ملخّص:
يهدف هذا العمل إلى دراسة جانب من تراثنا الشّعري الهزلي الذّي أهملته الدّراسات النّقديّة والتّاريخيّة قديما وحديثا لأسباب دينيّة واجتماعيّة وعرقيّة وسياسيّة. واخترنا اللّباس موضوعا للبحث في هذه المدوّنة الشّعريّة بأدوات منهجيّة حديثة لتجديد النّظر إلى تراثنا في ضوء تطوّر المناهج النّقديّة، وقد درس النّقّاد اللّباس من منطلقات تاريخيّة. وركّزت الشّكلانيّة والبنيويّة على دراسة النصّ باعتباره بناء مغلقا على ذاته، فتجاوزنا ذلك إلى البحث في الشّعريّة غير اللّغويّة في الأشياء مستفيدين من الظّاهراتيّة والسّيميائيّة والإنشائيّة والتّداوليّة والتّأويليّة لدراسة شعريّة اللّباس في نماذج من الشّعر الهزلي لأبي دلامة وشبل الدّولة والحَمْدَوِي.
فقد اضطلع اللّباس بوظائف جماليّة ودلاليّة عديدة، ومثّل مصدرا لصناعة القبح والإضحاك والسّخرية بشكل مكثّف ومبالغ فيه نوعيّا وكميّا. فأنتج اللّباس معاني هزليّة ساخرة. وتحوّل إلى وسيلة لمسخ صورة الجسد مسخا مضحكا، فصنع مفارقات ومبالغات ومفاجآت هزليّة في صور شعريّة كاريكاتوريّة مضحكة تشبه الحيوان حينا والجماد أحيانا أخرى. وفي مرحلة ثانية عرضنا إلى شعريّة اللّباس باعتباره خطابا ساخرا. فجاء الطّيلسان المُهْدى إلى الحمدوي محمّلا برسائل مشفّرة كثيرة من المُهدي ابن حرب والمُهْدَى إليه الحمدوي. فبواسطته سخر كلّ منهما من الآخر. وهي سخريّة ضمنيّة تستخلص من تأويل صفات الطّيلسان ومن سياقات إهدائه القوليّة وغير القوليّة. ومن هذه الزّوايا المنهجيّة والمعرفيّة والتّراثيّة يكتسي عملنا طرافته.
الكلمات المفاتيح : الشعريّة، اللّباس، الهزل، المبالغة، المفارقة، خطاب، مسخ، سخرية.
Abstract:
This work aims to study an aspect of our comic poetic heritage that has been neglected by critical and historical studies, past and present, for religious, social, ethnic and political reasons. Dress up on grounds Formalism and structuralism focused on studying the text as a structure closed on itself, so we went beyond that to research the non-linguistic poetics of things, benefiting from the phenomenological, semiotic, structural, pragmatic, and interpretative studies of the poetics of clothing in models of the comic poetry of Abu Dulama, Shibl al-Dawla, and Al-Hamdawi.
The dress has assumed many aesthetic and semantic functions, and it has been a source of ugliness, laughter, and sarcasm in an intense and exaggerated manner, qualitatively and quantitatively. In a second stage, we presented the poetics of the dress as a satirical discourse. The talisman, which was presented to Al-Hamdawi, came loaded with many encrypted messages from Al-Mahdi Ibn Harb and the one addressed to Al-Hamdawi. Through it, each of them mocked the other Anecdotal. From these methodological, cognitive and traditional angles, our work acquires its novelty.
Key words: Poetics, dress, humor, exaggeration, irony, speech, deformity, sarcasm.
1- مقدمة:
يمثّل اللّباس مدخلا مهمّا لدراسة الأدب نثره وشعره في ضوء تطوّر المناهج النقديّة الحديثة. وقد تغنّى به العرب في “شعر الجدّ”. وتفنّنوا في وصفه[1]. وكان اللّباس في تراثنا الشّعري موضوعا لدراسات انتربولوجيّة واجتماعيّة[2] قليلة. لكنّنا هنا نقارب اللّباس في “شعر الهزل” من منظور جديد. فاللّباس وغيره من الأشياء تحمل صبغة أدبيّة منتجة للمعنى و”معنى المعنى” عندما تكون في النصّ. وذلك من خلال أدوارها الجديدة التّي تسند إليها في الخطاب الأدبي خلافا لوظائفها المرجعيّة في الواقع المحسوس. فتساهم في إنتاج معاني النصّ ودلالاته الخفيّة وتقنياته الجماليّة. وهو ما يصبغ عليها صفة “الأدبيّة” أو “الشّعريّة”. فقد اضطلع اللّباس في تراثنا الشّعري الهزلي بوظائف جماليّة ودلاليّة عديدة، فكان مصدرا للإضحاك، وأنتج معاني هزليّة متنوّعة وصورا ساخرة عديدة. وقد بينّا سابقا الدور الهزلي للّباس للتّعبير عن أفكار لابسه ضمن ما يسمّى بـ “باروديا الأفكار” أو “بورلاسك الأفكار”[3] وواصلنا البحث في هذا الموضوع من خلال علاقة اللّباس بجسد صاحبه لا بإيديولوجيّته. فلاحظنا دور اللّباس في مسخ الجسد مسخا هزليّا، واكتشفنا كيف يكون اللّباس خطابا ساخرا من خلال نماذج من الشّعر الهزلي العربي القديم. فـ”ليس الزيّ وحده يتكلّم، وإنّما أيضا علاقته التّاريخيّة مع الجسد”[4] كما يقول جون بانو( Georges BANU). ويندرج عملنا هذا ضمن اهتمامنا بدراسة الهامشيّ من تراثنا الهزلي المغيّب في النّقد الأدبي قديمه وحديثه[5].
2- المهاد النّظري:
2- 1- اللباس:
يعرّف ابن منظور اللّباس بقوله “اللّباس: ما يُلبَسُ”[6]. فـ “السَّرَاوِيلَ مِنْ لِبَاسِ الرِّجْلين”[7] “والعِمامةُ: مِنْ لِبَاسِ الرأْس”[8]. وبناء عليه فإنّ اللّباس هو كلّ ما يغطّي أجزاء الجسد العلويّة والسّفليّة. فيُقال “الثَّوْبُ: اللِّباسُ” و “اللَّبُوس: مَا يُلبس” و “وَرَجُلٌ لَبِيسٌ: ذُو لِبَاسٍ… ولَبُوسٌ: كَثِيرُ اللِّباس”[9]. وقد استعمل العرب اللّباس بمعنى الغطاء في سياقات مجازيّة كثيرة، فقالوا “حَبْل لَبيسٌ: مستعمَل. . . واللَّبُوس: الثِّيَابُ والسِّلاح. . . ولِباس الرَّجُلِ: امرأَتُه، وزوجُها لِباسُها. وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي النِّسَاءِ: هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ؛ أَي مِثْلُ اللِّباسِ. . . كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها. وَالْعَرَبُ تسَمِّي المرأَة لِباساً وإِزاراً. . . وَيُقَالُ: لَبِسْت امرأَة أَي تمتَّعت بِهَا زَمَانًا، ولَبِست قَوْماً أَي تملَّيْت بِهِمْ دَهْرًا. . . وَيُقَالُ: لَبِسْت فُلَانَةً عُمْرِي أَي كَانَتْ مَعِي شَبابي كلَّه. وتَلَبَّسَ حُبُّ فُلَانَةٍ بَدَمِي ولَحْمِي أَي اخْتَلَطَ. وقَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً، أَي تَسْكُنُون فِيهِ، و َهُوَ مشتملٌ عَلَيْكُمْ. وَقَالَ أَبو إِسحق فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ، جاعُوا حَتَّى أَكلوا الوَبَرَ بالدَّمِ وَبَلَغَ مِنْهُمُ الجُوعُ الحالَ الَّتِي لَا غَايَةَ بَعْدَهَا، فضُرِبَ اللِّباسُ لِمَا نَالَهُمْ مَثَلًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى لابِسِه. ولِباسُ التَّقْوَى: الحياءُ؛ هَكَذَا جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ، وَيُقَالُ: الْغَلِيظُ الخشِنُ الْقَصِيرُ. وأُلْبِسَتِ الأَرض: غطَّاها النَّبْتُ. . . والمَلْبَسُ: كاللِّباسِ. وَفِي فُلَانٍ مَلْبَسٌ أَي مُسْتَمْتَعٌ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ إِن فِي فُلَانٍ لمَلْبَساً أَي لَيْسَ بِهِ كِبْرٌ، يُقَالُ: كِبَرٌ، وَيُقَالُ: لَيْسَ لِفُلَانٍ لَبِيسٌ أَي لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ. . . وَرَجُلٌ لَبَّاسٌ وَلَا تَقُلْ مُلَبِّس. . . ابْنِ صَيَّادٍ : فَلَبَسَني، أَي جَعَلني أَلْتَبِسُ فِي أَمره. . . والمِلْبَس: الَّذِي يلبسُك ويُجلِّلك. والمِلْبَسُ: اللَّيْلُ بعَيْنه كَمَا تَقُولُ إِزارٌ ومِئْزَرٌ ولِحافٌ ومِلْحَفٌ”[10]
ويعدّ اللّباس حقيقة ومجازا من اهتمامات الإنسان في تفكيره وحياته عبر التّاريخ. فمن وظائفه تجميل الجسد وإخفاء قبحه[11]وحمايته من الأخطار التّي تهدّده ومن عيون المجتمع بسبب الحياء من التعرّي. لذلك فاللّباس “بيت دافئ متحرّك، بل هو جسم ثان حول جسمك، تقيم فيه نفسك العجيبة آمنة السّرب لا تبالي بتقلّب الأنواء”[12] واللباس يعبّر عن هويّة صاحبه العرقيّة والدّينيّة والفكريّة[13]. لذلك مثّل مبحثا مهمّا في العديد من الحقول المعرفيّة الانتربولوجيّة واللسانيّة والدّينيّة (فقه اللّباس) والفلسفيّة[14]. وقد تغنّى به العرب في أشعارهم[15]. أمّا في الأدب فللّباس وظائف فنيّة وجماليّة عديدة داخل النصّ الإبداعي، سمّيت في النّقد الأدبي بــ “شعريّة اللّباس”.
