ملخّص:
تطوّرت مهنة الكتابة بشكل واضح خلال العهد البويهيّ، وبرز داخل الدّواوين البويهيّة الكثير من الكتّاب، ولعلّ أبرزهم الصّاحب بن عبّاد، لما تميّز به من مؤهّلات وإشعاع في حياته، وكذلك لما تركه من رسائل ديوانيّة ذات أهمّية. لقد اعتمد أمراء بني بويه في تسيير أمور الدّولة وتثبيت دعائم حكمهم على هؤلاء الكتّاب. خاصّة وأنّ أمراء الأسرة البويهيّة كانوا في الأصل جنودا محترفين لا خبرة لهم بالشّؤون الإداريّة والسّياسيّة للدّولة، وبعد استيلائهم على الحكم في العراق وفارس وجدوا أنفسهم مجبرين على الاستعانة بخبرة الكتّاب ودرايتهم في شؤون التّسيير. وبفضل ذلك عَلَتْ مكانة بعض الكتّاب في الدّولة فاضطلعوا بعديد الوظائف الهامّة الإداريّة منها والسّياسيّة والعسكريّة، كالوزارة مثلا أو قيادة الجيوش. بل وأصبحوا أحيانا يشاركون الجند في السّلطة، وعلى قدر من النّفوذ والدّراية بدواليب الدّولة.
وبالإضافة إلى ما تميّز به الكتّاب من مؤهّلات علميّة وأدبيّة وإداريّة قيّمة، فإنّهم قد تركوا عديد الرّسائل الدّيوانيّة الهامّة، على غرار رسائل الصّاحب بن عبّاد، التي عكست تطوّر الكتابة الدّيوانيّة في العصر البويهيّ. واكتسبت قيمة أدبيّة نظرًا لما احتوته من خصائص لغويّة وفنّية وأسلوبيّة، وكذلك قيمة تاريخيّة لما احتوته موضوعاتها من تفاصيل متنوّعة عن الحياة السّياسيّة والإداريّة والعسكريّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة عند البويهيّين، والتي جعلت منها وثائق هامّة خاصّة عن الأمور السّياسيّة والإداريّة للدّولة البويهيّة.
الكلمات المفاتيح: كاتب، كتابة، رسائل ديوانيّة، البويهيّون، الصّاحب بن عبّاد.
Abstract:
Writing (kitāba) as a profession had developed noticeably under the Buwayhid rule. Many epistolary secretaries (kātib‑s) emerged inside the buwayhid administrative offices (dīwān-s). The most prominent was Ṣāḥib b. Ἁbbād who was renowned during his life as well as posthumously by leaving considerable letters. Buwayhid Amirs relied particularly on these secretaries to foster the pillars of their government. The Buwayhids was originally skilful soldiers who had not any experience about the state’s administrative and political matters. After taking over the rule in Iraq and Persia, they relied on the secretaries’ experiencein administration and government running. Accordingly, some secretaries became highly ranked officials, and were at the top of vizierate and in army command as well. They had also overridden authority and took part in government running.
Secretaries had not only scientific, literary and administrative skills, but also left many important official letters, such as the letters of Ṣāḥib b. Ἁbbād, which displayed the progress of official and administrative writing during the Buwayhid Era. In fact, the importance of these letters lied in its linguistic and stylistic devices. They moreover encompassed various military, economic, political administrative and social details, which made them such considerable and reliable documents of a high historical value.
Keywords: Secretary, Writting, official letters, Buwayhids, Ṣāḥib bin Ἁbbād.
1- مقدمة:
مثّلت الدّولة البويهيّة إيذانًا ببدء مرحلة جديدة في حياة الخلافة العبّاسيّة، انتقلت خلالها السّلطة فعليًّا وبصورة شبه كاملة من أيدي العرب إلى أيدٍ غير عربيّة. كما جسّدت هذه الدّولة صعود العسكريّين إلى سدّة الحكم واستحواذهم على السّلطة ليمارسوها مباشرة. وإجمالاً تميّز تاريخ الحكم البويهيّ بكثرة الصّراعات والنّزاعات السّياسيّة والحروب الدّاخليّة والخارجيّة. وكذلك بعديد الأزمات الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة[1].
إلاّ أنّه من بين المفارقات التي تشدّ الانتباه في هذا العصر، وفي ظل هذه الأزمات المختلفة، أنّ الحياة الأدبيّة والفكريّة شهدت عند البويهيّين ازدهارًا ملحوظًا، بما في ذلك الكتابة بشتّى أنواعها، وخاصّة منها الكتابة الدّيوانيّة، حيث برز داخل الدّواوين البويهيّة الكثير من الكتّاب الذين ارتبطت أسماؤهم بهذه الدّولة ارتباطا عضويّا وظيفيّا وثيقا. وقد لعب بعض هؤلاء الكتّاب – برسائلهم الدّيوانيّة – دورًا كبيرًا في تثبيت دعائم الحكم البويهيّ. ولعلّ الصّاحب بن عبّاد أبرزُ الأسماءِ في هذا المجال، وهو الذي سنعتمده كنموذجٍ في هذا المقال لدراسة مهنة الكتابة وفئة الكتّاب في العهد البويهيّ.
والصّاحب بن عبّاد هو إسماعيل أبو القاسم بن عبّاد بن العبّاس الملقّب بكافي الكفاة والشّهير بالصّاحب[2]. ولد سنة 326هـ/ 938م وتوفي سنة 385هـ/ 995م. كان من أشهر كتّاب ووزراء بني بويه، وقد تميّز بالعديد من المؤهّلات والإشعاع والنّفوذ طيلة حياته، حيث تولّى الكتابة ثمّ الوزارة لكلّ من الأمير البويهيّ مؤيّد الدّولة (حكم بين 366 – 373هـ/ 976 – 983م)، ثمّ الأمير فخر الدّولة (حكم بين 373 – 387هـ/ 983 – 997م) من بعده، اللّذين حكما إمارة الجبال البويهيّة. وقد ترك الصّاحب الكثير من الرّسائل الدّيوانيّة ذات الأهميّة البالغة. وصلتنا منها مختارات وضعت ورتّبت في أبواب في كتاب “رسائل الصّاحب بن عبّاد“[3]. وقد كتب جلّها في فترة حكم مؤيّد الدّولة.
سأحاول من خلال هذا النّموذج التّطرّق إلى أبرز خصائص ومميّزات الكتّاب البويهيّين، وما حظوا به من مكانة داخل الدّولة. كما سأتوقّف على مجمل الأدوار التي لعبها الكاتب في سياسة الدّولة وإدارتها، وعلى طبيعة علاقته بالسّلطة السّياسيّة ورموزها. ثمّ وفي مرحلة ثانية سأدرس أهمّ مظاهر تطوّر الكتابة الدّيوانيّة خلال العصر البويهيّ، من خلال ما حملته رسائل الصّاحب الدّيوانيّة من خصائص وتفاصيل وتجديدات في الشّكل أو المضمون.
2- مكانة الصّاحب بن عبّاد في الدّولة البويهيّة وعلاقته بالسّلطة السّياسيّة:
سأدرس في البداية مجمل المؤهّلات العلميّة والأدبيّة والإداريّة التي تميّز بها الصّاحب، وانعكاس ذلك على مكانته في الدّولة. ثمّ أنتقل إلى المناصب التي اضطلع بها هذا الكاتب ودوره في تسيير شؤون الدّولة وما تميّز به من نفوذ سياسيّ.
2- 1- خصائص ومميّزات الكتّاب في العهد البويهيّ من خلال نموذج الصّاحب:
تميّز الصّاحب بن عبّاد بعديد الخصال، فقد نبغ في الميادين العلميّة والأدبيّة واللّغويّة والفقهيّة المختلفة، فكان ذا ثقافة موسوعيّة شاملة، وهو ما زاد في إشعاعه وعلوّ شأنه، وأكسبه مكانةً بارزةً في المجتمع، وقد أهّله ذلك ليصبح أحد أبرز الكتّاب البويهيّين. فكان الصّاحب -على ما يظهر- عالمًا في فنون شتّى، وله تآليف كثيرة. كما كان أديبًا شاعرًا وعالمًا بأسرار اللّغة، إذ ألّف في اللّغة معجما سمّاه: “المحيط”. إلى جانب ذلك كان يحفظ الحديث ويرويه، وقد أخذ ذلك عن أبيه[4]. إذن فقد عُرف هذا الكاتب بسعة علمه، حيث يقول في شأنه عبد الرّحمان ابن الجوزيّ في كتابه “المنتظم”، أنّه “لم يكن من يُذكر عنه العلم كما يُذكر عن الصّاحب“[5]، مقارنًا إيّاه ببقيّة كتّاب ووزراء الدّولة البويهيّة. ويذكره ياقوت الحمويّ كذلك بقوله: “والصّاحب مع شهرته بالعلوم وأخْذه من كلّ فنّ منها بالنّصيب الوافر والحظّ الزّائد الظّاهر، وما أُوتيه من الفصاحة ووفّق لحسن السّياسة والرّجاحة، مستغن عن الوصف…”[6]. إذن عرف عن الصّاحب عنايته الفائقة بالعلم والأدب تأليفًا وإملاءً وتحفيزًا وإنفاقًا[7]، حيث تميّز بتشجيعه المتواصل لأهل العلم والأدب، وقد دأب على عقد مجالس لهم وعلى صرف أموال كثيرة عليهم[8].
