ملخّص:
نروم في هذه الدراسة العودة إلى تراثنا النقدي القديم، ومحاولة إعادة استكشافه برؤية معاصرة تأخذ بعين الاعتبار حوارية العلاقة التي تصل النص بعتباته، فاخترنا شكلا مخصوصا من أشكال العتبات ونمطا بعينه من أنماط النصوص المصاحبة هو نصوص المقدمات، وذلك يعود إلى ما للمقدمة من أهمية قصوى ضمن خطاب العتبات، فهي العلامة الأولى التي تستقبل متلقيها، فتستأثر بالكشف والبوح لقارئها عما سيعتمده المؤلف في متن كتابه. من هذا المنطلق هل المقدمة تعد مجرد بداية وتمهيد للنص؟ أم هي تنظيم لما سيورد في متنه؟ وبماذا يشي هذا الصنف من النصوص المصاحبة؟ وإلى أي مدى يحق لنا اعتبار المقدمة تمثل مشروعا تنظيريا ووعدا بالإنجاز؟
وسنستهل بحثنا في مستوى أول برصد سيرورة مفهوم المقدمة وحدها على المستوى المعجمي حيث توضع المقدمة مع مصطلحات أخرى تدور في فلكها وذلك شأن التمهيد والمدخل والتصدير والتوطئة. وسنأخذ على عاتقنا في مستوى ثان دراسة مظاهر حضور مفهوم المقدمة في بعض المصنفات الجامعة وبعض كتب الأدب القديمة وكتب الطبقات. ومن ثمة سنحاول أن نضع المقدمة باعتبارها نصا مصاحبا لمتن النص بإزاء ثنائية النظري والإجرائي، ما أعلنه الناقد في مقدمته النظرية قولا ومشروعا، وما أنجزته نصوص المتن. وسنخلص في خاتمة بحثنا إلى أن دراسة الخطاب المقدماتي تقتضي ضرورة ربط المقدمة بمتنها، وإن دراسة المقدمة معزولة عن متنها يجعلها مبتورة ومشذّبة ومنقوصة النتائج.
كلمات مفتاحية: عتبات النص، النصوص المصاحبة، الخطاب المقدماتي، التعالق النصي، النصية الجامعة.
Abstract:
In this study we Intend to return to our ancient heritage and try to rediscover it with a contemporary vision that takes in to account the relationship between the text and its thresholds. We will start our research at the first level by monitoring the process of the concept of introduction alone at the lexical level; And we will take it upon ourselves at a second level to study the manifestations of the concept of introduction in some old books of literature. We will also take it upon ourselves to put the introduction as a text that accompanies the body of the text in the matter of view of theoretical and procedural dualism; our goal was to know whether there is consistency between theoretical and procedural.
Keywords: introduction; prefacial discourse; the thresholds of the text; the discourse of introduction.
1- مقدمة: بين المفهوم والاستعمال القديم والحديث:
نستهلّ بحثنا في مستوى أول برصد سيرورة مدلول المقدمة وحدّها على المستوى المعجمي، حيث توضع المقدمة مع مصطلحات أخرى تدور في فلكها وتتحاور معها، وذلك شأن التمهيد والمدخل والتصدير والتوطئة. فما هي الفوارق الفاصلة بينها؟ وهل يجوز لنا اعتبارها تنويعات لمصطلح واحد، أمْ أنّ هناك حدودا فاصلة بينها؟
وسنأخذ على عاتقنا في مستوى ثان محاولة الكشف عنْ خصائص حضور مصطلح المقدمة، في بعض المصنّفات الجامعة وبعض كتب الأدب القديمة. فكيف تتجلّى لنا المقدمة في هذه المتون العربية القديمة؟
ولمّا كانت دراسة العتبات قد استقرّت مع جماعة “الشعريّة” بفرنسا، في أواخر الثمانينات، فإنّ هذا يدفعنا إلى التساؤل في مستوى ثالث، عن كيفيّة تحوّل خطاب المقدمة مع الثورة النصيّة الغربيّة في الاتّجاه البنيوي الحديث إلى عتبة مهمّة؟ وكيف تعامل جيرار جينات Gérard Genette مع الخطاب المقّدّماتي؟
ولقد أفضى بنا توزيع مادة (ق.د.م) في لسان العرب لابن منظور إلى أنّ المقدمة هي الأوّل من كلّ شيء، فهي البدء. والمقدمة تدلّ أيضا على معان عدة مثل التقدّم والاستقبال. ونقول “مقدمة الجيش هي من قدَّم بمعنى تقدَّم، ومنهم قولهم المقدمة والنتيجة، (…) وفي كتاب معاوية إلى ملك الروم: لأكوننّ مقدمته إليك، أي الجماعة التي تتقدّم الجيش، من قدّم بمعنى تقدّم، وقد استعير لكلّ شيء فقيل: مقدّمة الكتاب ومقدّمة الكلام، ومقدّمة الإبل والخيل (…) أوّل ما ينتج منها ويلقح، وقيل: مقدمة كلّ شيء أوّله. ومقدّم كلّ شيء نقيض مؤخّره. ويقال: ضرب مقدّم وجهه (…). والمقدّمة ما استقبلك من الجبهة والجبين”[1]. وبذلك يكون مدلول المقدمة اللغوي يدور على معنى البداية في كلّ شيء.
والناظر في مفهوم المقدمة في المعاجم الحديثة، يلحظ اتّفاقا حاصلا بينها في تحديد الفضاء المكاني للمقدمة. فالمقدّمة هي ما يوافق المصطلح الفرنسي Introduction “أمّا المعنى السائد للمقدّمة، فهو الفصل الأوّل من كتاب، يتناول بشيء من الإجمال الأسس التي يقوم عليها الكتاب، والتي بدونها لا يمكن أن يفهم تخطيط تأليفه”[2].
والمقدمة أيضا “هي ما يأتي في أوّل الكتاب أو البحث”[3]. وقد ألفيْنا في “المعجم المفصّل في الأدب” التعريف التالي للمقدمة: “توضع في مطلع الكتاب، وقبل البحث مباشرة، ولكنّها في العادة تكتب بعد أن يتمّ تأليف الكتاب، وقبل تسويده أو تبييضه لأنّها خلاصة العمل وصورة كاملة للمخطّط”[4].
وتجدر الإشارة إلى وجود اختلاف بين هذه المعاجم الحديثة، وإلى غياب الاتّفاق بينها، في تحديد حيّز امتداد المقدّمة كميّا، أو تمييزها من بعض المصطلحات الأخرى التي تدور في فلكها، من قبيل التصدير والتوطئة والتمهيد. وهي مظاهر نصيّة تكون بمثابة عتبات للنصّ. فهل أنّ هذه المصطلحات من لوازم المقدمة ومتطلّباتها، أم هي من مفتتح الكلام في النصوص الحديثة؟ ففي “معجم المصطلحات العربيّة في اللغة والأدب” يعلن المؤلفان عنْ وجود فوارق وحدود تفصل مصطلح المقدمة عن بقيّة المصطلحات. ذلك أنّه في “المألوف أن تكون المقدمة في طول فصل تقريبا، تمييزا من التمهيد السابق عليها”[5]. وهو ما يدلّ على أنّ المقدّمة أطول من التصدير، ولاحقة للتمهيد السابق عليها.
وما يجدر ذكره هو أنّ نفس هذا المعجم يزيد في طول المقدّمة في سياق آخر. وهذا يؤكّد غياب الحسم المنهجي، والضبط العلمي الصّارم في تحديد الحيّز الكمّي للمقدمة في تضاعيف المعجم الواحد. إذْ وجدْنا في موضع لاحق من المعجم نفسه، الشرط التالي: “ولا يتعدّى التصدير[6]الصفحتين أو الثلاث، في حين أنّ المقدمة قد تصل إلى طول فصلين من فصول الكتاب”[7].
بيد أنّ بعض المعاجم الأخرى تشير إلى أنّ مصطلحات من قبيل: “مقدمة وتصدير وتوطئة وتمهيد” لا تعدو كونها مجرّد مرادفات وتنويعات لفظيّة لأصل واحد ولمفهوم موحّد. فيحصل في هذه المعاجم بعض خلط مفهومي، مردّه حصول تعثّر في تمييز مصطلح المقدمة من سائر المصطلحات التي لها صلة بعتبات النص. لذلك يقرّ صراحة محمد التونجي في “المعجم المفصل في اللّغة والأدب”، حصول ضرب من التماهي بين مصطلح المقدمة وسائر المصطلحات التي تجري مجراها. فيقع هذا المعجم في خلط مفهومي، إذْ لم يوفّقْ في إدراك الحدود التي تفصل مصطلح المقدمة عن غيره من المصطلحات الأخرى. فيعرّف هذا المعجم التصدير كما يلي: “foreword/ préface بداية كلّ شيء. وهي في الأدب مطلع المقال أو الخطبة، والكلمة الأولى التّي يقدّم بها المؤلف كتابه. ولا تزيد على بضع صفحات، عادة يبيّن للقرّاء فيها دوافعه إلى تأليف الكتاب، والعوائق التي اعترضته، وذلّلها والأشخاص أو المؤسّسات الذين أسهموا في مساعدته[…] وهي ترادف كلمة “مقدّمة” أوْ فاتحة القول أوْ التمهيد”[8].
