ملخّص:
كيف نفهم الشعر العربي الحديث والمعاصر؟ سؤال كثيرا ما يتبادر إلى أذهاننا ونحن نطالع هذا الشعر، نتملّى في نصوصه ونتصدّى لقراءته فهما وتحليلا وتأويلا. لكنّ القراءة تبدو مغامرة محفوفة بمخاطر الفهم أو سوء الفهم أو اللافهم لما يزخر به هذا الشعر من رموز وألغاز وأساطير ومفارقات كثيرة، وما يتضّمنه من طبقات دلالية تنشأ بحكم طبيعة لغته الشعرية، وبحكم ما ينصبّ فيه من نصوص أخرى، فتغدو عملية الفهم مهمّة عسيرة، ويجد القارئ نفسه في متاهة تقطع عليه كل طريق للفهم وتجعله يتساءل: كيف نقرأ هذا الشعر؟ كيف نفهمه؟ وكيف نؤوله؟ ثمّ ما سبب العطالة في الفهم؟ هل هي مرتبطة بالشعر نفسه أم بالمتقبّل أم بالأدوات والوسائل المستحضرة فيه؟ هل إنّ ما نفهمه أو نتوهّم أنّنا نفهمه هو الفهم الصحيح؟ أسئلة كثيرة تجول في البال نحاول أن نجيب عنها في هذه الورقة العلمية من خلال مقاربة نماذج من الشعر العربي الحديث والمعاصر.
الكلمات المفاتيح: معطّلات – الشعر- الغموض – الأسطورة – الرمز – الفهم.
Abstract:
How do we understand modern Arabic poetry? This question often comes to mind as we engage with its texts, immerse ourselves in its words, and confront the challenge of reading, understanding, and analyzing it. However, reading seems to be an adventure fraught with the risks of understanding or misunderstanding the many symbols, puzzles, myths, and paradoxes found in this poetry. The layers of meaning inherent in its poetic language and references to other texts make the process of understanding a challenging task. Readers find themselves in a maze where every path to understanding is blocked, prompting them to ask: How do we read this poetry? How do we comprehend it? And how do we interpret it? Furthermore, what causes the obstacles to understanding? Are they related to the poetry itself, the reader’s perspective, or the tools and methods employed? Is what we understand or presume to understand the correct comprehension? Many questions linger as we attempt to answer them in this scholarly paper, utilizing examples from modern and contemporary Arabic poetry.
Keywords: Obstacles – poetry – ambiguity – myth – symbol – understanding.
1- مدخل:
يعدّ الشعر العربي المعاصر نقلة نوعية في عالم الأدب، نصوصه فيها من وضوح العبارة وبساطة الألفاظ والتنميق ما لا يحوجنا إلى القواميس والمعاجم لفهمها، ولكنّها تبدو محيّرة لما تزخر به من رموز وألغاز ومفارقات تجعل عملية الفهم عسيرة وعصيّة على المتقبّل، ولعلّ هذا اللافهم ــ الذي يمنع من تذوّق الشعر والاستمتاع به ــ أسبابه متعدّدة أهمّها الغموض المتعمّد الذي اعتبر أساس الشعر وما به يحقّق المجد والخلود[1].
فقد بلغت الذائقة الشعرية العربية درجة كبيرة من النضج منحت الشاعر المعاصر قدرة على استثمار المفردات اللغوية وشحنها بضروب الإيحاء والتلميح والغموض. وبذلك شهد الخطاب الشعري تحوّلا من الوضوح إلى الغموض، ومن الفهم إلى اللافهم، فكان لزام علينا تقصّي مظاهر هذا التحوّل والتعرّف إلى مسبباته.
وتمثّل هذه الدراسة محاولة منّا في قراءة معطّلات الفهم، وكشف دواعي اللبس والغموض والإغراب في المشهد الشعري الحديث، وتتبّع ما وراء اللغة من رموز وانزياحات واستعارات عطّلت عملية الفهم، وجعلت القارئ يعزًف عن تقبّل هذا الشعر الذي توجّست لغته خشية الفهم، والتبست بضروب شتّى من المعطلات.
ويعود سبب اختيارنا للشعر العربي المعاصر حقلًا للدراسة بالأساس إلى ثرائه الدلالي، وتفرّد معانيه، وصعوبتها على الفهم، ممّا يتطلّب فائضا في الجهد والتقصّي لفهم معانيه ودلالاته، ولأنّ سعة ثقافة المتقبّل لا تكفي للإحاطة بهذه المعاني الخفية أو الظفر بها، ارتأينا أن نتناول هذا المبحث بالدراسة، ولكن غايتنا ليست أن نفهم أو أن نتعرّف إلى المعاني الخفية بل أن نتتبّع معطلات الفهم ومسبباته عبر اقتفاء أثر العناصر الفنية المكوّنة للنصّ الشعري، مواطن الفراغات والفجوات فيه، والنصوص الغائبة … ولكن قبل ذلك حرّي بنا التعرّف إلى معنى المعطّلات لغة واصطلاحا.
يؤكّد عبـد القـاهر الجرجـاني أنّ جميـع العلـوم تعتمـد على الدقّة في تحديــد المصـطلحات، وعلى “العبـارة أكثـر مـن الإشـارة، والتصـريح أغلب من التلويح، والأمر في علم الفصاحة بالضدّ”[2]. لذلك سنستعين بمعاجم اللغة العربية في تحديد المصطلحات لما تحقّقه من الدقّة والوضوح اللغوي.
ولا شكّ أنّ كلمة معطّلات تحتاج إلى التحديد والتوضيح حيث يفيدنا التعريف المعجمي أنّ مادة عَطَلَ: العين والطاء واللام أصل صحيح يدلّ على معنى الخلوّ والفراغ. وكلّ شيء خلا من حافظ فقد عُطّل. والتعطيل: التفريغ[3]. وعطَّل الدّار: أخلاها. وكل ما ترك ضياعًا: مُعَطَّل. وعطّلوا ديارهم: تركوها خالية، وكل ما ترك ضائعا فقد عطّل[4]. وعَطّل: أعاق، شلّ، أخّر، عوق، أبطل، منع. والتعطيل: العائق، المانع. وعطلت المرأة تعطل عطلاً وعُطولاً وتعطّلت إذا لم يكن عليها حلي، ولم تلبس الزينة وخلا جيدها من القلائد. وقال ابن شميل: المِعْطال من النساء الحسناء التي لا تبالي أن تتقلّد القلادة لجمالها وتمامها. ويستعمل العَطَلُ في الخلو من الشيء، وإن كان أصله في الحلّي[5].
وفي موضوعنا الذي نحن بصدده، المعطّلات هي التي تجعل النصّ الشعري خاليًا من المعنى، وهي التي تمنع الفهم وتعطّله.
2- الشعر العربي المعاصر: انحراف دلالي أم عجز عن تبليغ المعنى:
يقول الجرجاني متحدّثا عن كلام العرب: “فإنّك إذا قرأت ما قاله العلماء فيـه وجـدت جلّـه أو كلّـه رمـزًا ووحيـًا، وكنايـة وتعريضـا وإيمـاء إلى الغـرض لا يفطـن إليـه إلّا مـن غلغـل الفكـر، وأدقّ النظر”[6]. لذلك أبدع الشعراء المحدثون إشارة أكثر منها عبارة، فأوغلوا في الغموض ولسان حالهم يردّد قول الصوفي أبي العبّاس بن عطاء (ت309ه).
