ملخّص:
كانت هناك اختلافات جوهريّة في روما القديمة بين ديانات الذكور والإناث. وتتجلى ملامحها في الدور الذي تلعبه الحيوانات، فيعتبر الحيوان في الطوائف الذكورية وسيطًا بين البشر والآلهة. فهو وإن كان ينقل الإرادة الإلهية، يبقى مجرّد وسيلة اتصال. أمّا في دين الأنثى، فيختلف إذ يجسد المقدس. تتجلى الآلهة الأنثوية في ما يمكن أن نسميه “عيد الغطاس” الحيواني أو النباتي أو حتى المعدني. تظهر في مهرجان بونا ديا الكرمة والثعبان في الأسطورة وفي العبادة، ويربط مهرجان نونيس كابروتين، بين الماعز وشجرة التين، وهما مهرجانان يوضحان جيدًا هذا المفهوم لعلاقة الحيوان بالمقدس. تطرح أسطورة ميلاد رومولوس مشكلة خاصّة من خلال إشراك نقار الخشب جنبًا إلى جنب مع الذئب الرضيع، وربط حيوان إله الحرب بألوهية الأم المتجسدة في الذئب.
الكلمات المفاتيح: الدين الروماني، حيوان، مقدّس، طقوس، أعياد، أساطير.
Abstract:
There were fundamental differences in ancient Rome between male and female religions. Its originality is manifested in the role played by the animals. In male cults, the animal is an intermediary between men and the gods. Even if it transmits divine will, it is only a means of communication. In female religion, on the contrary, it embodies the sacred. Feminine deities manifest themselves in what we could call animal, vegetable or even mineral “epiphanies”. The festival of Bona Dea, where the vine and the serpent appear both in myth and in worship, and that of the Nones Caprotines, which associates the goat and the fig tree, well illustrate this conception of the relationship of the animal with the sacred. The myth of the birth of Romulus poses a particular problem by involving a woodpecker alongside the nursing wolf, associating the animal of the god of war with the maternal divinity incarnated by the she-wolf.
Keywords: Roman religion, animal, sacred, rituals, holidays, myths.
1- مقدمة:
لقد تمت دراسة مكانة الحيوانات في الحضارة الرومانيّة من وجهات نظر مختلفة[1] وبطبيعة الحال، فإن دورهم ليس هو نفسه في المجال الدينيّ، كما هو الحال في الحياة الخاصة. نحن على دراية خاصّة بالدين الذكوري حيث يلعب الحيوان دورًا رائدًا لأنّ التضحية بالدم عنصر أساس في الطقوس. ولكن كانت هناك أيضًا آلهة أنثوية، وهي طوائف تحتفل بها النساء. هدفي هنا هو محاولة مقارنة دور الحيوانات في الدين الأنثوي مع ما تلعبه في الدين الذكوري. وسنرى أنّ هذا التشابه يكشف مدى اختلاف مفاهيمهم عن علاقات الإنسان مع الإله.
2- الحيوانات في دين الذكور:
يعتبر طقس التضحيّة أحد الطقوس الأساس للدين القديم بشكل عام والدين الروماني بشكل خاص. ويتمثّل هذا طقس في تقديم قربان للآلهة من منتجات الأرض، والزهور، والفواكه وما إلى ذلك. وعندما يتعلق الأمر بالحيوان، فإنّه يتمّ تكريسه مسبقًا بمولا صالصا) (mola salsa[2]. وهي مادة ترشّ عليه قبل ذبحه. وبعد ذلك يتم تقسيمها بين اللحم الذي يأكله المؤمنون، والإكستا (الفريزر) الذي يشكل نصيب الإله ويحرق على المذبح[3]. يحافظ الإنسان على قوّة الإلّه من خلال “إطعامه” ومشاركته هذه القوّة من خلال الضحية المكرّسة. لكنّ البشر والآلهة يظلان منفصلين، فلا يأكلون القطع نفسها، ولا يأكلون معًا: تظل الحدود بينهما ثابتة. تميل الأبحاث الحديثة الآن إلى التركيز على طرائق محددة أكثر من التركيز على النظرية العامة[4]. لكنّ آليّة التضحيّة تظل هي تلك التي أبرزها موس (Mauss)في نهاية القرن التاسع عشر[5] وقد لخّص الباحث جون بيار فرنون (Jean Pierre Vernant) بوضوح هذا المبدأ في قوله: “إن من مميزات الذبيحة إذن أنّها تتمّ بين ثلاث فترات، حيث يكون الشيء المكرّس بمثابة وسيط بين المضحي والإله“[6].
تعتبر الذبيحة وسيلة بسيطة للتواصل بين الإنسان والإله. ويمكنها أن تخدم العلاقة بين البشر والآلهة بطريقة أخرى: فهي تنقل الإرادة الإلهيّة إلى الإنسان. وبذلك فإنّ التضحيّة تسمح للمرء باستشارة الإله من خلال مراقبة حالة الانتشاء، تبنّت روما هذه التقنيّة من إتروريا ولا يزال المتخصصون الأتروسكانيون يمارسونها.
يعتبر كبد الحيوان نوعًا من العالم المصغر الذي عرفوا كيفية فكّ شفرته، ويتجلّى ذلك في الكبد البرونزي الشهير لبليزانس والمقسّم إلى مناطق أسطورية. وبالتالي فإنّ الذبيحة ليست سوى مرآة خاملة للفكر الإلهي. هناك أسلوب آخر لاستشارة الآلهة وهو auspicine (كلمة مكونة من الجذر spec/spic، للنظر، وكلمة auis، الطائر). يتألف هذا النظام الروماني من مراقبة الطيور في فضاء سماوي محدّد، وهو التيمبلوم، لترجمة الإشارات التي ترسلها الآلهة وفقًا لطبيعة الطيور، وعددها، وصياحها واتجاه طيرانها. وقد تخصصت مجموعة من الكهنة البشيرين في هذا العلم الذي كان يخضع لقواعد صارمة في الملاحظة والصياغة والتفسير. فكان أيّ عقد لمجلس الشيوخ، أو أيّ تجمع للشعب يستوجب الحصول على موافقة مسبقة. وفي حالة الحرب كان مطلوبًا من الجنرال استشارة الآلهة قبل خوض المعركة. وللقيام بذلك، تتمّ ملاحظة سلوك الدجاج المقدس الذي يتمّ نقله في أقفاص. لقد كان دور الطيور الميمونة أكثر نشاطًا من دور القرابين، إذا اعتبرنا أنّها رسل الآلهة، فإنّ دورها يقتصر هنا أيضًا على كونها وسيطا مسؤولا لنقل الرسالة، أي الإرادة الإلهية للرجال، كما ينقل الساعي أوامر الجنرال إلى الضباط.
