ملخّص:
تتأسّس المجتمعات على مبادئ سياسيّة وشعارات اجتماعيّة كبرى، تساهم في ضمان قوتّها وصلابتها مثل الشّورى والدّيمقراطيّة. وتمثّل الحرّيّة جزءا من هذا الأساس، إذ خاض فيها كثير من المفكّرين العرب والغرب، من خلال تأصيل مفهوم الحرّيّة، ودراسة جذوره التّاريخيّة.
وقد اهتمّ المفكّر عبد الله العروي (وُلد 1933م) بمصطلح الحرّيّة -من خلال تخصيص كتاب عنونه بـ”مفهوم الحرّيّة”- ودرسه، وأصّل المسائل المتعلّقة بالحقل المفاهيمي للحرّيّة. دون أن يهمل بيان العلاقة بين الحرّيّة في العالم العربي الإسلامي التّقليدي، واللّيبراليّة في العالم الغربي.
الكلمات المفاتيح: مفهوم الحرّيّة، اللّيبراليّة، المسائل المتعلّقة بالحرّيّة، العالم العربي الإسلامي التّقليدي، العالم الغربي.
Abstract:
Societies are founded on political principles and major social slogans that contribute to ensuring their strength and solidity, such as Shura and democracy. Freedom represents part of this foundation, as many Arab and Western thinkers have delved into it, by establishing the concept of freedom and studying its historical roots.
The thinker Abdullah Al-Arawi (born 1933 AD) was interested in the term freedom – by devoting a book entitled The Concept of Freedom – and studied it, and explained the issues related to the conceptual field of freedom. Without neglecting to explain the relationship between freedom in the traditional Arab Islamic world, and liberalism in the Western world.
Keywords: The Concept of Freedom, Liberalism, Issues Related to Freedom, The Traditional Arab Islamic World, The Western World.
1- مقدمة:
يلاحظ الباحث صلب الحقل الثّقافي الإنساني، أنّ من مشاغل الفرد سعيه الدّائم إلى بناء قيمته الذّاتيّة الوجوديّة. وتتأسّس هذه القيمة على عديد المفاهيم الرّياديّة الصّلبة الّتي تطبع بدورها الكينونة الفرديّة بطابع اجتماعيّ صحّي. ومن ثمّ، تتبلور البيئات الاجتماعيّة وتنسجم، ومن هذه الأسس القيميّة المفاهيميّة نجد مفهوم الحرّيّة الّذي يعتبر من المفاهيم الّتي يسعى الفرد إلى ضمانها والحفاظ عليها.
شغل مصطلح الحرّيّة بال عديد الباحثين والمفكّرين، لأنّ تقدّم المجتمع رهين لتوفّر الحرّيّة وضمانها بشتّى أنواعها. ويسعى المجتمع المستعمَر إلى الاستقلال بإرادته، وضمان حرّيّته، ويرنو المجتمع الّذي يستكين وراء دولة منتهكة للحرّيات إلى التّنصّل من براثن قبضة السّلطة المستبدّة السّاجنة للحرّيّات، والنّداء بإعادة بناء حرّيّاتهم.
لذلك فإنّ مصطلح الحرّيّة سواء ارتبط بالأفراد أو بالمجتمعات، فإنّ الهدف واحد، والسّعي إلى ضمان الحرّيّات أمر حتمي، وهو هدف سامي يكون السعي وراء تحقيقه أمرا حثيثا وجدّيّا.
يفضي الغوص في أمّهات الكتب إلى تطرّق كثير من المفكّرين العرب والغرب في مصطلح الحرّيّة، ومن أبرز الكتّاب العرب الّذين اشتغلوا على مسألة الحرّيّة نجد عبد الله العروي الّذي اهتمّ بالمفهوم ودرسه في الواقع العربي الإسلامي التّقليدي، وفي الفلسفة الغربيّة، حيث تأثّر المفكّرون العرب في العصر الحديث بمبادئ اللّيبراليّة وآليّاتها.
ويهدف هذا البحث إلى الغوص في مفهوم الحرّيّة في العصر العربي الإسلامي التّقليدي، واللّيبراليّة في المجتمع الغربي، وذلك من خلال الإجابة على الأسئلة الآتية: في ما يتمثّل مفهوم الحرّيّة عند عبد الله العروي؟ وكيف أصّل لمسائل الحرّيّة في الحقل الثّقافي؟ وكيف تمخّضت الحرّيّة واللّيبراليّة بين المجتمع العربي والآخر الغربي؟
2- مفهوم الحرّيّة عند عبد الله العروي وآخرين:
استعملت كلمة الحرّيّة قديما ضد الرّق والعبوديّة، فالعبد يعني لا حرّيّة له إلّا بأمر سيّده، و “الحُرُّ – بالضّمّ- نقيض العبد، والجمع أحرار، والحرّة: نقيض الأمّة، والجمع حرائر. والحرّ نقيض العبد، حرّ بين الحروريّة، والحرّيّة والحرار، والحرّيّة من النّاس خيارهم، والحرّ من كلّ شيء أعتقه”[1]. و”سحابة حرّ: تصفها بكثرة المطر”[2]. و “الحرّة نقيض الأمّة، وجمعها حرائر، وحرّيّة العرب تعبّر عن أشرافهم، والحرّة الكريمة من النّساء”[3]. و “الحرّيّة وجهان؛ الأوّل من لم يجر عليه حكم الشّيء نحو (الحرُّ بالحرِّ)، والثّاني: من لم تمتلكه الصّفات الذّميمة من الحرص والشَّرَه على المقتنيات الدّنيويّة”[4].
و “الحرّيّة من حيث هي رخصة العمل المباح دون مانع غير مباح ولا معارض محظور .. وتنقسم إلى؛ حرّيّة طبيعيّة، وحرّيّة سلوكيّة، وحرّيّة دينيّة، وحرّيّة سياسيّة”[5]. و “الحرّيّة الطّبيعيّة هي الّتي خلقت مع الإنسان وانطبع عليها فلا طاقة لقوّة البشريّة على دفعها بدون أن يعدّ دافعها ظالما”[6].
إنّ “الحرّيّة هي شجرة الخلد، وسقياها قطرات من الدّم المسفوح”[7]. و”خلقت نفوسنا حرّة، طبعها الله على الحرّيّة، فحرّيّتنا هي نحن … هي ذاتنا ومقوّم ذاتناّ، هي معنى أنّ الإنسان إنسان، وما حرّيّتنا إلّا وجودنا، وما وجودنا إلّا الحرّيّة”[8].
و”الحرّيّة مصدر الحرّ والحرَار بالفتح، كذلك وقد حرّ حرار أي صار حرّا من حدّ علم، قال الشّاعر: وما ردّ من بعد الحرار عتيق، وأمّا الحرَّ بالفتح الّذي هو نقيض البرد فصرفه من حدّ ضرب وعلم ودخل جميعا، وحقيقة الحرّيّة الخلوص، والحرّ الرّمل الطّيّب الخالص، وقيل هو الطّين الخالص الّذي لا رمل فيه، وحرّ الوجه أحسن موضع فيه، وحرّ البقول ما يؤكل غير مطبوخ وحر الدّار”[9].
