ملخّص:
تسعى هذه الورقة البحثيّة إلى النّظر في مناهج البحوث الاستشرافيّة البينيّة التي تؤسّس لنظام معرفيّ جديد يخضع لمنطق التّبادل والتّواصل بين مختلف الاختصاصات ويُحقّق مبدأ التّكامل بين المسالك العلميّة المتباينة. وتسعى إلى الكشف عن أهميّة الدّراسات بينيّة التّخصّصات في مواجهة التّحدّيات الرّاهنة وإحداث تغييرات مستقبليّة في مجال البحوث العلميّة من خلال تشابك المعلومات وتداخلها والاستفادة من مختلف العلوم والمناهج. وبناء عليه، فهي تُناقش جملة العوائق والعراقيل التي تحول دون تطبيق مناهج الدّراسات البينيّة والكشف عن افتقاد الرّؤية الدّقيقة لتحديث التّخصّصات المتعدّدة في الخطط التّربويّة. ويقودنا هذا البحث، إلى إثارة جملة من التّساؤلات حول سُبل تأصيل هذه المباحث البينيّة صُلب مناهج البحوث العلميّة والتّعليميّة. وهي مساع أثارتها الدّراسات المستقبليّة وسعت إلى تبديدها بوضع مقترحات علميّة قادرة على تغيير مناهج التّفكير وتطوير آليّات العمل البحثيّ. ولقد شملت هذه المقترحات النّماذج التّالية: نموذج تطبيق تقنيّة دلفي أوّلا، ونموذج تطبيق تقنيّة العصف الذّهني ثانيا، ونموذج تطبيق أسلوب المزج بين المناهج الكميّة والكيفيّة ثالثا. وهي تعمل على تحقيق أهداف مشتركة تنزع نحو تحسين عمليّة التّعليم والتّعلّم وخلق مسارات جديدة نحو التّفكير النّقديّ وتوسيع مجال الإبداع وتطوير آليّات العمل الذّهنيّ لصناعة الأفكار وإنجاز البحوث العلميّة انطلاقا من منطق الجمع وتوليد المعرفة وتوسيع مجال الإبداع في مختلف البحوث الميدانيّة.
على هذا الأساس، سنقف على هذه المساعي في ثلاثة محاور: يهتمّ المحور الأوّل بدراسة المباحث البينيّة مفهوما ومقاصد. أمّا المحور الثّاني، فينظر في التّحدّيات التي تعترض مجال البحوث البينيّة وتحول دون بناء مجتمع معرفيّ يرتكز على تكامل المعارف وتداخلها. ويقودنا هذا الطّرح في المحور الثّالث، إلى البحث في سُبل تجاوز هذه العراقيل وصناعة البدائل المستقبليّة عبر تطبيق مناهج الدّراسات المستقبليّة وتقنيّاتها المتنوّعة داخل المؤسّسات التّعليميّة.
الكلمات المفاتيح: المباحث الاستشرافيّة، الدّراسات البينيّة، تعدّد التّخصّصات، تكامليّة التّخصّصات في التّعليم، مناهج البحوث المستقبليّة البينيّة.
Abstract:
This research paper tries to examine integrative futuristic studies approaches setting a new cognitive system which is subject to the logic of exchange and communication between different disciplines, and which achieves integration principle among different scientific paths. It also seeks to show the importance of interdisciplinary studies in facing current challenges and making changes in future scientific researches through information entanglement and interpenetration, and by taking advantage of different sciences and approaches. Accordingly, this paper discusses some obstacles to applying interdisciplinary research approaches, and reveals the absence of an accurate vision to update multiple specialties in educational plans. This piece of research leads us to consider a number of questions about the ways to include interdisciplinary research within approaches of scientific and educational studies. In fact, futuristic studies have raised such issues and tried to solve them, by making scientific proposals capable of changing thinking methods and developing scientific research techniques; these proposals include the following models: first the Delphi technique application, second the application of brainstorming technique, and third the application of mixed method research. All these techniques seek to fulfill common objectives which tend to ameliorate the teaching and learning process, create new paths for critical thinking and creativity expanding, develop mental work mechanisms to create ideas and carry out scientific research relying on the logic of combination, generating knowledge and expanding the scope of creativity in different field researches. Therefore, three sections are devoted to these ends. The first part is concerned with the definition and objectives of interdisciplinary researches. The second part discusses the challenges facing interdisciplinary researches, which in turn hinder the development of a cognitive society based on information integration and overlap. In the third part, the discussion intends to find out ways to overcome such obstacles, and create future alternatives by applying futuristic studies methods and varied techniques in educational establishments.
Key words: futuristic researches, integrative studies, interdisplinarity, disciplines integration, integrative futuristic researches methods.
1- مقدمة:
يسعى انشغالنا بدراسة تنوّع مناهج البحث العلميّ وتعدّد تخصّصاته، إلى تأصيل مناهج الدّراسات البينيّة وخلق آليّات عمل جديدة للتّفكير في (التفكير في ماذا؟) وسُبل تغيير خارطة البحث العلميّ لاسيّما في البيئة التّعليميّة العربيّة التي تأسر تلقّي المعرفة في مناهج بحثيّة أحاديّة التّخصّص أو بعبارة أخرى “التّخصّص المفرط” الذي يتّسم بتلقّي المعرفة وتراكم المعلومة. فيكون عائقا أمام تدريب الطّالب وتقييد قدراته الذّهنيّة والإبداعيّة عن الخلق والابتكار والإنتاج العلميّ وتوليد المعرفة حتى يصير عاجزا عن خوض غمار الحياة البحثيّة والعمليّة.
على هذا النّحو، غدت هذه البحوث بينيّة التّخصّصات “مجالا خصبا للباحثين في العصر الحديث لما تمثّله من أهميّة في دراسة ظواهر المجتمع ومشاكله التي تحتاج إلى عبور الحواجز والقيود المعرفيّة بين العلوم”[1]. فتكاثفت الجهود نحو إعادة النّظر في تنظيم المؤسّسات الجامعيّة والبحثيّة لاستيعاب ظاهرة تداخل التّخصّصات في برامج التّأهيل والتّعليم والبحث العلميّ وانتهاج سياسات تعليميّة جديدة.
وتنامى الاهتمام بهذا المبحث المعرفيّ الجديد في الذّهنيّة العربيّة قصد صناعة البدائل المستقبليّة وفق أسس منهجيّة تعمل على توسيع مدارات البحث في المعارف والانخراط في مسار صناعة البدائل استنادا إلى منطق الخلق والإبداع والابتكار والتّنوّع المعرفيّ.
إنّ ترسيخ هذا المسار البحثيّ بينيّ التّخصّصات لا يكون إذن إلاّ بخلق مناهج عمل جديدة للتّفكير وإنجاز مشاريع البحث في مختلف التّخصّصات. ويستدعي هذا الأمر، إحداث نقلة نوعيّة في بناء التوجّهات المستقبليّة في البيئة المعرفيّة العربيّة ومواجهة التّحدّيات والصّعوبات التي تعرقل تحقيق هذه المسارات البحثيّة الفاعلة في المستقبل وترسم الحدود بين التّخصّصات العلميّة وكأنّها “جزر متنافرة” يغيب فيها مفهوم التّشارك والتّكامل المطوّر للمعارف الإنسانيّة.
ولتبديد هذه الإشكاليّات المطروحة، قسّمنا هذا العمل إلى ثلاثة محاور. انصبّ جهدنا في المحور الأوّل على دراسة البينيّة في مجال البحث التّربويّ مفهومًا ومقاصد. ونظرنا في المحور الثّاني في التّحدّيات التي تعترض مجال البحوث البينيّة وتعطّل آليّات الإنتاج المعرفيّ والعلميّ. أمّا في المحور الثّالث، فبحثنا في سبل تجاوز هذه العراقيل وصناعة البدائل والمقترحات الممكنة لتطوير الأبحاث بينيّة الاختصاصات وإثراء البرامج التّعليميّة استنادا إلى مناهج المباحث الاستشرافيّة وتطبيقاتها الميدانيّة.
2- المحور الأوّل: المباحث البينيّة مفهوما ومقاصد:
يعدّ مبحث تناول تعدّد التّخصّصات العلميّة من المباحث الشّائكة لكونها تسعى إلى تأسيس نموذج فكريّ ومعرفيّ جديد وفق مناهج بحثيّة استشرافيّة تدعم مفاهيم الانفتاح على الحقول المعرفيّة المتنوّعة وتعدّد التّخصّصات العلميّة وتداخلها.