وينطبق الشيء نفسه عندما ترسل الآلهة تلقائيًا إشارات إلى البشر ( نحن نسمّي هذه الأحداث غير العادية بالمعجزات) تتجلّى في بعض المظاهر الحيوانية: ذئب يقتحم معسكرًا، وثور يصعد إلى أعلى مبنى، وأنثى تلد في معبد، كلّها تحذيرات يجب على الرجال أن ينتبهوا إليها، لذلك يتطلب الأمر كلّ مهارة الكهنة المتخصّصين في تفسير لغة الآلهة، والبشائر، والهاروسبيس، وdecemuiri sacris faciundis (مجموعة من عشرة كهنة مكلّفين بحلّ المشكلات الدينية الاستثنائية) لاقتراح الطقوس التكفيرية التي ستعيد تأسيس السلام. deorum (الاتفاق الجيد مع الآلهة).
يعتبر الحيوان في جميع الأحوال أداة تتيح للإنسان التواصل مع الآلهة، ويمكن استخدامه من قبل الرجال أو الآلهة ولكن مع ذلك يبقى دون قيمة مقدسة في حدّ ذاته. وهنا نتساءل عن الممارسات الدينية للمرأة؟
3- الحيوانات في دين المرأة:
لا تهتمّ النساء باستشارة الإرادة الإلهيّة من خلال مراقبة الطيور، أو فكّ رموز القربان، أو تفسير المعجزات المقدمة من الحيوانات، لأنّ هذا الأمر موكول إلى الرجال فقط، سواء كانوا يبشرون أو هاروسبيس أو ديسيمفيرس[7]، فهم المرخص لهم رسميًا ترجمة الرسالة الإلهية. فهل كانت طقوس القرابين خاصّة بالجنس الذكوريّ؟ ذهب بعض العلماء إلى أنّه لم يُسمح للنساء بتقديم التضحيات بالدم، ونذكر في هذا السياق أوليفييه دي كازانوفOlivier de Cazanove) )[8] أوّل من صرَّح بهذه النظرية، وتلاه عدد من العلماء، مثل جون شيد (John Scheid) الذي طوّر مساهمته في دراسة تاريخ المرأة في الغرب:” عجز التضحية لدى النساء. »[9].
وقد انتقدت ريبيكا فليمنج( Flemming Rebecca ) هذه الأطروحة[10]،فذهب إلى أنّه لا يوجد نقص في التضحيات الدموية التي تقدمها النساء، فإضافة إلى عذارى فيستال اللاتي شاركن من بين أخريات في تضحية فورديسيديا في أبريل وذلك على شرف كونسوس في أغسطس[11]. كما يمكننا أن نذكر أمثلة Regina Sacrorum وFlaminica Dialis اللاتي ضحين بخنزيرة لجونو في كلّ التقويمات[12] والأخرى بكبش لكوكب المشتري لجميع النونيديين[13] .
استخدمت فلامينيكا (Flaminica)مثل الفلامينات والباباوات وعذارى فيستال سكين القرابين الطقسية، سيسيسبيتا[14]. لذلك فهي صفة للكهنة على السواء، دون تمييز بين الجنسين. يدرك كازانوف وشيد ذلك ويحاولان تبرير ما يعتبرانه استثناءات، إمّا من خلال الأصل الأجنبي للطوائف المعنيّة، أو من خلال وضع الكاهنات: تتمتع عذراء فيستال بوضع جنسي غامض ولا وظيفة لامينيكا دياليس فيه. وما هي إلاّ نتيجة طبيعيّة لزوجها. وبيّنت أن هذه الحجج لم تكن صالحة[15]. لذلك لم تُمنع النساء من تقديم التضحيات الدموية، فيمكنهنّ أيضًا التضحية بحيوان للآلهة، فيتمّ على سبيل المثال في مهرجان جونو في فاليريس جلب القرابين المتمثلة في بقرات بيضاء، في موكب إلى الغابة المقدسّة حيث يقع مذبح الإلهة[16]. وبشكل عامّ، كان يجب أن يكون جنس الضحية من جنس الآلهة نفسها التي وُجهت إليها الذبيحة، فعندما يتعلق الأمر بطقوس الخصوبة، تتم التضحيّة بالأنثى الحامل، عملاً بمبدأ القياس. لكنّ ممارسة التضحيّة بالدم هي طقوس مشتركة بين كلّ المجتمع الأبوي. فالكاهنات اللواتي ذكرتها ينتمين إلى دين الدولة، لذلك فإنّ هذه التضحيات النسائية لا تدخل في دراستنا: إن الدين الأنثوي البحت هو الذي يهمنا، لأنّ القرابين المخصّصة للآلهة هي في أغلب الأحيان الحبوب والفواكه والزهور. وعندما يظهر حيوان في الطقوس، لا تتمّ التضحية به، ليس لأنّ المرأة ليس لها الحق في التضحية، ولكن لأنّ الحيوان يُنظر إليه بطريقة مختلفة تمامًا، والأمثلة نادرة ولكنّها كاشفة.
4- بونا ديا والثعبان:
لنبدأ بعبادة بونا دياBona Dea [17] إنها عبادة غامضة والآلهة التي وجهت إليها الأضحيّة لم تكن أقلّ غموضا، وذلك لأنّنا لم نعرف اسمها الحقيقي، ففي ليلة 4 إلى 5 ديسمبر، تجتمع المربيات (ربات اليوت)[18] في منزل القنصل أو القاضي للاحتفال بالعيد – المعلومات التي لدينا حول ما حدث هناك هي بالضرورة مجزأة، لأنّ الرجال فقط هم الذين نقلوها إلينا، وكانوا ممنوعين من الحضور منعاً باتاً- ولاحظوا بشكل خاص ما بدا لهم غريبا فيما قيل عنه. كانت الغرفة مزينة بأوراق الشجر ولكن تمّ استبعاد الآس، ووضع غصن من الكرمة فوق تمثال الإلهة. كان هناك ثعبان في الغرفة، ربما تم إحضاره من المعبد حيث تعيش الثعابين المروضة. كانت النسوة يشربن الخمر، رغم أنّه لم يكن مسموحًا لهن شربه؛ وكانت المزهرية التي تحتوي هذا النبيذ مغطاة بحجاب واستخدمت الأسماء المضللة “الحليب” للخمر و”زهرية العسل” للوعاء. أخيرًا، كانت هناك الموسيقى والرقص، والترفيه الذي لا يليق بالسيّدة المحترمة والذي يرتبط بسلوك المحظيات.