أمّا التوطئة فنجدها في هذا المعجم مندرجة في إطار ما يكتب في فضاء المقدمة، وترادف التمهيد لموضوع ما. فيعرّفها هذا المعجم بالقول التالي: “التوطئة هي ما يكتبه المؤلّف في مقدّمة بحثه تمهيدا للدخول في البحث يسلّط فيها الأضواء على ما يكتبه. ويعدّ القارئ نفسيّا لاستقبال ما هو مكتوب”[9]. لقد أفْضى بنا إمْعاننا النظر في المعاجم الحديثة، إلى القول بأنّ تعريف المقدّمة في المعاجم والقواميس الحديثة، رجراج، غير ثابت، خاضع للاستحالة على المستوى الكمّي، فيتماهى مع ما ليس منه، أوْ لنقلْ إنّه تعريف يفضي بنا إلى ضرب من الخلط المصطلحي.
والناظر في المتون العربيّة القديمة، يلحظ ورود لفظة “مدخل” تصريحا على لسان الإمام القاضي أبي بكر الباقلاّني الأشعري(ت403هـ)، في كتابه التمهيد، وذلك عند تمهيده للكلام في مسألة الإمامة، وذكر جمل من أحكام الأخبار، فيقول[10]: “قد كنّا أمليْنا مختصرا في الإمامة، جعلناه مدخلا إلى “كتاب مناقب الأئمّة ونقض المطاعن على سلف الأمّة”، اختصرنا العبارة فيه، وأوضحنا معانيه. ولم يخْل معنى يحتاج إليه في فصول منه، فرأينا أن ننقل تلك الفصول على وجهها إلى هذا الكتاب”[11]. فالمدخل من هذا المنظور هو بمثابة منطقة وسطى بين مقدمة الكتاب ومتنه، يأتي في شكل باب لاحق للمقدّمة، سابق لمحتوى الكتاب، وسمه الباقلاّني في كتابه “مناقب الأئمّة الأربعة” بباب “الكلام في الإمام يجب علمه”.
والناظر في تضاعيف أبواب كتاب التمهيد وفصوله، يدرك بيسر أنّ هذا الكتاب قد استهلّ بخطبة سابقة للباب الأوّل الموسوم بـ “في العلم وأقسامه وطرقه”. ولعلّ في ذلك إشارة واضحة إلى أنّ المقدّمة ترادف في الاستعمال القديم كلمة “خطبة”. ذلك أنّ ظهور متصوّر مقدمة في تسمية مغايرة، يؤكّد أنّ عمليّة إطلاق تسمية المقدمة لاحقة في الزمن، لظهور كلمة خطبة. فهذا ابن خلّكان (ت 681هـ) في “وفيات الأعيان”، يورد أقوال أهل العلم في تطويل الخطبة قائلا: “والناس يقولون إنّ أكثر أهل العلم يقول: إنّ “أدب الكاتب” خطبة بلا كتاب وإصلاح المنطق[12] كتاب بلا خطبة. وهذا فيه نوع تعصّب عليه. فإنّ “أدب الكاتب” قد حوى من كلّ شيء، وهو مفنّن. وما أظنّ حملهم على هذا القول، إلاّ أنّ الخطبة طويلة. و”الإصلاح” بغير خطبة. وقيل إنّه صنّف هذا الكتاب لأبي الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المعتمد على الله بن المتوكل على الله الخليفة العبّاسي. وقد شرح هذا الكتاب أبو محمّد بن السيّد البطليوسي شرحا مستوفى. ونبّه على مواضع الغلط منه، وفيه دلالة على كثرة إطّلاع الرّجل وسمّاه الاقتضاب في شرح أدب الكتاب”[13].
أمّا أحمد بن علي القلقشندي (ت 821هـ) في بداية القرن التاسع للهجرة، فيؤكّد في مؤلفه: “صبح الأعشى في صناعة الإنشاء” أنّ القدامى يستعملون كلمة خطبة مرادفة لمصطلح مقدّمة، فيقول: “وبكلّ حال، فإذا أتى ببراعة استهلال في أوّل مكاتبته. استصحبها إلى الفراغ من الخطبة، إنْ كان الكتاب مفتتحا بخطبة، وإلاّ استصحبها إلى الفراغ من مقدّمة الكتاب الآتي بيانها”[14].
ولمّا كان كتاب “صبح الأعشى في صناعة الإنشاء” ينتمي إلى صنف المصنّفات الجامعة، فإنّ الناظر في متن هذا الكتاب، يلحظ وضوح مصطلح المقدمة في ذهن القلقشندي، وتبلوره في كتابه في عدّة مواضع، وهو ما يتجلّى في هذا السياق في قوله: “وقد تقدّم في مقدمة الكتاب أنّ صاحب الديوان لا يكتفي بنظر الكاتب في ذلك، بل يكله إلى نظر كاتب كامل ينْصبه لذلك، ثمّ يتأمّله هو بنفسه بعد ذلك ليتنقح الكتاب، ويتهذّب”[15]. ويصرّح القلقشندي في سياق حديثه عنْ الأصل الثالث من الأصول العشرة التي يعتمدها الكاتب في المكاتبات، بالوظيفة التأسيسيّة للمقدّمة. فيورد القول التالي” وأن يأتي في المكاتبة المشتملة على المقاصد الجليلة، بمقدمة يصدر بها تأسيسا لما يأتي به في مكاتبته”[16]. ذلك أنّ سنّة الكتّاب قد جرت على أن تكون المقدمة سابقة ومؤسّسة لما سيأتي بعدها.
وههنا يسلّط القلْقشنْدي الضوء، وبأسلوب حجاجي على أهميّة المقدّمة التي غدت بمثابة الفرْش السابق للمتن. وقد استند في ذلك إلى أقوال علي بن خلف صاحب كتاب: “مواد البيان”، فيسرد ما يلي: ” فقد قيل: إنّه لا يحسن بالكاتب أنْ يُخلي كلامه ـ وإنْ كان وجيزا ـ من مقدمة يفتتحه بها وإن وقعت في حرفين أو ثلاثة ليوفّي التأليف حقّه. قال في “مواد البيان”: “وعلى هذا السبيل جرت سنّة الكتّاب في جميع الكتب كالفتوح والتّهاني والتعازي والتّهادي والاستخبار والاستبطاء والإحماد والإذمام وغيرها، ليكون ذلك بساطا لما يريد القول فيه، وحجّة يستظهر بها السلطان، لأنّ كلّ كلام لا بدّ له من فرش يفرش قبله ليكون منه بمنزلة الأساس من البنيان”[17]. إنّ المتأمّل في المتون العربية القديمة، يلاحظ وجود بنية تدرّجية أدّت إلى ظهور مصطلح المقدمة. فقد وجد المتصوّر، وغابت التسمية، وحضرت في مصطلح مغاير مخالف: خطبة. ثم ضبط المصطلح في مرحلة لاحقة، فظهرت تسمية المقدمة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ جهود الدراسات الغربيّة التنظيريّة والإجرائيّة في مسألة عتبات النصّ، جعلتهم يفوزون بقصب السبق في هذا المجال، فينتبهون إلى أهميّتها. وقد اعتبر جيرار جنات Gérard Genette عتبات النصّ في كتابه “طروس”Palimpsestes مقوّما ثانيا من المقوّمات الخمسة المكوّنة لما اصطلح عليه جنات بـالتعالق النصّي Transtextualité. وعرّفها بأنّها “كلّ ما يتسنّى للنصّ أن ينشئه مع نصوص أخرى، من ضروب العلاقات الواضحة والجليّة أو الخفيّة سرّا وعلانيّة”[18]. وقد ارتأى جنات تحديد هذه الأصناف من العلاقات النصيّة وفق بنية تصاعديّة تبتدئ من العلاقات الصريحة الجليّة بين النصوص لتصل إلى أشدّ العلاقات النصيّة تجريدا وضمنيّة وشموليّة. وقد وسمها بـالنصّية الجامعة: l’architextualité [19]. وقد استقرّت دراسة عتبات النصّ وتطوّرت في أواخر الثمانينات، وهي الفترة التي أصدرت فيها جماعة “الشعريّة” بفرنسا، عددا خاصّا من مجلّتها سنة 1987. وكان محوره النصوص المصاحبةParatextes . وقد أخذ جنات على عاتقه الإشراف عليه. لذلك نجده يؤكّد عند تقديمه لهذه المقالات الثمانية التي تنكبّ على دراسة النصوص المصاحبة أنّ عتبات النص “لها حدود غير مضبوطة وغامضة، تحيط الأثر الأدبي بهالة من التداولية”[20]. ثمّ ألفيْناه يورد في سياق آخر القول التالي: “إنّ النصّ المصاحب حقل من الممارسات الإجرائيّة، أعمالها مهملة بقدر ما هي ناجعة. يتجاهلها جمهور المتقبّلين الذين يعتمدون عليها في الغالب بدون إدراكها. كما يتجاهلها الدّارسون المختصّون الذين يأنفون أحيانا من استعمال هذه الترّهات عند المدخل، أوْ على الأقلّ بأن يتعاملوا معها بحسب وضعيّتها المخصوصة. وتارة يدمجونها بصرامة في النتاج الأدبي الذي ترافقه، وطورا يعالجونها من الخارج على أساس أنّها مجرّد مستندات بسيطة ملحقة إلحاقا. بيد أنّ النصّ المصاحب لا يكون لا في الداخل ولا في الخارج. فهو في هذا وفي ذاك. إنّه يوجد في العتبات. وفي هذا الموقع المخصوص تناسبنا دراسته”[21].
