلين عام 1989، حيث تحولت كلّ أوروبا الشرقية والوسطي تقريباً إلي الديمقراطية بما في ذلك روسيا، كما أن الكثير من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء أطاحت بحكامها السلطويين واتجهت صوب الديمقراطية[37].
وفي أوائل القرن الواحد والعشرين شهدت العديد من الدول ما عُرف بالموجة الرابعة للديمقراطية، والتي سماها البعض بالثورات الملونة أو الثورات الانتخابية، وقد ضمت هذه الموجة عددا من دول أوروبا الشرقية، وهي سلوفاكيا، وكرواتيا، وصربيا، وجورجيا، وأوكرانيا.
ويشهد العالم في الوقت الراهن عديد الثورات في المنطقة العربية التي جاءت بشكل أساسي تطالب بالديمقراطية والقضاء على النظم التسلطية، وهو ما أطلقت عليه العديد من الكتابات الغربية بربيع الديمقراطية العربي أو الموجة الخامسة للتحول الديمقراطي! وفي هذا الإطار، نود أن نقف على العلاقة الحميميّة بين المثقف والديمقراطية، وتقدم المجتمع العربي ونهضته؟
حرصت عديد المجتمعات المتقدمة والمتحضرة على شيوع قيم ثقافة الديمقراطية وإرساء دعائمها، فأتاحت الفرصة كاملة أمام قدرات الفرد المستقلة أن تنفتح وأن تنمو وأن تبدع وتنفرد في مجال إبداعها، إذ إنّ كلّ ما يركز عليه في تلك المجتمعات هو تعويد الفرد على التفكير المستقل، وتقديم المناهج الدراسية كوسيلة لحل المشكلات وليس للمعرفة النظرية فحسب، كما أن الفرد في تلك المجتمعات المتحضرة يختار بمحض إرادته تخصصه الدراسي دون عوائق أو تدخلات من الغير، فيختار طريقه عن اقتناع ذاتي، مما يجعله يُحسن استغلال قدراته الذاتية وكافة الإمكانيات المتاحة أمامه. إنها ثقافة يؤمن الناس في ظلها بالصدق في التعامل بين الأفراد ومن ثم احترام المواثيق والوعود والعهود وسيادة القانون واحترام أحكام القضاء، ولذلك فهي ثقافة ديمقراطية تتكامل فيها مصلحة الفرد مع مصلحة المجتمع فيخلو المجتمع من الآفات الضارة والقيم السلبية المعوقة للتقدم كالحسد والحقد والرشوة والوساطة والمحسوبية والخيانة واللصوصية[38]. فيتحول المجتمع تبعاً لهذه الثقافة إلى مجتمع ديمقراطي ناهض ينشغل أفراده بالإبداع والإنتاج في كافة نواحي الحياة مستغلين أقصى إمكانياتهم لخدمة مجتمعاتهم التي تصبح الأرقى والأفضل والأكثر تقدماً ورفاهية.
وبخلاف ذلك فإن المجتمعات ذات النظم السلطوية تعمل على سيادة ثقافة الجمود والتخلف لأنها الثقافة الغوغائية التي تروقها والتي يتواكل فيها الجميع على الجميع دون أن يجرؤ أحدهم على تحمل المسئولية، إنها ثقافة لا تؤمن بالفرد فهي ثقافة القطيع، تسودها قيم سلبية أهمّها الاتكالية واللامبالاة والأنامالية وانتظار ما يقدمه الآخر في ظل جفاف ونضوب إبداع الأنا. إنها في أغلب الأحيان ثقافة تعتمد على التقليد المظهري والضمني لما نجح فيه الآخرون فيهتم الفرد فيها بتغليب الدوافع الأنانية على الدوافع الموضوعية وتغليب المصالح الشخصية على مصلحة المجموع بل إن الفرد في هذه الثقافة الغير ديمقراطية – كما يقول مصفى النشار: مصاب بازدواجية الشخصية، فهو أمام أسرته ومجتمعه ذلك الفرد المثالي المحافظ على كل التقاليد والأعراف، بينما هو ودون أن يعي ذلك يحاول بكلّ السبل أن يحقق ذاته الفردية في الخفاء بممارسة ما يستطيع من رذائل ومتع حسية وجسدية بعيداً عن أعين الآخرين، فتسود ثقافة الأفراد ” من ذوي الوجهين “؛ الوجه الأخلاقي الفاضل أمام المجتمع والناس، والوجه القبيح الجشع الفاسد في الخفاء إنها ثقافة تسود كل المجتمعات المتسلطة لانتفاء المعايير التي تقاس بها قدرات الأفراد ومؤهلاتهم[39].