كان من المفترض أن تكون الأسطورة المسببّة (التي تهدف إلى تبرير العبادة)، حيث تسمّي الآلهة الحيوانات مسؤولة عن كل هذه الألغاز. وقد عرفنا روايتين في هذا السياق. فقد كانت في الرواية الأولى عارضة أزياء لكنّها تشرب الخمر سرًا ويعاقبها زوجها فاونوس بجلدها بقضيب من الآس حدّ الموت. ولمّا شعر بالندم جعلها آلهة. وهي في الرواية الثانيّة، ابنة فاونوس قاومت تقدم والدها الّذي حاول عبثًا أن يسكرها ثم يجلدها بغصن الآس ولم يحقق أهدافه إلاّ من خلال اتخاذ شكل ثعبان. لم يتمّ التعبير عن النتيجة في الرواية الثانية، لأنّ المؤلف ذكر فقط العناصر التي تختلف عن الرواية الأولى؛ لذلك يجب أن نفترض أنّها متطابقة: بعد شرب الخمر، وضربها بغصن الآس و(في النسخة الثانية فقط) يخترقها ثعبان، تصبح فونا آلهة[19].
يعطي هذا التأليه النهائي مبرّرا لمعنى الاحتفال[20]. يمكننا من خلال الجمع بين العناصر المختلفة للأسطورة والطقوس إعادة بناء نمط طقسي، حيث يتمّ في مرحلة أولى إخفاء النبيذ واستبعاد الآس. ويكون الثعبان ممّا لا شكّ فيه غير مرئي، أي محبوس في سلّة. وفي اللحظة الحاسمة من الحفل يتمّ الكشف عن الحاوية استعدادًا لإراقة النبيذ. ثم يتمّ إعطاؤه اسمه الحقيقي. وتحت تأثير النبيذ تستطيع النساء بعد ذلك الغناء والرقص. هناك تشابه واضح مع الطقوس الديونيزية حيث يشرب الباشانيون الخمر المقدس لإله الخمر، مما يقودهم إلى الهذيان والعربدة، فيغنون ويرقصون ويضربون الأرض بثعابينهم ويلوحون بأنهّم “متحمّسون”: لقد دخل الله فيهم بالخمر الذي شربوه[21]. و بالطريقة نفسها، في مهرجان ديسمبر، تستحوذ الآلهة على السيدات على شكل النبيذ الذي يشربنه، فتتجلى هويّة الآلهة بالمشروب من خلال غصن الكرمة الموجود على تمثالها. إن الأسماء الزائفة التي تطلق على الخمر، “اللبن”، “العسل”، لها معنى رمزي، موجود في كثير من الحضارات: فهي تعني أنّه مشروب إلهي “يغذي” النساء بالقدسيّة. فهو الشراب الذي يدخلهنّ إلى حياة جديدة.
ثمّ تظهر عصا الآس، المستبعدة حتى ذلك الحين: الآلهة تخترق النساء في شكل نبات. ولكن سيقال إذا كانت الآلهة هي الكرمة فلا يمكنها أن تكون الآس أيضًا، خاصة وأنّ الأولى تبدو وكأنّها تستبعد الأخرى. ولفهم هذا التناقض الظاهر، لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار تاريخ المهرجان وطبيعة النبتتين المعنيتين. أقيم الحفل في ديسمبر فكان احتفالاً بنهاية العام، أي الاحتفال بوفاة العام الماضي مع عودة مؤقتة إلى الفوضى التي كانت قبل الحضارة، أي قبل ميلاد العام الجديد. كما هو الحال في طقوس الكرنفال التي تبعث الحياة في هذه الفوضى، تقوم السيدات في مهرجان بونا ديا بأشياء عادة ما تكون محظورة عليهن: شرب الخمر وممارسة الموسيقى والرقص. تم الاحتفال بالعيد ليلة 4 إلى 5 ديسمبر، أي في اليوم السابق للراهبات؛ أو تشير الأرقام إلى ظهور الربع القمري الأول[22] الذي يرمز إلى الولادة الجديدة بعد الموت التي تمثلها فترة القمر الجديد. هذا هو معنى وجود الآس في الأسطورة[23]. فهو دائمًا أخضر، وبالتالي خالد، يمنح حياة جديدة للكرمة التي تبدو ميتة في الشتاء، هذا هو معنى جلد الحيوانات التي، بعد موتها الرمزي (خاصية الأساطير والطقوس التأسيسية)، تتلقى حياة جديدة، إلهية منذ أن جعلها فاونوس آلهة. في طقوس شهر ديسمبر، يتم استبعاد الآس أولاً من الغرفة التي يتم الاحتفال فيها بالعيد، تمامًا كما يتم إخفاء النبيذ تحت الحجاب وتسميته بأسماء مستعارة، حتى اللحظة التي يتم فيها الكشف عن النبيذ واستهلاكه، يمكن أن يتم تناول الآس. ويدخلون بدورهم إلى مكان العبادة ويمنحون أيضًا حياة جديدة للمحتفلين؛ إنه شكل آخر من أشكال الحماس. لا أعتقد أن السيدات نفّذن عمليّة الجلد كما في الأسطورة: لا بد أنّ اتصالًا بسيطًا كان كافيًا لإدخال الحياة الإلهية الجديدة إليهن، تلك الحياة التي كان يحتويها الآس المقدس. وبالمثل، فإن الجنيّة سعيدة بلمس الشخص أو الشيء الذي ستقوم بتحويله بعصاها السحرية.
هذا التفسير لدور النبيذ والآس في الأسطورة وفي الطقس يلقي الضوء على دور الثعبان الذي له المعنى نفسه : فانسلاخ جلده يجعله- كما هو معروف- رمزًا للولادة الجديدة. مثل الخمر والآس، يُخفيان أولاً، ويُوضعان في سلة، ثم يظهران مثله: فبفتح السلة واختراق الحيوانات لها في الأسطورة، يمنحها حياة جديدة: ويجعلها آلهة. لا أعتقد في الطقوس أنّه كان هناك اختراق ولا جلد، ولكن بلا شك إيماءات رمزية مثل أخذ الثعبان في اليدين أو تحريكه على طول الجسم. وكما هو الحال مع الآس، فإن لمسة بسيطة تكفي لتمرير المقدس من الشخص الإلهي إلى الشخص البشري.