وتجدر الإشارة إلى أنّ النقد المعاصر لم يهتمّ بعتبات النص، ولم يقلّب فيها النظر إلاّ بعد تبلور مفهوم النص، واستيعاب تفاعل النصوص فيما بينها، وإدراك العلاقات التي تصل النصوص بعضها ببعض “فكان التطوّر في فهم النص، والتفاعل النصّي مناسبة أعمق لتحقيق النظر إليه باعتباره فضاء، ومن ثم جاء الالتفات إلى عتباته”[22]. وبذلك يأتي الوعي بمفهوم العتبات النصية لاحقا للوعي النقدي المعاصر بمفهوم النص. ولمّا كان مصطلح العتبات من المصطلحات الرائجة والمتداولة في مؤسّسة النقد الغربي المعاصر، فقد أفرد له جيرار جناتGérard Genette كتابا كاملا، سماه بإسمه “العتبات” Seuils.
ما يجدر ذكره أنّ جنات قد انتقل بنا بفضل هذه الأنماط الخمسة من التعالق النصي tanstextualité، من شعرية النص التي درسها في كتاباته السابقة[23]، إلى شعرية المناطق المتاخمة للنص أوْ شعرية عتبات النص التي جعلها خطابا موازيا للنص، ومصاحبا لخطابه الأصلي، فهي منطقة محيطة بمتن النص، ودائرة بفلكه، ومنفتحة على تعدّد التأويل، وتنوّع القراءة. وبذلك يكون مفهوم الشعرية في مشروع جنات النقدي يشهد تطوّرا وحراكا، ليصل بنا في كتابه “العتبات”Seuils، إلى أشدّ المواضيع تعقيدا في الشعريّة المعاصرة وهو النص المصاحب Paratexte. وقد اصطلح الناقد المغربي سعيد يقطين على تسمية هذه النصوص المصاحبة بمصطلح المناص. وإذا قلّبنا النظر في كتاب “العتبات”، نلحظ أنّ جيرار جنات قد نظر في مختلف أشكال النصوص المصاحبة وأقسامها وكيفية اشتغالها داخل المؤسسة النقديّة والاقتصادية والاجتماعية، ومبادئها التداوليّة والتواصليّة ووظائفها.
ولعل كتابه “عتبات” لم ينبثق بالطفرة، وإنّما كان وليد تراكمات نقديّة قد فازت بالسبق، فمثّل بذلك تتويجا لإرهاصات نظريّة سابقة. وقد درس فيه جنات مختلف أصناف عتبات النص[24] ومبادئها التداوليّة، ولذلك يعرّف جيرار جنات عتبات النصّ في مقدمة كتابه “العتبات” بما يلي “بماذا يصير النصّ كتابا يوجّهه إلى قرّائه، وبصفة عامة إلى جمهوره”[25]. وتجدر الإشارة إلى أنّ جنات في كتابه “العتبات” قد سلّط الضوء على مناص المؤلف paratexte auctoriale، وقد جعل من عتبات المقدمة تنتمي إلى ما يعرف بالمناص التأليفي[26]. وقد أدرجها جنات فيما سمّاه بالمدخل الاستهلالي “Instance Préfacielle[27] الذي يسبق متن النص. ويعتبر جنات عتبة الإستهلال Preface عبارة عن “مفتاح إجرائي وتوجيهي لتقييم الكتاب عامة، وفهم النص وتقييمه من طرف القارئ على وجه الخصوص”[28].
وإذا تتبعنا تاريخيّة الاستعمال النقدي لمصطلح العتبات النصية، ألفينا جاك دريدا Jacques Derrida في كتابه “التشتيت”« La Dissémination » ، قد أسعفنا في تحديد المصطلحات الدالّة على الاستهلال، فحدّثنا عن المدخل الاستهلالي، وقد سمّاه خارج الكتاب Horslivre، وقلّب النظر في مختلف تحديدات الاستهلالات والمقدمات والتمهيدات والديباجيّات والافتتاحيّات، مفيضا الحديث فيها. وقد عمد دريدا إلى تحليلها من منظور ثنائيّة المحو والنسيان “فهي دائما تكتب لتنتظر محوها، والأفضل لها أنْ تنسى، لكن هذا النسيان لا يكون كليّا فهو يبقي على أثره، وعلى بقاياه ليلعب دورا مميّزا، وهو تقديم النص لجعله مرئيّا، قبل أنْ يكون مقروءا”[29].
ويؤكد جيرار جنات في كتابه “العتبات” وجود فوارق تفصل بين العتبات النصيّة المصاحبة لنصوص المتن بعضها عن بعض، ومن الاستهلالات الأكثر تواترا نجد : المقدمة introduction، والتمهيد Avant-propos، والديباجة prologue، والتوطئةAvis، والتقديمprésentation، والمطلع prélude، والخطاب البدئيDiscours préliminaire، والفاتحةPréambule، وخطبة الكتابExorde…….
ويستند جنات في كلامه إلى حديث جاك دريدا عن العتبات النصيّة عند هيجل، فيؤكّد في كتابه “التشتيت “Dissémination ضرورة التفريق بين المقدمة والاستهلال لأنّه ليس لهما لا نفس الوظيفة ولا نفس القيمة حسب المنظور الهيجلي، بالرغم ممّا يشكّلانه من تناظر في علاقتهما بطرح المدوّنة الفلسفيّة. “فللمقدمة رابط أشدّ نظاميّة وأقلّ تاريخيّة وظرفيّة بالنسبة إلى منطق الكتاب. إنّها فريدة وتعْنى بقضايا عامة وأساسيّة. والمقدمة تقدّم المفهوم العام في تنوّعها واختلافاته الذاتيّة. وفي المقابل تتضاعف الاستهلالات من طبعة إلى طبعة أخرى، مع أخذ النظر بتاريخيّتها الأشد تجريبيّة، معبّرة عن استجابة للضرورة الظرفيّة التي حدّدها هيجل سلفا”[30]. وبذلك يراهن دريدا على مقدرة المقدمة على إنتاج معاني متن النص. ولمّا كانت العتبة لغة تجْمع على عتب وعتبات وهي “أسْكُفّة الباب التي تُوطأ (…) والعتب الدّرج وعتب الدّرج مراقيها، إذا كانت من خشب، وكلّ مرْقاة منها عتبة (…) والعتبة كلّ مرْقاة من الدّرج أسكفّة الباب أي البلاطة التي يوطأ عليها عند الدخول والخروج”[31]، فإنّه لا يتسنّى لنا أن نلج فناء الدار قبل المرور بعتباتها لذلك كانت أهمّ مدلولاتها تدور على ما يوطأ عليه قبل دخول أيّ باب. فكذلك دخولنا إلى عوالم متن النص مشروط بالمرور بعتبة المقدمة.
2- المقدّمة في استعمال نقاد الأدب:
لقد حاولنا في هذا البحث أنْ ننظر إلى المقدمة باعتبارها نصا مصاحبا لمتن النص، من منظور ثنائيّة النظري والإجرائي أيْ وفْق ثنائيّة المعلن والمنجز، ما أعلنه الناقد في مقدمته النظريّة، قولا ومشروعا، وما أنجزته نصوص المتن. فكانت غايتنا معرفة، هل هناك اتّساق بين النظري والإجرائي، وبين عتبات النص ممثّلة في الخطاب المقدّماتي ونصوص المتن؟ أيْ هل هناك التزام على المستوى الإجرائي بما هو مصرّح به في القسم التنظيري، أمْ هناك مفارقة بين المستويين عند كلّ من ابن سلاّم وابن قتيبة. والوجه الآخر للسؤال ما هي تبعات المشروع النظري المعلن في المقدمة؟ وهل تطابق الوعد النظري مع الفعل المنجز إجراء، أم أّنّ التطبيق جاء جزئيّا منقوصا؟
2- 1- في فضاء المقدمة تنظيرا:
تجدر الإشارة إلى أنّنا لن نعنى في هذه المقدمات بالديباجة وبشكل الصناعة، وبالأسلوب المعتمد في كتابة المقدّمات. وإنّما سنقصر اهتمامنا على دراسة مضمون المقدمة وفحواها. وقد بدت مقدمة ابن سلام (ت 232هـ) ذات خصوصيّة، إذ أنّها وردت في شكل بيانات صريحة تكشف عن دواعي تصنيفه لكتاب طبقات فحول الشعراء، وأبعاد هذا التصنيف، والمنهج الذي سيسلكه في تنزيل شعراء الجاهليّة والإسلام والمخضرمين منازلهم.
2-2- في كتب الطبقات:
تأتي مقدمة ابن سلاّم بمثابة الإعلان الصريح، إذ يقرّ فيها صاحبها، بأسلوب مباشر، ويعلن بوضوح “عن ظهور ضرب من القراء المختصّين القادرين على “عقلنة انفعالهم الحسّي بالشعر (…) فقد جعل النقاد قرّاء ممتازين يرجع إليهم. وارتقى بهم إلى مصاف “السلطة المعرفيّة” (…) إنّ الأهمّ من ذلك كلّه، هو أنّ فكرة “العالم بالشعر” أضحت مبدأ قارّا في النقد العربي بعد الجمحي”[32].
ولقد ارتأى ابن سلاّم أن يعتمد في طبقاته، على تصنيف انتقائي قائم على اختيار شعراء معروفين، بل هو تصنيف يدور في فلك مقياس الشهرة. ولا أدلّ على ذلك من هذه الجمل الأولى اللاّفتة في صدر المقدّمة: “ذكرنا العرب وأشعارها، والمشهورين المعروفين من شعرائها وفرسانها وأشرافها وأيّامها”[33]. إنّ الغاية التصنيفيّة لدى ابن سلاّم هي التي جعلته ينساق إلى منهج تفاضلي بين الشعراء، بما أنّه يصرّح بأنّه سيقصر طبقاته على طائفة الشعراء المشهورين. ويقصي المغمورين أو الذين لم يتواتر شعرهم على يدي أهل العلم بالشعر.
