ملخّص:
من خلال درس قضيّة الصّوت والمعنى وجدنا أنفسنا أمام إشكاليّة عمل الأصوات في اللّغة لأنّ جلّ الأعمال اللّسانيّة استطاعت بالملاحظة فقط أن تصل إلى وصف دقيق للأصوات رغم ما واجهته من صعوبات وانتهت إلى اعتبار أنّ الأصوات لا يمكن أن تكون جزءا من اللّغة إلّا من خلال ما يربطها من علاقات أو ما يفرّق بينها من قيم خلافيّة، ومقالنا هذا نموذج مصغّر لدراسة المسألة وسط تطوّر البحوث اللسانيّة الّتي ما انفكّت تتدرّج في البحث عن مسائل تحديد الكلام وضبط خصائصه وتحسّس نواميسه. ولمّا اهتمّ اللّسانيّون بمشكل الدّلالة La signification من الزّاوية الصّوتيّة، ارتأينا طرح قضيّة الصّوت والمعنى عند جاكوبسون دون أن ننكر ما اعترضنا من صعوبة في فهم المادّة وإعادة تشكيلها وتصنيفها فتوصّلنا إلى نتائج أهمّها أنّ هذا البحث يمكن أن يُعتَبر إضافة جديدة وأفكارا طريفة في علاقة الصّوت بالمعنى وهي رؤية متواضعة توصّلنا إليها بحثا في آفاق أكثر عمقا ومواصلة دراسة لا وقوفا عندها.
الكلمات المفاتيح: الصّوت – المعنى – الشّكل – ثنائيّة – جاكوبسون.
Abstract:
Through studying the issue of sound and meaning, we found ourselves faced with the problem of the functioning of sounds in language, because most linguistic works were able, through observation only, to arrive at an accurate description of sounds, despite the difficulties they encountered, and concluded by considering that sounds cannot be part of language except through what links them. Relationships or the controversial values that differentiate between them, and our article is a small model for studying the issue amid the development of linguistic research, which continues to gradually explore issues of defining speech, controlling its characteristics, and examining its laws. When the linguists were interested in the problem of signification from the phonetic angle, we decided to raise the issue of sound and meaning according to Jacobson without denying the difficulty we encountered in understanding the material, reshaping it, and classifying it. We arrived at results, the most important of which is that this research can be considered a new addition and interesting ideas in the relationship of sound and meaning. It is a modest vision that we reached by searching in deeper horizons and continuing the study. No standing there.
Keywords: Sound – meaning – Form – Duality – Jakobson.
1- تمهيد:
يتنزّل عملنا في إطار البحث في ثنائيّة “الصّوت والمعنى” عند رومان جاكوبسون Roman Jakobson (1896-1982)[1]، فقد اشتغل على هذا المبحث خاصّة ضمن كتابه “ستّ محاضرات في الصّوت والمعنى Six leçons sur le son et le sens”، الّذي اتّخذناه منطلقا لدراستنا.
وجاكوبسون لسانيّ روسيّ من أبرز وجوه اللّسانيّات البنيويّة Linguistique structurale، ترك أثره في موسكو ثمّ براغ Prague ثمّ نيويورك حيث ساهم سنة 1915 في تكوين حلقة لسانيّة في موسكو وتشرّب مبادئ المدرسة الشّكليّة الرّوسيّة Le formalisme russe الّتي تغلّب تحليل أشكال الخطاب سيرا على خطى فردينان دي سوسير Ferdinand De Saussure. وفي سنة 1926 ساهم جاكبسون في تكوين حلقة براغ اللّسانيّة Cercle linguistique de Prague مع مواطنه الرّوسيّ نيكولاي تروبتسكوي Nicolaï Troubetskoï مساهميْن في ولادة علم الصّوتميّة La phonologie، وبعد اجتياح النّازيّين Les nazis لتشيكوسلوفاكيا La Tchécoslovaquie لجأ جاكوبسون إلى سكاندينافيا La Scandinavie ثمّ استقرّ نهائيّا في الولايات المتّحدة الأمريكيّة حتّى سنة 1942 عندما قام بلقاء حاسم مع الأنتروبولوجيّ الفرنسيّ كلود ليفي ستراوس C. Lévi Strauss المُطّلع على اللّسانيّات البنيويّة.
من أهمّ مؤلّفات جاكوبسون:
– Essais de linguistique générale: 1. Fonctions du langage, (1963).
– Essais de linguistique générale: 2. Rapports internes et externes du langage, (1973).
– Six leçons sur le son et le sens, (1976).
يهتمّ المبحث الّذي نشتغل عليه بدراسة أصوات اللّغة وعلاقتها بالدّلالة Signification إذ بقي الجانب المفهوميّ للّغة غامضا رغم تقدّم علم الصّوت La phonétique سريعا محتلّا مكانته المركزيّة في الدّراسة العلميّة للّغة لافتقاره للتّحليل البنيويّ Analyse structurale. ويحتوي الكتاب إضافة إلى المقدّمة الّتي كانت بقلم ليفي ستراوس[2]، ستّة فصول كانت بعدد محاضراته؛ وقد اهتمّ في المحاضرة الأولى بوصف حالة اللّسانيّات في نهاية القرن التّاسع عشر وناقش آراء النّحاة الجدد Les Néogrammairiens الّتي تنسب الصّوت والمعنى إلى تنظيمات متميّزة راجعة إلى نتائج البحث الصّوتيّ فيطرح بناء على ذلك سؤالا يبحث عن آليّة وحدة الصّوت والمعنى.
ويجيب في المحاضرة الثّانية عن هذا السّؤال من خلال تحديد مفهوم الصّوتم Le phonème مع وصف أصوله ومناقشة تفسيراته المقترحة.
وواصلت المحاضرة الثّالثة مشروع سابقتها بتقديم نظريّة النّظام الصّوتيّ Théorie de système phonique دون مشاركة جاكوبسون في النّزاع حول طبيعة الصّوتم.
وتأسّست المحاضرة الرّابعة على إشكالين: الأوّل يرى أنّ الصّوتم قيمة تمييزيّة Une valeur distinctive تتّضح من خلال التّقابل التّبادليّ L’opposition réciproque ضمن نظام معيّن. والثّاني، يلخّصه جاكوبسون في السّؤال التّالي؛ “إذا كانت العلاقات التّقابليّة Les rapports d’opposition بين الصّواتم قيما أساسيّة تميّز المعاني، فكيف يمكن لتلك العلاقات أن تكون أكثر بكثير من الصّواتم الّتي اشتقّت منها؟”
أمّا في المحاضرة الخامسة فقد وضّح الأفكار النّظريّة من خلال وصف نظام الصّوامت الفرنسيّ Le consonantisme وتحليله، كما حاول حلّ مشكلة عمل الصّواتم على محور التّزامن L’axe des simultanéités ومحو التّعاقب L’axe des successivités.
وينهي بالمحاضرة السّادسة الّتي اختصر فيها مناقشة الدّرس ولخّصه من خلال تعديل المبدأين السّوسيريّين: مبدأ اعتباطيّة العلامة اللّغويّة L’arbitraire de signe linguistique ومبدأ خطّيّة الدّالّ Le caractère linéaire du signifiant، ثمّ يختم كتابه برصد أهمّ المصادر والمراجع الّتي اعتمدها في عمله.
2- مقدّمة:
تُعدّ دراسة قضيّة الصّوت والمعنى عند جاكوبسون، محاولة لمباشرة نصوص هامّة في الكتابات اللّسانيّة المهتمّة بالصّوت الّذي يمثّل أحد مقوّمات الشّكل La forme بمفهومه المتّسع يندرج ضمنه ويعتبر أحد آليّاته التّحليليّة.
وكما هو معروف فإنّ الصّوت Le son وجه من وجوه اللّفظ، والصّوت في المألوف المستقرّ لا معنى له وهذا قريب من ثنائيّة الشّكل والمعنى Le sens باعتبارهما طرفين متقابلين. كما أنّ علم وظائف الأصوات[3] أدْخَلُ في علوم اللّسان من علم الأصوات[4]، إذ لا تُطرح مع المستوى الصّوتيّ قضيّة الشّكل والمعنى لأنّ الصّوت شكل خال من المعنى لكن إذا عرفنا أنّ من الأصوات ما يرتبط بالدّلالة الرّمزيّة La signification symbolique في اللّسانيّات جاز لنا طرح قضيّة الشّكل في المستوى الصّوتيّ باعتباره منهج بحث وآليّة تحليل.
وقد درسنا قضايا الصّوت والمعنى من خلال كتاب جاكوبسون، وصنّفناها حسب ما ارتأيناه من قضايا إطارها النّظريّ اللّسانيّ، الزّاوية الشّكليّة باعتبار أنّ الأصوات لا دلالة لها في ذاتها. ونعرض في مقالنا إضافة إلى التّمهيد والمقدّمة إلى خمسة عناصر، عنوننا أوّلها بــ “في علاقة الصّوت بالمعنى: المفهوم والإشكال” والثّاني كان في “علاقة الصّوت بالصّوت”، أمّا الثّالث فهو في “علاقة الصّوت بالمعنى” في حين اهتمّ الرّابع بــ “دلالة الأصوات” وختمنا بالعنصر الخامس الّذي كان عنوانه “مجالات دلالة الأصوات”، ثمّ أنهينا العمل بخاتمة عامّة دون أن ننسى الإحالة على قائمة المصادر والمراجع المعتمدة وقائمة الثّبت المصطلحيّ.
من خلال درس قضيّة الصّوت والمعنى وجدنا أنفسنا أمام إشكاليّة عمل الأصوات في اللّغة لأنّ جلّ الأعمال اللّسانيّة استطاعت بالملاحظة فقط أن تصل إلى وصف دقيق للأصوات رغم ما واجهته من صعوبات وانتهت إلى اعتبار أنّ الأصوات لا يمكن أن تكون جزءا من اللّغة إلّا من خلال ما يربطها من علاقات أو ما يفرّق بينها من قيم خلافيّة، وبحثنا هذا نموذج مصغّر لدراسة المسألة وسط تطوّر البحوث اللسانيّة الّتي ما انفكّت تتدرّج في البحث عن مسائل تحديد الكلام وضبط خصائصه وتحسّس نواميسه، ولمّا اهتمّ اللّسانيّون بمشكل الدّلالة La signification من الزّاوية الصّوتيّة، ارتأينا طرح قضيّة الصّوت والمعنى عند جاكوبسون دون أن ننكر ما اعترضنا من صعوبة في فهم المادّة وإعادة تشكيلها وتصنيفها فتوصّلنا إلى نتائج أهمّها أنّ هذا البحث يمكن أن يُعتَبر إضافة جديدة وأفكارا طريفة في علاقة الصّوت بالمعنى وهي رؤية متواضعة توصّلنا إليها بحثا في آفاق أكثر عمقا ومواصلة دراسة لا وقوفا عندها.
3- في علاقة الصّوت بالمعنى: المفهوم والإشكال:
لولوج هذا المبحث لابدّ من ضبط المصطلحات موضوع الدّرس باعتبارها الأسس التي ننطلق منها، وهي الشّكل والصّوت والمعنى ونتبيّن العلاقات الرّابطة بينها في عنصر أوّل. ثمّ ندرس في مرحلة ثانية هذه العلاقة الثّلاثيّة تحت إشكاليّة دراسة العلاقة بين الصّوت والمعنى استنادا إلى الدّراسات الفلسفيّة واللّغويّة الّتي كانت بمثابة الشّرعيّة التّاريخيّة واللّسانيّة لما نبحث فيه بقدر ما كانت من أبعاد عملنا وآليّة منهجيّة اعتمدناها في البحث.
3- 1- ضبط مفهوميّ:
استعمل مصطلح “شكل” في التّراث بمفهوم “اللّفظ” المحيل على البنية الصّوتيّة للّغة وهو ما نجده عند ابن جنّي، إذ يقول: “فإن قال قائل ما أنكرت أن يكون، إنّما أراد واضع الحروف أن يرينا كيف تتركّب اللّام والألف فشكّل هذا الشّكل الّذي هو (لا) دون ما ذهبت إليه من أنّه أدخل اللّام لسكون الألف”[5]، وبهذا نستنتج أنّ الشّكل صورة حرفيّة مرتّبة وبداهة تكون منطوقة إذ الأصل في اللّغة، المنطوق، ويمتدّ مفهوم الشّكل بداهة إلى الصّورة اللّفظيّة الحركيّة للكلمة أي “الصّوت” الّذي يعرّفه تمّام حسّان بأنّه “عمليّة حركيّة يقوم بها الجهاز النّطقيّ وتصحبها آثار سمعيّة معيّنة تأتي من تحريك الهواء فيما بين مصدر إرسال الصّوت (…) ومركز استقباله هو الأذن”[6].
أمّا الخفاجيّ فيعرّف الصّوت بقوله: “الصّوت يخرج مستطيلا ساذجا حتّى يعرض له في الحلق والفم والشّفتين مقاطع تثنيه عن امتداده فيسمّى المقطع أينما عرض له، حرفا”[7] في حين يرى ابن سينا في محاولة لتعميق فكرة الصّوت باعتباره ملازما للحروف الكلاميّة أنّ سببه القريب تموّج الهواء دفعة وبقوّة وسرعة[8].
أمّا دي سوسير فقد اعتبر أنّ اللّغة شكل لا مادّة وطوّر لويس هيلميسليف Louis Hjelmslev هذا الرّأي مبيّنا أنّه من الممكن أن ندرس اللّغة كأيّ نظام شكليّ فوضع ثنائيّته المعروفة “مادّة المضمون وشكل المضمون”: فما هي مادّة المضمون؟
مادّة المضمون هي المعنى أي التّجربة البشريّة والصّياغة اللّغويّة، هي شكل المضمون[9]. وهنا نتوقّف عند نظريّة الصّوتم المنبنية على نظريّة دي سوسير في التّمييز بين الدّال والمدلول. أمّا تروبتسكوي فقد اهتمّ بالمدلول فقط من خلال تمييزه بين الصّوت والصّوتم الّذي لم يكن إلّا نتيجة لتمييز دي سوسير بين اللّسان والكلام من ناحية وبين الدّالّ والمدلول من ناحية أخرى[10].
