ملخّص:
يروم هذا المقال استجلاء خصوصيّات الفضاء التّخييليّ لرواية “فرانكشتاين في بغداد” للكاتب العراقيّ أحمد سعداوي، وما تستبطنه من دلالات رمزيّة ومقاصد إقناعيّة، منطلقين بالأساس من العلاقة الوطيدة بين الفانتازيا والتّخييل من جهة، والواقعيّة الرّمزيّة من جهة أخرى. لاسيّما أنّ فضاءات الرّواية – قيد الدّراسة – تمثّل ما شهده العراق وما يزال يشهده من صرخا ت متتالية ونداءات متواترة. مما يشدّ انتباه القارئ ويثير فضوله ر من خلال تتبّعه لجغرافيا المتن الرّوائيّ وتقاسمه المعاناة التي تهدّد الذّوات العراقيّة بل العربيّة عامّة. فالرّواية تجسيد صارخ لتشظّي الأنا العربيّة، وانعكاس مرآويّ للرّفض المستميت لما تعجّ به الفضاءات العراقيّة. ولنتبين ذلك كله، سننطلق بداية من تمثّل تخييليّة الفضاءات المغلقة بالرّواية ودلالاتها الرّمزية، وننتقل بعد ذلك إلى استقصاء أهمّ الأماكن المفتوحة، لنتبيّن من خلالها، قدرة الكاتب على الجمع بين البعدين الواقعيّ والتّخييليّ.
الكلمات المفاتيح: الفضاء، الرّوائيّ، الفانتازيا، الواقع، الرّمزيّة، الحجاج.
Abstract:
This article aims to clarify the specificities of the imaginary space of the novel “Frankenstein in Baghdad” by the Iraqi writer Ahmed Saadawi. Their symbolic connotations and persuasive purposes. Basically, based on the close relationship between fantasy and fantasy on the one hand, and symbolic realism on the other. The novel’s spaces, which are under consideration, represent the repeated cries and appeals that Iraq has witnessed. This raises the reader’s attention and raises his curiosity; Through his tracking of the graphic geography. It is shared by the suffering that threatens Iraqi and Arab subjects in general. The novel is a stark manifestation of the fragmentation of the Arab ego and the mirror’s reflection of the desperate rejection of what is teeming with Iraqi spaces. So that we can see all that; We will start with the imagination of the spaces closed by the novel and its symbolic connotations, moving to the survey of the most important open spaces, and through it we will show the writer’s ability to combine the realistic and imaginative dimensions.
Keywords: Space, novelist, imagination, reality, symbolism, argumentation.
1- مقدمة:
يوثر العديد من الدّارسين في مقارباتهم النّقديّة للنّصوص السّرديّة إلى تبنّي مصطلح “الفضاء” بدل مصطلح المكان، انطلاقا من تصوّر مُفاده أنّ مفهوم الفضاء في الرّواية أوسع من مفهوم المكان وأشمل. إذ يمثّل الفضاء مجموع الأمكنة التي تسهم في تنامي الحركة الرّوائيّة، وفي ديناميّة مسار الحكي بأكمله سواء ما تمّ تصويره ونقله مباشرة أو ما تمّ تمثّله بطريقة ضمنيّة مع كلّ حركة حكائيّة. لذلك فإنّ بناء الفضاء في الرّواية محكوم بتتابع الأحداث في حدّ ذاتها. ومن ثمّ تتبّع سيرورة الخطّ الزّمنيّ للقصّة، على عكس المكان المحدّد، والذي يمكن إدراكه من دون شرط تتبّع المسار الزّمنيّ.
إنّ الفضاء الرّوائيّ في حدّ ذاته لا يعدو أن يكون مجموعة من العلاقات المتواشجة الموجودة بين الأماكن والمحيط ومختلف عناصر الدّيكور التي تجري ضمنها أحداث النّصّ الإبداعيّ وما تقوم به الشّخصيات كالتّردّد على أماكن معيّنة أو عن طريق التّنقل والاسترجاع. فيصبح مفهوم الفضاء وفق هذا التّحديد بانوراميّا يغطّي الرّواية بأكملها. أمّا المكان فهو جزئيّ لكنّه لا ينفصل عن بنية الفضاء. لذلك عمد المنظّرون الألمان في السّرديّات إلى التّمييز بين مفهومين متعارضين للمكان في الرواية؛ يتمثل النّمط الأوّل في ما أسموه بـ”المكان الجغرافيّ المحدّد”، الذي تضبطه مجموعة من الإشارات الإجرائيّة كالمقاسات والأعداد. أما النّمط الثاني فهو ما أطلقوا عليه “الفضاء الدّلاليّ” الذي يتم إدراكه من خلال الأحداث والحالة النّفسيّة والعاطفيّة للشّخصيّات في الرّواية. إنّ الأمكنة والشّخصيّات في الرّواية، كما يذهب إلى ذلك ثلّة من النّقّاد السّرديّين ليست هي ذاتها الأمكنة القائمة في الواقع، حتّى وإن كانت كذلك، فللفضاء الرّوائي سمات مائزة تؤكّد عجزه على محاكاة الواقع وإن كان يشبهه أحيانا، وخاصّة عندما يوظّف الرّوائيّ أسماء مدن و شوارع، وحتّى أسماء أزقّة موجودة بالفعل في الواقع، ممّا يجعل تواتر الأمكنة في الرّواية يخلق فضاء شبيها بالفضاء الواقعيّ، وهذا يعمل على إدماج الحكي في نطاق المُحتمل والممكن.
ولعلّ الأعمال الرّوائية التّأسيسيّة لنجيب محفوظ أوضح مثال على هذا التّداخل بين الواقعيّ والمتخيّل في درجاته القصوى. إلا أنّ هذا الإيهام لا ينفي اعتبار الفضاء مكوّنا حكائيّا هامّا من مكوّنات البناء الرّوائيّ مثله مثل العناصر الأخرى (الأحداث، الشّخصيّات الزّمان، الوصف، السّرد، الحوار…). فالفضاء السّردي المتخيّل، هو قبل كلّ شيء، فضاء لفظيّ (Espace Verbal) يختلف عن الفضاءات التي يمكن إدراكها بالبصر، سواء في الواقع أو من خلال وسائط وإرشادات كما في العرض المسرحيّ والسّينمائيّ. ففي مثل هذا العرض سواء المقدَّم عبر الرّكح، أو من خلال الشّاشات الفضّية والّصغيرة، يتم إدراك الأمكنة والفضاءات عن طريق حاسّتي البصر والسّمع. أما إدراك الفضاء الرّوائيّ وتمثّله، فإنّه لا يتأتّى إلاّ من خلال الألفاظ والكلمات المطبوعة في الكتاب، لذلك فهو ذو طابع ذهني مجرّد. .
عموما إذا كان عالم الأشياء في “الواقع” هو عالم الصّور الملموسة، فإنّ نقل تلك الصّور أو بعضها إلى عمل إبداعيّ سيجعلها شيئا مغايرا تماما عن الأصل. كما أنّ الإبداع في عمومه هو تجاوز للواقع، أو على الأقلّ إضافة شيء أو تعديل إلى/في ما هو موجود في الواقع بالفعل. والرّواية في أدنى مستوياتها فنّ ـ مثل الفنون الأخرى أي أنّها شكل من أشكال الإبداع والتّخييل. والفن كما يرى ريكور لا يمكن أن يكون محاكاة للحياة بمعنى تصويرها وتمثيلها، وليس إعادة إنتاج للواقع، بل هو إنتاج وابتكار في الوقت نفسه. فقد تستعير الرّواية من الحياة لكنّها تحوّل ما تستعيره إلى شيء مغاير عن صورته ووجوده الأصليّين. وحتى لو زعمنا أنّ الرّوائيّ سعى إلى ترجمة الواقع كما هو ونقله بمختلف تفاصيله كما يزعم الواقعيون كافةـ فإنّه لا محالة سيصوّره بدرجة متفاوتة من الاختلاف وعدم التّطابق، حيث سينقل فضاءات الواقع من خلال وجهة نظره الخاصّة، وتصوّره الذّاتيّ حوله، ومن خلال وعي فردي ّ(أو جماعيّ) يخصّه دون غيره. وصياغة أسلوبيّة يتميّز به عمّا سواه. فكلّ عمل هو نتاج أصيل وميلاد أنطولوجي مغاير في عالم الخطاب.