2-2- في الشعريّة وشعريّة اللّباس:
إنّ “الشّعريّة” هي ترجمة من بين ترجمات عربيّة عديدة[16] لمصطلح”Poétique”. وهو مأخوذ عن أرسطو (Aristote)من كتابه “فنّ الشّعر”، ويحمل هذا المصطلح في أصله اللّغوي معاني الخلق والابتكار[17]. وقد استعمله صاحبه لبحث خصائص الأجناس الأدبيّة في عصره. ثم أحياه الشكلانيون الرّوس في الثلاثيات القرن الماضي، ويعتبرون أنّ موضوع الأدب هو الأدبيّة، وهي الميزات الدّاخليّة الخاصّة للعمل الأدبي التّي تمنحه تفرّده وتميّزه. وذلك ردّا على المناهج الاجتماعيّة والنّفسيّة التّي تحللّ النّصوص من خارجها عن طريق الإسقاط النّفسي والاجتماعي. وعلى هذا الأساس تأسّس المنهج الإنشائي في أقطار العالم، فاستعمله جاكبسون ( Roman Jakobson) لدراسة الشّعر[18]، ونظّر له تودوروف (TzvetanTodorov) في كتابيْه “الشّعريّة” و “شعريّة النّثر”، واستخدمه باختين ( Mikhail Bakhtine)في دراسة “شعريّة دوستيفسكي” وغيرهم كثيرون وصفوا خصوصيّة العمل الأدبي شعرا أو نثرا، معتمدين المنهج البنيوي واللّسانيات لدراسة العلاقات الدّاخليّة للأثر الإبداعي[19].
ثمّ توسّع هذا المصطلح فاُستعمل سيميائيّا لتحليل الخطابات والعلامات غير اللّغويّة[20]. فتحدّث جون كوهين (John Cohen) عن “شعريّة العالم” مستفيدا من اللّسانيات النّفسيّة والفلسفة الظّاهراتية، وذلك عندما ربط بين “شعريّة اللّغة” و “شعريّة العالم“. واعتبر الشّعريّة تنتمي إلى العالم مثل انتمائها إلى النصّ[21]. ولذلك وجب على القوانين المستنبطة من لغة الشّعر أن تبرهن على وجاهتها بقدرتها على وصف “شعر الواقع غير اللّساني” extra-linguistique) ( poésie. فالشّعر-بحسب كوهين-متحقّق في اللّغة وخارجها. لذلك ميّز بين ضربين من الشّعر “الشّعر اللّفظي“poésie verbale)) و “الشّعر غير اللّساني” poésie extra-linguistique. ويعتبر كوهين بعض الأشياء في العالم شعريّة بذاتها. ولا يتحقّق ذلك إلاّ إذا “أبانت الإنشائيّة عن قدرتها على تجاوز الكلمات إلى الأشياء”[22] ويقول “لسنا نعتقد أنّ الظّاهرة الشّعريّة تنحصر في حدود الأدب، وأنّه من غير المشروع البحث عن بعض أسبابها في كائنات الطّبيعة وفي ظروف الحياة. إذ يمكن أن نحاول تأسيس إنشائيّة عامّة تتدبّر الخواصّ المشتركة بين كلّ الموضوعات المهيّأة لإحداث انفعال شعري سواء أكانت فنيّة أم طبيعيّة “[23]
لهذا تحدّث آخرون عن “خطاب الأشياء”[24] وعن “سيمياء الكون” (يوري لوتمان Youri Lotman) و”سيمياء المرئي”(جاك فونتانيJacques Fontanier) وعن “العلامة المرئيّة”(مجموعة مو Groupe µ)، وعن سيمياء اللّباس. فشكّل الثّوب عندهم خطابا. يقول جورج بانو( Georges BANU) “ليس الزيّ وحده يتكلّم، وإنّما أيضا علاقته التّاريخيّة مع الجسد”[25] ويعتبر “جوزاف كورتاي”( Joseph Cartier) اللّباس وجها مجازيّا (figure) شأنه في ذلك شأن كلّ الوجوه البلاغيّة، ويعتبر أنّ اللّباس يحمل معنى مجازيّا (sens figuratif )، وهو علامة دالّة (trait significatif) في النصّ الأدبي شأنه شأن بقيّة العلامات اللّسانيّة. ويرى أنّ اللّباس له وظيفة مزدوجة: تزيينيّة (ornemental)ومجازيّة (figuratif)[26]. ونبّه فيليب هامون ( Philippe Hamon) إلى الأهميّة الدّلاليّة للّباس في الأعمال الهزليّة، فقال “في الكوميديا. . . تشتغل الأقنعة والملابس والأسلوب الكلامي. . . باعتبارها مجموعة من الإشارات التّي تقوم بتعيين البطل”[27]
وفي هذا الإطار تحدّث رولون بارط ( Roland Barthes) عن “دلالة الشيء” [28]( sémantique de l’objet) فاعتنى بدراسة “شعريّة اللّباس”[29] (la poétique du vêtement) وبحث في “علامة اللباس”[30](signe vestimentaire) و “اللّباس المكتوب”(vêtement écrit) [31] من منظور سيميائي[32] وإنشائي. ثمّ أصبح مصطلح “الشعريّة” مستخدما بكثرة اليوم في الدّراسات النّقديّة العربيّة[33]. ومنها عملنا هذا الذّي نبحث فيه “شعريّة اللّباس” في نماذج من الشعر الهزلي العربي القديم. فللّباس وظائف شعريّة عديدة، من بينها مسخ الجسد.
3- اللّباس ومسخ الجسد :
إنّ المسخ هو “تحويل صورة إلى صورة أخرى أقبح منها. وفي التّهذيب: تحويل خلق إلى صورة أخرى”[34] ويتمّ مسخ الجسد وتقبيحه عادة في الشّعر الهزلي عن طريق التشبيهات بالحيوانات[35]. فنحصل على “جسد مشوّه”(corps déformé)[36]. وفي هذا العمل نعرض إلى اللباس وسيلة أخرى لمسخ الجسد وتحويله تحويلا هزليّا. فقد خلق اللباس صورا شعريّة كاريكاتوريّة جديدة ومعاني هزليّة فريدة. ومنها مسخ الجسد حيوانا مرّة وجمادا مرّة أخرى.
3- 1- مسخ الجسد حيوانا:
إنّ مسخ اللّباس لجسد الإنسان حيوانا تجسّده العمامة التّي جعلت لابسها الأسود شبيها بالقرد، وذلك في هجاء أبي دلامة(ت160ه) لنفسه عندما قال: (الوافر)
أَلاَ أبْلِغْ لَدَيْكَ أبَا دُلاَمَة. . . فَلَسْتَ مِنَ الكِرَامِ وَلاَ كَرَامَهْ
جَمَعْتَ دَمَامَةً وَجَمَعْتَ لُؤْمًا. . . كَذَاكَ اللُّؤْمُ تَتْبَعُهُ الدَّمَامَهْ
إذَا لَبِسَ العِمَامَةَ قُلْتَ قِردًا. . . وَخِنْزِيرًا إذَا نَزَعَ العِمَامَهْ[37]
لقد صيّرت العمامة صاحبها في صورة قرد، وهي صورة قبيحة. فحوّلت صورته من إنسان إلى حيوان قبيح، فسلبته إنسانيّته، وصيّرته شبيها بالقرد الذّي يمثّل النّموذج الأعلى للمسخ والقبح وشدّة العقاب[38] في الثقافة العربيّة الإسلاميّة[39]. و”المسخ عملية مهينة فيها تجريد للممسوخ من إنسانيته وتحقير من شأنه”[40] وهذا المسخ فيه سخرية من الذّات رغم ما في ذلك من معاني الإذلال والإهانة. فصنعت العمامة صورة شعريّة كاريكاتوريّة للابسها. وهذا وجه من وجوه شعريّة اللّباس في التراث الشعري الهزلي حين يصنع صورا شعريّة للقبح المضحك.
والمضحك الثّاني في العمامة هو أنّ الوظيفة الأصليّة للّباس هي تجميل الجسد[41] وإخفاء قبحه[42]، لكنّ اللّباس هنا تنكّر لوظيفته الأساسيّة هذه. فشوّه الجسد وقبّحه. وجعل من صاحب الجسد قردا وخنزيرا. فخيّب اللّباس انتظارات صاحبه، فبدل أن يغطّيَ قبحه، كشف اللّباسُ هذا القبح وأظهره. فعرض ما كان محجوبا. فبقي أبو دلامة قبيحا. وهذا يدلّ على أنّ قبحه وسواده كالمرض العضال لن يبرؤ منه. فهو قبح دائم مستمرّ لا خلاص منه، ولا ينفع معه لباس ليحجب هذا السّواد القبيح. وهذا وجه من وجوه الإضحاك في هذا التّحويل الهزلي بواسطة اللّباس. وهذا يؤكّد حيوانيّة المهجوّ. فاللّباس ذو بعد إنساني لم يتناسب مع المهجوّ الشّبيه بالحيوان.