الشّكل، إذن، هو الصّورة الحرفيّة المرتّبة وبداهة تكون منطوقة وبهذا يكون المنطوق هو أصل اللّغة، ويمتدّ مفهوم الشّكل إلى الصّورة اللّفظيّة الحركيّة للكلمة أي للصّوت الّذي يكون رديف “اللّفظ” في التّراث والمقابل لمفهوم “المعنى” والّذي يعرّفه جورج مونان Georges Mounin بأنّه: “إحدى التّعريفات المحدّدة الأكثر أهمّيّة والمقدّمة من طرف جون لاينز John Lyons الّذي يقرّب المعنى من القيمة السّوسيريّة: المعنى هو المقابل، إذن، للمرجع ويختصّ بمجموع العلاقات المعنويّة الموجودة بين علامة وعلامات أخرى في اللّغة (…)”[11]، وهذا يعني أنّ مصاحبة لفظ للفظ أو صوت لصوت تشير بالطّبيعة إلى مصاحبة الموضع للموضع، ويدلّ التّجاوب بين اللّفظ واللّفظ على علاقات لفظيّة تعتبر بداهة علاقة شكليّة وكما أشرنا فالشّكل أو الصّوت أو اللّفظ، كلّها، مقابل واحد للمعنى وليس المعنى في هذا التّصوّر إلّا غاية يوصل إليها عن طريق الشّكل تماما كما أنّ الشّكل ليس غاية في حدّ ذاته بل هو آليّة تحليل ومنهج دراسة وقد اعتبر الشّكل بهذا المفهوم مقابلا للمعنى إلى حدّ يعدّ به المعنى إحدى السّمات السّالبة الّتي يمكن أن تساعد على ضبط مفهوم هذا الشّكل، فهو خال من المعنى سواء كان آليّة تحليل أو طريقة وصف.
يعرّف جورج مونان الشّكل بأنّه: “(…) مجموعة وحدات صوتيّة تكوّن الدّالّ في اللّغة”[12] ثمّ يضيف بأنّه “عند بلومفيلد Bloomfield، الشّكل اللّسانيّ هو مجموعة صواتم يكون المعنى فيها ثابتا (…)”[13].
أمّا جاكوبسون فيرى أنّ “شكل اللّغة هو أصواتها وأنّ الفونولوجيا هي العلم الّذي يعلّمنا رصد الأصوات وتحليلها ووصفها في لغة ما”[14]، ويضيف في نفس الإطار متحدّثا عن ثنائيّة الشّكل والمعنى، يقول: “إنّ اللّغة تتأسّس جوهريّا حول ثنائيّة الشّكل والمعنى”[15]، ونستنتج من هذا الرّأي أنّ الكلمة كإشارة لفظيّة هي “تأليف Union” من الصّوت والمعنى أو تأليف بين الدّالّ والمدلول.
وبما أنّ الأصوات دُرِست بمعزل عن وظائفها واختلفت التّعريفات فيها فمن الاستحالة تصنيفها أو فهمها أو فهم علاقاتها ببعض بإقصاء معانيها لذا طرحنا السّؤال التّالي: ما هي العلاقة بين الصّوت والمعنى؟
اخترنا الإجابة عن هذا السّؤال من خلال وجهة نظر فلسفيّة وأخرى لغويّة وثالثة لسانيّة، كما يلي:
3- 2- إشكاليّة دراسة العلاقة بين الصّوت والمعنى:
لا يكاد يخلو تعريف للإنسان سواء على نهج الفلاسفة والمتكلّمين أو على طريقة اللّغويّين واللّسانيّين من قصر سمة التّمييز الإنسانيّ على ظاهرة الكلام والمتمثّلة في الدّلالة بين الصّوت والمعنى، ولنا في ذلك تفصيل وجهات النّظر من خلال ثلاث مجالات اخترنا البحث فيها وهي: المجال الفلسفيّ والمجال اللّغويّ والمجال اللّسانيّ، وقد اهتمّت جميعا بالحديث في هذه المسألة رغم تضارب الآراء في المجال الواحد:
فلسفيّا، أثيرت مسألة العلاقة بين الصّوت والمعنى منذ عهد اليونان حيث كان هيرقليطس Heraclites مغرما بتحليل الأسماء -والأسماء ألفاظ والألفاظ شكل من أشكال اللّغة- الّتي ثبت عنده “أنّها تُعطى من لدن الله” على حدّ عبارة البدراوي زهران[16].
أمّا ديموقريطس Démocrites فيرى أنّ علاقة الأسماء بالمسمّيّات علاقة تواطئيّة اصطلاحيّة[17]، وهذا ما يمكن أن نستنتجه من “محاورة كراتيل Cratyle” لأفلاطون Platon الّتي أقامها بين قراطاليس Cratylus وهرموجينيس Hermogenece: فالأوّل يرى أنّه يوجد اسم لكلّ شيء يلائمه طبيعة، والاسم ليس ما أسنده له بعض النّاس مواضعة بتخصيصهم إيّاه هذا الصّوت أو ذاك من أصواتهم وإنّما الطّبيعة هي الّتي أسندت للأسماء مدلولا خاصّا بها، وهذا يعني أنّ عالم الأسماء أي الأصوات هو الّذي يقودنا إلى عالم المسمّيات أو عالم المعاني[18].
أمّا الثّاني، يقول بأنّه لا يمكن أن يقنع نفسه بأنّ صحّة الاسم يمكن أن تكون شيئا غير مواضعة واتّفاق، أي أنّ عالم الأسماء أو الأصوات لا يقودنا إلى عالم الماهيّات أو المعاني[19].
ويشرك أفلاطون سقراط Sucrate في هذه المحاورة لينتهيا معا إلى رأي فيه ميل إلى رأي قراطيليس وبذلك يكون أفلاطون أوّل من صاغ النّظريّة الاسميّة في المعنى[20].
يذهب الرّازي في تركيز متصّوّرات التّوقيف الإلهيّ إلى أنّ الفعل الكلاميّ أو الصّوت ليس قضيّة وجوديّة بقدر ما هي عقليّة محضة فوضع ألفاظٍ مخصوصة لمعان مخصوصة متعذّر بغير اللّغة[21]، فالله يخلق علما ضروريّا بتلك الألفاظ وتلك المعاني ويرى أنّ تلك الألفاظ موضوعة لتلك المعاني[22].
أمّا الجاحظ فقد ركّز تحليله -حسما لقضيّة فصل الأسماء عن مسمّياتها تعسّفا- على اللّحمة العضويّة بين اللّفظ ومسّماه أي بين الدّالّ والمدلول، يقول: “(…) وعلّمه جميع الأسماء بجميع المعاني، ولا يجوز أن يعلّمه الاسم ويدع المعنى ويعلّمه الدّلالة ولا يضع له المدلول عليه والاسم بلا معنى لغو”[23]، وهو بذلك يرى أنّ اللّفظ هو الّذي يحيي المعنى بقربه من الفهم وإجلائه للعقل ويؤكّد ذلك بقوله: “(…) خير الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره ومعناه ظاهر في لفظه”[24]، وهو من كلّ هذا يحصر صدّ البيان في اللّفظ وغايته كشف المعاني الّتي يكون شرفها من شرف الألفاظ فـ”(…) من أراد معنى كريما فليلتمس له لفظا كريما فإنّ حقّ المعنى الشّريف اللّفظ الشّريف”[25].
لغويّا، تواصلت قضيّة الاهتمام بالعلاقة بين الصّوت والمعنى عند النّحاة واللّغويّين العرب إذ يرون أنّ الصّوت حامل للمعنى وبحلوله محلّ صوت آخر يتغيّر المعنى وهو أمر يؤكّد نظرة سيبويه للصّوت فهو لم ينظر فيه معزولا بل اعتنى به عناية تعكس وعيه بأهمّيّته في الدّرس اللّغويّ، وفي هذا السّياق يقول تمّام حسّان: “إنّ سيبويه كان على وعي تامّ بأنّ دراسة الأصوات مقدّمة لا بدّ لها من دراسة لغويّة”[26]، ويؤكّد الأستاذ أحمد الودرني ذلك فيقول: “الأصوات ليست محض أجراس معزولة عن الدّلالة”[27]، ومن خلال كلّ ذلك نرى نقطة الاتّفاق بين كلّ هؤلاء اللّغويّين.
وفي إطار حديثه عن العوامل المعنويّة واللّفظيّة، تحدّث ابن جنّي في باب “المقاييس العربيّة” عن أهمّيّة الجانب المعنويّ على الجانب اللّفظيّ، يقول: “المعنى أشيع وأسير حكما من اللّفظ لأنّ في اللّفظ متصوّرا لحال المعنويّ وليس المعنويّ بمحتاج إلى تصوّر حكم اللّفظيّ فاِعرف ذلك”[28].
أمّا الجرجاني فقد قدّم المعاني على الألفاظ بدعوى أنّها تعتمل في الذّهن أوّلا ثمّ يقع الإبانة عنها بالألفاظ الّتي تعتبر خدما للمعاني، والمعاني عنده خادمة للإعراب، يقول: “(…) فإنّ الإعراب في الحقيقة معنى لا لفظ”[29]، زمن خلال هذا نستنتج أنّ الشّكل استعمل في التّراث بمفهوم اللّفظ المحيل على البنية الصّوتيّة للّغة. ويدلّ التّجاوب بين اللّفظ واللّفظ على علاقات لفظيّة تعتبر بداهة علاقات شكليّة وإن كان اللّفظ ضربا من الشّكل فما يحدثه من علاقات لفظيّة لا يخرج عن هذا الشّكل الّذي هو في الحقيقة الوجه المقابل للمعنى، وليس المعنى في هذه التّصوّرات إلّا غاية يوصل إليها عن طريق الشّكل.
تواصل الاختلاف عند النّحاة بين منتصر للّفظ وآخر منتصر للمعنى حتّى مراحل متأخّرة وقد شملت هذه المسألة البحث اللّسانيّ منذ دي سوسير، إذ فصل في العلامة اللّغويّة Le signe linguistique بين الوجه الصّوتيّ أي الدّالّ Le signifié والوجه الذّهنيّ أي المدلول Le signifiant، وقد كان هذا التّصوّر مشتركا بين التّيّارات الشّكليّة في اللّسانيّات الحديثة من هذا أنّ ليونارد بلومفيلد Léonard Bloomfield رائد الوصفيّة Le descriptivisme لا يهتمّ بالمعنى في إطار ما يتبنّاه من الوصفيّة الرّافضة للتّصوّر الذّهنيّ لأنّ وصفيّة المعنى حسب هذا اللّسانيّ تُعتبر من المستحيل[30].
ويعتبر سابتاي زاليق هاريس S.Z. Harris رائد التّيّار التّوزيعيّ Le distributionnalisme أنّ تقطيع السّلسلة النّطقيّة ليس إلّا تقطيعا شكليّا ولا اعتبار للمعنى فيه، كما يرى أنّ نظام الشّكل ونظام المعنى نظامان مختلفان[31].
كذلك الأمر عند هوريس م. قوس Horris M. Goss في إطار التّحويليّة Transformationnelle، فهو يعتمد على قواعد النّحو الشّكليّة ويرى أنّ اللّغة لا تحتاج إلى مصطلحات تحيل على المعنى[32].
أمّا نعوم تشومسكي Noam Chomsky ورأس المدرسة التّوليديّة L’école générative فيرى “أنّ كلّ بحث مؤسّس على الدّلالة في تعريف المعاني الإعرابيّة يكون لا طائل منه وأظنّ أنّنا مجبورون على التّلخيص أنّ النّحو مستقلّ عن المعنى”[33]، ومن خلال هذا الرّأي نلاحظ أنّه يقصي دور المعنى ويهتمّ فقط بالشّكل.
لا شكّ أنّ الشّكل في كلّ هذا مرتبط أساسا بالمستويين الصّرفيّ والإعرابيّ، والمعنى المُقصى مرتبط بهما بداهة وفي هذا يبدو المستوى الصّوتيّ مستوى لا تُطرح معه قضيّة الشّكل والمعنى لأنّ الصّوت شكل خال من المعنى لكن إذا عرفنا أنّ من الأصوات ما يرتبط بالدّلالة الرّمزيّة في ما يعرف في اللّسانيّات بـ”الرّمزيّة الصّوتيّة Le symbolisme phonétique” والّتي لها جذورها في التّراث النّحويّ جاز لنا طرح قضيّة الشّكل في المستوى الصّوتيّ باعتباره منهج بحث وآليّة تحليل فالشّكل بناء، وبناء عليه يمكن أن يرتبط بالمستويات النّحويّة الثّلاثة باعتبار أنّ المستوى الدّلاليّ من الزّاوية الشّكليّة مهمل. ومرجعيّة الشّكل مرجعيّة ذات قرائن محدّدة في مقابل المعنى الّذي يبدو ظاهرة معقّدة تتجلّى خاصّة في ما بين الدّالّ والمدلول من علاقة اعتباطيّة علاوة على أنّ المعنى المرتبط بالكلمات يوجد في استقلال عن اللّغة.