فكيف نستطيع قراءة مفهوم الدّراسات البينيّة وتنوّع دلالاتها؟
وما دواعي الاهتمام بهذا المجال البحثيّ بينيّ التّخصّصات؟
2- 1- مفهوم الدّراسات البينيّة:
شهد مفهوم البينيّة جدلا واسعا في تحديده وتفسيره وضبط مفاهيمه بحكم تعدّد التّصوّرات واتّساع حقل الدّلالات التي جعلت منه حقلا إشكاليّا بامتياز. ويمكن أن نذكر أبرز تسميات هذا الحقل البحثيّ الجديد وهي على التّوالي: “عابر التّخصّصات” (Cross disciplinarity)[2]، و “تشابك التّخصّصات” (Trandisciplinarity)[3]، و “تعددّ التّخصّصات” (Multidisciplinarity)[4]، و “بينيّة التّخصّصات” (Interdisciplinarity). ولقد شاع استخدام مصطلح “الدّراسات البينيّة”. وهو اتّجاه معرفيّ جديد يقوم على تداخل التّخصّصات وتبادل الخبرات البحثيّة عبر تشابك وجهات النّظر العلميّ والرّبط بين المعلومات داخل نظام يصل بين مختلف الاختصاصات (علوم إنسانيّة، علوم اقتصاديّة، علوم سياسيّة، علوم اجتماعيّة، …) لمعالجة مشكلة مّا وصناعة البدائل المستقبليّة الممكنة.
وتتكوّن كلمة البينيّة من مقطعين أساسين هما: inter” وتعني “بين”، و”discipline” وتعني “مجال دراسيّ معيّن”. ومن هذا المنطلق، عُرِّفت الدّراسات البينيّة ) inter-disciplinary) بأنّها دراسات تعتمد على أكثر من حقل معرفيّ لمعالجة موضوع مّا أو حلّ إشكاليّة تتطلّب أكثر من تخصّص واحد للتّعامل معها وإيجاد البدائل الملائمة لمعالجتها. فهي “تمنح مفاتيح جديدة لفهم الظّواهر المدروسة المعقّدة المعاصرة ومعالجتها…إنّها أصل المعرفة النّاتجة مباشرة عن تداخل العلوم. وتجيب عن منطق الكفاءة والفاعليّة في عرض هذه الظّواهر”[5]. ولا شكّ أنّ هذا الاتّجاه المعرفيّ الجديد ينقد الطّريقة التّراتبيّة الهرميّة(hiérarchique) لتصنيف العلوم التي برزت خاصّة مع (أرسطو، أوغست كونت، الفارابي)، ويؤسّس للفكر الموسوعيّ والنّموذج الشّبكيّ بمنطق ميشال سير ( Michel Serres)، والنّموذج التّرابطيّ والفكر المركّب بتصوّر إدغار موران (Edgard Morin) الذي رأى أنّ هذه الدراسات “جاءت لتُنهي مسألة القطيعة القائمة بين التّخصّصات التي تُعيق عمليّة فهم النّسيج المعرفيّ المترابط والمعقّد”[6] . فالعلاقات بين العلوم تخضع لمنطق التّبادل والتّواصل بين مختلف المناهج والمفاهيم العلميّة تأثيرا وتأثّرا. ويؤسّس مفهوم البينيّة، في اعتقاده، ” أقساما جديدة بين المعارف الإنسانيّة: ونكتفي هنا باستبدال العلوم الطّبيعيّة بعلوم الأرض، والعلوم البيولوجيّة بعلوم الحياة، والعلوم الاجتماعيّة بالعلوم الإنسانيّة. ويفضي هذا الأمر، إلى بناء جسور التّواصل بين المعارف وإكساب هذا الحقل البحثي حقوقه ومشروعيّته”[7].
يترجم هذا التّوجّه، إذن بروز الدّراسات البينيّة التي أفضت إلى تأسيس فروع معرفيّة مستحدثة وتدشين مرحلة جديدة من مراحل تصنيف العلوم المعاصرة. وهي مرحلة تتّسم بالنّظرة الموسوعيّة وبشموليّة العلوم المتفاعلة في ما بينها أخذا وعطاء. إنّها مرحلة الجمع وتوليد المعرفة و”الوعي بأهميّة اختلاف الاختصاصات وتعدّد اللّغات والمنهجيّات”[8].
بهذا المعنى، صارت البحوث البينيّة القائمة على تداخل التّخصّصات ونقض مبدأ “المضامين المجزّأة” والحواجز الفاصلة بين التّخصّصات والعلوم المختلفة، وسيلة لدعم جهود بحثيّة لمواجهة مسائل مجتمعيّة أو تعليميّة متنوّعة من منظور التّكامل بين المسالك المعرفيّة المتباينة. ويقودنا هذا التّعريف إلى القول إنّ “التّكامليّة تشكّل المدخل الأفضل لتكوين المواقف والمهارات والقدرات العقليّة. فمن البديهيّ أنّ تعليما صُمّم على أساس المواد التّعليميّة المجزّأة والمنعزلة لا يتخطّى إلاّ بصعوبة مستوى الأهداف المعرفيّة المحدودة جدّا أحيانا، ويُبقي ضمنيّا على مسافة معيّنة من الغايات الأكثر ترتيبا من مثل الاستقلاليّة الذّهنيّة، والموقف الدّيمقراطي، واحترام القيم الرّوحيّة، التي لا تتحقّق إلاّ بدمج الإسهامات الفرديّة للموادّ المنعزلة وتخطّيها”[9].
ولمّا كانت الدّراسات البينيّة تعتمد على حقلين أو أكثر من حقول المعرفة للإجابة عن أسئلة ومشاكل يعسر على نظام واحد حلّها، فإنّها تحتاج في مراحل الدّراسات العليا إلى أكثر من مؤطّر. فالبحوث التي تنجز في “تعلّمية الفيزياء “على سبيل المثال، تحتاج إلى مشرف من تخصّص الفيزياء ومشرف ثان من تخصّص “علوم التّربية” و”لغة العلوم” وربّما احتاجت إلى مشرف ثالث في “علوم الإحصاء” إذا كان الموضوع يستند إلى منهج إحصائيّ.
ويُبيّن مفهوم البينيّة في الدّراسات المستقبليّة القائم على الانفتاح على الإبداعات البشريّة في مختلف الاختصاصات العلميّة و”الاستفادة من مختلف العلوم والمناهج”[10]، طبيعة العلاقات بين الأشياء وطرائق التّفكير في المستقبل إعدادا وإنجازا. لذلك يتطلّب تحليل مسألة مّا رؤية شموليّة تستند إلى تخصّصات علميّة متنوّعة (علم النّفس، علم التّاريخ، علوم التّربية، علوم أنتروبولوجيّة، علوم سياسيّة، علوم اقتصاديّة، ….). وتقود هذه الرّؤية إلى دراسة التّغييرات في تطوّراتها الدّيناميكيّة من قبيل ارتباط “علم الاجتماع” بالرياضيّات” والمناهج الإحصائيّة لفهم مشكلات المستقبل المعقّدة أو ارتباط العلوم الإنسانيّة بعلوم الطّبيعة. ذلك أنّ العلاقة القائمة بين مختلف هذه العلوم في تكامل ينهل بعضها من بعض لتحليل التّغييرات المجتمعيّة في تطوّراتها الدّيناميكيّة المتسارعة. وعلى هذا النّحو، لا نستطيع إلغاء تدريس اللّغات الحيّة داخل التّخصّصات العلميّة، كما لا يمكن إلغاء تدريس الموادّ العلميّة داخل تخصّصات علوم التّربية أو العلوم الإنسانيّة انطلاقا من منطق الجمع وتوليد المعرفة. ومن ثمّ، الإقرار بتكامل المعارف والبحث عن “تحالف جديد” بين العلم والثّقافة. وهو مفهوم أطلقه الفيلسوف والفيزيائيّ الرّوسيّ إيليا بريغوجين (Ilya Prigogine) سنة 1979 في كتابه (La nouvelle alliance). وبرهن فيه على مدى تكييف الثّقافة لتكون عاملا من عوامل تطوير النّظريّات العلميّة وتطبيقاتها التّقنيّة بشكل لا يمكن اعتبار العلوم والدّراسات التّقنيّة في تنافر مع الدّراسات الاجتماعيّة والثّقافيّة. ولقد ألمح إلى أنّ عهد العلم من أجل العلم أو الفنّ من أجل الفنّ، قد انقضى. وحلّ محلّه عهد التّفاعل والتّحالف بين العلم والفنّ سبيلا من سبل الانفتاح على الإبداعات العالميّة. وذهب بريغوجين[11] إلى أبعد من ذلك حين قال “إنّ العلم سوف ينفتح على الكونيّ عندما يتوقّف عن الإنكار وعن اعتبار نفسه خارج انشغالات المجتمعات، ويصبح في نهاية المطاف قادرا على الحوار مع أناس من جميع الثقافات، وعلى احترام أسئلتهم”[12].
ولا شكّ في أنّ شموليّة مبحث الاستشراف وتداخل معارفه وتنوّع اختصاصاته البحثيّة، يتطلّب نظرة بعيدة المدى تتمثّل في إحداث تغييرات هامّة في الهياكل الذّهنيّة التي ترسّخ مبادئ حريّة الإبداع والابتكار واحترام الحريّات الأكاديميّة وتعدّد المناهج البحثيّة. وحول فكرة تطبيق مبدأ التّكامليّة والنّظرة الموسوعيّة للعلوم، أشار المدير العام لليونيسكو روني ماهو (René Maheu) بمناسبة افتتاح مؤتمر الأمم المتّحدة حول تطبيق العلم والتّكنولوجيا في التّنمية، إلى تبديد الحدود والفواصل بين العلوم وصياغة اتّفاق جديد متعدّد الاختصاصات لضمان البقاء والاستمراريّة وتلبية تطلّعات مجتمع المعرفة الجديد القائم على التّعدّد المعرفيّ والتّنوّع الثقافيّ.