“إذا أهل العبارة سائلونا*** أجبناهم بإعلام الإشارة.
نشير بها فنجعلها غموضًا *** تقصر عنه ترجمة العبـــارة” [7]
لكنّ العناصر التي ذكرها الجرجاني في كلام العرب أصبحت تمثّل معطّلات للفهم، وأدّت في كثير من الأحيان إلى تحريف المعنى، أو تزييف القصد الذي أصبح في الشعر المعاصر مقصودًا. إنّه انحراف دلالي sémantique[8] obliquité سببه التكثيف الرمزي الذي بقدر ما يحمل أسسًا فنّية وإبداعية فقد ساهم في تشظّي المعنى، وعلى القارئ أن يتسلّح بمختلف الآليات اللغوية والثقافية والموسوعية حتّى يستطيع تخطّي معطلات الفهم وفكّ شفرات الخطاب، لأنّ فهم الشعر يتطلّب قارئًا حاذقًا بعبارة ريفاتير ،قارئا موسوعيا أو متخصّصًا ليفهم، ولكي يفهم “ينبغي سلفًا أن يكون لديه موقف، استباق، سياقية، … فالمرء لا يسعه أن يفهم إلا ما هو مؤهّل لمعرفته”[9]. لأنّه في الشعر يوجد دائما “فائض في المعنى يروغ منا لنطق ويفلت من شبكة اللغة، ومن ثم فهناك دائمًا شيء بين السطور، شيء على طرف اللسان، يوشك أن يُقال ولا يُقال … ثمة دائما فائض في المعنى يهيب بك أن تطاله أو أن تقوله[10].
إنّ قارئ الشعر يؤخذ بغموض الشعر بقدر ما يحار في فهمه، وينجذب نحوه بقدر ما يصدم فيه، والسحر الذي ينبعث من كلماته الحافلة بالأمر يأسره، ويفرض نفسه عليه ولكّنه يظلّه في متاهاته ويقطع عليه كل طريق للفهم أو المشاركة أو التذوّق بمعناه القديم”[11].
البعض يسمي هذا اللافهم غموضًا أو نشازًا. يقول الشاعر الايطالي أوجينيو مونتاليEugenio Montale (1896 ــ 1981) “لو كانت مشكلة الشعر أن يكون صاحبه مفهومًا لما كتب أحد بيتا واحدا من الشعر”.[12]
فهل يمكن اعتبار الغموض في الشعر عجزا في توصيل المعنى أم هو فرصة ثانية تتاح للقارئ التفاعل مع النصّ الشعري؟ثمّ من هو المسؤول عن هذا اللبس وعدم الفهم؟ هل هو المبدع أم القارئ أم النصّ الشعري في حدّ ذاته؟
يرى أدونيس أنّ لطبيعة الشعر دورا في تعطيل الفهم وعجزا في التوصيل المعنى، فهو نصّ مراوغ ممتنع لا يبوح بأسراره إلّا لمن يستحقّها. يقول:” من حقّ الشاعر أن يحلّق فوق المعتاد والمبتذل والمستهلك لأنّ طبيعته أنّه رؤيوي والرؤيا حالة مرتبطة بالحلم لكن الإسراف في عقد صلات وعلاقات لامعقولة بين الألفاظ تفتقد فيها الدلالة هو ما يجعل لغة الشاعر عاجزة عن التوصيل والإيصال”[13].
فالقصيدة تقول شيئا وتعني في الوقت ذاته شيئا آخر، وما الحضور سوى علامة على الغياب، يتطلّب من القارئ الجادّ أن يحفر في طبقات النصّ ليكتشف المسكوت عنه، وللوصول إلى البنى الخفيّة يحتاج الأمر استحضار النصوص الغائبة لاستكمال النّص الحاضر باعتباره طرسا Palimpseste بعبارة جيرار جينيت أو نصّا جامعا Architexte[14]. وللقارئ أيضا دور في ذلك، فهو ملام في عدم الفهم، فليس الغموض إلّا قناعا “يخفي به القارئ ضعف ثقافته وقصورها، وإصراره على أن يفهم ما تغيّر بذهنية لم تتغيّر”[15]. لذلك “أصبح من الخطأ الدخول إلى حرم القصيدة دون أن نستعد لذلك تمام الاستعداد عبر إعادة ترتيب تركيبة الجمل، العودة إلى سيرة الشخصيات والرموز المستحضرة فيها، مع ضرورة الانفتاح على ثقافة الشاعر الحديث وعلى العصر …
كيف نفهم هذا النصّ؟ كيف تتمّ التفرقة بين المعنى واللا معنى، بين النصّ واللا نصّ؟ هل كل النصوص قابلة لأن تفهم؟ ولأن تؤوّل؟
ثمّ إلام نستند في فهم هذا الشعر؟
“إلى مربع الصفر أم إلى مثلث الشهوة؟ إلى أهرامات الأثير أم
إلى خيام التاريخ
إلى الريح التي تتبخّر من المقابر أم إلى يمامة جائعة؟[16]
في النصّ الشعري يتناوب المعنى واللا معنى، “المرئيّ واللاّ مرئيّ يرسمان معا حدود البيان القصوى، ولكن بين هذين القطبين يرتسم فضاء متدرّج من الدّلالات[17]. ونحن إذا اعتبرنا المعنى في الشعر لا مرئيا،[18]جاز لنا أن نفهم أنّ هذا الشعر لا يفهم، لأنه فيّ كل عمل فنيٍّ عظيم شيئًا يستعصي في نهاية الأمر على الفهم”.ولأنّه كلّما ارتقى إلى ذرى الإبداع والأدبية قلّ فاهموه[19].
لقد تحوّل المعنى إلى كائن افتراضي، لا وجود له في النصّ وبعيدا عن فكرة الفجوات التي احتفى بها الشعر، فإنّ المعنى يظلّ دائما ناقصا بتعبير تودوروف: “النصّ مجرّد رحلة خلوية يجلب فيها المبدع الكلمات بينما يجلب القرّاء المعنى.” المعنى المضمر والمضمّن والمستتر في أعطاف النصّ. إذن ليس ثمّة نصّ بلا معنى، المعنى لا يغيب عن النصّ، ولكن النصّ الحديث يروغ عن المعنى الأحادي وينفتح على تعدّد المعاني[20].. الشعر “بهذا المعنى هو ترجمان العيان بكلّ وسائل البيان الممكنة من لفظ وإشارة وخط”…[21].