وبرصد مظاهر ثقافة الديمقراطية وثقافة السلطوية تتحدد تحديات عصرنا ومشكلات مجتمعاتنا من تحديات حقيقية تتمثل في: هيمنة بيروقراطية مركزية على الاقتصاد والمجتمع بشكل يحد من إمكانيات التنمية الحقيقة، واستئثار فئة قليلة بمصادر القوة والسلطة، وضيق القاعدة الإنتاجية وفقدان مجالات الاستثمار الحقيقية، وتصدير رؤوس الأموال العربية إلى الأسواق الأوربية والغربية، وسيادة قيم المحسوبية والرشوة والوساطة، واستغلال النفوذ والتربح من خلال المنصب وتتجلى هذه النظرة المجتمعية كما يرى أحد الباحثين ” إنها تعطي الأولوية للعمل النظري العام. هذا فضلا عن التشويه الفكري والأيديولوجي والخطاب الديني المتشدد وموقف بعض الجماعات الإسلامية المعادي لنهضة الوطن والمُصِّر على تعطيل المسيرة ما دام لم تتحقق مصلحته الذاتية، هذا إلى جانب المؤامرة الكبرى التي بدأت في تنفيذها السياسة الصهيوأمريكية لتفتيت الدول العربية إلى دويلات وتحويل جيوشها إلى ميلشيات. هذا فضلاً عن المقررات الدراسية العقيمة والتي لا تهتم – إلا فيما ندر– بالتفكير الإبداعي بل تقوم في معظمها على الحفظ والتلقين فيكون الأكثر حفظاً هو الأكثر إبداعاً وتفوقاً والأمر ليس بالضرورة كذلك. كما تنعكس النظرة المجتمعية المقلوبة للأمور عائقاً وتحدياً صعباً يجب التصدي له من خلال سيادة ثقافة التقدم على العمل اليدوي، وللأفندي على العامل، وللمدير على المنتج، وللياقات البيضاء على الزرقاء، والرزق مقدر سلفاً فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، والله لم يخلق الأفواه لينساها”[40]. يمثل كلّ ذلك تحديات ماثلة وقائمة على أرض الواقع ولابد للأمة أن تتجاوزها لإرساء دعائم الديمقراطية في مجتمعاتها.
4- خاتمة :
إن تهاوي المثقف العربي المحايث لتآكل أوضاع بلادنا ينتج الشخصية العربية ذات ملامح انسحابية / هروبية، وها هو الاستسلام النابع من الفساد والإفساد وأسر الشعوب واعتقالها في سجون أنظمة الاستبداد، يمنع إعادة صياغة وتأهيل المثقف ليمارس دوره في الصراع الذي لا يهدأ، من أجل أن يُبين الضوء في آخر النفق، كي لا نتوه عن مهمتنا الشائكة و المركبة، في عصر يشهد تحولات على شكل قفزات، و نحن نحيا في سبات عميق.
على المثقف العربي في سياق التحولات التاريخية الواقعة الآن أن يكون فاعلاً ايجابيا ومبدعا في إنضاج الوعي العربي بأهمية التنظير للفكر الديمقراطي ووضع البنات المنهجية للتحول الديمقراطي.
ويعتقد أحد الباحثين أن أدوات تحقيق هذا الهدف هي[41]:
- جهاد المثقف من أجل التعلم الذاتي.