2-2- أهميّة البحوث بينيّة التّخصّصات:
تكمن أهميّة الدّراسات البينيّة في مواجهة التّحدّيات الرّاهنة (التّعليم، الصّحّة، الطّاقة، البيئة، الثّقافة…). وتقتضي هذه المواجهة تخصّصات معرفيّة منفصلة وبرامج بحثيّة تقوم على التّعدّد والتّداخل والتّكامل عبر التّخصّصات (من أبرز هذه التّخصّصات نذكر: التّكنولوجيا الحيويّة، وهو مجال بحثيّ جديد يعتمد على تكامل العلوم الطّبيعيّة، والعلوم التّكنولوجيّة، وكذلك تخصّص تكنولوجيا المعلومات وهو يعتمد على العلوم التّكنولوجيّة والعلوم الطّبيعيّة والعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة…).
ولقد ألمح علماء المستقبل إلى ضرورة الاستعداد لمواجهة التّحديات وإحداث تغييرات مستقبليّة استنادا إلى الإبداعات الفرديّة والتّشجيع على الابتكار. ولقد سكن هاجس الاستعداد للمستقبل معظم علماء المستقبل من قبيل: “ألفين توفلر”(Alvin Toffler) الذي أصدر كتابا عنوانه “صدمة المستقبل”(Future Schok)، أو ريتش بيك (Ulrich Beck) الذي أشار إلى أهميّة المباحث البينيّة وتجاوز الحدود بين التّخصّصات المعرفيّة لمجابهة “مجتمع المخاطر”(Risk society).
تشكّل الدّراسات البينيّة إذن، مجالا خصبا للباحثين في العصر الحديث لأهمّيتها في دراسة ظواهر المجتمع وقضاياه ومشكلاته التي تحتاج إلى عبور الحواجز والقيود المعرفيّة بين العلوم الاجتماعيّة والطّبيعيّة. ومن هنا، أصبح التّداخل والتّمازج بين التّخصّصات العلميّة هدفَ معظم الجامعات في البلدان المتطوّرة لدورها في تطوير القدرات الذّهنيّة على عرض القضايا وتحليلها في مختلف التّخصّصات. وتكمن هذه الأهميّة في مسلكين. يشغل الأوّل المستوى المعرفيّ. فالبينيّة ليست ترفا معرفيّا وإنّما هي ضرورة بحثيّة ملحّة يقتضيها البحث في المواضيع المركّبة والمعقّدة التي تتطلّب رؤية واسعة وشاملة للتّعامل مع الظّاهرة بطرق متنوّعة. ويتمثّل الثّاني في المستوى الاقتصاديّ والاجتماعيّ باعتبار أنّ هذه الدّراسات البينيّة تسعى إلى تحويل المعارف العلميّة الخالصة إلى معارف منفتحة على العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة. ومن ثمّ تتطوّر البحوث من المستوى النّظريّ إلى المستوى التّطبيقيّ والعملي الميدانيّ و”من المعرفة العلميّة الخالصة أو المعرفة لذاتها إلى معرفة منفتحة على المجتمع وعلى الإنسان توظّف لحلّ مشاكل قائمة”[13].
ويمكن ضبط أهداف الدّراسات البينيّة من خلال النّقاط التّالية وهي:
-“دمج المعرفة”: تبحث الدّراسات البينيّة “في سُبل توسيع نطاق التّفاعل بين التّخصّصات المتباينة. فهي تقوم على مبدأ التكامل بين الأهداف والأساليب واللّغات المنخرطة في عمليّة الإنتاج المعرفيّ المشترك”[14]. وعلى هذا النّحو، تهدف مقاربة هذا الحقل البحثيّ متعدّد التّخصّصات، إلى مواجهة “عمى المتخصّص” (l’aveuglement du spécialiste) الذي يكتفي بالنّظر في المسائل المعرفيّة المتخصّصة في مجال بحثه دون الانفتاح على معارف من تخصّصات أخرى.
-“الإبداع في طرق التّفكير”: تكمن أهميّة هذه الملكة الفكريّة، في تطوير القدرة على عرض القضايا ومزج المعلومات بأساليب متنوّعة ممّا يؤدّي إلى تنمية المهارات والتّرفيع من القدرات المهنيّة في مجالي البحث والتّطبيق. وفي هذا الإطار، نبّه المؤرّخ والمفكّر السّوريّ “قسطنطين زريق” إلى أمرين في مجال تنمية ملكة التّفكير وتطويره” أوّلهما أنّ هذا التّفكير ليس مطلوبا في ميدان العلوم فحسب، بل هو دعامة كلّ جهد عقليّ علميّا كان أو أدبيّا أو فلسفيّا أو غير ذلك. ويتمثّل ثانيهما، في قدرة تنمية هذا التّفكير على إعداد ذهن المتعلّم وتكوين مواهبه المتنوّعة”[15].
-“تحقيق التّكامل” بين التّخصّصات المتنوّعة وطرائق التّفكير المختلفة والنّظريّات العلميّة من تخصّصين علميّين أو أكثر بهدف تكامل الخبرات للوصول إلى وحدة المعرفة الشّاملة وإعداد البرامج والمشاريع البحثيّة النّاجعة.
-إنتاج باحثين مؤهّلين لإنتاج معارف جديدة لمواكبة التّطوّرات العالميّة في المجالات العلميّة والمعرفيّة والاستفادة من مناهج ونظريّات التّخصّصات الأخرى. فالدّراسات البينيّة تعمل على إلغاء الحدود الفكريّة والفواصل المعرفيّة بين مختلف التّخصّصات.
إنّ تطبيق برامج الدّراسات البينيّة يؤدّي إلى مخرجات ذات جودة عالية مزوّدة بمعلومات تكامليّة مبنيّة على العلوم المتنوّعة ومن خلال هذه العلوم سيتعلّم الدّارسون العلوم من منظور متنوّع ويختارون ما يناسب مستقبلهم الوظيفيّ أو المهنيّ الذي يطمحون إليه. ولا جدال في أنّ “ثمّة ضرورة لا سيّما في التّعليم العالي، للجمع بين التّعليم الأدبيّ والإنسانيّ، والتّعليم العلميّ والمهنيّ. على أنّ ثمّة ضرورة مقابلة لإخصاب كلّ منهما جذور الآخر. فالثّقافة الأدبيّة أو الإنسانيّة التي تخلو من الاطّلاع العلميّ أو من التّطبيق العمليّ ليست ثقافة جديرة بمسايرة عصر العلم والتّكنولوجيا. وفي المقابل، قد يولّد التّخصّص العلميّ الصّرف أو المهنيّ المحصور معرفةً نظريّة دقيقة أو مهارة عمليّة رفيعة، ولكن يقلّ نفعه ، وقد ينقلب في بعض الأحيان ضررا ما لم يستند إلى تثقيف أدبيّ وإنسانيّ يعنى بالأهداف والقيم أكثر ممّا يعنى بالوسائل وينمّي الفضائل الخلقيّة إلى جانب الكفاءات العقليّة والعمليّة. فكلّ فرع من هذين الفرعين يجب أن يطعّم بالآخر، كما يجب تقليص الحدود والحواجز القائمة بينهما، لتصبح ثنائيّتهما ثنائيّة متقاربة متفاعلة بدلا من أن تكون متباعدة ومتناقضة”[16].
3- المحور الثّاني: البحوث البينيّة: قراءة في التّحدّيات.
تواجه بحوث التّخصّصات البينيّة جملة من العراقيل والصّعوبات التي تحول دون تحقيق الأهداف والبرامج التي أعدّتها لبناء نظرة شموليّة وفهم مشترك للمواضيع والمشكلات المعقّدة في تخصّص معيّن وبناء مجتمع معرفيّ جديد تتكامل فيه المعارف وتتفاعل. ويمكن إجمالها في النّقاط التّالية:
-افتقاد الرّؤية الدّقيقة والمناسبة لكيفيّة بناء الدّراسات البينيّة بالجامعات.