وهو ما يعمّق البعد التراجيدي لهذا المشهد. فقبح أبي دلامة ملازم صاحبه عندما يلبس العمامة أو عندما ينزعها. فتُشعره بمرارة الاحتقار والمهانة والدّونيّة. وتتعمّق معاناته النّفسيّة بسبب لون بشرته مقارنة بمن بشرتهم بيضاء. فـ”هؤلاء الأشخاص المصابون بتشوّه وجوههم يُعاملون كخوارج عن المجتمع أو على أنّهم ذوو مركز منحطّ، وربّما كانوا هدفا للسّخرية أو الفكاهة”[43] لذلك “أحيانا يرغب الشّخص المشوّه الوجه أن يتباهى بوجهه المشوّه أمام النّاس لكي يثير بينهم ردّ فعل مفاجئ، وهذا في نظره هو السّبيل الوحيد لمجابهة الحياة”[44] ويقول كريستوفر فراي( Christopher Fry)”إنّ الكوميديا هروب، لا من الحقيقة، بل من اليأس: إنّها مهرب ضيق نحو الإيمان”[45] وتتعمّق مأساة أبي دلامة عندما يتحوّل قبح منظره مصدرا للتّسلية عند الخلفاء ورجال السّلطة[46]. فهذا الوصف الكاريكاتوري لنفسه قاله بحضور الأمراء والخلفاء. وتزداد معاناته عندما يتحوّل أبو دلامة إلى مهرّج يسلّي النّاس ويسعدهم من خلال هجائه لنفسه. فتصبح معاناته مصدر سعادة للآخرين. وهو ما يجعل هذا النّوع من الهزل متّصلا بـ”الكوميديا السّوداء”، ويسمّيها النقّاد بـ “السّخرية التراجيديّة أو سخرية القدر، وهي نوع من السّخرية الدّراميّة يكون فيها البطل مخطئا تماما في شأن وضعه ويسرع في طريق القضاء على نفسه، ويعتقد أنّه قادر على تدبّر نفسه. . . فالسّخرية التراجيديّة تقترب من الطّرافة السّوداء”[47].
ونضيف أنّ اللّباس هنا لم يكتفِ بإظهار قبح الجسد، بل كثّفه نوعيّا وكميّا. فالعمامة سوداء[48] وأبو دلامة عبد أسود[49]. وفي تكثيف اللّون الأسود تكثيف للقبح وتأكيد لمعناه ليكون بيّنا للأذهان. وفي هذا التّكثيف مبالغة في تأكيد معنى القبح، نوعيّا (عبر التّشابيه بالقرد+ بالخنزير)، وكميّا من خلال تكثيف السّواد لون جسده ولون عمامته. لذلك جاء التّكرار الصّوتي دالاّ على هذا القبح ومؤكّدا عليه، فقد ورد اسم أبي دلامة على الوزن الصرفي لكلمتيْ “دمامة” و”عمامة”. وهذا الاشتراك الوزني يلخّص معاني القبح في أبي دلامة الواردة في هذه الأبيات ويؤكّد عليها، ويمكن تلخيصها في هذه المعادلة الرّياضيّة: أبو دلامة + العمامة=دمامة. وقد اقترن التّكرار الوزني بتكرار معجمي لكلمتَيْ “عمامة” و “دمامة” مرّتيْن لكلّ منهما في بيْتيْن متتاليْن:
أَلاَ أبْلِغْ لَدَيْكَ أبَا دُلاَمَة. . . فَلَسْتَ مِنَ الكِرَامِ وَلاَ كَرَامَهْ
جَمَعْتَ دَمَامَةً وَجَمَعْتَ لُؤْمًا. . . كَذَاكَ اللُّؤْمُ تَتْبَعُهُ الدَّمَامَهْ
إذَا لَبِسَ العِمَامَةَ قُلْتَ قِردًا. . . وَخِنْزِيرًا إذَا نَزَعَ العِمَامَهْ
ومن وظائف التكرار “تنشيط بعض السّمات المعيّنة وإبرازها”[50] ومن وظائف هذا الوصف الكاريكاتوري السّاخر الإبراز والمبالغة الهزليّة في إظهار القبح. “إنّ فنّ الكاريكاتور المتّسم بنوع من الشيطنة يكشف عن الشيطان الذّي دفنه الملاك، لاشكّ أنّه فنّ يبالغ، ولكنّا نسيء تعريفه عندما نجعل هدفه الوحيد المبالغة”[51] وهنا تظهر كثافة الخيال الهزلي في هذه الصورة القبيحة لأبي دلامة بسبب عمامته، وفيها تكثيف لطاقة السّخرية من الذّات وسوادها. والأمر ذاته نجده بشكل آخر عند مسخ اللّباس الجسدَ جمادا.
3- 2- مسخ الجسد جمادا:
يجسّد هذا الشاهد الشّعري طريقة مسخ الجسد بواسطة اللّباس، فقد هجا شبلُ الدّولة أبو مقاتل عطيّةَ البَكْرِيّ والدي سليمان بن محمّد الدّادي: (الطويل)
رَأَيْتُ الفَتَى المَكِيَّ أَسْوَدَ حَالِكَا / طَوِيلاً نَحِيفًا، يَابِسَ الكَفِّ وَالبَدَنْ
فَشَبَّهْتُهُ وَالثَّوْبُ يَغْشَاهُ أَبْيَضَا / بِمِحْرَاكِ تَنُّورٍ تَلَطَّخَ بِاللَّبَنْ[52]
يظهر الجانب الهزلي هنا في تحويل اللّباس الأبيض صاحبَه الأسود إلى عود تنّور تلطّخ باللّبن، أي من متحرّك بنفسه إلى متحرّك بغيره(العود)، من متحرّك إلى جامد، من قادر على الفعل إلى عاجز ومفعول به، من حيّ إلى ميّت، من اللباس المتعة والجمال والأمل إلى اللّباس اللّوعة والألم، من الجسد ذي التضاريس المختلفة إلى الجسد المسطّح كالعود. وهنا مُسِخ الجسد جمادا مسخا مضحكا. “إنّ المضحك هو هذا الجانب من الانسان الذي يشبه فيه الانسان شيئا ما جامدا“[53] وقد قيل “شيّأ اللّه خلقه أي قبّحه”[54] وبهذا جعل اللّباس الأبيض صورة الرّجل الأسود قبيحة، وهو الذّي كان ينتظر منظرا جميلا بلباسه هذا. فخيبة انتظاره هي أيضا مصدر للإضحاك. يقول برجسون ( Henri Bergon) “إنّ الضحكة تأتي من توقّع ينحلّ فجأة إلى لا شيء (كانط)”[55] والذّي جعل الأمل في جسد جميل يتقلّص هو اللون الأبيض للّباس. فقد كشف بياض اللّباس قبح الجسد الأسود بفعل تجاور اللّونيْن الأسود والأبيض. فظهر القبح عاريا، واضحا ومضخّما. وهذا وجه آخر من وجوه شعريّة اللّباس في الشّعر الهزلي، وهو تعرية القبح وجعله مكشوفا بارزا. وقد رأينا في المثال الأوّل كيف يكثّف اللّباس معنى القبح ويؤكّده نوعيّا وكميّا.
بهذا غدا جسد الرّجل الأسود جسدا مشوّها وملطّخا بفعل اللّباس الأبيض. فقد أشار الشّاعر بكلمة “تلطّخ” إلى عدم الانسجام بين الجسد الأسود واللّباس الأبيض، فقد قبّح اللّباس ببياضه سواد الجسد. فأحدث عدم الانسجام هذا “مفارقة هزليّة”. “وتتمثّل مزيّة المفارقة في أنّها تصيّر بديهيّا استقلال اشتغال اللّغة بالنّسبة إلى الواقع، وهو ما يصدم الحسّ السّليم”[56] وهي سرّ الإضحاك في هذا المشهد الهزلي بسبب الجمع بين جمال اللّباس الأبيض وطهره وبين قبح الجسد وسواده، أي بين فضاءيْن ذهنييْن متقابليْن: فضاء الجمال والطهارة وفضاء القبح والقذارة. وهذا النّوع من الهزل يسمّيه باختين “الضّحك الكرنفالي”. و”فعل الضّحك الكرنفالي يقترن بكلّ من الموت والانبعاث، النّفي-السّخرية- والإقرار-الضّحك المرح. . . هذه هي الصّفة النّوعيّة للضحك الكرنفالي المكافئ بين الأضداد”[57].
والذّي يزيد من هزليّة المشهد هو سخرية الشّاعر من غريمه الأسود. فبدل أن يجعل الجسد “ملطّخا” للثّوب الطّاهر الجميل جعل من الطّهارة والجمال في الثوب “ملطّخة” للجسد القبيح، وكأنّ الجسد أطهر وأجمل. والحقيقة أنّ اللّباس الأبيض أجمل وأطهر من جسد صاحبه الأسود. والجسد هو الذّي “لطّخ” بياض الثّوب. ومن معاني “تلطّخ” “تلطّخ الوسخ”[58] بالغبار[59] والدمّ[60]. فقدّم لنا الشّاعر جسدا مشوّها بالجمال والطهارة. فأظهر لنا باللّباس شدّة قبح الجسد. وفي هذا القلب سخرية من المهجوّ في إطار ما يسمّيه النقّاد بــ “القلب السّاخر”. لذلك قال شيلغل “السّخرية تجعل كلّ شيء مقلوبا”[61]
والذّي يجعل هذا المشهد هزليّا وساخرا أكثر هو أنّ الشّاعر الهاجي صنع من هذا التّشبيه التّمثيلي مشهدا مركّبا من النّار والحرارة والطّعام والقدر. فحشر مهجوَّه الأسود في النّار حين شبّهه بمحراك تنّور[62]. فعذّب الشّاعرُ غريمَه. فجعله محراكا للنّار يصارعها وتصارعه، وهي الكناية على صراع الشّهوات والأهواء داخله، وقبح سريرته ومخبره مثلما هو قبيح منظره. فــ “كلّ صراع للدّوافع الجنسيّة يجب أن يكون مرموزا بمصارعة النّار”[63] ولدناسة خِلْقته وأخلاقه جعله الشّاعر في نار “نجسة. . . كالنّيران التّي تصنع من الحطب. . . وتحدث في اشتعالها دخانا كثيرا”[64] والنّار من وظائفها التّطهير “وأعني به ما تقوم به النّار من عزل للموادّ وقضاء على التلوّثات الماديّة”[65] فكانت النّار بلهيبها وسواد رمادها ودخانها عقابا وعذابا للمهجوّ. فشدّة السّواد دالّة على شدّة الغضب وشدّة العداوة[66] والسّواد “لون الشّيطان”[67] و “النّار هي الظّاهرة الموضوعيّة لغضب داخلي”[68] لأنّ “اللّهب ينبعث من قلب الإنسان”[69] و”الألوان السّوداء. . . هي في معظمها ناتجة عن النّار”[70] “لذلك تعرّف النّار باعتبارها خطابا، ككائن لغة وفكر”[71].
