ملخّص:
لقد عوّل أنصار السّلفيّة الجهاديّة على أثر الخطاب في المتلقّي، ذاك أنّ الخطاب بما حواه من دلالات القول هو إنجاز وفعل. وهو ما أثبته أوستين في كتابه الموسوم بـ “أفعال الكلام: إنجاز الفعل بالكلام”. وفي هذا الإطار تخيّرنا أن ندرس استراتيجيّات الخطاب وتناميه وتدرّجه عند منظّر السّلفيّة الجهاديّة “أبي محمد عاصم المقدسي”. عسى أن نكشف عن خططه في صناعة التّطرف دون وعي المتلقي وتفطنه لذلك. سيّما أنّ المتكلّم متمرّس بفنون الخطابة وانتقاء اللفظ وسبكه في العبارة سبكا يستميل السّامع ويملكه. فصناعة التطرّف في خطاب المقدسي تكشف بعدا حجاجيّا بإبراز استراتيجيّات الإقناع وآليات توظيفها أسلوبيا ودلاليا وتطويع مضامين اللغة التي تثيرها، لنقف عند خطورة التأويل واحتكار المعنى وتوظيفه نظريا وإجرائيا من خلال توجيه السّياق والمقام في إنتاج كلّ ذلك. ويبدو وعي المقدسي بهذا الأمر شديدا إذ حرص على اجتثاث الدلالات من سياقها الأصليّ وإحلالها في سياقات أخرى لإنشاء معان محدّدة. ينضاف إلى كلّ ذلك قدرته على تخيّر الحجج وتنظيمها تنظيما محكما يؤدّي بالضّرورة إلى عنف التّأويل وتطرّف التّفكير. فكان يستقي حججه من القرآن أو السنّة أو الأقوال المأثورة أو أقوال العلماء رابطا الجسور بين مقالة السّلفيّ الجهاديّ ومعنى النصّ الموظّف. وبالتّوازي يعوّل في إنتاج خطابه على هشاشة تكوين المتلقي معرفيا ودينيا ويعوّل على التلاعب بالعواطف والميولات لضمان التّأثير وحشد الجماهير. ممّا يجعلنا نتبيّن طرائق توظيف الدّلالة عند السّلفيّة الجهاديّة. فمنها وظائف حجاجيّة متّصلة بالمفردة (الصّوت والاشتقاق والمعجم)، وبالجملة من خلال نسقها وأسلوبها.
الكلمات المفاتيح: تطرّف- السّلفيّة الجهاديّة- المقدسيّ- الطّاغوت- عنف التّأويل- الجهاد- الزّرقاوي.
Abstract:
The Salafi-jihadist followers have relied on the impact of discourse on the recipient, as the discourse, with its inherent implications, is considered an achievement and an action. This notion is supported by Austin in his book How to Do Things with Words. In this context, we choose to study the strategies of discourse, its growth, and progression according to the perspective of the Salafi-jihadist thinker “Abou Mohammed Asim al-Maqdisi.” Through this study, we aim to uncover his plans for manufacturing extremism without the awareness or realization of the recipient, especially considering the speaker’s expertise in rhetoric, word selection, and eloquent expression, which captivate and influence the listener. The manufacture of extremism in al-Maqdisi’ s discourse reveals persuasive strategies and the mechanisms employed stylistically and semantically by adapting and manipulating the language’s content. We must address the danger of interpretation, monopolizing meaning, and employing it theoretically and procedurally by directing context and perspective to produce such outcomes. Al-Maqdisi demonstrates a strong awareness of this matter as he removes meanings from their original context and places them in different contexts to create specific concepts. Additionally, he possesses the ability to select and organize arguments in a precise manner that inevitably leads to extreme interpretations and radical thinking. He draws his arguments from the Qur’an, Sunnah, established sayings, or the words of scholars, establishing a connection between the Salafi-jihadist article and the intended meaning of the employed text. Simultaneously, in producing his discourse, he relies on the vulnerability of the recipient’s knowledge and religious background, manipulating emotions and inclinations to ensure influence and mass mobilization. This prompts us to analyze the employment of signification by Salafi-jihadists, including the functions related to individual words (sound, derivation, and lexicography) and entire sentences through their structure and style.
Keywords: Extremism – Salafi-jihadism – al-Maqdisi – Taghut – Interpretation violence – Jihad – Zarkaoui.
1- مقدّمة:
لا يُعدّ التطرّف في أيّ خطاب تكفيريّ ظاهرة منفلتة في أسلوب منشئها وفي مضامين مقاصده. ذاك أنّ التطرّف خيار ذاتي في الخطاب، يقتضي صناعة في مستويين يتصل أوّلهما بالأسلوب وباللغة اللتين يتوسّل إليهما المخاطِب وبالمعجم الذي يستأنس به. وينتقي من خلاله العبارة الموائمة لإقناع المتلقي. ويشمل المستوى الثّاني كيفية تنظيم الحجج وتوجيه المعنى من خلال توظيف السياق وتأويل الدلالة.
وعليه اخترت الاشتغال على مظاهر صناعة التطرّف في خطاب محمد أبي عاصم المقدسي[1]، وتتبّع الخلفيات الايديولوجية والحجاجيّة الكامنة وراء هذا الخطاب، عسى أن أكشف في النهاية طموح المقدسي من وراء تبني التطرّف وصناعته، وأثير قضية توظيف الدين عند الجماعات المتطرّفة. إذ أنها تعوّل في إنتاج خطابها على هشاشة تكوين المتلقي معرفيا ودينيا وتعوّل أيضا على التلاعب بالعواطف والميولات لضمان التأثير وحشد الجماهير.
يقتضي الحديث عن صناعة التطرّف في خطاب المقدسي كشفا عن البعد الحجاجي فيه من خلال إبراز استراتيجيّات الإقناع وآليات توظيفها أسلوبيا ودلاليا وتطويع مضامين اللغة التي تثيرها. وغايتنا بعد كلّ ذلك هي الوقوف عند خطورة التأويل واحتكار المعنى وتوظيفه نظريا وإجرائيا من خلال توجيه السّياق والمقام في إنتاج كلّ ذلك.
تكمن إذن خطورة التأصيل في المقالات الجهاديّة في بعدها الحجاجيّ، وما يوفّره من طاقة إقناعيّة تستفزّ الأبعاد المقدّسة في النصّ الموظّف، لما لها من تأثير في الضمير الجمعيّ للمسلمين. سيّما في هذا الظرف الحضاريّ الذي تبحث فيه الذات المسلمة عن تجذير هويتها الإسلاميّة، وعن موقع لها بين الأمم المتقدّمة حضاريا. وهو ما دفعنا إلى الاشتغال على صناعة التطرّف في خطاب المقدسي.
انطلاقا من ذلك عزمنا أن ننظر في مباني النصّ التّأصيلي للموظّف في مقالة التطرّف سواء شمل هذا النصّ القرآن أو السنّة أو الأقوال المأثورة أو أقوال العلماء مبيّنين الجسور التي أوجدها السلفيّ الجهاديّ بين مقالته ومعنى النصّ الموظّف.
وانطلاقا من ذلك ارتأينا أن نقسّم البحث قسمين كبيرين، يتعلّق أوّلهما بدراسة سياق النصّ السلفي إذ السّياق حاضن للدلالة وقادح لتوليد المعنى الأول في النصّ وانقداح الفكرة في ذهن المتكلّم ووجدانه. ويتّصل القسم الثّاني بمسالك توظيف الدّلالة عند السلفيّة الجهاديّة. وفيه سندرس الوظائف الحجاجيّة المتّصلة بالمفردة في مستويات ثلاثة هي الصوت والاشتقاق والمعجم. ثمّ نكشف عن هذه الوظيفة الحجاجيّة في الجملة من خلال نسقها وأسلوبها
فكيف وُظّفت الطاقة النّحويّة والدّلاليّة في النصوص الكاشفة عن تطرّف أفكار المقدسي؟ وكيف ساهمت هذه التراكيب والدّلالات في نشر الأبعاد التداوليّة والإقناع بها؟
2- في السّياق التّاريخيّ والفكريّ لنصّ المقدسيّ:
من المعلوم عند المشتغلين بتحليل الخطاب والمعنيين بالمقاربات الدّلالية والتداوليّة أنّ معرفة سياق النصّ شرط أساسيّ لفهم إمكانات الخطاب المحتملة في ثنايا تركيبه اللغوي ونسيجه الدّلالي. ذلك أنّ النصّ محكوم بحال منشئه، وبالأوضاع التاريخية الحافّة به. ولا يمكن الحديث بأيّة حال عن نصّ متنطّع عن سياقه منفلت من أسباب إنشائه، وانطلاقا من هذه القناعة فقد جاز لقارئ كتاب “وقفات مع ثمرات الجهاد” أن يعدّه خواطر من أدبيات السّجون فقد ألّفه صاحبه سنة 1425ه/ 2004م في سجن “قفقفا”[2] بجرش[3] بالمملكة الأردنيّة مسقط رأس المقدسي وذلك بعد أحداث ما يعرف بقضيّة المفرق.