- تطوير قدراته المعرفية والمنهجية للمساهمة في إنتاج المعلومات الثقافية وتصنيفها وجعلها قادرة على التوظيف و المنافسة.
- تعميق القيم الضرورية للتفاعل الإيجابي مع الديمقراطية وهي تتطلب نقلة كيفيّة في الخصائص والممارسات السلبية.
وعلى ذلك فالمثقف في لحظته التاريخية يجب أن تكون له قدرة ووعي بضرورة الاهتمام بنقد الذات، وليس الاكتفاء بنقد الآخر، إضافة إلى التحرر من المسلّمات الجاهزة بتنمية القدرة على التأمل والخيال والإبداع للتجدد، تجاوز السلفية والقبلية في التفاعل إلى العلمية والمرونة وإدراك ضرورة التعددية وفاعلية الآخر، وتعميق قيم تحرير العقل والإرادة الإنسانيين من حيث هما شرطان ضروريان لتوفير سياق الإبداع.
إذن على المثقف أن يكون له وعي بالتحول الديمقراطي، وهو وعي يتطلب التمييز بين الموضوعي في التطور الإنساني، وبين التوظيف الذاتي المرتبط بتدويل إنجازات الديمقراطية. من ثم فالمهم تعيين الشروط الموضوعية العامة في العقل والإرادة الإنسانية، والنوعية المرتبطة بنظم السياسة.
فلا بد أن يكون لنا: موقف إيجابيّ إزاء الديمقراطية، مما يتطلب منا أن ننخرط في المعترك السياسي العالمي، وأن ندفع بمجتمعاتنا في اتجاه التفاعل المتحرك مع المتغيرات المتسارعة، حتى نفهم ما يجري حولنا، و نستوعب التحولات الكبرى التي تعيشها الإنسانية في هذا العصر، وإلاّ سنبقى عاجزين نتفرج على العالم وهو يتطور.
المصادر والمراجع:
- أحمد مجدي حجازي : الثقافة العربية في زمن العولمة، (القاهرة : دار قباء 2001).
- إدوارد سعيد: المثقف والسلطة، ترجمة: محمد عناني، (القاهرة: رؤية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2006).
- آلان سينجود: النظرية في علم الاجتماع، ترجمة السيد عبد العاطي، (الإسكندرية : دار المعرفة الجامعية، 2000).
- أنطونيو جرامشي : دفاتر السجن ، ترجمة عادل غنيم، (دار المستقبل العربي، 1994).
- بول سالم : الربيع العربي وتجارب التحول الديمقراطي في العالم، ( الحياة، أكتوبر 2011).
- حسن حنفي : هموم الفكر والوطن، الجزء الثاني ، (القاهرة: دار قباء ، 1998).
- حسن عجمي: السوبر حداثة، (بيسان للنشر والتوزيع، 2005).
- حلمي شعراوي : في ثقافة التحرر الوطني ، (القاهرة : مكتبة مدبولي ، 2001).
- حليم بركات : المثقفون في المجتمع العربي المعاصر : ملاحظات حول أصولهم وانتماءاتهم الطبقية، في كتاب: الإنتلجنسيا العربية، (تونس : الدار العربية للكتاب) ، د.ت .
- سعد الدين إبراهيم: أزمة مجتمع أم أزمة طبقة، دراسة في أزمة الطبقة المتوسطة الجديدة، (مجلة المنار العدد 6، السنة الأولى، يونيو 1985).
- السيد ياسين: ثورة 25 يناير بين التحول الديمقراطي والثورة الشاملة، (القاهرة : الدار المصرية اللبنانية، الطبعة الأولى،2011).
- الطاهر لبيب: العالم والمثقف الإنتلجنسي، في كتاب : الإنتلجنسيا العربية، (تونس : الدار العربية للكتاب)، د.ت.
- عبدالإله بلقزيز : نهاية الداعية، (بيروت : المركز الثقافي العربي، 1999).
- عبد الباسط عبد المعطي، العولمة و التحولات المجتمعية في الوطن العربي، (القاهرة : مكتبة مدبولي، 1999).