والأهمّ في كل ذلك أنّ الرّوائيّ إذا ما نقل شيئا عن الواقع والوجود الخارجيّ، فإنه ينقله بوساطة رمزية ألا وهي اللّغة ولا يتاح للكلمة في أيّ حال أن تكون بديلا عن الواقع، ولا تتمكّن من نقله كما هو، أو تقدّم صورة حقيقيّة عنه. ومن ثمة سيحرص القارئ على تمثّل الفضاء الرّوائيّ المتخيّل تمثّلا ذهنيّا، من خلال عمليّة قراءة ذاتيّة للنّصّ، ومن خلال ما يوفّره له هذا الأخير من معلومات فحسب، فهو ليس بحاجة للرّجوع إلى خرائط المدن، للتأكّد من أسماء الشّوارع والأحياء، كما أنه ليس بحاجة للتأكّد من هويّة الشّخصيّة في الرّواية، في علاقتها بعالم الأشخاص في الواقع، سواء وُجد من يشبه تلك الشّخصية أم لم يوجد. ولهذا تظل الرواية بكل أبنيتها ومستوياتها الخطابية إبداعا وتخييلا، لا يمكن إسقاطها على العالم الواقعيّ.
وهكذا لكي نتمثّل بعض خصوصيّات الفضاء المتخيّل وحدود علاقته بالعالم الخارجيّ الذي يسعى الكاتب إلى نقله وترجمته، سنعمد إلى مقاربته في رواية “فرانكشتاين في بغداد”، لنميز فيه بين الأماكن المغلقة والفضاءات المفتوحة.
2- تخييليّة الأماكن المغلقة:
يمثل المكان المغلق “غالبا الحيّز الذي يحوي حدودا مكانيّة تعزله عن العالم الخارجيّ، ويكون محيطه ضيّقا بكثير بالنّسبة إلى ا المكان المفتوح، فقد تكون الأماكن الضّيّقة مرفوضة لأنّها صعبة الولوج، وقد تكون مطلوبة لأنّها تحتلّ الملجأ أو الحماية التي يأوي إليها الإنسان”[1].وقد تضمنت رواية أحمد سعداوي عدّة أماكن مُتخيّلة أسبغت طابع التّخييل على النّصّ الرّوائيّ أوّلا وعلى الأحداث ثانيا. فتحوّلت اللّغة من وصفيّة تواصليّة إلى “إشارات مختلفة، يمكن أن تحيل إلى عوالم أخرى غير واقعيّة، فإنّنا نلاحظ أنّه يتجلّى في فضاءات معيّنة ولا يتجلّى في أخرى بشكل يجعل الأماكن المغلقة أكثر ملاءمة لانبجاس الظّواهر والصّور العجائبيّة بدلا من تلك المفتوحة التي يمكن أن تُعَدّ مرتعا للعجيب الرّائق الذي يثير الرّعب”[2].
2- 1- الخرابة اليهوديّة :
اتّخذ هادي العتّاك من الخرابة اليهوديّة غرفة له وهي غرفة تختلف عن بقيّة غرف/وبيوت الشّخصيّات الأخرى؛ فهي متصدّعة ومهدّمة. يقول السّارد: “بيت هادي العتاك ليس بيتا على وجه الدقة. فأغلب ما فيه مهدّم، وليس هناك سوى غرفة في العمق ذات سقف متصدّع حوّلها هادي العتّاك مع زميل له اسمه ناهم عبدكي قبل ثلاث سنوات تقريبا إلى مقرّ لهما”[3]. ويضيف قائلا: “بعد الاحتلال وشيوع الفوضى، شاهد الجميع كيف عمل هادي وناهم على إعادة ترميم “الخرابة اليهوديّة” كما كانت تسمّى، رغم أنهم (كذا!) لم يروا فيها أيّ شيء يهوديّ، لا شمعدانات ولا نجمات سداسيّة و لا حروف عبريّة”[4].
حرص هادي على ترميم الغرفة لتصبح صالحة للسكن:” أعاد هادي بناء السّياج الخارجيّ للبيت من ذات المواد الموجودة، وثبت الباب الخشبيّ الكبير الذي كان مغطّى بركام الطّابوق والطّين، أزاح الأحجار عن الحوش ورمم الغرفة السّليمة الوحيدة وترك الجدران النصفيّة و السّقوف المتهاوية الباقية للغرفة على حالها…”[5].
كان العتاك يقوم بجمع ضحايا التّفجيرات التي تشهدها بغداد، إذ يلتقط أشلاء من أجساد الضّحايا الممزّقة والملطّخة بالدّم في كيس الجنفاص، لكي يجمعها في بيته ويخيطها فيما بعد “دخل إلى سقيفة خشبيّة صنعها من بقايا الأثاث والقضبان الحديديّة والكناتير المخلعة (…) قرفص هادي عند طرف منها. كانت المساحة المتبقّية مشغولة بشكل كامل بجثة عظيمة، جثة رجل عار تنزّ من بعض أجزاء جسده المجرح سوائل لزجة فاتحة اللون، ولم يكن هناك إلا القليل من الدماء، بقع صغيرة من دم يابس على الذراعين والسّاقين، (…) تقدم هادي أكثر داخل الحيز الضيق حول الجثة، و جلس قريبا من الرّأس، كان موضع الأنف مشوّها (…) فتح هادي الكيس الجنفاصيّ المطويّ عدّة طيّات، ثم أخرج ذلك الشّيء الذي بحث عنه طويلا (…) أخرج هادي أنفا طازجا مازال الدّم القاني المتجلّد عالقا به، ثمّ بيد مرتجفة وضعه في الثّغرة السّوداء داخل وجه الجثة (…) سحب يده ومسح أصابعه بملابسه، وهو ينظر إلى اكتمال الوجه بشيء من عدم الرّضا، ولكن المهمّة انتهت الآن . آه.. لم تنته تماما عليه أن يخيط الأنف حتى يثبت في مكانه ولا يقع”[6].
كان المكان الذي يعيش فيه هادي مخيفا ومرعبا، الفوضى تعُمّ المكان لاسيّما غرفة النّوم حيث “كانت الأغراض متراكمة فوق بعضها البعض مع تلّ صغير من علب بيرة الهنيكن في زاوية الغرفة وأحذية ونعل (كذا!) كثيرة وأباريق نحاسيّة وأخرى من الألومنيوم أو البلاستيك وطاولات خشبيّة مكسورة الأرجل وملابس وريش حمام و دجاج (…) وخزانة مملوءة بالبصل والثوم وعلب ألبان فارغة وقواطي معلّبات أسماك وبقوليّات. كانت الغرفة أشبه بالقبر”[7].