و”في اصطلاح أهل الحقيقة الخروج عن رقّ الكائنات وقطع جميع العلائق والأغيار وهي على مراتب حرّيّة العامّة عن رقّ الشّهوات، وحرّيّة الخاصّة عن رقّ المرادات لفناء إرادتهم من إرادة الحقّ، وحرّيّة خاصّة الخاصّة عن رقّ الرّسوم والآثار لانمحاقهم في تجلّي نور الأنوار”[10].
وتُعتبر الحرّيّة مَلَكَة إلهيّة فطرها الله مع الخلق الإنساني، ورفع من أهمّيّتها لتساوي قيمة الحياة، حين قال الله جلّ ذكره “وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطـأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُواْ”.[11] ومن خلال هذه الآية، يعتبر القرآن العبوديّة موت والحرّيّة حياة، وورد في تفسير هذه الآية الآتي” وقد جعل هذا التّحرير بدلا من تعطيل حقّ الله في ذات القتيل، فإنّ القتيل عبد من عباد الله ويرجى من نسله من يقوم بعبادة الله وطاعة دينه، فلم يخل القاتل من أن يكون فوّت بقتله هذا الوصف، وقد نبّهت الشّريعة بهذا على أنّ الحرّيّة حياة، والعبوديّة موت، فمن تسبّب في موت نفس حيّة كان عليه السّعي في إحياء نفس كالميّتة وهي المستعبدة”[12].
ومن الملاحظ أنّ إنسانا يريد الانتحار بإلقاء نفسه من على جبل أو في بحر عالي الأمواج، فإنّ حرّيته في الانتحار ليست مكفولة، بل ممنوعة ومقيّدة. وإذا رأينا رجلا يريد أن يسرق بتهوّر أمام مرأى النّاس، فإنّ حرّيّته في السّرقة ليست مطلقة بل محرّمة ومكبّلة، و “لا يحقّ للحرّيّة أن تُسام بقيد إلّا قيدا يُدفع به عن صاحبها ضرّ ثابت محقّق، أو يجلب به نفع حيث لا يقبل رضاء المضرور أو المنتفع بإلغاء فائدة دفع الضّرر وجلب النّفع، وذلك حين يكون لغيره معه حظّ في ذلك أو يكون في عقله اختلال يبعثه على التّهاون بضرّ نفسه وضياع منفعتها”[13].
وكان مصطلح الحرّيّة عند عبد الله العروي اعتياديّا في اللّغة الأوروبيّة، ولم يكن مجهولا في العالم الغربي في القرن 19. إذ لا يحتاج إلى تعريف على العكس في العالم العربي الإسلامي، فقد كان العلماء الإسلاميّون، والفقهاء لا يستخدمون هذا المفهوم، ولم تعرف الحرّيّة رواجا شاسعا، إلّا ترجمة اصطلاحيّة للكلمة الأوروبيّة، حيث كان مفهوم الحرّيّة صعبا وغير مفهوم وغير دقيق.
لذلك يطرح العروي أسئلة حول كلمة الحرّيّة وعلاقتها بالعالم العربي؛ هل كلمة حرّيّة في اللّسان العربي الحديث لا تعدو أن تكون ترجمة اصطلاحيّة لكلمة أوروبيّة تستعير منها كلّ معانيها العصريّة دون أدنى ارتباط بجذرها العربي؟ هل مفهوم الحرّيّة مأخوذ من الثّقافة الغربيّة حيث لا وجود له في الثّقافة العربيّة الإسلاميّة التّقليديّة؟ هل ممارسة الحرّيّة منعدمة في المجتمع الإسلامي التّقليدي؟ حيث لم نجد المفهوم في الثّقافة ولا الكلمة بمعناها العصري المحدّد في القاموس[14].
ومن الملاحظ أن هذه الأسئلة، قد طرحت حتّى من جانب الباحثين المستشرقين، حيث يسعى العروي إلى إثبات خطأ المنهج الّذي ينطلق منه المستشرقون. لذلك يطرح هذه الأسئلة، ويجاريهم في محاولتهم للإجابة عليها. وقد يقال أنّه من الخطأ مجاراة المستشرقين في صياغة هكذا أسئلة، وتؤدّي كيفيّة الطّرح إلى تبنّي النّتائج. ومن ثمّ، فإنّ عدم طرح السّؤال يفضي إلى نتائج خطيرة، لذلك من الواجب طرح هكذا أسئلة، وإتّباع منطق المجادلة للإجابة على علاقة الإسلام بالحرّيّة، إمّا برفض السّؤال، وإمّا قبوله وإظهار أنّه لا يعني شيئا، لذلك بات لزاما إتّباع المنهج الجدلي وبيان الحقيقة.
لقد تطرّق العروي إلى المعنى اللّغوي لكلمة الحرّيّة، حيث يرى أنّ مادّة حرر تحمل أربعة معاني متميّزة؛ المعنى الأوّل معنى خُلُقي إذ كان معروفا في الجاهليّة، والحرّة تعني الكريمة، يقال ناقة حرّة، ويقال ما هذا منك بحرّ أي بحسن. والمعنى الثّاني معنى قانوني وهو المستعمل في القرآن الكريم من خلال أمثلة لآي قرآنيّة مثل “وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ”[15] و “إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”[16]. والمعنى الثّالث معنى اجتماعي وقد استعمله بعض المؤرّخون، والحرّ هو المعفى من الضّريبة. ويحقّق المعنى الرّابع معاني صوفيّة و “الحرّيّة في اصطلاح أهل الحقيقة الخروج عن رقّ الكائنات وقطع جميع العلائق والأغيار وهي على مراتب”[17].
ويستخلص عبد الله العروي ميزتين من هذه المعاني؛ الميزة الأولى أنّ الصّيغة المعتادة لكلمة حرّيّة هي الصّفة ومشتقّاتها، حرّ ومحرّر تحرير، والمصدر الأصلي هي حرّيّة، ويستعمل للتّفريق بين من كان حرا منذ مسقط رأسه، وبين من كان عبدا ثمّ أعتق، ويقال حرّ الرّجل حرّيّة من حرّيّة الأصل إلى حرّيّة العتق.
والميزة الثّانية، أنّ المعاني الأربعة المذكورة تتمحور حول علاقة الفرد مع الآخر سواء كان هذا الآخر يتحكّم في الفرد من الخارج أو من خلال قوّة تجعله مسلوبا لحرّيّته من الدّاخل. و”هكذا يحيلنا القاموس إلى مجالين يعبّران على النّشاط الإنساني: الفقه الّذي يحدّد كيفيّة تعامل الإنسان مع الإنسان، والأخلاق الّتي تصف علاقة العقل بالنّفس في ذات الإنسان”[18].
ومن ثمّ، فإنّ التّحليل اللّغوي لمصطلح الحرّيّة عند عبد الله العروي، قد كان عاكسا لثقافة مجتمع ما في حقبة من حقب التّاريخ. لذلك فإنّ التّحليل اللّغوي يلعب أهمّيّة فضلى. ويرى العروي أنّ كلمة الحرّيّة المستخلصة من القاموس العربي يحيل إلى أنّها كلمة عربيّة ضيّقة بالنّسبة إلى المفهوم الغربي الّذي يعني المفهوم اللّيبرالي للحرّيّة. ويركّز العروي على إمكانيّة وجود مفردات ترادف كلمة حرّيّة في مفهوم الحرّيّة. لذلك بات لزاما البحث عن مفهوم مصطلح الحرّيّة انتقالا من المستوى اللّغوي إلى الحقل الثّقافي، ومنه إلى الحقل التّاريخي الوقائعي، لإيجاد مرادفات لكلمة حرّيّة. إذ ينبّه العروي أنّه لا يسعى من خلال البحث في التّاريخ عن حقيقة الحرّيّة المعاشة، وإنّما يسعى بحثا عن رموز تشير إلى حرّيّة كانت حقيقة ثمّ اضمحلّت وأصبحت مجرّد ذكرا أو سعيا إلى التّخلّص من الاستبداد القائم.