لهذا استنكر الشّاعر على غريمه اللّباس الأبيض لأنّه لباس أهل الجنّة[72]. وهي الأطهر والأطيب. روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنّه قال “الْبَسُوا من ثيابكم البياض، فإنّها أطهر وأطيب، وكفّنوا فيها موتاكم”[73] فاختار الشّاعر ُ أن يكفّن في البياض سوادَ غريمه. والسّواد رمز “للموت والفناء والحزن”[74] وهو دليل على الكذب. فـ”وجه أسود: هو وجه الكذّاب، والموت الأسود مقصور على الموت شنقا”[75] بهذا يطعن في صدق الشّاعر غريمه، فعذّبه في النّار، وسخر منه. فكانت سخرية حادّة تعبّر عن شدّة الغضب والعداوة. و”نبرة السّخرية يتمّ توجيهها بواسطة أحاسيس الغضب الممزوجة بالاحتقار والرّغبة في التّجريح بهدف الانتقام”[76]
وهنا تظهر الوظيفة الجماليّة للّباس في تكثيفه للمعنى الهزليّ وتوضيحه. فالعمامة السّوداء كثفت من السواد القبيح في صورة أبي دلامة الأسود. وفي المثال الثّاني كشف اللّباس الأبيض للمهجوّ الأسود سواده، فأظهره، وجعله أكثر وضوحا وكثافة. ففي تكثيف معنى السّواد تكثيف لمعنى القبح. وهو قبح كثيف لم يقدر اللّباس بألوانه المختلفة حجبه. وهو ما يكثّف من البعد الدرامي في الشّخصيّتيْن. فتحوّلت صورة المهجّويْن إلى صورتيْن كاريكاتوريّتيْن غاية في القبح وباعثة على الإضحاك.
هكذا تحوّل اللّباس إلى وسيلة لمسخ صورة الجسد مسخا هزليّا مضحكا، فحوّله إلى صور كاريكاتوريّة تقترب من الحيوان القبيح حينا ومن الجماد حينا آخر. وهذا ما يصفه النقّاد بــ “مسرحة الجسد”(théatraliser le corps) وببورلاسك الجسد (Burlesque du corps)[77]. والبورلاسك يعدّ جنسا باروديّا (genre parodique)[78]. ويندرج هذا المسخ أيضا ضمن هزل الجسد (comique du corps)[79]. ويدخل ضمن “الغروتيسك الباروديّة”(Parodie grotesque)[80] بما فيها من غرابة ومبالغات هزليّة. إذ “تخلق غرابة الغروتيسك التّشويه والبشاعة، ومن جهة أخرى الكوميديا والهزليّة”[81].
وبهذا نخلص إلى أنّنا درسنا شعريّة اللّباس في علاقتها بالجسد، فأنتجت هذه العلاقة معاني هزليّة كثيرة في صور شعريّة عديدة بسبب القبح الذّي أنتجه اللّباس لعدم انسجامه مع سمات الجسد. فجاء اللّباس مكثّفا لمعنى القبح وكاشفا له كشفا سافرا مبالغا فيه. فغدت هذه الصّور مضحكة بسبب ما أحدثه اللّباس فيها من مفارقات ومبالغات هزليّة ومفاجآت مضحكة. عمّقت البعد التّراجيدي فيها خاصّة أنّها جاءت هجاء للذّات وللآخرين. فأنتجت معاني هزليّة قريبة من “السخرية التراجيديّة” و”الكوميديا السّوداء”، وذات صلة بالسّخرية من الذّات وهجاء الآخرين وبأنواع أخرى من الكتابة الهزليّة، ومنها بورلاسك الجسد أو هزل الجسد والغروتيسك البارودية. وهذه بعض ملامح شعريّة اللّباس من خلال علاقته بالجسد. وذلك عندما يكون اللّباس جزءا من القصيدة. لكن لشعريّة اللباس ملامح أخرى عندما يكون الثّوب هو موضوع القصيدة الهزليّة برمّتها أي عندما يكون خطابا.
4- اللّباس خطابا ساخرا:
يسمّي رولون بارط اللّباس الموصوف في نصّ لغويّ بــ “اللّباس المكتوب”( Le vêtement écrit)[82]. ولقد اخترنا دراسة طيلسان ابن حرب موضوعا شعريّا هزليّا ونموذجا لخطاب اللّباس، وذلك لتردّده في العديد من القصائد والمقطّعات الشّعريّة في الشّعر الهزلي، خاصّة عند الحمْدوي (ق3ه). فـ”قد قال في وصف الطّيلسان قرابة مائتيْ مقطوعة، ولا تخلو واحدة منها من معنى بديع. وصار الطّيلسان عرضة لشعره، ومثلا في البلى والخُلوقة”[83] وقد جمع إبراهيم النجّار هذه القصائد والمقطّعات التّي قيلت في طيلسان ابن حرب البالي رثاء وهجاء[84]. وهذا الطيلسان الممزّق مُهْدَى للحمدوي من محمّد بن حرب[85] المنتمي إلى خاصّة القوم سلطة وجاها. فاعتنى الحمدوي بوصفه وصفا هزليّا مضحكا، فنعته بشدّة القدامة والبلى قائلا: (الرمل)
طَيْلَسانٌ لابنِ حَرْبٍ جاءَنِي / قَدْ قَضَى التَّمْزِيقُ مِنْهُ وَطَرَهْ
يَا ابن حرْبٍ خُذْهُ أوْ فَابْعَثْ بِمَا/ نَشْتَرِي عِجْلاً بِصِفْرٍ عشَرَهْ
. . . أبَدًا يَقْرَأُ مَنْ أَبْصَرَهُ / أَإذَا كُنّا عِظَامًا نَخِرَهْ [86]
ووجوه المبالغة المضحكة في وصفه كثيرة، ومنها تشخيصه الطيلسان، فشبّهه الحمدوي بعاشق يغنّي قائلا: (الطّويل)
كَسَانِي ابْنُ حَرْبٍ طَيْلَسَانًا كَأَنَّهُ فَتًى عَاشِقٌ بَالٍ مِنَ الوَجْدِ كالشَنِّ
يُغَنِّي لإبْرَاهِيمَ حِينَ لَبِسْتُهُ ذَهَبْتُ مِنَ الدُّنْيَا ومَا ذَهَبَتْ مِنِّي[87]
وعُدّ طيلسان ابن حرب من كثرة الرّتق مريضا: (الكامل)
وَ إِذَا رَمَمْنَاهُ وَقِيلَ لَنَا قَدْ صَحَّ قَالَ لَهُ البِلَى انْهَدِمِ
مِثْلَ السَّقِيمِ بَرَا فَرَاجَعَهُ نِكْـسٌ وأَسْلَمَهُ إِلَى السَّقَمِ[88]
والمضحك في هذا التشخيص الهزلي[89] هو شدّة التباعد بين طرفيْ التّشابيه للجماد والإنسان. وقد أباح العرب ذلك في الخيال الهزلي الشعري. “وقد يستساغ الوصف بما يؤدّي إلى الإحالة حيث يقصد التّهكّم بالشّيء أو الزّراية عليه والإضحاك به”[90] ويدخل هذا في إطار “المبالغة الهزليّة” [91] الناتجة عن القياس المغالطيّ[92] فـ” الكلام عن الأشياء الصغيرة كما لو كانت كبيرة يعني بشكل عام المبالغة“[93] لهذا اعتبر الجاحظ الإضحاك نتيجة مباشرة للمبالغة. فقال “كلّما كان الأعرابيّ أكذب في شعره كان أظرف عندهم، وصارت روايته أغلب، ومضاحك حديثه أكثر. “[94] ونضيف أنّ هذه المبالغة الهزليّة مصدرها أيضا التّقابل بين أوصاف الطّيلسان المتّسمة بالقبح وغياب الجمال من ناحية، وبين بحور الشّعر التّي تعبّر عن معنى الكمال، وهي الرّمل والكامل والطّويل من ناحية ثانية. وهو ما يُعبّر عنه بـ”انتحال لغة الجدّ والرّصانة. . . للتّعبير عن مواقف مضحكة”[95] وهذا بعد من أبعاد الغروتيسك وفق بورو كيوم ( Guillaume Peureux) حين نعلي من شأن الأشياء التّافهة[96]. والغروتيسك البارودية (Parodie grotesque)[97] هي شكل من الأشكال الباروديّة غير اللّغويّة[98]، وتقوم على تحويل الوضيع رفيعا[99] تحويلا مضحكا هو قوام المبالغات الهزليّة[100]. وهي المقوّم الأساسيّ في الغروتيسك الباروديّة[101]. فكيف مثّل هذا الوصف الهزليّ للطّيلسان خطابا ساخرا وحوارا هزليّا بين صاحب الهديّة ابن حرب من ناحية، والمستفيد من الهديّة الشّاعر الحمدوي من ناحية ثانية؟
4- 1- اللّباس خطابا ساخرا/خطاب ابن حرب:
يُستعمل مصطلح “الخطاب” (Le discours) في حقول معرفيّة كثيرة أدبيّة وأخرى غير أدبيّة، لذلك تنوّعت مفاهيمه بحسب المجال الذّي يرد فيه. فاختلفت ماهيّته كميّا (جملة/ نصّ/كتاب) ونوعيّا (شفوي/مكتوب). ونحن نستعمل هنا مصطلح “الخطاب” بمفهوم بنفينيست (Émile Benveniste) [102] الذّي يعتبر الخطاب تلفّظا له معنى ظاهر أو ضمنيّ، يوجّه من باثّ إلى متقبّل لغرض إخباره أو التّأثير فيه. وقد عرّفه التّهانوي “الخطاب في أصل اللّغة توجيه الكلام نحو الغير. . . ثمّ نقل إلى الكلام الموجّه نحو الغير”[103] ونستعمل الخطاب أيضا بالمفهوم التّداولي الذّي يعتبر الخطاب منتجا للمعنى من خلال علاقته بسياقاته اللّغويّة وغير اللّغويّة ( Les contextes). إذّ “لا يمكن تأويل أفعال التلفّظ إذا كنّا نعرف الملفوظ المستعمل فقط ونجهل كلّ شيء عن المقام”[104]
وبناء عليه فإنّنا نستعمل مصطلح “خطاب اللّباس” بهذا المفهوم الذّي يكون فيه اللّباس خطابا يحمل رسالة ذات مضمون/معنى من متقبّل إلى باثّ. واللّباس علامة من العلامات الدّالّة التّي اعتنت بها السّيميائيّة على غرار العلامات الأخرى اللّسانيّة وغير اللّسانيّة، فتحدّث رولون بارط عن “علامة اللباس”( signe vestimentaire) [105]. وتحدّث آخرون عن “كلام اللّباس”[106] و عن “خطاب الأشياء”[107] لذلك نعتبر اللّباس خطابا ذا رسالة دالّة. فقد خاطب ابنُ حرب الحمدويَّ بواسطة الطّيلسان بعدما أهداه إيّاه. وهو لباس واقعي[108](Le vêtement réel). فردّ عليه الحمدوي بــ “لباس مكتوب” في مقطّعاته التّي عرضنا بعضها سابقا. والطّيلسان الموصوف هنا من قِبَلِ الحمْدوي هو لباس حقيقيّ ذو دلالة بما أنّه وُجِد في نصوص شعريّة. فـ”القصيدة نظام رمزي يتضمّن وظيفة إحاليّة شأنه شأن الخطاب الوصفي”[109].