وبشكل عامّ فإنّ المهام والأعمال التي كان يضطلع بها أغلب الكتّاب البويهيّين على غرار الصّاحب، تتطلّب منهم بدقّتها وتنوّعها، التّسلّح بثقافة عامّة واسعة. وكانوا يحتاجون إلى دواعي التّأنّق البلاغيّ والأسلوبيّ، إلى حفظ الكثير من الأشعار، وإلى استحضار الآيات القرآنيّة، والاستشهاد بأقوال الحكماء والفلاسفة، وأمثال العرب، وإلى إظهار المعرفة بالتّواريخ والأخبار وسير الملوك. كما كان من ضرورات هذه المهنة تنمية معارفهم في الحساب والهندسة والفقه والأحكام الشّرعيّة وغيرها[9].
وفي الحقيقة فإنّ مثل هذه الخصائص أو الشّروط يمكن أن ترتبط بأيّ كاتب من الكتّاب في أيّةِ فترة أو دولة من الدّول الإسلاميّة الوسيطة. غير أنّه في العهد البويهيّ كان لها وزنها، وذلك لأنّ بني بويه عند تولّيهم مقاليد الحكم بالمشرق، كانوا أقلّ ثقافة من الشّعوب التي تغلّبوا عليها في كلّ من العراق وفارس. فهم في الأصل أسرة ديلميّة، نشأوا في بلاد الدّيلم الجبليّة (جنوب بحر قزوين)، وكانوا بالأساس جنودا مرتزقة، خبروا العمل العسكريّ[10]. كما كانوا جاهلين باللّغة العربيّة، ولا نصيب لهم في العلم والثّقافة والأدب والفقه. فكانوا إذن في حاجة إلى من يساعدهم على تدعيم دولتهم وتسيير دواليبها. وهو ما جعلهم يحيطون أنفسهم بمجموعة من الكتّاب من أصحاب الثّقافة العاليّة[11]. لذلك فإنّ هذه الثّقافة الموسوعيّة جعلت الصّاحب بن عبّاد وغيره من كتّاب الدّواوين في دولة بني بويه يكتسبون مكانة متميّزة داخل المجتمع، وساهمت في تدعيم دورهم في إدارة دواليب الدّولة.
كما سعى هؤلاء الكتّاب آنذاك إلى اكتساب نوع من التّخصّص، وإلى تدعيم هذا التّخصّص وصيانته من خلال ما اكتسبوه من إتقان لجملة من التّقنيّات العمليّة واللّغويّة والأدبيّة التي لا يحسنها سواهم. وكذلك عبر إتقان بعض الجوانب المادّية لعمليّة الكتابة، كإعداد الأقلام، وتجهيز الورق، وصناعة المداد. إضافة إلى بعض المسائل الفنّية الأخرى التي كان على الكاتب إحكامها، كجمال الخطّ والتّفنّن فيه[12]. ونلاحظ مثلاً حرص الصّاحب بن عبّاد على مجموعة هذه القواعد والتّقنيّات وعلى ضرورة التزام الكتّاب بها، من خلال إحدى رسائله التي أرسلها في عِتَابِ كاتب تراجع في صناعته[13].
بالإضافة إلى ذلك عمل الكتّاب جاهدين على أن لا يُشركوا غيرهم في أسرار مهنتهم. حتّى أصبحت صناعة الكتابة كغيرها من الصّناعات والحرف محصورة في أُسَرٍ معلومة تتوارثها أبا عن جدٍّ. فالصّاحب بن عبّاد كان والده عبّاد الملقّب بالأمين كاتبا لدى ركن الدّولة البويهيّ[14].
وقد ساهمت كلّ هذه الظّروف في تحويل الكتابة الدّيوانيّة خلال هذا العصر إلى مهنة مخصوصة لها مؤهّلاتها وتقنيّاتها وأسرارها التي لا يعرفها إلاّ أهلها، وساهم ذلك بدوره في تكوين “فئة الكتّاب” باعتبارها فئة ثقافيّة وإداريّة واجتماعيّة متميّزة[15]. وقد عملت هذه الفئة على التّميّز عن غيرها من فئات المجتمع، وتجلّى ذلك في مستويات عديدة منها اللّباس مثلاً، فقد كان للكتّاب آنذاك لباسٌ خاصٌّ تَمَثَّل في ارتداء الدّراعة، ولذلك كان مسكويه يسمّي الكتّاب البويهيّين بـ “أصحاب الدّراريع”[16]. وقد مثّل الصّاحب بن عبّاد نموذجا لهذه الفئة التي اضطلعت بأدوار وظيفيّة هامّة في علاقة بالسّلطة البويهيّة وتسيير دولتهم.
2-2- دور الصّاحب بن عبّاد في الحياة السّياسيّة للدّولة وعلاقته بالأمير البويهيّ:
لم تكن لدى البويهيّين دراية بالشّؤون الإداريّة والسّياسيّة، وبعد استحواذهم على الحكم بعاصمة الخلافة العبّاسيّة وجدوا أنفسهم عاجزين عن تسيير دولتهم الفتيّة. فكانوا لذلك مجبرين على الاستعانة بخبرة كتّاب الدّواوين ممّن تميّز بالدّراية بأمور الإدارة وبوجوه جمع الأموال. حيث كان ذلك أساسيًّا لاستمرار دولتهم. ولعلّ الكتّاب كانوا مدركين لمختلف هذه المتغيّرات، فسعوا من جهتهم إلى استغلال ذلك الوضع، قصد تدعيم مكانتهم ودورهم في الدّولة والمجتمع. فتدرّجوا بذلك في المراتب وتقلّدوا كبرى وظائف الدّولة وأسندت إليهم مناصب هامّة، كالوزارة أو قيادة الجيوش.
تولّى منصب الوزارة مع البويهيّين جيل جديد من الوزراء كانوا في أغلبهم من الكتّاب، من ذوي القدرات الأدبيّة والفكريّة الرّفيعة. حتّى أصبح منصب الوزير في تلك الفترة محصورا أو يكاد في فئة الكتّاب. بل وذهب البعض إلى أنّ بني بويه لم يستوزروا غير الكتّاب والشّعراء. وكلّ ذلك دليل على مدى حرصهم على اختيار وزرائهم من كبار الكتبة المتميّزين[17]. ويمكن أن نذكر من وزرائهم: أبا الفضل بن العميد وابنه أبا الفتح، وأبا محمّد المهلّبيّ، وأبا إسحاق الصّابي. كما كان الصّاحب بن عبّاد أيضا من كبار كتّابهم الذين تولّوا مرتبة الوزارة، بل لعلّه أبرزُ هؤلاء الوزراء الكتّاب. فقد وزر لمؤيّد الدّولة ثمّ لفخر الدّولة من بعده طيلة ثماني عشرةَ سنةً[18]. حتّى أنّ شهرة هذين الأميرين تكاد تكون مستمدّة من شهرة وزيرهما. وبلغت مكانة الصّاحب آنذاك سائر الأمراء والقوّاد الذين كانوا يقبّلون الأرض بين يديه. وقد خرج الأمير عضد الدّولة البويهيّ بنفسه لاستقباله عندما جاء إلى العراق مبعوثا من مؤيّد الدّولة، وبالغ عضد الدّولة في إكرامه وأمر أكابر كتّابه وأصحابه بتعظيمه[19]. وفي أيّام فخر الدّولة (373 – 387هـ/ 983 – 997م) باتت أمور المُلْك تتمّ حسب رأيه ووفقًا لمشورته، ويذكر ياقوت الحمويّ أنّه “كان إذا قال فخر الدّولة قولاً وقال الصّاحب قولاً، امتُثل قول الصّاحب وتُرك قول فخر الدّولة“[20]. مع العلم أنّ للصّاحب بن عبّاد الفضل في وصول هذا الأمير إلى الحكم، وفي توليّه إمارة بلاد الجبال البويهيّة إثر وفاة الأمير مؤيّد الدّولة سنة 373هـ/ 983م[21]. ولعلّ كلّ ما وصلنا عن هذا الوزير يدلّ على علوّ مكانته عند البويهيّين، ويبيّن مدى تأثيره في سياسة الدّولة، حيث منحه الأميران السّلطة المطلقة في تسيير شؤون الدّولة. وهو ما ساهم في تنفّذ هذا الوزير على حساب الأمير البويهيّ.