إنّ تصوّر العلاقة بين الصّوت بما هو مظهر من مظاهر الشّكل، والمعنى مثّل مشتركا بين الفلاسفة والنّحاة واللّسانيّين لما له من أهميّة استنتجناها خاصّة من خلال تضارب الآراء في جميع هذه المجالات بين رافض لهذه العلاقة وبين مؤيّد لها، وقد حاولنا استقراء هذه الآراء بتدعيم بعضها ومناقشة البعض الآخر وكانت لنا رؤية في الاهتمام بهذه القضيّة من خلال ما سيلي من أفكار لخّصناها في بقيّة عناصر البحث الّتي اهتممنا فيها بدراسة العلاقة بين الصّوت والمعنى محاولين إعادة تشكيل مادّة الكتاب بما يخدم موضوع بحثنا.
4- علاقة الصّوت بالصّوت:
إنّ الاعتداد بوظيفة الصّوت هو الصّدى لما أكّده دي سوسير من أنّ مدار الاهتمام ليس الصّوت في ذاته ولكنّ ما ينشأ من اختلافات صوتيّة تتميّز الكلمة في ضوءها عن سواها باعتبار أنّ تلك الاختلافات هي الحاملة للدّلالة لذلك أُعطِيَت الأصوات ذات القيمة التّمييزيّة اسما في اللّسانيّات فسمّيت بالصّواتم الّتي يعرّفها جورج مونان بــ”(…) الوحدة التّمييزيّة الدّنيا في النّطق الثّاني. هي وحدة وظيفيّة لها القابليّة على التّمييز بين الدّلالات العقليّة في لغة معيّنة”[34]، ويرى جاكوبسون ما لهذه الصّواتم من دور وظيفيّ مستقلّ في اللّغة ممّا يحتّم علينا الاهتمام بها ويقول في ذلك: “هي الوظيفة التّمييزيّة للأصوات الّتي يجب أن نهتمّ بها في مرحلة أولى”[35]، وبالتّغيّرات الصّوتيّة تتأسّس العلاقة بين الصّوت والصّوت وسندرس هذه العلاقة في إطار الاهتمام بالمقاييس الشّكليّة للصّوائت والصّواتم.
4- 1- العلاقة بين الصّوائت Les voyelles:
ما يهمّنا في هذه المرحلة هما الصّوتمان (a) و(i)، وقد وضع جاكوبسون مقابلة بين هذين الصّائتين:
فوصف (i) بالصّائت العالي La voyelle haute، في مثال: Cher/ mil
ووصف (a) بالصّائت الخفيض La voyelle basse، في مثال: Chiffonna/ mal
ومنه نستنتج أنّه لا يُنظَر للصّوت معزولا عن بيئته في الكلمة لأنّ قيمته الفعليّة في عمليّة النّطق لا تكاد تتحدّد إلّا في علاقته بغيره ممّا يدلّ على وعي صاحب “المحاضرات السّتّة” بالخلافات الصّوتيّة الدّقيقة القائمة بين هذه الصّوائت، فالصّوتم الأنفيّ Le phonème nasale (a) في الفرنسيّة وفي لغات أخرى، تكمن قيمته اللّغويّة في قوّته على تمييز الكلمة المتضمّنة له من الكلمات الأخرى المتشابهة في جوانبها الأخرى المتضمّنة لصوتم آخر فتكون كلمة Sang متميّزة من كلمات: son, sein, sou… وغيرها كما تتميّز an من: eau, ou… وإذا تميّزت كلمات بواسطة صواتم أو بواسطة تنظيم تكون هذه الأخيرة مضطلعة بمهمّة ملاحظة الفرق وتتبادل هذه المهمّة في قالب شكليّ في ما بينها.
نفس الشّيء مع الصّوتم (i) وهو صائت أماميّ، ويرى الأستاذ توفيق العلوي أنّه “قد اقترنت بالحركة الرّمزِ عبر مراحلِ البحثِ اللّسانيِّ دلالاتٌ رمزيّةٌ عدّةٌ نحويّةٌ ودلاليّةٌ من ذلك أنّ الحركة (i) (…) عند أفلاطون (…) دالّة على كلّ ما هو خفيف وما هو قادر على عبور كلّ شيء (…) كما ترمز هذه الحركة إلى ما هو حيّز زمنيّ ضيّق جدّا ويعتبرها يسبرسن Jespersen مؤهّلة لتعيين الشّيء الصّغير ويضرب في ذلك عدّة أمثلة من لغات مختلفة Little, petit…”[36].
وما يلاحظه جاكوبسون هو أنّ هذه الصّوائت تنخرط في سلك الكلمة فتكتسب صفات جديدة لم تكن لها وهي معزولة، كما يشير إلى أنّ التّناقض بين الصّائتين (a) و(i) يتحقّق نظرا إلى الجوارات الصّوتميّة فالصّوتم (i) يفيد جوارا وتقاربا أمّ الصّوتم (a) فيفيد تباعدا وإبعادا وهو ما يؤكّده دوديي بوتينو Dodier Bottineau في مقاله “من الصّوت إلى المعنى Du son au sens”، إذ يقول: “إنّ ميشال فيال Michel Viel يذكّر بوضعيّة أرابي Arapu (…) الّذي أقام علاقة بين النّبرة الحادّة للـ(i) وقدرته على تمثيل التّقارب أو محاكاته من ناحية، وبين النّبرة الخفيضة لـ(a) وقدرته على الرّمز للإبعاد من جهة أخرى”[37]، ونلاحظ من خلال هذه الدّراسة أنّ (i) حرف صوتيّ منطو على نفسه وأنّ (a) منفتح وقابل للتّمدّد وهذا ما يؤكّد قيمة البحث في مظاهر الاختلاف بين الصّوائت خاصّة على مستوى المخارج المتباعدة وذلك بزرع متضادّات صوتيّة في بيئة الكلمات حتّى يستمسك اللّسان في أدائها ضمن أوسع حيّز نطقيّ ممكن.
اهتمّ جاكوبسون في إطار الصّوت بالعلاقة بين الصّوائت باعتبارها وحدات صوتيّة غير دالّة في ذاتها من حيث مخارجها وصفاتها وعلاقاتها تنافرا وانسجاما ضمن إيقاع الحرف عامّة عنايةً منه ظاهرةً بالمسموع المعقود على الصّوت الصّادر بلسان المتكلّم Le locuteur إلى أذن السّامع L’auditeur، وقارن بين تقابل المقولات النّحويّة والتّقابل بين صائتين فرأى أنّ للأوّل مضمونا إيجابيّا ضرورة في حين أنّ لا مضمون إيجابيّ للثّاني مطلقا، “فالصّوتم يبقى الإشارة الوحيدة الّتي تكون تمييزيّة خالصة وفارغة. المضمون اللّغويّ الوحيد له هو أو المضمون الدّلاليّ الوحيد له هو اختلافه عن كلّ الصّواتم الأخرى لنظام معيّن”[38].
وقد درس جاكوبسون الصّواتم في محور التّعاقبL’axe de succession ، مثال: الصّوتم (u) في الكلمة Sourd مرتبط مع الصّوتم (s) الّذي يرد قبله ومع الصّوتم (r) الّذي يتبعه.
أمّا على محور التّزامن L’axe de synchronisation، يكون الصّوتم (u) على علاقة بأيّ صوتم آخر يمكن أن يحتلّ الموضع نفسه مثال ذلك علاقته بالصّوتم (i) في كلمة Sire أو (û) في كلمة Sûr أو (o) في كلمة Sort … إلى غير ذلك.
نلاحظ أنّ عمليّة الاستبدال بين الصّوائت تلعب دورها في عمليّة الكيفيّات المتقابلة وكلّ صوتم يؤخذ بمفرده في هذين المحورين هو كالنّقطة فيهما، وقد سبق لدي سوسير أن أشار إلى ذلك في “الدّروس” وهو ما يؤكّده جاكوبسون إذ يرى التّمييز الّذي يحدث في بعض اللّغات بين الصّوائت القصيرة والصّوائت الطّويلة فإذا تجانس كلّ من جزئيْ الصّائت الطّويل فلا وجود لمشكلة وفي هذه الحالة تكون وحدة الصّوتم جليّة، وقد درس كذلك مثلا للصّوائت الطّويلة في الإغريقيّة بتنغيمين متميّزين Intonations distinctes: الأوّل حادّ والثّاني هو المدّة Circonflexe، ومن خلال هذا المثال يرى جاكوبسون أنّ اقتراح دي سوسير بقي مشروعا في الصّوائت الإغريقيّة وملخّصه أنّهما يمثّلان صوتما مفردا سواء كان تحت تنغيم حادّ أو تحت تنغيم المدّة.
وبذلك نتبين أنّ الاختلافات بين الصّواتم في كلّ اللّغات قابلة للتّحليل إلى تقابلات ثنائيّة بسيطة وغير قابلة للتّجزئة، وهذا ما يؤكّده جاكوبسون في كتابه “مقالات في اللّسانيّات العامّة”.
كما يمكننا القول إنّ البحث في العلاقة بين الصّوائت يتطلّب منّا، آليّا، أن نهتمّ بالنّظر في العلاقة بين الصّوامت لأنّه لولا الصّوائت لما كان للصّوامت دور في إيصال المعنى.
4- 2- العلاقة بين الصّوامت Les consonnes:
تميّز الصّوامت الكلمات بمعان مختلفة كما تميّز الصّواتم، ومهمّتنا تعيين السّمات المميّزة Les traits distinctifs الّتي تتشكّل منها كلّ هذه الصّواتم وتعيين الكيفيّات المميّزة Les qualités distinctives الّتي يُردّ إليها كلّ صوتم، وأوّل ما تلاحظه هو التّقابل الأساسيّ L’opposition fondamentale بين الصّوامت الأنفيّة والصّوامت الفمويّة Les consonnes orales ويرى جاكوبسون أنّ اختبار الوظيفة الصّوتميّة لصوامت اللّغة الفرنسيّة يوصلنا إلى تصنيف متفرّع ثنائيّ Dichotomique للصّواتم كما يرى أنّ بين هذه الصّوامت علاقات تمييزيّة تميّز بين الكلمات، نذكر منها: البديلين الاختياريّين أي أنّه إذا ظهر صوتان في نفس اللّسان في جوار صوتيّ واحد وإن أمكن تعويض أحدهما دون أن ينتج عن ذلك اختلاف في الدّلالة الفكريّة فهما بديلان اختياريّان لصوتم واحد وقد أخذنا مثالا لذلك من العربيّة: قال- ڤـال.
وإذا ظهر صوتان من نفس اللّسان في جوار صوتيّ واحد وفي صورة عوّضنا أحدهما بالآخر تغيّرت الدّلالة أو تمّ تشويهها لأنّهما إنجازان لصوتمين مختلفين، في مثال: Cou, fou
وإذا لم يظهر صوتان من نفس الجوار الصّوتيّ بينهما شبه صوتيّ سمعيّ أو نطقيّ، فهما بديلان تعامليّان، مثال ذلك: Bière, Pierre أو مثال ذلك في العربيّة: يبكي- السّبت- يبطل، فـالباء في الأغلب مجهورة لكنّها عندما ترد في نهاية مقطع منغلق قبل صوت مهموس تكون مهموسة.
وقد بيّن جاكوبسون في دراسته للجانب الصّوتيّ للقيمة اللّغويّة La valeur linguistique في مجال الدّالّ أنّه توجد ظاهرة مماثلة تدعى اتّفاق الدّوالّ Cumul des signifiants، فالصّوتم (b): رخو Articulation relâchée- مجهور ويقابله الصّوتم (p): شديد- انسداديّ Occlusif مع احتكاك ضعيف. كما أنّه يقابله الصّوتم (v) الّذي لا يتضمّن رنينا أنفيّا Résonance nasale في تقابله مع الصّوتم (m) وهو ذو جرس خفيض ناتج عن الجهاز الرّانّ اللّا مقسّم Résonateur indivis في تقابله مع الصّوتم (d) إلى غير ذلك[39].
نستنتج من خلال دراسة جاكوبسون لعلاقة الصّوامت الفرنسيّة مع بعض أنّه لا يوجد في الفرنسيّة صوامت يتميّز أحدها من الآخر بواسطة التّقابل بين نطق الصّوامت الطّبقيّة Les consonnes vélaires ونطق الصّوامت الحنكيّة الأماميّة Les consonnes pré-palatales، لذا أمكن توحيدهما في مقولة واحدة هي مقولة الصّوامت الطّبقيّة الحنكيّة Les consonnes vélo-palatales الّتي تنطق بالحنك الرّخو Le palais mou أو بالحنك الصّلب Le palais dur. وقد انتهى جاكوبسون إلى أنّ الاختلاف الأساسيّ بين الصّوامت في الفرنسيّة يطابق حقيقة أنّ الصّوامت المندفعة بعيدا عن مركز النّطق Les consonnes centrifuges تمثّل أصواتا أكثر إمكانيّة على الإدراك وأنّ الصّوامت المندفعة نحو المركز النّطقيّ Les consonnes centripètes هي أقلّ تفصيلا وأقلّ إمكانيّة على إدراك أصواتها.
انتهى جاكوبسون إلى رصد خمس تقابلات لسمات تمييزيّة فعّالة في نظام الصّوامت الفرنسيّة، وهي كالآتي:
– حضور الأنفيّة La nasalité أو غيابها.
– الانغلاق الكامل أو غير الكامل المصحوب باحتكاك الهواء الضّعيف أو القويّ.
– نطق شديد أو رخو مع غياب الجهر وحضوره.
– الخاصّية المندفعة بعيدا عن المركز النّطقيّ أو المندفعة نحوه.
– حجرة الرّنين الضّمّيّة المقسّمة وغير المقسّمة.