-رغبة عضو هيأة التدريس في العمل منفردا ونشر أبحاث لغرض التّرقية وكسب الوقت وانشغال الأغلبيّة منهم بالمهامّ الأكاديميّة والإداريّة. وتُفضي هذه الرّغبة إلى عُزلة الجامعات وتشكيل حواجز تنظيميّة تمنع محاولات الحوار بين التّخصّصات المتعدّدة وتُدينها. وفي” حركة ثائرة وغاضبة أطلقها غوستوروف عام 1968، أعلن تصريحا رافضا لهذا النّظام الجامعيّ. فلقد قطعت الجامعات المعاصرة صلات التّواصل والتّفاعل الثّقافيّ مع مختلف فروع المعرفة. وتحوّلت إلى سجن مركزيّ للثّقافة وحبس انفرادي يمنع سُبل التّحاور المعرفيّ مع الآخر. وأشار أيضًا، إلى أنّ تجزئة المعرفة في تنظيم الجامعات يعود إلى زيادة التّخصّص في التّخصّصات. ولا شكّ أنّ هذا الإفراط في التّخصّص، يُعيق تطلّعات المعلّمين الباحثين نحو بناء حوار معرفيّ شامل”[17].
-عدم وجود خارطة طريق للبحوث العلميّة في بعض الجامعات من قبيل “عدم التّوسّع في التّخصّصات البينيّة وعدم شفافيّة سياسات أقسام الجامعة في التّعيين والتّرقية والتّثبيت الوظيفيّ، وعدم وضع إجراءات لتقييم إنتاجات الكلّيّة من التّخصّصات البينيّة، وعدم كفاية الوقت الذي تقضيه فرق العمل سنويّا وضعف الاتّصال بين أفراد الفريق”[18].
-صعوبات في كيفيّة تشكيل وتكوين فرق بحثيّة للعمل في الدّراسات متعدّدة التخصّصات.
-افتقاد الرّؤية الدّقيقة والمناسبة لكيفيّة بناء الدّراسات البينيّة بالجامعات نتيجة ضعف العلاقة بين الجامعات وسوق العمل.
-صعوبة النّشر العلميّ وخاصّة في بعض التّخصّصات.
–ضعف اشتراك الطّلاب في إنجاز البحوث والعمل في الفرق البحثيّة نتيجة انشغال الأساتذة بأداء مهامّهم المقتصرة على تقديم الدّروس في مجالات اختصاصهم و”توفير الوقت والطّاقة ولمواقفهم الإيديولوجيّة (هرميّة المواد التعليميّة). وهذا ما دفع بالأساتذة إلى الاعتقاد أنّ موضوع تعدّد التخصّصات يكون فقط على مستوى الممارسة البيداغوجيّة في حين أنّ تحديث التّخصّصات المتعدّدة في المناهج التّربويّة والخطط التّعليميّة، باتت ضرورة حتميّة ومؤكّدة”[19].
-عوائق معرفيّة تمثّلت في الفصل بين المجالات العلميّة عن طريق التّقسيم التّقليديّ إلى تخصّصات فرعيّة. ونشير هنا إلى التّقسيم التّقليديّ للمعرفة الذي شاع استخدامه مع “أوغست كونت الذي قام بتقسيم العلوم بشكل هرميّ. فرتّبها من الأدنى إلى الأعلى من حيث تجريدها وتعقيدها. وجعل كلّ علم يؤسّس لما بعده كما يلي: الرّياضيّات، الفلك، الفيزياء، الكيمياء، البيولوجيا، السّوسيولوجيا…لكن هذه الفكرة لا تلقى قبولا في العلوم المعاصرة التي أصبحت أكثر بساطة من العلوم الماضية كما يؤكّد ذلك باشلار…فالعلوم التي كان يُنظر إليها باعتبارها كبيرة تفرّعت إلى علوم جزئيّة لها بل نشأت بينها علاقات وكسرت الحدود المرسومة كالسيبرنيطيقا التي نشأت من تضافر مجموعة من العلوم وأدّت إلى نشأة علم آخر جديد يسمى الإعلاميّات”[20].
-عوائق تمويليّة تعود إلى متطلّبات العمل بالبحوث البينيّة الماديّة لتحفيز الباحثين على الانخراط في مراكز البحوث للإبداع وابتكار الأفكار المطوّرة لمجالات البحث والتّعليم ترسيخا لفكرة التّكامل والتّفاعل بين المعارف والعلوم المتنوّعة والمتشابكة.
-ضعف ارتباط مخرجات التّعليم بسوق العمل. ويتّضح الأمر بوجود فجوة بين التّخصّصات الأكاديميّة واحتياجات سوق العمل.
–قلّة الاتّصال العلميّ لحضور المؤتمرات والملتقيات العلميّة وخاصّة في مجال الدّراسة.
-قلّة الخبرة في مجال البحوث البينيّة.
-عدم نشر التّجارب النّاجحة في مجال البحوث البينيّة واطّلاع أفراد المجتمع ومؤسّساته عليها[21].
أفضت دراسة معوقات تفعيل الدّراسات البينيّة صلب برامج التّعليم عموما إلى “الكشف عن ضعف ثقافة العمل العلميّ المشترك”[22] والمبالغة في رسم المسافات الفاصلة بين المعارف الذي سينعكس سلبا على تفكير الإنسان وتوجيه قدراته العقليّة والفكريّة في تناول القضايا وحلّ المشكلات.
ويقود هذا الاستنتاج إلى حثّ الفاعلين في عمليّة إنتاج المعارف في كليّتها وشموليّتها على تبنّي مناهج البحوث البينيّة والعمل بها مستقبلا من خلال صناعة المقترحات والأفكار البديلة لترسيخ هذه المناهج الجديدة صلب البحوث العلميّة والمناهج التعليميّة. وهو عمل يتطلّب قدرة توفير خارطة طريق للبحوث العلميّة وخلق مسالك التّواصل بينها من خلال طرح برامج ترسّخ فكرة أهميّة التّداخل والاندماج بين مختلف المعارف والعلوم. ويتطلّب كفاءة عالية على قيادة فريق العمل المنشغل بإعداد برامج البحوث البينيّة. وهو فريق يتكوّن من مجموعة من الباحثين من تخصّصات متعدّدة حسب طبيعة المشكلة البحثيّة.
أفضت بنا قراءة هذه العراقيل والصّعوبات التي تحول دون تفعيل مناهج الدّراسات البينيّة صلب مناهج الدّراسات البحثيّة والمناهج التّعليميّة إلى طرح جملة من الإشكاليّات أهمّها: كيف يتمّ تجاوز هذه العراقيل وتحقيق الأهداف المنشودة؟ كيف يتمّ إنجاح عمليّة التّعليم والبحث العلميّ في إطار رؤية مستقبليّة؟ كيف تُوسَّعُ دائرة العمل البحثيّ متعدّد التّخصّصات في إطار المباحث الاستشرافيّة البينيّة؟
كيف يُطوّر البحث التّربويّ في ضوء بينيّة التّخصّصات؟
وما سبل توظيف أساليبها البحثيّة ومناهجها المستقبليّة في مجالات استعمالاتها الميدانيّة؟
هذه مجموعة من التّساؤلات والإشكاليّات التي أثارتها الدّراسات المستقبليّة وسعت إلى تبديدها بوضع مقترحات علميّة بديلة كفيلة بتغيير مناهج التّفكير وتطوير آليّات العمل البحثيّ حتى يرتقي إلى مصافّ مناهج البحوث العلميّة العالميّة التي تصهر مختلف اختصاصاتها العلميّة والمعرفيّة في بحوثها ومناهجها التّعليميّة.
4- المحور الثّالث: مناهج البحوث الاستشرافيّة البينيّة: قراءة في التّطبيقات:
إنّ البحث في مجال الاستشراف، هو بحث في مجال بينيّ وعابر للتّخصّصات الجامعة للمناهج العلميّة المتنوّعة باستخدام الأساليب البحثيّة والتّقنيّات الكميّة والكيفيّة لقراءة ظاهرة مّا قصد إحداث التّغييرات المنشودة واستشراف سيناريوهات المستقبل الممكنة. وقد شكّل منهجيّةً رائدة في التّفكير المستقبليّ لتوسيع آفاق الرّؤية(vision) ودراسة التّحدّيات النّاجمة عن محدوديّة استيعاب أهميّة “ظاهرة تداخل التّخصّصات وتشابك الفروع المعرفيّة في برامج التّأهيل والتّعليم والبحث العلميّ. ومن ثمّ، ضرورة إعادة النّظر في برامج المؤسّسات الجامعيّة ومراكز البحوث العلميّة للاستفادة منها مستقبلا في المجالين المعرفيّ والعمليّ في آن واحد. وهو عمل جادّ يستدعي رؤية مشتركة للاستفادة من مختلف الآراء لاستقراء الواقع والانخراط في إعداد برمجة عمل لاستقراء التّوجّهات العامّة لصناعة الأفكار وإحداث تغييرات جذريّة في مسالك التّعليم والبحث العلميّ لإنتاج معرفة شاملة ومتنوّعة. وهي برمجة “تعتمد على أساليب التّدريس التي تقوم على مبدأ التّكامل والشّموليّة بدلا من تقديم دروس مجزّأة تستدعي توضيحا في مرحلة موالية”[23]. وتساهم هذه البرمجة في منح “الطّالب القدرة على الانخراط الفعليّ في ممارسة التّخصّصات المتعدّدة قبل مواجهتها مباشرة في المجال العمليّ…ويكون ذلك متاحا من خلال إنشاء منصّات تعليميّة داخل الفضاءات الجامعيّة مثل منصّة ستودوكا la plateforme Studyka التي تشير إلى أنّ الابتكار غالبا ما ينتُج عن تقاطع المهارات والمواهب المختلفة”[24].