والمضحك في هذا الطّيلسان هو تدنّي قيمته. فالأصل في الهديّة أن تكون قيّمة ومعبّرة عن معاني الودّ والمحبّة، وتكون قيمة الهديّة من قيمة المُهدَى إليه. لكنّ هديّة ابن حرب أعلنت الحرب على الحمدوي، وسخرت منه، فأهدته الكره والبغضاء. وزرعت في نفس الحمدوي الشّر والشّعر. فمثّلت هذه الهديّة رسالة مشفّرة ذات دلالات عديدة ساخرة بالغة القسوة، فاللّباس وجه مجازيّ بليغ المعاني، فيه العديد من الدّلالات، لا تفكّ شفراتها إلاّ بالتّأويل.
فالهديّة تعبّر عادة عن كرم صاحبها وحسن أخلاقه. لكنّ هديّة ابن حرب للحمدوي هي طيلسان بال قديم جدا، يحمل خرقات كثيرة مثلما وصفه الحمدوي في الأبيات السّابقة. ولذلك تعبّر هذه الهديّة عن المبالغة في البخل. وهي مبالغة مضحكة بسبب خروج هذه الهديّة وهاديها عن المألوف. إنّها الهديّة السّخرية من الحمدوي وتحقير من شأنه وإفصاح غير صريح عن مكانته الدّونيّة عند ابن حرب. إنّها هديّة ساخرة، هي إلى الشّتم والهجاء أقرب. وهي هديّة هزليّة دالّة على السخرية بالحمدوي بما في السّخرية من معاني الإهانة والإذلال[110] ومن جرح لكبريائه، وبما في الهجاء من معاني الشّتم والسبّ[111]. وقد قيل: ثلاثة تدل على عقول أصحابها: الهدية والرسول والكتاب. فالكتاب يدلّ على عقل كاتبه، والرسول يدلّ على عقل مرسله، والهدية تدلّ على عقل مُهديها.
وهذا الطّيلسان الهديّة مضحك أيضا من جهة خروجه عن المألوف في وظيفته، فالأصل في اللّباس أن يحمي جسد صاحبه، ويغطّي عورته، ويجمّله. لكنّ هذا الطّيلسان البالي والقديم يعود بالوبال على لابسه، فيعرّيه، ويكشف عوراته التّي أمر اللّه بسترها. فالطّيلسان هنا عارٌ وعُرْيٌ. إنّه لباس عجيب لا يحمي صاحبه من الفحش،بل يوقعه فيه، والعراء فجور، يوقع فاعله في المحظور، ويخرجه عن الدّين، ويعرّضه إلى السّخرية. وذاك ما أراده ابن حرب للحمدوي من خلال إهدائه طيلسانا باليا.
ومن جهة أخرى، فإنّ المضحك أيضا، هو أنّ الطّيلسان لا يلبسه إلاّ الكبراء من رجال الدّين والشّيوخ والقضاة وأمراء الجيوش[112]. لذلك رأى ابنُ حرب أن يُهدي الحمدوي طيلسانا قديما باليا. فهو لا يستحقّ طيلسانا جديدا. وهذا جزء من مضمون هذه الرّسالة الهديّة، ففيها هجاء ضمنيّ للحمدوي بأنّه لا يصلح لا لشؤون الدّين ولا لشؤون الدّنيا. وهذه مبالغة أخرى في تقبيح صورة الحمدوي. فهذا الطّيلسان هو لعنة عليه، يعلن فقره مادّيّا وأخلاقيّا، فيعرّيه من القيم ومن النّعم، من المال ومن الحياء والأخلاق. فيجلب هذا الطّيلسان على الحمدوي بلاء كثيرا. فيتحوّل بعد انتقال ملكيّته إلى ابن حرب من علامة على الكبرياء إلى علامة على الفناء: فناء الجمال وفناء الغنى وفناء القيم. فيكون صاحبه قبيحا منظرا ومخبرا. فبعدما كان الطّيلسان رمزا للحياة والسّلطة والرّخاء، أصبح دالاّ على الفقر والفناء. هكذا أفرغ ابن حرب الطّيلسان-العلامة-من مدلوله القديم الأصلي الإيجابي، ليُحمّله مدلولا جديدا سلبيّا، وهذا وجه من وجوه التّحويل المضحك.
وهنا يتأكّد لنا أنّ ابن حرب لم يهد الحمدوي الطّيلسان كمعطى ماديّ، بل أهداه الطّيلسان كخطاب غير لغويّ، يحلّ محلّ العلامات اللّغويّة والكلمات. والطّيلسان في أصله الاشتقاقي وعبر التّقليبات المختلفة لمادّة “طلس” يحمل معاني سلبيّة تجمع بين الفناء والموت والقبح والسّواد والوسخ واللّصوصيّة[113] “وَفِي الْحَدِيثِ: مَن لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرةٍ أَلْبَسَه اللهُ تَعَالَى ثَوْبَ مَذَلَّةٍ؛ أَي يَشْمَلُه بالذلِّ كَمَا يشملُ الثوبُ البَدَنَ بأَنْ يُصَغِّرَه فِي العُيون ويُحَقِّرَه فِي القُلوب. وَالشُّهْرَةُ: ظُهور الشَّيْءِ فِي شُنْعة حَتَّى يُشْهِره الناسُ. وَفِي الْحَدِيثِ: المُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كلابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ”[114].
هكذا أهدى ابنُ حرب الحمدويَّ حقلا من الألغام والأوهام، وأعطاه شرّا كثيرا في الطّيلسان دالاّ ومدلولا، بعد أن حمّله الكثير من اللّعنات حتّى تلازمه مدى الحياة وبعد الممات. لذلك قال باشلار(Gaston Bachelard) “فمن خلال الصور الجديدة يصبح الوجود كلاما”[115] ومن هذا المنطلق فإنّ “اللّباس فعل قولي”[116] وهذا ما يؤكّده جوزيف كورتيس (Joseph Courtés) الذّي يعتبر اللّباس وجها مجازيّا (figure) شأنه في ذلك شأن كلّ الوجوه البلاغيّة، ويعتبر أنّ للّباس معنى مجازيّا (sens figuratif )، وهو علامة دالّة (trait significatif) شأن بقيّة العلامات اللّسانيّة وغير اللّسانيّة، ويعتبره وسيلة تعبيريّة دالّة في النصّ الأدبي. ويعتبر أنّ اللّباس له وظيفة مزدوجة: تزيينيّة (ornemental)ومجازيّة (figuratif)[117]. لذلك فـ “اللّباس هو مرئيّ وهو أساسا مقروء”[118] و “اللّباس شيء رمزيّ”[119] وهذا وجه من وجوه شعريّة اللّباس باعتباره خطابا رمزيّا وكلاما ضمنيّا ساخرا لا يفهم إلاّ بالتّأويل.
ومن ناحية أخرى يمثّل هذا الوصف الهزلي للطّيلسان ردّا ساخرا من الحمدوي على سخرية ابن حرب به. فيتحوّل الطّيلسان المكتوب خطابا ساخرا من ابن حرب. وهذا وجه آخر من وجوه شعريّة اللّباس في وصف طيلسان ابن حرب باعتباره خطابا رمزيّا ساخرا.
4- 2- الطّيلسان ردّا ساخرا /خطاب الحمدوي:
يبدو أنّ الحمدوي قد فهم المضامين السّاخرة في الطيلسان، هذه الهديّة الرّسالة المشفّرة بما فيها من مبالغة وطعن في شخصه وسخرية به، لذلك بالغ الحمدوي في وصف الطّيلسان شديد القدامة والبِلى في أشعاره. فحمّله معاني جديدة تمثّل ردّا قاسيا على ابن حرب صاحب الهديّة. فواجه الحمدوي تلك الألغام بالانتقام، فبالغ في وصف هذا الطّيلسان البالي ليكشف عن بخل ابن حرب، وهو بخل مبالغ فيه: بخل في حقّ نفسه حين أبقى كثيرا هذا الطّيلسان حتّى أصابه البلى، فلم يشتر غيره رغم ثرائه، والبخل في حقّ الحمدوي حين أهداه طيلسانا باليا بدل طيلسان جديد.