3- معطّلات الفهم في الشعر المعاصر:
لقد اغترف الشاعر المعاصر من مناهل مختلفة: منابع معرفية متعدّدة، وروافد علمية شتّى فامتزجت في نصّه شعريتان: “شعرية اللغة وشعرية التخييل يؤلّف بينهما على تباينهما فكانت الأولى تنزع إلى إقصاء المعنى، في حين لا يسع الأخرى أن تتجرّد من الجوهر الدلالي الملازم لكلّ حكاية”[22]. كلّ ذلك ساهم في تشكيل النصّ الشعري، دخل في نسيجه، فضاعف من صعوبة قراءته، وعقّد عملية تلقيه. وأصبح يتطلّب من القارئ ثقافة موسوعية كبيرة لا ترتبط بالشعر فحسب، وإنّما بمختلف فروع الثقافة والأجناس الأدبية والتراثية (الخرافة، الأسطورة، التاريخ، التصوّف، الفلسفة…) التي يستلهمها الشاعر ويوظفها في متنه الشعري .
إنّ القارئ ليحار أمام عبارات كثيرة وأسماء غريبة غير معروفة ولا متداولة في الشعر تجعلنا نتساءل عن معانيها مثلا من منّا يعرف معنى أوسمانتوس[23] أو زوكالي[24]، أو أدونيادا[25]… وأسماء أخرى كثيرة ومجهولة تصدّرت عناوين دواوين شعرية حديثة ومعاصرة تتطلّب ثقافة موسوعية ودراية بعالم الأساطير وجغرافيات الأمكنة وتاريخ الأمم والشعوب…؟
فقد اتّخذ بعض الشعراء من المدن مدارا للقول واستنطاقا للأمكنة بأبعادها الجغرافية والمعمارية وخصائصها الثقافية. يقول أدونيس:
“أريد أن ألمس أعماق الأمكنة، أن أزرع السماوات في أحشاء أرض
كمثل نباتات نصفها بشر ونصفها غيوم وأعاصير، أريد أن
أستأصل جذور الملائكة “[26].
ويحتفي الشاعر التونسي المنصف الوهايبي بالأمكنة والفضاءات في مخطوط تمبكتو[27]احتفاء لا مثيل له حيث تحضر مدينة حاجب العيون باسمها الروماني” مسكلياني”، وهذه “تمبكتو” المدينة الإسلامية الشهيرة في جنوب مالي، و “تكاباس” وهي مدينة قابس قبل الفتح الإسلامي، و “هيبوأكرا” اسم مدينة بنزرت قديما، و “أوتيكا” وهي مدينة قديمة قرب بنزرت اشتهرت بمينائها، وغيرها من المدن التي أحيا الشاعر ذكرى مجدها القديم.
ويتباهى الشاعر بهذه المدن وغيرها من المدن العربية القديمة، وبآثارها التي ظلّت صامدة على مرّ الزمن، تضاحي المدن الأسطورية سادوم، وعامورا، وإرم ذات العماد وغيرها، وحضورها مجتمعة في قصيدة واحدة قد يعطّل الفهم.[28]
ويستحضر الشاعر إضافة إلى أسماء المدن العربية والإفريقية الشهيرة، أسماء لرموز تاريخية وصوفية وتراثية من قبيل السهروردي المقتول، والحلّاج، وابن عربي، وغيرهم … وقد تحضر هذه الأسماء جميعها في القصيدة الواحدة من قيبل قصيدة “هرٌّ ينظر من بِلَّوْرٍ أزرق”:
وحلُمْتُ بأنِّي في بستانِ أبي
في مسْكلياني
حين حُمِلتُ إلى مغتسلِ الموتى
في تمبكتو …
قلت لنفسي :متى يَفِدُ الأصحابُ ويبتدئ الحفل ؟ .
وأتى أصحابي :
رابعةٌ
جاءتْ في وشيٍ من صنعاءْ ،
محي الدِّين
بـ هرٍّ شامي ينظرُ من بِـلَّوْرٍ أزرقْ،
المقتولُ شهابُ الدينِ
على فرسٍ خضراءْ،
مولانا
في جلبابِ الصُّوفِ يطوفُ بأكوابِ الفضَّةْ،
حتى ثملوا وتخافتَ ضوءٌ في مشكاتي .
وابتدؤوا ينْـفضُّونْ،
فهممتُ
ولكنَّ الحلاجَ الواقف بالبابِ
أشارَ أَنِ ابقَ هنا يا تمبكتي !
قلت : وأنتم يا حلاجُ إلى أين ؟
قال : إلى مسكلياني !
أمَّا أنت فلم يبدأْ حفلُـكَ يا تمبكتي !
لم تدخل بعدُ إلى فرحِ الربْ !
سيكون رفيقك هذا الهرّ الشاميّ
ليقودَكَ ؛ إمَّا تعتعكَ السُّكْرُ إلى البيتْ’
نصّ رائع في نسج حروفه ووشي عباراته، ولكنّ تعدّد الرموز المكانية والتراثية فيه جعل معانيه قصيّة على الفهم وكأنّنا بلسان الشاعر يقول:
“ولكنّني كنت نسّاج وهم
وينتسج الـــــوهم لـــي”[29]
وقد يتّخذ الشاعر نماذج من الحيوانات يصغي إليها ويتقرّى حكاياتها في مراياه على غرار “طائر الكيتزال” الطائر المقدّس عند أدونيس:
“كيتزال
أغبطك أيها الطائر المقدّس أغبط رؤوس القادة تتزيّن بريش
ذيلك الباهر الطويل”[30]
أما عند الوهايبي فتحضر أسماء العديد من الحيوانات، حتّى أنّه خصّص لها مجموعة شعرية عنونها بـ “فهرست الحيوان”. يقول في قصيدة
“جرسٌ يقرعُ ـــ في مدرسةٍ نائيةٍ ــ مسكلياني
هبةُ القمحِ الذي ينسجُ ذكرى الصيفِ .
إرثُ الماء و الملحِ
ظلالٌ تنحني
مثل حمير الوحشِ في صمت الينابيعِ
حصانٌ ناصبٌ أذْنيه في الريحِ
بيوتٌ تسكنُ الآجرَّ والأحجارَ
هلْ مرَّ قطارُ الفجرِ أم خيلُ الأمازيغ ؟
لقد دوَّى جناحٌ في حريرِ الفجرِ والتمَّتْ فراشهْ“[31]
يتطلّب الأمر دراية بعالم الحيوان ومعرفة بدلالات حضوره حتّى يتسنى الفهم …
ومن العناصر المساهمة في تعطيل الفهم أيضا نذكر:
3- 1- ظاهرة الغموض:
لطالما تغنّى الشعراء بالغموض وأكّدوا أنّ الشّعر لمح مستحب وإيحاء يقول البحتري (ت285ه) (البحر المنسرح):
“الشعر لمحٌ تكفي إشارته *** وليس بالهَذْر طُوِّلتْ خُطَبُهُ”[32]
وقديما أشاد الجاحظ بالغموض وبدوره في تحقيق جودة الشعر لما يخلقه في نفس المتلقي من تأثير فقال الشعر “من غير معدنه أغرب وكلّما كان أغرب كان أبعد في الوهم كان أطرف، وكلّما كان أطرف كان أعجب، وكلّما كان أعجب كان أبدع”[33].