تم العثور على مثال يتعلّق بالعلاقة بين الآلهة الأنثوية والثعبان في عبادة جونو في Lanuvium[24] ، فقد تمّت ممارسة نوع من الاختبار هناك: كان على فتاة صغيرة النزول إلى الكهف حيث كان حيوان جونو. فإذا قبل الطعام الذي قدمته له ثبتت بكارتها وتأكدت خصوبة الحقول طوال السنة. وبعيدًا عن كونها أضحيّة مذبوحة للآلهة، فإن الحية هي الشكل الحيواني الذي تُظهر فيه نفسها: لها يُقدّم القربان فتستهلكه. فبدلاً من أن يتم ذبحه من خلال طقوس التضحية، كما هو الحال في التضحية بالدم في دين الذكور، يقدّم كما هو فيتغذى الحيوان به. ووجوده في كهف لا يخلو من أهمية أيضًا. يعتبر الثعبان من الحيوانات التلورية: فهو يعيش في أعماق الأرض. إنه الحيوان الرمزي للآلهة الأم العظيمة في العصور القديمة، وهو إله كثوني، لأن الأرض مصدر للخصوبة والحياة. ويتجلى في Lanuvium في كلّ من الشكل الحيواني والمعدني[25]. حتى لو كان الغرض من الطقوس ليس هو نفسه مهرجان بونا ديا، فإن المبدأ هو نفسه: الاتصال المباشر مع المقدس. تدخل الفتاة الكهف ويأتي الثعبان بنفسه ليأكل الطعام الذي تقدمه له. الكهف مثل الثعبان يجسد آلهة الأرض، مصفّفة كلّ الأشياء، وهي الوحيدة القادرة على نقل قوّتها في الخصوبة إلى البشر. لا تستطيع الفتاة أن “تمتص” هذه القوة الإلهية إلا إذا كانت عذراء. إنّها ليست خصبة في حدّ ذاتها: إنها وعد بالخصوبة. تم التحقق من صحة هذا الوعد بطريقة ما من خلال اتصالها بالحيّة المقدسة، وسيتم نقل هذا الوعد بواسطتها إلى المدينة بأكملها.
كانت لطقوس مهرجان ديسمبر قيمة تمهيدية: فقد أعطت النساء اللاتي احتفلن به حياة جديدة، حيث تقاسمن ألوهية بونا ديا بفضل الاتصال المتتالي لظهوراتها الثلاث: نبيذ الكرمة، وخشب الآس والثعبان المتجدد. تميل الألوهية الأنثوية إلى الظهور في الطبيعة بمظاهر متعددة. تظهر أيضًا شخصيتها المتقلّبة وقدرتها على نقل قواها الإلهية في عبادة أخرى لجونو.
5- جونو والعنزة في نونيز كابروتين:
كانت نونيز كابروتين[26] تمثّل طقوس الخصوبة. أخذت اسمها من تاريخ المهرجان الّذي يتمّ الاحتفال به في نهاية شهر يوليو على شرف جونو كابروتينا. الوصف الذي يصف كلاً من الآلهة ويوم المهرجان يتكون من كلمة كابر (التيس) أو كابرا (العنز). لا يوجد شيء بديهي يسمح لك بالاختيار بين الاثنين، فروابط جونو مع الماعز عديدة. مررت بمهرجان فاليريس حيث كان الأولاد الصغار يصطادون الماعز كلّ من وصل إليها فاز بالحيوان. يقدم الشاعر أوفيد معلومات شحيحة عن هذا السياق والطقوس حتى نتمكن من تفسيرها على وجه اليقين[27]. لكنّها تشير إلى وجود علاقة ما بين الإلهة والماعز.
لمزيد من التوضيح حول صورة جونو لانوفيوم نقف عند الوصف الّذي قدّمه سيسرون بدقة[28]، فمظهرها يشبه المحارب، وكانت تحمل درعًا ورمحًا وكانت ترتدي جلد الماعز. هناك تمثيلات رمزية لها[29] فيتمّ إلقاء جلد الماعز عموديًا على كتفيها مع ربط الأرجل الأمامية على صدرها والأخرى معلقة على كلّ جانب، ويشكل الرأس نوعًا من الخوذة فوق وجه الآلهة. يعطي كلّ ذلك انطباعًا بتماثل الآلهة مع الحيوان. لديها تشابه معين مع الآلهة اليونانيّة بأثينا، ذات المظهر المحارب وترتدي الدرع الشهير، وهو درع مصنوع من جلد العنز أمالثيا التي عُرفت في الأسطورة بكونها أرضعت كوكب المشتري عندما كان طفلاً. تُظهر الآلهتان رابطًا بين الألوهية الأنثوية ذات الجانب المحارب وسباق الكابري، ولكن دون استبعاد للوظيفتين التقليديتين للأنثى فهي إلى جانب كونها تلد الأطفال (حملت جونو لانوفيوم ألقاب كلّ من الأمّ والأم سوسبيتا الحامي) فهي تسهر على إطعامهم (إرضاع زيوس من العنزة أمالثيا)،كما تنسب إليهن وظيفة المحارب. بالنسبة إلى جونو كابروتين أيضًا، التي يشير لقبها إلى أن لها صلة بسباق الماعز، فإن هدف مهرجانها (القصة الأسطورية التي تبرر الطقوس) يكشف عن هذه الوظيفة المزدوجة للأنوثة، لأنّه يروي كيف أنقذت النساء روما من عدوّ خطير[30]. وكذلك الأمر في عالم الحيوان، تقوم الإناث بإطعام صغارها والدفاع عنها ضد كل الأخطار. وبالتالي فإن Juno des Nones Caprotines هو بلا شك جونو العنزة[31] ومثل أثينا التي تم استعارة درعها من الممرضة أمالثيا، فهي آلهة أم وحامية في الوقت نفسه.