ويصرّح الجمحي في مقدّمته، أنّه حدّد طبقاته في أربعين شاعرا، لكلّ من الجاهليّين والإسلاميّين. ثمّ عمد إلى أن يقرن كلّ من تشابه من الشعراء في الصفات أو في الأسلوب أو في المستوى الفنّي إلى قرينه، فأصبحوا عشر طبقات كلّ طبقة أربعة شعراء متكافئين: “فاقتصرنا من الفحول المشهورين على أربعين شاعرا، فألّفنا من تشابه شعره منهم إلى نظرائه، فوجدناهم عشر طبقات، أربعة رهط كل طبقة، متكافئين معتدلين”[34]. هكذا يخبرنا ابن سلاّم بنهجه في مقدّمة كتابه.
ولقد وعى ابن سلاّم الجمحي منذ مقدمته النظريّة بعمليّة إنتاج كتاب “طبقات فحول الشعراء”. وهو بهذا المسلك يشرّع لميلاد نمط جديد في الكتابة عن النصوص الأدبيّة يسمّى النقد بل إنّ عمله يكمن في تقنين مصطلح “طبقة” وضبطها في مقاييس مختارة بعد أن وجد المتصوّر من قبله، في كتب الاختيارات، وفي كتاب “فحولة الشعراء” للأصمعي[35]. ولعلّ هذا نستشفه في خاتمة مقدمته حين يقول ” ثم إنّا اقتصرنا بعد الفحص والنظر والرّواية عمّن مضى من أهل العلم إلى رهْط أربعة، اجتمعوا على أنّهم أشعر العرب طبقة. ثمّ اختلفوا فيهم بعد. وسنسوق اختلافهم واتفاقهم، ونسمّي الأربعة ونذكر الحجّة لكلّ واحد منهم. وليس تبدئتنا أحدهم في الكتاب نحكم له، ولا بدّ من مبتدأ. ونذكر من شعرهم الأبيات التي تكون في الحديث والمعنى”[36].
إنّ الجمحي بهذه الجمل يعبّر بوضوح عن التزامه بالموضوعيّة، إذ أنّه لن يسلك في طبقاته منهجا تفاضليّا بين شعراء الطبقة الواحدة، بل إنّ تبدئته بشاعر من الأربعة ليس حكما منه على تقديمه، فالأربعة جميعا عنده متكافئون معتدلون في المنزلة.
وهذا هو مسلك الجمحي الذي أعلنه تصريحا في مقدمة طبقاته ـ فهل سيلتزم به على المستوى الإجرائي؟
وإذا كانت المقدمة النقديّة لكتاب “طبقات فحول الشعراء”، تعدّ من أقدم الكتب النقديّة التي وصلتنا من القرن الثالث للهجرة، فماهي السمات الدلاليّة لبقيّة المقدمات النقديّة في كتب الطبقات المعاصرة لها في الزمن، وخاصة مقدمة كتاب “الشعر والشعراء” لابن قتيبة، وفي الكتب النقديةّ التالية لها في الزمن، وخاصة كتاب “نقد الشعر” لقدامة بن جعفر؟
ولمّا كانت “المقدّمة شأن العنوان تقوم بإستراتيجيّة البوح والاعتراف والوشاية”[37]، فإنّه حريّ بنا في البداية أن نقرّ بقيمة مقدمة ابن قتيبة وجلال قدرها في تأسيس قوانين النظريّة النقديّة العربيّة القديمة وإرسائها، وفي الإحاطة بالقول الشعري، وتدبّر أمر العمليّة الشعريّة. ولعلّ تقليبنا النظر في أغوار هذه المقدمة يكشف عن رغبة جامحة لدى ابن قتيبة (ت276هـ) في تصنيف الشعراء في طبقات. ولعلّ هذه العمليّة التصنيفيّة تكشف أنّ ابن قتيبة يمتح من رؤية مغايرة لابن سلاّم ومخالفة له. فقد التزم ابن سلاّم بآراء من سبقه من لغويين، وبمعاييرهم اللغويّة. في حين أنّه من دواعي التصنيف لدى ابن قتيبة وأبعاده، كسر الطوق الذي أقامه اللغويّون نتيجة ربطهم الفصاحة بالشعر الجاهلي، وملاحقتهم المستمرّة للغة هذه “المدوّنة الشعريّة الأمّ”، وتجميدها ومن ثمّة الإقرار بثبات هذه اللغة. ذلك أنّ اللغويّين القدامى يرفضون خضوع اللغة إلى التحوّل والتطوّر[38].
أمّا مسلك ابن قتيبة فمختلف، إذ هو يورد في مقدّمته بيتين للمرقّش، فيقول: “والعجب عندي من الأصمعي إذ أدخله في متخيّره وهو شعر ليس بصحيح الوزن، ولا حسن الرويّة، ولا متخيّر اللفظ، ولا لطيف المعنى”[39]. بل إنّ من دواعي تصنيفه لطبقات الشعراء، رغبته الشديدة في كسر الحاجز الذي أقامه ابن سلاّم حين اتّخذ من شعراء الجاهليّة وشعراء صدر الإسلام، حجّة يحتجّ بها في العربيّة، بل عدّهم أنموذجا للشعر الجيّد. فأضاف ابن قتيبة إلى طبقات ابن سلاّم الشعراء المحدثين. إذ أنّنا نجده يقرّ في مقدّمته، بأنّه لن يتعصّب إلى أشعار المتقدمين، بل سينصف الشعر المحدث: “ولم أسلك فيما ذكرته من شعر كلّ شاعر مختارا له سبيل من قلّد أو استحسن باستحسان غيره. ولا نظرت إلى المتقدّم منهم بعين الجلالة لتقدّمه، وإلى المتأخّر منهم بعين الاحتقار لتأخّره. بل نظرت بعين العدل على الفريقين. وأعطيت كلاّ حظّه. ووفّرت عليه حقّه”[40].
وهذا يؤكّد أنّ من دواعي التصنيف لدى ابن قتيبة ما ضمّنه في مقدّمته من دعوة إلى إنصاف الشعر المحدث[41]. فهو يدعو أهل العلم إلى النظر برؤية عادلة، وترك طريق التقليد والازورار عن هذا المسلك. وكأنّ ابن قتيبة قد وعى المسار الذي ستؤول إليه المدوّنة الشعريّة أي انغلاقها على نفسها، حتى أمْسى الابتكار في عداد المستحيل. ولم يتبقّ للشاعر المحدث إلاّ النسج على منوال شعر الأوائل، واقتفاء أثر الشاعر الجاهلي، وإعادة صياغة المعاني القديمة: “فإنّي رأيت من علمائنا من يستجيد الشعر السّخيف لتقدّم قائله ويضعه في متخيّره. ويرذل الشعر الرّصين، ولا عيب له إلاّ أنّه قيل في زمانه أو أنّه رأى قائله”[42].
وما يجدر ذكره هو أنّ صرامة ابن قتيبة في فرض البنية التي يجب أن يكون عليها القول الشعري، وفي تقنينه لقصيدة المدح العربيّة، أفضى إلى تطويق العمليّة الإبداعيّة وتقييد الشعراء بتلك الأقسام إلى حدّ التضييق. إذ أنّنا نجده يلزم الشعراء بهذه الضوابط، في شكل بيان صارم، وإعلان لا يقبل الخروج عليه قائلا: “وليس لمتأخّر الشعراء أن يخرج عن مذهب المتقدّمين في هذه الأقسام”[43]، فكأنّ شرط الإنصاف أن يلتزم المحدثون بما سنّه المتقدمون. فالعدل الذي وعد به ابن قتيبة، مشروط بشرائط. لا يمكن لمتأخّر الشعراء أنْ يخرج عليها. والإنصاف بين القديم والمحدث، يتمّ داخل سنن محدّدة مسبقا.
لقد استحال النقد عند ابن قتيبة، سلطة احتوائيّة[44] للشعر المحدث. ونتبيّن حجم هذا الاحتواء، بما أردفه من تبرير لهذا المنع. فقد تحوّل التبرير من النظر في مقتضيات المقام، إلى النظر في مقتضيات السنة. ويضيف ابن قتيبة: “فيقف على منزل عامر أو يبكي عند مشيّد البنيان. لأنّ المتقدمين وقفوا على المنزل الداثر، والرّسم العافي، أوْ يرحل على حمار أو بغل. ويصفها لأنّ المتقدّمين رحلوا على الناقة والبعير. وليس له أن يقيس على اشتقاقهم. فيطلق ما لم يطلقوا”[45].
وهكذا فإنّ أوّل ما تفقده هذه العمليّة الشعريّة هي مشاكلة الواقع. فيفقد على إثرها، ذلك الأثر النفسي، الذي يحدثه الشاعر في ممدوحه، عند وصفه ما لاقاه من ضنى الرحلة إليه. ولعل إسراف ابن قتيبة في تحديد مقرّراته لتطويق العمليّة الإبداعيّة، وصرامته في تقنين بنية قصيدة المدح العربيّة القديمة، جعلته يحكم الطوق على الشاعر المحدث ويضيّق عليه الخناق. فيلزمه بما لم يلتزم به شعراء الجاهليّة أنفسهم. فلو نظرنا إلى تلك الصرامة التي يلتزم بها ابن قتيبة عند إيراده لأقسام القصيدة، ويلزم بها الشاعر المحدث، ويقيّده بها لأدركنا بوضوح أنّه لم ينصف الشاعر المحدث، ولم يعدل البتة. وإنّما عمل على الاحتواء. فكأنّه أدرك أنّ عليه تجاوز ما وقع فيه أهل العلم بالشعر المتعصّبون للمدوّنة الشعريّة الأم، من تهميش لهذا المحدث. فسعى إلى استيعابه واحتوائه. وكأنّ بابن قتيبة يحمّل الشاعر المحدث ما لا طاقة للشاعر الجاهلي نفسه بتحمّله. هكذا إذن تضحي دعوة ابن قتيبة الملحّة إلى إنصاف الشعر المحدث في مقدّمته، مجرّد مشروع نظري، وعد به في مقدمته، لكنّه لم يلتزم به داخل المقدّمة نفسها، فهل يعود ذلك إلى حاجز نفسي يمنعه من خرق ما أجمع عليه أهل العلم وذلك نتيجة سلطة “المدوّنة الشعريّة الأمّ” على الأذهان؟، أمْ هي رِدّة فكريّة؟، بل هي “نيّة التجاوز تعقبها الردة”[46]، بما أنّه أعلن في البداية إنصاف الشعراء المحدثين. ثم ربط التفوّق الشعري بمراعاة هيكل القصيدة، كما ضبطها أهل “العلم بالشعر”.