لذلك يوجّه القاموس العربي الباحث إلى ميدانيْن ثقافيّين؛ الفقه والأخلاق، إذ يتعرّض ميدان الفقه لإشكاليّة حرّيّة التّصرّف في مجالات مألوفة تسعى إلى معالجة الرّقّ، وكفالة المرأة والطّفل، وربط الفقه علاقة مفهوم الحرّيّة الشّخصيّة بمفهوم المروءة، إذ لا تكتمل الذّات الإنسانيّة إلّا من خلال شرف التّكليف الإلهي، ومن خلال قدرة الإنسان على الانضباط للقواعد والأوامر الإلهيّة، لأنّ غير العاقل والمجنون والصّبي خرج من دائرة التّكليف، لذلك فإنّ حرّيّتهم غير مقيّدة، فهي مطلقة وإنسانيّتهم ناقصة.
ولا يبرّر الفقه العبوديّة وتدنيس حقوق المرأة ووضع مكانتها في الحضيض، ولكنّه يعترف بأنّ حالات العبوديّة وتشويه حقوق المرأة يعدّ نقصانا في العقل وفي المروءة. لذلك يلاحظ العروي علاقة تلازم بين الحرّيّة والعقل والتّكليف والمروءة.
ويُعدّ الفقه مقسّما للمجتمع، حيث ينقسم إلى رقيق وأحرار، ويوجد في الدّرجة العليا الحكم، والدّرجة السّفلى المرأة المسترقّة المستعبدة، حيث يتّصف السّلم الاجتماعي انطلاقا من الأقلّ حرّيّة إلى الأكثر قدرة على الحكم، وامتلاك مقاليد السّلطة.
ويستخلص العروي تعريفا للحرّيّة فهي” الاتّفاق مع ما يوحي به الشّرع والعقل. الحرّيّة حكم شرعي لكنّه في الوقت نفسه إثبات واقع: مدى قدرة الفرد على تحقيق العقل في حياته، وهذا التّطابق بين الشّرع والعقل والحرّيّة هو العدل الّذي يقوم عليه الكون”[19].
ويعالج عبد الله العروي مسألة الحرّيّة من زاوية الأخلاق وعلم الكلام، حيث طرح مسألة الحرّيّة من زاويتين؛ الزّاوية الأولى تربط علاقة العقل بالرّوح، أي بالنّفس، إذ أنّه صاغ سؤالا: هل يستطيع العقل أن يتغلّب على النّفس ويغيّر ميولاتها الطّبيعيّة؟ والزّاوية الثّانية تمحورت حول علاقة اللّاإرادة الفرديّة والعزيمة الذّاتيّة بالقدرة الإلهيّة والمشيئة الرّبّانيّة. ويطرح سؤالا يتمحور حول هذه العلاقة: هل يمكن أن تعارض الإرادة الإنسانيّة الإرادة الإلهيّة؟
لذلك فإنّ هذين السّؤالين قد حملا عديد الأجوبة من خلال مرّ المدارس والآراء الكلاميّة، وبذلك تعدّدت الفرق الكلاميّة وتنوّعت، وبرزت الآراء وكان أوسطها الخطّ الّذي ينادي بالخطّ الفكري الوسطي والواضح؛ وهي المدرسة الأشعريّة الّتي تتبنّى أغلبيّة المسلمين من الفقهاء والمتصوّفة.
ويتّخذ عبد الله العروي إجابة على السّؤاليْن بناء على أقوال أبو حامد الغزالي (1058م-1111م) من خلال كتابه إحياء علوم الدّين، حيث يجيب على السّؤال الأوّل بأنّ الحيوان يسعى إلى التّغيير فكيف بالإنسان. حيث يقسّم الغزالي الرّجال الّذين يتّبعون شهواتهم ويمتنعون عن أداء عبادتهم إلى أربعة أقسام؛ الغافل، والجاهل الضّال وهو من يميز بين القبيح والصّالح لكنّه لم يتعوّد على العمل الصّالح، والجاهل الضّال الفاسق الّذي يعتقد أنّ الأخلاق القبيحة مفروضة وواجبة ومستحسنة، والجاهل الضّالّ الفاسق الشّرّير وهو ما يرى الفضيلة في كثرة الشّرّ.
ويجيب الغزالي على السّؤال الثّاني المتعلّق بإشكاليّة علاقة حرّيّة الفعل البشري بالقدر الإلهي، إذ أنّ الاختيار من خلق الله تعالى والعبد له الحرّيّة في ذلك، و له الإقدام والإرادة على عمل ما يشعر به وما يرنو إليه.
من الملاحظ أنّ الفرد عندما تكون له القدرة على العزيمة والمشاورة، وهو ما يدخل في باب الحرّيّة، إلّا أنّه لا يمكن أن يعارض قدر الخالق، وهذا راجع لسببين “أوّلا لأنّ الأشياء مرتّبة ترتيبا معلوما لدى الخالق. والثّاني لأنّ تلك الأشياء لا يتولّد بعضها عن بعض بكيفيّة تلقائيّة، فالتّرتيب المحكم وعدم التّولّد يضمنان في نفس الوقت العلم والقدرة للخالق والشّعور بالحرّيّة للمخلوق”[20].
3- تأصيل المسائل المتعلّقة بحقل الحرّيّة:
يميّز العروي بين مفهوم الحرّيّة الّذي تطرّق إليه الفقه وعلم الكلام، والآخر الّذي تصوّره القرن 19، حيث أنّ الأوّل يدور حول الفرد وعلاقته مع نفسه وخالقه وأخيه الإنسان، أمّا الثّاني يدور حول الفرد الاجتماعي أي الفرد المشارك في هيأة إنتاجيّة اجتماعيّة، إذ أنّ المجال التّنظيمي الإنتاجي هو مصبّ اهتمام اللّيبراليّين، وهذا المجال بالضّبط هو الّذي يختفي فيه الاستعمال الإسلامي التّقليدي، كما يختفي أيضا في الفكر اليوناني، حيث يتغلّب المجال السّياسي.
ومن ثمّ، يميّز العروي بين حرّيّة نفسانيّة ميتافيزيقيّة، قد اعتنى بها الفكر الإسلامي بالتّحليل، وبين حرّيّة سياسيّة اجتماعيّة قد اعتنى بها الفكر اللّيبرالي من خلال تساؤلاته ومناقشاته، حيث يتمحور هذا الاختلاف حول الاهتمام والنّظرة واختلاف المفاهيم.