لم تمض ثلاث سنوات على وقع أحداث سبتمبر 2001، تلتها أحداث إسقاط نظام صدام حسين واحتلال القوات الأمريكية بغداد سنة2003 وما واكبها من عمليات تفجيرية في العراق بقيادة “أبو مصعب الزرقاوي”[4] تلميذ المقدسي ومتبني العمليات التفجيريّة. في هذه الفترة كان المقدسي لا يخرج من السّجون الأردنيّة إلاّ ليعود إليها. يقول محمّد أبو رمّان وحسن أبو هنيّة: “لم تخل تجربة المقدسي من الصّدامات والمواجهات مع الحكومة الأردنيّة. فقد أمضى أغلب سنوات حياته منذ1994 في المعتقلات والسجون الأردنيّة على خلفيّة علاقاته بمجموعات محليّة مسلّحة فضلا عن اتّهامه بالتأثير على أفراد قاموا بعمليّات مسلّحة داخل دول عربيّة أخرى”[5].
في ظلّ هذه الأحداث الإقليميّة والمحليّة كانت وقفات المقدسي في سجن “قفقفا”، وقد اخترنا دراسة الوقفة السابعة عشر لأنّها في تقديرنا تتويج للوقفات السّابقة، إذ وردت قبل الوقفة الأخيرة. وقد أضاف المؤلّف بعد ذلك الوقفة التاسعة عشر سنة2007م. ولعلّ أهمّ ما يُلفت النّظر في هذه الوقفة هو العنوان، فهو العتبة الرّئيسيّة للولوج إلى عالم النصّ. وهي اختصار لدلالته ومقاصد المؤلّف فيه. إذ ورد مركّبا إضافيّا كان فيه المضاف مصدرا لفعل مزيد مضاعف (قزّم). وهو فعل يدلّ على المبالغة في القيام بالفعل مبالغة فيها استهجان واستصغار، بينما ورد المضاف إليه مصدرا تحيل دلالته على قيمته الدينيّة المقدسّة.
لقد اعتبر الجهاد ركنا أساسيّا من أركان العقيدة عند بعض الفرق. واتّخذته الحركات السلفيّة ركيزة في دعوتها المسلّحة القائمة على تكفير المختلف وضرورة إبادته وسفك دمه[6].
وانطلاقا من ذلك كان عنوان الوقفة السابعة عشر انتقادا لأولئك المستخفّين بقيمة الجهاد وأبعاده. وهو ما يخوّل للمقدسي تأصيل عقيدة الجهاد، مثيرا بذلك عواطف المتلقّي وغيرته العقديّة لأنّه على وعي عميق بسلطة العقيدة وأثرها في المشاعر والعقول، وفي نظرة الإنسان للوجود عامّة. وعليه لا يمكن لأيّ إنسان أن يعيش خاليا من عقيدة تشدّه إلى الحياة وتُطمئن قلقه الوجوديّ وحيرته تجاه الفناء والمصير.
يمكن أن نفسّر عنوان هذه الوقفة وفحواها انطلاقا من فرضيّتين:
تتمثّل أولاهما في أنّ تأليف هذه الوقفة إنّما هو استجابة لحالة المقدسي النفسيّة وتوقه إلى الانعتاق والحريّة وتنطّعه على العقاب المسلّط عليه، إذ “لا شكّ في أنّ العقاب قد توقّف عن أن يكون مركّزا على التعذيب كتقنية للألم واتّخذ له غرضا رئيسيا هو فقد ملكيّة أو خسران حقّ”[7]. ولعلّ الإحساس بالفقد لا يشمل الحرمان من الحقوق والحريات فحسب. بل يتجاوزه إلى الإحساس بعدم الأمان ذاك أنّ السّجن مراقب على الدّوام، وحركات السّجين مضبوطة في هذا المكان الثّابت. ومن هنا نفهم نزعة التحدّي في هذه الوقفات إنها إعلان لحريّة جديدة تجد في العبارة والكتابة فضاء أرحب. وتجد في المعاني المضمّنة فيها انفلاتا من كل رقابة. وقد عبّر فوكو عن سلطة المراقبة في السّجن، فأقرّ أنّه” فضاء مغلق مقطوع مراقب من كلّ جوانبه حيث يُحشر الأفراد ضمن مكان ثابت وحيث تُراقب أقلّ حركة. وحيث تُسجّل كلّ الأحداث. وحيث يربط العمل الكتابي المركز بالأطراف. وحيث تُمارس السّلطة بدون مشاركة وفقا لهيكليّة تراتبية مستمرّة، وحيث كل ّفرد معاين، ومفحوص وموزّع بين الأحياء والمرضى والأموات، كلّ ذلك يشكّل نموذجا كثيفا من الجهاز الانضباطي”[8].
ترتبط الفرضيّة الثانية بوظيفة السّجن عند أبي محمّد عاصم المقدسي. إذ تكشف اعترافاته أنّ السجن عنده فضاء تختمر فيه الفكرة وتنضج فيه الدعوة وتتوحّد فيه النّصرة. وتتقوّى من خلاله اللُّحمة، فهو حقل لتنظيم المشروع السلفي الجهادي، يقول المقدسي “هذه خلجات قلم وشجون سجون خطّطتها حرصا على إخوتي ونصحا للدّعوة والدّعاة والجهاد والمجاهدين. وأنصح كلّ داعية ومجاهد قراءتها وتدبّرها وتأمّلها والاستفادة من التّجارب والأمثلة التي أودعتها فيها، وعدم تشتيت هذه الاستفادة وإضعاف ثمرتها، أو تضعيفها في البحث عمّن يقصد الشّيخ”[9].
ليس غريبا على المقدسيّ أن ينتعش في فضاء السّجن ويجد فيه صفاءه الروحي ذاك أنّ السّجن إحالة في الضّمير الجمعيّ السّلفيّ الجهاديّ على محن الأنبياء والصالحين وعلى صبرهم وتحمّلهم. وعليه اعتبر “مدرسة يتمّ من خلالها اختبار صلابة الإنسان وصبره ولذلك يُطلقون عليه المدرسة اليوسفيّة نسبة إلى النبيّ يوسف عليه السّلام الذي أمضى فترة من حياته في السّجن”[10].
وبالإضافة إلى ذلك فقد وفّر السّجن سلطة ونفوذا للمقدسي وصديقه الزّرقاوي. فكانت مملكة لهما، يجمّعان فيه الأنصار ويقويان الصفوف. “ففي عالم السّجن يكون النّفوذ للأقوى، وقد كان أنصار الزّرقاوي يتمتّعون بصلابة وقوّة داخل السّجن تدفع بالآخرين إلى الاحتماء بهم وتحمل ذوي الأسبقيات الجنائيّة إلى الإعجاب بقدرتهم على مواجهة الأمن”[11].
يبدو السّجين السّلفي الجهاديّ في متخيّل بقيّة المسجونين بطلا مغوارا ومثالا يُقتدى به. فالكلّ يهابه ولا كلمة تعلو على كلمته. يخترق قيود الأنظمة السّياسيّة وقوانينها الرّادعة وهو قابع في مكانه خلف القضبان. يُخاتل ساجنيه بضعف وضعه المحروم من الحريّة والفعل، ويفجعهم بهول الإنجاز وصدمة الهزيمة.
إنّ نفوذ هذا البطل السّلفيّ يتحدى ضيق المكان لأنّه قادر أن يحرّك العالم ويقلب موازينه بأنصاره ومريديه وبقوّة إقناعه وترسيخ عقيدته. فيضحي مالكا لسحر القول وقوّة الفعل، ويتّخذ أحيانا أبعادا ميثيّة. تكشفها اعترافات المقدسي في محاكماته أمام الملإ والرأي العامّ والصحافة. يقول المقدسي: “مضت فترة المحاكمات بفضل الله طيّبة. نجحنا في توظيفها بتوفيق الله في إظهار دعوتنا وإعلان تكفيرنا للنّظام وبراءتنا من قوانينه. وكنّا نعلن ذلك صراحة في قفص المحكمة، وأمام الصّحافيّين وغيرهم من الحضور”[12].
تشمل الفرضيّة الثالثة اهتمام المقدسي بلبّ الدعوة ومركز المشروع الفكريّ النضاليّ، ذاك أنّه يعتبر الجهاد مدار كلّ المفاهيم النضاليّة ضدّ الأنظمة وضدّ الجهلة بأصول الشريعة وفهم حقيقتها. وعليه يتّسع مفهوم الجهاد عند المقدسيّ ليشمل جهاد النفوس وجهاد العقول وجهاد السلوك وجهاد المال وتَتْرى الأمثلة في هذه الوقفة وتتعدّد. وفي تعدّدها دلالة على مركزيّة المفهوم. فقد قارب المقدسي بين هذه الوقفة والوقفة السابقة واللّاحقة لها. فبَيْن العنوانين أواصر قربى ووشائج نسب. ففي عنوان الوقفة السّادسة عشر تركيز على الجهاد العقلي المعتمد على تدبّر القرآن والنّظر في معانيه ودلالاتها “إنّ هذا القرآن يهدي للّتي هي أقوم” أمّا عنوان الوقفة الثامنة عشر ففيه شحذ لهمّة الدعاة وتحميسهم من خلال الجهاد النفسي وعدم الاكتراث بالمخالف وما يختلقه من عراقيل وعوائق، وعليه كان هذا العنوان اقتباسا لحديث الرّسول ﷺ: “لا يضرّهم من خالفهم”.
بين الجهاد الفكريّ العقليّ وبين الجهاد النّفسي كانت الوقفة السّابعة عشر توصيفا للآفات المسيئة لمفهوم الجهاد وأبعاده ومعانيه السّامية حسب المقدسي.