ويرى أنّ هذه التّقابلات الخمسة كافية في تكوين الصّوامت الخمسة عشر الّتي درسها، كما تكفي لتأدية وظيفة نظام الصّوامت الكلّيّ في الفرنسيّة ولهذا النّظام الصّوامتيّ الفرنسيّ مهمّة وظيفيّة جديرة بالاعتبار وبالتّالي فإنّ “(…) نظام التّقابلات الصّامتيّة في الفرنسيّة موظّف على نطاق واسع جدّا في تمييز الكلمات وكلّ هذا النّظام مبنيّ فقط على خمس سمات تقابليّة”[40]، وهكذا تكون العلاقة بين هذه التّقابلات الاستبداليّة كالعلاقة بين القيم الخلافيّة الّتي لها دور هامّ في خلق نظام صوتيّ للّغة.
والملاحظ أنّ كلّ لغة من اللّغات تتّخذ لنفسها طائفة من المخارج الّتي تحمل معنى سلبيّا يتميّز به الحرف عن غيره من حيث المعنى الوظيفيّ أي من حيث يصلح أن يكون مقابلا استبداليّا له، وأنّ مجموع القيم الخلافيّة المتّصلة بالمخارج تمثّل البعد الرّأسيّ للنّظام الصّوتيّ في اللّغة أين تتراوح الصّوامت بين الشّدّة والرّخاوة، الجهر والهمس، التّفخيم والتّرقيق… إلخ، بما يعني أنّ طرق النّطق المتقابلة تمثّل مجموعة من القيم الخلافيّة الّتي تُفهَم كلّ واحدة منها في مقابل مجموعة أخرى وبذلك تعطي قسطا سلبيّا من المعنى كما أشرنا سابقا.
وبذلك يمكننا القول أنّ شكل الصّوامت أو الصّواتم هو الوسيلة الّتي يتأسّس بها التّواصل اللّغويّ في جميع اللّغات وطبيعة الصّوتم الحقيقيّة لا تكمن في تفرّده الصّوتيّ بل في العلاقات التّقابليّة والسّلبيّة الّتي ترتبط الصّواتم بها احدها بالآخر، ويستشهد جاكوبسون على ذلك بقوله “إنّ فضيلة سوسير العظيمة هي إفهامنا –بوضوح- (…) أنّ شيئا ما عرضيّا يؤدّي دورا بصورة لا واعية”[41]، ومن خلال كلّ هذا وفي إطار البحث في العلاقة بين الصّوامت يرى جاكوبسون أنّ دي سوسير اعتبر اللّغة شكلا لا مادّة وقد طوّر هيلمسليف هذا الرّأي عندما بيّن أنّه من الممكن أن ندرس اللّغة كأيّ نظام شكليّ Système formel لا بالرّجوع إلى التّحقيقات الصّوتميّة ولا إلى دلالة الكلم إذ ينبغي علينا أن نعمل في هذه الدّراسة بكيانات مجهولة أو بوحدات تسمّى اعتباطيّا من غير تعيين طبيعيّ لها.
في دراستنا للعلاقة بين الصّوت والصّوت، يجدر بنا أن نشير إلى أنّ الصّواتم الصّائتة والصّواتم الصّامتة في كلّ اللّغات تحلّل إلى سمات مميّزة غير قابلة للتّحليل وبالتّالي تعرف التّقابلات التّمييزيّة كما في المنطق بكونها تقابلات ثنائيّة حقيقيّة أي أنّ كلّ طرف من حدود التّقابل يتضمّن بالضّرورة مقابله.
كما نخلص إلى القول بأنّ كلّ ما ندركه في اللّغة المحكيّة ليس أصواتا مختلفة في ذاتها بل هي استخدامات مختلفة عبّرت عنها اللّغة، والصّواتم صائتة أو صامتة هي اختلافات رغم خلوّها من المعنى وتستخدم كأشكال لفظيّة لتمييز كيان من كيان في كيانات أخرى في مستوى أعلى هو الكلمات.
5- علاقة الصّوت بالمعنى:
ثنائيّة اللّفظ والمعنى هي رديف لثنائيّة الصّوت والمعنى في ضوء المسألة الصّوتيّة وبذلك نكون أمام وحدة ذات وجهين؛ وجه مادّيّ هو اللّفظ أو الصّوت ووجه مجرّد هو المعنى، وكلّ علامة لغويّة تقوم على الاتّحاد بين الصّوت والمعنى أو الدّالّ والمدلول. وكما سبق وأشرنا فإنّ دراسة الأصوات في ضوء وظائف اللّغة أهمّ بكثير من دراستها في ذاتها ولا غرابة أن نعتبر أنّ علم وظائف الأصوات[42] ذو أهمّيّة في علوم اللّسان.
وفي قراءتنا لكتاب جاكوبسون “ستّ محاضرات في الصّوت والمعنى” اهتممنا بدراسة ثنائيّة الصّوت والمعنى لأنّ التّغيّرات الصّوتيّة من خلال الصّوت في صلته بالمعنى موجّهة إلى تنويع المعنى بين الكلمة والأخرى ويقع إدراك المتغيّر المعنويّ بناء على المتغيّر اللّفظيّ في إطار الوظيفة التّمييزيّة La fonction distinctive للصّوت اللّغويّ، وفي هذا الصّدد يمكن أن نشير إلى ثنائيّة من العلاقات الّتي سندرس على ضوءها العلاقة بين الصّوت والمعنى وهما علاقتا التّقابل والاختلاف.
5- 1- علاقة التّقابل:
أكّد جاكوبسون في دراسة اللّغة الفرنسيّة أو بعض اللّغات الأخرى ومخارجها ضبطا دقيقا ورصد صفاتها، على ما يقوم من تقابل بين الحرف والحرف لأنّ التّغييرات الصّوتيّة من خلال الصّوت في صلته بالمعنى موجّهة إلى تنويع المعنى بين الكلمة والأخرى فيقع إدراك المتغيَّر المعنويّ بناء على المتغيّر اللّفظيّ في إطار الوظيفة التّمييزيّة للصّوت اللّغويّ.
وقد لفت جاكوبسون انتباهنا في دراسته لهذه القضيّة إلى فكرة التّلاعب بالصّواتم والّتي يدين بها للّسانيّ ليفي ستراوس من خلال تشريح الصّوتم، وضرب لنا أمثلة[43] على ذلك:
Un sot pâle- Un pot sale
Tendez votre verre- Vendez votre terre
Mot de faim- Fort de main
وهذا ما نجده جليّا عند ابن جنّي في باب “في تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني”، إذ يرى أنّ للصّوت سمته المميّزة الّتي تجسّد مدى الاختلاف بين الصّوتين وهو اختلاف وظيفيّ يصرف المؤوِّل للمعنى إلى جهة دون أخرى فالمسموع لفظا هو الّذي يقود السّامع إلى المعقول معنى، ويقول ابن جنّي في ذلك: “هذا غور في العربيّة لا ينتصف منه ولا يكاد يحاط به (…) وهو على أضرب منها (…) التّقديم والتّأخير (…) نحو (ك ل م) و(ك م ل) و(م ل ك) وهذا كلّه والحروف واحدة غير متجاورة لكن من وراء هذا ضرب غيره وهو أن تتقارب الحروف لتتقارب المعاني”[44]، مضيفا قوله: “(…) ومنه العسف والأسف (…) فقد ترى تصاقب اللّفظين لتصاقب المعنيين”[45]، وهو ما أكّده جاكوبسون عندما نظر في الصّوت من خلال مقابله فاِتّضح أنّ العلاقة بين الحرف ومقابله تهتمّ بالمعنى باعتباره حاضرا حضورا كامنا Virtuel في الحرف الموصول في ذهن واصف اللّغة أو مستعملها بحروف أخرى مؤسّسة لكلمة أو كلمات مستعملة بين أفراد المجموعة اللّسانيّة وقد اتّضح أنّ الحرف يحمل جزءا من المعنى أو على حدّ عبارة تمّام حسّان “جرثومة المعنى”[46].
يضرب لنا جاكوبسون مثالا: كلمة Mec في العامّيّة الفرنسيّة تعني “رجل أو شابّ” وهي أحاديّة المقطع ولها ثلاثة صواتم لكنّها تختلف عن: Cheque, Bec, Sec وعن: Moque, Manque, Macque وعن: Mèche, Messe, Mer وفي كلّ هذه الكلمات يبيّن لنا كيفيّة رؤيتنا لصواتم الكلمة وإن لم تكن مألوفة فهي الّتي تمكّننا من تعيينها في المكان الحقيقيّ في لغتنا كما تمكّننا من تمييز الكلمات المختلفة أي تلك الّتي تختلف في المعنى.
نستنتج من خلال دراستنا لهذه الثّنائيّة بين الصّوت والمعنى في إطار علاقة التّقابل أنّ الاختلاف في المعنى المميّز والرّاسخ هو المضمون الّذي يطابق الاختلاف بين صوتمين وأنّ كلّ تقابل للمقولات النّحويّة له مضمون إيجابيّ ضرورة في حين أنّ التّقابل بين صوتين ليس له هذا المضمون الإيجابيّ مطلقا، وفي هذا الإطار يتحدّث البدراوي زهران عن ابن جنيّ واصفا منهجه في فهم العلاقة بين الصّوت والمعنى أو اللّفظ والمعنى، يقول: “إنّه تحدّث عن الوحدات الصّوتيّة (الحروف) الّتي يتغيّر بموجبها معنى الكلمة عن كلمة أخرى اِتّحدت حروفها واِختلف حرف واحد فيها فأعطى كلّ واحدة منهما معنى مخالفا، فالصّوتان يمثّلان وحدتين صوتيّتين مختلفتين يتغيّر بموجبهما معنى الكلمتين”[47]، وهو يشير في ذلك إلى مبدأ التّقارب بين الأصوات في دراسة العلاقة بين الصّوت والمعنى ويضرب مثالين لذلك:
– ح م س: من حمس الشّرّ إذا اشتدّ: ح/ م/ س
– ح ب س: من حبس الشّيء: ح/ ب/ س
ورغم اختلاف المعنيين إلّا أنّنا نلاحظ قرابة بين حرفين مختلفين قرّبت بدورها المعنيان العامّان رغم بقاء الدّلالة الخاصّة المستقلّة لكلّ من الكلمتين[48].
نخلص من كلّ ذلك إلى القول بأنّ الأمثلة كثيرة ومتعدّدة في هذا السّياق ونلاحظ أنّه كلّما تغيّرت مواضع الحروف الاستبداليّة بين كلمتين فإنّهما تشتركان في حرفين متماثلين مع تغيّر الحرف الثّالث سواء كان ذلك في أوّل الكلمة أو وسطها أو آخرها.
5- 2- علاقة الاختلاف:
لئن كان التّعديل الصّوتيّ في إطار علاقة التّقابل يؤدّي إلى مزيد التّوافق والتّقارب بين الصّوتين فإنّه في إطار علاقة الاختلاف تعديل عكسيّ يفضي إلى زيادة مدى الاختلاف بين الأصوات ممّا يجنّب النّاطق ثقل الحروف على لسانه.
تعتبر التّغيّرات الصّوتيّة عند جاكوبسون من خلال علاقة الصّوت بالمعنى موجّهة إلى تنويع المعاني بين الكلمات وبذلك يقع إدراك المتغيّر المعنويّ بناء على المتغيّر اللّفظيّ في إطار الوظيفة التّمييزيّة للصّوت اللّغويّ، وهو يقول في هذا الإطار: “نحن نعرف أنّ سلسلة الأصوات هي بمثابة أساس للمعنى، ولكنّنا بحاجة لأن نعرف كيفيّة إنجاز الأصوات لهذه الوظيفة (…) بمعنى تعيين العناصر الصّوتيّة الصّغرى ذات القيمة الدّالّة”[49]، وهذا ما يؤكّد أنّ جاكوبسون عندما ضبط مخارج أصوات اللّغة الفرنسيّة ورصد صفاتها فإنّما هو يؤكّد ما يقوم من اختلاف بين الحرف والحرف مخرجا وصفة فالمخارج المختلفة مع بعض تحمل قيما خلافيّة يتميّز بها الحرف عن غيره من حيث المعنى الوظيفيّ أي من حيث يصلح ان يكون مقابلا استبداليّا له.
ويمكننا القول إنّ اختلاف السّمات التّمييزيّة بين الصّواتم من أنفيّة وفمويّة، انسداديّة واحتكاكيّة مدوّرة أو غير مدوّرة، طبقيّة أو حنكيّة… إلخ، هو الّذي يعطيها قيمة في تمييز معاني الكلمات ويقول جاكوبسون في هذا الإطار: “إنّ المهمّ في الصّواتم هي الاختلافات، هذه الاختلافات تساعد على التّمييز بين الكلمات. وهذه هي القيمة اللّغويّة الوحيدة للصّواتم (…) هذه الاختلافات هي نقطة الانطلاق لأيّ بحث في الصّواتم”[50]، ومن خلال هذا القول يمكننا أن نستنتج أنّ الحروف في أيّ لغة تؤدّي وظيفة بوصفها عناصر تمييزيّة خالصة تساعد على تمييز معاني الكلمات، فمهمّة البحث في الأصوات هي بوصفها دوالّا لها مدلولات وهنا تكمن اعتباطيّة العلاقة بين الدّالّ والمدلول أو بين الصّوت والمعنى.
في تحليلنا لكلمة ما صوتيّا، نحن نحلّلها إلى سلسلة وحدات أو صواتم مميّزة والصّوتم عنصر يساعد على إبراز المعنى الّذي يختلف باختلافه وهكذا يمكننا القول إنّ الصّواتم تحمل جهتين من المعنى؛ الأولى إيجابيّة وهي دلالته على بيئته من الكلمة. والثّانية سلبيّة، كونه مقابلا استبداليّا لعدد من الصّواتم الأخرى وهي الأهمّ[51]. وهذا ما بيّنه بوتينو في ذكره لآراء واليس Wallis (لسانيّ انقليزيّ) الّذي يرى أنّ اللّغة السّكسونيّة La langue Saxonne هي أقدر اللّغات على ربط الصّوت بالمعنى، إذ يرى أنّ العلامة (Str) دليل على القوّة في مثال: Strong, String, Strive… أمّا العلامة (St) فهي دليل على قوّة أقلّ في مثال: Stop, Still, Stand… وحسب رأيه يظهر دور (r) في إبراز درجة القوّة في الكلمات واختلاف معانيها.