يظهر أيضًا رابط آخر بين الماعز وجونو، بشكل غريب، في مهرجان لوبركاليا: في 15 فبراير، جاب اللوبيركس، الذي يستحضر اسمه اسم الإله الذئب (يُطلق على الذئب اسم الذئبة باللاتينية)،يجوب في المحتفلون المدينة وهم يرتدون مئزرًا بسيطًا؛ ويلوّحون بأحزمة مصنوعة مثل مئزرهم من جلد الذبيحة العنزة أو التيس[32] ويضربون كلّ ما صادفوه به. كانت لهذا الطقس في بداية العام وظيفة تطهيرية، كما يتضح من اسم الشهر، فبراير (شهر التطهير)، واسم الأشرطة، فبراير (أدوات التطهير). لقد كان الجلد الذي صنع منه مئزر وسياط Luperci يسمى أميكيلوم إيونونيس (Amiculum Iunonis)(ثوب جونو)[33]. على حد علمنا، ليست للإلهة أيّ صلة أخرى بلوبركاليا، فربما يرجع هذا الاسم ببساطة إلى التشابه بين الزي “الوحشي” لعائلة Luperci وملابس Juno of Lanuvium؛ لكنها تشير إلى وجود علاقة معروفة بين الآلهة وسباق الماعز.
أخيرًا، يُقال إنّ مهرجان Poplifugia، الذي يقام قبل مهرجان Nones Caprotines مباشرةً، في 5 يوليو، يحتفي بذكرى اختفاء رومولوس(Romulus) في مكان يُدعى Palus Caprae (مستنقع الماعز)[34]. وليس هذا بلا شك محض صدفة: إذ يشير القرب بين المهرجانين إلى وجود صلة بينهما، ويشير أيضًا إلى أن جونو من قبيلة نونيس كابروتين كان بالأحرى جونو مع العنزة وليس جونو مع التيس.
أدركنا من خلال عمل جيمس فريزر، الذي درس نونيس كابروتينس في تعليقه على كتابFastes لأوفيد، أنّ في اسم الآلهة والمهرجان إشارة إلى الكابوتين، وهي عمليّة تتكون من تعزيز إخصاب أنثى شجرة التين المزروعة بقرب شجرة التين البرية. وبالتالي، كان من الممكن اعتبار هذا بمثابة العنصر الذكوريّ الّذي يخصب الشجرة الأنثى، ومن هنا جاء تفسير عبارة caprificus على أنّها تتكوّن من “Caper و Ficus”: شجرة تين التيس وبذلك سيكون جونو هو الآلهة التيس. لكن كلمة caprificus ستكون حينها “وحشًا”، لأنها ستكون مذكرًا ومؤنثًا على حدٍ سواء، مثل هؤلاء المخنثين الذين اعتبرتهم روما بمثابة معجزة خطيرة بشكل خاص، ممّا أدّى إلى ظهور طقوس تطهيرية استثنائية. في الواقع، caprificus هي بالفعل كلمة مؤنثة، مثل جميع أسماء الأشجار، مما يوحي بأنها تربط شجرة التين بالعنزة وليس بالتيس. وحقيقة أن نسغها الأبيض، الذي استخدمته السيدات في طقوس نونيس كابروتين، كان يسمى “حليب شجرة التين” ويؤكّد أنّها كانت بالفعل، مثل جميع الأشجار، تعتبر أنثوية. وبالتالي فإن جونو ستكون الآلهة العنزة.
رغم اسم المهرجان ونعت الآلهة، وبغض النظر عن جنس الحيوان المعني، لم يظهر أيّ ماعز في طقوس نونيس كابروتين. ورد في الرواية أنّ ربّات البيوت اجتمعن تحت شجرة تين بريّة ومارسن الطقوس باستخدام غصن شجرة التين وعصارتها البيضاء. العنزة إذن موجودة ولكن فقط من خلال التسميات التي تجمع الشجرة والحيوان في كلمة واحدة. ولا نجد التضامن نفسه بين الحيوان والنبات إلا في عبادة بونا ديا. Caprificus موجود أيضًا في الأسطورة التي تبرر طقوس Nones Caprotines. بعد أن طالب الأعداء الذين يحاصرون روما بإرسال النساء الرومانيات إليهم كعرائس، ارتدى العبيد زي العرائس وذهبوا إلى معسكر العدو فقاموا بإسكارهم ثمّ تسلقت إحداهنّ، وتُدعى توتولا، شجرة تين برية لترسل علامة إلى الرومان باستخدام شعلة تخبرهم بإمكانيّة القدوم القضاء على الأعداء[35]. وأظهر بول دروسار(Paul Drossart)[36] أنّ صورة توتولا وهي ترفع شعلة في أعلى شجرة التين هي صورة إله القمر المتجسدة في الشجرة القمرية، أو شجرة الحياة، وفي ضوء النجم الذي تمثله الشعلة.
يجمع Caprificus بين وظيفتي الآلهة: ينقل في الطقس إلى الرئيسات قوة الآلهة المخصّبة وفي الأسطورة يدافع عنهن كما يشير اسم العبد الذي تصور الحيلة التي تهدف إلى إنقاذ الرئيسات من المصير الذي يخبئه لهم الأعداء.
تختلف شخصية جونو هذه، التي تجمع بين وظائف الخصوبة والحماية الحربية، تمامًا عن شخصية بونا ديا، لكنّها مثلها، تنقل قوتها المقدّسة من خلال عيد الغطاس الذي هو نباتي وحيواني: كابريفيكوس. في هذه الطقوس، من المحتمل أن يكون جزء من جسد المرأة قد تم فركه بخفة بحليب شجرة التين المقدسة ولمسه بأحد أغصانها. العملية الدينية متطابقة: تنتقل قوة الآلهة من الألوهية إلى المرأة من خلال الاتصال المباشر مع عيد الغطاس النباتي أو الحيواني.
6- الذئبة المغذيّة ونقار الخشب:
سيوضّح المثال الأخير وجود الحيوان في العالم الدينيّ الأنثويّ: ففي مجال أسطورة ميلاد مؤسس روما[37]، تذهب التقاليد بأنّه وأخيه وُلدا نتيجة اغتصاب إله الحرب للعذراء فيستال، ثمّ يظهر رومولوس وريموس على نهر التيبر في سلة تنجرف على الضفة،لتعثر عليهما ذئبة فترضعهما في كهف يسمى Lupercal، تحت شجرة تين مقدسة تسمى Ficus Ruminalis. نرى أنّه في التقليد الذكوري لأصول روما، تتدخل البنية الخاصة بالآلهة الأنثوية: اتحاد النبات ( شجرة التين)، والحيوان (الذئبة)، ولكليهما وظيفة التغذية، فالذئبة لأنها ترضع التوأم، وشجرة التين المعروفة بروميناليس المكونة من كلمة روما أي الثدي. كما نلاحظ وجود المعدن باعتبار أن المشهد مرتبط بكهف لوبركال. إنّ المجموع الذي يكوّنه الكهف، وصورة الأرض الأمّ، وشجرة التين المغذية، والذئبة المرضعة[38]، يوحي بأننا نتعامل مع ظهور ثلاثي للآلهة العظيمة، أمّ كلّ شيء. وهذا ليس مفاجئًا لأنّه كان من المفترض أن رومولوس، بعد تأسيس روما، هو الذي خلق المجتمع الأبوي من خلال تأسيس الزواج والأسرة بعد اختطاف النساء السابينيات: كانت أسطورة ميلاد المؤسس موجودة بالضرورة في بيئة سابقة، مكان يتم فيه تبجيل قوة التخصيب والأمومة للآلهة العظيمة.