3- في تحليل الخطاب أسلوبيّا:
يستدعي المقدسي علمي البلاغة والاشتقاق لإثراء خطابه، وبثّ آليات قوّة الإقناع فيه، فبقدر تنويع الأساليب البلاغيّة وتخيّر الألفاظ المناسبة ومراعاة أثر الصّوت فيها يكون التأثير أشدّ في المتلقّي، وأكثر سلطة على العقول والقلوب[13].
وانطلاقا من ذلك نهتمّ في هذه الوقفة بالأساليب البلاغيّة وبالاشتقاق وتخيّر المعجم لسببين أوّلهما انتشار هذه الأساليب وغلبتها في الخطاب، وثانيهما إبراز دورهما في إقرار سلطة الحجّة.
3- 1- الأساليب البلاغيّة:
استأنس المقدسي بثلاثة أساليب هي النّداء والأمر والاستفهام، وهي أساليب إنشائيّة لها وقعها البليغ في نفس المتلقّي وشدّ انتباهه، وقد كان المعوّل عليها في الخطابة عند المسلمين، لأنها الأبلغ في جعل المتلقي يعبّر بنفسه عن المعنى المقصود، ويدرك احتمالات الدلالة فيه.
توارد استعمال النّداء في ثلاثة مواقع واختلف فيها المنادى فكان مرّة “أيّها المسلمون” ومرّة أخرى” يا إخواني” ومرّة ثالثة “يا قومنا”. ولئن كانت الغاية من النّداء في “أيّها” شدّ انتباه السامع ولفت نظره وجذبه إلى الموضوع المطروق، فإنّ دلالة النداء بعد ذلك تحمل معاني التودّد والتقريب. سيّما أنّ المقدسي توسّل إلى ضميري المتكلم المفرد والمتكلّم الجمع، إشارة إلى الانتماء والانتساب. فلا نداء لمن هو خارج الملّة ولا نداء لمن هو شديد الاختلاف حدّ المخالفة. ويتأكّد هذا الأمر حين الانتباه إلى المعجم المتخيّر: المسلمون، إخواني، قومنا فهو معجم يتدرّج من العامّ إلى الخاصّ، ويتوجّه إلى المؤتلفين دينا وفكرا.
أمّا الأمر فقد كان في غالب الأحيان مشفوعا بالنهي تقوية للفعل فيه وإلزاما للمتلقي بإتيانه “أيّها المسلمون تدبّروا حال أنصار الدّين قبل الفتح كيف كانوا، وكونوا كما كانوا، لا يشغلنّكم عن نصرة دين الدين شيء من حطام الدنيا”[14].
لقد كان المقدسي حريصا كلّ الحرص على أن تكون أفعال الأمر في نصّه مشفوعة بأفعال التأسّي بالسّلف الصالح، وهكذا تتّخذ صيغة الأمر بعدا إلزاميّا وسلطة روحيّة لشرف السلف الصالح في الضمير الجمعيّ وتعزيزه القيم الإنسانية الكونية، وهي روح الشرع ومدار قضاياه، بينما يتوالى بعد صيغة النهي معجم دينيّ (نصرة الدّين، الشّريعة، مسائل الدّين)، ويكشف هذا المعجم أنّ وجهة المقدسي وهدفه في كلّ هذه الوقفات يكمن في إعلاء راية الإسلام وخدمته وبيان حقيقته. تلك الحقيقة التي يعرف جلّها إذا لم نقل كلّها. وعليه يوحي المتكلّم بأنّه لا يطلب الدنيا والتّمكين فيها. وإنّما يقوم مشروعه على التّمكين الدّيني ونشره وتجلية حقيقته في كلّ أبعادها.
يحضر الاستفهام بكثافة في الوقفة السابعة عشر، ويتبيّن القارئ من ذلك وعي المقدسي ببلاغة الاستفهام في عمليّة التلقّي وسلطته الحجاجيّة. سيّما أنّه استأنس بالاستفهام الإنكاري وهو استفهام تقرير غايته إثبات المعنى في ذهن المتلقّي ولسانه، وقد ألمح الزركشي (ت794ه/ 1392م) إلى هذا المعنى في قوله: “وحقيقة استفهام التقرير أنّه استفهام إنكار، والإنكار نفي، وقد دخل على المنفي ونفي المنفي إثبات، والذّي يُقرّر عندك أنّ معنى التقرير الإثبات قول السرّاج: فإذا أدخلت على ليس ألف الاستفهام كانت تقريرا ودخلها معنى الإيجاب”[15].
ويبدو وعي المقدسي واضحا بأهميّة الاستفهام من خلال هيمنة حرف الاستفهام الهمزة مشفوعة بالنفي، ومن معاني النفي تشريك المتلقّي ليجيب بالتقرير والإثبات، إذ أنّ مدار الاستفهام كلّه في هذه الوقفة هو تعديد مظاهر تحجيم الجهاد وتقزيمه، (“وكذلك أليس من تحجيم الجهاد حصره في العمليات القتاليّة…؟ أليس من تقزيم الجهاد تلك المكملات والاستخفاف…؟ ألم يقل الله تعالى…؟”)[16]. وعليه يكون توجيه المتلقّي من خلال محاورته وجعله شريكا في الإجابة المتفق عليها سلفا اتّفاقا يفرضه منطق العقل والدّين والواقع
وبعد لا مراء من أنّ لأسلوب الاستفهام سلطة حجاجيّة، بيّنها بدقّة المشتغلون بتحليل الخطاب[17]وهو الرأي الذي أكّده عبد الله صولة متجاوزا موقف ديكرو Oswald Ducrot وانسكمبر Anscombre Jean Cloud. يقول: ولمّا كانت أهمّ وظيفة ينهض لها الاستفهام هي توجيه باقي الحوار وجهة معيّنة، ولما كان مفهوم التوجيه هذا هو لبّ الحجاج عند ديكرو، كان الاستفهام مظهرا حجاجيا مهما.[18]
3- 2- الاشتقاق:
يُعدّ الاشتقاق مظهرا من مظاهر التأثير في المتلقّي ومحاججته من خلال تكرار مشتقّات بعينها، وتخيّر أخرى وهيمنة وقعها. وقد اعتمد المقدسي على ثلاث مشتقّات رئيسيّة تحضر بقوّة في الوقفة السابعة عشر وهي اسم الفاعل، والمصدر، والصفة المشبّهة.
أمّا اسم الفاعل، فقد توارد في ذكر الأنصار والأعداء فتتالت الاشتقاقات تباعا من مثل: المجاهدين والمشبوهين والمقاتلين و”المخالفين أو المخذُولين، والمؤيّدين”[19]. ودلّ ورود هذه الأسماء المتضادّة على الثّبوت والمداومة من جهة باعتبار أن اسم الفاعل عند البلاغيّين “موضوع على أنّه يثبت به المعنى للشيء من غير أن يقتضي تجدّده شيئا بعد شيء. أمّا الفعل فموضوعه على أنّه يقتضي تجدّد المعنى المثبت به شيئا بعد شيء”[20].
تستوقف القارئ في هذه الوقفة حرص المقدسي على إيراد الطباق والاستئناس بأسماء الفاعل المتضادّة ممّا يدلّ على أنّ معركته بين ضديدين يمثّلان ثنائيّة الخير والشرّ والحقّ والباطل.
أمّا المصادر فقد اشتُقّ أغلبها من الفعل المزيد على وزن فعّل ومصدره تفعيل، ومثاله” تقزيم وتحجيم وتحجير وتمكين وتوحيد وتحقير[21]. ويُعدّ اختيار توارد هذا الوزن دون غيره حمّالا لمقاصد معيّنة منها إبراز المبالغات في الاستهانة بالجهاد ومنها القصد في ترذيل الجهاد عند أعداء الإسلام وجهلة الشريعة. ومنها التدرّج في تقزيم الجهاد وهو تدرّج يدلّ على توخّي خطّة محبوكة غايتها تشويه الجهاد بمفهومه الإسلامي الحقيقيّ وإفراغه من مقاصده الإنسانيّة العميقة. ذاك أنّ الآخر المُغرض في تقدير المقدسي لا يحارب علنيّا بل يستهدف كلّ معالم الهويّة بما فيها الهويّة المفهوميّة إن صحّ التعابير فيشوّه المعاني الإسلاميّة ويوجّه دلالتها لإرهاب الناس وتنفيرهم من الدّين. يقول: “ومن صور تقزيم الجهاد تقزيم وسائله وآلياته وقلبها في كثير من الأحيان إلى غايات وأهداف، وذلك بحصره في الأعمال التي يُسمّيها البعض انتحاريّة ونُسمّيها بضوابطها جهاديّة”[22].