وفي إطار البحث في العلاقة الاختلافيّة في ثنائيّة الصّوت والمعنى طرح بادوين دي كورتيني Baudouin De Cortenay كيفيّة اعتماد الاختلاف بين الصّواتم للتّمييز بين الدّلالات مثيرا بذلك مسألة الرّمزيّة الحرفيّة[52] Le symbolisme consonantique، فالاهتمام المزدوج بالأصوات والمعاني يجسّم جدليّة قائمة بين المسموع والمعقول في البلاغ اللّغويّ وهما معا موظّفان لخدمة المتكلّم والسّامع بما يجعلهما قادرين على التّعامل مع اللّفظ ومعناه بأقلّ جهد ممكن من جهة الأداء الخفيف للمتكلّم ومن جهة سهولة التقاط الوحدات الصّوتيّة عند المتقبّل والغاية هي خدمة وظيفة الإبلاغ اللّغويّ أي إيصال المعنى بأسهل أداء ممكن.
وهكذا يمكننا القول بأنّ الصّوت الّذي هو شكل من أشكال اللّفظ له وظيفة تمييزيّة باعتباره حاملا لـ”جرثومة المعنى”، وبحلوله محلّ غيره في الكلمة يتغيّر المعنى ممّا يؤكّد أنّ الأصوات ليست محض أجراس معزولة عن الدّلالة وعلى مستعملي اللّغة أن يحرصوا على توفير الالتئام بين الأصوات وهكذا يحمل الصّوتم جزءا من المعنى فيصبح وحدة دالّة بالقوّة وحاملا للمعنى ومساهما في اختلاف المعاني بين الكلمات في النّظام اللّغويّ.
لم يكن مدار الاهتمام بعلاقة الصّوت بالمعنى على مستوى التّقابل أو الاختلاف، الصّوت في حدّ ذاته لكن ما ينشأ من اختلافات صوتيّة تتميّز الكلمة في ضوءها عن سواها باعتبار أنّ تلك الاختلافات هي الحاملة للمعنى. وما يميّز كلّ ثنائيّ من الصّواتم هو تقابلها الشّكليّ على مستوى الدّالّ، وهذه المتقابلات هي الوحيدة المحدّدة لموضع الصّواتم المتنوّعة في النّظام الصّوتميّ للغة ما لكنّ جاكوبسون بيّن أنّ كلّ دالّ متّصل بمدلول إيجابيّ ومحدّد ومتجانس ينزع لأن يصبح ثابتا وضروريّا وكلّما وُجدت مثل هذه العلاقة فإنّه يمكننا إدراك المدلول، وهكذا نخلص إلى أنّ الأصوات في أيّ لغة تؤدّي وظيفة بوصفها عناصر تمييزيّة خالصة تساعد على تمييز معاني الكلمات في المعجم وفي السّياق.
6- دلالة الأصوات:
ننطلق في بحثنا عن دلالة الأصوات من قدرة اللّغة على الاستيعاب والانتشار حيث يتعذّر على الإنسان الإحاطة الفعليّة بجميع دوالّ اللّغة فضلا عن المجالات الدّلاليّة ممّا يسمح الاستعمال بتكاثره إلى الحدّ الّذي لا ينتهي، والملاحظ أنّ علمنا لا يحيط بجميع أسماء اللّغة وأصواتها الّتي هي ظروف للمعاني وحاملة لها كما أنّنا لا ندرك جميع معاني الأشياء الّتي تنشئها الأصوات ومعرفتنا لا تكتمل إذا استوفينا جميع الدّلالات المتآلفة والمرتبط بعضها ببعض، وقد حاولنا دراسة مثالين للدّلالة الصّوتيّة هما المعجم والسّياق.
6- 1- الدّلالة المعجميّة:
أوّل ما يتبادر إلى أذهاننا في هذه المسألة هو السّؤال التّالي: ما هو المضمون الّذي يطابق الشّكل الصّوتيّ للصّوتم؟
تكون الإجابة كالتّالي: اختلاف المعنى وتنوّع مضامين المعاني المختلفة من كلمة إلى أخرى. وإذا نظرنا إلى الصّواتم معزولة عن الاستعمال سنرى أنّ الكلم يتعلّق بعضه ببعض تركيبيّا بمعنى أنّ النّظام التّركيبيّ سَيُوَلِّدُ لنا صيغا نحويّة مختلفة وفي هذا الإطار نقد جاكوبسون دي سوسير الّذي يرى أنّ الصّواتم ذات خاصّيّة تمييزيّة وسلبيّة، كما ذهب بالقول إلى أنّ المقولات النّحويّة –أيضا- قيم سلبيّة والشّيء الدّالّ والوحيد لكلّ مقولة في الإطار المعجميّ هو فقدانها للتّماثل مع غيرها.
يرى جاكوبسون أنّ كلّ تقابل للمقولات النّحويّة له مضمون إيجابيّ لكنّ التّقابل بين صوتمين ليس له هذا المضمون وهكذا نستنتج أنّ الصّوتم قيمة تمييزيّة لا مضمونيّة، وفي هذا الصّدد يقول إنّ “الصّوتم هو الإشارة الوحيدة الّتي تكون تمييزيّة لا مضمونيّة بشكل خالص والمضمون اللّغويّ الوحيد للصّوتم أو المضمون الدّلاليّ الوحيد له هو اختلافه عن كلّ الصّواتم الأخرى لنظام معيّن”[53]، ومن خلال ذلك نستنتج أنّ اللّغة نظام متكوّن من عناصر هي دوالّ وفي الوقت نفسه لا تدلّ على شيء فالحرف في اللّفظ يُكسِب الجذر دلالة الصّوت سواء بمحاكاة أصوات الطّبيعة أو محاكة أصوات اللّغة، وقد وضعت الأصوات لتصوّر المعاني الخاصّة بالأشياء وتضاربت الآراء في هذا المبحث بين مؤيّد لوجود علاقة ضروريّة بين الاسم والمسمّى وبين رافض لهذه الفكرة[54].
يدفعنا تغيّر الدّوالّ إلى الحديث عن اعتباطيّة العلامة اللّغويّة الّتي تحمي اللّغة من أيّ محاولة لتعديلها، ولا وجود لسبب نفضّل به أحد دالّيّن يشيران إلى مدلول واحد فعنصر الزّمن وعنصر الوزن الاجتماعيّ يجعلان العلامة اللّغويّة أقلّ عرضة للتّغيّر والرّصيد اللّغويّ بين الاستعمال والإهمال من مشمولات التّركيز اللّسانيّ الخالص من خلال إقرار الألفاظ وعزلها، واللّغة رصيد فعليّ مشتقّ من رصيد محتمل غير محدود وعلى حدّ عبارة عبد السّلام المسدّي تكون فيها “(…) طاقتان، طاقة من التّصريف الفعليّ هي بمثابة الحجم الكمّيّ المكرّس للاستهلاك والتّداول وطاقة من الرّصيد المحفوظ هي عبارة عن اختزان مدّخر يمثّل القدرة الاحتياطيّة الّتي هي قدرة مرصودة”[55]، وهكذا نستنتج أنّ الطّاقة الفعليّة للأصوات اللّغويّة تكمن في إنجازها للمادّة المعجميّة حسب ما تمليه الحاجة في الحياة وبطرح فكرة سمة الصّوت نلاحظ أنّ الحرف الواحد يكسب الكلمة معناها ككلّ وهذا دليل قوّة الصّوت على قوّة المعنى وقد أشار البدراوي زهران إلى ذلك[56].
نستنتج من خلال كلّ هذا أنّ كلمات اللّغة مجموعتان: الأولى تقليديّة عرفيّة Conventionnelle والثّانية مولّدة[57]، ويمكن أن نقول اشتقاقيّة ووجب بالتّالي الاتّفاق على أن تكون الكلمات في قالب مناسب من الحروف والمقاطع الصّوتيّة حتّى يكون اللّفظ مناسبا للشّيء الّذي يُطلَق عليه. ويرى جاكوبسون أنّ الارتباط بين الدّالّ والمدلول أو بين سلسلة الصّواتم والمعنى هو ارتباط ضروريّ وأنّ السّمات التّمييزيّة رغم إنجازها لوظيفة دلاليّة تبقى خالية من المعنى.
ويمكننا القول إنّ المجال المعجميّ هو المجال المعبّر عن انتقال الدّلالات بانتقال الألفاظ الّتي ترمز إليها، ونطرح السّؤال في هذا الإطار: على أيّ أساس استند واضعو اللّغة في ضبط المادّة المعجميّة في اللّغة؟
يجيبنا الأستاذ عبد السّلام المسدّي ويرى أنّه على الصّعيد المبدئيّ، تعتبر اللّغة وألفاظها واتّساع حروفها وتصرّف تراكيبها منتجا من منتجات “طبائع أهلها وهويّة بلدانهم وأغذيتهم وما أوجبته لهم دلائل مواليهم”[58] حسب تقدير إخوان الصّفا، ويؤكّد ذلك بقوله إنّ “محصول هذا الاعتبار أنّ اللّغة تصبح إفرازا طبيعيّا ترشّحه الأرضيّة المناخيّة والأبنية الحضاريّة”[59]، وهذا ما يذكّرنا بفكرة المحاكاة.
كما يرى المسدّي أنّ للتّشريع الوضعيّ دور هامّ في رصد مادّة المعجم ويوق في ذلك “إنّ المبدأ العامّ في هذا المجال هو حصول رابطة عضويّة بين حاجة الإنسان المتولّدة في حياته البيولوجيّة والاجتماعيّة واستجابة اللّغة لتلك الحاجة بالذّات”[60]، وما نستنتجه من هذا القول أنّه توجد علاقة ضروريّة بين الإنسان واللّغة لذلك تَحَتَّمَ “افتراضٌ واضحٌ للّغة” على حدّ تعبيره.
نخلص بالقول إنّه مهما يكن مصدر المادّة المعجميّة فالأهمّ في هذه المسألة هو الدّراسة الشّكليّة لمحتويات هذا المعجم والّتي هي بالضّرورة منضوية في إطار دراستنا لعلاقة الصّوت –الّذي هو أبرز مظاهر الشّكل- بالمعنى دون أن ننسى أنّ دراسة وظيفيّة الأصوات في المعجم تجرّنا حتما لدراستها على مستوى السّياق لأنّ الدّلالة المعجميّة للأصوات خادمة بوجه من الوجوه للدّلالة السّياقيّة.
6- 2- الدّلالة السّياقيّة:
للصّوت معناه الّذي يوفّره له السّياق، فلا وظيفة له معزولا عمّا يحيط به من عناصر دالّة والأصوات بما هي ظواهر جرسيّة فهي تساهم من موقعها في تأسيس الإبلاغ اللّغويّ كما أنّها منشئة للمعاني.
نحن لا نستطيع فهم البنية المجرّدة للدّلالة النّحويّة في الكلام إلّا من خلال ملكة بمقتضاها يستطيع ناطق الكلام أو سامعه أو قارئه أن يتحوّل بها من الدّلالة التّركيبيّة إلى الدّلالة السّياقيّة الّتي تُفهَم من التّعالق La corrélation، وهذا ما يشير إليه جاكوبسون في النّظام الصّوتميّ Le système phonologique الّذي هو عبارة عن “تقابلات صوتميّة” يمكنها إعانتنا في فهم الدّلالة المعجميّة واللّفظميّة Morphologique الّتي لا يمكنها أن تُحلَّل إلى تقابلات اختلافيّة بسيطة Des oppositions différentielles، ويقول في هذا الإطار وهو يتحدّث عن التّقابلات الاختلافيّة إنّه “(…) بها يمكننا بدقّة إقامة جوهر النّظام الصّوتميّ، وتسمية الصّوتم تُستَنتَج، إذن، من هذه التّقابلات فالصّواتم عوملت كحدود اختلافيّة صوتميّة يتعذّر تخفيضها إلى حدود بسيطة”[61]، وهو يشير من خلال هذا إلى أنّ هذا النّوع من التّقابلات أو ما يعبّر عنه بـ”التّعالقات” هو أحد مفاتيح التّحليل البنيويّ L’analyse structurale الكامل للأنظمة الصّوتميّة فالتّعالق يوصف كتقابل مزدوج يظهر من خلال أكثر من زوج من الصّواتم، كما أنّ أحد عناصر الزّوج المختلف يتّصف بحضور علامة صوتميّة موجودة والآخر يتّصف بالغياب؛ هذا الغياب يمكن أن ينشط بحضور إحدى المميّزات المعاكسة[62].
وتحتلّ الصّواتم مكانا مختلفا تمام عن كلّ القيم اللّغويّة الأخرى وكلّ جملة وعبارة ومجموعة كلمات أو كلمة ولفظم Morphème تمنح معناها الخاصّ بها والّذي يمكن أن يكون عامّا جدّا ومجزّءا وضمنيّا أي هو في حاجة إلى سياقه وموضعه كي يكون مميّزا وكاملا.