فالغموض أفضل من التصريح، والتلميح أبلغ من الوضوح، وهذا التستّر والتخفي هو ما يدفع بالقارئ إلى التشوّق في اقتفاء أثر المعنى الهارب من القصيدة ويستعدّ لرحلة الكشف عن المجهول”.[34] لكنّ الشعراء المحدثين تمادوا في الغموض والغرابة حدّ التعمية التي يتحوّل معها الشعر إلى إلغاز يقف الدارس حائرا أمام هذا الغموض وهذه الضبابية، وتعوزه الدّقة في البحث عن مدلولات المصطلحات النّقدية ومفاهيمها مثل الإغراب وما يرتبط به كالحوشي والغموض والمعاظلة، والإبهام.[35]
وتعدّ الغرابة عند عبد الفتاح كيليطو سمة جمالية يتوقّف عليها تحقيق الأثر الفني الذي يهدف إليه الخطاب لأنّ الشيء الغريب هو ما يأتي من منطقة خارج منطقة الألفة، ويسترعي النظر بوجوده خارج مقره[36].
الغرابة في التراكيب النحوية والبلاغية: فالتشابيه والاستعارات والمجازات بما تحملها هذه التراكيب من ثراء دلالي وقدرة الإيحائية جعلتها مصدر اهتمام النقّاد والأدباء. فقد تنبّه البلاغيون العرب قديما وحديثا إلى ثراء الاستعارات والمجازات، فاستأثرت بالقسم الأكبر من مؤلفاتهم، وقد أفرد لها قديما عبد القاهر الجرجاني ( ت471ه) فصولا كثيرة في دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة، مبرزا سرّ الجمال فيها، فهي تعطيك الكثير من المعاني بقليل من الألفاظ، روعة الاستعارة تكمن في غرابتها والمنافرة بين طرفيها. وحديثا [37] خصّص لها الباحثان “جورج لايكوف ومارك جونسون” كتابا موسوما بـ “الاستعارات التي نحيا بها”[38] أكّدا فيه أنّ الاستعارة أعمق من أن يقتصر دورها على الزخرفة اللفظية أو اللغوية ـــ باعتبارها ظاهرة لغوية يتمّ فيها استخدام لفظ مكان لفظ آخر لقرينة جامعة بينهماـــ فهي “لا ترتبط بالجانب اللفظي واللغوي فحسب بل تقترن بالذهن والعلاقات الفكرية والتخمينية التي يقوم بها كلّ من المتلقي والمستمع”.[39]
فكيف للقارئ أن يفهم المعنى في هذه الأسطر التي تتعدّد فيها المعاجم وتتنوّع، وتحضر في الاستعارة ويطغى المجاز؟
” لا الزهرة تتزوّج سجانيها ولا البومة تنقر أحشاء الغيب
تكزّ الكنيسة بأسنانها المضطربة على الأناجيل، على أمومة التوراة
على الصلوات التي تتدفّق أنهارها في شرايين الوقت”[40]
هذه التراكيب التي تشترك في صفة وتختلف في عدّة صفات كلّما تقلّصت حظوظ الاشتراك فيها تضخمت حظوظ الاختلاف مما يجعل المعنى غامضا مستهجنا، وهذا ما يمنح الخطاب الشعري نوعًا من الغموض الذي يفسح للمتلقي مجال التأويل، والبحث عن المعنى الغائب.
ولنا سند آخر لأدونيس تتعدّد فيه الاستعارات والمجازات، يلتقي المجرّد بالمحسوس في تمازج بقدر ما فيه من جمالية السبك وحسن التركيب فيه من غرابة المعنى وصعوبة الفهم .
“قوس ريحان عريش من حمام
والشبابيك رمت أبوابها
قرية من سعف النخل ومن حبر الفضول.
غضب الرعد ولطف الغيم فيها ربياني
قرية نسهر في سروالها
ويبوح التين والتوت بما تخجل منه الشفتان
في أعالي شجر النخل نمت ذاكرتي
هو ذا السماق نحنيه وهيأنا البقول
ونقول التابل الطيب لن ينقصنا هذه العشية
هو ذا ليحتضن النسرينَ طفل
كي يردّ الوردُ للورد التحية
في أعالي شجر النخل نمت ذاكرتي
إنّه النرجس يأتي حافيا
ما الذي يشغله
والرفيق يعطيني ذراعيه وأعطيه قميصي
وتُغطينا يدا زيتونة
لي في دفتري الأخضر شباك وفي الأزرق وعد
لي في محفظة الشمس كتاب…[41]
فعن أي موضوع تتحدّث هذه المقطوعة الشعرية التي تتعدّد فيها المعاجم وتختلف؟ هل بإمكان القارئ العادي أن يفهم طلاسمها؟ إنّ الأمر يتطلّب قارئا متخصّصًا حتى يفهم دلالات هذه الأبيات الملغزة ومعانيها[42] لأنّ الموضوع غائب، وليس في المستطاع استحضاره إلا بالتأويل.
3- 2- التكثيف من الرموز وضروب المجاز:
لا نستطيع الحديث عن الرموز والمجازات دون الحديث عن اللغة الشعرية لما لها من دور في حالة الالتباس واللا فهم التي تعتري القارئ لحظة لقائه بالنصّ الشعري ومكاشفته ــ باعتبارها نظاما معقّدا من الدلائل التي تقف حاجزا أمام المتلقي ــ ممّا يصعب معها إمكانية الإلمام بالمعنى والسيطرة عليه داخل النصّ، فهناك دائما هامش يقظ يحثّ على السؤال وعلى الإنصات إلى أصوات الثغرات التي تبقى مفتوحة داخل النسيج النصّي، وقابلية لمختلف التأويلات التي يعود اختلافها إلى العديد من الأنظمة المتحكمة في ذهن المحلّل/ المؤوّل عن سدّ هذه الثغرات وترميمها”[43].
ثمّ إنّ اللغة الشعرية هي لغة ابتكارية تتميّز بخاصيّة الالتباس المحايثة لبنيتها ما يجعل آلية الفهم أصعب نظرا إلى عدم القدرة على ضبط كيفية اشتغال المجاز وكثافة المقاصد والدلالات الخفيّة. فهل يأتي زمن نستطيع فيه أن نوقظ الكلمات؟
لم يأت بعدُ زماننا، شخنا؛ ومتنا
نوقظ الكلمات في لغة تنام ثقيلةً في نعمة النسيان، من جثمانها
مازال يصعدُ صوتها من منزل الكنديّ، من أطلالِ خولةَ؛
وليكنْ
فلنا سراسنةً أمازيغًا أفارقةً سنوكيّينَ
في أبواب كلّ مدينةٍ أو قلعةٍ، في كلّ بحر أو فلاةْ
شعرُ الرعاة
ولنا فنون سبعة والموت ثامنها مدجّنها، علينا”[44]
هذه لغة الوهايبي وهي لغة ابتكارية، بقدر ما فيها من جمالية اللفظ فيها من غموض المعنى و”كيمياء الطلسمات” وصعوبة الفهم الشيء الكثير، وهي مع ذلك لغة عتّقت من شدّة الفصاحة حتى لكأنّها لغة الأولين قد عادت إلينا في ثوب جديد.