وإلى جانب حضور اسم الفاعل والمصدر اعتمد المقدسي الصّفة المشبّهة لتمييز الموصوفات ومزيد بيان الصفة فيها أو التعريض بأعداء الإسلام وكشف مكائدهم. من ذلك استئناسه بجملة من الصفات في تمييز الجهاد الحقيقي عن الجهاد المغلوط. إذ يدعو إلى “جهاد ناضج وواع وقيادة راشدة بصيرة“[23]. وفي المقابل وردت صفات سلبيّة يستهجن من خلالها المقدسي أعمال المجاهدين المخالفين لتصوّراته وهي صفات من شأنها أن تجعل المتلقّي يتحامل عليهم وينفر من تصرّفاتهم. فيؤيّد بذلك منطق المقدسي ويقتنع بموقفه ومن هذه الصفات قوله: “طبعا تلك المؤهّلات العجيبة والغريبة… هي الّتي أهدرت أموالا لمسلمين في مغامرات فاشلة”[24]. وعليه فإنّ الصفات المشبّهة في هذه الوقفة. عمّقت معاني المدح والاستحسان وفي المقابل أكّدت ما يقابلها من معاني الذمّ والاستهجان. وكانت غاية المقدسي من كلّ ذلك التأثير في المتلقّي وتجييش مواقفه وردود أفعاله واستمالة مشاعره وعواطفه، وقد عوّل إلى جانب ذلك على مشتقات أخرى منها صيغة التفضيل من ذلك وصفه للعلماء والدّعاة بأنّهم “أحقّ النّاس بمسمّى أهل الثّغور، وأولى الناس بقوله تعالى…”[25].
لا شكّ في أنّ لصيغة التفضيل بعدا حجاجيّا هامّا، إذ أنّه يحمل المتلقّي على ترتيب الأشخاص وإبراز التفاضل بينهم. وقد وقف عبد الهادي الشهري على هذه الأبعاد في كتابه” استراتيجيات الخطاب” مقرًّا أنّه: “يكمن دور أَفْعُل التّفضيل الحجاجيّ في أنّه يتضمّن صيغا تمكّن المُرسل من إيجاد العلاقة بين أطراف ليس بينها أيّ علاقة بطبعها. كما يمكّنه من ترتيب الأشياء ترتيبا معيّنا، فبدون استعماله ما كان لها أن تترتّب، ولذلك يُصنّفه بيرلمان Perelman في حجاج التّعدية”[26].
3-3- المعجم:
تدلّ الكلمة المعجميّة على خلفيات في تخيّر ألفاظ دون غيرها. إذ تحمل في طيّاته توجّهات المتكلّم الذاتيّة والموضوعيّة. وهو إذ يتخيّر معجما بعينه فإنّما يتوق إلى توجيه المتلقّي نحو دلالة معيّنة باعتبارها الحقيقة والصواب وما دونها خطأ وإمكان. انطلاقا من ذلك يكون المعجم المتخيّر في النّصوص معينا للدرس الحجاجي.
لقد رصدنا في الوقفة السابعة عشر عديد الألفاظ المتّصلة بحقل دلاليّ واحد. وسيكون انتقاؤها في هذا المقال على أساس علاقتها بصناعة التطرّف عند المقدسي إذ ادّعاء امتلاك الحقيقة والايغال في رفض المختلف واتهامه وتهويل أفعاله هو في صلب التطرّف وفي عمق التكفير. ومن هذه الألفاظ:
3- 3- 1- الطّواغيت:
تكرّر هذا اللفظ ستّ مرات، وورد في صيغة الجمع، ولهذا التّكرار دلالته. إذ هو بنية رمزيّة تحمل تمثّلات ذهنيّة. وقد ميّز السّجلماسي (تـ سنة704هـ/ 1305م) بين أنواع التكرار إذ هو اسم لمحمول يشابه شيء شيئا في جوهره المشترك. فذلك جنس عال تحته نوعان أحدهما التكرير اللّفظي ولنسمّه مشاكلة. والثّاني التّكرير المعنوي ولنسمّه مناسبة. وذلك لأنّه إما أن يعيد اللّفظ. وإما أن يعيد المعنى. فإعادة اللّفظ هو التكرير اللّفظي، وهو المشاكلة. وإعادة المعنى هو التكرير المعنوي، وهو المناسبة”[27].
لقد استأنس المقدسي بالتّكرار في نوعيه المشاكلة والمناسبة. أمّا المشاكلة ففي تكرير لفظ الطواغيت، مشاكلة غايتها التوكيد على معنى الظلم والطغيان من ناحية، وعلى معنى الكفر من ناحية أخرى. إذ المقصود بالطواغيت في خطابه كلّ الأنظمة والدساتير التي تجانب العمل بشرع الله بالمفهوم الرّاسخ في ذهنه. وتمتنع عن تطبيقه مستنسخة أنظمة البلدان الغربيّة ومفاهيمها. وقد وردت قناعة المقدسي بهذا المفهوم في كتابه “ملّة إبراهيم ودعوة الأنبياء والمرسلين وأساليب الطغاة في تمييعها”. إذ يرى أنّ الطواغيت في كلّ زمان ومكان لا يُظهرون الرّضا عن الإسلام أو يُهادنونه. ويُقيمون له المؤتمرات، وينشرونه في الكتب والمجلات. ويُؤسّسون له المعاهد والجامعات. إلا إذا كان دينا أعور أعرج مقصوص الجناحين بعيدا عن واقعهم وعن موالاة المؤمنين والبراءة من أعداء الدّين وإظهار العداوة لهم ولمعبوداتهم ومناهجهم الباطلة”[28].
ليس إيراد صيغة الجمع في تقديرنا إلا تهويلا لوقع المصطلح في نفس المتلقّي. ومن ثمّة التّنفير منه والتّعريض بأصحابه. سيّما أنّ لفظ الطّواغيت ينطوي على شحنة إيقاعيّة لوجود حرف الطاء وهو حرف شديد جهريّ له نبرة قويّة، ورهبة في نفس السامع. وهو ما يدلّ على حبكة المقدسي في تخيّر ألفاظ يتطرّف في إلباسها معنى غير معناها المتداول أو المذكور في النّصوص[29].
استأنس المقدسي كذلك بألفاظ بينها وبين لفظ الطاغوت مناسبة وهي” أعداء، عصاة، خوالف، كفار”. ولئن كان هذا المعجم منتميا إلى نفس الحقل الدّلاليّ إلا أنّ بين الألفاظ فوارق تقلّ أو تكثر. ولكنّ المقدسي لا يبالي بإبرازها والوقوف عندها بقدر ما ينصرف همّه إلى تشويه صورة المخالفين ونعتهم بأبشع النّعوت، والكشف عن فظاعة أعمالهم. ويُعدّ هذا المنهج الذي توخاه سياسة حقيقيّة لإبراز صوابه بل تعصّبه في امتلاك الحقيقة وما دونه خطأ، وهذه السياسة هي التطرّف بعينه.
3- 3- 2- الجهاد:
يمكن أن نجزم أنّ الوقفة السابعة عشر قائمة على فكرة واحدة يحكمها مصطلح واحد، وهذه الفكرة هي أساس المقالة ولبّها تدور في فلكها أفكار تبدو في الظّاهر متفرّعة عنها، ولكنّها في الحقيقة ترديد لها وتكرار لمضامينها، ونقصد مصطلح الجهاد.
لقد تكرّر هذا المصطلح بصيغته ومشتقاته أكثر من ثمانين مرّة، حتّى عُدّت هذه الوقفة عودا على بدء، ونوعا من الملل سببه توارد مصطلح الجهاد بصفة مبالغ فيها. كشفت عن أنّ مشروع المقدسي الداعية ينهض على مقاتلة المخالف. ويجب أن تكون لهذه الإبادة حسب رأيه قواعد منظّمة ومنطق مدروس سلفا. وعليه يندّد المقدسي بممارسات أطراف متنوّعة تشين الجهاد وتقدّم للمختلف صورة مغلوطة عن الإسلام وفي نفس الوقت تمنحه فرصة للتهجّم عليه.
ينبني مشروع المقدسي في الظّاهر على دفاع مستميت عن آليات الجهاد ومقاصده الهوويّة والإنسانيّة والدينيّة. ولكن التأمّل في خلفيّات هذا الإلحاح الاصطلاحي والمفهوميّ يكشف أنّ الرّجل اقتطع مفهوم الجهاد من سياقه التاريخي والدّيني والمنطقيّ. وأراد تأصيله بالمفهوم الذي تراءى له. وهو ما تجلّى في ظاهرة الإطناب في خطابه النّقدي. هذا الإطناب هو مظهر آخر من مظاهر التطرّف والغلوّ في ترسيخ الرّأي. ولعلّ مظاهر التطرّف تظهر أكثر في أساليب الحصر، “يعلم أنّ الجهاد كمشروع جادّ لا يكمل ولا ينجح ولا يحقّق مراد الله كما يحبّ ربّنا إلا باستيعاب ذلك كلّه”[30].
الخلاصة من كلّ ذلك أنّ المقدسيّ شحن خطابه في الوقفة السابعة عشر بكل أنواع الأساليب البلاغيّة الّتي أبانت عن تطرّفه الفكري وعن رغبته في تأصيل أفكاره واعتبارها جهة الحقيقة والصّواب. وفي المقابل اعتبر الرأي المخالف له ضلالا وهدما لمقوّمات الدّين الإسلامي. وقد أبان تخيّره لمعجم معيّن في هذه الوقفة عن رغبة في توهين حجج الخصم وإقناع المتلقّي بالرأي إقناعا فيه تعسّف وتهجّم وعنف. وهذه الصفات مجتمعة تدلّ على سياسة في صناعة التطرّف.