وممّا استنتجناه، أنّ كلّ وسيلة صوتيّة تقوم بتعيين الجملة أو تقسيمها أو توضيح تراتبيّة Hiérarchie مكوّناتها هي إشارة مستقلّة تماما كما لاحظنا أنّ جاكوبسون بيّن أنّ للإيقاع Cadence دوره في تفسير وقوع التّنغيم L’intonation في نهاية الجملة أي نهاية وحدة المعنى. كما أنّ للنّبر L’accent دورا في إبراز أهمّيّة الكلمة على المستوى السّياقيّ، ويقول في ذلك: “نحن نعلم أنّ النّبر الأقوى يبيّن الكلمة الأكثر أهمّيّة حيث أنّ الدّلالة تكون نقطة انطلاق الجملة”[63]، وهذا دليل واضح على أنّ العناصر الصّوتيّة تميّز الجملة بواسطة تعيين حدودها وتقسيمها كما أنّها تميّز الكلمات في ذاتها وتؤدّي ذلك بواسطة تمييز معاني الكلمات.
وممّا سبق، يتّضح لنا أنّ الأصوات تتفاعل في طلب الخطاب لبناء التّركيب الإبلاغيّ أو الإنشائيّ فبالنّبر يتحدّد طابع الجملة سواء كان نداء أو تعجّبا أو سؤالا كما أنّ له دورا وظائفيّا على صعيد البنية النّحويّة وهو يتجلّى خاصّة في الوظيفة التّفارقيّة الّتي تميّز على مستوى التّتالي الخطّيّ –أي خضوع الأصوات اللّغويّة المكوّنة للّفظ- إلى بعد الزّمن فتكون هذه الأصوات نتيجة مترتّبة عن صفة النّطق، فتعاقب حرف وحركة يمثّل علاقة سياقيّة في الكلمة الواحدة والّتي تمثّل بدورها علاقة سياقيّة أخرى مع الكلمة الّتي تسبقها والكلمة الّتي تليها.
تمثّل السّلسلة النّطقيّة، مجموعة من الأماكن النّحويّة المترابطة ترابطا ما، مظهرها الحقيقة الفيزيائيّة وحقيقتها اللّسانيّة احتواء المكوّن للمكوّن في إطار علاقات التّضمّن بين المستويات النّحويّة، فالصّوتميّ يحويه الصّرفيّ والصّرفيّ يتضمّنه الإعرابيّ وتشتغل هذه المستويات معا لغاية الدّلالة وضمن آليّة لسانيّة. والألفاظ هي المعبّرة عن المعاني وأوجه المجسّد لما هو مجرّد وهي تحتاج بداهة في هذا تجريدا أو تجسيدا إلى أماكن نحويّة تقع فيها فلا ألفاظ دون أماكن لأنّ الأماكن النّحويّة من النّاحية السّياقيّة إشارة إلى الألفاظ بـ “القوّة” وعلامة عليها بـ “الفعل”.
ومن هنا نتبيّن أنّ الألسنة البشريّة نظم من القيم المحضة لما يوجد فيها من تعالقات بين الوحدات اللّغويّة وما ينتج من ترابطات بين مكوّنات المعجم الّتي تخدم السّياق فاللّسان شكل وليس مادّة، وهنا تبرز أولويّة المادّة الصّوتيّة لما للأصوات من أهمّيّة في النّظام اللّغويّ وهي، دون شكّ، المادّة الأساسيّة المكوّنة للّغة والكلام بداهة هو حروف منظومة وأصوات متقطّعة ومادّة الكلمة هي الحروف والحروف أصوات مفردة إذا أُلِّفت صارت ألفاظا والألفاظ إذا ضُمّنت المعاني صارت أسماء والأسماء إذا حُمِّلَت المعانيَ فرّقنا بعضها من بعض وإذا تتابعت هذه الأسماء صارت كلمات تتفاعل في صلب الخطاب لبناء التّركيب الإبلاغيّ أو الإنشائيّ.
للإنسان علاقة ضروريّة باللّغة سواء كانت بالمواضعة أو بالمحاكاة وقد سعى علماء اللّغة ومتكلّموها إلى توفير ثروة معجميّة ميزتها الخاصّة ما فيها من علاقات تقابل واختلاف واستبدال… إلخ.
وقد لاحظنا في دراستنا الشّكليّة لدلالات الأصوات على المستوى المعجميّ أنّ اللّغة غير محدّدة بشيء في اختيار الدّوالّ والمدلولات، ولا شيء يمنع تجمّع فكرة ما مع أيّ تتابع مناسب للأصوات لأنّ اعتباطيّة العلامة تتطلّب نظريّة الحرّيّة في تأسيس أيّ علاقة بين المادّة الصّوتيّة والأفكار[64] لذلك كان المستوى المعجميّ خادما للمستوى السّياقيّ في كلّ اللّغات ووظيفة السّياق –حتما- ستكون شكليّة في استيعاب مادّة المعجم وستكون المواضع الاشتقاقيّة والمواقع الإعرابيّة والتّصريفيّة صورا من تشكّل هذه المادّة في نظام اللّغة من خلال تراتبيّة مكوّنات الجملة وما للنّبر من دور في أهمّيّة الكلمات على المستوى السّياقيّ.
7- مجالات دلالة الأصوات:
لقد ركّز علماء الأصوات اهتمامهم على الجانب الحركيّ للّغة من خلال ما يسمّى علم الصّوت الّذي يدرس الأصوات من جانبيها الحركيّ L’aspect motrice والأكوستيكيّ L’aspect acoustique[65] لكن رغم تقدّم علم الصّوت سريعا محتلّا مكانته المركزيّة في الدّراسة العلميّة للّغة بقي علم الدّلالة La sémantique غير متطوّر، وقد ارتأينا في هذا العنصر أن نبحث عن بعض المجالات الّتي يمكننا من خلالها دراسة ثنائيّة الصّوت والمعنى دراسة شكليّة وآثرنا ألّا نخرج من محيط اللّغة الّتي يمثّل الصّوت فيه شكلا من أشكال اللّفظ واهتممنا بالبحث في دلالات الأصوات في اللّسانيّات وفي الشّعر.
7- 1- مجال اللّسانيّات:
علينا طرح سؤال هامّ في هذا الإطار: ما هو الغرض المباشر للأصوات بما هي ظواهر ذهنيّة؟
نجد الإجابة في طرح جاكوبسون الّذي يقول “إنّنا نتكلّم لنكون مسموعين مع الإضافة: أن نكون مسموعين لنكون مفهومين فالطّريق تمتدّ من الفعل النّطقيّ إلى الصّوت وبمعنى ضيّق، إنّها تمتدّ من الصّوت إلى المعنى”[66]، وهكذا نستنتج أنّ الكلمة بما هي إشارة لفظيّة هي تأليف من الصّوت والمعنى أي بين الدّالّ والمدلول وفي هذا الإطار نشير إلى نظرة هنري سويت Henry Sweet الّذي لم يقارب دلالة الأصوات في اللّغة إلّا في إطار اللّسانيّات التّطبيقيّة La linguistique appliquée وهو يصرّ باستمرار على أهمّيّة الصّوتميّة كأساس إلزاميّ لكلّ دراسة لسانيّة ويرى أنّ نفس الثّنائيّة المحتّمة للشّكل والمعنى دفعته إلى معرفة أنّه لا يمكن فحص أصوات اللّغة بطريقة تامّة دون مرجعيّة ثابتة Une référence constante للمعنى[67].
ويؤكّده جاكوبسون هذا الرّأي بقوله إنّ “اللّغة تتأسّس جوهريّا حول ثنائيّة الشّكل والمعنى”[68] مشيرا إلى أنّه رغم التّناقضات الّتي وجدت في مذهب بادوين Badouine إلّا أنّ الدّراسة اللّسانيّة مدينة له بفكرة الدّراسة الوظيفيّة للأصوات والّتي كان أساسها، دون شكّ، الصّوتم وهو نفس الشّيء الّذي قاله عن دي سوسير فلهذين اللّغويّيّن الفضل في بداية ترسيخ دراسة دلالة الأصوات[69].
وقد رأينا أنّه تمّ تأسيس ما يسمّى “النّظام الصّوتيّ” من خلال افتراض قواعد وأطروحات منهجيّة تهتمّ بالاختلافات بين الصّور الأكوستيكيّة- الحركيّة وثيقة الصّلة بالدّلالة في محاولة لتفصيل مخصّص لهذه الاختلافات الدّلاليّة[70] وتطوّر البحث الصّوتيّ في كلّ البلدان الّتي عرفت انتشارا للّسانيّات فيها انطلاقا من ألبرت سيشهاي Albert Sechehay وكتابه “برامج اللّسانيّات النّظريّة ومناهجها” سنة 1908[71]، ثمّ نجد الأمريكيّين: إدوارد سابير Edward Sapir بكتابه “النّماذج الصّوتيّة في اللّغة” سنة 1925[72] وبلومفيلد بكتابه “اللّغة” سنة 1933[73]. أمّا الرّوسيّ نيكولاس سارقيفيتش تروبتسكوي Nicolas Sergueevitch Troubetzkoy فقد ساهم في البحث الصّوتميّ بـ”نمذجة” الأنظمة الصّوتيّة للعالم كلّه من خلال كتابه “مبادئ في النّظام الصّوتميّ” سنة 1939[74] إضافة إلى الهولنديّ نيكولاس فان ويك Nicolas Van Wijk بكتابه “النّظام الصّوتميّ” سنة 1939[75] …إلخ.
كلّها إسهامات ذكرناها على سبيل الذّكر لا الحصر، وهي دراسات ترى أنّ اللّغة قائمة على الأصوات بما هي أشكال حاملة للمعنى. وهنا نقف عند اعتباطيّة العلامة اللّغويّة فنعرض إلى ظاهرتين هما في الظّاهر اعتراض على مبدأ الاعتباطيّة وفي باطنهما ترسيخ له:
الأولى، ظاهرة المحاكاة الّتي تثبت أنّ اختيار الدّالّ ليس دائما اعتباطيّا لكنّ عدد المحاكيات قليل في اللّغة ومختار بطريقة اعتباطيّة نوعا ما[76] لأنّها أصوات تقريبيّة.
الثّانية، هي الكلمات المعبّرة عن الدّهشة والتّعجّب رغم اختلافها من لغة إلى أخرى لذلك تعتبر اللّغة غير قادرة على حماية نفسها من القوى الّتي تغيّر العلاقة بين الدّالّ والمدلول، وفي ذلك يقول البدراوي زهران “إنّ للاستمراريّة دورها في التّغيير فالزّمن يغيّر كلّ شيء ولا يوجد سبب لإخراج اللّغة عن هذا القانون العامّ”[77] وهو يلخّص لنا في نفس السّياق كلام بلومفيلد الّذي يقول بأنّ “(…) صور الكلام تتغيّر وأنّها قابلة للتّغيّر لأنّها غير ثابتة على حين أنّ المسمّيات لا تتغيّر وكذلك المعاني ثابتة لا تتغيّر أي أنّه لا توجد علاقة طبيعيّة ضروريّة أو منطقيّة عقليّة بين الاسم والمسمّى أو بين الدّالّ والمدلول”[78]
خلاصة القول أنّ اللّسانيّات هي المجال الأوفر حظّا في دراسة دلالة الأصوات لما فيه من اختلافات في الآراء حول هذه الجدليّة وقد حظيت الدّلالة الصّوتيّة بنصيب هامّ من عناية الدّارسين لأنّها ثمرة لقرائن متوفّرة في نسيج الخطاب ولأنّ دلالات الأصوات هي الرّابط بين طرفيْ الخطاب.
ويهمّنا أن ننهي هذا العنصر برأي الأستاذ عبد السّلام المسدّي الّذي يقول فيه أنّه “إذا عدنا إلى الجاحظ –مثلا- وجدناه يقرّ في أصرح عبارة بأنّ اللّغة تقوم أساسا على غزارة الدّلالات”[79]، فكيف اهتمّ الشّعر بدلالة الأصوات؟
7- 2- مجال الشّعر:
كيان الشّعر كيان لغويّ، أي هو مزيج بين اللّفظ بما هو مظهر من مظاهر الشّكل من جهة والمعنى من جهة أخرى والشّاعر صانع للألفاظ والمعاني. أمّا المظاهر المتعلّقة باللّفظ بما هو شكل فنذكر أنّه من خلال بنية القصيدة والمعجم والأساليب المعتمدة في إيصال المعنى للمتقبّل وجب على قائل الشّعر أن يعمل على إيصال المعلومة إليه وتوفيقه في استغلال إمكانيّات الأصوات وقدرتها على الإيحاء بالمعنى أو محاكاته، ونلاحظ دائما أنّ المعنى يعظُم شأنه ويرقى إذا ما صاحبته المؤثّرات الصّوتيّة والإيقاعيّة الخالصة حيث يمكن استغلال الأصوات الموحية بمعانيها المحاكية للأصوات المُعبّر عنها لإحداث التّأثير الدّراميّ ففي العربيّة –مثلا- يكتسب حرف “الحاء” ميزة خاصّة للدّلالة على الحرقة والأسى أمّا كلّ من حرفيْ “العين” و”القاف” فيدلّان في القصيدة الجاهليّة القديمة على “قعقعة السّيوف” أي ما أنّهما يكتسبان دلالة حربيّة خالصة، والعالم بالشّعر في كلّ ذلك يسمّي ليصف ويصف ليسمّي ويكون جوهر التّسمية مجازا يتفاوت انبساطا وانقباضا.
في هذا الإطار، يذكر البدراوي زهران مشهدا من رواية “أندروماك Andromaque” لجان راسين Jean Racine، يقول: “يسمع أورست Orestes فحيح الأفاعي في الهواء وقد أصابته لوثة من الجنون فيصيح: لأجل من هذه الأفاعي التّي تفحّ فوق رؤوسكم؟ Pourquoi sont ces serpents qui sifflent sur vos têtes?”[80]، وهنا نلاحظ تواتر حرف (s) الّذي يذكّرنا آليّا بصفير الأفاعي وهو دليل على أنّ هذا الحرف في الفرنسيّة له دلالة الصّفير وهي دون شكّ من صفاته المميّزة.