ونحن لا نعجب من هذه الفوضى التي تعم غرفة هادي؛ فهو بائع المتلاشيات من الأغراض المتروكة. لذا يتّخذ غرفته المهدمة مستودعا لأعضاء ضحايا التّفجيرات، ولأغراض بعض أهل حي البتاويين التي ظل يتصيّد فرص شرائها بثمن بخس. وكأنّه يؤمن بالتّساوي والتّوازي بين الأغراض المهمَلة وأعضاء الضّحايا المتلاشية.لتنبئ بذلك غرفة العتاك بإحدى المقصديّات الحجاجيّة للرّواية؛ ألا وهي تشييء الذّات الإنسانيّة وجعلها معادلا موضوعيّا لأتفه الأغراض غير الصّالحة للاستعمال (حجة وجوديّة/ اجتماعيّة). مما يجعل هذه المعادلة تستبطِن ما يُسمّى في الدراسات الحجاجية بـ (القياس المضمر)[8] الذي ” يُنتج الإقناع لا البرهنة”[9]. وعناصر هذا القياس ـ كما يبدو لنا ـ تتمثل في:
- (المقدّمة الكبرى): باتت أعضاء الضحايا متلاشية ومهملة في الشّوارع العراقيّة.
- (المقدّمة الصّغرى): العتاك يجمع كلّ المهملات والمتلاشيات من الأغراض والأعضاء البشريّة.
- (الاستنتاج): الأعضاء البشريّة المتلاشية = الأغراض المهملة.
وهكذا فبعد أن كانت غرفة هادي العتاك قبل أن يرممها و يقطن بها مجرّد خرابة متصدّعة مهدّمة، ستعود إلى هذه الحال مرة أخرى لتكون نهايتها دائريّة؛ تصدّع و هدم في البداية والمنتهى. فالفصل السّابع عشر من النّص الرّوائي ينقل لنا أحداث أكبر انفجار شهده حي البتاويين وسط بغداد. وقد نُقل على إثره العديد من السّكّان إلى المستشفى لإصابتهم بجروح بليغة وتهدّمت العديد من منازل أهل الحيّ ومنها غرفة هادي العتاك. يقول السارد: “انهارت أيضا الغرفة المتهالكة التي يسكن فيها هادي العتاك في الخرابة اليهودية، ولم يعرف أحد كيف اشتعلت النيران بأغراض أمّ دانيال وبعض الأثاث الخشبيّ في باحة بيت العتاك، ولا كيف شبّت النيران أيضا في الأفرشة التي كان نائما بينها”[10].
إنّ هذه النّهاية المأساويّة التي آل إليها “حيّ البتاويين” تقوم في تشكيلها التّصويريّ على (الاستراتيجيّة التّلميحيّة) التي تُعدّ من الاستراتيجيّات الإقناعيّة التي يعمد إليها المتكلّم إيمانا منه بأن العناصر الإيحائيّة/المجازيّة تسعف ـ بل وأكثر من اللّغة العادية ـ في اطّلاع المتلقّي على وجهة نظر محدّدة، أو موقف معيّن. فالسّارد/المتكلّم يؤكّد، عبر الانفجار الذي رجّ حي البتاويين، أنّ كلّ شيء في العراق يعود إلى حال العدم حيث اللاّشيء، تماما كما هي ى حال شخصية “الشّسمة” الذي يمثّل المواطن العراقيّ الأوّل فقد خُلق/ صُنع من عدمية الموت/ من بقايا الحياة على العراق (بعض أعضاء الضحايا) = (عود على بدء).
2-2- دائرة المتابعة والتّعقيب:
يُعدّ العميد سرور محمد مجيد المدير العام لهذه الدائرة، وهي عبارة عن وحدة معلومات خاصّة مرتبطة جزئيّا بالإدارة المدنيّة لقوات الائتلاف الدّوليّ في العراق تتمثّل مهمّتها في متابعة كلّ الجرائم التي تحصل في العراق ومتابعة الأساطير والخرافات التي تنشأ حول حوادث معيّنة من أجل الوصول إلى أحداث القصّة الواقعيّة. ولكن مهمّتها الحقيقيّة هي الإجابة عن سؤال (متى وأين وكيف أموت؟ (ص 259))، وهو السّؤال الحقيقيّ والوحيد لساسة “العراق الجديد” الذي يجعلهم يقصدون مكتب العميد سرور لأجله.
لقد قام مديرها بتوظيف العديد من المنجّمين وقارئي الطّالع والسّحرة والمشعوذين من أجل توقّع التّفجيرات قبل وقوعها والقبض على المجرمين، ومن ثمّة كانوا يقيمون “وضع نبوءات عن الجرائم التي ستحدث مستقبلا التّفجيرات بالسّيارات المفخّخة وجرائم اغتيال المسؤولين وكبار الشّخصيات، وقدّموا خدمة كبيرة بهذا المجال خلال السّنتين الماضيتين، وهم يقومون بذلك كلّه من خلف غطاء. وكذلك فإنّ المعلومات التي يتمّ الحصول عليها تجري الاستفادة منها بطريقة غير مباشرة، ولا تتمّ الإشارة أبدا إلى دائرة المتابعة والتّعقيب حفاظا على سرّيتها وأمن العاملين فيها”[11].
نلمس في الجانب الحكومي خيالا فانتازيّا ساخرا. فثمة فانتازيا مضحكة نوعا ما تتمثّل في سلوكات هؤلاء المنجّمين والسّحرة وتصرّفاتهم أثناء عملهم. فهناك صراع دائم حول تقنيّات العمل، وتحديد مكان القاتل والمجرم؛ صراع يدور بين المنجّم الأكبر والمنجّم الأصغر، ممّا يضفي على هذا الصّراع طابعا بوليسيّا لا سيّما أثناء مطاردة المجرم إكس. يقول السّارد: “استدعى العميد سرور فريق المنجّمين بالكامل مع مساعديه من الضّباط، وفتح تحقيقا في الموضوع. وتبيّن له أنّ الانتحاريّ سائق سيّارة الأوبل البيضاء كان ينوي في الأصل التّوجه إلى كلّية الشّرطة لتفجير نفسه داخل حشد من الضّبّاط الجدد، وأنّ هناك ما غيّر تفكيره وقراره وجعله يدلف إلى أزقة البتاويين. ساد هرج وتبادل اتّهامات بين المنجّمين (…) لا يوجد احترام كاف للعميد سرور مدير الدّائرة وتجاهلوا وجوده وهم يتبادلون الشّتائم (والاتّهامات) “[12].
وتشير الرّواية إلى سمة تخييليّةـ حجاجية أخرى تخصّ الجهاز الأمنيّ ألا وهي عبثيّة العنف التي تؤكّد غياب الحرفية والخبرة المهنيّة. وممّا يؤكّد ذلك قول السّارد “عند منتصف اللّيل انتهت عمليّة البحث والتّطويق، شاهد محمود (الشّاب الصّحفيّ) بعينيه بضعة شباب ورجال متوسّطي العمر وهم مقيّدو الأيدي إلى الخلف يُساقون إلى السّيارات العسكريّة. انتبه محمود بسرعة إلى أنّ الجامع الأساسي بينهم أنّهم كلّهم من قبيحي المنظر. كان بعضهم بعيوب خلقية ولاديّة والبعض الآخر مشوّه جرّاء حرائق التّفجيرات الإرهابية وآخرين كأنهّم مجانين رسميّين، فبدت وجوههم مسترخية ورائقة لا تُبدي أيّ خوف أو قلق”[13]. ولأنّ الدّائرة تجاوزت صلاحيّات عملها فقد تمّ توقيفها عن العمل.
تتمثّل السّمة نفسها (عبثية العنف) في إقبال رجال الشّرطة على ضربهم المبرّح لهادي العتاك وكذلك بشاعة تعنيفهم له، بل وسرقة بعض الأغراض الثّمينة التي اشتراها من بعض أهل البتاويين من غرفته. ، وقد كان ذلك أثناء تحقيقهم معه بخصوص “الشّسمة” الذي طالما أطلع سكان البتاويين ومرتادي مقهى عزيز المصريّ على قوّته وشدّة فتكه بالظّالمين. يقول السّارد: “وجّه الضّابط الغاضب ركلة جديدة إلى بطن هادي جعلته يقطع النّفس تماما. ذهب أحد المساعدين إلى داخل الغرفة ووجه بأخمس مسدّسه عدة ضربات قويّة للتّمثال المحفور داخل الحائط (…) ثم أخرج الضّابط الغاضب مدية صغيرة (…) وغرزها في زندي هادي ثمّ خاصرتيه ثمّ فخذيه. صاح هادي جراء الألم الهائي الذي شعر به، و لكن الضّابط أنهى اختباره، وانتظر أن يرى تدفّق الدّم من الجروح الصغيرة التي صنعها”[14].