إلى جانب منصب الوزير تولّى بعض كبار الكتّاب المتنفّذين خلال العهد البويهيّ مناصب عسكريّة، إذ تقلّدوا قيادة الجيوش ونيابة الأمير البويهيّ في خوض الحروب الدّاخليّة والخارجيّة. حيث أصبح الوزير البويهيّ وهو رئيس الكتّاب، يجمع بين رئاستيْ السّيف والقلم. وهي ظاهرة جديدة نادرا ما حدثت من قبل في تاريخ الكتّاب والوزراء، ولكنّها أصبحت تطبّق بشكل ثابت في الدّولة البويهيّة[22]. فعلى سبيل المثال كان أبو الفضل ابن العميد ثمّ ابنه أبو الفتح يقودان جيش ركن الدّولة في عديد الحروب والمعارك[23]. كما كان أبو محمّد المهلّبي يقود جيش الأمير معز الدّولة[24]. وكذلك كان الشّأن بالنّسبة إلى الصّاحب بن عبّاد الذي قاد جيش مؤيّد الدّولة ثمّ قاد جيش فخر الدّولة، خاصّة أثناء محاولة إخضاع العراق لسلطان فخر الدّولة وطرد بهاء الدّولة من بغداد. وقد تمكّن ابن عبّاد مثلا ومن معه من الجند من السّيطرة على الأهواز في سنة 379هـ/ 990م[25]. وقد برزت لدى الصّاحب قدرة وكفاية عسكريّة وحربيّة عالية، حتّى أنّه فتح – حسب ابن الجوزيّ – في فترة وزارته خمسين قلعة[26]. وقد أدّى هذا الدّور العسكريّ للصّاحب بن عبّاد إلى تقوية مركزه ومكانته داخل الجيش وبين القادة العسكريّين، وقد تعدّدت الرّوايات التّاريخيّة في هذا الشّأن[27].
وتُؤكّد كلّ هذه المناصب السّياسيّة والعسكريّة التي تداول عليها الكتّاب خلال العهد البويهيّ وجود نوع من الاشتراك في السّلطة بين الكتّاب والجند. إذ ظهر بجلاء أنّ الكتّاب بما اكتسبوه من مكانة وتنفّذ كانوا شركاءَ فعليين للبويهيّين في سلطتهم، وقد مثّلوا جزءًا من هذه السّلطة. فالعسكريّون البويهيّون الذين استولوا على الحكم في بغداد لم يستطيعوا أن يجنوا ثمرة سيطرتهم إلاّ من خلال الاستعانة بخبرة الكتّاب ودرايتهم[28]. ونظرا لطبيعة العلاقة التي كانت تربط هؤلاء الكتّاب الإداريّين بالسّلطة السّياسيّة، وبحكم وضعيّة الاشتراك في السّلطة بينهم وبين الجند. مثّلت فئة الكتّاب الفئة الأرفع حظّا ومكانة والأكثر انتفاعا خاصّة خلال المرحلة الأولى من الحكم البويهيّ.
ونقف في المصادر التّاريخيّة على بعض النّصوص التي تؤكّد اعتراف الأمير البويهيّ بأهمّية دور الكتّاب في سير الحكم، بل وقد اعترف بعض الأمراء بحقّ هؤلاء الكتّاب في مشاركتهم السّلطة. ونلاحظ ذلك من خلال حوار دار بين الأمير فخر الدّولة والصّاحب بن عبّاد، على إثر تولية هذا الأمير على بلاد الرّي، حيث أراد ابن عبّاد إبّان ذلك الاستعفاء من الوزارة والجنديّة. فكان قول فخر الدّولة واضحًا، إذ قال: “…لا تقل أيّها الصّاحب هذا فإنّني ما أريد الملك إلاّ لك ولا يجوز أن يستقيم أمري إلاّ بك، وإذا كرهتَ ملابسة الأمور كرهتُ ذاك بكراهيتك وانصرفت“[29]. إذن فلم يكن غائبا عن وعي الصّاحب مكانته الخاصّة ومكانة فئة الكتّاب بصفة عامّة في جهاز هذه الدّولة وفي استمرارها[30].
كما سعى الكتّاب إلى استثمار هذه العلاقة بالسّلطة السّياسيّة وتحويل هذه المشاركة في الحكم إلى مشاركة أيضا في المنافع المادّية والاقتصاديّة. فحقّق كبار الكتّاب بذلك ثروات طائلة – على غرار الصّاحب بن عبّاد- وذلك نتيجة لما تحصّلوا عليه من أموال وافرة بطرق شتّى، ومن إقطاعات شاسعة وضمانات متنوّعة. وقد ذكر مسكويه ذلك منذ بدايات دولة بني بويه، بقوله: “عقدت النّواحي الخارجة من الإقطاعات على طبقتين من النّاس إحداهما أكابر القوّاد والجند والأخرى أصحاب الدّراريع والمتصرّفون“[31]. وقد مثّل كلّ ذلك وجهًا من وجوه التّنفّذ الاقتصاديّ والاجتماعيّ لكتّاب الدّواوين البويهيّين.
بالتّالي فإنّ ما تميّز به الصّاحب من مؤهّلات وما تولاّه من مناصب إداريّة وسياسيّة وعسكريّة وما أصبح عليه من نفوذ ودراية بدواليب الدّولة، انعكس أيضا على أسلوب الكتابة عنده. وقد عكست الكثير من رسائله الدّيوانيّة – في شكلها أو مضمونها – مكانة الصّاحب بن عبّاد ونفوذه في الدّولة البويهيّة. وهو ما يقودنا إلى دراسة تطوّر الكتابة الدّيوانيّة عند الصّاحب ومختلف مميّزاتها.
3- مظاهر تطوّر الكتابة الدّيوانيّة البويهيّة وتنوّع خصائصها من خلال رسائل الصّاحب:
مثّلت رسائل الصّاحب الدّيوانيّة مواصلة وتعميقا لما شهدته الكتابة الدّيوانيّة من تطوّرات خلال القرن 4هـ/ 10م من جهة، ومن جهة أخرى حملت في طيّاتها بعض مواطن التّجديد وبعض الإضافات والاختلافات. حيث برز نمط الصّاحب التّرسّليّ خاصّة في شكل الرّسائل وما تضمّنته من عناصر ومكوّنات، وكذلك من خلال أسلوبه اللّغويّ والبلاغيّ في نظْم هذه الرّسائل. ممّا جعلها تكتسب قيمة أدبيّة رغم صبغتها الدّيوانيّة الرّسميّة. ومن ناحية أخرى تميّزت هذه الرّسائل أيضا على مستوى المضمون بتنوّع موضوعاتها، فاكتسبت بذلك قيمة تاريخيّة. وتعكس مختلف هذه الخصائص والمميّزات- في كثير من المواضع – مكانة هذا الكاتب الدّيوانيّ ونفوذه خلال العهد البويهيّ، ومدى اطّلاعه على مختلف دواليب الدّولة.
3 -1- عناصر الرّسالة الدّيوانيّة عند الصّاحب ومكوّناتها الشّكليّة:
قد يطلعنا شكل الرّسالة عند الصّاحب بن عبّاد على خصائص الكتابة الدّيوانيّة وأنماطها خلال العصر البويهيّ، خاصّة إذا ما تأمّلنا بعض العناصر الأساسيّة القائمة عليها هذه الرّسائل، والمتمثّلة أساسًا في طريقة افتتاح الرّسالة وطريقة اختتامها، إضافة إلى متن الرّسالة في حدّ ذاته.