يمكن أن نشير، في هذا السّياق، إلى بعض النّماذج التّطبيقيّة التي تستند إليها مباحث الدّراسات الاستشرافيّة في دراسة “ظاهرة مّا” تشخيصا ونقدا وتجاوزا. وسنشتغل على دراسة مستقبل التّعليم في ضوء المباحث الاستشرافيّة البينيّة من خلال تطبيق مناهج الدّراسات المستقبليّة وتقنيّاتها المتنوّعة داخل المؤسّسات الجامعيّة قصد تشخيص الواقع البحثيّ والتّفكير في الحلول والمقترحات البديلة. ويمكن أن نجملها في النّماذج التّطبيقيّة التّالية: نموذج تطبيق تقنيّة دلفي أوّلا، ونموذج تطبيق تقنية العصف الذّهنيّ ثانيا، ونموذج تطبيق أسلوب المزج بين المناهج الكميّة والكيفيّة ثالثا.
نموذج أوّل: تطبيق تقنية دلفي (Technique Delphi):
تندرج تقنية دلفي (Technique Delphi) ضمن المناهج الكميّة للدّراسات المستقبليّة (Methode quantitative) التي تُعنى بدراسة الأوضاع بطريقة إحصائيّة وموضوعيّة بشكل “يسمح بإدراك ما يمكن أن تؤدّي إليه السّياسات المختلفة من نتائج على المدى الطّويل”[25]. وتتمحور الفكرة الرّئيسة في تقنيّة دلفي حول “عرض كلّ الاحتمالات المختلفة لتطوّر ظاهرة معيّنة في المستقبل ثمّ الاستبعاد التّدريجيّ عبر خطوات محدّدة لكلّ احتمال إلى أن نستقرّ على احتمال محدّد. وهو ما يعني أنّ هذه التّقنيّة لها هدف محدّد هو تحديد الاحتمال الأقوى لتطوير المستقبل من خلال توافق بين المشاركين في التّحليل”[26]. وهي تقنيّة تعتمد على أحكام الخبراء للتّوصّل إلى حلول مستقبليّة من خلال صياغة الأسئلة وتوزيع المواضيع المطروحة للنّقاش. فهي منهج علميّ تقوم على الملاحظة والمراقبة يتمّ من خلالها تجميع آراء الخبراء وإعداد جملة من التّوافقات لأخذ القرارات المناسبة في ما يهمّ مشاغل التّخصّصات البينيّة وأهميّة إدراجها في مناهج البحوث العلميّة والتّربويّة. وتتمثّل خطوات تقنيّة دلفي[27] في تصميم فريق عمل مختصّ وتشاركيّ من ذوي الاختصاصات المتنوّعة (خبراء فكر، خبراء في علم النّفس، وعلوم التّربية، والفلسفة وعلم الاجتماع…) الاستبيانات و اقتراح الأسئلة للبحث في سبل ترسيخ مناهج عمل جديدة والوصول إلى اتّفاق أو إجماع في الرّأي بين الخبراء. وتمحورت الأسئلة حول سُبل إدماج الكفاءات العلميّة والفرق البحثيّة متعدّدة التّخصّصات لتطوير البرامج والمناهج التّعليميّة وبيان دورها في تحسين رأس المال المعرفيّ والبحث عن الحلول والمقترحات الواجب ضبطها لرسم إستراتيجيّة عمل تدعم هذا التّوجّه البحثيّ الجديد في التّعليم.
على هذا النّحو، انشغل “مرصد دلفي” بتحديد ما يُعيق تطوّر المعرفة والإقرار بضرورة إدماج المناهج التّعليميّة صُلب المؤسّسات والجامعات للارتقاء بالمستوى التّعليميّ أوّلا والمستوى المعرفيّ والعلميّ ثانيا. وتتأسّس مقترحاته على خلق مسارات جديدة نحو التّفكير النّقديّ وتوسيع مجالات الإبداع في شتّى البحوث الميدانيّة. ويكون ذلك بإحداث تغييرات جذريّة سواء في مستوى البرامج والمناهج التّعليميّة أو في مستوى دراسة كفاءة ومهارة المعلّمين والمتعلّمين على حدّ سواء.
وتتحقّق مطامح المستوى الأوّل في “مستوى البرامج والمناهج التّعليمية المتعدّدة” من خلال جملة من المقترحات صاغها هذا المرصد من قبيل توظيف تكنولوجيّات التّعلّم صُلب العمل الجامعيّ قصد تشريك الطّلبة في صناعة الأفكار وإنجاز البحوث العلميّة في شتّى الاختصاصات. وينبّه هذا المرصد إلى أهميّة إكساب “مفهوم التّعلّم” لصلته المباشرة بتنمية مهارات التّخمين والتّوقّع والتّفكير النّقدي وتطوير آليّات العمل الذّهنيّ للمتعلّمين. وهي مهارات تساعدهم على مواجهة تحدّيات العصر الرّقميّ الجديد وبناء مجتمع معرفيّ جديد يرتكز على الثّورات العلميّة والتّكنولوجيّة.
أمّا دراسة المستوى الثّانيّ، فتتمثّل في تطوير كفاءة المعلّمين والمتعلّمين معا من خلال:
تكثيف الدّورات التّكوينية واكتساب الخبرات اللاّزمة بالعمليّة التّعليميّة وتوسيع مجال الإبداع في شتّى البحوث الميدانيّة.
-نموذج ثان: “تطبيق تقنيّة العصف الذّهنيّ أو الاستثارة الفكريّة (Brainstorming)[28]:
تندرج تقنيّة العصف الذّهنيّ ضمن المناهج المعياريّة الكيفيّة(qualitatives). وهي تكون في شكل “خرائط عقليّة” تشمل المهارات المكتسبة والمعارف الضّمنيّة التي يمتلكها العقل. وتُمكّننا هذه التّقنيّة من “التّعرّف على الاتّجاهات والسّمات السّائدة للظّواهر المدروسة وعلى مجالات ونوعيّة التّحوّلات الفاعلة مجتمعيّا وظروف ظهورها واحتمالات امتدادها”[29].
تعمل تقنيّة العصف الذّهنيّ على “تشجيع أكبر قدر ممكن من الأفراد على طرح كلّ ما لديهم من أفكار مستقبليّة حول موضوع معيّن، وتفترض التّقنيّة السّماح للمشاركين بعرض الأفكار مهما بدا بعضها مستهجنا أو غير منطقيّ”[30]. وتعتمد على التّفاعل والرّبط بين الأسئلة والأفكار. وهي طريقة تعليميّة تعتمد على مجموعة من الخطوات “تؤدّي إلى استثارة وتحفيز العقل لتوليد أكبر قدر من الأفكار وقبولها بحريّة. وتتمثّل خطواتها في صياغة المشكلة ومناقشتها وإعادة صياغة المشكلة وتهيئة جوّ الإبداع والعصف الذّهنيّ والتّقويم”[31]. وتتمثّل أبرز خطوات[32] تقنيّة العصف الذّهنيّ وطريقة العمل بها في النّقاط التّالية:
–تحديد المشكلة المراد التّنبّؤ المستقبليّ لها بشكل واضح وتفصيليّ.
-تحقيق أهداف جماعيّة: يساعد العصف الذّهنيّ الباحثين على تحقيق تعلّم المعرفة من خلال إنجاز العمل في الحصّة ممّا يعطي ثقة بالنّفس لجميع أفراد المجموعة.
-تشجيع جميع المشاركين الباحثين على طرح الأفكار بمن فيهم الأقلّ مشاركة، بمعنى ألاّ تترك الجلسة لسيطرة أحد أو بعض المشاركين. والجدير بالذّكر أنّ “تطبيق البحوث البينيّة لا تقتصر على جملة المعارف المكتسبة من اختصاصات علميّة متنوّعة فحسب، وإنّما تضع في الاعتبار اختلاف اختصاصات الباحثين الثّقافيّة واللّغويّة”[33]. فيقع إطلاق حريّة التّفكير والتّرحيب بكلّ الأفكار على اختلاف اللّغات والمعارف ما دامت متّصلة بالمشكلة.
-عدم السّماح لأيّ اتّجاه فكريّ بأن يسيطر على الجلسات، فالتّمحور حول فكرة معيّنة قد يفقد الأفكار الأخرى فرصتها في أن تعطي مؤشّرات قد تكون مهمّة.
تتمثّل “القواعد الإجرائيّة” في العصف الذّهنيّ في وجود منسّق يقوم بتنظيم كلّ الأفكار المطروحة . وتُناقَش في الفترات الفاصلة بين الجلسات وتُقيَّمُ ثمّ يُتَحقَّقُ من صحّة الحلول المقترحة.