و أثناء تلذّذ الضّباط بتأوّهات هادي، كانوا يبحثون في أغراضه وينتقون الثّمين منها ليذهبوا به إلى منازلهم “فتّش الضّابط من جديد. وجدوا نقوده القليلة، التي ربحها من بيع أثاث أبي أنمار في سوق الهرج، في علبة زجاجيّة للقهوة داخل ميز الطّعام (…) وضعها الضّابط الهادئ في جيب بنطلونه. (…)أخذ طاولة مصنوعة من الحديد و الخشب. وحمل آخرون قطع(كذا!) وأنتيكات متنوعة؛ ثريّا زجاجيّة مهشّمة، ساعة جداريّة خشبيّة مستطيلة الشّكل ذات نافذة مع رقّاص كبير”[15].
إجمالا؛ فإنّ توظيف المؤلّف للخيال العجائبيّ ليس زينة أو تلوينا لفظيّا، بل هو منصة أراد من خلالها الكاتب أن يحاكي الواقع العراقيّ، وأن يمثّل فيها الصّراعات التي يواجهها السّاسة العراقيّون في دائرة السّلطة العراقيّة، ليؤكّد على عدم القدرة على تولّي شؤون البلاد المتشظّية، مما يعكس عدم كفاءة أفرادها وفساد ممثّليها.
2- 3- بيت العجوز إيليشوا (أم دانيال):
يعتبر من الأماكن الرّئيسة في الرّواية، يصف السّارد هذا البيت قائلا:” بيت بناه اليهود على الأرجح، أو على وفق العمارة التي كان يفضّلها اليهود العراقيّون، حوش أو باحة داخليّة محاطة بعدد من الغرف على طابقين، مع سرداب تحت الغرفة اليمنى المطلة على الزّقاق، هناك أعمدة من الخشب المضلّع تسند سقف الممرّ أمام الغرف في الطّابق الثّاني، وتصنع مع السّياج الحديديّ المطعم بمساند خشبية مزخرفة شكلا جماليّا فريدا. بالإضافة إلى الأبواب الخشبيّة ذات الفردتين بمزاليجها الحديد والأقفال والشّبابيك الخشبيّة المدعّمة بقضبان إسطوانية داكنة وزجاج ملوّن، والأرضيّة المكسيّة بطابوق الفرشيّ البديع. أمّا الغرف فكانت مرصوفة بالكاشيّ الصّغير ذي اللّونين الأبيض والأسود وكأنّها رقعة شطرنج كبيرة (…) البيت كلّه لم يعد كما كان في السّابق، ولكنّه متين، ولم تأكله الرّطوبة بشكل واسع، كما هو حال البيوت المماثلة الموجودة في الزّقاق”[16].
كانت العجوز تسكن هذا البيت، وتعيش في صمت وانقطاع تامّ عن العالم الخارجيّ، وكانت تفضل الجلوس في صالة الضّيوف على الأريكة المقابلة للصّورة الكبيرة لقدّيسها وشفيعها (ماركوركيس). إذ كانت تجلس كل مساء تقريبا لتجدد حواراتها العقيمة معه، تنظر إلى وجهه الملائكيّ، “وهو رغم ذلك ليس في هيئة روحانية، فهذا الملائكيّ يرتدي درعا فضّيا سميكا يغطّي بصفائحه اللاّمعة كلّ جسده مع خوذة مريّشة تسمح لشعر قذاله الأشقر بالظّهور متموّجا من تحتها، ورمح طويل مدبب مشرّع في الهواء، وكلّ هذه الهيئة القتاليّة تجثم على حصان أبيض عضليّ البنية يرفع قائمتيه الأماميتين المطويتين في الهواء في محاولة لتجنّب فكّي غول مفترس بشع المنظر ينبثق من زاوية الصّورة وهو يهمّ بابتلاع الحصان والقديس وكلّ أكسسواراته الحربية “[17] .
كانت إيليشوا تعُدّ القديس ماركوركيس شخصا قريبا وكأنّه فرد من عائلتها التي تفرقت (ذهبت ابنتاها إلى أستراليا، واستشهد ابنها في الحرب العراقية الإيرانية) ولم يتبقّ منها سوى هي وقطّها ” نابو” وطيف ابنها دانيال الذي يجول في الغرف الأخرى المهجورة في البيت. فهي لم تعترف يوما بموت ابنها. كانت تتحدّث مع صورة القدّيس وهي تلحّ على فكرة عودة ابنها الذي طال انتظاره. كانت تصلي لقدّيسها وتريد علامة منه تخص مصير ابنها؛ حيّا فيعود أو ميتا فتعلم مكان وجود قبره، أو المكان الذي يحتوي على رفات جثته المحترقة. فكانت تجلس “في اللّيل على ضوء الفانوس النّفطيّ، فترى تموجات الصّورة العتيقة خلف الزّجاج الشّاحب (…)، ثم ترى عيني القديس وهما تلتفتان ناحيتها. لم يغير القديس من وضعيته، مازالت ذراعه الطويلة مرفوعة بالرّمح، لكن عينيه تلتفتان إليها الآن:
أنت متعجّلة يا إيليشوا …قلت لك سيحقّق لك الرّب هدأة الرّوح أو نهاية العذاب..أو تسمعي خبرا يبهجك. ولكن، لا أحد يفرض على الرب التوقيت المناسب”[18].
ولابدّ أن نشير هنا إلى أن حضور صورة القدّيس ماركوركيس في بيت إيليشوا هو إشارة إلى البعد الدّيني المقدّس (مقصديّة إيديولوجيّة)، فصورته مشهورة في عالم الفنّ الكنسيّ؛ إذ هي صورة لفارس شجاع اكتسب شعبيّة بوصفه منقذا وفارسا وقدّيسا. ذلك أنّ الملك الذي قرّر قتل هذا القدّيس وضعه بالمعصرة حتى تحوّل إلى أشلاء متناثرة. وفي القصص الكنسيّ المُتداول كان قد عاد إلى الحياة بواسطة المسيح (الرّب يسوع)، وهذا ما جاء ذكره في المقتبس الثّاني من عتبات الرّواية “أمر الملك بوضع القدّيس في المعصرة حتى تهرّأ لحمه وأصبح جسده أجزاء متناثرة حتّى فارق الحياة، فطرحوه خارج المدينة، لكنّ الرب يسوع جمعه و أقامه حيّا، و عاد ثانية إلى المدينة”[19].
كان بيت العجوز يضمّ صورا أخرى “صورتان رماديّتان أصغر حجما مؤطّرتين بالخشب المحفور لابنها وزوجها تيداروس، وصور أخرى بذات الحجم الصّغير للعشاء الأخير ولإنزال المسيح من الصليب وثلاث صور بحجم الكفّ منسوخة عن أيقونات أصلية من القرون الوسطى مرسومة بقلم حبر ثخين وألوان باهتة لقدّيسين من كنائس متعدّدة لا نعرف أسماء بعضهم لأنّ زوجها هو من وضعها قبل سنوات طويلة ومازالت على حالها متناثرة ما بين صالة الضيوف وغرفة النوم وغرفة دانيال المقفلة والغرف الأخرى المهجورة”[20].