ومع ذلك، يضيف بلوتارخ (Plutarque) تفصيلًا مفاجئًا: جاء نقار الخشب لمساعدة الذئبة في إطعام اطفالها وحمايتهم[39]. مهمّة غريبة لطائر لا يستطيع أن يرضع ولا يقاتل، من المؤكد أنّ الذئبة لم تكن بحاجة إلى نقار الخشب لإطعام أطفالها المتبنين، فقد كانت مؤهلة بشكل أفضل للدفاع عنهم. تُظهِر التمثيلات التصويرية للذئبة الشهيرة أيضًا حيوانًا خطير المظهر، أكثر رعبًا من نقار الخشب. إن عدم معقولية الدور الذي تنسبه هذه النسخة من الأسطورة إلى هذا الطائر يطرح عديد الاسئلة ويفتح نافذة التفكير.
كما هو الحال في عديد الأساطير، فإنّ البطل ذو المصير الاستثنائي تحفّ بولادته الأعاجيب، فهو في أغلب الأحيان يولد من عذراء؛ وحسب الحالة يتم تخصيب العذراء من قبل إله أو حيوان غريب أو شعلة إلهية، وهذا يعني أن الأسطورة تقحم عنصرًا ذكريًا لإضفاء معقوليّة على حدث ميلاد العذراء طفلاً. تُنسب أبوة التوأم إلى المريخ في أشهر أسطورة تعلقت بأصول روما، ولكن في نسخة أخرى، بلا شك سابقة، فهو رمز للرجولة يظهر في موقد القصر الملكي الذي خصّب العذراء. وقد فُضلت الرواية التي أعطت رومولوس أبًا إلهيًا معروفا ولروما ضامنًا لقوتها الحربية.
بعد حادثة الولادة المعجزة، التي تضع البطل منذ البداية خارج قواعد المجتمع، تأتي مرحلة الرضاعة الطبيعية، فتتطلب الأساطير البطولية أن يتمّ ذلك أيضًا، مثل الطقوس التمهيدية، خارج المدينة، في سياق جامح. مثل الولادة، لا يمكن افتراض الرضاعة الطبيعية إلا من قبل الجنس الأنثوي: وبالتالي فإن الذئبة هي التي تمثّل البيئة الاجتماعية التي يجب أن يتغذى فيها البطل. لكن الدور المنسوب إلى نقار الخشب، طائر المريخ، يجعل من الممكن أيضًا تقديم الإله في حلقة “التغذية”.
ثم تتولى امرأة تدعى Acca Larentia المسؤولية عن الذئبة في تربية الأطفال؛ الأسطورة تجعلها عاهرة بفضل التلاعب بالكلمات بمعنى: كلمة لوبا، “ذئب”، تشير أيضًا إلى عاهرة، لأنّها تعيش، في المستوى الجنسي على هامش المجتمع المتحضر، مثل الذئاب. لكنّ هذا لا يمنعها من أن تكون أيضاً امرأة متزوجة، يسمح هذا الوضع الغامض والمستحيل اجتماعيًا[40] للشخصية الذكورية بالتدخل مرة أخرى: فزوجها، الراعي فاستولوس، هو الذي وجد الأطفال وأعطاهم لها لتربيتهم.
يحدث كلّ شيء كما لو أنّ الرجال سعوا إلى الاستيلاء على أسطورة البطل المولود من عذراء ونشأ على هامش المجتمع في رعاية ذئبة. وفي إعادة قراءة الأسطورة، فحمل العذراء من قبل إله أو حتى من قبل رجل كما ذهبت إلى ذلك بعض الروايات التي تنسب اغتصاب العذراء فيستال إلى عمها الملك أموليوس، المتنكر في زي المريخ؛ فالتوأم تمّت تغذيتهما وحمايتهما بواسطة نقار الخشب وتربيتهما بفضل الراعي فاوستولوس. تبدو هذه الروايات الأكثر توافقًا مع المفهوم الأبوي للعالم، يتم فرضها على البنية الأنثوية لأسطورة بطل المستقبل الذي جلبته إلى العالم عذراء، وتغذيه ذئبة في كهف، تحت شجرة تين الروميناليس. أي تحت رعاية الآلهة العظيمة التي تجسدت في عيد الغطاس الثلاثي. وظيفة الأم المزدوجة – التغذية والحماية – التي يوفرها جونو لانوفيوم (وهو ماتر وسوسبيتا) أو إلهة نونيس كابروتين (التي أنقذت روما في الأسطورة وتستخدم “حليب” شجرة التين في الطقوس ) لا يزال من الممكن التعرّف عليها في الصورة القديمة للذئبة التي ترضع التوأم وتحميهما بهواءها المهدّد. لكن في النسخة “الأبوية” لميلاد رومولوس، تنقسم هذه الوظيفة المزدوجة إلى شخصيتين حيوانيتين: نقار الخشب الذي يمثل الإله المدافع المريخ والذئبة التي تجسد الآلهة الأم، وقد تمّ الآن تقليص دورها إلى دور الممرضة. . لكن إعادة كتابة الأسطورة تشوه معناها. نقار الخشب ليس تجسيدًا للألوهية؛ فهي صفة المريخ فقط. لا يستطيع أن ينقل المقدّس إلى الأطفال مباشرة كما تفعل الذئبة بإرضاعهم وكما تفعل الكابريفيكوس بإعطاء “حليبها” للأميرات في طقوس Nones Caprotines. لا يمكنها إلاّ أن تكون رمزيّة، إذا جاز لي القول، وتظل غريبة عن المعنى الديني للأسطورة الأصلية.
ستوضح هذه الأمثلة القليلة أنّه في المجال الديني كانت للنساء وآلهاتهن علاقة مع الحيوانات في روما كانت مختلفة تمامًا عن علاقة الرجال. بالنسبة إلى الرجال، الحيوانات هي وسيلة للتواصل مع الآلهة. لتكرار وإكمال الجملة من J.-P. Vernant المذكورة في بداية هذه المساهمة:
“تبرز التضحية من أشكال الاتصال المباشر بين البشر والآلهة»[41].