لم يلتزم الصّاحب بشكل أو أسلوب محدّدٍ في افتتاح رسائله، فقد اختلفت عنده مقدّمات الرّسائل باختلاف نوع الرّسالة وغرضها بل وأحيانًا باختلاف المرسل إليه. فكانت هذه المقدّمات تقصر أحيانًا وتطول أحيانًا أخرى. فنجدها مثلاً موجزة كما هو الشّأن في الرّسائل الواردة في باب: “في الأمان والأيمان والمواقفات والمناشير”، حيث يقتصر في افتتاح الرّسالة على قوله: “هذا كتاب من مؤيّد الدّولة لفلان“[32]، ثمّ يدخل مباشرة في جوهر الرّسالة. أمّا في الرّسائل المتعلّقة بالعهود، فإنّ الصّاحب يولي اهتمامًا أكبر بمقدّمة الرّسالة، لذلك فإنّه يطيل الصّدر وتتعدّد عناصره. ففي البداية يذكر اسم أميره المرسِل، ثمّ اسم الموظّف المرسَل إليه هذا العهد، كقوله مثلاً: “هذا ما عهد مؤيّد الدّولة أبو منصور بن ركن الدّولة أبي مولى أمير المؤمنين لمحمّد بن أحمد الكاتب“[33]، ثمّ يليه بذكر بعض خصال ومؤهّلات هذا العامل أو الوالي أو القاضي، كقوله مثلاً: “إنّا أُنهي إلينا، وتناهى في الوضوح لدينا، من علمك المشهود، وسترك الممدود، وموقعك في أعيان الفقهاء، وموضعك من الاضطلاع والغَنَاء، رأينا اعتمادك….”[34]. ويأتي بعد ذلك على ذكر الوظيفة المسندة إليه ومكانها وأحيانًا يضيف التّاريخ، كقوله في أحد عهود تولية عامل ناحية: “رأينا تقليدك القمدان سنة كذا وما بعدها، أعمالها وأموالها“[35]. ثمّ ينهي مقدّمة العهد بجملٍ قليلةٍ من الدّعاء. لينتقل بعدها إلى متن الرّسالة وما تضمّنه من أوامر ووصايا وشروط سُردت في شكل فقرات قصيرة، وعادة ما يختم الكاتب كلّ فقرة من هذه الفقرات بآية من القرآن الكريم.
كما أنّ افتتاح الرّسائل يطول أو يقصر أيضا في الرّسائل المتعلّقة بالبشائر والفتوح، وهو أمر مرتبط بمدى أهمّية الحدث العسكريّ الذي يتناوله في الرّسالة. فعادة ما يبتدئ هذه الرّسائل بتحديد موقعه ثمّ بالتّحميد والصّلاة على النّبيّ وأحيانًا يضيف بعض الدّعاء، كقوله في إحدى رسائله: “كتابنا – آدام الله عزّك – من المعسكر بظاهر إستراباذ، وقد أنزل الله علينا النّصر، وسهّل لنا بعلوّ جَدّ مولانا الملك السّيّد العلوَّ والقهر، والحمد لله ربّ العالمين، وصلواته على النّبيّ محمّد وآله وصحبه أجمعين“[36]. في حين نجده يطيل في مقدّمة رسائل أخرى كتلك المتعلّقة بفتح جرجان مثلاً[37]، ولعلّ ذلك يعود إلى قيمة هذا الحدث.
أمّا فيما يخصّ خواتيم الرّسائل فقد تكون عادة بقوله مثلاً: “وهو حسبنا ونعم الوكيل” أو “إن شاء الله” أو “والسّلام” أو “موفّق إن شاء الله“. وقد يتضمّن هذا الاختتام قبل ذلك البعض من الدّعاء، دون أن يطيل فيه، إلاّ إذا ما تعلّق أمر الرّسالة بفتح عسكريّ عظيم، فإنّه يسهب في الدّعاء ويطنب[38]. كما يمكن أن يتضمّن الاختتام أيضا توصيّةً أو تذكيرًا بضرورة التزام المرسَل إليه بما ورد في الرّسالة من أوامر ووصايا، ونجد ذلك خاصّة في بعض العهود، ومن الأمثلة على ذلك قوله في أحد العهود: “هذا ما عهدناه إليك، فاستمرّ على منهاجه، واهتد بسراجه“[39]. وأحيانًا تتضمّن بعض الرّسائل كرسائل الأمان أو بعض المناشير مثلاً توصية إلى كلّ من قرأ أو عرض عليه ذاك الكتاب – من ولاّة وضمناء وعمّال خراج وغيرهم – بأن يعملوا بما رُسم فيه من أحكام، بل ويحذّرهم من مخالفة أوامره[40]. كما قد تتضمّن خاتمة الرّسالة توصية إلى المرسل إليه بمواصلة المراسلة لتزويدهم بالأخبار اللاّزمة، وهو ما نجده في الرّسائل المرسلة إلى أصحاب الثّغور وعمّال النّواحي[41].
وتدلّ مختلف هذه النّماذج وغيرها على تنوّع الأساليب التي تُستهلّ بها الرّسائل أو تُختتم عند الصّاحب بن عبّاد. وفي الغالب ارتبطت هذه الخصائص الفنّية للرّسائل بطبيعة الموضوع، وبالشّخص المرسل إليه، وغيرها من المتطلّبات.
غير أنّ الذي يشدّ الانتباه في مختلف هذه المكوّنات، وخاصّة في صدور رسائل الصّاحب الدّيوانيّة، هو أنّه لم يكن يطنب في ذكر الألقاب عند ذكره لاسم سيّده الأمير البويهيّ الذي تصدّر الرّسالة في عهده. فغالبًا ما نجده يكتفي باللّقب الذي خلعه الخليفة العبّاسيّ على هذا الأمير مثل “مؤيّد الدّولة”، وذلك دون أن يكثر من تلقيبه أو يبالغ في تعداد خصاله وأوصافه وأمجاده، على نحو ما ذهب إليه بعض الكتّاب الآخرين. وقد يدلّ ذلك على أنّ الصّاحب بن عبّاد لم يكن يتحدّث في رسائله بمنطق الخنوع والتّملّق. وبالتّالي قد يعكس هذا الجانب مكانة هذا الكاتب وتنفّذه. بل وأحيانًا نلاحظ أنّه كان يكتب بحرّية تامّة وقوّة تعبّر عن إرادته الذّاتيّة أكثر ممّا يعبّر عمّن يكتب باسمه، ومردّ ذلك أنّه كان صاحب سلطة ونفوذ كبيرين وحظوة عند الأمير، حتّى أنّه في بعض الأحيان كان يتكلّم باسم الأمير البويهيّ، إذ يتولّى مثلاً حلّ بعض المشاكل والمعضلات بصورة شخصيّة قبل أن تصل إلى الأمير ويشغل نفسه بحلّها. إلاّ أنّه في مقابل ذلك كان مخلصًا لأمراء بني بويه – مؤيّد الدّولة وكذلك فخر الدّولة – في كلّ الأمور المتعلّقة بإدارة الحكم.
3- 2- أساليب كتابة الرّسائل عند الصّاحب بن عبّاد وأبرز خصائصها الفنّية:
لعلّ أبرز ما يلفت النّظر في مجمل رسائل الصّاحب بن عبّاد من حيث أسلوبُ الكتابة، هو ميل صاحبها الشّديد إلى التّفنّن في تجميل الأساليب عبر الإكثار من المحسّنات البديعيّة، والتّأنّق في البناء والتّراكيب والصّور المعبّرة عن المعاني، وتنميق العبارات. وقد تمكّن هذا الكاتب بفضل ما عرف به من بلاغة لغويّة ومهارة بيانيّة وأدبيّة، من تناول موضوعات مختلفة يصعب تطويعها للأساليب الأدبيّة، وعبّر عنها في رسائله وسردها في أسلوب أدبيّ فصيح.
وفي الواقع فإنّ الصّاحب بن عبّاد قد ساير في كتاباته الدّيوانيّة ما شاع في عصره من أساليب، وقد اتّبع بدرجة أولى ما دأب عليه أستاذه ابن العميد، الذي كان رائدًا في ما يعرف عند الدّارسين بمذهب “التّصنيع” أو “التّصنُّع”، القائم على ضروب من البديع والصّيغ البلاغيّة من استعارة وكناية وتشبيه وطباق وجناس وسجع، وتقطيع موسيقيّ متوازن للجمل والفقرات، وأنواع من الإغراب والمبالغة في البحث عن الطّرافة[42]. حيث أصبحت هذه العناصر البديعيّة والبلاغيّة تمثّل أسلوبًا عامًّا في الكتابة الدّيوانيّة ونسقًا معياريًّا للجماليّة الأدبيّة خلال العصر البويهيّ، بل وأصبحت المقياس الذي يُعترف بمقتضاه للكاتب بالانتماء إلى البلغاء والأدباء[43].