ورغم احتواء بيت العجوز على غرف مهجورة وجدران مهترئة؛ فقد كانت تجد في هذا البيت أريحيّة كبيرة وإحساسا بالأمان. وإن كانت كلّما تذكرت ابنها الغائب، تفقد العزم في كلّ مرّة على مواصلة الحياة، كانت في الآن ذاته تتحدّى شبح الموت وألم الغياب والفقدان. فإيليشوا وإن كانت “تعيش مع ثلاث كائنات أو ثلاثة أشباح فهي تملك من القوة والحضور ما يكفي لعدم إصابتها بالوحشة”[21].
ومع ذلك فرغم تصدّع بيت العجوز، ورغم الخوف والرعب اللّذين يوحي بهما هذا المكان المُتخيّل، فقد كان مصدر طمع كلّ من فرج الدّلال و هادي العتاك. ففرج الدلال طالما أقنع العجوز ببيعها بيته؛ إذ كان يعُد صفقة شرائه له صفقة مربحة (ص 16)، أمّا هادي العتاك فكان يقنعها بأن تبيعه الأنتيكات والأكسسوارات التي يضمها بيتها (ص17). كما كانت الجمعية العراقية المهتمّة بالمباني العتيقة ببغداد تطمع هي الأخرى في اقتناء بيت العجوز، بل وإخراجها منه عنوة. ومع ذلك “لم تكتف العجوز برفض هذه العروض، وإنّما خصت الرّجلين (فرج و العتاك) بالكراهيّة. رمت بهما في الجحيم المؤبّد. رأت في وجهيهما شخصين جشعين بروحين ملوّثتين كبقع حبر على سجّادة رخيصة تصعب إزالتها”[22].
لكن العجوز سرعان ما سترضخ في النهاية إلى طلب كل من فرج الدلال وهادي العتاك، فبعد أن أرسلت ابنتُها ابنَها دانيال إلى أمّها العجوز، رأت هذه الأخيرة في حفيدها صورة ابنها الغائب/الحاضر فقد ظلت تعتبره ابنها وليس حفيدها. وبعد التّطويق المشدّد للمنطقة واستفحال الحرب فيها، رضخت العجوز لطلب الابنة فقبلت الذّهاب معها إلى أستراليا، بعد أن استنفذت ابنتُها كل الوسائل في أن تقنع أمّها لتغادر الحي وتذهب معها إلى هناك.
وقبل أن تغادر العجوز حيّها نادت على كل من الدلال و العتاك، لتبيع الأوّل بيتها وتبيع الثّاني الأثريّات التي يحتوي عليها منزلها بعد مفاوضة طويلة. لكن كلاّ منهما لم ينعم بالصّفقة التي رآها مربحة. فالانفجار الذي شهده حي البتاويين أسهم في تهدم بيت أمّ دانيال. يقول السّارد :”انهار بيت أمّ دانيال تماما. لم تتبقّ فيه حجارة فوق أخرى، فهو الذي استقبل قوّة التّفجير الأكبر. سيعرف فرج الدلال لاحقا (إذ أصيب في الانفجار ونُقل إلى المستشفى)، حين يخرج من المستشفى، أنه أساء تقدير متانة البيت، وأنّ العناية المفرطة لأمّ دانيال هي التي جعلت البيت يبدو بشكل ومظهر جيّد، بينما كانت الرّطوبة قد أتت على جدرانه وأساساته منذ زمن وجعلته، رغم جماله، بناء هشّا “[23] .
أما ديكورات البيت التي اقتناها العتاك من العجوز فبعضها احترق من جرّاء النّيران التي شبّت فيها أثناء الانفجار (ص 304ـ 305)، والبعض الآخر كان قد أخذه الضّباط أثناء تحقيقهم معه وضربهم إياه . فبعد أن استفاق من غيبوبته التي دامت ليلة كاملة، حاول استرجاع ما جرى الليلة الماضية وما فعله به الضّباط، “لم يعرف بعد بأمر اختفاء مدّخراته التي جمعها من عمله المُضني خلال الأسبوع الماضي، وأنّ تمثال العذراء المرصوف بمربّع من الجبس داخل الحائط قد تم تحطيم وجهه، وأن الصّحون الثمينة (التي اقتناها من العجوز) بالإضافة إلى أغلى مقتنياته قد تمّ أخذها. سيُصاب بنوبة غضب شديدة، ولكنّه لن يستطيع القيام بشيء آخر”[24] .
إجمالا فحضور شخصيّة العجوز إيليشوا أوّلا، و الترّكيز على التّفصيل في وصف بيتها ثانيا، لم يكونا محطّ صدفة واعتباطية، وإنّما كانا ذا أبعاد دلاليّة وحجاجيّة (وسيميائيّة أيضا). فحضور ذينك العنصرين يرمز إلى الأقلّيات المسيحيّة في العراق وحرصها على تمثّل موروثها الدّينيّ والعقديّ (عبر حضور عدّة إشارات تدلّ على ذلك: الطّقوس التي كانت تؤدّيها العجوز، حضور عدّة كنائس مسيحيّة…)، كما أنّ تشبّث العجوز المستميت بأمل عودة ابنها الذي استُشهد في إحدى الحروب خارج العراق يعكس تشبّث تلك الأقلّيات التي هُجِّرت إلى بلدان ومناطق أخرى، فظلّت تأمل في عودتها إلى أرضها الأولى/الأم.
3- تخييليّة الأماكن المفتوحة:
وهي الأماكن التي تضمّ أجناسا مختلفة من البشر، وتزخر بأشكال متنوّعة من الحركة و الجلبة وتتمثل عادة في الأماكن العامّة كالشوارع، والأزقة، والأسواق، والمقاهي…
3- 1- الشّوارع :
تعدّ الأحياء والشّوارع والأزقّة أماكن حركة وتنقل الشّخصيات الرّوائيّة، فهي التي تشكّل “الرّكح” الفسيح الذي تتحرّك ضمنه في ذهابها و إيّابها إلى مساكنها وأماكن عملها. وتمدّنا دراسة هذه الفضاءات الانتقاليّة المبثوثة هنا وهناك في النّصّ الرّوائيّ بمادة غزيرة من الصّور والأوصاف التي من شأنها أن تساعدنا في تحديد السّمة أو السّمات الأساسيّة لهذه الفضاءات، ومن ثمّة الإمساك بمجموع الدّلالات المرتبطة بها.
ومما أورده السّارد بخصوص الجَلبة التي تعُمّ هذا المكان الشّاسع قوله: “حدث الانفجار بعد دقيقتين من مغادرة باص الكيا الذي ركبت فيه العجوز إيليشوا أمّ دانيال، التفت الجميع بسرعة داخل الباص، وشاهدوا من خلف الزّحام، وبعيون فزعة، كتلة الدّخان المهيبة وهي ترتفع سوداء داكنة إلى الأعلى في موقف السّيّارات قرب ساحة الطّيران وسط بغداد. شاهدوا ركض الشباب باتجاه موقع الانفجار وارتطام بعض السّيّارات برصيف الجزرة الوسطيّة أو بعضها ببعض وقد استولى الارتباك والرّعب على سائقيها”[25].
إنّ شوارع بغداد المُتخيّلة في النّصّ الرّوائي شوارع تشهد حركة موت مستمرّة، ودماء مسفوكة متجدّدة، وتناثر أشلاء ضحايا هنا وهناك. يقول السّارد: “قرأ ذلك وهو يشاهد على شاشة التّلفزيون الكبيرة في مكتبه الفخم خبرا تلفزيونيا عاجلا يتحدث عن مقتل العشرات على “جسر الأئمة”، بسبب شائعة وجود انتحاري بين صفوف الزائرين. ما أثار حالة من الهلع، ومات البعض دوسا على الأقدام، بينما قضى الآخرون غرقا بعد أن ألقوا بأنفسهم إلى النّهر”[26].