4- في سلطة الحجّة وعلاقتها بالتطرّف:
حضرت في نصّ الوقفة السابعة عشر حجج كثيرة، وتضايفت في خطاب المقدسي. وتنوّعت تنوّعا كبيرا محدثة نوعا من الثّراء الدالّ على اطّلاع المتكلّم على النّصوص من جهة، وعلى جزئيّات وتفاصيل في الواقع القطري والإقليميّ من جهة أخرى. ولكنّ اللافت للانتباه أنّ هذه الحجج قد تراصّت وتكدّست بشيء من المبالغة. إذ لا يكاد المقدسي يسوق فكرة إلا ويشفعها بنصوص مدعّمة لها ومقرّة بصحّتها. وقد أبان هذا التكديس عن تسلّط في تأويل هذه النّصوص وعن عنف في إقناع المتلقّي وتوجيه الدّلالة في ذهنه. سيّما أنّ هذه النّصوص قد وردت مقتطعة من سياقها التاريخيّ ومن الأسباب الدافعة لقولها أو لنزول الآيات فيها.
هذا التسلّط في التّأويل وَلَيُّ عُنُق النّصوص هو شكل آخر من أشكال صناعة التطرّف. ويمكن إجمالا أن نُصنّف هذه الحجج صنفين هي الحجج النصيّة الدّينيّة والحجج الواقعيّة.
4- 1- الحجج النّصيّة الدينيّة:
عوّل المقدسيّ على احتكار دلالات الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة وحشرها في نصّه، إذ كان على وعي تامّ بوقع النصّ الدّيني في المتلقّي. ذلك أنّه لا يملك ردّ النصّ المقدّس أو تخطئته أو الشكّ في مصدره. إذ المقدّس حسب ما ورد في الموسوعة الفلسفيّة العربيّة” ما يثير في النّفس الخوف والرّهبة والاحترام والخشوع الذي يبعدنا عنه. ويُرغّبنا فيه في الوقت نفسه، وينتج عن المقدّس مجموعة من المشاعر المختلطة والمرتبطة من الاندهاش والرّغبة والانجذاب والفضول والتحفّظ والقلق والفزع والخوف. ممّا يجعلنا نحبّه ولا نجرؤ على تناوله في الوقت نفسه”[31].
وعليه فقد استثمر خطاب المقدسي هذه الأبعاد النفسيّة للحجج القرآنية والحديثيّة لما لها من سلطة نفسيّة وتأثير في مشاعر المتلقّي وتفكيره. وبالإضافة إلى ذلك عوّل المقدسي على البعد التداولي في هذه النّصوص باعتباره عَقْدا لغويّا بين المتكلّم والمخاطب. يحكمه سياق يوجّهه صاحب الخطاب حسب مشيئته وتأكيد المعنى المقرّر في ذهنه. وهو ما يتصل قطعا بالمقاربة التداوليّة باعتبارها “تختصّ بدراسة المعنى كما يوصله المتكلّم ويُفسّره المستمع، لذا فإنّها مرتبطة بتحليل ما يعنيه الناس بألفاظهم أكثر من ارتباطها بما يمكن أن تعنيه كلمات أو عبارات هذه الألفاظ منفصلة”[32].
4- 1-1- الآيات القرآنيّة:
أورد المقدسي ما يقارب خمس عشرة آية، وهو عدد ضخم في مقال لا يتجاوز العشرين صفحة، ولهذه الكثافة العدديّة للآيات القرآنيّة دلالة تأثيريّة حجاجيّة بالأساس.
لقد أورد المقدسي كلّ هذه الآيات دون أن يذكر أرقامها ولا سورها ولا السياق الذي وردت فيه حسب المدوّنة التّفسيريّة. وعليه آثرنا أن نجرد بعض الأمثلة من هذه الآيات لنبيّن توجيه المعنى عند المقدسي وتطرّفه في احتكار الدّلالة. وهي:
-﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [سورة النّور 55].
-﴿رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [سورة التّوبة 87].
-﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [سورة التّوبة 41].
الآية القرآنيّة | سياقها حسب المفسّرين | دلالتها حسب المفسّرين | سياقها ودلالتها حسب المقدسي |
النّور 55. | فمكث النبيّ ﷺ عشر سنين خائفا يدعو إلى الله سرّا وعلانية، قال: ثم أُمر بالهجرة إلى المدينة. قال: فمكث بها هو وأصحابه خائفون، يصبحون في السلاح، ويمسون فيه، فقال رجل: ما يأتي علينا يوم نأمن فيه، ونضع عنا السلاح، فقال النبيّ ﷺ: لا تَغْبُرُونَ إلا يَسيرًا حتى يجْلِسَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ فِي الملإ العَظيمِ مُحْتَبِيًا فِيه[33]، فأنزل الله هذه الآية[34]. | ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ بدلا عن الكفّار «كَمَا اسْتَخْلَفَ» بالبناء للفاعل والمفعول «الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ» من بنى إسرائيل بدلا عن الجبارة «وليمكنن لهم دينهم الذي أرتضى لهم» وهو الإسلام بأن يظهر على جميع الأديان ويوسع لهم في البلاد فيملكوها «وَلَيُبْدلَنَّهُمْ» بالتخفيف والتشديد «مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ» من الكفار «أَمْنًا» وقد أنجز الله وعده لهم بما ذكر وأثنى عليهم بقوله: «يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا» هو مستأنف في حكم التعليل «ومن كفر بعد ذلك» الإنعام منهم به «فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» وأول من كفر به قتلة عثمان رضي الله عنه فصاروا يقتتلون بعد أن كانوا إخوانا[35].
| الرغبة في تحقيق الفتح، والتمكين لراية التوحيد وشرعها، وتحقيق العبوديّة لله وحده. |
سورة التّوبة 87. | رضِيَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ: آمِنُوا بِاَللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُوله، اِسْتَأْذَنَك أَهْل الْغِنَى مِنْهُمْ فِي التَّخَلُّف عَنْ الْغَزْو وَالْخُرُوج مَعَك لِقِتَالِ أَعْدَاء اللَّه مِنْ الْمُشْرِكِينَ، أَنْ يَكُونُوا فِي مَنَازِلهمْ كَالنِّسَاءِ اللَّوَاتِي لَيْسَ عَلَيْهِنَّ فَرْض الْجِهَاد[36]. | قال تعالى رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ أي: كيف رضوا لأنفسهم أن يكونوا مع النساء المتخلفات عن الجهاد، هل معهم فقه أو عقل دلهم على ذلك[37]. | من تحجيم الجهاد ومسخه عزله عن علمائه الرّبانيين ودعاته العاملين وفصله عن علمهم ودعوتهم. |
سورة التّوبة 41. | وقال معتمر بن سليمان، عن أبيه قال: زعم حضرمي أنه ذكر له أن ناسا كانوا عسى أن يكون أحدهم عليلا أو كبيرا، فيقول: إني لا آثم، فأنزل الله هذه الآية. أمر الله تعالى بالنفير العام مع الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- عام غزوة تبوك، لقتال أعداء الله من الروم الكفرة من أهل الكتاب، وحث المؤمنين في الخروج معه على كل حال في المنشط والمكره والعسر واليسر، فقال: انفروا خفافا وثقالا[38]. | يقول تعالى لعباده المؤمنين مهيجا لهم على النفير في سبيله فقال: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾ أي: في العسر واليسر، والمنشط والمكره، والحر والبرد، وفي جميع الأحوال[39]. | من تحجيم الجهاد حصره في العمليات القتاليّة وعزله عما لا يصلح ولا يُنتهض إلا به من متمّمات ومكمّلات ومنها تقديم الجهاد بالمال على الجهاد بالنّفس. |
نستخلص من هذا الجدول جملة من النّتائج:
1-لم يذكر المقدسي رقم الآية واسم السّورة المقتطفة منها، بل عمد إلى إقحامها بعد سوق الفكرة دون تمهيد لها في بعض الأحيان، وقد يتساءل المتلقّي في مواطن عن أسباب إسقاط الحجّة على الفكرة، سيّما أنّ الفكرة التي تليها تخدم سياقا آخر[40].
2- لم يذكر المقدسي السّياقات الخارجيّة والبنيويّة للآيات القرآنيّة. ولم يورد أيّ تفسير لها عسى أن يُشرّع بشكل أو آخر توظيفها واستثمارها. مما يدلّ على أنّه يعترف ضمنيا أنّه يملك معنى هذه الآيات ولا يقبل معاني سواها. وهذا مظهر آخر من مظاهر التطرّف الفكري، واحتكار الدلالة والتعسّف في تأويل النّصوص.
3-حاد تأويل المقدسي للآيات القرآنيّة عن تأويلات المفسّرين وعن إجماعهم على أغلب المعاني والدلالات. وهو حياد تفسّره رغبة المقدسي في إقناع المتلقي وتوجيه دفّة تفكيره وترغيبه في تبنّي ما يقرّه. فليست الغاية في آخر الأمر فهم حقيقة المعنى والاستدلال بالقرائن في هذه الآيات. وإنّما إقرار سلطة فكرية ونفسيّة سواء كانت صحيحة أو خاطئة.
4- 1- 2- الأحاديث النبويّة:
لم تحضر الأحاديث النبويّة بالكثافة العدديّة الّتي حضرت بها الآيات القرآنيّة في خطاب المقدسي. فلم يتجاوز عددها السّتة، وقد يكون لذلك دلالة في تعامل المقدسي مع الأحاديث. إذ ربّما تعكس قلّة حضورها عدم اطمئنانه إلى أسانيدها أو شكّ في متنها. وهو في كلّ الأحوال كان منتقيا لفحوى الأحاديث بما يخدم أطروحة الجهاد عنده. ولا شكّ في أنّ الانتقاء يتطلب الغربلة والتمييز وقابليّة الحديث للتّأويل الموجّه.