أمّا بالنّسبة إلى جاكوبسون فإنّه أنكر مع الشّكلانيّين النّقد الأدبيّ وحاول تكوين علم حقيقيّ في الخطابات الجماليّة، يقول: “فكّرت كثيرا في بنية الفنّ الشّفويّ وفي السّؤال عن العلاقة بين الشّعر واللّغة (…)”[81]، كما أنّ قدرته على استحضار الأشكال اللّغويّة في إيقاع بطيء أو سريع قادته إلى التّذكير باعتباطيّة العلامة عند دي سوسير لذا طرح سؤاله: “ما الّذي يجعل الرّسالة الشّفويّة قصّة فنّيّة؟”[82]
نستنتج ممّا سبق أنّ الشّعر مثّل قلقا لجاكوبسون ولا يمكننا تحديد سببه إلّا إذا رددناه إلى مكانه في سياق الثّقافة الرّوسيّة فالشّكلنة الرّوسيّة بالتّأكيد المكان الأدبيّ الأوّل الّذي يدور فيه جاكوبسون لأنّها تتميّز كما يدلّ عليها اسمها بتحليل الأشكال في الأدب من البسيطة كالتّكرار الصّوتيّ على سبيل المثال إلى الأكثر تعقيدا أي تحليل الجنس الأدبيّ. أمّا الأساليب عند الشّكلانيّين فهي ذات مكانة هامّة أكثر من المحتويات ويقول بيوتر إليتش تشايكوفسكي Piotr Ilitch Tchaïkovski إنّ العمل الأدبيّ يمثّل “مجموع أساليبه الفنّيّة”[83]، وفي نفس السّياق يقول جاكوبسون إنّ “الأسلوب هو البطل الوحيد في الأدب”[84] وبذلك نلاحظ أنّ شعر جاكوبسون بقي مخلصا للحلقة اللّسانيّة بموسكو وهو يؤكّد ذلك بقوله: “إنّ فهم اللّغة الشّعريّة كشكل لغويّ حيث تكون الوظيفة الشّعريّة هي المهيمنة، يساعدنا على فهم أكثر للّغة المبتذلة في سائر الأيّام أين يكون تتابع الوظائف مختلفا (…)”[85].
بالنّسبة إلى المتمرّس في المصطلحات “الجاكوبسونيّة” سيلاحظ أنّه “في الشّعر، الأساس هو الشّكل”[86]، وأنّ الشّكل الشّعريّ يلعب دورا هامّا في مراجعة تسلسل الأصوات والأشكال والمعاني الّتي لا تجتمع إلّا في النّظام[87]. وهكذا نلاحظ أنّ الشّكلانيّين أنتجوا كتلة من الانعكاسات الشّاهدة على ثقافة لسانيّة فريدة ولا مثيل لها في الغرب حتّى في “كرّاسات فاليري Cahiers de Valéry”[88]، وقد بقي النّقل الشّفويّ عندهم هو القناة الحيّة الّتي تبرز أهمّيّة الشّعر. وفي بحثهم عن الأساليب والبنى الشّكليّة الّتي اعتقدوا أنّها أساس اللّغة الشّعريّة لم يكتشفوا أنّه وفي كلّ الحضارات يعود أصل الشّعر في الذّاكرة إلى معرفة موسيقيّة وإيقاع وتواز معنويّ… إلخ[89].
نخلص بالقول إلى أنّ المستقبليّين الرّوس Les futuristes russes كانوا أوّل من اكتشف إمكانيّة الشّعر الصّوتيّ وقد اشتقّ الشّاعر الرّوسيّ بول كليبنيكوف Paul Klebnikov معاني الحروف انطلاقا من الكلمات الأصليّة الّتي توجد فيها ثمّ ألّف فيما بعد هذه الحروف في كلمات جديدة وقد قدّرت طرافة هذا التّوليف وقت اكتشافها، كما تمسّك بأسلوب الاشتقاق الشّعريّ وتصريف الجذور المستقلّة عن الرّمزيّة الرّنّانة للأصوات. وقد اهتمّ أصدقاء كليبنيكوف وخاصّة أليكساي إليسييفيتش كروتشينيك Alekseï Elisseïevitch Kroutchenykh بتطبيق الشّعر التّحويليّ الذّهنيّ الخالص وكان “روّاد المدرسة الدّادائيّة Les Dadaïstes” أوّل من نشر هذا الشّعر في أوروبا الغربيّة، ونُشِرَت نصوص شعريّة تشهد على بنية صوتيّة وعروضيّة غنيّة بالتّقابلات والتّكرار[90].
من خلال كلّ هذا، نستنتج أنّ التّيّار الشّكليّ اللّسانيّ الرّوسيّ وخاصّة مع رائده جاكوبسون كان أوّل من ساهم في الثّورة على الأسس الشّعريّة المألوفة بتوظيف التّحليل الشّكليّ على المادّة الأدبيّة رغم ما واجهه من نقد خصوصا من التّيّار التّأويليّ Le courant herméneutique لبول ريكور Paul Ricœur الّذي يقول: “كيف لا نعرف (…) بأنّ عملا فنّيّا يتطلّب منّا مسبقا تساؤلا تأويليّا لا تعريفا بنيويّا؟”[91]
رغم اختلاف مجالات الدّلالة الصّوتيّة إلّا أنّها اهتمّت بالجوانب الشّكليّة خاصّة في المجال اللّسانيّ من خلال الاعتباطيّة وكان الدّالّ –كما سبق وأشرنا إلى ذلك-، الصّورة الصّوتيّة اللّفظيّة القابلة للتّغيّر مع تغيير الزّمن وحاجة المتكلّم. ومجموع الدّوالّ غير ثابت في حين أنّ المدلولات قيم ثابتة لا تتغيّر لذلك نحن لم نلاحظ خروج الدّلالة الشّعريّة عن هذا المنحى الاعتباطيّ إذ ساهمت سمات الأصوات في اللّغات بشكل أو بآخر في الدّلالة على المعاني لأنّ اللّغة الشّعريّة شكل لغويّ له دور في تتابع الوظائف المختلفة لأنّ الألفاظ خادمة للمعاني.
8- خاتمة:
ساهم كتاب جاكوبسون بدور فعّال في البحث اللّسانيّ في ما يتعلّق بالعلاقة بين الصّوت والمعنى بعد أن اهتمّ اللّسانيّون طويلا بدراسة الأصوات في ذاتها، ولعلّ تقديم ليفي ستراوس للكتاب خير دليل على أهمّيّته في الدّراسة اللّسانيّة.
كان الكتاب دراسة شكليّة رائدة في لسانيّات القرن العشرين إذ اهتمّ بوحدات ذات أهمّيّة في نظام اللّغة سمّاها “الصّواتم”، وهي كما سبق وأشرنا، وحدات دنيا غير دالّة في ذاتها لكنّها دالّة في مستوى أكبر منها هو الكلمة وإحداث هذه العناصر بصفة متتالية ومتناسقة شرّع للحديث عن اعتباطيّة العلامة اللّغويّة وكان سببا في طرح الإشكاليّة التّالية: لماذا نختار في كلمة ما صواتم دون أخرى؟
سؤالنا حاولنا الإجابة عنه من خلال إثبات أنّ للنّظام اللّغويّ قاعدة شكليّة صوتيّة تبرّر كيفيّة اشتغال نظام الأصوات نفسه لخدمة المعاني، وقد وسّع البحث في رمزيّة الصّوت مجالات دراسة الأصوات إذ يرى جاكوبسون أنّ قيمة الصّوتم اللّسانيّة قد حازت مرتبة أولى ولا يخضع تحديده لأسسه النّفسيّة الصّوتيّة بل لما يضطلع به هذا الصّوتم في اللّغة من دور من خلال اقترانه بالمعنى.
الجامع بين الظّواهر الّتي درسناها في هذا البحث هو اشتراكها في الوصف الشّكليّ الّذي يصف العلاقات بين العناصر اللّغويّة الصّغرى (الصّواتم) الّتي لا معنى لها في ذاتها، لذلك نحن نبحث عن المعاني من خلالها دون أن ننسى أنّ التّحليل الشّكليّ يدرس العناصر الدّالّة والعناصر غير الدّالّة معا.
يبدو لنا في ما قدّمنا أنّ العلاقة بين الأصوات هي علاقة الأجزاء بالكلّ الواحد أي علاقة الأصوات بما تكوّنه من كلمات فإن بدت منتظمة ومتناسقة فهي تخفي تقابلات في ما بينها وسمات تمييزيّة تختلف بها الواحدة من غيرها، ومن خلالها تختلف معاني الكلمات ودلالاتها الّتي تشير بدورها إلى اختلاف الآراء بين مساند للمواضعة والاتّفاق ومتمسّك بالمحاكاة الطّبيعيّة وقد تعدّدت في ذلك مجالات الدّراسة الّتي ذكرنا منها على سبيل الذّكر لا الحصر: المجالات الفلسفيّة واللّغويّة واللّسانيّة والشّعر.
وقد بيّنا الرّوابط بين مختلف عناصر العمل استنادا إلى مبادئ شكليّة دون غيرها ونحن نعرف أنّنا ندور في دائرة الاعتباطيّة لأنّ مبحث الصّوت والمعنى قد طرح قضايا تهمّ العلاقة بين الدّالّ والمدلول، ونحن أشرنا إلى أنّ اعتباطيّة العلامة تتطلّب نظريّة الحرّيّة في تأسيس أيّة علاقة بين المادّة الصّوتيّة والأفكار ووصلنا إلى الاستنتاج بأنّ أهمّيّة الصّواتم تكمن في الاختلافات التّمييزيّة الّتي تساعد على تمييز معاني الكلمات.
قصدنا من هذا كلّه، التّساؤل عن الرّابط القويّ بين الصّوت والمعنى وفي محاولة فهمنا لهذه الثّنائيّة استنتجنا أنّ للإنسان علاقة ضروريّة باللّغة وقد مثّلث الأصوات علامات لسانيّة متقابلة ومختلفة لكنّ المشترك فيها هو تأسيسها لوحدات معجميّة مختلفة لا محدودة تخدم النّظام اللّغويّ ككلّ في جميع اللّغات الكونيّة. والأصوات بما أنّها أشكال لفظيّة مختلفة فهي خادمة للمعنى لأنّ المعنى غاية نبحث عنها انطلاقا من هذه الأشكال.
وفي نهاية القول، نحن لا نعتقد أنّ الصّواتم هي الجزء الوحيد في النّظام اللّغويّ القابل للدّرس في إطار قضيّة البحث عن المعنى. وعملنا هذا ليس وقفا على ما وصلنا إليه من استنتاج بل هو بحث عن آفاق أكثر عمقا ومواصلة لدراسة لا وقوفا عندها.
المصادر والمراجع:
المصادر العربيّة:
- الجاحظ (أبو عثمان): “رسائل الجاحظ”، ج01، تحقيق عبد السّلام محمّد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1964.
- الجاحظ (أبو عثمان): “البيان والتّبيين”، ج01، تحقيق عبد السّلام محمّد هارون، ط03، 1968.
- الجرجاني (عبد القاهر): “المقتصد في شرح الإيضاح”، ج01، تحقيق كاظم بحر المرجان، سلسلة كتب التّراث، منشورات وزارة الثّقافة، الجمهوريّة العراقيّة، 1982.
- ابن جنّي (أبو الفتح): “الخصائص”، ج01/ ج02، تحقيق محمّد عليّ النّجّار، دار الهدى للطّباعة والنّشر، ط02، بيروت، 1952.
- ابن جنّي (أبو الفتح): “سرّ صناعة الإعراب”، ج01، تحقيق حسن الهنداوي، دار القلم، دمشق، 1985.
- الخفاجيّ (ابن سنان): “سرّ الفصاحة”، ج01، تحقيق عليّ فودة، ط01. القاهرة، 1932.
- الرّازي (فخر الدّين): “مفاتيح الغيب“، ج01، المطبعة البهيّة المصريّة، ط01، 1938.
- ابن سينا (أبو عليّ الحسين): “أسباب حدوث الحروف”، تحقيق محبّ الدّين الخطيب، مطبعة المؤيّد، القاهرة، 1992.
المراجع العربيّة:
- حسّان (تمّام): “اللّغة العربيّة: معناها ومبناها”، مطبعة النّجاح الجديدة، دار الثّقافة، الدّار البيضاء، دت.
- زهران (البدراوي): “في قضيّة الرّمزيّة الصّوتيّة”، دار المعارف، ط03، 1993.
- العلوي (توفيق): “الرّمزيّة الصّوتيّة في حروف المعاني”، مركز النّشر الجامعيّ، تونس، 2006.
- المسدّي (عبد السّلام): “التّفكير اللّسانيّ في الحضارة العربيّة”، الدّار العربيّة للكتاب، ط02، تونس، 1986.
- الودرني (أحمد): “قضيّة اللّفظ والمعنى ونظريّة الشّعر عند العرب”، المجلّد 01، دار الغرب الإسلاميّ، ط01، 2004.
المراجع الأجنبيّة:
- Bloomfield (Léonard) (1970): “Le langage“, Payot, Paris.
- Boutineau (Dodier) (2005): “Du son au sens“, http://elsap1.unicaen.fr/bouttineau/-A-CRISCO3.pdf.
- Chomsky (Noam) (1957): “Structure syntaxique“, Tra. Michel Brandeau, Le Seuil, (Col. Point), Paris.
- Jokobson (Roman) (1963): “Essais de linguistique générale: 1. Les fonctions du langage“, Les éditions de Minuit, Paris.
- Jokobson (Roman) (1973): “Essais de linguistique générale: 2. Rapports internes et externes du langage“, Les éditions de Minuit, Paris.