تساهم هذه التّقنيّة في تنمية التّفكير الإبداعيّ والتّحصيل العلميّ من خلال التّشجيع على “التّعلّم النّشط”. وهو يستند إلى “النّظريّة البنائيّة” التي تؤكّد أنّ عمليّة التّعلّم تعاونيّة نشطة ينمو فيها المعنى على أساس الخبرة وأنّ المتعلّم يَبني بنفسه تمثيلا داخليّا للمعلومات مستخدما خبرته في التّعامل مع الظّاهرة المدروسة. وتُساعد هذه المعلومات الباحث على تنمية مهارات التّفسير من خلال القيام بأنشطة علميّة موجّهة تهيّئ للمتعلّم بيئة غنيّة بالمثيرات التي تُحفّز قدرته وتطوّر مهاراته المختلفة في البحث عن الأسباب وبناء الفرضيّات. ولعلّ اكتساب هذه المهارة يساهم في بناء المحتوى العلميّ وانتقاء الطّرق الصّحيحة لاتّخاذ القرارات المناسبة. ثمّ يتمّ تشكيل لجنة متنوّعة التّخصّصات تقوم بعملها من خلال الخطوات التّالية[34]:
- النّظر إلى المعلومات الأوّليّة بنفس القيمة والأهميّة بغضّ النّظر عن مصدرها.
- القيام بالصّياغة الدّقيقة للأسئلة ذات بعد مستقبليّ أي أنّها معنيّة بالتّطوّر المستقبليّ للظّاهرة موضوع البحث.
- البحث في المعلومات المتاحة من المصادر المختلفة عن إجابات لكلّ سؤال من الأسئلة التي صاغها الباحثون في بداية دراستهم. وبعد ذلك يتمّ توظيف هذه المعلومات خلال الدّراسة المستقبليّة من خلال التّقنيات المختلفة.
- الرّبط بين العصف الذّهنيّ والمسح[35]: يشكّل العصف الذّهنيّ “طريقة لجمع الأفكار التي يختزنها الخبراء في أذهانهم حول ظاهرة معيّنة بينما يقوم المسح بجمع المعلومات عن الظّاهرة من خلال قواعد المعلومات والكتب والصّحف والمجلاّت وتوجّهات الرّأي العامّ…وبالجمع بين الأسلوبين تكون معطيات الواقع أكثر وضوحا لمن يقوم بالدّراسة المستقبليّة”[36].
-نموذج ثالث: تكامل التّقنيات الكميّة والكيفيّة في المباحث المستقبليّة:
يعود الاهتمام بضرورة المزج بين الأساليب الكميّة التي تنشغل بدراسة المعارف الضمنيّة التي يمتلكها العقل والأساليب الكيفيّة التي تنشغل بتوظيف الأساليب الرياضيّة في إعداد المشاريع المستقبليّة لها، إلى تباين الظّواهر المدروسة. فهناك مسائل يغلب عليها الطّابع الكيفيّ من قبيل المسائل الحضاريّة أو الاجتماعيّة أو الثّقافيّة أو السّياسيّة، وهناك مسائل أخرى يسودها الطّابع الكميّ لانشغالها بإعداد أرقام وخرائط إحصائيّة لتقييم الظّاهرة المدروسة تحليلا ونقدا وتجاوزا.
ولقد ساهم خبراء المستقبل أمثال كن ويلبر (‘ken Wilber) في إعداد خرائط مستقبليّة جديدة “لدمج الأفكار الرئيسيّة لأفراد أساسييّن من اختصاصات مختلفة، من العلميّين والمهندسين وعلماء النّفس، وحتى من ذوي التّفكير الغيبيّ أو الباطنيّ”[37]. وتشمل هذه الخريطة كلّ أنواع المعرفة من التّحليل النّفسيّ إلى الفينومينولوجيا ودراسة علم الظّواهر إلى الرياضيّات ومختلف العلوم الأخرى. وهي تحتوي أيضا مختلف الفنون والنّظم الاجتماعيّة والثّقافيّة والقيميّة مما يقودنا إلى البحث عن حلول أكثر إبداعيّة. وساهم ذلك في بناء رؤية مستقبليّة تنظر إلى العالم بشكل متكامل “ذلك أنّ الدّراسات المستقبليّة تعتمد اختصاصات متعدّدة ومترابطة بصورة واسعة. فهي ملائمة بصورة جيّدة للاستخدام الواعي لأطر أكثر شموليّة وأكثر تكاملا…فالمستقبليّات المتكاملة لا تأخذ منظورًا أُحاديًّا بل تميّز عددًا وافرًا من الرّؤى وهي ليست محدّدة بأداة أو منهجيّة مفردة بل إنّها تُدرك وجود تشكيلة أدوات شاملة…وتُرحّب دراسة المستقبليّات المتكاملة بكلّ الأساليب الباحثة عن المعرفة في جميع نواحي الفعاليّة الإنسانيّة…إنّ أساليب المستقبليّات المتكاملة بما تتيحه من خيارات غنيّة وخصبة، تعتبر مسلكا يمكّننا من النّفاذ إلى عمق المشكلات والأزمات المختلفة”[38]. وهذا ما أفضى إلى إعادة النّظر في البرامج التّعليميّة قصد تقوية التّرابطات بين التّخصّصات المختلفة وتأمين تماسك الإصلاح التّربويّ وإدخال أنماط جديدة من المضامين إلى المناهج وجداول الدّراسة من قبيل: التّربية البيئيّة، والتّربية من أجل السّلام وحقوق الإنسان، والتّربية من أجل نظام اقتصاديّ دوليّ جديد، والتّربيّة الغذائيّة، والتّربية السّكانيّة.
في هذا الإطار، أشار المشاركون في ندوة اليونيسكو سنة 1985 إلى ضرورة إعادة النّظر في المضامين وضرورة “تجديد طرائق التّعليم والتّعلّم، وتجديد الموادّ العلميّة وأساليب التّقويم وتقنيّاته فضلا عن مناهج إعداد المعلّمين”[39]. وذهبوا إلى أكثر من ذلك بإصدارهم كتبا مدرسيّة وأدلّة للمعلّمين ومواد إيضاحيّة لتجميع التّخصّصات العلميّة ودعم مبدأ التّكامليّة بين فروع المعرفة المتباينة. ففي المملكة المتّحدة على سبيل المثال، “بُذل جهد من أجل تحديد ثمانية مجالات عامّة تؤلّف مجتمعة قاعدة لجذع مشترك: الإبداع الفنّيّ، علم الأخلاق، اللّغات، الرّياضيّات، الفيزياء، العلوم الطّبيعيّة، التّربية الاجتماعيّة، التّربيّة المدنيّة، التّربية الرّوحيّة”[40]. وشمل هذا الإصلاح الشّامل في قطاع التّعليم، مستوى المضامين بهدف وضع مبدأ تداخل التّخصّصات موضع التّطبيق الفعليّ من خلال توسيع دائرة الاهتمام بالنّقاط التّالية[41]:
–تنمية العمليّات الذّهنيّة الأساسيّة وتنمية المهارات في مجالات الاتّصال والتّعلّم.
-تكوين موقف علميّ وتنمية القدرة على استعمال طرائق التّقصّي العلميّ.
-تكوين نظرة اجتماعيّة تاريخيّة للعالم وطرائق ملائمة لتحليل الظّواهر الاجتماعيّة-التّاريخيّة.
-تنمية الحسّ بالقيم الجماليّة والمقدرة على التّعبير.
-تكوين موقف إيجابيّ من التّكنولوجيا ومن المهارات اليدويّة.
-تكوين مهارات التّعايش مع الكمبيوتر والتّكنولوجيا الإلكترونيّة لمعالجة البيانات.
-وضع مبادئ أساسيّة للمضامين التّعليميّة وهي: التّوازن، التّماسك، التّربية المستديمة، تداخل التّخصّصات، التّوجّه المستقبليّ… و”بعبارة أخرى، يجب اكتساب ما يصفه إدغارموران (1990)، بالكفاءة المتعدّدة للباحث[42].