الأحاديث | الدّلالة عند المحدّثين | السّياق | الدّلالة والسّياق عند المقدسي |
لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على أمر اللّه لا يضرّهم من خالفهم[41]. | قال أبو عبد الرحمن: وجدت في كتاب أبي بخط يده: حدثني مهدي بن جعفر الرملي، ثنا ضمرة، عن الشيباني؛ واسمه يحيى بن أبي عمرو، عن عمرو بن عبد الله الحضرمي، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله ﷺ: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلاّ ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك”. | أجمع المحدّثون أنّ هذا الحديث في الطائفة المنصورة. قال البخاري: (هم أهل العلم). | يدلّ سياق الحديث على ضرورة الجهاد في حياة المسلم وبذل الجهد والوقت من أجل تحقيق الفتح والتمكين لراية التوحيد وشرعها. |
سيّد الشّهداء حمزة بن عبد المطّلب ورجل قام إلى جائر، فأمره، فنهاه، فقتله[42]. | أنَّ حمزةَ سيِّدُ شُهداءِ الدُّنيا والآخرة،ِ والرَّجلَ المذكورَ سيِّدُ الشُّهداءِ في الآخرةِ؛ لِمُخاطرَتِه بأنفَسِ ما عندَه -وهي نفْسُه- في ذاتِ اللهِ تعالى، ولا ناصِرَ له إلَّا اللهُ سُبحانه. | استشهاد حمزة في غزوة أحد. | إطلاق معنى الشهادة على المقتولين من المجاهدين والعلماء والدعاة الربانيين. |
جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم[43]. | جهادُ المُشرِكين بالنَّفسِ والمالِ واللِّسانِ مِن أجَلِّ الأعمالِ والقُرباتِ، ومن أسبابِ حِفظِ الدِّينِ ونَشرِه؛ ولذلك عَظُم أجرُها وفضلُها، وأثرُها في الأمَّةِ الإسلاميَّةِ. وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ ﷺ: “جاهِدوا المُشرِكينَ”، أي: ابذُلوا الجُهدَ معَهم حتَّى يَنْزجِروا أو يَرجِعوا عن شِركِهم، “بأموالِكم”، أي: بإنفاقِ المالِ في جِهادِهم؛ مِن شراءِ سِلاحٍ ونفَقةٍ على المجاهدينَ ونحوِ ذلك، “وأنفُسِكم”، أي: بالخُروجِ لِمُلاقاتِهم، “وألسِنَتِكم”، أي: بدَعوتِهم لإقامةِ الحُجَّةِ عليهم، أو زَجرِهم والرَّدِّ عليهم والنَّيلِ مِنهم. | ضرورة إخلاء الأرض من المشركين وردّ كيدهم للمسلمين. | تعميم الجهاد وعدم قصره على القتال، وفي هذا الإطار لم يفرّق المقدسي بين المشركين والعصاة من المسلمين. |
من جهّز غازيا في سبيل اللّه، فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا[44]. | إذا جهَّز الإنسان مجاهدًا براحلته ومتاعه وسلاحه فقد كتب الله له أجر الغازي؛ لأنه أعانه على الخير، ولو أنَّ الغازي أراد أن يجاهد ولكنَّه أشكل عليه أهله مَن يكون عند حاجاتهم، فدعا رجلاً من المسلمين وقال: أخلِفني في أهلي بخير، فإنَّ هذا الذي خلَّفه يكون له أجر المجاهد؛ لأنه أعانه، ويؤخذ من هذا أنَّ كُلَّ من أَعان شخصاً في طاعة الله فله مثل أجره.
| ومن ذلك ما جرى لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حين خلفه رسول الله ﷺ في أهله في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله، أتدعني مع النساءِ والصِّبيانِ، فقال له: «أما ترضى أن تكون منِّي بمنزلِة هارونَ من موسَى إلَّا أنَّه لا نبي بعدِي»[45]، يعني أن أخلفك في أهلي، كما خلف موسى هارون في قومه، حينما ذهب إلى ميقات ربه.
| مظاهر التعاون في الجهاد وتقاسم الأجر مع المجاهد. |
نستخلص ممّا ورد في الجدول أعلاه ما يلي:
1-لم يهتمّ المقدسي بذكر السّياق الخارجي والمقام الدّاخلي للأحاديث النبويّة. بل أقحمها في ثنايا خطابه ذاكرا مصدرها تارة بالتنصيص على صفة الرّسول (الصّادق المصدوق)، أو ذكر ما يدلّ عليه في التداول الثقافي الإسلامي (صلّى الله عليه وسلّم ﷺ).
2- لم يعمد المقدسي إلى تحقيق النّصوص والتدقيق في صحّة الأحاديث من ضعيفها ومُرسلها وموضوعها. سيّما أنّ نخل هذه الأحاديث هو من أوكد المشاريع الإصلاحيّة في الثقافة العربيّة الإسلاميّة[46]. ومن جهة أخرى لم يذكر المقدسي المدوّنة الّتي استقى منها الحديث إلاّ لماما في حديث ورد في سنن أبي داود. وعليه نفهم أنّ مشاغل الرّجل تتجاوز التحقيق وتدبّر النصوص وحسن توثيقها لأنّها معنية بإقرار الأطروحة الأساسيّة التي عليها مدار كلّ الأفكار، وشحذ كلّ الحجج للتّأثير في المتلقّي.
3- أعرض المقدسي عن ذكر بقيّة المحدّثين المعروفين تداولا عند أهل السنّة وهم البخاري ومسلم في المقام الأوّل، وأصحاب السنن الآخرين في المقام الثاني، واكتفى بذكر أبي داود والتعويل على رواياته ممّا يدلّ على نزعة الانتقاء وتخيّر الأحاديث حسب قوّة الإقناع فيها، ونفهم بعد ذلك حضور صيغ الاستفهام في تقديم الحجج، إذ يُصدّرها باستفهام إنكاريّ غايته الإثبات والتأكيد، من مثل قوله “ألم يقل النّبيّ”.
4- 2- الحجج الواقعيّة:
يقف قارئ نصّ المقدسي على حضور مكثّف لحجج واقعيّة تاريخيّة تدلّ على مواكبة الرّجل للأحداث القطريّة والإقليميّة والعالميّة. وتدلّ من جهة أخرى على أنّ مقالة الجهاد في خطاب المقدسي إنّما هي مقالة سياسيّة منطلقها التّأصيل الدّيني ومنتهى غايتها التمكين وتوهين حجج المخالف وإقصاؤه.
استشهد المقدسي بتجربة الطالبان وأفغانستان وتخاذل المسلمين وترك الجهاد لصالح الدّولة وإقرار حكمها[47]. وتحدّث كذلك عن تقزيم الجهاد في فلسطين والعراق والشيشان وفي أحداث سبتمبر، داعيا إلى “برنامج واضح وجادّ وقيادة واعية وخطاب ناضج أصيل، بوصلته واضحة وهدفه محدّد غير متقلّب”[48].
ما يلفت انتباه القارئ في الوقفة الثامنة عشر سهولة انتقال المقدسي من زمن إلى آخر، إذ أنّه لا يتحرّج من سرد وقائع متتابعة ينتمي بعضها إلى واقعه التاريخي الرّاهن وينتمي بعضها الآخر إلى عصر الرّسول. ورغم أنّ هذه الحجج تخدم فكرة واحدة، إلا أنّها تعكس فجوة بين زمنين متباعدين لكلّ منهما ملابساته وظروفه، إذ يتحدّث عن تسليم المجاهدين ثمرة جهادهم إلى صناديق الاقتراع بسبب قصر نظر القيادات. ثم ّ ينتقل مباشرة للحديث عن صبر الرّسول على أهل الطائف وعدم الثأر منهم نصرة للدّين[49].
يبدو تقلقل الحجج الواقعيّة وإسقاطها واضحين في هذه الوقفة، ولعلّ ذلك يعكس تناقضا في فهم المقدسي للتمكين. إذ يؤكّد مرّة ضرورة نشر الدعوة وإفهام العقول روح الشرع ومقاصده ويقرّ مرّة أخرى باستحسانه مجابهة الحكومات “الضالّة” ومقاومتها بالعدّة والعتاد. ويقف المتتبّع لسيرة المقدسي وتاريخه الجهادي على إصرار في القيام بعمليات جهاديّة مسلّحة وتمكين المجاهدين من أسلحة كان قد جلبها من الكويت وسورية[50].
وصفوة القول فقد كشفت الحجج الواقعيّة عن إرادة مكينة في ترغيب المتلقي فكرة الجهاد وشحذ مشاعره وحماسه لتقبّل المفاهيم الجهاديّة الجديدة. ويبدو المقدسي شديد الإيمان بأنّ القدرة على التمكين تنطلق من نشر الدعوة وتصحيح المفاهيم وترسيخ الاعتقاد عسى أن يتمكن متلقي الخطاب الجهادي من تنفيذ العمليات القتاليّة بكلّ رصانة ودراية وإصرار.