يرى العروي أنّ المستشرقين أصحاب الفكر اللّيبرالي يبنون سجنا للحرّيّة، سجن متعلّق بالدّولة، والدّولة تعني بالضّرورة القانون أو الفقه. لذلك بات لزاما عند تعريف الحرّيّة واستقصاء معانيها في مجتمع ما تحليل فقه ذلك المجتمع، وهذا ما اعتنى به اللّيبراليّون ونادوا به. وهذا ما فعله المستشرقون فيما يخصّ المجتمع الإسلامي، لذلك يطرح العروي عدّة تساؤلات حول سلامة هذا المنهج الّذي اعتمده المستشرقون؛ هل أنّ حصر مسألة الحرّيّة في الفقه فقط؟ حيث يرى العروي أنّ المستشرقين قد اتّبعوا منهجا ناقصا، وطرح أسئلة لم يطرحوها، وبحث في الفقه والكلام عن النّوافذ الّتي اعتنت بمفاهيم الحرّيّة. ومن الضّروريّ أن يبحث عن مسائل تهمّ الحرّيّة بكلمات غير كلمة حرّيّة.
لقد تطرّق العروي بالبحث في أبواب أخرى على أدلّة تصل إلى معرفة حقول مرتبطة بمسائل الحرّيّة، حتّى وإن عبّرت عن ذاتها بكلمات مغايرة لكلمة حرّيّة. لذلك يبحث عن أدلّة الحرّيّة ورموزها، خارج الدّولة أو ضدّ الحكومة، حيث يوافق عبد الله العروي المستشرقين في إشكاليّاتهم دون التّقيّد باستنتاجاتهم. ومن الأدلّة كالآتي؛ الدّليل الأوّل البداوة، حيث أنّها ليست الرّكيزة والقاعدة الّتي بنيت عليها الدّولة العربيّة الإسلاميّة، بل أنّ الاعتناء بفكرة البداوة الّتي حافظت عليها الثّقافة العربيّة الإسلاميّة، على مدى تاريخها الممتدّ، إذ لا يخلو أي مجتمع عربي من النّزعة البدويّة. ويمثّل الرّجل البدوي الرّجل النّموذج والمثال الأعلى في شجاعته وفحولته وفصاحته وصدقه، وهو ما يتناقض مع الجغرافيّين الّذين صوّروا الحياة البدويّة بأنّها قالب للفقر والتقشّف والمرض والأمّيّة و”البداوة كواقع خضوع للأنواء والغرائز والعادات، لكن البداوة كرمز في ذهن الحضري تدلّ على فضّ جميع القيود المبتدعة، وخاصّة إذا تجسّدت تلك البداوة في الشّاعر الصّعلوك الّذي يعتزل العشيرة ويجابه وحده قساوة الطّبيعة”[21].
ويستنتج العروي أنّ الجمهور يفسّر الانقلابات والثّورات الّتي خاضها الخوارج والرّوافض وأمثالهم الّذين تصدّوا للخضوع للقوانين الاصطلاحية والأوامر السّلطانيّة ببداوتهم وتمسّكهم بالبداوة. لأنّ البداوة ترفض الحرّيّة المقيّدة الّتي تعنى بالقوانين الوضعيّة، و”لهذا كانت الأحكام السّلطانيّة والتّعليميّة ممّا تؤثّر في أهل الحواضر في ضعف نفوسهم وخضد الشّوكة منهم بمعاناتهم في وليدهم وكهولهم والبدو بمعزل من هذه المنزلة لبعدهم عن أحكام السّلطان والتّعليم والآداب”[22].
من الملاحظ، أنّ أهل الحضر كانوا يلاحظون أنّ السّلطان يعامل أهل البدو معاملة خاصّة، حيث يعفيهم من الضّرائب ويستعملهم في الشّرطة والجيش والجباية. ومن ثمّ، فقد مثّلت البداوة حقلا حاملا لعدّة امتيازات على خلاف الحضر، وكانوا يتمتّعون في كثير من الأحيان بالحرّيّة، وكان لهم يد في الوقوف أمام الأمير فيثوروا عليه.
ويرى العروي أنّ كلمة البداوة لا ترادف مفهوم الحرّيّة في القاموس، ولكن من وجهة نظر فكريّة وذهنيّة لدى مجموعة من المؤرّخين العرب والأدباء، فإنّنا أمام الاعتراف والتّسليم بأنّ البداوة كانت تجسّد تطلّعات النّاس من سعة في العيش وفسحة في التّصرّف.
وسمّى عبد الله العروي الدّليل الثّاني العشيرة، حيث تطلق كلمة عشيرة على كلّ جماعة كانت عائلة أو قبيلة أو حرفة أو حيّ أو زاوية، ويحتمي بها الفرد من أذى الآخر. وتمثّل العشيرة مجموعة من الأعراف والعادات والتّقاليد، الّتي يلتزم بها الفرد، وتمثّل حاجزا أمام السّلطان وأمام أوامره التّعسّفيّة والمتجبّرة، وتنادي بضمان حقوق الفرد. لذلك فإنّ “الفرد في نطاق المجتمع العربي التّقليدي يفضّل الخضوع على العادة الموروثة على إتّباع الأمر السّلطاني”[23]. ومن ثمّ، فإنّ قانون العشيرة ينادي بمحاربة الدّولة المستبدّة في المجتمع الإسلامي، ويدعو قانون الدّولة إلى حبس حرّيّة الفرد والحدّ منها. في حين أنّ قانون العشيرة ينادي بتحقيق الحرّيّة والمحافظة على المكتسبات والحقوق والامتيازات الموروثة.
ويؤكّد العروي على أنّ دراسة قواعد الفقه الإسلامي دون الغوص في الظّروف الخارجيّة للفرد، مثل ما يفعل الكثير من المستعربين وبعض الباحثين المسلمين، يؤدّي إلى الهوّة بين الحاكم والمحكوم. حيث أنّ الدّولة في الشّرق تمتاز بحرّيّة مطلقة للفرد الواحد، والعبوديّة المطلقة للآخرين. ومن ثمّ، إذا كانت الدّولة ترمز إلى الاستبداد والاستعباد والعبوديّة، فإنّ العشيرة تنادي برفض العبوديّة ومعارضتها، سعيا إلى ما نسمّيه اليوم بالحرّيّة. ويتساءل العروي هل أنّ الفقه يقدّم صورة مطابقة لواقع الحياة العربيّة في قرون الماضي؟ ويجيب بأنّ الفقه يهمل العشيرة ولا يعترف بها كهيأة قانونيّة، مع أنّها عماد الحياة العربيّة. لذلك ينادي العروي بضرورة النّظر إلى العشيرة من خلال القواعد الفقهيّة المجرّدة، مع ضرورة تأويل بعض من القواعد الفقهيّة اعتمادا على معطيات التّاريخ العربي. لذلك فإنّ غياب الحرّيّة في الفقه المجرّد يلزم البحث في الواقع التّاريخي العربي ومعرفة ما يعارض الفقه وما يستكين وراء بعض قواعده، وصولا إلى وجود العشيرة، ومن ثمّ، صناعة فرد مخالفا للفرد الموجود في الفقه متمتّعا بكامل الحرّيّة.