وبخلاف ذلك، في الديانة النسائية، يكون الاتصال المباشر مع الألوهية مميزًا، وذلك بفضل الأشكال المتعددة التي يمكن أن يتخذها. الحيوان هو جزء من مفهوم ديني أوسع حيث لا يتم التلاعب بالألوهية من قبل البشر ولكنّها تتجلى في مظاهر مختلفة، مع بقائها على حالها. وهي تتجسد في شكل حيوان غير أنّها تسكن أيضًا الأشجار أو الكهوف. ولا داعي لتقديس الحيوان برشه بالمولا أو التضحية به. فهو نفسه الإله، الذي يتواصل مباشرة مع مؤمنيه، والاتصال البسيط يكفي لكي يتغلغل المقدس فيهم. يمكننا القول إنّه في المفهوم الديني الأنثوي الروماني للحيوان مكانة أصلية، تتوافق مع تصور للعلاقة بين الإنسان والآلهة يختلف كليًا عن المفهوم الذكوري: حيث يكون للإنسان علاقة نفعيّة مع الحيوان كما مع الإله لدى المرأة، مع الآلهة وعيد الغطاس الحيواني (أو النباتي)، علاقة ذات طبيعة صوفية.
قائمة المراجع:
- Amat Jacqueline, Les animaux familiers dans la Rome antique, Paris, Les Belles Lettres, 2002.
- Basanoff Vsevolod, «Nonae Caprotinae», Latomus, 8, 1949, p. 209-216.
- Boëls-Janssen Nicole, La vie religieuse des matrones Romaines à l’époque archaïque, Rome (Collection de l’École Française de Rome n° 176), 1993.
- Boëls-Janssen Nicole, «Le statut religieux de la Flaminica Dialis», Revue des Études Latines, 51, 1974, p. 77-100.
- Boëls-Janssen Nicole, «Le double mythe de la Bona Dea», dans Oudot Estelle et Poli Fabrice (textes rassemblés par), Epiphania, Études orientales, grecques et latines offertes à Aline Pourkier, Nancy-Paris, A.D.R.A. Nancy éd., diffusion De Boccard, 2008, p. 273-295.
- Boëls-Janssen Nicole, «Matrona/meretrix: duel ou duo? À propos du rôle social et religieux des grandes catégories féminines dans l’imaginaire romain», dans Varietates Fortunae. Religion et mythologie à Rome. Hommage à Jacqueline Champeaux, PUPS, 2010, p. 89-129.
- Boëls-Janssen Nicole, «Bona Dea dévoilée», Revue des Études Latines, 92, 2015, p. 35-54.
- Brouwer H. H. J., Bona Dea. The sources and a description of the cult, Leyde-New York-Cologne, E. Brill éd., 1989.
- Cazanove de Olivier, «Exesto. L’incapacité sacrificielle des femmes à Rome. À propos de Plutarque, Q.R. 85», Phoenix, 41, 2, 1987, p. 159-173.
- Détienne Marcel et Vernant Jean-Pierre, La cuisine du sacrifice en pays grec, avec les contributions de Jean-Louis Durand, Stella Georgoudi, François Hartog et Jesper Svenko, Paris, Gallimard, Bibliothèque des Histoires, 1979.
- Drossart Paul, «Nonae Caprotinae : la fausse capture des Aurores», Revue d’Histoire des Religions, 1974, p. 129-139.
- Dumézil Georges, Fêtes romaines d’été et d’automne, suivi de Dix questions romaines, Paris, Gallimard, collection Bibl. Des Sciences Humaines, 1975 («Les Nones Caprotines», p. 271-283).
- Flemming Rebecca, « Festus and the role of women in Roman Religion », dans Glinister F. & Woods Cl. ed., Verrius, Festus and Paulus, Lexicography, Scolarity and Society, Londres, Institute of Classical Studies, 2007, p. 87-108.
- Goguey-Kerner Dominique, Les animaux dans la mentalité romaine, Bruxelles, Latomus, coll. Latomus n° 271, 2003.
- Mauss Marcel et Hubert Henri, « Essai sur la nature et les fonctions du sacrifice », L’Année sociologique, 2, 1899 ; repris sous le titre « Les fonctions du sacré », dans M. Mauss, Œuvres, Paris, 1968, p. 193-307.
- Pestalozza Umberto, «Juno Caprotina», Studi e materiali di storia delle religioni, 9, 1933, p. 38-71.
- Poirier Jean-Louis, Cave canem : Hommes et bêtes dans l’Antiquité, Paris, Les Belles Lettres, coll. Signets n° 25, 2016.
- Richard Jean-Claude, «Pline et les myrtes du temple de Quirinus», Latomus, 45, 4, 1986, p. 783-796.
- Scheid John, «D’indispensables étrangères. Les rôles religieux des femmes à Rome», dans Schmitt-Pantel Pauline (dir.), Histoire des femmes en Occident, t. 1, L’Antiquité, éd. fr., Paris, Plon, 1991, p. 405-435.
- Scheid John, Quand faire c’est croire. Les rites sacrificiels des Romains, Paris, éd. Flammarion (département Aubier, Collection historique), 2005.
- Vernant Jean-Pierre, «Théorie générale du sacrifice et mise à mort dans la thusia grecque», dans Fondation Hardt, Entretiens sur l’Antiquité Classique, t. 27, Genève, 1981, p. 1-39.
[1]– J. Amat s’est intéressée aux animaux familiers, D. Goguey-Kerner à la mentalité romaine vis-à-vis d’eux ; en dernier lieu J.-L. Poirier a rassemblé une centaine de textes antiques sur ce sujet.
[2]– La mola salsa est un mélange de farine d’épeautre et de sel, fabriqué par les Vestales. En le répandant sur l’animal, le sacrifiant consacre ce dernier à la divinité.
[3]– On trouvera une bonne description du rituel sacrificiel romain public dans J. Scheid, Quand faire c’est croire, p. 44-57. Pour la Grèce, voir la belle contribution de F. Thélamon à ce congrès : «Le sanglier et le bœuf entre hommes et dieux».
[4]– Voir en particulier M. Détienne et J.-P. Vernant, La cuisine du sacrifice en pays grec.
[5]– M. Mauss, Essai sur la nature et la fonction du sacrifice .