5- الخاتمة:
لقد أبانت الوقفة السابعة عشر من ثمرات الجهاد عن خطّة خطابيّة وحجاجيّة توخاها المقدسي لإقناع المتلقّي بأنّه جهة الحقيقة والصّواب وأنّه مالك المعنى في النصوص التأصيليّة وما سواه خطأ وسوء فهم، وعليه فإنّ المعاني التي نصّ عليها المقدسي في الجهاد لا تقبل الجدال أو المعارضة حسب رأيه، بل إنّه يطالب بتجسيدها ممارسة وفعلا.
إنّ ادّعاء امتلاك الحقيقة في خطاب المقدسي هو في النّهاية تطرّف وغلوّ في الآراء والمواقف، ذاك أنّ المتطرّف يرفض قبول الآخر بأيّ شكل من الأشكال، ويراه مهدّدا لكينونته واستمراره، ولهذا الأمر وغيره كانت مقالة الجهاد وإبادة المختلف شعارا أساسيا عند أنصار الحركة السلفيّة الجهاديّة.
لقد تضايفت الحجج بمختلف أنواعها في خطاب المقدسي، وكشفت عن رغبة في تأويل النصوص والوقائع تأويلا ممنهجا فيه تسلّط على إمكانات المعنى والدلالة، وهو ما يدلّ في النهاية على أنّ المقدسي يُطوّع النص لخدمة أغراضه وهو في ذلك صانع لأشكال التطرّف من خلال الاستئناس بسلطة الحجّة.
وبعد تظهر صناعة التطرّف في خطاب المقدسي من خلال الأساليب البلاغية والمعجم المتخيّر، وهما مظهران أساسيان للكشف عن المعاني المندسّة في ثنايا الخطاب، إذ اللغة وعاء الفكر وحاضنته، ويكفي أن تتجاوز صناعة التطرّف عند المقدسي حدّها وتصل إلى تكفير أهل الملّة لتطبّعهم ببعض القيم الحداثيّة.[51]
وصفوة القول فإنّ خطورة الفكر المتطرف عند المقدسي وغيره تكمن في عنف التعامل مع الآخر والتحامل عليه والاعتداء على عالمه، فيصبح المتطرّف بهذا الشكل متوحّشا بعبارة دوركايم، ولا مكان له في المجتمع الإنساني عامّة.
المصادر والمراجع:
المصادر:
- المقدسي (أبو محمد عاصم)، وقفات مع ثمرات الجهاد بين الجهل في الشّرع والجهل بالواقع، منبر التّوحيد والجهاد، إصدارات غرفة الفجر الإسلاميّة، الجمعة الأوّل من ربيع الثّاني 1425 هـ. (نسخة الكترونيّة متوفّرة للتّحميل)
- المقدسي (أبو محمد عاصم)، الكواشف الجليّة في كفر الدولة السعوديّة، إصدارات غرفة الفجر الإسلاميّة، الطّبعة الثّانية، 1421 هـ. http://www.tahed.wsمنبر التوحيد والجهادhttp://www.alsunnah.info
- المقدسي (أبو محمد عاصم)، إمتاع النظر في كشف شبهات مرجئة العصر، إصدارات غرفة الفجر الإسلاميّة، ط2، 1420.
- المقدسي (أبو محمد عاصم)، نص رسالة المقدسي للزّرقاوي، الزّرقاوي: مناصرة ومناصحة، على الرابط التاليhttp://www.tawhed.ws :
- المقدسي (أبو محمد عاصم)، ملّة إبراهيم ودعوة الأنبياء والمرسلين وأساليب الطّغاة في تمييعها. http/www/.tawheed.ws
المراجع:
- الباقلاني (أبو بكر)، إعجاز القرآن الكريم، تحقيق أحمد صقر، دار المعارف، مصر، ط3، 1971.
- البخاري (محمّد بن إسماعيل ت256هـ)، الجامع الصحيح، تح، محمد زهير ناصر، دار طوق النجاة، ط1، 1422ه.
- الجرجاني (عبد القاهر)، دلائل الإعجاز، تحقيق محمود شاكر، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 2004.
- الحاكم (محمد بن عبد الله النيسابوري ت405هـ)، المستدرك على الصّحيحين، تح، مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ-1990م.
- أبو داود (سليمان بن الأشعث السجستاني ت275هـ)، السّنن، تح، شعيب الأرناؤوط، دار الرسالة، ط1، 1430هـ-2009م.
- أبو رمّان (محمد) وأبو هنيّة (حسن)، الحلّ الإسلاميّ في الأردن الإسلاميّون والدّولة ورهانات الدّيمقراطيّة والأمن، مراجعة وتدقيق ميس نوايسة وفراس خير الله، مؤسّسة فريدريش إيبرت- مركز الدّراسات الاستراتيجيّة الجامعة الأردنيّة، عمّان الأردن، 2012 م.
- الزركشي (بدر الدّين)، البرهان في علوم القرآن، تحقيق زكي أبو سريع، دار الحضارة للنّشر والتوزيع، الرياض، ط1، 2006، ج2.
- زيادة (معن)، الموسوعة الفلسفيّة العربيّة، معهد الإنماء العربي، بيروت، ط1، 1986، مج1.
- السّجلماسي (القاسم)، المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، مكتبة المعارف، المغرب، ط1، 1980.
- السّعدي (عبد الرّحمان بن ناصر)، تيسير الكريم الرّحمان في تفسير كلام المنّان، قدّم له فضيلة الشّيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل وفضيلة الشّيخ محمد بن صالح العثيمين، تحقيق د. عبد الرّحمان بن معلاّ اللويحق، دار السّلام للنّشر والتّوزيع، الرّياض، ط 2، 1422 هـ/ 2002 م.
- الشهري (عبد الهادي)، استراتيجيّات الخطاب مقاربة لغويّة تداوليّة، دار الكتاب الجديد المتّحدة، بيروت، ط 1، 2004.
- صولة (عبد اللّه)، الحجاج في القرآن من خلال خصائصه الأسلوبيّة، دار الفارابي، بيروت، ط1، 2001.
- الطّبري (أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب ت310هـ)، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، حقّقه وضبط نصّه وعلّق عليه د. بشّار عوّاد معروف ود. عصام فارس الحرستاني، مؤسّسة الرّسالة، بيروت، ط 1، 1415 هــــ/ 1994م.
- عبد الرحمن (طه)، تجديد المنهج في تقويم التراث، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط4، 2012.
- ابن كثير (عماد الدّين إسماعيل ت 774 هـ)، تفسير القرآن العظيم، تحقيق طه سعد، شرح أحاديثه عبد الله المنشاوي، دار الاعتصام، القاهرة، (د، ت).
- فوكو (ميشال)، المراقبة والمعاقبة ولادة السّجن، ترجمة علي مقلد، مركز الإنماء القوميّ، بيروت، 1990.
- المحلّي (جلال الدّين) السّيوطي (جلال الدّين)، تفسير الجلالين، دار ابن كثير، بيروت، ط 13، 2008.
- مسلم (ابن الحجّاج النيسابوري ت264هـ)، الجامع الصحيح، تح، محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي بيروت، ج 3، 1424 هـ.
- ابن منظور (أبو الفضل جمال الدّين محمد بن مكرم بن علي)، لسان العرب، دار صادر، بيروت، (د، ت).
- يول (جورج)، التداوليّة، ترجمة قصي العتابي، الدّار العربيّة للعلوم، بيروت، ط1، 2010.
باللّغة الأجنبيّة:
- Ducrot et Anscombre, L’argumentation dans la langue, éditions Mardaga, Liege-Bruxelles, 2 Ed, 1988.
- Ducrot, La valeur argumentative de la phrase interrogative, inlogique, Argumentation, Conversation, éd Peter Lang, Berne-Francfort, 1983.
[1]– أبو محمد عاصم المقدسي: ولد سنة 1959 يعتبر أبو محمد المقدسي وهو عاصم البرقاوي، الأردني من أصل فلسطيني، من أبرز منظري تيار السلفية الجهادية، وصاحب التأثير الكبير على شباب القاعدة.
[2]– قفقفا: سجن قفقفا هو أحد السّجون الأردنيّة، يقع في منطقة جرش على بعد 47 كم شمال عمان.
[3]-جرش: تبعد عن العاصمة عمان حوالي 48 كم إلى الشّمال باتّجاه سوريا: https://www.citypopulation.de/Jordan-Cities.html
[4]– أبو مصعب الزّرقاوي: من أهمّ قيادات جماعة التوحيد والجهاد أردنيّ الجنسيّة ولد سنة 1966 وتوفي سنة 2006
انظر: أبو رمّان (محمد) وأبو هنيّة (حسن)، الحلّ الإسلاميّ في الأردن الإسلاميّون والدّولة ورهانات الدّيمقراطيّة والأمن، مراجعة وتدقيق ميس نوايسة وفراس خير الله، مؤسّسة فريدريش إيبرت- مركز الدّراسات الاستراتيجيّة الجامعة الأردنيّة، عمّان الأردن، 2012 م، ص 284- 285.
[5]– الحلّ الإسلامي، مرجع سابق،ص284.
[6]– المرجع نفسه.
[7]– فوكو (ميشال)، المراقبة والمعاقبة ولادة السّجن، ترجمة علي مقلد، مركز الإنماء القوميّ، بيروت، 1990، ص 207.