والدّليل الثّالث سمّاه العروي التّقوى، وذلك من خلال غوص الإنسان في العبادات، حيث يستخلص العروي أنّ العبادة والتّعبّد تخضع لوازع خارجي يحدّ من الحرّيّة الوجدانيّة والرّوحيّة. ولكن تميّز الإنسان بالجزء الأعلى ،أي بملكة العقل، جعله يتحرّر من الجزء الأدنى، أي النّفس الشّهوانيّة، وذلك من خلال الخضوع للنّواميس والأوامر الإلهيّيْن، التّي نزلت عن طريق الوحي المنقول والمنزَّل، فتحرير العقل من براثن سجن الجسم وارتقائه من طبيعته السّفلى إلى الطّبيعة العليا، يحقّق حرّيّة مقنّنة بأوامر إلهيّة. ومن ثمّ، يرتقي الإنسان من خلال عقله متحرّرا من سجن الجسد وشهوته، إلى حرّيّته الّتي ضمنها التّعبّد والتّقوى و”يفوز الرّجل التّقيّ بعطف ورضا العشيرة، فيكسب مزيدا من الجاه ويتّسع مجال تأثيره في المجتمع وهذا يعني توسيع مجال التّصرّف. إنّ تجربة القرون الماضية تؤكّد لنا أنّ التّقوى تحرير للوجدان وتوسيع لنطاق مبادرات الفرد. إنّها كانت طريقا للشّعور بالتّحرّر، فلا عجب إذا أصبحت رمزا للحرّيّة”[24].
وسمّى عبد الله العروي الدّليل الرّابع التّصوّف، باعتباره تجربة فرديّة ذهنيّة تضمن الحرّيّة المطلقة بعد الانسلاخ، ولا إقصاء لكلّ المؤثّرات الخارجيّة والطّبيعيّة والاجتماعيّة والنّفسيّة. وانتشر التّصوّف عند سقوط الدّولة وتداول الحضارة المادّيّة والأدبيّة. ولعلّ الظّاهرة التّاريخيّة المعروفة والمتواترة من خلال التّلازم بين ازدهار التّصوّف من جهة وانحطاط الدّولة من جهة أخرى، حيث أنّه كلّ ما اشتدّ الخناق على الفرد احتدّ وعيه بالحدود الاصطناعيّة الّتي تحدّ من تصرّفاته، ومن ثمّ، ينسلخ الفرد من القيود الّتي يفرضها السّلطان والعشيرة والشّرع سعيا إلى تحقيق حرّيّته. و “التّجربة الصّوفيّة فرديّة ومنافية للحياة الجماعيّة. بيد أنّها تشكّل مكسبا ثقافيّا بالنّسبة إلى جميع المسلمين. إنّ الاستبداد الّذي يثقل كاهل المجتمع هو الشّرط لكي يتطلّع الفرد إلى حرّيّة تامّة لا مشروطة، والتّجربة الصّوفيّة هي الّتي تمكّن الفرد من أن يتمثّل الحرّيّة بالمعنى المجرّد المطلق، وبعد هذا التّمثّل يستطيع أن يعيد ثقل الاستبداد، بل أن يراه ويحكم عليه”[25].
4- مراحل تمخّض الحرّيّة اللّيبراليّة بين العربي والغربي:
يؤكّد العروي بأنّ كلامه عن الحرّيّة اضطرّه إلى اتّخاذ مواقف من المنظومة الفكريّة الّتي تحوي مفردات حول كلمة حرّيّة وليبراليّة، وتعتبر اللّيبراليّة الحرّيّة المصدر والمصير والمبدأ والمنتهى، والبعث والهدف، والأصل والنّتيجة، في حياه البشريّة، فهي، أي اللّيبراليّة، الدّيناميكيّة الفكريّة الوحيدة السّاعية إلى معالجة النّشاط البشري الحرّ، وشرح آليّاته وأدواته.
لذلك تطرّق العروي إلى المراحل الّتي مرّت بها اللّيبراليّة وهي كالآتي؛ المرحلة الأولى وهي مرحلة التّكوين باعتبارها حلقة من حلقات الفلسفة الغربيّة المعتنية بمفهوم الفرد ومفهوم الذّات. والمرحلة الثّانية مرحله الاكتمال، حيث شيّد عليه علم الاقتصاد وعلم السّياسة النّظريّة. ثمّ مرحلة الاستقلال حيث دعت اللّيبراليّة إلى التّنصّل من كلّ الأدوات التّي تنتمي إلى الحقل الدّيمقراطي، الّذي يعتبر أنّ اللّيبراليّة يمكن أن تنقلب في تطبيقها في المرحلة العمليّة إلى حركة معادية للدّيمقراطيّة. ثمّ مرحلة التّقوقع إذ أنّ اللّيبراليّة يحيط بها مجموعة من الحركات المعادية، وتمثّلها في الواقع قد يكون مستحيلا. لذلك بات لزاما التّطرّق إلى نوع اللّيبراليّة الّذي تبنّاه المفكّرون العرب؛ هل ليبراليّة فلسفيّة في عهد النّهضة؟ أو ليبراليّة القرن 18 الّتي كانت سلاحا موجّها ضدّ الإقطاع والحكم المطلق؟ أو ليبراليّة القرن 19 الّتي كانت مجالا لنقد الدّولة العصريّة المهيمنة على الأفراد والجماعات؟ أو ديمقراطيّة القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين الّتي تعتبر أنّ اللّيبراليّة هيمنت عليها الدّولة في شكل فوضى وشرّ وتضييق الخناق على الفرد ومبادراته؟
ومن الملاحظ أنّ عبد الله العروي قد تطرّق إلى مراحل ليبراليّة تركز كلّ مرحلة على مفهوم خاصّ بها. إذ أنّ المرحلة الأولى، أي مرحلة التّكوين، قد ارتكزت على مفهوم أساس وهو مفهوم الذّات الّذي ترتكز عليه الفلسفة الغربيّة الحديثة. ويعتبر الإنسان ذات فاعلة وتتميّز بالإرادة والاختيار والمبادرة، وهذا أصل الإنسيّة الغربيّة، من خلال تجسّدها في عديد المضامين الأخرى كالفنّ والأدب والعلم والسّياسة. وتمثّل الذّات نواة انطلاق الفلسفة اليونانيّة السّقراطيّة المخالفة لمنطلق الفلسفة اليونانيّة ما قبل الفلسفة السّقراطيّة وفلسفة القرون الوسطى الأوروبيّة، ومنطلق الفلسفات الشّرقيّة. إذ أنّ الإنسان في هذه الفلسفات السّابقة للفلسفة السّقراطيّة كان مجرّد مخلوق من بين المخلوقات ويضاف الفعل إلى الخالق المبدع.
وترتكز المرحلة الثّانية، أي مرحلة الاكتمال، على مفهوم الفرد العاقل المالك لحياته وبدنه وذهنه وعمله. حيث شيّد تاريخا معقولا، وعلم الاقتصاد العقلي، وعلم السّياسة العقلي، المخالف على التّوالي التّاريخ الفعلي الحامل داخل ثنايا الحماقات والتّفاهات، والمخالف للاقتصاد الإقطاعي الضّعيف المتفكّك، والمخالف لسياسة الاستبداديّة، والحدّ من الحرّيّات.