وكان الصّاحب بن عبّاد قد احتكم بدرجة كبيرة إلى السّجع في كتابة رسائله، فهو يعتبر العنصر الأساسيّ في مذهب التّصنيع. حيث غلب السّجع على رسائله، حتّى أنّه لا يتركه إلاّ نادرًا. وربّما اشتهر الصّاحب في عصره وبين معاصريه بالمبالغة في هذا الأسلوب من الكتابة. ويبدو أنّه كان يسجع في حديثه وكلامه أيضا، ويشير التّوحيدي إلى ذلك بقوله: “وكان كلفه بالسّجع في الكلام والعلم عند الجدّ والهزل يزيد على كلف كلّ من رأيناه في هذه البلاد“[44]. كما ذكر التّوحيدي عديد الأمثلة التي تبيّن ولوع الصّاحب بالسجع ومجاوزته الحدّ في استعماله[45]. غير أنّ هذه الرّوايات قد تحمل بدورها – أحيانًا – نوعًا من المبالغة. وذهب بعض الدّارسين إلى أنّ سجع الصّاحب يمتاز بالخفّة والعذوبة، وأنّ ألفاظه كانت أكثر صفاءً وتنغيمًا من معاصريه من كتّاب الدّواوين[46]. كما أنّه كان يعنى بقصر سجعاته، فإن طالت سعى إلى الموازنة والمعادلة بين ألفاظها[47]. وفي أغلب الأحيان كان يميل إلى الازدواج في السّجع.
ومن أبرز ألوان البديع الأخرى التي غلبت على نمط الصّاحب نجد الجناس، فكثيرًا ما كان يستعمله في رسائله، بل وذهب بعض المؤلّفين إلى أنّ هذا الطّابع قد غلب عليه حتّى في أحاديثه[48]. كما استخدم هذا الكاتب أيضا الطّباق، الذي شاع استعماله في الأدب البويهيّ بصفة عامّة.
كما عنى الصّاحب أيضا بالاقتباسات والتّشبيهات والاستعارات، التي كثيرًا ما زيّن بها جمله وتعابيره. ومن جهة أخرى كان لديه ميل أيضا نحو الإغراب والمبالغة والإلغاز، إضافة إلى التّلاعب بالكلام[49]، وقد ظهرت هذه النّزعة للإغراب والإلغاز في عدّة مواضع من رسائله، على المستوى المعجميّ واختيار الألفاظ، أو على مستوى التّركيب، أو أحيانًا في طريقة تثبيت توقيعه على الرّسالة[50]. وقد بلغ به الأمر في هذه النّزعة إلى كتابة عهد إلى القاضي عبد الجبّار بن أحمد، بلغ- على حدّ رواية السُّبكيّ – سبعمائة سطرًا، كلّ سطر في ورقة سمرقندي[51].
إلى جانب الاعتناء بأسلوب الكتابة ومنحه بعدًا جماليًّا أدبيًّا وفنيًّا. كان الصّاحب بن عبّاد يتأنّق أيضا في خطّه ويعتني بحسنه وزخرفته. ونجده في بعض الأحيان يذكر ذلك في رسائله، على غرار الرّسالة التي وجّهها إلى أحد أمراء طبرستان، حيث يقول: “وسطّرت هذا الكتاب بخطّي ليزداد الإصفهبذ إليه سكونًا“[52]. وفي الحقيقة قد يحمل هذا التّصريح في طيّاته ضربًا من التّودّد والملاطفة.
وهكذا تبرز لنا صورة الصّاحب من وراء هذه الرّسائل وما تميّزت به من ألوان بديعيّة، كأحد أبرز أساتذة البلاغة في عصره، بل وبلغ بالتّصنيع مبلغًا عظيمًا من الزّخرف والتّنميق[53]. شأنه في ذلك شأن بقيّة الكتّاب الذين كانوا امتدادًا لهذا المذهب، حيث حاول كلّ منهم أن يبلغ من تصنيعه وتجميله لأساليبه ما لم يبلغه كاتب آخر في ذلك العصر[54]. ولعلّ ظاهرة التّصنيع لم تكن أسلوبًا في الكتابة فحسب، وإنّما كانت تعكس نمط حياة فئة الكتّاب آنذاك، وميلهم الشّديد إلى التّأنّق والزّينة في كلّ شيء من لباس وطعام وأثاث ومسكن وغيرها[55]. فقد كان كتّاب الدّواوين في الدّولة البويهيّة يتأنّقون ويتصنّعون في حياتهم، وهذا ما عرف عن الصّاحب بن عبّاد فقد كان مثلاً شديد الولع بالخزّ الفاخر، حيث كان يأمر بالاستكثار منه في داره[56]. وبالتّالي أصبحت البلاغة تستخدم استخدامًا زخرفيًّا وكأنّها آداة من أدوات التّرف والزّينة[57]. كما أصبح الأمراء والحكّام من بويهيّين وغيرهم مولعين بهذه الكتابة المصنّعة والمنمّقة، وكان كلّ منهم يسعى إلى أن يكون في بلاطه ودواوينه أبرز كاتب في عصره، حتّى تشتهر دولته بتلك الطّرف البلاغيّة والزّخرفيّة الصّادرة عن هذا الكاتب والواسعة الرّواج آنذاك[58]. إلى درجة أنّ الملك السّامانيّ نوح بن منصور أرسل إلى الصّاحب بن عبّاد سرًّا يستدعيه إلى بلاطه ويرغّبه في خدمته، إلاّ أنّ الصّاحب رفض ذلك واعتذر له عن هذا الأمر[59].
3-3- موضوعات رسائل الصّاحب الدّيوانيّة:
تنوّعت الموضوعات في رسائل الصّاحب بن عبّاد، فقد ألمّت بالعديد من تفاصيل الحياة السّياسيّة والإداريّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة عند البويهيّين. فاكتسبت بذلك قيمة تاريخيّة جعلت منها وثائق هامّة خاصّة عن الأمور السّياسيّة والإداريّة لدولة بني بويه لا سيّما أنّ الصّاحب كان معاصرًا وشاهدًا على أحداث هذه الدّولة ومشاركًا في صنْع سياساتها.
إذن تضمّنت هذه الرّسائل لوحة عن الحياة السّياسيّة البويهيّة وما تميّزت به من تحالفات قائمة، ومن صراعات وحروب سواء كانت داخل الأسرة البويهيّة، أو مع بعض القوى والأطراف الأخرى في إطار الدّولة أو خارجها. أمّا على المستوى الدّاخليّ فقد صوّرت لنا بعض هذه الرّسائل جملة من الصّراعات التي كانت تدور في تلك الفترة، بين أمراء الأسرة البويهيّة. فقد خصّص ابن عبّاد مثلاً إحدى رسائله للحديث عن حرب عضد الدّولة البويهيّ وابن عمّه بختيار. وفصّل الصاحب الحديث في كلّ تلك الأحداث ومراحل تطوّراتها[60]. ويذكر مثلاً في هذه الرّسالة كيف أنّ الخليفة العبّاسيّ كان يراسل عضد الدّولة سرًّا أثناء تلك الحرب[61]. كما نجده يتحدّث في رسالة أخرى عن حرب عضد الدّولة مع أخيه فخر الدّولة[62]، وما ارتبط بها من تحالفات. حيث التجأ فخر الدّولة إلى قابوس بن وشمكير صاحب جرجان وطبرستان، طالبًا حمايته وكان له ذلك. وقد تمكّن عضد الدّولة فيما بعد من هزمهما على باب إستراباذ (مدينة في شمال فارس).
ويُبدي الصّاحب بن عبّاد رأيه فهو يرى أنّ أهمّية هذه الحرب ليست خروج فخر الدّولة على أخيه بل هي استنجاده بقابوس وطلب حمايته[63]. وفي هذه الرّسالة نلاحظ مثلاً أنّ الصّاحب يذكر فخر الدّولة بنعته بـ “المقيم على العقوق”، إذ عادة ما يذكره أيضا في أغلب رسائله بـ”الأمير العاقّ”، في حين يطلق على عضد الدّولة دائما لقب “الملك السّيّد” وعادة ما يشيد بفتوحاته وتوسّعاته. وهذا ربّما يعكس موقف الصّاحب من هذه الأحداث، خاصّة وأنّه كان يكاتب أميره مؤيّد الدّولة الذي كان في صفّ عضد الدّولة. حتّى أنّ عضد الدّولة سلّم هذا الأمير كلّ ما كان في يد فخر الدّولة من البلاد (همذان والرّي وعدّة نواحي أخرى) وجعله خليفته ونائبه في تلك البلاد[64].
ويشير الصّاحب كذلك إلى بعض الصّراعات التي دارت بين البويهيّين وأطراف أخرى داخليّة أو القوى الخارجيّة. فقد تعرّض في إحدى رسائله إلى انتصار عضد الدّولة على أبي تغلب الحمدانيّ، وتمكّنه بذلك من الاستيلاء على مملكة الحمدانيّين. ثمّ أتى بعد ذلك وفي هذه الرّسالة نفسها على إخضاعه لبني شيبان وإخماد شرّهم[65].