إنّها شوارع تنبئ دائما بوقوع فاجعة انفجار آخر أو عملية انتحارية أخرى، مما يسهم في توقف حركة المارة نتيجة الإنذار المتكرر بحظر التجوال، ” خرج من الحانة (محمود السوادي) ووجد أنّ خطواته كانت تنتظم على الأرض بصعوبة. علم قبل وصوله إلى الشارع أنّه تأخّر كثيرا، وأنّ حظر التّجوال سيبدأ بعد أقلّ من ساعة”[27].
وهكذا فإنّ الشّوارع البغداديّة لا تمثّل فضاء للحياة اليوميّة العاديّة، بل هي مسرح فسيح للانفجارات المتوالية، وتناثر بقايا الجثث البشريّة. ومع انتشار الفوضى وغياب الأمن والاستقرار، بات القانون الحاضر/الغائب هو سيّد الشّارع البغداديّ، وانقسم أفراد الوطن الواحد إلى عشائر وطوائف متعدّدة تحكمهم مليشيات تتقاتل مع بعضها البعض.
نخلص إذن إلى أنّ الحجاج والتّصوير يتضافران في النّصّ السّرديّ (عبر الوصف، الصّورة البلاغيّة، البعد العجائبيّ…)، ذلك أنّ الصّورة الأدبيّة نوع من الحجاج مادام هدفها التّأثير والإقناع، فلا يمكن الحديث عن نصّ لا يوجد فيه إقناع أو تأثير أو جمال أو متعة أو فائدة لاسيّما أنّ البلاغة تكمن في التّلازم بين الحجاج والأسلوب أو بين التخييل والتداول أو بين الإقناع و الإمتاع[28].
فالصّورة السّردية في رواية أحمد سعداوي لا تخلو من أبعاد فلسفية و مرجعية؛ فهي رؤية لعراق الآن، ورؤيا لعراق الغد “عراق جديدة”. كما أنّ الجانب التّخييليّ في الرّواية لا ينفصل عن أبعاده الجماليّة والفنية من جهة، وعن مرجعها الذّاتيّ (الرّاوي) أو الواقعيّ من جهة أخرى (أحمد سعداوي/العراقيّ). فإذا كانت الأبعاد التّصويريّة والتّخييلية آليّة لتأويل الإبداع وتمثّله، فهي أيضا أداة للتّواصل مع الآخر (الأبعاد الحجاجيّة)، وآليّة إجرائيّة لفهم العالم الذي يحيط بالرّاوي، وتقنية أساسيّة لإدراك مصائر شخصيّات الرّواية (التي تتطابق ومصائر أهل العراق في الواقع).
وعلاوة على ذلك تؤدّي الصّورة السّردية الوظيفة التّمثيليّة والإدراكيّة للعالم، وتصبح أداة فنيّة جمالية وثقافيّة وأسلوبية لتفتيق الذّاكرة واسترجاعها؛ فهي تختزن في الرّواية وعيا بالعالم الذي تمثّله أو تتخيّله، بحيث إنّ تتابع الأحداث وتفاعلها في مسار حكائيّ واحد يرتبط بوعي الرّاوي و بفعله، يرسم صورا ترتق أثر المتخيّل والمرجع، وتشكّل نسقا وعلامات تنفتح على التأويل، باعتبار الصّورة شكلا بلاغيّا وحجاجيّا ورمزيّا داخل البناء السّرديّ الذي يروم فهم العالم فتصبح استراتيجيّة سرديّة ـ حجاجية محفّزة داخل تشكّل المكوّنات الأخرى وطريقة في الكلام وأداة للفهم والتّواصل. “فكلّ صورة ترتبط بالذّاكرة وخلفيّاتها القاعديّة المتّصلة بالإدراك تعتبر هويّة نسقيّة في ذهن الرّاوي الذي يعمد إلى التّحكّم في سروده، ويدرك الأبعاد التّمثيليّة للدّلالات. وبالتّالي تتّجه الصّورة إلى تشكيل إدراك يتشرّب تلاقح ثقافة الرّاوي بأوعاء شخوصه ومتلقّيه، استنادا إلى اختيار الوجوه البلاغيّة (والأساليب الحجاجيّة) المنتجة للفهم والتّأويل”[29].
3- 2- بغداد :
تمثّل بغداد المكان الواسع في النّصّ الرّوائي التّخييليّ. فقد شغلت حيّزا مهمّا للأحداث التي تضمّنتها. إلا أنّ المؤلّف لم يعمد إلى الاستفاضة في الحديث عن بغداد، وإنّما اكتفى بذكرها وذكر بعض الأماكن والأحياء و البنايات فيها. ونذكر منها:
“ستقول جارات العجوز إيليشوا في زقاق 7؛ أنّها غادرت حيّ البتاويين، ذاهبة إلى الصّلاة في كنيسة مارعوديشو (يرعاها الأب الآثوري الشّاب يوشيّا) قرب الجامعة التّكنولوجيّة “[30] .
“منذ ضرب الأمريكان لبدالة العلويّة بالصّواريخ، ثمّ دخولهم إلى بغداد (…) [تحوّلت] المدينة إلى مكان موبوء بالموت”[31]
“شاهدوا من خلف الزّحام وبعيون فزعة، كتلة الدّخان المهيبة وهي ترتفع سوداء داكنة إلى الأعلى في موقف السّيارات قرب ساحة الطّيران وسط بغداد” [32].
وهكذا جعل المؤلّف بغداد بأزقّتها وشوارعها الفضاء الأعمّ لكافّة الجرائم التي يقترفها المجرمون والسّاسة المفسدون.
وجعلها مرتعا شاسعا لجرائم الشّسمة المتكرّرة “هناك إخباريّات عن مجرمين يتمّ إطلاق النّيران عليهم ولكنّهم لا يموتون. أكثر من إخباريّة من مناطق متفرّقة في بغداد. يخترق الرّصاص رأس المجرم أو جسده ولكنّه يستمرّ في المسير ويواصل هربه ولا تسقط منه دماء”[33] .
مثّلت إذن أحداث بغداد مادّة دسمة للصّحفيّين ومراسلي القنوات الأجنبيّة، يقول السّارد:”كانت الصّحفيّة الألمانية ترافق محمود السّوادي في يوم عمل معتاد من أجل إعداد فيلم وثائقيّ عن عمل الصّحفيّين العراقيّين داخل بغداد، تصوّره وهو يتجوّل ويجمع مادّته من الشّارع، مع تعليقات منه على الأحداث والمصاعب التي يواجهها”[34]
3-3- حيّ البتاويين:
يزخر النّصّ الرّوائيّ بالعديد من السّاحات (ساحة الطّيران، ساحة الأندلس، ساحة النّصر،..)، والمدن (بغداد، مدينة النّصر…)، والمناطق (مناطق الكاظميّة، عينكاوا، الكرادة…)، والشوارع (شارع أبي نواس، شارع السّعدون…)، والأسواق (سوق الهرج،…) والأحياء (حيّ المنصور، زقاق 7، حي الزّعفرانية، حيّ الآثوريين…)، إلا أنّ “حيّ البتاويين” شكل المكان الرّئيس الذي تدور حوله معظم أحداث الرّواية. وهو حيّ شعبيّ وسط بغداد. بُنيَ منذ الثّلاثينات من القرن الماضي. ومع الوضع الجديد في بغداد أصبح يعجّ بالغرباء الذين تراكموا فوق بعضهم البعض. إضافة إلى أنّه المكان الذي يسكن فيه أبطال الرّواية (هادي العتاك، العجوز إيليشوا، أبو أنمار، فرج الدلال…).