والمبالغة في وصف الطّيلسان فيها أيضا مبالغة في هجاء الوزير ابن حرب. فالطّيلسان في المجتمع العربي الإسلامي عارٌ على لابسه وشتيمة له، “وَمن شتم الْعَرَب: يَا ابْن الطيلسان يُرِيدُونَ يَا عجمي”[120] وذلك لأنّ الطّيلسان ليس لباسا عربيّا. فـقد “حُكِيَ عَنِ الأَصمعي أَنّه قَالَ: الطَّيْلَسَانُ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ، قَالَ: وأَصله فَارِسِيٌّ إِنّما هُوَ تَالْشَانُ فأُعرب”[121] واليهود معروفون بلباس الطّيلسان[122]. فارتداء الطّيلسان فيه تشبّه باليهود وخروج عن الإسلام والمسلمين وعن قيم العرب، لذلك نهى الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم عن ارتدائه فـي قوله “مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ”[123].
وبناء عليه فإنّ ما كتبه الحمدوي من أشعار في هذا الطّيلسان فيه تشهير بابن حرب في خروجه عن الملّة، وهذا نوع من التّكفير الضّمني والمبالغة في الهجاء والسّخرية. ويمثّل عمليّة إقصاء لابن حرب من الإسلام والمسلمين لشذوذه في شكله ولباسه وفي أخلاقه المتّسمة بالبخل. “إنّ الضّحك من البخيل والسّخرية منه ليسا إعلانا صريحا عن التّباين معه ورفضه، وإنّما هما نقطة البداية في عمليّة إقصاء واسعة النّطاق تمارس ضدّه لتطرده من غمار الأمّة”[124] وقد عُدَّ البخلُ “عيبا هازلا”[125] لذلك يمثّل الضّحك والسّخرية إعلان تفوّق وانتصار، إذْ “ليس انفعال الضّحك إلاّ سرورا مفاجئا نابعا من تصوّرنا المفاجئ لتفوّقنا مقارنة بعجز الآخرين”[126] وهذه السّخرية تعلن في الحقيقة عن وجود صراع اجتماعي. يقول آرثر كوستلر(Arthur Koestler)“إنّ الضّحك يتولّد عن صدام بين مبدأين متعارضيْن، أي صراع بين أطر مرجعيّة مختلفة، أو بين سياقيْن متلازميْن، أو نمطيْن من المنطق، أو بين عالميْن من النصّ”[127] فلئن كان ابن حرب متفوّقا ماديّا وعسكريّا باعتباره رجل حرب وسلطة، فإنّ الحمدوي متفوّق على خصمه ابن حرب أخلاقيّا ورمزيّا في شعره، فوراء الحمدوي كلّ المجتمع وقيمه الأصيلة، ولا يقف وراء ابن حرب إلاّ عساكره التّي لا تدوم. هكذا طعن الحمدوي في أخلاق ابن حرب ونسبه ودينه من خلال مبالغته في وصف الطّيلسان وسخريته بصاحبه. وهذا هجاء ضمنيّ هو جزء من شعريّة الطّيلسان في الشعر العربي القديم القائمة على التأويل واستقراء الضّمني.
وقد بالغ الحمدوي أيضا في السّخرية عندما “قال في وصف الطّيلسان قرابة مائتيْ مقطوعة”[128] والتكثير فيه مبالغة كميّة، تعزّر حقد الحمدوي وكرهه لابن حرب. ثمّ جاراه في ذلك معاصروه مثل ابن الرومي وابن سكّره[129] اللّذيْن جعلا هذا الطّيلسان مضربا للأمثال في القدم[130] في سياقات الرثاء والهجاء[131]. وهذا فيه ضمان لاستمرار هجاء الحمدوي وغيره من الشّعراء لابن حرب عبر العصور. فبالغ الحمدوي في هجاء ابن حرب والسّخرية منه بتوظيفه صفة الدّوام والخلود في الشّعر ليظلّ خبر قبح الطّيلسان البالي وصاحبه خالدا على مرّ الدّهور. و”ليس المقصود بالدّوام هنا حفاظ الشّعر على البقاء جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن، وإنّما المقصود هنا بالدّوام هو كون الشّعر يتمتّع بكفاءة لكي يدوم في ذاكرة القارئ”[132] لذلك فإنّ وجود هذا الهجاء والسّخرية في الشّعر يجعلان العار واللّعنة تلاحقان ابن حرب في كلّ عصر ومصر حيّا وميّتا، مادام الشّعر والشّعراء والقرّاء إلى يوم الدّين. وهذا يعدّ عقابا قاسيا، وسخرية مبالغا فيها من ابن حرب. وهنا تكمن المبالغة النوعيّة والمبالغة الكميّة في هذه السّخرية من هذا الطّيلسان البالي ومن صاحبه ابن حرب لقلب موازين القوى لصالح الحمدوي. وهذه استراتيجيات الردّ والحرب على ابن حرب تدخل في إطار شعريّة الطّيلسان والهجاء.
هكذا يكتسي وصف الطّيلسان بعدا نقديّا ساخرا فيه الكثير من المبالغة. فهو خطاب حمّال رسائل مشفّرة كثيرة من الطّرفين: المُهدي والمُهْدَى إليه. فعبره سخر كلّ منهما بالآخر. فكانت السّخريّة والسّخرية المضادّة بين ابن حرب صاحب الهديّة والحمدوي المستفيد من الهديّة. هي سخريّة ضمنيّة تستخلص من صفات الطّيلسان البالي ومن سياقات إهدائه. ففيها مبالغة في الهجاء والسّخرية نوعيّا وكميّا. فقد احتقر ابنُ حرب الحمدوي عندما أهداه طيلسانا باليا، فسخر به وبكرامته. فواجهه الحمدوي بسخرية مضادّة. فطعن في أخلاق ابن حرب عندما رماه بالبخل، وشكّك دينه ونسبه. وهي تهم خطيرة ترمي بابن حرب بين الزّنادقة والملاحدة غير العرب، فتجعله مهدّدا بالموت في مجتمع عربي إسلاميّ يرفض بشدّة الخروج عن الدّين وقيم العرب ونسبهم. وهنا يبرز دور الشّعر في الهجاء للتّشهير بالأعداء عن طريق الكتابة الهزليّة في وصف اللّباس. وهكذا اكتشفنا جزءا من شعريّة اللّباس باعتباره خطابا ساخرا يستخلص بالتأويل والحفر في الضّمني من صفات اللّباس وسياقات قوله، ويستنتج من خلال المبالغات الكميّة والنّوعيّة للسّخرية من أطراف الخطاب. وقد ازداد هذا الخطاب إضحاكا وسخرية قاسية بفعل وروده في الشّعر الذّي يرسخ في الذّاكرة عبر العصور. لذلك قالت العرب “إنّ الشّعر كذب وهزل، وأحقّه بالتّفضيل أهزله” [133]
5- الخاتمة:
لقد بحث عملنا هذا في شعريّة اللّباس من خلال نماذج من تراثنا الشّعري الهزلي لأبي دلامة وشبل الدّولة والحمدوي. فاضطلع اللّباس بوظائف جماليّة ودلاليّة عديدة، وكان مصدرا لصناعة القبح والإضحاك والسّخرية، بل وجاء اللّباس مكثّفا لمعنى القبح وكاشفا له كشفا سافرا مبالغا فيه نوعيّا وكميّا. فأنتج معاني هزليّة ساخرة عديدة. وذلك عندما تحوّل اللّباس إلى وسيلة لمسخ صورة الجسد مسخا هزليّا مضحكا، فخلق صورا شعريّة كاريكاتوريّة تقترب من الحيوان حينا ومن الجماد أحيانا أخرى. فكانت هذه الصّور مضحكة بسبب ما أحدثه اللّباس فيها من مفارقات ومبالغات ومفاجآت هزليّة. فتعمّق البعد التّراجيدي فيها، فقد وردت هجاء للذّات وللآخرين وسخرية منهم. لذلك جاءت المعاني الهزليّة قريبة من “السخرية التراجيديّة” و “الكوميديا السّوداء” وبورلاسك الجسد وهزل الجسد والغروتيسك البارودية. وهذه بعض ملامح شعريّة اللّباس من خلال علاقتها بالجسد.
ومثلما كان منتجا للصور الشّعريّة القبيجة المضحكة، فقد كان اللّباس أيضا منتجا للقول القبيح السّاخر والضّمنيّ، وغدا مدار خطابات ساخرة ومضحكة من خلال مقطعات الحمدوي وقصائده في الوصف الهزلي لطيلسان ابن حرب. وهذا هو الوجه الثّاني لشعريّة اللّباس الذّي عالجناه في القسم الثّاني من عملنا. فقد كان هذا الطّيلسان المُهْدى إلى الحمدوي خطابا محمّلا برسائل مشفّرة كثيرة من الطّرفين: المُهدي والمُهْدَى إليه. فعبره سخر كلّ منهما من الآخر. فكانت السّخريّة والسّخرية المضادّة بين ابن حرب صاحب الهديّة والحمدوي المستفيد من الهديّة. هي سخريّة ضمنيّة تستخلص من صفات الطّيلسان ومن سياقات إهدائه. ففيها مبالغة في الهجاء والسّخرية نوعيّا وكميّا. فقد احتقر ابنُ حرب الحمدويَّ عندما أهداه طيلسانا باليا، فسخر به وبكرامته. فواجهه الحمدوي بسخرية مضادّة. فكشف بخله، وطعن في دينه ونسبه، وبالغ في هذا الهجاء الضمنيّ نوعيّا وكميّا. والذّي زاد هذا الخطاب الساخر قساوة هو وروده في الشّعر الذّي يرسخ في الذّاكرة عبر العصور. فتجعل اللّعنة تطارد غريم الحمدوي في كلّ مكان وزمان. وبهذا اكتشفنا جانبا من شعريّة اللّباس باعتباره خطابا ساخرا يستخلص بالتأويل والحفر في الضّمني من خلال تحليل صفات اللّباس وربطها بسياقات القول الشّعري اللّغويّة منها وغير اللّغويّة. وهذا الهجاء الضمنيّ هو جزء من شعريّة اللّباس في الشعر الهزلي القائمة على التأويل واستقراء الضّمني فيها.