هكذا يسوق ابن قتيبة كلامه، مقرّا العزم أنّه لن يسعى إلى الكشف عن “الجودة” في أشعار المنسيّين من الشعراء، بل إنّه سيتّبع منهجا انتقائيّا يقصي بمقتضاه طبقة الشعراء المغمورين، ويعنى في المقابل بذكر طبقات الشعراء المعروفين. إذ أنّنا نجده يقول: “فأمّا من خفي اسمه. وقلّ ذكره. وكسد شعره. وكان لا يعرفه إلاّ بعض الخوّاص. فما أقلّ من ذكرت من هذه الطبقة”[47]. وبذلك يكون ابن قتيبة واعيا بعمليّة التصنيف التي تبيح له تمييز الشاعر المجيد من “الشعرور”. فمصطلح الطبقة وتنزيل الشعراء في طبقات واضح في ذهن ابن قتيبة، بعد أن نظّر له ابن سلاّم من قبله.
2- 3- في حواريّة المقدمة مع متنها: المقدمّة إجراء:
نروم في هذا القسم من البحث رصد سيرورة المقدمة النقدية وكيفية تأثيرها في متنها على المستوى الإجرائي، لذا سنعمد إلى قياس درجة عدول نصوص المتن عن المشروع النظري الوارد في خطاب المقدّمات. فهل أنّ ما تشفّ عنه متون هذه الكتب النقديّة يعكس طموح الناقد النظري الوارد في المقدّمة؟
إنّ الناظر في كتاب “طبقات فحول الشعراء”، يلحظ اعتماد صاحبه على مقياسين أساسيين في عمليّة التصنيف:
أمّا المقياس الأوّل فهو مقياس عمودي يدور في فلك حركة تدرجيّة. قوامها المفاضلة بين الشعراء من أعلى إلى أسفل، فلقد استهوى ابن سلاّم المنهج الزمني في التصنيف. فقسّم طبقاته إلى عشر طبقات من الجاهليين. وحدّد نفسه في أربعين شاعرا من الفحول المشهورين. وهذا يفضي بنا إلى مفهوم النظير أي المشابه، فانطلاقا من طبقة أهل الجاهليّة قيست طبقة الإسلاميّين، لذلك كان أبو عمرو بن العلاء يردّد: “نظير الأعشى في الإسلام جريرا، ونظير النابغة الأخطل، ونظير زهير الفرزدق”[48]. فنحن إذن بإزاء مقياس عمودي قوامه المفاضلة بين الطبقات. ولا تكتسب الطبقة الواحدة بعدها التفاضلي إلاّ إذا قيست ببقيّة الطبقات. وهذا المقياس إذن هو أداة مثلى للإحاطة بنظام الطبقات، إذ هو يضعنا في حضرة ترتيب خارجي رتّب وفقه الطبقات في سياق تمايز. ومن هنا تختلف كتب الطبقات عن كتب الاختيارات لاعتمادها تبويبا يقصد إلى التفضيل. وما يجدر ذكره أنّ ابن سلاّم لم يجعل المخضرمين طبقة مستقلّة بذاتها بل نزّلهم منازلهم، من طبقات أهل الجاهليّة وطبقات أهل الإسلام، فاعتمد على منهج زمني قائم على تصنيف إدماجي، فرّق بمقتضاه الجمحي الشعراء المخضرمين بين طبقات شعراء الجاهليّة، وطبقات شعراء الإسلام.
وتجدر الإشارة إلى أنّ ابن سلاّم اعتمد على مقياس ثان في تنزيل الشعراء منازلهم وهو مقياس أفقي، ههنا نحن بإزاء ثنائيّة صغرى تجري داخل الطبقة الواحدة، إذ نجدها قائمة على أربعة رهط “متكافئين معتدلين”. فأصحاب الطبقة الواحدة متميّزون في بابهم، إذْ أنّ عناصر الائتلاف بينهم أكثر من عناصر الاختلاف. وقد انعكس هذا المعنى على المفهوم الاصطلاحي النقدي للطبقة، إذ هي مجموعة الشعراء المتساوين في خصائص معيّنة”[49]. ومن هذه الوجهة يضعنا المقياس الأفقي في حضرة شعراء الطبقة الواحدة، بل هو خاضع إلى ترتيب داخلي يجري بين الشعراء الأربعة. وقد أدّى هذا إلى انغلاق الطبقة على نفسها، إذ هي لم تعد تسمح لا بالدّخول ولا بالخروج. وهذا يفضي بنا إلى القول إنّ الطبقة إذن في مشروع الجمحي مضبوطة العدد، مكتفية بأصحابها الأربعة، إذ أنّهم لا يزيدون، ولا ينقصون.
وإذا كان الترتيب الخارجي لنظام الطبقات في رؤية ابن سلاّم، أحالنا على التمايز فإنّ الترتيب الدّاخلي يحيلنا على التماثل. وذلك لأنّ شعراء الطبقة الواحدة يشتركون في عناصر محدّدة، ويختلفون في موضوع ما، ويجتمعون على منزلة واحدة. وهذا راجع إلى أنّ نقاط التشابه بينهم أكثر من نقاط الاختلاف. وبذلك توضع الطبقة في مشروع الجمحي وفق ثنائيّة التماثل والتمايز.
إنّ عمليّة استقراء النظام الداخلي للطبقات، فتح أعيننا على صرامة المقياس الأفقي وضيقه وحدّته، إذ أنّه أضحى عاجزا عن استيعاب الشعراء. فهذا “أوس نظير الأربعة المتقدّمين، إلاّ أنّا اقتصرنا في الطبقات على أربعة رهط”[50]. فبنية الطبقة في مشروع الجمحي هي بنية متحوّلة ومنفتحة لا تكاد تنغلق على أصحابها. وهذا يكشف عن حيرة حقيقيّة لدى صاحب الطبقات أفضت إلى اضطرابه في اختيار الأربعة، إذ تكتمل بنية الطبقة فيكتشف الجمحي أنّه ترك شاعرا جديرا بهذه الطبقة المكتملة، نظير هؤلاء الأربعة. وبذلك يكون ابن سلاّم قد كرّس سلطة النص النقدي عند اقتصاره على الشاعر الفحل المشهور. فغدت طبقاته بمثابة المملكة، لا يسكنها إلاّ الشعراء الفحول، بل هي قلاع حصينة لا يدخلها إلاّ الشاعر المشهور الفحل، أبوابها موصدة في وجه الشاعرة العبّاسية، والشاعر المغمور، مغلقة في وجه الشعراء المولّدين الذين لا يحتجّ بشعرهم، وفي وجه النساء الشاعرات باستثناء الخنساء التي ذكرها باقتضاب ضمن طبقة أصحاب المراثي.
كما تتخلّل كتاب “طبقات فحول الشعراء” جملة من الإشارات، تفصح عن عدم التزام صاحبه في كثير من الأحيان، بما صرّح به في مقدّمته النظريّة. وهنا تكمن المخاتلة، فعتبة المقدمة تخفي مقاصد المؤلف الحقيقيّة، ذلك أنّ ما يعلنه ابن سلاّم في البداية: “أنّه لابدّ من مبتدأ” هو ظاهر يخفي باطنا، وهو الإقرار بأنّ الأوّل كان أحسنهم. فالأوس بن حجر ينزّله ابن سلاّم المنزلة الأولى ضمن الطبقة الثانية من شعراء فحول الجاهليّة. وهو “أوس بن حجّر بن عتّاب بن عبد الله بن عديّ بن نمير بن أسيّد بن عمرو بن تميم وهو المقدّم عليهم”[51]. فيكشف الجمحي في عرض كلامه عن ترتيب تفاضلي، نزّل وفقه أصحاب هذه الطبقة. بل إنّ الناظر في النسيج اللغوي الذي قدّت منه الطبقات يقرّ بكثرة استعمال ابن سلاّم لصيغ التفضيل. فنقده إذن أساسه الموازنة والمفاضلة بين الشعراء. وهذا النهج التفاضلي الذي نلمسه في نص الجمحي، يدور في فلك تصنيف الشعراء وفق معيار من “هو أشعر الشعراء”، ومن هو “أشعر الناس”؟، من هو أشعر شعراء العرب؟، ومن “أشعر أهل الجاهلية وأهل الإسلام؟”…
ولعل كثافة تواتر هذا الضرب من الأسئلة لدليل قاطع على وعي ابن سلاّم باختلاف الجودة الشعريّة، وعلى ملاحقة مضنية أقامها على عاتقه صاحب الطبقات لمحاولة محاصرة مفهوم الجودة إلاّ أنّه عجز عن ذلك. واكتفى باستعراض حجج أهل العلم بالشعر وأحكامهم النقديّة.