إنّ هذا النصّ وغيره من النصوص الشعرية المشابهة التي تشتغل على أقطاب متعدّدة تؤسّس الدلالة الإيحائية التي ينتجها سياق الخطاب، وهنا نتحدّث عن مقاصد الشاعر ومقتضيات النصّ الشعري ومستلزماته. ممّا يعطّل قدرة الباحث على الإحاطة بكل المقوّمات الذاتيّة والمعاني المتعدّدة للنصّ لأنّها لا متناهية، إذ كلّما تعدّدت سياقات الخطاب وتنوّعت مقوّماته صعبت الإحاطة بالمعاني والدلالات وبالتالي تعذّر عليه الفهم.[45] لذلك يسعى الباحث إلى تتميم العناصر الغائبة والعبارات القائمة على المجازات والاستعارات انطلاقا من ذاكرته أو من ثقافته الموسوعية. ولعلّ السؤال الذي يتبادر إلى الذهن أثناء الحديث عن الاستعارات هو: ما المبادئ التي تتيح للمتكلم صياغة تلفظات استعارية يستطيع القارئ فهمها؟
يحتاج الباحث لفهم معنى التلفّظ الاستعاري إلى أكثر من معرفة باللغة لأنّ شروط فهم القول لا ترتبط بشروط وضوح العبارات وإنّما بمقصدية المتكلّم، وقد أكّد جون سورلJean Searle هذا الأمر بإقراره أنّ الجملة لا تحمل إلا معناها فقط، وما الحديث عن معنى استعاريا إلا حديثا عن المقصديات الممكنة للمتكلم”[46] مؤكّدا على وجود اختلاف بين معنى المتكلم ومعنى الجملة …
فهل بإمكان الاستعارات الجديدة التي نادى بها لايكوف وجونسون أن تبدع فهما جديدا وبالتالي حقائق جديدة؟ وهل للغة الشعرية دور في فكّ الالتباس أم في تعميقه؟ وكيف يمكن للرموز أن تكون سببا في تعطيل الفهم لدى القارئ؟
إضافة إلى الاستعارات تحضر الرموز في الشعر معطّلا من معطّلات الفهم، فكما هو معروف” يشغل الرمز مكان الشيء ذاته، الشيء يساوي المعنى والمرجع على حدّ سواء… الرمز يمثّل الحاضر أثناء غيابه وينوب عنه”.[47] ويرتبط الشعر الحديث عادة بالإيحاء الذي يقترن لغة بالإشارة والإيماء والإلهام والكلام الخفّي. وفي اللسان “أوحى إليه أي ألهمه، والإيحاء إلقاء المعنى في النفس بخفاء وسرعة”.[48] ويلتقي لفظ الإيحاء بلفظ الرمز في الدلالة على معنى الإشارة، والإيماء” بأحد الجوارح أو بغيرها من الوسائل المتاحة.[49] يقول الشاعر عمر بن أبي ربيعة (ت 93ه) في دلالات الإشارة (من الطويل):
“أشارت بطرف العين خيفة أهلها *** إشارة مذعورة ولم تتكلّم
فأيقنت أنّ الطرف قد قال مرحبا*** وأهلا وسهلا بالحبيب المتيم”[50]
فالرّمز اللغوي في الشعر إن لم ينقل القارئ بعيدا عن تخوم القصيدة لا يمكن تسميته بالرمز “فهو يبدأ حين تنتهي لغة القصيدة أو هو القصيدة التي تتكوّن في وعيك بعد قراءة القصيدة إنّه البرق الذي يتيح للوعي أن يستشفّ عالما لا حدود له”[51].
فداخل القصيدة ثمّة مسافة بين ما تقوله القصيدة وما تدلّ عليه، إذ تكون الدلالة هنا متعدّدة وليست أحادية الجانب. وهي تخضع أساسا إلى اختلاف التأويلات التي يمارسها القارئ على النصّ تبعا لمرجعيته الثقافية وقيمه الجمالية التي يستقي منها منظوراته. في هذا السياق يميّز ريفاتير بين الشعر واللاشعر: فالشعر يعبّر عن الأشياء والمفاهيم بطريقة ملتوية، وإذا بالقصيدة تقول شيئا وتعني شيئا آخر، ويمكن أن يتمّ إنتاج هذه الالتوائية بثلاث طرائق متمايزة : نقل المعنى، أو انحراف المعنى، أو إبداع المعنى”[52]. وما يهمّنا هنا هو انحراف المعنى في حالة الالتباس أو التناقض أو اللا معنى. إنّ جنوح القصيدة إلى الإيحاء ما يجعل اللغة الشعرية تتماهى في التشفير والغموض والإبهام فتخترق المألوف والمعتاد لتغلق باب الفهم .
إضافة إلى ذلك قد تغيب الدلالة والمعنى في نصوص الشعر الحديث غيابًا كاملًا في كثير من الشعر، ومن مظاهر ذلك: غياب الموضوع، فلا يعرف المتلقي عمّا يتحدّث الشاعر، ولا عن فكرته الرئيسية. ولا يبقى أمام المتلقي سوى الاجتهاد في تأول المعنى. فقد أصبحت القصيدة لا تنطلق من موضوع ما، بل “صارت تنطلق من حالة ما، أو حالات ما مركّبة، تكوّن الحالة النفسية والثقافية. وكل كيان، أو معاناة يعانيها الشاعر أشبه بحالة من البخار المكثّف الحار جدا، الساخن، كأنّه بخار الروح لاتصاله بينابيع المعاناة والتجربة وصدقها[53]“ وفي السياق ذاته يقول مالارميه: “تسمية الموضوع تحطيم ثلاثة أرباع الاستمتاع بالقصيدة”[54]. ولكن هل يتعارض الفهم مع الاستمتاع؟ هل إنّ غياب المعنى شرط للاستمتاع بالنصّ الشعري؟
نأخذ مثالا لأدونيس يقول فيه:
“قيدت سفني بالرياح
وفوضت أمري إلى الموج
افتح يديك، أيها الوقت، وأنظر:
ما أفرغهما”[55]
أين المتعة في هذا الشاهد الذي يخلو من المعنى، وكأنّ اللا معنى هو المعنى.
وهذا سند آخر لأدونيس:
“هربت مدينتنا
فركضتُ أستجلي مسالكها
ونظرتُ ـ لم ألمح سوى الأفق
رأيتُ أنّ الهاربين غدا
والعائدين غدا
جسد أمزّقه على ورقي”[56]
فالهروب هو بداية التغييب، لأنّ الفعل أسند إلى مكان /المدينة “التي تخلو وسكانها من وجودهم الفعلي. يتحّولون من كائنات في المكان والزمان إلى مجرد معانٍ في مخيلة الشاعر.
فأي جدوى من الفهم “إن لم نعرف قبل ذلك شيئًا عن هذه الرموز، وتلك الاستعارات التي استخدمها الشاعر، والكلمات التي فضّلها على غيرها، والتجديد الذي ذهب إليه في بنية العبارة أو معنى الكلمة أو الرؤية الكونية والإنسانية التي تستتر وراء عمله”[57].