[6]– J.-P. Vernant, «Théorie générale du sacrifice», p. 2
[7]– Ce dernier mot est particulièrement signifiant puisque uir désigne un humain de sexe masculin (homo s’applique à tout le genre humain, hommes et femmes confondus).
[8]– O. de Cazanove, Exesto. L’incapacité sacrificielle des femmes à Rome.
[9] – J. Scheid, « D’indispensables “étrangères”. Les rôles religieux des femmes », p. 407.
[10]– R. Flemming, «Festus and the rôle of women in Roman Religion», p. 87-108.
[11]– Fordicidia : Ovide, Fastes (= Calendrier religieux) 4, 637-640 ; Consus : Tertullien, De spectaculis, 5
[12]– Macrobe, Saturnalia 1, 15, 18. Il s’agit de l’épouse du Rex Sacrorum, prêtre qui, depuis l’instauration de la République, assumait les fonctions religieuses de l’ancien roi, qu’il eût été sacrilège de supprimer.
[13]– Ibid., 1, 16, 30. La Flaminica Dialis était l’épouse du Flamen Dialis, le prêtre de Jupiter. Les nondines désignent le jour du marché, où les paysans viennent en ville et s’y instruisent des lois. Sur les sacrifices accomplis par le couple flaminial et le couple royal, voir N. Boëls-Janssen, «Le statut religieux de la Flaminica Dialis», p. 90-91.
[14]– Servius, Commentaire à l’Énéide de Virgile, 4, 262 ; Festus, De Verborum Signi Significatione, p. 472, éd. Lindsay.
[15]– Voir «Bona Dea dévoilée», p. 39.
[16]– Ovide, Amores, 3, 13, 13.
[17]– Bona Dea dans le précieux ouvrage de H. H. J. Brouwer, Bona Dea. On trouvera tous les témoignages épigraphiques, littéraires et archéologiques concernant
[18]– Rappelons que seule une épouse de citoyen romain a droit au titre de matrone, qui lui assure un certain nombre de privilèges (par exemple nul n’a le droit de porter la main sur elle) mais lui impose aussi des devoirs : fidélité (pudicitia), soumission au mari (obsequium), tenue et comportement discrets (modestia), etc.
[19]– Voir N. Boëls-Janssen, « Le double mythe de Bona Dea ».
[20]– Voir N. Boëls-Janssen, La vie religieuse des matrones romaines, chap. intitulé «La BonaDea dévoilée».
[21]– C’est le sens primitif du mot, composé de theos, « le dieu », et du préfixe en, «dans»
[22]– À l’époque archaïque le calendrier latin était basé sur les phases de la lune. Les nones sont le 9ème jour avant les ides, qui désignent le jour de la pleine lune. Les nones correspondent donc à l’apparition du premier quartier.
[23]– Sur le myrte symbole de vie à Rome, voir J.-Cl. Richard, «Pline et les myrtes du temple de Quirinus».
[24]– Description du rite chez Properce, Élégies, 4, 8, 3-14.
[25]– La scène de l’ordalie mettant face à face la vierge et le serpent est représentée sur des monnaies. Le serpent figure aussi sur les statues de la Junon de Lanuvium, sur son bouclier ou aux pieds des chevaux de son char. Sur ces représentations guerrières de Junon, voir note 29.
[26]– Bibliographie antique des Nones Caprotines: Varron, De lingua latina 6, 18 ; Plutarque, Vie de Romulus 29, Vie de Camille 33 ; Macrobe, Saturnales 1, 11, 35-40; Ausone, Feria Romanae 9; Polyaenos, Stratagemata, 8, 30.,
[27]– Ovide, Amores, 3, 13, 19-22.
[28]– Cicéron, De natura Deorum, 1, 82.
[29]– Elle apparaît sur des monnaies de l’époque républicaine et du temps des empereurs Antonin le Pieux et Commode. Il existe aussi une colossale statue de marbre de la déesse ainsi accoutrée, conservée au Musée du Vatican.
[30]– Voir note 35.
[31]– Thèse soutenue par V. Basanoff dans «Nonae Caprotinae».
[32]– Valère Maxime, Memorabilia, 2, 2, 9 ; Plutarque, Vie de Romulus, 21. C’est Ovide qui parle du sacrifice d’une chèvre (Fastes 2, 361) mais c’est peut-être pour une raison métrique. Le bouc est plus vraisemblable puisque la fête était dédiée à une divinité masculine, Faunus.
[33]– Ovide, Fastes 2, 425; Juvénal, Satires 2, 142; Festus, De Verborum Significatione (abrégé de Paul Diacre), éd. Lindsay, p. 57 ; Plutarque, Vie de Romulus 21. Un amiculum est un vêtement que l’on jette autour de soi.
[34]– Varron, De lingua latina 6, 18 ; Macrobe, Saturnales 3, 2, 14 ; Denys d’Halicarnasse, Antiquités romaines 2, 56, 5; Plutarque, Vie de Romulus 29, Vie de Camille 33.
[35]– L’épisode est raconté en détail par Plutarque (Vie de Camille 33) et Macrobe (Saturnales 1, 11, 36-40).
[36]– P. Drossart, «Nonae Caprotinae»; repris par G. Dumézil, Questions Romaines 9 : «Les Nones Caprotines».
[37]– Récits détaillés des différentes versions du mythe chez Tite-Live, Histoire Romaine, 1, 4, 1-7 ;- Denys d’Halicarnasse, Antiquités Romaines, 1, 77-79; Plutarque, Vie de Romulus, 2-6.
[38]– Au cours de ce congrès, Liliane Régent-Romy a traité des «animaux nourriciers dans la mythologie grecque».
[39]– Plutarque, Vie de Romulus, 4, 2. Même présence du pivert chez Ovide (Fastes, 3, 54) ; il l’introduit aussi dans le rêve prémonitoire de la Vestale où un loup et un pivert combattent pour défendre de la hache du roi Amulius, son oncle, les deux jeunes pousses, représentant les jumeaux, nées de ses bandelettes sacrées, qui symbolisent sa virginité de Vestale (v. 29-38).
[40]– L’opposition entre le statut de la matrone et celui de la prostituée est irréductible à Rome. Voir N. Boëls-Janssen, «Matrona/meretrix, duel ou duo?». Une épouse qui manque à la vertu matronale doit être aussitôt répudiée. Mais il fallait qu’Acca Larentia soit mariée pour que Faustulus puisse lui confier les enfants et qu’elle puisse assumer un rôle de mère.
[41]– Denys d’Halicarnasse, Antiquités Romaines, 1, 77 ; Plutarque, Vie de Romulus, 4-3.