ولقد أجريت دراسة حالة في رومانيا، قُدّمت إلى ندوة اليونيسكو سنة 1985 حول أهميّة العلاقة بين مبدأ تقاطع التّخصّصات والمواد الدّراسيّة بحدّ ذاتها ومدى نجاعة تطبيق هذه الأساليب الجديدة في التعليم وقدرتها على تحسين عمليّة التّعليم(Teaching) والتّعلّم(Learning). وخلُص هذا البحث إلى “تحديد الموقف الواجب اتّخاذه إزاء التّعلّم الذي هو جهد ونضال مع النّفس له طابع تثقيفيّ…وقد شكّل تحليل المفاهيم الأساسيّة المشتركة بين عدّة مواد، تمرينا مفيدا لفرق المعلّمين، وأظهر هذا النّشاط الإبستمولوجيّ أهميّة التّماسك في المضامين، وبالتّالي التّحسينات الممكنة والضّروريّة، إن على صعيد وضع المناهج الدّراسيّة أو على صعيد تعميم عمليّة التّعليم والتّعلّم. فبتحسين تنظيم المضامين في الصفّ الواحد، يُتيح المعلّمون للتّلاميذ إمكانيّة التّوصّل بصورة أسهل إلى مستوى الغايات النّهائيّة: الذّهنيّة، النّظرة الكليّة المتماسكة للكون وللإنسان، القدرة على حلّ المسائل المعقّدة، …وبفضل هذه المقاربة، توصّل نسبة كبيرة من التّلاميذ إلى التّعرّف على الطّريقة التي يستعملها واضعو المناهج المدرسيّة في عرضهم للظّواهر الواجب درسها ممّا يشكّل إسهاما ثمينا في تكوين مهارة التّعلّم”[43]. ويقودنا هذا الاستنتاج إلى الإقرار بحقيقة مفادها أنّ دمج المعارف والعلوم يساهم في ربط الفضاء التّعليميّ بالحياة عامّة أي ربط التعلّم بالممارسة العمليّة. فطالب العلم تلميذا كان أو طالبا يحتاج إلى تلقّي المعارف التي تتكامل فيها التّخصّصات ليتمكّن من الانتقال من النّظريّة إلى الممارسة والنّجاح في مجابهة الحياة العمليّة بشكل فاعل وإيجابيّ.
على ضوء ما توصلنا إليه من نتائج نعتقد أنّنا في حاجة إلى إنشاء مراكز بحثيّة إستراتيجيّة للبحث العلميّ ذات الاهتمام بمستقبليات التّعليم في العالم العربيّ. وهي مراكز تتطلّب الدّعم الماديّ والمعنويّ من قبل سلطات الإشراف لتبادل الخبرات وإنتاج الأفكار وصناعة البدائل.
نحن أيضا في حاجة إلى إحداث تغييرات جذريّة في هياكل المؤسّسات البحثيّة العربيّة “في مختلف الاختصاصات والميادين المعرفيّة”[44]من خلال إدراج البحوث الاستشرافيّة البينيّة في مناهج التّعليم إعدادا وإنجازا.
5- خاتمة:
إنّ الحاجة إلى دراسة مسألة التّداخل والتّمازج بين التّخصّصات والأقسام العلميّة بات ضروريّا. إنّه من المسائل الرّاهنة التي تسعى معظم الجامعات في البلدان المتطوّرة إلى اكتسابها. ولعلّ اتّساع حقل التّخصّصات التي تفرّعت عنها الدّراسات البينيّة مؤشّر واضح على أهميّة هذه البحوث وضرورة تكثيف المساعي نحو إدراجها صُلب برامج التّعليم لإنتاج معارف جديدة وصناعة فكر خلاّق قادر على مواجهة تحدّيات المستقبل. وبات من الضروريّ إنشاء قاعدة علميّة وتكنولوجيّة تُعنى بالبحث العلميّ التّطبيقيّ في كافة المجالات العلميّة المتقدّمة وبالبحوث بينيّة التخصّصات. وبات من الضّروري أيضًا إدماج الكفاءات العلميّة والفرق البحثيّة متعدّدة التّخصّصات لتطوير البرامج والمناهج التّعليميّة لتواكب روح العصر وتكون قاطرة عبور لمواجهة تحدّيات الرّاهن العلميّة والعمليّة.
نخلص ممّا سبق قوله إلى أنّ تبديد الغموض عن هذا التّوجّه المعرفيّ الجديد يحتاج إلى تغيير في الذّهنيّة العربيّة وعيا وممارسة.
قائمة المراجع:
المراجع العربيّة:
- بلمودن (فؤاد)، الدراسات المستقبليّة، الأسس المستقبليّة، الأسس الشرعيّة والمعرفيّة والمنهجيّة لاستشراف المستقبل، المركز الثقافي العربيّ، المغرب،
- زريق (قسطنطين) ، نحن والمستقبل، مركز دراسات الوحدة العربيّة، مؤسّسة عبد الحميد شومان، بيروت، 1980.
- الساعدي )رحيم( الساعدي، مقدّمة إلى علم الدراسات المستقبليّة، دار الروافد الثقافيّة، بيروت-لبنان، 2019.
- العباد )عبد الله بن حمد( العباد، توجّهات أعضاء هيئة التدريس نحو الدراسات البينيّة في كليّة التربية بجامعة الملك سعود، مجلّة الجامعة الإسلاميّة للعلوم التربويّة والاجتماعيّة، العدد التاسع، الجزء الثاني، 2022، ص ص: 262-320
- عبد الحي (وليد): مدخل إلى الدراسات المستقبليّة في العلوم السياسيّة، المركز العلميّ للدراسات السياسيّة، الأردن، 2002.
- عبد الحي (وليد): مناهج الدراسات المستقبليّة وتطبيقاتها في العالم العربيّ، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجيّة، أبو ظبي، 2007.
- العبيري (فهد حمدان) العبيري، إدارة فرق العمل البحثيّة متعدّدة التخصّصات كمدخل لتنمية رأس المال المعرفيّ بجامعة تبوك، رؤية استشرافيّة، المجلّة التربويّة، العدد السادس والخمسون، ديسمبر، 2018، ص ص: 1-32.
- بوغالم )جمال(، ما بعد الفكر العلمي الجديد أو الروح العلميّة الجديدة الثانية، مجلة الحوار الثقافي، مخبر حوار الحضارات والتنوّع الثقافي وفلسفة السّلم، الجزائر، عدد ربيع وصيف 2013، ص ص: 9-14.
- فيدانو )جورج(، تكامليّة التخصّصات في التعليم، نظرة توليفيّة جامعة، مستقبليّات، مجلّة التربية الفصليّة، مكتب اليونيسكو الإقليميّ للتربية في الدول العربيّة، العدد 64، بيروت-لبنان، 1987، ص ص: 558-563.
- قطيط )عدنان محمّد أحمد(، البحث التربوي بيني التخصّصات، دراسة إبستمولوجيّة، المركز القومي للبحوث التربويّة والتنمية بالقاهرة، مصر، 2018، ص ص: 245-300.
- محمد (نجلاء إسماعيل السيد) محمد و زوين (سها حمدي) زوين، فاعليّة وحدة مقترحة في العلوم والدراسات الاجتماعيّة قائمة على الدراسات البينيّة في تنمية مهارات التفسير والحسّ العلمي والجغرافيّ لدى تلاميذ الصفّ الأوّل إعدادي، المجلّد الثاني والثلاثون، العدد الرابع، أكتوبر، 2016، ص ص: 291-348.
- مركز الأبحاث الواعدة في البحوث الاجتماعيّة ودراسات المرأة، الدراسات البينيّة، جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمان، 2017، ص ص: 1-15.
- المنجرة (مهدي) المنجرة، انصهار العلم والثقافة، مفتاح القرن الحادي والعشرين، مجلّة استشراف للدراسات المستقبليّة، الدوحة، قطر، 2016، ص ص: 255-269.
- وطفة )علي أسعد(، مستقبل التعليم العالي الخليجي في ضوء الثورة الصناعيّة الرابعة، قراءة نقديّة في إشكاليّة الصيرورة والمصير، مركز دراسات الخليج والجزيرة العربيّة، العدد 47، الكويت، 2020.
المراجع الأجنبيّة:
- Buhlers (Eva Anne) Buhlers, Fabienne Gavaillé (Fabienne), MelaniGambino(Melani), le jeune chercheur et l’interdisciplinarité en sciences sociales, des pratiques remise en question, dans Nature sciences sociétés, Volume 14, 2006, Pp: 392-398.
- Darbelly (Frédéric) Darbelly, vers une théorie de l’interdisciplinarité entre unités et diversités, Nouvelle prospectives en science sociales, Volume7, Numéro1, Octobre 2011, Pp: 65-87.
- Hamel (Jacque) Hamel, La pédagogie comme pivot de l’interdisciplinarité, Revue internationale d’éducation de sèvres, 30septembre 2002, Pp: 1-9.
- Houy (Thomas), Yahan Attal (Yahan) et Yohann Melamed (Yohann), La propension à l’interdisciplinarité des editors en situation d’innovation, Open Edition, Printemps 2014, Pp: 1-20.
- Lenoir (Yves), Sauvé (Lucie), l’interdisciplinarité et la formation a l’enseignement primaire et secondaire : Quelle interdisciplinarité, pour quelle formation ? Revue des sciences de l’éducation, Volume 24, Numéro1, 1998, Pp : 3-92.
- Ayuko Seddoka (Ayuko), Steffen (Gabriela) Steffen, Paulsen(Theres)Paulsen, Darbelly (Frédéric) Darbelly, Paradoxe identitaire et interdisciplinarité : un regard sur les identités disciplinaires des chercheurs, EDPsciences, Nº23, 2015 , Pp: 367-377.
[1]– فهمي حمدان العبيري، إدارة فرق العمل البحثيّة متعدّدة التخصّصات كمدخل لتنمية رأس المال المعرفي بجامعة تبوك، رؤية استشرافيّة، المجلّة التّربويّة، العدد السّادس والخمسون، ديسمبر، 2018، ص4.