3-3- الأسطورة بين الفهم واللافهم[58]:
يعتقد نقاد الأدب بوجود علاقة متينة بين الشعر والأسطورة باعتبارهما ينتميان إلى مصدر واحد في الأصل. هذا ما أدّى إلى استلهام الأساطير وتوظيفها في الأدب عامة، وفي الشعر العربي خاصة، فتنوّعت أساليب توظيفها واختلفت طرق حضورها.
أما الأسطورة والشعر، فهما توأمان قد سبقته في التاريخ، وقد سبقها في التّأريخ، لكنّهما بقيا أخوين لأمّ واحدة هي الذّهنية العربيّة[59]، هذه الذهنية المبنية على الخيال تبلّغها لغة مجنّحة: تومئ ولا تفصح، تشير ولا توضّح، تلمّح ولا تصرّح. “وإن كان الشعر قد ارتبط بها منذ الأزل، فلن يشذّ عن ذلك شعرنا العربي قديمه وحديثه. وليس من الغريب أن يلجأ شعراؤنا المعاصرون إلى الأساطير القديمة المحليّة والأجنبيّة”[60].
ولعلّ توليد الأسطورة والنظر إليها برؤيا العصر، وتعديل صياغتها، وإحداث بديل عنها هو رؤية فنيّة وجمالية حاول كثير من الشعراء المعاصرين إدخالها إلى بنية الخطاب الشعري العربي المعاصر.
وتميل قصائد الشعراء المعاصرين إلى الطرافة والتميّز، باعتبارها كتابة “تخلق المعنى وتعمل على إخفائه، وهي قصائد تكفّ عن الاستجابة إلى أفق انتظار القارئ، ولا تنفكّ تفاجئه باستمرار باستحضار أنواع شتّى من الشخصيات والرموز التراثية والأسطورية وغيرها، ممّا يستدعي التّأويل لفهم معانيها ودلالاتها.
وتمثّل الأسطورة باعتبارها “حكاية مقدّسة، ذات مضمون عميق يشفّ عن معاني ذات صلة بالكون والوجود وحياة الإنسان”[61]. إحدى معطّلات الفهم في النصّ الشعري، معطّلا ناجما عن غرابة الإحالة القائمة على الأسطورة حيث يزداد تعقّد القصيدة وصعوبة الفهم سيما إذا تكثّف استحضار العديد من الأساطير في القصيدة الواحدة، أو استحضار أساطير مغمورة أو غير مألوفة بأسماء معلومة ومجهولة لدى القارئ العربي… ونأخذ على سبيل المثال قصيدة “ديونيزوسية” للشاعر المنصف الوهايبي التي يستحضر الشاعر إله الخمر ديونيزيوس:
“في أعيادك ديونيزوس تعلّمنا
كيف نصفّي ماء الكلمات
كنّا نَصفَقُه في العتمة: ننقله
من بلور أخضر
في غبش الظلّ
إلى آخر أخضرَ
لا ينفذ منه الضوء
ولا يرسب فيه سوى صمت الكلمات”[62]
وهذه قصيدة أخرى يستحضر فيها الوهايبي أسطورة الثعبان المقدّس ذي الرؤوس السبعة “بيدا” الذي يتغذى من الدماء ويفرز الذهب من جسده:
يقول الوهايبي :
“اسمي ممادى سافيد كوني أنا أحببتُ في واغادو ياتاباري
الجميلةَ؛ مهرها الثعبانُ بِيدا؛ كلَّ عام أجمل امرأة السنوكيّين
قربانٌ له، عينان في عينيه بيضاوان تشتعلان؛ قلْ أم بيضتان؟
نسيتُ، كان له رؤوس سبعة؛ وقطفتها؛ ونسيتُ لولا أنّ
ألغازي ببِمْبارى لنا حقلٌ من البطّيخِ تحصده النجومُ”[63]
فهذا النسيج المعنوي الذي تجليه أسطورة الثعبان المقدّس بيدا[64]إضافة إلى الاستعارات والرموز يخلق سياقا تأويليا متفرّدا يختصّ به النصّ الشعري دون غيره.
وفي قصيدة “أنا يامُ بن نوح” يستحضر الشاعر أسطورتي ديدونة وأرواد:
“ وأطلّ من جبلٍ على أرَدُوسَ..
حيثُ غبارُ نجمٍ طَافِئٍ في بحْرها
مازالَ يومضُ لي
على فُرْسٍ.. ورومانٍ..
ومصريّينَ.. إغريقٍ…
على عربٍ وأكرادٍ..
على آشورَ تحفرُ نقشها
وأُطِلُّ من أرَدوسَ..
من جسرٍ..
على صيدُونَ..
من سُورٍ على صُورٍ،
على أوزُوسَ يرفعُ رايتينِ لريحِها ولنارِها..
وأرى إلى ديدُون هاربةً إلى إفريقِيا.
نوءٌ ترجُّ سماءَها..
وسهو اَهل وجبا اَهل..
هلْ جُنّت الأنهارُ يا أبتَا؟
وذا “الأورنتُ “ يأتيني
بأعينِ ماعزٍ في الليل..
يأ ” لْيُونِتِيسُ “
بلمّة شعثاءَ..
قلْ إيقاعُ هذا النهرِ
من إيقاعِ دوّاماتهِ..
ولأضبطنَّ أنا عليها خطوتي”[65]
تعدّ هذه قصيدة من القصائد المركبة من فنون وعلوم شتّى: من تاريخ وجغرافية وأدب قديم وحديث، يبدو خليطها المركّب نوعًا من الوعي الذي لا يستطيع الواقع الحاضر والمرئي من قبل الشاعر أن ينفصل فيه عن ذاكرة الماضي الأسطوري والمقدّس…
4- خاتمة:
لقد حاولت هذه الدراسة أن تثبت أنّ جميع الظواهر الفنيّة المعتمدة في الشعر الحديث والمعاصر التي ذكرناها (شعريّة اللغة وما يكتنفها من غموض وإبهام، فاستحضار الرموز وضروب المجاز والاستعارات، إضافة إلى الأسطورة..) لا تخلو من السّمات الأدبية والإبداعية التي تمكّن المتلقّي من التفاعل مع هذا الخطاب، وأنّ الأشكال التّعبيرية الغامضة الّتي وظّفها الشاعر رغم أنّها مثّلت معطّلات للفهم في الخطاب الشعري إلا أنّها حقّقت أبعادها الجمالية والفنية التي يستعذبها القارئ. وهذه الأشكال التعبيرية الحديثة هي التي دعّمت الاعتقاد بأنّ الإغراب والإيحاء والغموض وغيرها، عناصر مساهمة في تغييب المعنى وتنفير المتلقي لأنّها تحول دون تحقيق الوظيفة التواصلية للخطاب.
يمكننا أيضا أن نعتبر هذه الظواهر الفنّية انطلاقا من دراستها في الخطاب الشعري الحديث والمعاصر اتجاهًا فنّيًا في الشعر، ولّدته ظروف نفسية وحالات شعورية فرضتها الظروف المحيطة بذات الشاعر، وهي بذلك تعدّ مؤشّرا دلاليا يمكّن المتلقي من اقتحام العالم الشعري الذي صنعه الشاعر ليعبّر به عن رفضه لواقعه، وتمرّده على جميع الحواجز التي تقف أمام فرض عالمه، ولعلّ ذلك عدّ من الأسباب التي ساعدت على تعطيل الفهم وتغييب المعنى.