- عبدالله العروي: ثقافتنا في ضوء التاريخ، (بيروت: المركز الثقافي، الطبعة الأولى، 2002).
- علي أومليل: السلطة الثقافية والسلطة السياسية، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1998).
- علي حرب : أوهام النخبة ونقد المثقف، (بيروت : المركز الثقافي العربي، 1998).
- علي عقلة عرسان : المثقف العربي بين السلطة والمجتمع، (مجلة الوحدة ، العدد 10 ، يوليو 1985).
- علي ليلة : تآكل الرفض الشبابي تأملات مع بداية الألفية الثالثة (في) الشباب ومستقبل مصر (ندوة : قسم الاجتماع جامعة القاهرة، الفترة من 29 – 30 أبريل 2000).
- علي ليلة، مؤمن الشافعي: التنمية الاجتماعية في عالم متغير: آليات التخلف وتحديات التنمية، (القاهرة: الدار الجامعية، الطبعة الثالثة، 2005).
- غالي شكري: إشكالية الإطار المرجعي للمثقف والسلطة، المستقبل العربي، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية)، العدد 114، أغسطس 1988.
- فهمي جدعان : الطريق إلى المستقبل، (بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2007).
- كريم أوب حلاوة : المثقف العربي وإشكالية الدور المفقود، (مجلة الوحدة ، العدد 66 ، مارس 1995).
- محمد بن عبد الحي: المثقف المنزلة والدور، (مجلة المعرفة، العدد (347)، 1992).
- محمد حسين أبو العلا: ديكتاتورية العولمة، قراءة تحليلية في فكر المثقف، (القاهرة: مكتبة مدبولي، الطبعة الأولى، 2004).
- محمد عابد الجابري: المثقف العربي وإشكالية النهضة، رؤية مستقبلية، (مجلة الوحدة، العدد 10، يوليو 1985).
- محمد عابد الجابري: المثقفون في الحضارة العربية، محنة بن حنبل ونكبة ابن رشد، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية،2000).
- مراد كاسوحه : المثقف العربي، الواقع والطموح، (مجلة الوحدة ، العدد 66 ، مارس 1990).
- معالم على طريق تحديث الفكر العربي، سلسلة عالم المعرفة، العدد 115، (الكويت: المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب، 1987).
- ميشيل كيلو : شهادة حول علاقة المثقف بالسياسي ، (النهج ، العدد 40 ، 1995).
- نادر فرجاني: ندوة المثقف العربي ومهامه الراهنة، (المستقبل العربي، العدد 51، مايو 1983).
[1]– علي أومليل: السلطة الثقافية والسلطة السياسية، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1998)، ص9.
[2]– آلان سينجود: النظرية في علم الاجتماع، ترجمة السيد عبد العاطي، (الإسكندرية : دار المعرفة الجامعية، 2000)، ص263.
[3]– أحمد مجدي حجازي : الثقافة العربية في زمن العولمة، (القاهرة : دار قباء 2001)، ص99.
[4]– غالي شكري: إشكالية الإطار المرجعي للمثقف والسلطة، المستقبل العربي، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية)، العدد 114، أغسطس 1988، ص26.
[5]– آلان سينجود: النظرية في علم الاجتماع، مرجع سابق، ص266.
[6]– أحمد مجدي حجازي: الثقافة العربية في زمن العولمة، مرجع سابق، ص265.
[7]– أنطونيو جرامشي : دفاتر السجن ، ترجمة عادل غنيم، (دار المستقبل العربي، 1994)، ص4.
[8]– إدوارد سعيد: المثقف والسلطة، ترجمة: محمد عناني، (القاهرة : رؤية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2006)، ص37
[9]– المرجع نفسه، ص39.
[10]– إدوارد سعيد: المثقف والسلطة، مرجع سابق، ص40.
[11]– المرجع نفسه، ص32-34 بتصرف.
[12]– المرجع نفسه، ص34-35 بتصرف.
[13]– إدوارد سعيد: المثقف والسلطة، مرجع سابق، ص27-28.