ومن خلال هذين الوجهين الهامّين لشعريّة اللّباس في الشّعر الهزلي يمكن الإقرار بأنّ اللّباس منتج لمعاني القبح والسّخرية صورة وخطابا، ولكنّه قبح جميل باعتباره ينتج جمال الإضحاك والصور الشّعريّة الطريفة والخطابات الضّمنيّة ذات الإيحاءات والرّموز العميقة. وتلك هي منازل الأدبيّة والشّعريّة في الأشياء داخل النّصوص الأدبيّة الهزليّة. وهذا يغرينا بمزيد البحث في شعريّة اللّباس داخل التّراث الشعري الهزلي لاكتشاف وجوه أخرى لهذه الشّعريّة المتنوّعة بتنوّع سياقات القول. ويدفعنا نحو دراسة شعريّة الأشياء عموما في مدوّنتنا الهزليّة، خاصّة وأنّ شعراء الهزل في تراثنا يمثّلون طبقة شعريّة، وقد كانت الأشياء مواضيعا شعريّة محبّذة لديهم، فأغلب شعر أبي الشبل البرجمي[134] مثلا في رثاء قرطاسه وسراجه الذّي هشّمه كبشه. ورثى ابن يسير الريّاشي[135]ألواح أبنوس التي سُرقت منه. وتغزّل أبو المخفّف بالرّغيف[136].
قائمة المصادر والمراجع:
المصادر والمراجع العربيّة:
- الأبشيهي، شهاب الدّين محمدّ، المستطرف في كلّ فنّ مستظرف، تحقيق: مفيد محمد قميحة، ط1، دار الكتب العلميّة بيروت، 2008.
- إبراهيم، رجب عبد الجوّاد، المعجم العربي لأسماء الملابس في ضوء المعاجم والنّصوص الموثّقة من الجاهليّة، تقديم: محمود فهمي حجازي، مراجعة المادّة المغربيّة: عبد الهادي التّازي، دار الآفاق العربيّة، القاهرة، ط،2002. 1.
- الأصفهاني، أبو الفرج، كتاب الأغاني، تحقيق: إحسان عباس، إبراهيم السعافين، بكر عبّاس. دار صادر بيروت، د ت.
- بافي، باتريس، معجم المسرح، ترجمة: ميشال ف. خطّار، ط1، المنظمة العربية للترجمة بيروت لبنان، 2015.
- باختين، ميخائيل، شعريّة دوستيفسكي، ترجمة: جميل نصيف التكريتي، ط1، دار توبقال للنشر المغرب، 1986.
- باشلار، غاستون، النّار في التّحليل النّفسي، ترجمة: نهاد خياطة،ط1،دار الأندلس بيروت لبنان، 1984.
- برجسون، هنري، الضحك، ترجمة: علي مقلّد،ط2،دار مجد للدراسات والنشر والتوزيع بيروت لبنان، 2007 .
- بلانتان، كريستيان، الحجاج، ترجمة: عبد القادر المهيري، ط1،دار سيناترا، المركز الوطني للترجمة. تونس، 2008 .
- التهانوي، موسوعة كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم، تحقيق: علي دحروج، ط1،مكتبة لبنان ناشرون بيروت لبنان، 1996.
- الثعالبي، أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل، ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف القاهرة مصر. د ت.
- الجبوري، يحيى، الملابس العربيّة في الشعر الجاهلي، دار الغرب العربي بيروت لبنان، 1989.
- الجاحظ، الحيوان، تقديم: فوزي عطوي، دار الجيل ودار مصعب بيروت لبنان، دت.
- الجميل، محمد بن فارس، اللباس في عصر الرسول، حوليات كليّة الآداب عدد14 سنة 1994 الكويت.
- الجوّة، أحمد، من الإنشائيّة إلى الدّراسة الأجناسيّة، ط1، قرطاج للنشر والتوزيع صفاقس تونس، 2007.
- الجويلي، محمد، نحو دراسة في سوسيولوجية البخل الصراع الاجتماعي في عصر الجاحظ من خلال كتاب البخلاء. الدار العربيّة للكتاب تونس، 1990.
- جيبسون، اندريه، ملاحظات عن القصّة والفكاهة، ترجمة: نصّر أبو زيد، مجلّة فصول، المجلّد الثّاني، العدد الثّاني: يناير- فبراير مارس، 1982.
- حمزة، مختار، سيكولوجيّة ذوي العاهات والمرضى، ط4، دار البيان العربي، جدّة، المملكة العربيّة السعوديّة، 1979.
- دائرة المعارف الإسلاميّة، ط1، مركز الشّارقة، 1998.
- دوزي، رينهارت (مستشرق هولندي)، المعجم المفصّل بأسماء الملابس عند العرب، ترجمة: أكرم فاضل، مجلة اللّسان العربي، إصدار المكتب الدّائم لتنسيق التّعريب في الوطن العربي جامعة الدّول العربيّة، الرباط المغرب. دت المجلد الثامن، ج1.
- دوزي، رينهارت (مستشرق هولندي)، المعجم المفصّل بأسماء الملابس عند العرب، ترجمة: أكرم فاضل، مجلّة اللّسان العربي: مجلّة دوريّة لأبحاث اللّغويّة ونشاط التّرجمة والتّعريف، إصدار وزارة الإعلام بغداد، دت المجلّد 8،ج 3.
- ربعاوي، منصف، الباروديا الأدبيّة بين النّظريّة والتّطبيق والتّرجمة: تطبيقات على الشعر العربي القديم، ط1، دار زينب قليبية- تونس، 2018.
- ربعاوي، منصف، الباروديا في الشعر العربي القديم، ط1، دار زينب للنشر قليبية- تونس، 2021 .
- ربعاوي، منصف، إشكاليّة التجنيس في القصّ الهزلي القديم: دراسة بينيّة في كتاب التّطفيل للخطيب البغدادي، ط1، دار زينب للنشر قليبية تونس، 2021.
- السيوطي، جلال الدين، حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار إحياء الكتب العربية-عيسى البابي الحلبي وشركاه– مصر، ط 1 – 1967.
- الصّفدي، صلاح الدّين خليل بن أيبك بن عبد اللّه، الوافي بالوفيات، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث بيروت لبنان، 2000.
- العبسي، أبو بكر بن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي، الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، المحقق: كمال يوسف الحوت، الناشر مكتبة الرشد الرياض، ط1، 1409 ه.
- مو، مجموعة، بحث في العلامة المرئيّة من أجل بلاغة الصّورة، ترجمة: سمر محمد سعّد، ط1، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت لبنان، 2012.
- مرشنت، مولين، الكوميديا، ترجمة: جعفر صادق الخليلي، ط1، دار منشورات عويدات بيروت باريس، 1980.
- المرزباني، أبو عبيد الله بن محمد بن عمران بن موسى، الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء، تحقيق: محمد حسين شمس الدين،ط1،دار الكتب العلمية بيروت، 1995.
- المسعودي، حمّادي، فنيات قصص الأنبياء في التراث العربي، ط1، مسكلياني للنشر والتوزيع زغوان تونس،2007.
- المعجم الوسيط، عن مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة، الإدارة العامّة للمعجمات وإحياء التّراث، ط4،مكتبة الشروق الدّولية، 2004.
- المنذري، الحافظ زكيّ الدّين عبد العظيم بن عبد القويّ، التّرغيب والتّرهيب من الحديث الشّريف، ط1،دار حزم بيروت لبنان، 2001.
- ابن منظور، لسان العرب، ط1، دار إحياء التراث العربي بيروت- لبنان، 1999.
- عمر، أحمد مختار، اللّغة واللّون، ط2، عالم الكتب للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر،1997.
- القرآن الكريم.
- القرطاجنّي، أبو حازم، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق وتقديم: محمد الحبيب ابن الخوجة،ط3،دار الغرب الإسلامي، بيروت، تونس، 1986.
- فونتاني، جاك، سيمياء المرئي، ترجمة: علي أسعد، ط1،دار الحوار للنشر والتوزيع اللاّذقيّة سوريا، 2010.
- كاريل، طومي، فلسفة الملابس، ترجمة: طه السّباعي، الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة مصر، 2001.
- ليفن، سمويل. ر، البنيات اللّسانيّة في الشّعر، ترجمة: الولي محمّد، التّوزاني خالد، مكتبة الأدب المغربي منشورات الحوار الأكاديمي دار الخطّابي مطبعة فضالة بالمحمدية المغرب، 1989.
- لوتمان، يوري، سيمياء الكون، ترجمة: عبد المجيد نوسي، ط1، المركز الثقافي العربي بيروت، 2010.
- النجار، إبراهيم، مجمع الذاكرة أو شعراء منسيّون، منشورات كلية الآداب منوبة تونس، 1988.
- النيسابوري، مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري، المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، د ت.
- هامون، فيليب، سيميولوجية الشّخصيّات الرّوائيّة، ترجمة: سعيد بنكراد، دار الحوار، اللاّذقيّة سوريا ، 2013.
المراجع الأجنبيّة:
- Anne Paveau, Marie & Rosier, Laurence, Le discours des objets. Pratiques et techniques de circulation entre clandestinité et exhibition discursive. Rvue Monografías 1, 2010.
- Aron, Paulet d’autres, Le dictionnaire du littéraire. PUF 2002 .
- Bachelard, Gaston, L’air et les songes : Essai sur l’imagination du mouvement , Librairie José Corti , Paris 1943.
- Bakhtine, Mikhaïl, L’œuvre de François Rabelais et la culture populaire au Moyen Âge et sous la Renaissance, Gallimard Paris1977.