كما أنّ تقليبنا النظر في كتاب “طبقات فحول الشعراء”، يكشف لنا أنّ مشروع الجمحي قد خرج عن مفهوم الطبقة الذي أعلنه صاحب الطبقات في البداية. وبذلك يكون ابن سلاّم قيّد نفسه بفكرة الطبقة. فأضحى هذا المصطلح بمثابة الطوق الذي أحكم قبضته على صاحبه. وضيّق عليه من حيث لا يدري. إذ أنّه خرج على المستوى الإجرائي، عن الغاية المرسومة في المستوى التنظيري. فالرّجل كان يروم إنجاز رصيد شعري مرجعي، يكون منطلقا يؤسّس نشأة علم النقد، ولا يؤسّس سلطة النقد على بقيّة النصوص.
فهل يكون هذا الضرب من التناقض ناتجا عن صرامة هذا التصنيف في معاييره وأحكامه. وهل يكون ذنب الجمحي أنّه كان صارما في تصنيفه، محكما في التأسيس. فمهّد بذلك لانغلاق المدونة النقدية على نفسها، “انغلاقا أضحت معه كأعجز ما تكون عن إدراك المسارات الجديدة التي يتّخذها الإبداع. إذ تحكّمت العادة. وشاع الرّسم. واستحالت تجربة الأسلاف سلطة إبداعيّة لا يؤدّي التفكير في تجاوزها إلاّ إلى الإفراد من ملكوت الشعر، كما أنّ ترسّم خطاها لا يؤدّي إلاّ إلى محاكاتها محاكاة لن تبلغ فيها النسخة الأصل أبدا”[52]. ولمّا كان كلّ نص مستوعبا لما قبله ومنْفتحا عمّا بعده، فإنّ نص ابن قتيبة مثّل صيرورة توليديّة مزدوجة، يتمثّل وجهها في هضم ما ذكره سابقوه عن الطبقة، ويقوم قفاها على تنقيح ذلك التقنين، لذلك بدت مساهمة ابن قتيبة وليدة مدارسة عميقة، واستفادة من نظام الطبقات لدى ابن سلاّم.
والناظر في كتاب “الشعر والشعراء”، يقرّ بأنّ ابن قتيبة نسج على منوال ابن سلاّم في اعتماد المقياس الزمني، فأورد أخبار الشعراء الجاهليّين، ثم ترجم لشعراء أهل الإسلام والمحدثين. ولمّا كان التنظيم الداخلي الذي اعتمده ابن سلاّم داخل الطبقة الواحدة حادّا صارما وضيّقا، إذ لم يقدر على استيعاب ما في داخله من شعراء، فإنّ ابن قتيبة قد حاول التخلّص ممّا يمكن أنْ نسميه “السياج الجمحي”. فتخلّى عن فكرة تصنيف الطبقة إلى أربعة شعراء. وألغى هذا التصنيف الرّباعي، فأتى بأخبار الشعراء الواحد تلو الآخر. وبذلك يكون ابن قتيبة قد ألغى المقياس الأفقي. فغدا مصطلح الطبقة عنده مرادفا لـ “أخبار الشعراء”.
وبهذا اتّسم نص ابن قتيبة على المستوى الإجرائي بمرونة في مقابل صرامة نص ابن سلاّم. إذ يدور كتاب “الشعر والشعراء” في فلك مقياس عمودي أساسه المفاضلة بين الشعراء. وقد أخضع ابن قتيبة الشعراء لهذا التصنيف، فانتظموا في شكل طبقات. والناظر في تضاعيف الكتاب، يكتشف اقتفاء ابن قتيبة أثر ابن سلاّم، إذ أنّه قدّم إمرأ القيس على بقيّة الشعراء. فاستهلّ كتابه بذكر أخباره وأشعاره، ونزّله المنزلة الأولى في طبقاته، فيقول: “هو أمرؤ القيس بن حجر بن عمرو الكندي وهو من أهل نجد من الطبقة الأولى”[53].
والناظر في كتاب “الشعر والشعراء”، يلفت انتباهه التزام ابن قتيبة بما أعلنه في مقدّمته. ويتراءى لنا ذلك خاصّة في بعض المواضع، حيث يصدّر الأبيات الشعريّة، بعبارات من قبيل: “وممّا يستجاد له”، و “ممّا يختار له”، و”يستحسن قوله …” و “من جيّد شعره قوله “، وكذلك حين يأخذ على عاتقه أن يبين أغاليط الشعراء، وما يأخذه عليهم العلماء. فيقول: “ومن إفراطه قوله”…..، و “من خبيث الهجاء قوله…”، و “ممّا أخذ عليه قوله…”، وهو موقف لا يخلو من الذاتية تكشفه هذه الصيغ اللغويّة المستعملة. وفي سياق ذكر أخبار النابغة الذبياني، يسوق ما يلي: “وكان يقْوِي في شعره فعيب ذلك عليه وأسمعوه في غناء”[54].
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الصفات والنعوت الحاملة لتقييمات مدحية أو قدحية، والدالة على استحسان أو استهجان، يعتمدها ابن قتيبة في تقييمه لأشعار القدامى تعبر عن موقفه من محتوى تلفظه، وقد عمد بنفينيست إلى ربط وجود الذاتيّة بالصيغ اللغويّة، وحصر الذاتيّة في أنّها “ليست سوى قدرة المتكلّم على أنْ يطرح نفسه ذاتا، واللغة هي التي نبحث فيها عن أسس هذه القدرة”[55]. ولهذا المفكر الفضل في إعطاء مفهوم الذاتيّة وضعا لسانيّا، وذلك “بإدخاله مفهوم التلفّظ والذاتيّة في اللغة بين أنا وأنت”[56]، خاصة وأنّ الوعي بالذات عند التلفّظ حسب بنفينيست لا يمكن أن نشعر به إلا بإجراء مقابلة بين “أنا” و”أنت”[57]، لأنّهما لا يتطابقان بلْ إنّ كليهما ينجز عملا لغويّا مخالفا لعمل الآخر. وقد توصل أ.كوليولي A. Culioli من بعده إلى إجراء مصطلح التلفظ المشترك، ويندرج هذا المفهوم في إطار التصوّر التفاعلي للغة الذي “يرى أنّ كلّ خطاب هو بناء جماعي”[58]، على حد تعبير كاترين كربرا أوركيوني، التي واصلت في كتابها “التعبير عن الذاتيّة في اللغة”[59]، عمل بنفينيست مستعرضة مجالات حضور الذاتيّة في اللغة، ومواطن تسجيل ذات المتلفّظ في الملفوظ، من خلال القرائن الإشاريّة والألفاظ العاطفيّة والأحكام القيميّة وغير القيميّة والموجّهات. “وقد ألحّت على ما يقع فيه مفهوما الذاتيّة والموضوعيّة من التباس، وأفضى كتابها إلى الاستنتاج أنّ الذاتيّة قائمة في كلّ شيء، وأنّ كلّ الخطابات موسومة ذاتيّا، لكن بدرجات وأشكال شديدة التنوّع”[60].
أفلا يحقّ لنا من هذه الوجهة اللسانيّة أنْ نعتبر أنّ الذاتيّة تهيمن على النصوص، فحيثما ولّينا وجوهنا، فثمة ذاتيّة المتكلّم تطرح دائما في خطابه، وذلك لأنّ الذات الناطقة تسجّل دائما حضورها في ملفوظها. من هذا المنطلق إلى أيّ مدى يمكن أنْ نتحدّث عن نقد موضوعي تغيب فيه ذاتيّة الناقد المتلفّظ عن ملفوظه؟
والناظر في كتاب “الشعر والشعراء”، يلفت انتباهه عدم التزام ابن قتيبة بما أعلنه في مقدمته النظرية من أنه لن يعنى بالمقياس الكمّي، إلاّ أنه على المستوى الإجرائي أخّر بعض الشعراء الجاهليين ونزّلهم في طبقات الشعراء المحدثين. ويمكن أن نردّ هذا الصنيع إلى قلّة أشعارهم، فهذا حصين بن الحمام يترجم له ابن قتيبة بعد سبعة وعشرين ومائة شاعر ويسوق ما يلي “وقال أبو عبيدة: اتّفقوا على أنّ أشعر المقلّين في الجاهلية ثلاثة: المسيّب بن علس والمتلمّس، وحصين بن الحمام المريّ”[61]. وهو بهذا الصنيع ينسج على منوال ابن سلام في طبقاته.
إنّ فضْل صاحب كتاب “الشعر والشعراء”، يكمن في إضافة الشعراء المحدثين إلى المدوّنة الشعريّة الأم. إذ أنّ وعيه الزمني سمح له بإدراك أنّ المسألة لا تتعلّق بمحاكاة لن تبلغ فيها النسخة الأصل. لذلك كان يروم من وراء مؤلّفه خرق ذلك التسييج الضيّق الذي أقامه المشروع الجمحي حوْل مملكة “شعر الفحول”، فبدا في كتابه غير مقيّد بفكرة الطبقات مثل الجمحي، ومحاولا التحرّر النسبي من هذا “السياج الجمحي” الذي أحدثه ابن سلاّم في طبقاته.