ومن ثمة، فهذا الحيّ يمثّل التّشكيلة الحقيقيّة للكثير من أحياء بغداد القديمة، فالعجوز الآثوريّة إيليشوا تسكن في بيت بناه اليهود في الحيّ، وجارتها المسلمة (أم سليم البيضة) تتبارك بوجودها هناك، بينما يستعمل جارها الجشع (فرج الدلال) جارتها الأرمنيّة (فيرونيكا منيب أم آندور) لإقناع إيليشوا ببيع بيتها للجنوبيّأبو أنمار صاحب فندق “العروبة” الذي يجد نفسه وحيدا بعد غياب سلطة الدّولة بسبب الاحتلال الأمريكيّ، هادي العتاك المتشرّد الكذّاب يستحوذ على بيت مهدّم (في الخرابة اليهوديّة) بسبب غياب سلطة الدّولة أيضا.
فالمؤلّف يبرع في وصف هذا الحيّ لاسيّما في التقاط يوميّات النّساء اللّواتي يقطنّ فيه، إلى درجة أنّ القارئ قد يراها مبالغة. إنّ الكاتب يجسّد هذا الحيّ في صورة مأوى يجمع أجناسا مختلفة من البشر، ومن ثمّة توجّهات فكريّة ودينيّة متنوّعة. إذ يرسم لنا كيف تتداخل طقوسهنّ الدّينيّة بحيث تضيع الحدود بين الدّيانات المختلفة، فالسّارد يتحدّث عن العجوز الآثوريّة:”وضعت قبضة الحنّاء الدّاكنة على حائط الكنيس اليهوديّ المهجور، وكذلك على باب “الأورفلي” المطلّ على مدخل شارع السّعدون وهو الجامع الوحيد في حيّ البتاويين”[35].
رغم حالة الهدوء التي قد تبدو على هذا الحيّ، فقد كان يشهد باستمرار أكبر الانفجارات التي تلحق العراق لموقعه الجغرافيّ الذي يناسب هذه التّفجيرات. إذ يتوسّط العاصمة بغداد. يقول السّارد “(…) كان (الانفجار) أسوأ ما حصل للمنطقة على الإطلاق. منذ تأسيسها في مطلع القرن الماضي كأفضل الأحياء السكنية وسط بغداد (…) رجّ الانفجار المنطقة كلّها (…) انهار بيت أمّ دانيال (…) وانهارت أيضا الغرفة المتهالكة التي يسكن فيها هادي العتاك (…) وقذف العصف المفاجئ بفرج الدلال عدّة أمتار في الهواء وأصابه بجرح شديد في وجهه”[36] .
وبتوالي النّكبات على هذا الحيّ تحوّل “في نهاية الثّمانينات ومطلع التّسعينات إلى بؤر لبيوت الدّعارة و صناعة المشروبات الكحوليّة المنزليّة، واكتشاف عصابات للخطف والتّجارة بالنّساء والأطفال و الأعضاء البشريّة في بعض بيوت المنطقة “[37] .
وكيف لا يعرف هذا الحيّ الموت باستمرار! وقد شهد ميلاد ” الشّسمة” الذي صنعه هادي العتاك في غرفته بـ “الخرابة اليهوديّة”، “الشّسمة” الذي كان مخلّص أرواح الأبرياء من بطش القتلة الظّالمين، و أصبح هو المجرم نفسه الذي يقتل لا من أجل الاقتصاص والانتقام للضّحايا، بل من أجل البقاء على قيد الحياة. فبدأت مسيرة بحث الشّرطة العراقيّة والقوات الأمريكيّة عنه من مكان ميلاده الأوّل وهو “حيّ البتاويين”. هذا الحيّ الذي شهد حلول روح الحارس حسيب محمد جعفر في جثّته (أي جثّة الشّسمة)، بينما كان منطرحا في غرفة العتاك. ورد على لسان المنجّم الأكبر وهو يخاطب العميد سرور محمد مجيد بخصوص مكان وجود “الشّسمة” قوله :”إنّه هنا. في هذا البيت بـ”البتاويين”. هو نائم الآن وعليك أن تتحرّك فورا لإلقاء القبض عليه قبل أن يصحو”[38].
3- 4- مقهى عزيز المصري:
وهو المكان المفضّل لدى هادي العتاك، إذ يجد فيه أريحيّته في سرد حكاياته الخرافيّة وأساطيره العجيبة وحوادثه الغريبة. فهذا المكان (المقهى) شهد قصّة “الشسمة” كلّها على لسان هادي، إلا أنّ الرّجال الموجودين بالمقهى يجدون ما يحكيه (هادي) ضربا من الكذب ـ الذي عهِدوه به ـ والخرافة. فكانوا يضحكون ويرون أنها حكاية مثيرة وطريفة. يقول السّارد: “هاهو في مقهى عزيز المصريّ، على التّخت الذي في الزاوية الملاصقة لزجاج واجهة المقهى، يجلس ويمسح على شاربيه ولحيته المفرّقة، ثمّ يطرق بالملعقة الصّغيرة بقوّة (…) قبل أن يبدأ بسرد حكايته “[39]. نلاحظ أنّ السّارد لم يُعْنَ بوصف المقهى، وإنّما اكتفى بنقل ما كان يحدث فيه من وقائع وأحداث. ورصد ردود أفعال الذين يستمعون لحكايات هادي العتاك. فعزيز المصريّ وإن كان يُكذِّب أحاديث العتاك، فقد رأى في حكاياته مكسبا له؛ إذ تسهم في جلب عدد كبير من الزبائن. يقول السّارد: “وهذه المرّة على شرف بضعة ضيوف جدد أغراهم عزيز المصري بسماع حكايات وأكاذيب هادي العتّاك “[40].
4- خاتمة:
نخلص ممّا أسلفنا قوله إلى أنّ الفضاء في رواية “فرانكشتاين في بغداد” فضاء يعجّ بالأحداث الدّمويّة الصاخبة، والموت المتكرر. هذا الموت الذي لم يطل البشر فقط ، وإنما لحق أيضا شوارع المدينة وأزقتها وأحياءها جميعا؛ لتكون بغداد مسرحيّة تراجيديّة طويلة بعنوان “الموت يطال الجميع ـ البشر والأشياء معا”.
هكذا نخلص من جردنا لأهمّ الأمكنة المُتخيلة في النّصّ الرّوائيّ؛ إلى أنّ توظيف الكاتب لأمكنة بعينها ليس محط ّصدفة أو ضربا من الاعتباطية. فأحمد سعداوي يطمح إلى إثارة فضول القارئ بل وزعزعة قناعاته عبر درجات التمويه التي يخلقها لديه من خلال ما يتضمنه نصّه الإبداعيّ من فضاءات وأماكن قد تتطابق مع نظائرها في الواقع. والأمر نفسه ينطبق مع رواية أحمد سعداوي. فالأماكن المغلقة والمفتوحة التي جرت فيها أحداث النّصّ الإبداعيّ تتطابق مع بعض الأمكنة العراقية. ومع ذلك تبقى أماكن مُتخيلة من وحي ذاكرة مبدعة.
إلا أنّ هذا التّخييل على مستوى فضاءات الرّواية لم يخل هو الآخر من حمولات حجاجيّة؛ فحتى يزيد المؤلف من درجة إيهامنا بواقعية الأحداث والأماكن التي تجري فيها، عمد إلى استثمار فضاءات مكانية وأحداث تاريخيّة محدّدة تحديدا زمنيا تتشابه مع فضاءات العراق الفعلية وأماكنها. وحتى يؤكد أنّ “حيّ البتاويين”ـ المكان الرّئيس في الرّواية ـ، المُتخيّل هو عينه الموجود وسط بغداد، ضمَّن سرده أوصافا ونعوتا تشير إلى عَراقة هذا الحيّ وقِدمه.