ولعلّ من بين أبرز الرّسائل في هذا الشّأن الرّسالة المعنونة بـ” الفتح الأكبر بجرجان الواقع بين الخراسانيّة”، فقد استعرض الصّاحب في هذه الرّسالة حروب بني بويه مع السّامانيّين، وما كان بين الطّرفين من حرب وصلح، وعدّد أيضا أسماء بعض القادة السّامانيّين في مختلف هذه الحروب. وقد ركّز الصّاحب في هذه الرّسالة كذلك على المعركة التي دارت بين جيوش عضد الدّولة وجيش أبي العبّاس تاش، وهو قائد جيش السّامانيّين الذي أتى لمعاضدة قابوس بن وشمكير وفخر الدّولة في حربهما ضدّ عضد الدّولة. وقد تمكّن عضد الدّولة من دحرهم في نيسابور، حيث قتل منهم نحو ثلاثة آلاف[66]. كما يقف الصّاحب على شكل آخر من أشكال الصّراع والتّنافر بين هذين الطّرفين والمتعلّق بمسألة الاعتراف بالخليفة العبّاسيّ، حيث يذكر أنّ السّامانيّين كانوا إذا خلع بنو بويه الخليفة العبّاسيّ وولّوا مكانه آخر، لا يدعون للمولّى مكانه على منابرهم، مثلما فعلوا حين تولّى الطّائع لله الخلافة[67].
كما أشار الصّاحب في إحدى رسائله إلى أنّ الرّوم قد طلبوا الهدنة من عضد الدّولة[68]، وقد يدلّ ذلك على تعاظم قوّة هذا الأمير البويهيّ في تلك الفترة، ممّا أخاف البيزنطيّين الذين كانوا يعيشون آنذاك فترة نزاع على العرش[69].
ومن ناحية أخرى فقد اكتسبت رسائل الصّاحب بن عبّاد الدّيوانيّة أهمّيتها التّاريخيّة انطلاقا ممّا تضمّنته من معلومات مختلفة عن التّنظيمات الإداريّة والماليّة وعن سياسة الرّعيّة في الدّولة البويهيّة. ويتجلّى ذلك خاصّة من خلال ما كان يكتبه الصّاحب من عهود باسم أميره إلى الولاّة والقضاة وغيرهم من الحكّام والعمّال في الدّولة. وبفضل هذه العهود نتبيّن مهام مختلف أولئك الموظّفين والشّروط التي يجب توفّرها فيهم لتولّي تلك المناصب، ونتبيّن كذلك ما كانوا يتلقّونه من أوامر تهمّ عديد المسائل المرتبطة بإدارة أمور البلاد والعباد.
ويمكننا الوقوف على بعض الأمثلة من هذه العهود ودراسة مضامينها. ولعلّ من أهمّها عهدين كان قد وجّههما الصّاحب باسم أميره مؤيّد الدّولة إلى عبد الجبّار بن أحمد قاضي قضاة الدّولة، وقد ولي هذا القاضي القضاء بالرّي وما يدخل تحت حكم مؤيّد الدّولة من البلاد، وقد أضيف إلى أعماله – على ما يظهر في إحدى الرّسالتين – جرجان وطبرستان بعد فتحهما. ونرى الصّاحب يأمره مثلاً باتّباع الكتاب والسّنّة والإجماع ثمّ القياس، ويأمره أن لا يأخذ بالآراء الشّاذّة وأن لا ينقُض حكم من سبقه من القضاة، وأن يعدل بين الخصوم. كما أمره كذلك بأن يختار القضاة لخلافته على قضاء البلدان المقرّرة في يده – وقد وقع ذكرها في العهد – وأن يختار كتّابه. وأمره بأن يُنصّب لحفظ السّكك في دور الضّرب أمناء يحرسون العيار. وأكّد أيضا على ضرورة الاهتمام بشأن الأوقاف وحفظ حقوقها من أيدي الحيف والجور. إضافة إلى عديد التّوصيّات المرتبطة بحسن معاملة الرّعيّة[70]. وقد تعطينا مثل هذه العهود فكرة عن مهام القضاة خلال العهد البويهيّ، وعن كيفيّة النّظر بالدّعاوى وعن مساعدي القاضي والشّهود وعن كيفيّة معاملة الخصوم[71].
كما ورد في رسائل الصّاحب أيضا عهد في الحسبة ومن خلاله نقف على صفة المحتسب وعلى شروط اختياره، حيث ينبغي أن يكون من الفقهاء وأن يتميّز بعلمٍ واسعٍ. ونطّلع كذلك على مجمل الأعمال والمهام المسندة إلى المحتسب. فقد كان له مثلاً إلى جانب مراقبة الأسواق وما تعلّق بها من مكاييل وموازين وسلع وغيرها، حقّ الحبس والتّأديب[72].
وتضمّنت هذه الرّسائل كذلك عهودا وجّهت إلى الولاّة، كالعهد الذي وجّهه إلى أبي منصور بن كوريكنج صاحب قزوين وقد ولاّه مؤيّد الدّولة أعمال الصّلاة والحرب والأحداث والمعاون وسائر وجوه الجبايات في هذه النّاحية. وتعدّدت الأوامر التي يوردها الصّاحب في هذا العهد. ومن ورائها نعرف سياسة بني بويه في معاملة الرّعيّة، وما يضعونه من شروط وضوابط لولاّتهم وحكّامهم تنفيذًا لتلك السّياسة في المعاملة وفي تسيير شؤون ولاياتهم. ونذكر من بين هذه الأوامر تلك المتعلّقة بإشاعة العدل بين النّاس، وبالأمن وحماية الطّرقات من أهل العيث والفساد، وبجباية الضّرائب وعدم التّعسّف في جمعها من دافعيها، مسلمين كانوا أو أهل ذمّة[73]. وقد تكرّرت مجمل هذه الأوامر في عهود أخرى وجّهت لولاّة وحكام آخرين عند توليتهم لنواحيهم، مثل محمّـد بن أحمد الكاتب الذي قلّده القمدان، أو إبراهيم بن محمـّد الحاجب الذي تولّى الرّاروقريذين أو الحسين بن هارون الذي قلّد الخراج بأصفهان[74].
إذن لقد تعدّدت مظاهر اهتمام البويهيّين بمختلف الجوانب الإداريّة والاقتصاديّة في رسائل الصّاحب الدّيوانيّة، كما تعدّدت الأوامر والوصايا إلى موظّفيهم وحكّامهم في الكثير من هذه الرّسائل، مثل تلك التي كانت تهتمّ مثلا بتنظيم أمور الضّياع والمزارع، وأمور الإقطاعات والضّمانات، وأمور التّجارة والقوافل، وبأمر الثّغور وحمايتها، وكذلك بالمسائل الجبائيّة والماليّة للدّولة. وتتنوّع الأمثلة عن الرّسائل والمناشير والتّواقيع المتعلّقة بهذه المسائل الإداريّة أو غيرها. وكان البويهيّون حريصين أشدّ الحرص على حسن سير دواليب دولتهم السّياسيّة والإداريّة والاقتصاديّة، ويكرهون أن يحدث خلل في إحدى هذه المسائل وما قد ينجرُّ عنه من فتن وأخطار. فكانوا بذلك يشدّدون على ولاّتهم وموظّفيهم وعمّالهم في النّواحي على ضرورة حسن التّنظيم وتلافي الاختلال، وكذلك على ضرورة إلمامهم بكلّ صغيرة وكبيرة. وفي هذا الشّأن يذكر الصّاحب في إحدى رسائله إلى عامل ناحية قوله: “وعرّفني ما تأتيه وقتًا وقتًا، وتدبّره أمرًا أمرًا، وقد كفاني ما أخبرتني به في اختلال الأمور، واضطراب الشّؤون، فاجعل آنف ما تخاطب به بذكر ما تستصلحه وتستدركه، وتتلافاه وتنظّمه، إن شاء الله العزيز“[75].