[14]– محمد عابد الجابري: المثقفون في الحضارة العربية، محنة بن حنبل ونكبة ابن رشد، (بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية،2000) ص3.
[15]– المرجع نفسه، ص11.
[16]– حسن عجمي: السوبر حداثة، (بيسان للنشر والتوزيع، 2005)، ص169.
[17]– فهمي جدعان: الطريق إلى المستقبل، (بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2007)، ص40.
[18]– عبدالإله بلقزيز: نهاية الداعية، (بيروت : المركز الثقافي العربي، 1999)، ص35.
[19]– علي حرب: أوهام النخبة ونقد المثقف، (بيروت : المركز الثقافي العربي، 1998)، ص20.
[20]– علي حرب: أوهام النخبة ونقد المثقف، مرجع سابق، ص21.
[21]– عبدالله العروي: ثقافتنا في ضوء التاريخ، (بيروت : المركز الثقافي، الطبعة الأولى، 2002)،ص178.
[22]– حلمي شعراوي : في ثقافة التحرر الوطني ، (القاهرة : مكتبة مدبولي ، 2001)،ص 227.
[23]– محمد حسين أبو العلا: ديكتاتورية العولمة، قراءة تحليلية في فكر المثقف، (القاهرة : مكتبة مدبولي، الطبعة الأولى، 2004)،ص108.
[24]– عبدالله العروي: ثقافتنا في ضوء التاريخ، مرجع سابق ، ص179.
[25]– المرجع السابق، ص179.
[26]– محمد بن عبد الحي: المثقف المنزلة والدور، (مجلة المعرفة، العدد (347)، 1992)، ص173.
[27]– معالم على طريق تحديث الفكر العربي، سلسلة عالم المعرفة، العدد 115، (الكويت: المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب، 1987)، ص46.
[28]– تأثير الأوضاع المجتمعية على دور المثقف العربي، مرجع سابق، ص37.
[29]– محمد عابد الجابري: المثقف العربي وإشكالية النهضة، رؤية مستقبلية، (مجلة الوحدة ، العدد 10 ، يوليو 1985)، ص 52.
[30]– علي عقلة عرسان : المثقف العربي بين السلطة والمجتمع، (مجلة الوحدة ، العدد 10 ، يوليو 1985)، ص42.
[31]– مراد كاسوحه: المثقف العربي، الواقع والطموح، (مجلة الوحدة ، العدد 66 ، مارس 1990)، ص95.
[32]– ميشيل كيلو: شهادة حول علاقة المثقف بالسياسي ، (النهج ، العدد 40 ، 1995)، 115.
[33]– كريم أوب حلاوة : المثقف العربي وإشكالية الدور المفقود، (مجلة الوحدة ، العدد 66 ، مارس 1995)، ص88.
[34]– الطاهر لبيب: العالم والمثقف الإنتلجنسي، في كتاب : الإنتلجنسيا العربية، (تونس : الدار العربية للكتاب)، د.ت، ص11.
[35]– حليم بركات: المثقفون في المجتمع العربي المعاصر : ملاحظات حول أصولهم وانتماءاتهم الطبقية، في كتاب: الإنتلجنسيا العربية، (تونس: الدار العربية للكتاب) ، د.ت . ص49 -50.
[36]– نادر فرجاني: ندوة المثقف العربي ومهامه الراهنة، (المستقبل العربي، العدد 51، مايو 1983)، ص122.
[37]– بول سالم: الربيع العربي وتجارب التحول الديمقراطي في العالم، ( الحياة، أكتوبر 2011)، ص37.
[38]– مصطفى النشار: في فلسفة الثقافة والنقد الثقافي، ص93.
[39]– المرجع نفسه، ص104- 105
[40]– حسن حنفي : هموم الفكر والوطن، الجزء الثاني ، (القاهرة: دار قباء ، 1998)، ص546.
[41]– عبد الباسط عبد المعطي، العولمة و التحولات المجتمعية في الوطن العربي،(القاهرة : مكتبة مدبولي، 1999)،ص50-51.