وترتكز المرحلة الثّالثة، أي مرحلة الاستقلال، على مفهوم المبادرة الخلّاقة، ويراها العروي أنّها سبب تفوّق أوروبّا على باقي العالم. ويضرب العروي مثال الدّولة الحديثة الّتي مهّدتها الثّورة الفرنسيّة، حيث أسندت الحقوق للفرد العاقل الّذي لا وجود له في الواقع التّاريخي، لذلك تدعو المرحلة الثّالثة إلى المحافظة على الحقوق المتواترة، و”الفرد الواقعي كما كونه، مع توالي الحقب والعصور، هو الّذي يجب أن يكون هدف السّياسة، لا الفرد الخيالي الّذي قد يتحقّق في مستقبل بعيد بعد تدخّل الدّولة واستعمال العنف”.[26]
ويرتبط مفهوم المغايرة والاعتراض بالمرحلة الرّابعة، وهي مرحله التّقوقع، حيث أنّ الفرد المنتمي إلى الدّولة الحديثة المتأسّسة على الاقتصاد الصّناعي الموجّه، والمساواة الدّيمقراطيّة، يكون تابعا لآراء القطيع والأغلبيّة. حيث أنّ الفرد أصبح متقوقعا على نفسه راضخا لآراء الأغلبيّة، وهو الرّأي المتكوّن تلقائيّا في المجتمع العصري. حيث أنّ الإجماع حول رأي واحد هو إجماع اصطناعي، متسبّب في تحجّر الفكر وتخشّب المجتمع. والحفاظ على مراتب النّهضة والتّقدّم راجع بالأساس على الإبقاء على حقّ الاختلاف في الرّأي لأنّ الاختلاف هو أصل الجدال، والجدال هو أصل التّقّدم الفكري والابتكار.
يبني عبد الله العروي موقفه حول مدى استيعاب المفكّرين العرب للمذهب اللّيبرالي من خلال نظرة الليبراليّين الغربيّين إلى الإسلام، استئناسا بكتاب عنوانه “في الحرّيّة”[27] لجون ستيوارت ميل (John Stuart Mill) (1806م-1873م) فيرى أن الكاتب ميل يرى أنّ المجتمع الإسلامي غير ليبرالي لا في مستوى الحكم فقط، حيث كان استبداديّا وفرديّا، بل في النّظام الاجتماعي العامّ المتأسّس على الإجماع في الرّأي، وعلى رفض كلّ من الرّأي الآخر والنّقد والنّقاش المفتوح. ولا يخصّ ميل الإسلام بهذا النّقد بل يعنى به كلّ المجتمعات السّابقة للعهد الحديث في أوروبّا وقبل الثّورة الفرنسيّة. ويمكن إهمال تلك المجتمعات المتأخّرة الّتي مازال الجنس الإنساني فيه دون الرّشد.
حيث تطرّق ميل إلى المجتمعات المتقوقعة والمتشدّدة من حيث القوانين الدّينيّة والأخلاقيّة. وينقد المجتمعات المتزمّتة الإنجليزيّة والأمريكيّة، وكذلك المجتمع الإسلامي. ويتطرّق إلى النّواهي الّتي نصّ عليها الوحي في القرآن الكريم؛ مثل تحريم العديد من المحرّمات حيث يراها بأنّها انتهاك لحرّيّة الفرد. ويعارض ميل التّحريم الذّي كانت تطالب به جمعيّات في إنجلترا لنفس السّبب الّذي دعاه إلى نقد التّشريع الإسلامي في هذا الموضوع، وينتقد كذلك تحريم أكل لحم الخنزير في الإسلام، و”إنّ للمسلمين الحقّ في تجنّبهم لحم الخنزير لأنّهم يعرفونه، لكنّهم عندما يحتقرون غيرهم ممّن لا يعافه ويأكله، فإنّهم يمسّون بحرّيّة ذلك الغير”[28].
ولكن ما يجب التّنويه به، أنّ الدّين الإسلامي قد أمر بعدّة أوامر مع الامتثال لها، وكذلك اجتناب النّواهي لما فيها من ضرر للإنسان، باعتبار أنّ الدّين الإسلامي يدعو إلى الحفاظ على الكلّيّات الخمس؛ الدّين، النّفس، النّسب، العقل، والمال. ومن هنا نتبيّن أنّ المنهيّات والمحرّمات التّي لا يجب أن يطالها الإنسان هي مسّ لهذه الكلّيّات وانتهاك لها، وفيها ضرر للإنسان. لذلك يحافظ الله عزّ وجلّ على هذه الكلّيّات من خلال الدّعوة إلى اجتناب هذه المحرّمات الّتي تدعو إلى تذبذب الإنسان ووقوعه في عواقب وخيمة.
لذلك فإنّ اللّيبراليّة الّتي عاشها الفكر الأوروبي، وخاصّة في أوروبا الغربيّة هي أنّ الفرد هو أصل المجتمع والحرّيّة من حقّه المسلّم والأساس الطّبيعي والبديهي. وتعتبر الحرّيّة ظاهرة طبيعيّة تتواجد مع وجود الأفراد حيث أنّ الإنسان له حرّيّته الشّخصيّة أو الإنسانيّة، حيث له الحقّ في التّعبير عن رأيه من خلال إرادته الفرديّة، حيث أنّ هذه الحقوق لا يمكن أن يقع التّفويت فيها، لأنّ المساس منها أو التّفويت فيها هو تجريد لإنسانيّة المجتمع، و “إنّ المجتمعات الّتي تمنع بعض الأفراد من التّمتّع بتلك الحرّيّات لسبب يعود إلى اللّون أو الجنس أو الوضعيّة الاجتماعيّة أو السّنّ، تبتعد بذلك على العقل وعن الإنسانيّة، ويجب إصلاحها لترجع إلى قاعدة العقل والإنسانيّة”[29].
كما صنّف عبد الله العروي الحقوق الفرديّة إلى حقوق إنسانيّة، وحقوق تترتّب عن التّعامل حقوق أخرى، وهي حقوق مدنيّة أو سياسيّة، ومتمثّلة في عقديْن اثنيْن؛ عقد بين الأفراد ويبنى المجتمع عليه، وعقد ثان بين المجتمع وبين فرد منه أو جماعة منه، تتأسّس بموجبه السّلطة أو الحكومة. فينتقل إلى مرحلة في ما بعد إلى تأسيس الدّستور، فيه قوانين تقنّن علاقات المواطنين في ما بينهم، وعلاقة السّلطة بالرّعيّة. حيث أنّ من الحقوق الأساسيّة الّتي يدعو إليها الدّستور، هي أوّلا حقّ الاقتراع لتأسيس هيأة تشريعيّة، وثانيا مسؤوليّة الحكومة أمام الهيأة التّشريعيّة، وثالثا استقلال القضاء لضمان العدل عند تنفيذ الأحكام. كما توجد حقوق تُعنى بالنّشاط المعاشي، حيث يجب على الدّولة أن تحافظ على المبادرات الفرديّة، ولا تضيّق الخناق على الأفراد، حيث تجعل الفرد ينظّم أحوال معاشه وكيفيّة كسبه وتعامله مع الاقتصاد. لذلك فإنّ تلاعب الدّولة بسعر العملة، وفرض احتكارات، وقيام حواجز تعقّد عمليّة التّبادل، يؤدّي إلى تخريب البلاد، وتفقير الأفراد.
وصفوة القول، فإنّ هذه هي الخطوط العريضة للّيبراليّة الّتي كانت تشغل فكرة الكتّاب والسياسيّين والصحفيّين، حيث يرى عبد الله العروي أنّ اللّيبراليّة كانت تتبيّن مع توجّه المجتمع الإسلامي القائم آنذاك، حيث أنّ عديد المفكّرين العرب ورجالات الإصلاح تأثّروا بالمنظومة اللّيبراليّة، وسعوا إلى المطالبة بها، من خلال وصفها وفهمها. حيث نتج عن هذا قطيعة بين الفكر الإسلامي التّقليدي والفكر الإسلامي الحديث.