4- الخاتمة:
في الختام يمكن القول إنّه من خلال مثال الصّاحب بن عبّاد – هذا الكاتب الأديب والكاتب الوزير والكاتب القائد – يمكننا الوقوف على منزلة الكتاب الإداريّين في العهد البويهيّ، وما أصبحوا عليه من تنفّذ وتسلّط في ظلّ هذه الدّولة العسكريّة، خاصّة خلال النّصف الأوّل من عمرها، حتّى أنّهم تدخّلوا في شؤون الحكم، بل وشاركوا الجند في السّلطة. فاضطلع بذلك الكتّاب بدور بارز في سياسة البلاد، ويتجلّى هذا من خلال ما كتبوه من رسائل ديوانيّة ذات قيمة. كما عكست هذه الرّسائل تطوّر الكتابة الدّيوانيّة في العصر البويهيّ من النّاحية الفنّية واللّغويّة والأسلوبيّة، وكذلك من خلال ما تضمّنته من مضامين وموضوعات مختلفة عن السّياسة والإدارة والاقتصاد والمجتمع في ذلك العصر. وبذلك فهذا النّموذج لا يعكس فقط المكانة التي حظيت بها فئة الكتّاب في الدّولة البويهيّة، بل كذلك ما شهدته صناعة الكتابة الدّيوانيّة بصفة عامّة من تطوّر وازدهار خلال ذلك العصر.
قائمة المصادر والمراجع:
المصادر:
- التّوحيدي (أبو حيّان علي بن محمّـد) (414 هـ/ 1023 م): أخلاق الوزيرين (مثالب الوزيرين الصّاحب بن عبّاد وابن العميد)، تحقيق محمّـد بن تاويت الطّنجيّ، دار صادر، بيروت، 1992.
- الثّعالبي (أبو منصور عبد الملك) (ت 429 هـ/ 1037 م): يتيمة الدّهر في محاسن أهل العصر، تحقيق محمّد محي الدّين عبد الحميد، ط2، مطبعة السّعادة، القاهرة، 1956.
- ابن الجوزي (أبو الفرج عبد الرّحمان) (ت 597 هـ/ 1200 م): المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، تحقيق محمّد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، مراجعة نعيم زرزور، ط1، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1992.
- ابن خلكان (أبو العبّاس شمس الدّين أحمد) (681 هـ/ 1282 م): وفيّات الأعيان وأنباء أبناء الزّمان، تحقيق محمّـد محي الدّين عبد الحميد، ط1، مكتبة النّهضة المصريّة، القاهرة، 1948.
- الرّوذراوري (أبو شجاع ظهير الدّين) (ت 488 هـ/ 1095 م): ذيل كتاب تجارب الأمم، تحقيق (هـ، ف) آمدروز، طبعة شركة التّمدّن الصّناعيّة بمصر، 1916.
- السّبكيّ (تاج الدّين أبو نصر) (ت 771 هـ/ 1370 م): طبقات الشّافعيّة الكبرى، تحقيق محمود محمّد الطّناحي وعبد الفتّاح محمّـد الحلو، ط1، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاؤه، 1967.
- ابن عبّاد (الصّاحب): رسائل الصّاحب بن عبّاد، تحقيق عبد الوهاب عزّام وشوقي ضيف، دار الفكر العربيّ، ط1، القاهرة، 1947.
- مسكويه (أبو علي أحمد) (ت 421 هـ/ 1030 م): تجارب الأمم وتعاقب الهمم، تحقيق (هـ ف) آمدروز، مطبعة شركة التّمدّن الصّناعيّة بمصر، 1914 – 1915.
- ياقوت (شهاب الدّين الحمويّ) (ت 626 هـ/ 1229 م): معجم الأدباء (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب)، تحقيق إحسان عبّاس، ط1، دار الغرب الإسلاميّ، بيروت، 1993.
المراجع باللّغة العربيّة:
- التّواتي (مصطفى): المثقّفون والسّلطة في الحضارة العربيّة (الدّولة البويهيّة نموذجا)، منشورات المعهد العالي للّغات، جامعة تونس1، 1999.
- الحاج حسن (حسين): أعلام في النّثر العبّاسيّ، المؤسّسة الجامعيّة للدّراسات والنّشر والتّوزيع، ط1، بيروت، 1993.
- ضيف (شوقي): الفنّ ومذاهبه في النّثر العربيّ، ط11، دار المعارف، القاهرة.
- منيمنة (حسن): تاريخ الدّولة البويهيّة السّياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ والثّقافيّ (مقاطعة فارس)، الدّار الجامعيّة، 1987.
المراجع باللّغة الأجنبيّة:
- Cahen (Claude): «Buwayhides ou Buyides», in Encyclopédie de l’Islam : Nouvelle édition (EI²), tome : I, pp 1390 – 1397.
- Donohue (John): The Buwayhid dynasty in Iraq 334 H./945 to 403 H./1012: shaping institutions for the future, Brill Leiden – Boston, 2003.
- Minorsky (V): La domination des dailamites, publication de la société des études iraniennes et de l’art persan, n°3, Librairie Ernest Leroux, Paris, 1932.
[1]– امتدّت الفترة البويهيّة من سنة 334هـ/ 945م إلى سنة 447هـ/ 1055م، وقد تمكّن خلالها أمراء الأسرة البويهيّة -أصحاب الأصول الدّيلميّة- من الاستبداد بالسّلطة والتّحكّم في الخلافة العبّاسيّة، واستطاعوا بذلك بناء دولتهم وإرساء نظمها. وقد امتدّ مجال حكم البويهيّين ليشمل العراق وبلاد فارس وإقليم الجبال. وللتّوسّع أكثر في تاريخ الدّولة البويهيّة وأمرائها، انظر:
– Donohue (John), The Buwayhid dynasty in Iraq 334 H./945 to 403 H./1012: shaping institutions for the future, Brill Leiden Boston, 2003; CAHEN (Claude), «Buwayhides ou Buyides», in Encyclopédie de l’Islam: Nouvelle edition (EI²), tome: I, Pp. 1390 -1397.
[2]– انظر التّرجمة المفصّلة للصّاحب بن عبّاد: الثّعالبي (أبو منصور عبد الملك) (ت 429هـ/ 1037م): يتيمة الدّهر في محاسن أهل العصر، تحقيق محمّد محي الدّين عبد الحميد، ط2، مطبعة السّعادة، القاهرة، 1956. ج3، ص192 – 256؛ ياقوت (شهاب الدّين الحمويّ) (ت 626هـ/ 1229م)، معجم الأدباء (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب): تحقيق إحسان عبّاس، ط1، دار الغرب الإسلاميّ، بيروت، 1993. ج2، ص662 – 721؛ ابن خلكان (أبو العبّاس شمس الدّين أحمد) (681هـ/ 1282م): وفيّات الأعيان وأنباء أبناء الزّمان، تحقيق محمّد محي الدّين عبد الحميد، ط1، مكتبة النّهضة المصريّة، القاهرة، 1948، ج1، ص206 – 210.
[3]– ابن عبّاد (الصّاحب): رسائل الصّاحب بن عبّاد، تحقيق عبد الوهاب عزّام وشوقي ضيف، دار الفكر العربيّ، ط1، القاهرة، 1947. وقد حُقّق هذا الكتاب انطلاقًا من نسخة كُتبت في القرن السّادس للهجرة، فرغ من كتابتها ابن الشّصّاص البغداديّ في سنة 557هـ/ 1161م. وهذه النّسخة لا تتضمن رسائل الصّاحب كلّها، فهي مختارات منها، وردت مرتّبة على أبواب، بلغت 20 بابًا، تضمّن كلُّ منها عشر رسائل.
[4]– الثّعالبي: يتيمة الدّهر، ج3، ص192-193؛ ياقوت الحموي: معجم الأدباء، مصدر سابق، ج2، ص663–667-698.
[5]– ابن الجوزيّ (أبو الفرج عبد الرّحمان) (ت 597هـ/ 1200م): المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، تحقيق محمّد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، مراجعة نعيم زرزور، ط1، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1992، ج14، ص377.
[6]– ياقوت الحمويّ: معجم الأدباء، مصدر سابق، ج2، ص663.
[7]– التّواتي (مصطفى): المثقّفون والسّلطة في الحضارة العربيّة (الدّولة البويهيّة نموذجا)، منشورات المعهد العالي للّغات، جامعة تونس1، 1999، ج1، ص262.
[8]– الثّعالبي: يتيمة الدّهر، مصدر سابق،ج3، ص192؛ ياقوت الحمويّ، معجم الأدباء، مصدر سابق، ج2، ص693.
[9]– التّواتي (مصطفى): المثقّفون والسّلطة في الحضارة العربيّة، مرجع سابق، ج1، ص183.
[10]– Minorsky (V), La domination des dailamites, publication de la société des études iraniennes et de l’art persan, n°: 3, Librairie Ernest Leroux, Paris, 1932. p 4.
[11]– التّواتي (مصطفى)، المثقّفون والسّلطة في الحضارة العربيّة، مرجع سابق، ج1، ص146.
[12]– المرجع نفسه، ج1، ص179.
[13]– ابن عبّاد (الصّاحب)، رسائل، مصدر سابق، ص224.