ولا يمكن أن يعزب عن القارئ أنّ تعامل النقاد القدامى مع النص الشعري القديم تعامل وظيفيّ ميتافيزيقيّ. فبدا لنا الناقد القديم صارما في تعامله مع الشاعر المحدث، ملزما إيّاه أن يحتذي على مثال الأوائل، ويقتفي أثرهم. فعلى الشاعر المجيد حسب النقاد القدامى أن يسلك مسلك المجيدين الأوائل حتّى لا يطرد من ملكوت الشعر. ومن هنا ندرك جليّا إذن: “أنّ الذي لا يمكن أن يستمرّ، وعلينا أن نشرع في خلخلته والانعتاق من سلطانه وأسيجته، ليس النص الإبداعي القديم، وإنّما هو كيفيّة قراءة العرب القدامى لذلك النصّ. لأنّ تلك القراءة لم تكن بريئة إطلاقا إنّها توهم بأنّها تكشف عن أدببّة النص القديم فيما هي تحرص على تدجينه، وترويضه واحتوائه، ولجم المتوحّش فيه بتغييب متخيّله”[62].
ولمّا كانت المقدمة “عبارة عن تعاقد ضمني أو صريح بين الكاتب والمتلقي”[63]. فإنّنا من هذه الوجهة يجوز لنا أن نتساءل عن مراتج النقد وبالتالي عن سلطة المقدمة على متلقيها؟، ذلك أنّ الخطاب المقدماتي بما هو صنف من النصوص المصاحبة لنصوص المتن، تستحيل نصوصا مسيّجة للإبداع، تخنق الشاعر المحدث، بجملة من المقرّرات والقوانين عليه أن يلتزم بها. فيحتذي حذو المدوّنة الشعريّة الأمّ. ولا يخرج عليها لذلك تستحيل المقدمة في النقد العربي القديم ضربا من البيان الصّارم يختزن رؤية المؤلف ومواقفه.
ولقد أدّى بنا هذا البحث في المقدمة من زوايا مختلفة إلى الإعلاء من شأن حواريّة العلاقة التي تصل النصّ بعتباته، وتقرّ بسلطة المقدمة على متنها، لذلك فإنّ دراسة الخطاب المقدماتي تقتضي ضرورة ربط المقدمة بمتنها، لعلنا نظفر بتحليلات شافية، وأنّ دراسة المقدمة معزولة عن متنها يجعلها مبتورة مشذبة منقوصة النتائج. ولمّا كان المتن قد استوى المتحقّق الإجرائي لمشروع نظري وارد في المقدمة، فإنّ دراسة درجة العدول عن المقدمة أهمّ في نظرنا من الغوص في المقدّمة بمعزل عن المتن.
لقد أسفرت قراءة هذه المقدمات النقدية في الخطاب النقدي العربي القديم، على أنّ أهميّة عتبة المقدمة لا تكمن في مجرّد اعتبارها تتصدّر الكلام، وهي مفتتح القول فحسب، بل لأنّها أيضا تمتلك سلطة على قارئها من خلال توجيه عمليّة الفهم والتفسير والتأويل. لذلك فإنّ “الاعتبار التّصديري والافتتاحي الذي تمتلكه المقدمة، هو اعتبار يمنحها سلطة توجيه القراءة”[64]. لذلك كانت من أوْكد غايات هذه القراءة النقديّة إعادة الاعتبار لهذه المقدمات النقديّة، باعتبارها مداخل وعتبات نصيّة برهنت لقارئها على مقدرتها على الكشف عنْ دلالات النص، وعنْ مقاصد المؤلف الدلاليّة، وعنْ منهجه في الدراسة وأدواته الإجرائيّة. فمنْ لا يفهم غايات المؤلّف ومقاصده يبقى عالقا، يقف خارج حيّز النص. “ومن لا ينتبه إلى طبيعة ونوعيّة العتبات، يتعثّر بها. ومن لا يحسن التمييز بينها من حيث أنواعها وطبائعها ووظائفها، يخطئ أبواب النص، فيبقى خارجه أوْ حتى عندما يدخل إليه يبقى خارج فضاء النص”[65]. لذلك حذّرنا جيرار جنات في كتابه “العتبات” من العتبات النصيّة[66].
قائمة المصادر والمراجع:
المصادر:
- الجمحي (محمد بن سلام)، كتاب “طبقات فحول الشعراء”، تحقيق: محمود محمد شاكر، القاهرة: مطبعة المدني،ط2، 1974،(مجلدان).
- ابن قتيبة (أبو محمّد عبد الله بن مسلم)، كتاب “الشعر والشعراء”، تحقيق: أحمّد محمّد شاكر، القاهرة: دار المعارف، ط2، 1966، (جزئيْن).
المراجع العربية:
- ابن خلّكان (أبو العبّاس شمس الدين)، “وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزّمان”، تحقيق: إحسان عبّاس، بيروت: دار صادر للطباعة والنشر، 1968.
- ابن منظور (أبو الفضل جمال الدين)، “لسان العرب”، إعداد: يوسف الخياط، بيروت: دار الجيل + دار لسان العرب،1988.
- الأصمعي (أبو سعيد عبد الملك)، فحولة الشعراء”، تقديم: صلاح الدين المنجد، بيروت: دار الكتاب الجديد، 1971.
- أوريكيوني (كاترين كربرا)، “فعل القول من الذاتيّة في اللغة”، ترجمة محمد نظيف، المغرب: دار إفريقيا الشرق، 2007.
- الباقلاّني (أبو بكر)، كتاب التمهيد، تصحيح: الأب رتثرد يوسف اليسوعي، بيروت: المكتبة الشرقيّة، 1957.
- بلال (عبد الرزاق): “مدخل إلى عتبات النص: دراسة في مقدمات النقد العربي القديم”، بيروت: إفريقيا الشرق، 2000.
- بلعابد (عبد الحق)، “عتبات جيرار جينت من النص إلى المناص”، الجزائر: منشورات الاختلاف، ط1، 2008.
- التونجي (محمد)، “المعجم المفصّل في الأدب”، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1993.
- الحجمري (عبد الفتّاح)، “عتبات النص: البنية والدلالة”، الدار البيضاء، منشورات الرابطة، ط1، 1996.
- زغدود (لمياء): “في تلقي الشعر العربي القديم: تلقي القدامى شعر الحسين بن الضحاك”، تونس: دار زينب للنشر والتوزيع، ط1، 2020.
- زغدود (لمياء): “نظام الطبقات عند “ابن سلاّم” و”ابن قتيتة” و”ابن المعتزّ”، رسالة الأستاذيّة، إشراف الدكتور: توفيق الزيدي، كليّة الآداب بمنوبة، 1998.
- الزيدي (توفيق): “تأسيس الخطاب النقدي (أطروحة الجمحي)”، الدّار البيضاء: عيون المقالات ،1989.
- الزيدي (توفيق): “جدليّة المصطلح والنظريّة النقديّة”، تونس: قرطاج 2000، ط1، 1998.
- الزيدي (توفيق): “مفهوم الأدبية في التراث النقدي إلى نهاية القرن 4″، الدار البيضاء، عيون المقالات، 1989.
- شارودو (باتريك) ومنغنو (دومينيك)، “معجم تحليل الخطاب”، ترجمة: عبد القادر المهيري وحمادي صمود، مراجعة: صلاح الدين الشريف، تونس، دار سيناترا، 2008.
- القلقشندي (أحمد)، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، شرح: يوسف على طويل، بيروت: دار الكتب العلميّة، ط1، 1987.
- مبخوث (شكري)، “جمالية الألفة: النص ومتقبله في التراث النقدي”، قرطاج: بيت الحكمة، 1993.
- مجالي (جهاد)، “طبقات الشعراء في النقد الأدبي عند العرب حتى نهاية القرن الثالث الهجري”، بيروت: دار الجيل 1992.
- وهبة (مجدي) والمهندس (كامل)، “معجم المصطلحات العربيّة في اللغة والأدب”، لبنان: مكتبة لبنان، ط2، 1984.
- يعقوب (إميل بديع) وعاصي (ميشال)، “المعجم المفصّل في اللغة والأدب”، بيروت: دار العلم للملايين، ط1، 1987.
- اليوسفي (محمد لطفي)، مقال: “فتنة المتخيّل وسلطان القدامة”، مجلّة كتابات معاصرة، عدد24، 1995، ص56-61.
المراجع الأجنبيّة:
- Benveniste(Emile): «problème de linguistiques générale» ; t2 ; Paris ; Gallimard; 1974.
- Derrida (Jacques): «dissémination» ; Paris ; éditions du Seuil ; 1972.
- Dictionnaire d’Analyse du Discours ; Charadeau (Patrick) et Maingueneau (Dominique); Paris; Editions de Seuil; 2002.
- Genette (Gérard): Palimpsestes: la littérature au second degré: paris; édition du seuil; 1982.
- Genette (Gérard): Seuils; Paris; 1éditions du seuil; 1987.
- Genette (Gérard): Poétique: Paratextes, Paris éditions, du Seuil, N6; 1987.
- Genette (Gérard): Introduction à l’architexte, Paris, 3édition du Seuil, 2004.
- Lecomte (Gerard); Ibn Qutayba; l’homme; son œuvre; ses Idées; Damas; Institut Français; 1965.
- Le Robert: dictionnaire de la langue française; Paris; 1987.
- Orecchioni (Catherine Kerbrat); l’énonciation de la subjectivité dans le langage; paris; édition; Armond Colin.
-[1]ابن منظور، لسان العرب، إعداد: يوسف الخيّاط، بيروت، دار الجيل + دار لسان العرب، 1988، المجلّد الثالث، ص36.
-[2] مجدي وهبه وكامل المهندس، معجم المصطلحات العربيّة في اللغة والأدب، بيروت، مكتبة لبنان، ط2، 1984، ص380.
-[3] إميل بديع يعقوب وميشال عاصي، المعجم المفصّل في اللغة والأدب، بيروت ، دار العلم للملايين، ط1، 1987، المجلّد الثاني، ص1187.