ننتهي إلى التساؤل عن مستقبل الشعر في ظلّ غياب المعنى وعدم الفهم أو عسر الفهم. فهل يحقّ لنا أن نقول إنّ ثورة الشعر ضدّ الفهم قد أوشكت أن تبلغ نهايتها ــ خاصة بعد القطيعة التي حصلت بين الشاعر والمتلقي، وأدّت إلى العزوف عن تلقي هذا الشعر ـــ ولا بدّ للشعراء من البحث عن مخرج جديد؟
قائمة المصادر والمراجع:
المصادر:
- أدونيس، علي أحمد سعيد، ديوان زوكالي، دار الساقي، بيروت، 2014.
- أدونيس، علي أحمد سعيد، الأعمال الشعرية الكاملة، دار المدى للثقافة والنشر، بيروت، ط5، 1996.
- الوهايبي، المنصف، ديوان الوهايبي، دار محمد علي للنشر، صفاقس، تونس، ط1، 2010.
المراجع:
- أدونيس، زمن الشعر، دار العودة، بيروت، ط3 ، 1980.
- أدونيس، مجلة شعر، دار مجلة شعر، عدد 11، بيروت،1959.
- البحتري، أبو عبادة، ديوان البحتري، تحقيق حسن كامل الصيرافي، دار المعارف، ط3 مصر، 1969.
- الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق موفق شهاب الدين، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1998
- الجرجاني، عبد القاهر، دلائل الإعجاز، تحقيق علي محمد زينو، مؤسسة الرسالة ناشرون، ط1، 2005.
- الحنصالي، سعيد، الاستعارات والشعر الحديث، دار توبقال للنشر، المغرب، ط،1 2005.
- ريكور، بول، نظرية التأويل: الخطاب وفائض المعنى، ترجمة سعيد غانمي، المركز الثقافي العربي، ط1ـ 2003.
- الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمود، ـ أسرار البلاغة، تحقيق محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1998.
- ابن طباطبا، عيار الشعر، تحقيق محمد عبد السلام، منشأة المعارف الإسكندرية، 1984.
- العادل خضر، الجاحظ والبيان الآخر، بحوث سيميائية تأويليّة، تونس، دار ميسكيلياني للنّشر، الطّبعة الأولى2017 .
- العيد، يمنى، في معرفة النصّ، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط2، 1984.
- القرطاجني، حازم، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، دار الغرب الإسلامي، ط 2، بيروت،1981 .
- كاظم، جهاد، أدونيس منتحلا، دراسة، إفريقيا الشرق، 1991.
- الكلاباني أبو بكر، التعرّف لمذهب أهل التصوّف، تحقيق آرثر جون أبري، مكتبة الخانجي، القاهرة،1933.
- كيليطو، عبد الفتاح، الأدب والغرابة: دراسات بنيوية في الأدب العربي، دار توبقال للنشر، المغرب، ط3، 2006.
- مصطفي، عادل، فهم الفهم مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر، مؤسسة هنداوي، 2017
- مكاوي، عبد الغفار، ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحديث (الجزء الأول)، مؤسسة هنداوي، 2017.
المراجع الأجنبية:
- Bordas, Eric, les chemins de la métaphore, PUF, Paris , 2003.
- Derrida, Jaques, l’écriture et La différence, Seuil, Paris, 19
- Eco, Umberto ,Les limites de l’interprétation, Traduit par Myriem Bouzaher, , Editions Grasset et Fasquelle, Paris,1992.
- Genette ,Gerard, Palimpsestes la littérature au second dugré,Seuil, Paris,1982.
- Kristeva, Julia , la révolution de la langage poétique, l’avant-garde à la fin de 19 siècle: Lautréamont et Mallarmé, Edition du Seuil , 1974.
- Lakoff, George Johnson, Marc , Les Métaphores dans la vie quotidienne, Editions de Minuit, Paris,1986.
- Meyer, Michel , Question de rhétorique, livre de poche 1993.
- Ricœur , Paul, la métaphore vive, Edition du Seuil ,Paris,1975.
- Riffaterre, Michael, Sémiotique de la poésie, trad. Jean Jacque Thimas, Edition du Seuil, Paris, 1983.
[1]– يقول بودلير: “إنّ في تعذّر الفهم نوعا من المجد”. مكاوي، عبد الغفار، ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحديث (الجزء الأول)، مؤسسة هنداوي، 2017، ص24.
[2]– الجرجاني، عبد القاهر، دلائل الإعجاز، تحقيق علي محمد زينو، مؤسسة الرسالة ناشرون، ط1، 2005، ص28.
[3]– ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، 1979، ص19.
[4]– الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمود، ـ أسرار البلاغة، تحقيق محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1998، مج1، ص422.
[5]– ابن منظور، جمال الدين، لسان العرب، دار صادر بيروت، ط5، 2005، مج 13، مادة (عطل)، ص305.
[6]– الجرجاني، عبد القاهر، دلائل الإعجاز، ص323.
[7]– ابن عطاء، أبو العبّاس، عن الكلاباني أبو بكر، التعرّف لمذهب أهل التصوّف، تحقيق آرثر جون أبري، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1933، ص61.
[8]– Riffaterre, Michael, Sémiotique de la poésie, trad . Jean Jacque Thimas, Edition du Seuil, Paris, 1983,p12.
[9]– مصطفي، عادل، فهم الفهم مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر، مؤسسة هنداوي، 2017 ص11.
[10]– ريكور، بول، نظرية التأويل: الخطاب وفائض المعنى، ترجمة سعيد غانمي، المركز الثقافي العربي، ط1ـ 2003، ص89.
[11]– مكاوي، عبد الغفار، ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحديث، مج1، ص17.
[12]– مكاوي، عبد الغفار، المرجع السابق، ص 20.
[13]– أدونيس، زمن الشعر، دار العودة ،بيروتـ، ط1، 1978، ص85.
انظر أيضا:
أدونيس، مجلة شعر، دار مجلة شعر، عدد 11، بيروت،1959، ص87.
[14]– Gérard, Gerard, Palimpsestes la littérature au second degré, Seuil, Paris, 1982.
[15]– أدونيس، زمن الشعر، ص86.
[16]– أدونيس، زوكالو، ص7.
[17]– خضر، العادل ، الجاحظ والبيان الآخر، بحوث سيميائيّية تأويليّة، تونس، دار ميسكيلياني للنّشر، ط.1، 2017، ص250.
[18]– يتحوّل اللامرئي إلى مرئي عبر التأويل الذي يقرّب صورته البعيدة من المتلقى. خضر، العادل، المرجع السابق، ص256.
[19]– مكاوي، عبد الغقار، ص17.
[20]– Eco, Umberto, Les limites de l’interprétation, Traduit par Myriem Bouzaher, , Editions Grasset et Fasquelle, Paris,1992, p 72.
[21]– خضر، العادل، المرجع السابق، ص252.
[22]– الوهايبي، المنصف، ديوان الشعر، ص60.