يتميّز المؤلفون العرب اللّيبراليون حسب عبد الله العروي، بميزتيْن من اللّيبراليّين الغرب؛ الأولى ناتجة عن دفاعهم على اللّيبراليّة ضدّ خصومهم داخل المجتمع العربي ذاته، حيث أنّ الإسلام في داخله دعوة صريحة إلى الحرّيّة، حيث يقولون أنّ كلّ ما يناهض الحرّيّة ويتباين معها فهو ليس من الإسلام من شيء.
أمّا الميزة الثّانية للّيبرالي العربي هي محاولته تأصيل الحرّيّة داخل المجتمع والتّاريخ الإسلاميّيْن، فالعربي اللّيبرالي لا يرى أنّ اللّيبراليّة مرتبطة بعهد النّهضة في أوروبّا. والغاية من نشر اللّيبراليّة داخل المجتمع الإسلامي هو محاولة تأصيلها وارتباطها بالتّاريخ الإسلامي.
وبهذا يتباين العربي اللّيبرالي مع الغربي اللّيبرالي، فالثّاني يرى أنّ اللّيبراليّة الحقيقيّة منطلقها أوروبي، ويعتبر موقف اللّيبراليين الغربيّين من موقف اللّيبراليّة العربيّة بدعة زمنيّة وتاريخيّة، و” ليس تقويل أبطال الماضي أقوال الحاضر وقفا على المؤلّفين العرب، قد نجده في أحقاب أخرى من التّاريخ العالمي، لكنّه بدعة بالنّظر إلى منطق اللّيبراليّة الحقيقيّة، وكلّما أكثر منه مؤلّف ما ابتعد عن روح اللّيبراليّة حتّى ولو أعلن انتماءه إليها”[30].
لذلك، فإنّ التّطرّق إلى تاريخ اللّيبراليّة في الحقل العربي يستلزم إتّباع أساليب متنوّعة؛ أدبيّة، وصحافيّة، وقانونيّة، وترجمات لأمّهات اللّيبراليّة الغربيّة. وكذلك الخوض في الرّوايات وكلّ ما تطرّق للحرّيّة وتغنّى بها في الأصول العربيّة، وكذلك البحث داخل طيّات التّاريخ المكتوب في المذاهب الإسلاميّة القديمة.
ومن ثمّ، فإنّ علاقة اللّيبراليّة العربيّة بالحرّيّة علاقة تلازم، لأنّ الحرّيّة العربيّة باتت في حقلها النّظري، ولم تنتقل إلى حقلها الدّينامي. لذلك، يرى العربي اللّيبرالي، صور الحرّيّة منعدمة، ويرى عبد الله العروي أنّ اللّيبراليّين العرب مخضرمون بين ليبراليّة القرن 18 وليبراليّة القرن 19، حيث استخلص عدم استيعاب اللّيبراليّون العرب للّيبراليّة في مسارها التّاريخي، ولم يميّز بين مراحل اللّيبراليّة، ولم يفرّق بين الجذور الثّابتة وبين الأصول القارّة، حيث أنّ اللّيبراليّة في التّصوّر اللّيبرالي العربي مجرّد شعار، لم يرتق إلى المرحلة العمليّة التّطبيقيّة صلب المجتمع العربي، إلّا أنّ “عدم استيعاب اللّيبراليّة في مسارها التّاريخي أثّر تأثيرا سلبيّا في الفكر العربي في العهد اللّاحق عند أنصار اللّيبراليّة وعند خصومها على حدّ سواء”[31].
وما يجب التّنويه إليه، أنّ الدّين الإسلامي عكس باقي الشّرائع والدّيانات، قد تضمّن الوحي المكتوب في اللّوح المحفوظ قبل خلق الحياة، إذ يقول الله تعالى “بَلۡ هُوَ قُرۡءَانٞ مَّجِيدٞ فِي لَوۡحٖ مَّحۡفُوظِۭ”[32]. وباعتبار أنّ القرآن الكريم، يمثّل أساس الدّين الإسلامي، حيث يحمل داخل ثناياه أوامر ونواهي تسيّر الحياة البشريّة قبل خلق الحياة ذاتها وقبل خلق البشر. إضافة إلى أنّ تمحيص الآي القرآنيّة الكريمة، نستنتج أنّ الحرّيّة قد تطرّق إليها الدّين الإسلامي قبل الوجود الإنساني نفسه. إذ تعتبر الحرّية منحة إلهيّة، وحقّ طبيعي للإنسان ومقوّم أساسي من مقوّمات وجوده، وهي تلك الملكة الخاصّة الّتي يتميّز بها الآدمي من حيث هو موجود عاقل يتصرّف بمطلق الإرادة، سواء تعلّق ذلك بالفعل الفكري أو المادّي مع تحمّل مسؤوليّة اختياره، ويتخلّص من عبوديّة الشّهوات والأهواء والتّسلط والظّلم، ويسيطر على نوازع الشرّ في نفسه، ولا تستعبده عادة، ولا تستذلّه شهوة. ويستقلّ بالإرادة ويتخلّص من عبوديّة القهر ويتجاوز كلّ الإكراه. والحرّيّة انعدام الضّغوط والقيود الّتي تحول دون ممارسة حقّ من الحقوق أي اختيار الفعل عن رويّة ووعي مع استطاعة عدم اختياره أو اختيار مضادّ له.
وتعتبر الحرّيّة من تجلّيّات التّكريم الإنساني، والتّكريم عام لجميع البشر اعتبارا لوحدة الأصل والمنشأ والمصير. وتساوي جميع النّاس في القيمة الإنسانية بقطع النّظر عن الجنس أو اللّون أو العرق أو الدّين أو اللّغة. والحرّية هي الأصل الّذي يولد عليه الإنسان والاستعباد استثناء. وتكريم الإنسان باستخلافه في الأرض صاحب حقّ وحرّية باعتباره مكلّفا ومسؤولا.
ومن معالم التّحرّر؛ استخلاف الإنسان في الأرض ليحقّق العبوديّة لله، والسّيادة فيى الأرض. وامتلاكه لمؤهّلات متنوّعة (عقليّة /نفسيّة /مادّيّة)، مع تسخير الكون وحرّية العمل والفعل، والتّحرّر من الخوف والجبن والطّغاة والظّلمة وأصحاب النّفوذ وأرباب المال. والتّحرّر في مستوى القول والعمل والفكر والطّعام واللّباس مع الالتزام بالضّوابط الشّرعيّة.
والحرّية من وجهة نظر إسلامية تختلف عن مفهوم الحرّية في المفهوم الغربي، إذ يرتبط معنى الحرّيّة في الإسلام بالتّكليف. وقد خلق الله الإنسان وميّزه بالعقل الواعي القادر على اختيار أعماله وأقواله والتّصرف بإرادته وجعله الله حرّا ومسؤولا، فهي حرّيّة توازي بين الحقّ والواجب والمصلحة الخاصّة والمصلحة العامّة.
والحرّية في مفهومها الغربي أن يفعل الإنسان ما يشاء ويعتقد ما يشاء دون ضابط، فلا دين يهذّب النّفس، ولا أخلاق تكبح جماحها، ولا شيء يقف في وجه استمتاع الشّخص بالحياة وبالملذّات غير الشّرعيّة.