[14]– التّوحيدي (أبو حيّان علي بن محمّد) (414هـ/ 1023م)، أخلاق الوزيرين (مثالب الوزيرين الصّاحب بن عبّاد وابن العميد)، تحقيق محمّد بن تاويت الطّنجيّ، دار صادر، بيروت، 1992، ص81.
[15]– التّواتي (مصطفى)، المثقّفون والسّلطة في الحضارة العربيّة، مرجع سابق، ج1، ص185- 186.
[16]– مسكويه (أبو علي أحمد) (ت 421هـ/ 1030م)، تجارب الأمم وتعاقب الهمم، تحقيق (هـ ف) آمدروز، مطبعة شركة التّمدّن الصّناعيّة بمصر، 1914 – 1915، ج2، ص98.
[17]– التّواتي (مصطفى)، المثقّفون والسّلطة في الحضارة العربيّة، مرجع سابق، ج1، ص202.
[18]– ياقوت الحموي، معجم الأدباء، مصدر سابق، ج2، ص663.
[19]– منيمنة (حسن)، تاريخ الدّولة البويهيّة السّياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ والثّقافيّ – مقاطعة فارس-، الدّار الجامعيّة، 1987، ص225.
[20]– ياقوت الحموي، معجم الأدباء، مصدر سابق، ج2، ص664.
[21]– ابن الجوزيّ، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، مصدر سابق، ج14، ص301.
[22]– التّواتي (مصطفى)، المثقّفون والسّلطة في الحضارة العربيّة، مرجع سابق، ج1، ص201.
[23]– مسكويه، تجارب الأمم، مصدر سابق، ج2،ص271-273، 279، 301-303..
[24]– المصدر نفسه، ج2، ص129-131.
[25]– الرّوذراوري (أبو شجاع ظهير الدّين) (ت 488هـ/ 1095م)، ذيل كتاب تجارب الأمم، تحقيق (هـ، ف) آمدروز، طبعة شركة التّمدّن الصّناعيّة بمصر، 1916. ص163-165. ويندرج كلّ ذلك في إطار مجموعة من الحروب والنّزاعات الدّاخليّة التي كانت تنشب من حين لآخر بين الأمراء البويهيّين.
[26]-ابن الجوزيّ، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، مصدر سابق، ج14، ص375.
[27]– ياقوت الحموي، معجم الأدباء، مصدر سابق، ج2، ص692- 693.
[28]– التّواتي (مصطفى)، المثقّفون والسّلطة في الحضارة العربيّة، مرجع سابق، ج1، ص200- 201.
[29]– الرّوذراوري، ذيل كتاب تجارب الأمم، مصدر سابق، ص94-95.
[30]– التّواتي (مصطفى)، المثقّفون والسّلطة في الحضارة العربيّة، مرجع سابق، ج1، ص200.
[31]– مسكويه، تجارب الأمم، مصدر سابق، ج2، ص98.
[32]– ابن عباد (الصاحب)، رسائل، مصدر سابق، ص60.
[33]– المصدر نفسه، ص53.
[34]– المصدر نفسه، ص39.
[35]– المصدر نفسه، ص53.
[36]– المصدر نفسه، ص3.
[37]– المصدر نفسه، ص22.
[38]– المصدر نفسه، ص29.
[39]– ابن عباد (الصاحب)، رسائل، مصدر سابق، ص41.
[40]– المصدر نفسه، ص60-61، 63- 66.
[41]– المصدر نفسه، ص69- 71- 209.
[42]– التّواتي (مصطفى)، المثقّفون والسّلطة في الحضارة العربيّة، ج1، ص272-273. وفيما يخصّ تعريفات مذهب التّصنيع وأبرز تطوّراته، انظر أكثر: ضيف (شوقي)، الفنّ ومذاهبه في النّثر العربيّ، ط11، دار المعارف، القاهرة، ص194–225؛ الحاج حسن (حسين)، أعلام في النّثر العبّاسيّ، المؤسّسة الجامعيّة للدّراسات والنّشر والتّوزيع، ط1، بيروت، 1993، ص151– 155.
[43]– التّواتي (مصطفى)، المثقّفون والسّلطة في الحضارة العربيّة، مرجع سابق، ج1، ص273.
[44]– التّوحيدي، أخلاق الوزيرين، مصدر سابق، ص124.
[45]– المصدر نفسه، ص139- 376- 377.
[46]– ضيف (شوقي)، الفنّ ومذاهبه في النّثر العربيّ، مرجع سابق، ص215.
[47]– المرجع نفسه، ص216.
[48]– انظر: الثّعالبي، يتيمة الدّهر، مصدر سابق، ج3، ص198.
[49]– وقد يعكس هذا الميل إلى الإغراب والمبالغة، إقبال النّاس آنذاك على كلّ ما هو عجيب وغريب في كلّ شيء، وقد يترجم أيضا الميل إلى الإلغاز والتّلاعب بالكلام ما كان شائعًا بين النّاس وقتها من هوس بالمناظرات والمجادلات وغيرها. انظر: التّواتي (مصطفى)، المثقّفون والسّلطة في الحضارة العربيّة، مرجع سابق، ج1، ص275.
[50]– فعلى سبيل المثال كان توقيعه على إحدى رسائله في شكل حرف واحد، فكان عبارة على ” ألف واحدة وكان في الرّقعة “. انظر: الثّعالبي، يتيمة الدّهر، مصدر سابق،ج3، ص199.
[51]– السّبكي (تاج الدّين أبو نصر) (ت 771 هـ/ 1370 م)، طبقات الشّافعيّة الكبرى، تحقيق محمود محمّد الطّناحي وعبد الفتّاح محمّد الحلو، ط1، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاؤه، 1967، ج5، ص122. وقد نلاحظ هذا الأمر لدى بعض الكتّاب الآخرين آنذاك، حيث روى الثّعالبي مثلاً أنّ بديع الزّمان الهمذانيّ “كان يكتب الكتاب المقترح عليه فيبتدئ بآخر سطر منه، ثمّ هلمّ جرّا إلى الأوّل ” .يتيمة الدّهر، مصدر سابق، ج4، ص256.
[52]– ابن عبّاد (الصّاحب)، رسائل، مصدر سابق، ص80. و “الإصفهبذ”: هو لقب أمراء طبرستان.
[53]– ضيف (شوقي)، الفنّ ومذاهبه في النّثر العربيّ، مرجع سابق، ص217.
[54]– المرجع نفسه، ص227.
[55]– التّواتي (مصطفى)، المثقّفون والسّلطة في الحضارة العربيّة، مرجع سابق، ج1، ص274- 275.
[56]– الثّعالبي، يتيمة الدّهر، مصدر سابق، ج3، ص194 ؛ ياقوت الحموي، معجم الأدباء، مصدر سابق، ج2، ص701.
[57]– الحاج حسن (حسين)، أعلام في النّثر العبّاسيّ، مرجع سابق، ص155.
[58]– ضيف (شوقي)، الفنّ ومذاهبه في النّثر العربيّ، مرجع سابق، ص227.
[59]– ياقوت الحموي، معجم الأدباء، مصدر سابق، ج2، ص697.
[60]– حيث سرد كيف أنّ عضد الدّولة – الذي كان يتولّى آنذاك أمر بلاد فارس ومناطق أخرى – قد استولى أثناء تلك الحرب على العراق وافتكّها نهائيًّا من يد بختيار سنة 367هـ/ 977م. انظر: ابن عبّاد (الصّاحب)، رسائل، ص19-21.
[61]– ابن عبّاد (الصّاحب)، رسائل، مصدر سابق، ص21.
[62]– المصدر نفسه، ص3-8.
[63]– المصدر نفسه، ص5.
[64]– منيمنة (حسن)، تاريخ الدّولة البويهيّة، مرجع سابق، ص136.
[65]– ابن عبّاد (الصّاحب)، رسائل، مصدر سابق، ص12-13.
[66]– المصدر نفسه، ص23-28.
[67]– المصدر نفسه، ص24- 25.
[68]– المصدر نفسه، ص10.
[69]– منيمنة (حسن)، تاريخ الدّولة البويهيّة، مرجع سابق، ص137.
[70]– انظر : ابن عبّاد (الصّاحب)، رسائل، مرجع سابق، ص34-39، 42-46.
[71]– منيمنة (حسن)، تاريخ الدّولة البويهيّة، مرجع سابق، ص246.
[72]– انظر : ابن عبّاد (الصّاحب)، رسائل، مصدر سابق، ص39- 40- 41.
[73]– المصدر نفسه، ص46 – 50.
[74]– المصدر نفسه، ص53 – 58. (“القمدان” و”الرّاروقريذين” وردتا هكذا في النّص الأصليّ)
[75]– المصدر نفسه، ص209.