[23]– أوسمانتوس: ديوان شعر لأدونيس، عن دار الساقي، لبنان، 2022
[24]– زوكالي: أدونيس، دار الساقي، 2014
[25]– أدونيادا : ديوان شعر لأدونيس
[26]– أدونيس، زوكالي، ص72.
[27]– تمبكتو : ديوان شعر للمنصف الوهايبي1998.
[28]– انظر: قصيد أنا يام بن نوح، ص382
[29]– الوهايبي، المنصف، في منزل الشابي، الديوان، ص 87.
[30]– أدونيس، زوكالي، ص89.
[31]– الوهايبي، الديوان، ص158.
[32]– البحتري، ديوان البحتري، تحقيق حسن كامل الصيرافي، دار المعارف، ط3 مصر، 1969، ص15.
[33]– الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق موفق شهاب الدين ، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1998، ص89.
[34]– ابن طباطبا، عيار الشعر، تحقيق محمد عبد السلام، منشأة المعارف الإسكندرية، 1984، ص33.
[35]– ابن منظور، لسان العرب مادة (غرب)، دار الصادر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان ط 3 ،2004، مج11.
وتحمل مادة غرب في المعاجم اللغوية دلالة البعد والاختفاء. فقد جاء في لسان العرب أنّ الغربة نعني: النوى والبعد .ونقل ابن منظور قول الأصمعي فقال: “كلّ ما واراك وسترك فهو مغرب”. وللغريب قدرة على الإيحاء والإثارة. القرطاجني، حازم، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، دار الغرب الإسلامي، ط2 ،بيروت،1981 ، ص 91.
[36]– كيليطو، عبد الفتاح، الأدب والغرابة: دراسات بنيوية في الأدب العربي، دار توبقال للنشر، المغرب، ط3، 2006.
[37]– دراسات حديثة عديدة كتبت حول الاستعارة نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
-Bordas, Eric, leschemins de la métaphore, PUF, Paris, 2003.
-Meyer, Michel , Question de rhétorique, livre de pochem, 1993.
-Ricœur ,Paul, la métaphore vive, Editions du Seuil,Paris,1975.
[38]– لايكوف، جورج وجونسون، مارك، الاستعارات التي نحيا بها، ترجمة عبد المجيد جحفة، ط1 ،دار توبقال للنشر، المغرب، 1996.
-Lakoff, George Johnson, Marc , Les Métaphores dans la vie quotidienne, Editions de Minuit, Paris, 1986.
[39]– لايكوف، جورج وجونسون، مارك، الاستعارات التي نحيا بها، ص86.
[40]– أدونيس، زوكالو، ص12.
[41]– أدونيس، الأعمال الشعرية الكاملة، مج.1، ص632- 635.
[42]– تقول يمنى العيد: “حقول الدلالات لم تعدّ في النصّ الحديث منضدة ومفروزة على قاعدة الموضوع المشترك، بل هي متداخلة، متشابكة بحيث يبدو النصّ كلا معقدا وبالتالي غامضا.. تسري الدلالات في النصّ، تغور وتدعونا لأن نجول ببصرنا بحثا عنها ..هكذا حين نقرأ عبارة أو مقطعا تصلنا لأنّها حاضرة، ولا تصلنا لأنّ حضورها يسري، ويغيب.. وعلينا أن نراه في غيابه أو في إسرائه، في الظلمة التي تغيّبه”. العيد، يمنى، في معرفة النصّ، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط2، 1984، ص101.
[43]– الحنصالي، سعيد، الاستعارات والشعر الحديث، ص84.
[44]– الوهايبي، المنصف، بالكأس ما قبل الأخيرة، ص 22.
[45]– Voir: Ricoeur, Paul, La métaphore vive, Seuil, Paris, 1975, p101.
[46]– الحنصالي، سعيد، الاستعارات والشعر الحديث، ص82.
[47]– Derrida, Jaques, l’écriture et La différence, Seuil, Paris, 1967,P49.
[48]– ابن منظور، أبو الفضل، لسان العرب، مج15 ،ص 381
[49]– المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[50]– عمر بن أبي ربيعة، عن الجاحظ، البيان والتبيين، مج1، ص57.
[51]– أدونيس، زمن الشعر، دار العودة ، بيروت،ط3 ، 1980 ،ص 160
[52]– الحنصالي، سعيد، الاستعارات والشعر الحديث، دار توبقال للنشر، ط1المغرب، 2005، ص17.
[53]– كاظم جهاد، أدونيس منتحلا، دراسة، إفريقيا الشرق، 1991، ص.22-23..
[54]– القعود، عبد الرحمان، الإبهام في شعر الحداثة، ت. م ، ص.108.
[55]– أدونيس، قصيدة، أيّها الوقت، ص 54.
[56]– أدونيس، الأعمال الشعرية الكاملة، قصيدة رؤيا، مج2، ص142.
[57]– مكاوي، عبد الغفار، المرجع السابق، ص17.
[58]– للتعرّف إلى الأسطورة يمكن العودة إلى:
-Gilbert, Durand, Permanence du Mythe et changement de l’histoire,Cahiers de l’Hermétisme, Albin Michel, S.A 1987, p16.
-Eliade,Mircea, Aspects du Mythe, Ed. Galliard, 1963, p 19.
-Pouillon Jean, La founction mythique, le temps de la réflexion, P83
[59]– مسعود، ميخائيل، الأساطير والمعتقدات قبل الإسلام، دار العلم للملايين، ط.I 1994، بيروت، لبنان، ص133.
[60]– عثمان، أحمد، على هامش الأسطورة الإغريقية في شعر السيّاب، مجلة فصول، مج3، عدد4 ،سبتمبر 1983 ص37.
[61]– سواح، فراس، الأسطورة والمعنى، ص 14.
[62]– الوهايبي، المنصف، الديوان، ص 464.
[63]– الوهايبي، المنصف، بالكأس ما قبل الأخيرة، ص18.
[64]– أسطورة الثعبان المقدّس بيدا: من الأساطير الشعبية الإفريقية التي تعقد علاقة بين الثعبان المقدس ورؤيتهم الميثولوجية لأصل الذهب ، وهم يعتقدون أن الثعبان من الكائنات الحامية وهي السبب في ظهور المعادن النفيسة في جوف الأرض لذلك اظهروا لها التقديس والاحترام.. ويشير اسم “بيدا” (وجادو) بـ “السوننكية” إلى إحدى الأرواح التي اتّخذت شكل ثُعبان عملاق، وهو ذات الثعبان الذي تتحدث عنه الأسطورة في قصيدة الوهايبي.
[65]– الوهايبي، المنصف، بالكأس ما قبل الأخيرة، ص382.
– أغلب الأسماء التي وردت تحيل إلى أماكن ومدن فينيقية (أرادوس أو أرواد مدينة فينيقية قائمة على جزيرة قريبة من مدينة طرطوس، تذهب بعض الدراسات إلى أنّ أرواد هي ابنة الإله بعل، أورنت قناة تصب في البحر، صيدا أو صيدون إحدى أهم ممالك المدن الفينيقية القديمة …