هذه العراقة التي أراد لها الكاتب أن تعكس التّنوّع العرقيّ والديني والطّائفيّ لمختلف الطّبقات والفئات الاجتماعيّة التي قطنت بغداد منذ غابر العصور، فوظّف الشّخصيّة المسلمة واليهوديّة والسّريانيّة، والمسلمة التّاركة (السّعيدي/ انظر ص90)، والبعثيّة (العميد سرور (انظر ص90)…، كلّ واحدة تعبّر عن رؤيتها الخاصّة وموقفها الذّاتيّ وقناعاتها الشّخصيّة. وكان “الشسمة” النّموذج الأمثل للترّكيبة الاجتماعيّة والدّينيّة الأولى لأهل العراق.
ليكون بذلك الطّابع البوليفونيّ (تعدّد الأصوات في الرّواية) هو الآخر موجّها حجاجيّا؛ يتعرّف القارئ من خلاله على وجهات نظر الشّخصيّات، وكذا على مواقفها ورؤاها الذّاتيّة والموضوعيّة التي تتبنّاها داخل النّصّ السّرديّ. فالحجاج لا يعدو أن يكون تنويعا على وجهة النّظر داخل السّرد التّخييليّ[41].
قائمة المراجع المعتمدة:
المصدر الروائي:
- أحمد سعداوي، فرانكشتاين في بغداد، منشورات الجمل، بغداد العراق، الطبعة الأولى، 2013.
المراجع:
- حسين علاّم، العجائبي في الأدب من منظور شعرية السّرد، الدار العربية للعلوم، ناشرون، بيروت ـ لبنان، ومنشورات الاختلاف، الجزائر، الطبعة الأولى، 2009.
- ديفيد وورد، الوجود والزّمان والسّرد ـ فلسفة بول ريكور، ترجمة سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي، الدّار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى، 1999.
- رولان بارت، البلاغة القديمة، ترجمة وتقديم عبد الكبير الشّرقاويّ، نشر الفنك للّغة العربية، (د. ط)، 1984 .
- محمد صابر عبيد وسوسن هادي جعفر البياتي: جماليات التشكيل الروائي (دراسة في الملحمة الروائية )، دار الحوار للنشر و التوزيع، سوريا، الطبعة الأولى، 2008.
- محمد مشبال، البلاغة و الأدب البلاغة و الأدب، من صور اللغة إلى صور الخطاب، دار العين، القاهرة، مصر،الطبعة الأولى، 2010.
- محمد نجيب العمامي، تحليل الخطاب السردي (وجهة النظر و البعد الحجاجي)، منشورات وحدة الدراسات السردية، كلية الآداب والفنون والإنسانيّات بمنوبة، دار مسكيلياني للنشر، 2009.
المقالات:
- شعيب حليفي: هوية العلامات، هوية العلامات، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى، 2005،
- عبد الغني بن الشيخ: التخييل و خدع التمويه السردي، مجلة الآداب، جامعة محمد بوضياف، المسيلة، الجزائر، العدد 10، 13/06/2009.
- محمد الولي: “مدخل إلى الحجاج أفلاطون و أرسطو و شايم بيرلمان”، ضمن : الحجاج مفهومه و مجالاته، مجلة (عالم الفكر)، العدد2، المجلد 40، أكتوبر ـ ديسمبر 2011.
الأطروحات:
- عبد الله ونوغي: البعد العجائبي في رواية فرانكشتاين في بغداد لأحمد سعداوي، رسالة ماجستير، جامعة محمد بوضياف بالمسيلة، كلّية الآداب و اللّغات، قسم اللّغة و الأدب العربيّ، 2016 ـ 2017.
[1]– محمد صابر عبيد، سوسن هادي جعفر البياتي، جماليات التشكيل الروائي (دراسة في الملحمة الروائية )، دار الحوار للنشر و التوزيع، سوريا، الطبعة الأولى، 2008، ص171 .
[2]– حسين علام، العجائبي في الأدب من منظور شعرية السرد، الدار العربية للعلوم، ناشرون، بيروت ـ لبنان، ومنشورات الاختلاف، الجزائر، الطبعة الأولى، 2009، ص161.
[3]– أحمد سعداوي، فرانكشتاين في بغداد، منشورات الجمل، بغداد العراق، الطبعة الأولى، 2013، ص30.
[4]– المرجع نفسه، ص30.
[5]– المرجع نفسه، ص30-31.
[6]– المرجع نفسه، ص33-34.
[7]– أحمد سعداوي، فرانكشتاين في بغداد، (مصدر مذكور)، ص 216.
[8]– هو كل شيء إذا صح في ذاته لزم عنه شيء آخر. وهو يقوم على الانطلاق من مقدمة كبرى تليها مقدمة صغرى، ثم الاستنتاج في الأخير، ومثال ذلك القول الآتي: “كل الناس فانون (المقدمة الكبرى)، سقراط إنسان (المقدمة الصغرى)، إذن سقراط هو بالضرورة فان (الاستنتاج)”. محمد الولي: “مدخل إلى الحجاج أفلاطون وأرسطو و شايم بيرلمان”، ضمن : الحجاج مفهومه و مجالاته، مجلة (عالم الفكر)، الكويت، المجلد 40، العدد2، أكتوبر ـ ديسمبر 2011، ص30.
[9]– رولان بارت، البلاغة القديمة، ترجمة و تقديم عبد الكبير الشرقاوي، نشر الفنك للغة العربية، (د. ط)، 1984 ، ص 109.
[10]– أحمد سعداوي، فرانكشتاين في بغداد ، (مصدر مذكور)، ص304-305.
[11]– أحمد سعداوي، فرانكشتاين في بغداد (مصدر سابق)، ص86.
[12]– المصدر نفسه، ص308-309.
[13]– المصدر نفسه، ص151.
[14]– أحمد سعداوي، فرانكشتاين في بغداد (مصدر سابق)، ص220.
[15]– المصدر نفسه، ص219.
[16]ـ- المصدر نفسه، ص20.
[17]– أحمد سعداوي، فرانكشتاين في بغداد (مصدر سابق)، ص22.
[18]– المصدر نفسه، ص23-24.
[19]– المصدر نفسه،ص6.
[20]– أحمد سعداوي، فرانكشتاين في بغداد (مصدر سابق)، 22.
[21]– المصدر نفسه، ص23.
[22]– المصدر نفسه، ص18.
[23]– المصدر نفسه،ص304.
[24]– أحمد سعداوي، فرانكشتاين في بغداد (مصدر سابق)، ص231.
[25]ـ المصدر نفسه، ص11.
[26]– أحمد سعداوي، فرانكشتاين في بغداد (مصدر سابق)، ص123.
[27]– المصدر نفسه، ص275.
[28]– محمد مشبال، البلاغة و الأدب، من صور اللغة إلى صور الخطاب، دار العين، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 2010،ص13 .
[29]– شعيب حليفي، هويّة العلامات، هويّة العلامات، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى، 2005، ص 160 (بتصرف).
[30]– أحمد سعداوي، فرانكشتاين في بغداد، (مصدر سابق)، ص11.
[31]– المصدر نفسه، ص12.
[32]– المصدر نفسه، ص11 .
[33]ـ المصدر نفسه،ص88-89.
[34]– المصدر نفسه، ص25-26.
[35]– أحمد سعداوي، فرانكشتاين في بغداد (مصدر سابق)، ص105 .
[36]– المصدر نفسه،ص304-305.
[37]– أحمد سعداوي، فرانكشتاين في بغداد (مصدر سابق)، ص304.
[38]– المصدر نفسه، ص300.
[39]– المصدر نفسه، ص25.
[40]– المصدر نفسه، ص 25.
[41]– ينظر: محمد نجيب العمامي،تحليل الخطاب السردي (وجهة النظر والبعد الحجاجي)، منشورات وحدة الدّراسات السّرديّة، كلّية الآداب والفنون والإنسانيّات بمنّوبة، دار مسكيلياني للنّشر، 2009.