[8]– فوكو، المراقبة والمعاقبة، مرجع سابق،ص208
[9]– المقدسي (أبو محمد عاصم)، وقفات مع ثمرات الجهاد بين الجهل في الشّرع والجهل بالواقع، منبر التّوحيد والجهاد، إصدارات غرفة الفجر الإسلاميّة، الجمعة الأوّل من ربيع الثّاني 1425 هـ، ص1. (نسخة الكترونيّة متوفّرة للتّحميل)
ويؤكّد فوكو في نفس الإطار وظيفة السّجن عند المعاقبين “استمرّ السّجن دائما جزءا من حقل ناشط كثرت فيه المشاريع وإعادة التّنظيم والتّجارب والخطابات النظريّة والشّهادات والتّحقيقات؟”، المراقبة والمعاقبة، ص238.
[10]– الحلّ الإسلاميّ، مرجع سابق،ص294
[11]– الحلّ الإسلاميّ، مرجع سابق،ص294.
[12]– المقدسي، أبو محمد، نص رسالة المقدسي للزرقاوي، الزرقاوي: مناصرة ومناصحة مناصحة، على الرابط التالي:
http://www.tawhed.ws :
[13]– “إنّ اختيار اللّفظ وإحلاله في الموقع المناسب في السّياق هو أساس البلاغة، والإحسان في البيان، فإنّ إحدى اللّفظتين قد تنفرد في موضع، وتزلّ عن مكان لا تزلّ عنها اللّفظة الأخرى، بل تتمكّن فيه وتضرب بحرانها، وتراها في مظانّها وتجدها غير منازعة إلى أوطانها، وتجد الأخرى لو وضعت موضعها في محلّ نفار ومرمى شراد، ونابية عن استقرار”، الباقلاني (أبو بكر)، إعجاز القرآن الكريم، تحقيق أحمد صقر، دار المعارف، مصر، ط3، 1971، ص 220.
[14]– وقفات مع ثمرات الجهاد، ص101.
[15]– الزركشي (بدر الدّين)، البرهان في علوم القرآن، تحقيق زكي أبو سريع، دار الحضارة للنّشر والتوزيع، الرياض، ط1، 2006، ج2، ص415.
[16]– وقفات مع ثمرات الجهاد، ص112
[17]-Ducrot et Anscombre, L’argumentation dans la langue, éditions Mardaga, Liege-Bruxelles, 2 ed, 1988, p30.
-Ducrot, La valeur argumentative de la phrase interrogative, in logique, Argumentation, Conversation, éd Peter Lang, Berne-Francfort, 1983, 99.
[18]– صولة (عبد اللّه)، الحجاج في القرآن من خلال خصائصه الأسلوبيّة، دار الفارابي، بيروت، ط1، 2001، ص427.
[19]– وقفات مع ثمرات الجهاد، ص102.
[20]– الجرجاني (عبد القاهر)، دلائل الإعجاز، تحقيق محمود شاكر، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 2004، ص174.
[21]– وقفات مع ثمرات الجهاد، ص112.
[22]– وقفات مع ثمرات الجهاد، مرجع سابق، ص114.
[23]– المرجع نفسه، ص103.
[24]– المرجع نفسه، ص110.
[25]– المرجع نفسه، ص111.
[26]– الشّهري (عبد الهادي)، استراتيجيّات الخطاب مقاربة لغويّة تداوليّة، دار الكتاب الجديد المتّحدة، بيروت، ط1، 2004، ص528.
[27]– السّجلماسي (القاسم)، المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، مكتبة المعارف، المغرب، ط1، 1980، ص476.
[28]– المقدسي (أبو محمد عاصم)، ملّة إبراهيم ودعوة الأنبياء والمرسلين وأساليب الطّغاة في تمييعها، ص16. http/www/.tawheed.ws
[29]– الطاغوتُ: ما عُبِدَ من دون الله عز وجل، وكلُّ رأْسٍ في الضّلالِ، طاغوت، وقيل الطاغوت الأصنام، وقيل الشيطان، وقيل الكهنة، وقيل مردة أهل الكتاب، وقوله تعالى: ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ [سورة النّساء: 51]، قال أبو الحسن: قيل الجبت والطاغوت، ههنا حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف اليهوديان لأنّهم إذا اتّبعوا أمرهما، فقد أطاعوهما من دون اللّه تعالى، وقوله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾ [سورة النّساء: 60]، أي إلى الكُهان والشيطان، يقع على الواحد والجمع والمذكّر والمؤنّث. ابن منظور (أبو الفضل جمال الدّين محمد بن مكرم بن علي)، لسان العرب، دار صادر، بيروت، (د، ت)، ج 15، ص 187.
[30]– وقفات مع ثمرات الجهاد، ص113.
[31]– زيادة (معن)، الموسوعة الفلسفيّة العربيّة، معهد الإنماء العربي، بيروت، ط1، 1986، مج1، ص773
[32]-يول (جورج)، التداوليّة، ترجمة قصي العتابي، الدّار العربيّة للعلوم، بيروت، ط1، 2010، ص19.
[33]– الطبري (أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب ت310هـ)، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، حقّقه وضبط نصّه وعلّق عليه د. بشّار عوّاد معروف ود. عصام فارس الحرستاني، مؤسّسة الرّسالة، بيروت، ط 1، 1415 هــــ/ 1994م، المجلّد 4، ص 442، وهو حديث مرسل عن أبي العالية.
[34]– المرجع نفسه، ص442.
[35]– المحلّي (جلال الدّين) السّيوطي (جلال الدّين)، تفسير الجلالين، دار ابن كثير، بيروت، ط 13، 2008، ص 357.
[36]– الطّبري، جامع البيان، مرجع سابق، ص146.
[37]– السّعدي (عبد الرّحمان بن ناصر)، تيسير الكريم الرّحمان في تفسير كلام المنّان، قدّم له فضيلة الشّيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل وفضيلة الشّيخ محمد بن صالح العثيمين، تحقيق د. عبد الرّحمان بن معلاّ اللويحق، دار السّلام للنّشر والتّوزيع، الرّياض، ط 2، 1422 هـ/ 2002 م، ص 297.
[38]– ابن كثير (عماد الدّين إسماعيل)، تفسير القرآن العظيم، تحقيق طه سعد، شرح أحاديثه عبد الله المنشاوي، دار الاعتصام، القاهرة، (د، ت)، ج 10، ص 453.
[39]– السّعدي، تيسير الكريم الرّحمان..، مرجع سابق، ص286.
[40]– وقفات مع ثمرات الجهاد، ص102
[41]– متّفق عليه من حديث معاوية ابن أبي سفيان: البخاري (محمّد بن إسماعيل ت256هـ)، الجامع الصحيح، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، تح، محمد زهير ناصر، دار طوق النجاة، ط1، 1422هـ، ج 1، 25، ح71. مسلم (ابن الحجّاج النيسابوري ت264هـ)، الجامع الصحيح، كتاب الجهاد، باب لا تزال طائفة من أمتي، تح، محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي بيروت، 3، 1424، ح1037.
[42]– الحاكم (محمد بن عبد الله النيسابوري ت405هـ)، المستدرك على الصّحيحين، كتاب الجهاد، تح، مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ-1990م، ج 2، 130، ح2557، من حديث جابر بن عبد الله وقال: صحيح الإسناد ولم يُخرّجاه، وأشار الذهبي إلى ضعفه، وحسّنه الألباني بمجموع طُرُقه.
[43]– أبو داود (سليمان بن الأشعث السجستاني ت275هـ)، السّنن، كتب الجهاد، باب نسخ نفير العامة بالخاصّة، تح، شعيب الأرناؤوط، دار الرسالة، ط1، 1430هـ-2009م، من حديث أنس وصحّحه الأرناؤوط والألباني، ج 4، ص 159، ح2507.
[44]– متّفق عليه من حديث زيد بن خالد الجهني: البخاري، الجامع الصّحيح، كتاب الجهاد والسير، باب فضل من جهّز غازيا أو خلفه بخير، ج 4، 2، ح2843. مسلم، الجامع الصحيح، كتاب الإمارة، باب إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره وخلافته في أهله بخير، ج 3، 1506، ح1895.
[45]– متّفق عليه من حديث سعد بن أبي وقّاص: البخاري، الجامع الصّحيح، كتاب المغازي، باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة، (6/3)، ح4416. مسلم، الجامع الصحيح، كتاب الفضائل، باب فضائل عليّ ابن أبي طالب، ج 4، 1870، ح2404.
[46]-عبد الرحمن (طه)، تجديد المنهج في تقويم التراث، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط4، 2012.
[47]– وقفات مع ثمرات الجهاد، ص104.
[48]– المرجع نفسه، ص105.
[49]– المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[50]– الحلّ الإسلامي، مصدر سابق، ص292.
[51]– ينظر: المقدسي (أبو محمد عاصم)، الكواشف الجليّة في كفر الدولة السعوديّة، إصدارات غرفة الفجر الإسلاميّة، ط 2، 1421هـ.، يتوفر للتّحميل من موقع: http://www.tahed.wsمنبر التوحيد والجهادhttp://www.alsunnah.info
كتب عليه ما يلي: “حقوق طبع هذا الكتاب غير محفوظة لأحد ويسمح لكلّ أحد طباعته وحتّى ترجمته ونشره بالمجّان إغاظة أعداء الله. وكذلك الاتّجار به دون مراجعة مؤلّفه شرط عدم تحريف أيّ شيء من محتواه”.
المقدسي (أبو محمد عاصم)، إمتاع النظر في كشف شبهات مرجئة العصر، إصدارات غرفة الفجر الإسلاميّة، ط2، 1420 هــ.