- Jokobson (Roman) (1976): “Six leçons sur le son et le sens“, Les éditions de Minuit, Paris.
- Mounin (Georges) (1974): “Dictionnaire de la linguistique“, Presses universitaires de France.
- Mounin (Georges) (1972): “La linguistique du XXe siècle“, Presses universitaires de France.
- Philippe (Karine): “Roman Jakobson (1896-1982), Essais de linguistique générale: aux sources du structuralisme“. (Google.fr).
- Toddorov (Tzevtan) (1972): “Le sens des sons“, In. Poétique, N° 11.
[1]– اعتمدنا في تعريف جاكوبسون على مقال لكارين فيليب Karine Philippe ، أخذناه من الموقع الالكترونيّ (www.Google.fr) تحت عنوان: “مقالات في اللّسانيّات العامّة: في نشأة البنيويّة Essai de linguistique générale : aux sources de structuralisme “،وعدنا كذلك إلى كتاب جورج مونان Georges Mounin، “لسانيّات القرن العشرين” La linguistique du XXe siècle, (1972), Presses universitaires de France
[2]– كانت مقدّمة ليفي ستراوس للكتاب رؤية خاصّة منه لما لجاكوبسون من فضل “في توضيح الطّريق للّذين ما زال جاكوبسون مستمرّا في إلهامهم” على حدّ عبارته، وقد قدّم ستراوس محتوى الكتاب ملخّصا ما جاء في المحاضرات، وهذا –ربّما- أعطى الكتاب قيمة تليق به وبمؤلّفه.
[3]– Voir, Jakobson (Roman) (1976): Six leçons sur le son et le sens, Les éditions de Minuit, Paris, Pp59-60.
[4]– Mounin (Georges) (1974): Dictionnaire de linguistique, Presses universitaires de France, P22.
[5]– ابن جنّي (أبو الفتح): سرّ صناعة الإعراب، ج01، ص409، تحقيق حسن الهنداوي، دار القلم، دمشق، 1985.
[6]– حسّان (تمّام): اللّغة العربيّة؛ معناها ومبناها، ص66، مطبعة النّجاح الجديدة، دار الثّقافة، الدّار البيضاء، دت.
[7]– الخفاجيّ (ابن سنان): سرّ الفصاحة، ص15، تحقيق علي فودة، الطّبعة 01، القاهرة، 1932.
[8]– ابن سينا (أبو عليّ الحسين): أسباب حدوث الحروف، ص15، تحقيق محبّ الدّين الخطيب، مطبعة المؤيّد، القاهرة، 1992.
[9] – محاضرات في النّظريّات اللّسانيّة: درس عام للأستاذ عزّ الدّين المجدوب (ثالثة عربيّة. السّنة الجامعيّة 2001-2002).
[10]– المصدر نفسه.
[11]– Mounin (Georges): Dictionnaire de la linguistique, p297: «L’une des définitions limitatives les plus intéressantes est celle donnée par John Lyons, qui rapproche le sens de la valeur Saussurienne: le sens est opposé alors à la référence, et il s’agit de l’ensemble des relations sémantiques existant entre un signe et d’autres signes du langage».
[12]– Ibid. P146: «(…) L’ensemble des unités phoniques qui composent un signifiant de la langue».
[13]– Ibid. P146: «Chez Bloomfield, la forme linguistique est un ensemble de phonèmes dont le sens est constant».
[14]– Jakobson (Roman) (1973): Essais de linguistique générale: 2. Rapports internes et externes du langage. Les éditions de Minuit, Paris, P259: «La forme d’un langage, ce sont ses sons. La phonologie, la science qui nous enseigne à observer, analyser et décrire les sons d’une langue».
[15]– Ibid. p259: «Le langage repose essentiellement sur le dualisme de la forme et du son».
[16]– زهران (البدراوي): في قضيّة الرّمزيّة الصّوتيّة، ص19. دار المعارف، ط03، 1993.
[17]– المصدر نفسه. ص19.
[18]– زهران (البدراوي): في قضيّة الرّمزيّة الصّوتيّة، مصدر سابق، ص20.
[19]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[20] – المصدر نفسه، ص25.
[21]– الرّازي (فخر الدّين): مفاتيح الغيب، ج01، ص22، المطبعة البهيّة المصريّة. ط01، 1938.
[22]– المصدر نفسه، ج02، ص175.
[23]– الجاحظ (أبو عثمان): رسائل الجاحظ، ج01، ص262، تحقيق عبد السّلام محمّد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1964.
[24]– الجاحظ (أبو عثمان): البيان والتّبيين، ج01، ص47، تحقيق عبد السّلام محمّد هارون، ط03، القاهرة. بيروت الكويت، 1968.
[25]– المصدر نفسه، ص75.
[26]– حسّان (تمّام): اللّغة العربيّة: معناها ومبناها، ص50.
[27]– الودرني (أحمد): قضيّة اللّفظ والمعنى ونظريّة الشّعر عند العرب، مجلّد 01، ص152، دار الغرب الإسلاميّ، ط01، 2004.
[28]– ابن جنّي (أبو الفتح): الخصائص، ج01، ص110، تحقيق محمّد عليّ النّجّار، دار الهدى والنّشر، ط2، بيروت، 1952.
[29]– الجرجاني (عبد القاهر): المقتصد في شرح الإيضاح، ج01، ص98، تحقيق كاظم بحر المرجان، سلسلة كتب التّراث، منشورات وزارة الثّقافة، الجمهوريّة العراقيّة، 1982.
[30]– Bloomfield (Léonard) (1970): Le langage, Payot, Paris, Pp132-144 .
[31]– Mounin (Georges): La linguistique du XXe siècle, Pp170-188.
[32]– Voir, Bloomfield (Léonard): Le langage, P59.
[33]– Chomsky (Noam) (1957): Structure syntaxique, P18, Tra. Michel Brandeau, Le Seuil, Paris 1969, (Col. Point): «Toute recherche d’une définition de la grammaticalité fondée sur la sémantique serait vaine. Je pense que nous sommes forcés de conclure que la grammaire et autonome et indépendante de sens».
[34]– Mounin (Georges): Dictionnaire de linguistique, P259: «Le phonème est l’unité distinctive minimale de deuxième articulation. C’est l’unité fonctionnelle qui à elle seule est «susceptible de servir dans un langage donné à la différenciation des significations intellectuelles» ».
[35]– Jakobson (Roman): Six leçons sur le son et le sens, P43: «C’est la faculté distinctive des sons dont nous devons nous occuper au premier lieu».
[36]– العلوي (توفيق): الرّمزيّة الصّوتيّة في حروف المعاني، ص59، مركز النّشر الجامعيّ، تونس، 2006.
[37]– Bouttineau (Didier) (2005): Du son au sens. http://elsap1.unicaen.fr/-bouttineau/-A-CRISCO3.pdf. P03: «Michel Viel rappelle la position de Arapu (…) qui établit un rapport entre d’une part le timbre aigu de (i) et sa faculté à figurer au mimer le rapprochement, et d’autre part le timbre grave de (a) et sa faculté à figurer l’éloignement».
[38]– Jakobson (Roman): Six leçons sur le son et le sens, P77: «Seul le phonème est un signe différentiel pur et vide. L’unique contenu linguistique ou, en des termes plus larges, l’unique contenu sémiotique du phonème c’est sa dissimilitude par rapport à tous les autres phonèmes du système donnée».
[39]– Voir, Jakobson (Roman): Six leçons sur le son et le sens, P.105.
[40]– Jakobson (Roman): Six leçons sur le son et le sens, P104: «En français, le système des oppositions consonantiques est utilisé dans une très large mesure pour différencier les mots, et tout ce système n’est fondé que sur cinq qualités oppositives».
[41]– Voir, Jakobson (Roman): Essais de linguistique générale: 2. Rapports internes et externes, Pp.123-124.
[42]– Voir, Jakobson (Roman): Six leçons sur le son et le sens, P.23.
[43]– Ibid. P.68.
[44]– ابن جنّي: الخصائص، ج02، ص147-148.
[45]– ابن جنّي: الخصائص، ج02، مصدر سابق، ص149.
[46]– حسّان (تمّام): اللّغة العربيّة؛ مبناها ومعناه، ص77.
[47]– زهران (البدراوي): في قضيّة الرّمزيّة الصّوتيّة، ص149.
[48]– المصدر نفسه، ص101-103.
[49]– Jakobson (Roman): Six leçons sur le son et le sens, P40: «On sait que la chaine des sons apparait comme le support du sens, mais il s’agit de savoir comment les sons remplissent cette fonction (…) c’est-à-dire de dégager le plus petit élément phonique chargé de valeur significative».
[50]– Ibid. p86: «Ce qui importe dans les phonèmes, ce sont les différences, les différences servant à distinguer les mots. C’est là l’unique valeur linguistique des phonèmes (…) ces différences sont le point de départ de toute étude des phonèmes».
[51]– Voir, Bouttineau (Didier): Du son au sens. P.9.
[52]– Voir, Jakobson (Roman): Essais de linguistique générale: 2. Rapports internes et externes du langage. Pp.203-206.
[53]– Jakobson (Roman): Six leçons sur le son et le sens. P78: «Seul le phonème est un signe différentiel pur et vide. L’unique contenu linguistique ou, en des termes plus larges l’unique contenu sémiotique du phonème c’est dissimilation par rapport à tous les autres phonèmes du système donné».
[54]– زهران (البدراوي): في قضيّة الرّمزيّة الصّوتيّة، ص47-49.
[55]– المسدّيّ (عبد السّلام): التّفكير اللّسانيّ في الحضارة العربيّة، ص328، الدّار العربيّة للكتاب، ط02، تونس، 1986.
[56]– زهران (البدرواي): في قضيّة الرّمزيّة الصّوتيّة، ص55-58.
[57]– زهران (البدرواي): في قضيّة الرّمزيّة الصّوتيّة،لمصدر سابق، ص61-62.
[58]– المسدّي (عبد السّلام): التّفكير اللّسانيّ في الحضارة العربيّة، ص78-79.
[59]– المصدر نفسه، ص79.
[60]– المصدر نفسه، ص72.
[61]– Jakobson (Roman): Essais de linguistique générale: 2. Rapports internes et externes du langage. P.135: «C’est en eux justement que l’essence du système phonologique. La définition du phonème était déduite de celle d’opposition: Les phonèmes étaient traités comme les termes d’oppositions phonologiques irréductibles à des termes plus simple».
[62]– Ibid. P.135.
[63]– Jakobson (Roman): Six leçons sur le son et le sens. P.72: «Nous savons que l’accent le plus fort signale le terme le plus important, celui dont la signification sert de point de départ à la phrase».
[64]– زهران (البدراوي): في قضيّة الرّمزيّة الصّوتيّة، ص50.
[65]– Voir, Jakobson (Roman): Six leçons sur le son et le sens. P.37.
[66]– Ibid. p37: «Nous avons dit qu’on parle pour être entendu : il faut ajouter qu’on veut être entendu pour être compris. C’est le chemin de l’acte phonaire au son proprement dit et du son au sens».
[67]– Ibid. P.54.
[68]– Jakobson (Roman): Essais de linguistique générale: 2. Rapports internes et externes du langage. P259: «Le langage repose essentiellement sur le dualisme de la forme et de sens».
[69]– Voir, Jakobson (Roman): Six leçons sur le son et le sens. P56.
[70]– Ibid. P.56.
[71]– Ibid. P.61.
[72]– Mounin (Georges): La linguistique du XXe siècle. P.83.
[73]– Ibid. P.117.
[74]– Ibid. P.103.
[75]– Jakobson (Roman): Six leçons sur le son et le sens. P.64.
[76]– زهران (البدراوي): في قضيّة الرّمزيّة الصّوتيّة، ص35.
[77]– المصدر نفسه، ص40.
[78]– المصدر نفسه، ص45.
[79]– المسدّي (عبد السّلام): التّفكير اللّسانيّ في الحضارة العربيّة، ص64.
[80]– زهران (البدراوي): في قضيّة الرّمزيّة الصّوتيّة، ص64.
[81]– Philippe (Karine): Roman Jakobson (1896-1982), Essais de linguistique générale: aux sources du structuralisme. (www.Google.fr). P.2: «Je pensais de plus en plus à la structure de l’art verbal et à la question du rapport entre la poésie et la langue».
[82]– Ibid. P.2: «Qu’est ce qui fait d’un message verbal une œuvre d’art?».
– هذه الشّواهد كانت في مقال لكارين فيليب تحت عنوان “الشّعر الجاكوبسونيّ La poésie Jakobsonienne”، ترجمناها باجتهادنا وأخذنا منها ما يخدم بحثنا.
[83]– Mounin (Georges): La linguistique du XXe siècle. P149: «La somme de ses procédés de style».
[84]– Ibid. P.149: «Le procédé, voilà l’unique héros de la littérature».
[85]– Jakobson (Roman) (1963): Essais de linguistique générale: 1. Les fonctions du langage. Les éditions de Minuit. Paris. P.31: «Cette conception du langage poétique comme une forme de langage où la fonction poétique est prédominante, nous aidera à mieux comprendre le langage prosaïque de tous les jours, où la hiérarchie des fonctions est différente».
[86]– Mounin (Georges): La linguistique du XXe siècle, P150: «(…) En poésie, le fond c’est la forme».
[87]– Ibid. Pp.150-151.
[88]– Toddorov (Tzevtan) (1972): Le sens des sons. In. Poétique. N° 11. Pp.446-462.
[89]– Ibid. P.458.
[90]– Ibid. Id.
[91]– Philippe (Karine): Roman Jakobson (1896-1982), Essais de linguistique générale: aux sources du structuralisme, P.3 : « Comment ne pas connaître (…) qu’un œuvre d’art nous demande davantage une interrogation herméneutique qu’une définition structurale?».