- Barthes, Roland, Éléments de sémiologique, in : communications, 4, 1964.
- Barthes, Roland, Système de la mode, Seuil. Paris,1967.
- Barthes, Roland, L’aventure sémiologique, Seuil. Paris, 1985.
- Becker, Karin, La symbolique du feu et de la flamme dans la littérature, Linguae n°1,2016.
- Bertrand ,Dominique, Poétique du burlesque. Honoré Champion Paris,1998.
- Charaudeau, Patricket Dominique Maingueneau: Dictionnaire d’Analyse du Discours. Seuil, 2002.
- Cohen, Jean, Structure du langage poétique, Flammarion, Paris, 1966.
- Cohen, Jean, Le haut langage, Flammarion, Paris, 1979.
- Courtés, Joseph, Analyse sémiotique du discours, de l’énoncé à l’énonciation, Paris, Hachette, 1991.
- Denizeau, Laurent, Le nu et le vêtu, Lumière & N°292, Octobre-décembre, 2011.
- Ducrot/Todorov, Dictionnaire encyclopédique des sciences du langage. Seuil, 1972.
- Emelina, Jean, «Comment définir le burlesque ?»,in: Poétiques du burlesque. Honoré Champion Paris, 1998.
- Guillaume ,Pereux, Le burlesque. Gallimard Paris, 2007.
- Jakobson, Roman , Essais de linguistique générale (1 et 2), Paris, Éditions de Minuit, 1963.
- Jankélévitch, Vladimir, L’ironie , Flammarion France, 1964.
- Leguern , Ph , Sémantique de la métaphore et de la métonymie , Paris Larousse, 1973.
- Morier, Henri, Dictionnaire de poétique et rhéorique, PUF, 1975.
- Ricoeur , Paul, La métaphore vive , éd Seuil Paris, 1975.
[1]– الثعالبي، ثمار القلوب، ص597 وما بعدها.
[2]– الجبوري، الملابس العربيّة في الشعر الجاهلي.
[3]– ربعاوي، الباروديا في الشعر، ص 371.
[4]– بافي، معجم المسرح، 150.
[5]– ربعاوي2018، 2021، 2021.
[6]– لسان العرب، مادّة: لبس.
[7]– المرجع نفسه، مادة: رجل.
[8]– المرجع نفسه، مادة: عمم.
[9]– المرجع نفسه، مادّة: ثوب.
[10]– لسان العرب، مادّة: لبس.
[11]– الأعراف، الآية26.
[12]– كاريل، فلسفة الملابس،ص50.
[13]-Denizeau, Le nu et le vêtu, 21.
[14]– كاريل، فلسفة الملابس.
[15]– الثعالبي، ثمار القلوب، ص597.
[16]– انظر : أحمد الجوة، من الإنشائية، ص168-187.
[17]– Aron, et d’autres, Le dictionnaire du littéraire,469.
[18]– Jakobson ,Roman , Essais de linguistique, 220.
[19]– Ducrot & Todorov, Dictionnaire encyclopédique, 106.
[20]– Barthes, L’aventure sémiologique, p80.
[21]– Cohen, Structure du langage poétique, 8.
[22]– Cohen, Le haut langage, 245.
[23]– Cohen, Structure du langage poétique, 8.
[24]– Anne Paveau & Rosier, Le discours des objets, 178.
[25]– بافي، معجم المسرح، 150.
[26]– Courtés, Analyse sémiotique du discours, 163.
[27]– فيليب هامون، سيميولوجيّة الشّخصيّات، ص76.
[28]– L’aventure sémiologique, 249.
[29]– Système de la mode, 239.
[30]– Système de la mode, 217.
[31]– L’aventure sémiologique, 30.
[32]– Éléments de sémiologique, in: communications,4, 1964, 132.
[33]– أحمد الجوة، من الإنشائية، ص167.
[34]– لسان العرب، مادّة: مسخ.
[35]– ربعاوي، الباروديا الأدبية، ص119.
[36]– Barthes, L’aventure, 261.
[37]– الأبشيهي، المستطرف، ص258.
[38]– الجاحظ، الحيوان: 4، ص48.
[40]– المسعودي، فنيات قصص، ص541.
[41]– طومي، فلسفة الملابس، ص36.
[42]– الأعراف، الآية26.
[43]– حمزة، سيكولوجيّة ذوي العاهات، ص170.
[44]– المرجع نفسه، ص177.
[45]– مرشنت، الكوميديا، ص132.
[46]– الأصفهاني، الأغاني : 10، ص188 وما بعدها.
[47]– بافي، معجم المسرح، ص296.
[48]– الجميل، اللباس، ص28 وما بعدها.
[49]– الأصفهاني، الأغاني: 10، ص188.
[50]– Leguern, Sémantique,16.
[51]– برجسون، الضحك، ص24.
[52]– الصفدي، الوافي بالوفيات: 4، ص128.
[53]– برجسون، الضحك، ص61.
[54]– لسان العرب، مادّة: شيأ.
[55]– برجسون، الضحك، ص60.
[56]– بلانتان، الحجاج، ص13.
[57]– باختين، شعريّة دوستيفسكي، ص185.
[58]– لسان العرب، مادّة: درن.
[59]– المرجع نفسه، مادّة: غبر.
[60]– المرجع نفسه، مادّة: خثعم.
[61]– Jankélévitch, L’ironie,79.
[62]– لسان العرب، مادّة: وطس.
[63]– باشلار، النّار، ص93.
[64]– المرجع نفسه، ص96.
[65]– المرجع نفسه، ص95.
[66]– الجاحظ، الحيوان: 3، ص120.
[67]– دوزي، المعجم المفصّل: 1، ص30.
[68]– باشلار، النّار، ص37.
[69]– المرجع نفسه، النّار، ص53.
[70]– المرجع نفسه، ص59.
[71]– Becker, La symbolique du feu, 12.
[72]– دوزي، المعجم المفصّل: 1، ص30.
[73]– الجميل، اللباس، ص67.
[74]– اللّغة واللّون، ص203.
[75]– دائرة المعارف الإسلاميّة. مادّة: لون.
[76]– Morier, Dictionnaire de poétique, 486.
[77]– Peureux, Le burlesque, 91.
[78]– Bertrand, Poétique du burlesque, 9.
[79]– Emelina,«Comment définir le burlesque ? »,in: Poétiques du burlesque, 54.
[80]-Bakhtine, L’œuvre de François Rabelais, 93.
[81]– بافي، معجم المسرح، ص262.
[82]– Barthes, L’aventure sémiologique, 30.
[83]– الثعالبي، ثمار القلوب، ص602.
[84]– النجّار، مجمع الذاكرة: 3، ص125- 146
– ابن الرومي في سبعة مقطعات، وقصائد جمعها النجار : 3، ص297-301.
[85]– الثعالبي، ثمار القلوب، ص601.
[86]– الحمدوي، عن: مجمع الذاكرة: 3،ص133، ق 10، ب 1و3و4و6.
[87]– الثعالبي، ثمار القلوب، ص603.
[88]– الثعالبي، ثمار القلوب، ص603.
[89]– ربعاوي، الباروديا في الشعر، ص431.
[90]– القرطاجنّي، منهاج البلغاء، ص134.
[91]– برجسون، الضحك، ص83.
[92]– بلانتان، الحجاج، ص55.
[93]– برجسون، الضحك، ص83.
[94] -الجاحظ، الحيوان: 6، ص475-476.
[95]– النجار، مجمع الذاكرة : 3، ص122.
[96]– Le burlesque, 88.
[97]– Bakhtine, L’œuvre de François, 93.
[98]– ربعاوي، الباروديا في الشعر، ص413.
[99]– Le burlesque, 88.
[100]– Bakhtine, L’œuvre de François, 302.
[101]Le burlesque, 88.
[102]– Aron, et d’autres, Le dictionnaire du littéraire,152.
[103]– كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم: 1، ص749.
[104]– Docrot/Todorov, Dictionnaire encyclopédique ,417.
[105]– Système de la mode, 217.
[106]– بافي، معجم المسرح، ص150.
[107]– Anne Paveau & Rosier, Le discours des objets.
[108]– Système de la mode,14.
[109]– Ricoeur, La métaphore vive,306.
[110]– لسان العرب، مادّة: سخر.
[111]– المرجع نفسه، مادّة: هجا.
[112]– رينهارت، المعجم المفصّل، ص81.
[113]– لسان العرب، مادّة: طلس.
[114]– المرجع نفسه، مادّة: ثوب.
[115]– L’air et les songes, p. 9.
[116]– Denizeau (Laurent),Le nu et le vêtu, p. 25.
[117]– Courtés, Analyse sémiotique du discours, p. 163.
[118]– Denizeau, Le nu et le vêtu, p. 27.
[119]– Ibid., p. 30.
[120]– الوسيط: 2، ص562.
[121]– لسان العرب، مادّة: طلس.
[122]– النيسابوري، المسند الصحيح المختصر : 4، ص2266.
[123]– العبسي، الكتاب المصنف في الأحاديث : 6، ص471.
[124]– الجويلي، سوسيولوجية البخل، ص206.
[125]– برجسون، الضحك، ص17.
[126]– جيبسون، ملاحظات عن القصّة والفكاهة، ص174.
[127]– نقلا عن: جيبسون، ملاحظات عن القصّة والفكاهة، ص176-177.
[128]– الثعالبي، ثمارالقلوب، ص602.
[129]– المرجع نفسه، ص601-604.
[130]– المرجع نفسه، ص604.
[131]– النجّار، مجمع الذاكرة: 3، 125- 146+ ابن الرومي في سبعة مقطعات، وقصائد جمعها النجار : 3، ص297-301.
[132]– ليفن، البنيات اللّسانيّة في الشّعر، ص76.
[133]– المرزباني، الموشح، ص406.
[134] النجار، مجمع الذاكرة: 4، ص132.
[135] المصدر نفسه: 4، ص142.
[136] المصدر نفسه: 3، ص407-409.