-[4]محمّد التونجي، المعجم المفصّل في الأدب، بيروت ، دار الكتب العلميّة، ط1، 1993، ج II، ص818.
-[5] معجم المصطلحات العربيّة في اللغة والأدب،ص380.
-[6] معجم المصطلحات العربيّة في اللغة والأدب، ص 104، وقد ورد فيه تعريف التصدير بأنّه: “كلمة يكتبها المؤلّف في أوّل كتابه يعبّر فيها عن ملاحظات شخصيّة موجّهة إلى قارئ الكتاب وتنتهي عادة بفقرة فيها الشكر للأشخاص والهيئات التي ساعدت المؤلف في بحثه” /+ راجع أيضا: المعجم المفصّل في اللغة والأدب، ج 1، ص394.
-[8] المعجم المفصّل في اللغة والأدب، ج1،ص255، وتجدر الإشارة أيضا إلى أنّنا حين نقرّ وجود فوارق وحدود تفصل مصطلح المقدمة عن بقيّة المصطلحات التي تدور في فلكها، فإنّنا بذلك نخالف عبد الرزّاق بلال في الرأي إذ نجده يصرّح بالقول التالي: “أمّا مصطلحات “التمهيد” و”المدخل” والتصدير فغالبا ما ترد متلازمة ولا تكاد في معناها العام تخرج عن مفهوم المقدّمة”، كتاب: “مدخل إلى عتبات النصّ: دراسة في مقدّمات النقد العربي القديم، بيروت: إفريقيا الشرق، 2000،ص36.
-[9] المعجم المفصّل في اللغة والأدب، ج1، ص294.
-[10] ما يجدر ذكره هو أنّ ” كتاب التمهيد ” هو العنوان الشائع له نتيجة ذيوع صيته وكثرة استعماله. أمّا عنوان الكتاب الاصلي فهو: “كتاب تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل”.
-[11] أبو بكر الباقلاني، كتاب التمهيد، تصحيح: الأب رتثرد يوسف اليسوعي، بيروت: المكتبة الشرقيّة، 1957، ص378.
-[12] يشير ابن خلّكان هنا إلى كتاب إصلاح المنطق لابن السكيت.
-[13] أبو العباس شمس الدين بن خلّكان، “وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان”، حقّقه: إحسان عبّاس، بيروت: دار صادر للطباعة والنشر، 1968، المجلد الثالث، ص43.
-[14] أحمد القلقشندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، شرح: يوسف علي طويل، بيروت: دار الكتب العلميّة، ط1، 1987، الجزء السادس، ص267.
-[15] المرجع نفسه، ج6، ص262 + ويستعمل أيضا القلقشندي لفظة “مقدمة” في موضع آخر من الكتاب قائلا : ” وقد تقدّم في مقدّمة الكتاب أنّ صاحب ديوان الإنشاء هو الذي يعنوْن الكتب السلطانيّة، وأنّها كانت لا تعنون قبل كتابة السلطان عليها علامته”، المرجع نفسه، ج6، ص337.
-[16] القلقشندي، المرجع نفسه، ج 6، ص267.
-[17] القلقشندي، المرجع نفسه، ج6، ص267-268.
[18]-Gérard Genette, palimpsestes : la littérature au second degré, Paris : éditions du Seuil,1982, p7
-[19]وهذه المقوّمات الخمسة ضبطها جيرار جنات وفق بنية تصاعديّة وهي على النحو التالي:
التناصيّة = Intertextualité.
نصيّة مصاحبة = Paratextualité.
نصيّة واصفة Métatextualité = .
نصيّة لاحقة Hypertextualité = .
نصيّة جامعة L’architextualité =.
راجع المرجع نفسه، ص8-11.
[20]– Poétiqueالشعريّة, Paratextes, paris, éditions du Seuil, N°6, février, 1987, p3
-[22] راجع سعيد يقطين في تقديمه لكتاب “عتبات (جيرار جينيت، من النص إلى المناص)، الجزائر: منشورات الاختلاف، ط1، 2008، ص14.
[23]– Gérard Genette, figure1, figure2, figure3, Paris, éditions du Seuil1966, 1969 :1972.
Gérard Genette, Introduction à l’architexte, Paris : 3édition du Seuil: 2004.
Gérard Genette, palimpsestes (la littérature au second degré), Paris :Edition du Seuil :1982,
[24]– Gérard Genette, «Seuil»: Paris; 1édition du Seuil: 1987.
-[25] راجع سعيد يقطين في تقديمه لكتاب “عتبات (جيرار جينيت، من النص إلى المناص)، مرجع سابق ص7-8.
-[26]راجع عبد الحق بلعابد، عتبات (جيرار جينيت من النص إلى المناص)، ص107-123.
[27]-Gérard Genette, «Seuil», Pp. 164-296.
[28]– عبد الحق بلعابد، مرجع سابق، ص119.
-[29] عبد الحق بلعابد، مرجع سابق،ص29. وراجع أيضا:
-Jacques Derrida, «La dissémination», Paris, édition du Seuil, 1972, Pp. 9-76.
[30]– Jacques Derrida, «La dissémination», Pp25-26.
– وراجع أيضا:
-Gerard Genette, «Seuil» Pp146-165.
-[31] ابن منظور، لسان العرب المحيط، المجلد الرابع، ص 674 وراجع أيضا: مؤنس رشاد الدين، القاموس الكامل المرام في المعاني والكلام، بيروت: طبعة 1، 2000، ص565.
-[32] شكري مبخوت: “جمالية الألفة”: النصّ ومتقبله في التراث النقدي، قرطاج: بيت الحكمة، 1993،ص58-59.
-[33] راجع “طبقات فحول الشعراء”، ص3.
-[34] مقدمة طبقات فحول الشعراء، ص24.
-[35] راجع الأصمعي، فحولة الشعراء، ص12، ص16.
-[36] مقدمة “طبقات فحول الشعراء” ص49-50.
-[37] عبد الرزاق بلال، مدخل إلى عتبات النص، ص41.
-[38] نشير في هذا السياق أنّ الأصمعي في كتابه “فحولة الشعراء” عمل على تثبيت مرجعيّة الشعراء الجاهليين والمخضرمين وأقصى المولّدين. إذ يورد تلميذه أبو حاتم السجستاني قوله: “حدّثنا الاصمعي قال: الكميت بن زيد ليس بحجّة لأنّه مولّد، وكذلك الطّرمّاح، وقال: وذو الرمّة حجّة لأنّه يروي ولكن ليس يشبه شعره شعر العرب”، ص20.
-[39] مقدمة “الشعر والشعراء”، ابن قتيبة، تحقيق: أحمد محمد شاكر، القاهرة: دار المعارف، ط2، 1966، ص72.
-[40] مقدمة الشعر والشعراء، ص62.
-[41] إنّ رغبة ابن قتيبة في إنصاف حركة الشعر المحدث تظهر في مواضع عديدة من المقدمة. فنجده يقول في ص63″فكل من أتى بحسن من قول أو فعل ذكرناه (له). وأثنينا به عليه. ولم يضعْه عندنا تأخّر قائله أو فاعله ولا حداثة سنّه كما أنّ الرّديء، إذا ورد علينا للمتقدم أو الشريف لم يرفعه عندنا شرف صاحبه ولا تقدّمه”.
-[42] مقدمة الشعر والشعراء، ص62-63.
-[43] مقدمة الشعر والشعراء، ص76.
-[44] راجع، في هذا الإطار كتابنا وعنوانه “في تلقي الشعر العربي القديم: تلقي القدامى شعر الحسين بن الضحاك، تونس، دار زينب للنشر والتوزيع، ط1، 2020، ص135-136.
-[45] مقدمة الشعر والشعراء، ص76.
-[46] راجع، توفيق الزيدي، تأسيس الخطاب النقدي، ص43.
-[47] ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ص59.
-[48] كتاب طبقات فحول الشعراء، الجزء الأوّل، ص66.
-[49] توفيق الزيدي، “مفهوم الأدبيّة في التراث النقدي إلى نهاية القرن 4 هـ ، الدار البيضاء: عيون المقالات، 1989، ص19.
-[50] طبقات فحول الشعراء، الجزءI، ص97.
-[51] طبقات فحول الشعراء، ص97.
-[52] شكري المبخوت، جمالية الألفة، ص106.
-[53] كتاب الشعر والشعراء، ص105.
-[55]راجع معجم تحليل الخطاب، ص536.
-[56] راجع معجم تحليل الخطاب، ص469.
[57]– Benveniste Emile, problèmes de linguistique générale II, Paris, Gallimard, 1974, pp.67-70.
-[58] راجع دومينيك مانغونو، المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب، ترجمة: محمد يحياتن، الجزائر، منشورات الاختلاف والدار العربية للعلوم، ط1، 2008، ص17.
[59]– C.K. Orecchioni, l’énonciation de la subjectivité dans le langage, Edition : Armond colin; Paris, 1980.
-[60] معجم تحليل الخطاب، ص537.
-[61] كتاب الشعر والشعراء، ص648.
-[62] محمد لطفي اليوسفي، مقال: “فتنة المتخيّل وسلطان القدامى”، مجلة كتابات معاصرة، عدد 24، 1995، ص57.
-[63] عبد الرزّاق بلال، مدخل على عتبات النص، ص37.
-[64] عبد الفتّاح الحجمري، عتبات النص: البنية والدلالة، الدار البيضاء:منشورات الرابطة، ط1، 1996.
-[65]سعيد يقطين، مقدمة كتاب “عتبات جيرار جينيت من النص إلى المناص”، ص15.
[66]– Gérard Genette, Seuils, p413.