5- خاتمة:
تطرّق عبد الله العروي إلى مصطلح الحرّيّة في العالمين العربي الإسلامي والغربي، فيرى أنّ الأوّل قد استعمل مصطلح الحرّيّة من خلال التّركيز على الصّفة من خلال الفرق بين الحرّ والعبد، يعني استقصاء المعنى في العتق والخلوص. وكذلك تحديد العلاقة بين الإنسان والآخر. أمّا في الثّاني، أي العالم الغربي، فقد كان معنى الحرّيّة اعتياديّا ولم يكن مجهولا. ولقد اعتنى العروي بالأدلّة الّتي تؤصّل المصطلحات المتعلّقة بالحرّيّة، فاستنتج العديد من الأدلّة الّتي توحي بأنّ الحرّيّة متجذّرة في العالم الإسلامي على مستوى الفقه وعلم الكلام.
وكان تأصيل العروي لمفهوم اللّيبراليّة انطلاقا من الفلسفة الغربيّة وصولا إلى القرن 21 الّذي يعتبر أنّ اللّيبراليّة نوعا من الفوضى الّتي تمارسه الدّولة، ثمّ وصف العلوي اللّيبراليّة صلب الوسط العربي الإسلامي، مستخلصا بذلك أنّ الدّولة في المجتمع الإسلامي مارست تضييق الخناق وكبح الحرّيّة. حيث انبثق تيّاريْن فكريّيْن وكانت القطيعة بينهما؛ الأوّل الفكر الإسلامي التّقليدي، والثّاني الفكر الإسلامي الحديث. الأوّل متشبّث بقواعد الإسلام، والثّاني يحمل آراء اللّيبراليّة الغربيّة الحديثة. ولكنّ اللّيبراليّة الحديثة في العالم العربي، ظلّت في مستواها النّظري، ولم ترتق إلى مستواها العملي التّطبيقي، فلا حرّيّة ولا ديمقراطيّة في الوسط العربي في العصر الحديث. وتبقى نظرة العروي في المنهج النّقدي ولم تتطوّر إلى مجال الكشف عن الحلول والمعالجة الجذريّة. حيث تبقى مجرّد معالجة نقديّة خالية من كيفيّات تجاوز المعوّقات، وحلحلة الأوضاع في الحقل الثّقافي الحامل لمصطلح الحرّيّة.
المصادر والمراجع:
- جمال الدّين، ابن منظور، لسان العرب، دار إحياء التّراث العربيّة ومؤسّسة التّاريخ العربي، بيروت، 1968م، ط2، مج4.
- جون، ستيوارت، ميل، في الحرّيّة، تعريب طه السّباعي، مطبعة الشّعب، مصر، ط1، 1922م.
- -الخليل بن أحمد، الفراهيدي، معجم العين، مكتبة الهلال، 2007م، مج3.
- الرّاغب، الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، دار المعرفة، بيروت، 2008م.
- رفاعة، الطّهطاوي، المرشد الأمين، دار الكتاب اللّبناني، بيروت، 1973، ج2.
- عبد القاهر، الجرجاني، التّعريفات، دار الكتاب العربي، بيروت، 1986م، ط1.
- عبد الرّحمان، ابن خلدون، المقدّمة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1967م.
- عبد الرّحمان، الكواكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، دار النّفائس، القاهرة، 1970م.
- عبد الله، العروي، مفهوم الحرّيّة، المركز الثّقافي العربي، المغرب، 2012م، ط5.
- لطفي، السّيّد، مبادئ في السّياسة والأدب والاجتماع، دار الهلال، القاهرة، 1963م.
- محمّد الطّاهر، ابن عاشور، أصول النّظام الاجتماعي في الإسلام، الشّركة التّونسيّة للتّوزيع، د.ت، تونس، ط2.
- محمّد الطّاهر، ابن عاشور، تفسير التّحرير والتّنوير، الدّار التّونسيّة للنّشر، تونس، 1984م، مج5.
- نجم الدّين أبي حفص، النّسفي، طلبة الطلبة في المصطلحات الفقهيّة، دار النّفائس، بيروت، 1995م، ط1.
[1]– جمال الدّين، ابن منظور، لسان العرب، دار إحياء التّراث العربيّة ومؤسّسة التّاريخ العربي، بيروت، 1968م، ط2، مج4، ص 181.
[2]– الخليل بن أحمد، الفراهيدي، معجم العين، مكتبة الهلال، 2007م، مج3، ص23/25.
[3]– جمال الدّين، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ص181.
[4]– الرّاغب، الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، دار المعرفة، بيروت، 2008م، ص111.
[5]– رفاعة الطّهطاوي، المرشد الأمين، دار الكتاب اللّبناني، بيروت، 1973، ج2، ص373-374.
[6]– المصدر نفسه، ص374.
[7] – عبد الرّحمان، الكواكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، دار النّفائس، القاهرة، 1970، ص57.
[8]– لطفي، السّيّد، مبادئ في السّياسة والأدب والاجتماع، دار الهلال، القاهرة، 1963م، ص 138.
[9]– نجم الدّين أبي حفص، النّسفي، طلبة الطلبة في المصطلحات الفقهيّة، دار النّفائس، بيروت، 1995م، ط1، ص160.
[10]– عبد القاهر، الجرجاني، التّعريفات، دار الكتاب العربي، بيروت، 1986م، ط1، ص116.
[11]– سورة النّساء/الآية 92.
[12]– محمّد الطّاهر، ابن عاشور، تفسير التّحرير والتّنوير، الدّار التّونسيّة للنّشر، تونس، 1984م، مج5، ص159.
[13]– محمّد الطّاهر، ابن عاشور، أصول النّظام الاجتماعي في الإسلام، الشّركة التّونسيّة للتّوزيع، د.ت، تونس، ط2، ص163.
[14]– عبد الله، العروي، مفهوم الحرّيّة، المركز الثّقافي العربي، المغرب، 2012م، ط5، ص15.
[15]– سورة النّساء/ الآية 92.
[16]– سورة آل عمران/ الآية 35.
[17]– عبد الله، العروي، مفهوم الحرّيّة، مصدر سابق، ص16.
[18]– المصدر نفسه، ص17.
[19]– عبد الله، العروي، مفهوم الحرّيّة، مصدر سابق، ص19.
[20]– عبد الله، العروي، مفهوم الحرّيّة، مصدر سابق، ص21.
[21]– عبد الله، العروي، مفهوم الحرّيّة، مصدر سابق، ص23.
[22]– عبد الرّحمان، ابن خلدون، المقدّمة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1967م، ص222.
[23]– المصدر نفسه، ص 222.
[24]– عبد الله، العروي، مفهوم الحرّيّة، مصدر سابق، ص28.
[25]– المصدر نفسه، ص29.
[26]– عبد الله، العروي، مفهوم الحرّيّة، مصدر سابق، ص52.
[27]– جون ستيوارت ميل، في الحرّيّة، تعريب طه السّباعي، مطبعة الشّعب، مصر، ط1، 1922م.
[28]– عبد الله، العروي، مفهوم الحرّيّة، مصدر سابق، ص60.
[29]– عبد الله، العروي، مفهوم الحرّيّة، مصدر سابق، ص62.
[30]– عبد الله، العروي، مفهوم الحرّيّة، مصدر سابق، ص66.
[31]– المصدر نفسه، ص68.
[32]– سورة البروج، الآية 21/22.