[2]– يعمل أعضاء البحث على تطوير إطار مفاهيميّ مشترك لاختيار الأساليب المتخصّصة لمعالجة ظاهرة ما.
[3]– يعمل الفريق البحثيّ من مختلف المجالات كلّ في مجال تخصّصه مع قليل من التّفاعل لمعالجة مشكلة شائعة.
[4]– نجد اختلافا بين دلالات مصطلح “تعدّد التّخصّصات” و”البحوث البينيّة”. أمّا الأوّل فيشير إلى الدّراسات التي تجمع بين نظامين “أ” و”ب” لحلّ مشكلة ما دون التّكامل بينها بحيث لا يحدث الاندماج والالتقاء في نقطة واحدة لحلّ المشكل. فكلّ تخصّص يعالج ظاهرة مّا من منظوره. أمّا المصطلح الثّاني، فيشير إلى الدّراسات التي تجمع بين نظامين “أ” و”ب” لحلّ مشكلة مّا عن طريق التّكامل ودمج الأفكار والرّؤى للوصول إلى فهم أعمق لحقل معرفيّ وهو “ج”. فمدار العمل فيها يقوم على الارتقاء من جمع الرّؤى البحثيّة المتنوّعة إلى التّفاعل الحقيقيّ والاندماج بين التّخصّصات.
[5]– Thomas Houy, Yohan Attal et Yohann Melamed, La prospective des étudiants en situation d’innovation, Open Edition, printemps2014, p.1.
[6]– Jacques Hamel, La pédagogie comme pivot de l’interdisciplinarité, Revue internationale d’éducation de Sèvres, 30 septembre 2002, P.1.
[7]– Ibid, P.2.
[8]– Frédéric Darbelly, vers une théorie de l’interdisciplinarité entre unités et diversités, Nouvelle prospectives en sciences sociales, Volume7, N1, Octobre2011, P.68.
[9]– جورج فيدانو، تكامليّة التخصّصات في التعليم، نظرة توليفيّة جامعة، مجلّة التربية الفصليّة، مستقبليّات، العدد64، مكتب اليونيسكو الإقليميّ للتّربية في الدّول العربيّة، بيروت-لبنان، 1987، ص558.
[10]– وليد عبد الحيّ، مدخل إلى الدّراسات المستقبليّة في العلوم السّياسيّة، المركز العلميّ للدّراسات السّياسيّة، الأردن، ص15.
[11]– نشير في هذا الإطار إلى أنّ هذا الفيلسوف كان قد تحصّل على جائزة نوبل للكيمياء حول الرّوابط بين العلم والثّقافة والكون. وقد برهن على مدى تكييف الثّقافة ومنظومة القيم لتطوّر محتوى النّظريّات العلميّة ولتطبيقاتها التّقنيّة. وبهذا المعنى، لا يمكن اعتبار العلم والتّقنية حياديين تماما لأنّهما يتأثّران بالقيم الاجتماعيّة والثّقافيّة المرتبطة بهما.
[12]– مهدي المنجرة، انصهار العلم والثّقافة، مفتاح القرن الحادي والعشرين، ضمن مجلّة استشراف للدّراسات المستقبليّة، الدّوحة-قطر، 2016، ص259.
[13]– عدنان محمد أحمد قطيط، البحث التّربويّ بينيّ التّخصّصات: دراسة إبستمولوجيّة، المركز القوميّ للبحوث التّربويّة والتّنمية بالقاهرة، مصر، 2018، ص: 279.
[14]– Darbelly, op. cit, P.74.
[15]– قسطنطين زريق، نحن والمستقبل، مركز دراسات الوحدة العربيّة، مؤسّسة عبد الحميد شومان، بيروت، 1980، ص300.
[16]– المرجع نفسه، ص304.
[17]– Darbelly, op. cit, Pp. 67-68.
[18]– عبد الله بن حمد العباد، توجّهات أعضاء هيئة التدريس نحو الدّراسات البينيّة في كليّة التّربية بجامعة الملك سعود، مجلّة الجامعة الإسلاميّة للعلوم التّربويّة والاجتماعيّة، العدد التّاسع، الجزء الثّاني، 2022، ص287.
[19]– Yves Lenoir, Lucie Sauvé, L’interdisciplinarité et la formation a l’enseignement primaire et secondaire : quelle interdisciplinarité pour quelle formation ? Revue des sciences de l’éducation, Volume 24, Numéro1, 1998, Pp.11.
[20]– بوغالم جمال، ما بعد الفكر العلمي الجديد أو الروح العلميّة الجديدة الثانية، مجلّة الحوار الثّقافي، مخبر حوار الحضارات والتنوّع الثّقافي وفلسفة السّلم، جامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم، الجزائر، عدد ربيع وصيف 2013، ص11-12.
[21]– مركز الأبحاث الواعدة في البحوث الاجتماعيّة ودراسات المرأة، الدّراسات البينيّة، جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمان، 2017، ص11-13.
[22]– فهد حمدان العبيري، إدارة فرق العمل البحثيّة متعدّدة التخصّصات كمدخل لتنمية رأس المال المعرفيّ بجامعة تبوك: رؤية استشرافيّة، مرجع سابق، ص22.
[23]– Thomas Houy, yohan Attal et yohannMelamed, La propension a l’interdisciplinarité des étudiants en situation d’innovation, op. cit, P.1.
[24]– Ibid, Pp.1-2.
[25]– فؤاد بلمودن، الدّراسات المستقبليّة، الأسس الشّرعيّة والمعرفيّة والمنهجيّة لاستشراف المستقبل، المركز الثّقافي العربيّ، المغرب، 2013، ص.147.
[26]– وليد عبد الحيّ، مناهج الدّراسات المستقبليّة وتطبيقاتها في العالم العربيّ، مركز الإمارات للدّراسات والبحوث الإستراتيجيّة، أبو ظبي، 2007، ص.44.
[27]– رحيم الساعدي، مقدّمة إلى علم الدّراسات المستقبليّة، دار الرّوافد الثّقافيّة، بيروت-لبنان، 2019، ص.170.
[28]– بدأت هذه التّقنيّة البسيطة بشكلها المنظّم في الأربعينيّات من القرن الماضي من خلال الجهود التي قام بها في هذا المجال الباحث الأمريكيّ أليكس أوسبورن(Alex Osborn).
[29]– فؤاد بلمودن، الدّراسات المستقبليّة، مرجع سابق، ص121.
[30]– وليد عبد الحيّ، مناهج الدّراسات المستقبليّة وتطبيقاتها في العالم العربي، مرجع سابق، ص30.
[31]– نجلاء إسماعيل السيد محمد، وسها حمدي زوين، فاعليّة وحدة مقترحة في العلوم والدّراسات الاجتماعيّة قائمة على الدّراسات البينيّة في تنمية مهارات التّفسير والحسّ العلميّ والجغرافيّ لدى تلاميذ الصّفّ الأوّل إعدادي، (اسم المجلّة ؟؟)المجلد الثاني والثلاثون، العدد الرابع، أكتوبر 2016، ص316.
[32]– وليد عبد الحي، مرجع سابق، ص30-31.
[33]– Ayuko Sedooka, Gabriela Steffen, Theres Paulsen, Frédéric Darbellay, Paradoxe identitaire et interdisciplinarité: un regard sur les identités disciplinaires des chercheurs, EDP sciences, Nº23, 2015, P.368.
[34]– وليد عبد الحيّ، مناهج الدّراسات المستقبليّة، مرجع سابق، ص33.
[35]– يعرّف الباحثون المسح بأنّه جهد منظّم لتقصّي ما يجري في بيئة ظاهرة معيّنة وتحديد الاتّجاهات المستقبليّة لتلك البيئة الخارجيّة. وتتضمّن خطوات المسح: جمع المعلومات من مصدرين وهما: المصدر الدّاخليّ أي البيئة التي يستقون منها معلوماتهم، والمصدر الخارجيّ بالاعتماد على خبراء من خارج الهيأة موضوع الدّراسة.
[36]– وليد عبد الحيّ، مرجع سابق، ص33.
[37]– فؤاد بلمودن، الدّراسات المستقبليّة، مرجع سابق، ص210.
[38]– المرجع نفسه، ص218-219.
[39]– المرجع نفسه، ص560.
[40]– فؤاد بلمودن، الدّراسات المستقبليّة، مرجع سابق، ص561.
[41]– المرجع نفسه، ص561-562.
[42]– Eva Anne Buhlers, Fabienne Cavaillé, MelaniGambino, Le jeune chercheur et l’interdisciplinarité en sciences sociales, des pratiques remise en question, dans Natures sciences sociétés, volume 14, 2006, P.394 .
[43]– فيدانو، تكامليّة التخصّصات في التعليم، مرجع سابق، ص563.
[44]– علي أسعد وطفة، مستقبل التعليم العالي الخليجي في ضوء الثورة الصناعيّة الرابعة، قراءة نقديّة في إشكاليّة الصيرورة والمصير، مركز دراسات الخليج والجزيرة العربيّة، العدد47، الكويت 2020، ص196.