ملخص:
إنّ الرّديف، باعتباره بدلا، لا ينضاف ببساطة إلى إيجابيّة حضور مليء بذاته إلاّ بفعل نقص مسجّل بدءا في قلب هذا الحضور. إنّ روسّو، وفي الوقت الّذي يشنّع فيه بقصور الكتابة، يجاهر بالارتياب من الكلام المباشر ويتوجّس من الانحرافات النّاجمة عن “سراب مباشرته”. يُدين الكتابة لكونها تحجب الحضور ولكونها تحرمنا من “سحر المتعة الحاضرة”، ولكنّه –وفي الوقت نفسه- يبدي توجّسه من الكلام الّذي قد لا يكون ممكّنا إلّا من الفوز بحضور واهم. ويمكن فهم التّحليل الدّريدي لمنطق الرّديف عند روسّو من خلال الاحتكام إلى روسّو في حدّ ذاته: فعندما يقول روسّو إنّ ” التّربية تكمّل الطّبيعة “فإنّ ذلك يشير إلى تصوّر معقّد عن الطّبيعة الّتي يفكّر فيها تارة على أنّها شيء كامل في ذاته تنضاف إليه التّربية بوصفها شيئا نافلا، وطورا على أنّها شيء ناقص لا بدّ من أن يستكمل بالتّربية حتّى يكون هو نفسه حقّا. وفي هذه الحالة تكون التّربية أمرا حتميّا ولازماً لتتجلّى الطّبيعة الحقّ على حقيقتها. إنّ منطق الرّديف يجعل التّربية في آن لازمة وغير لازمة، تماما كما يجعل الكتابة شديدة الخطورة وكثيرة الخصوبة والفعالية في آن.
الكلمات المفتاحيّة: الكتابة، الرديف، التّفكيك، . الطّبيعة، التّربية.
Abstract:
For Jean-Jacques Rousseau, writing is always conceived as a Convention which opposes the living word, that is the most natural form to signify thought. Writing is a representation, a simple supplement to speech, a dangerous means or a help threatening the natural destiny of language: this dangerous supplement breaks with nature.
Derrida unfolds the concept of the supplement for two aspects: the supplement is both addition and the substitution simultaneously, it’ s – on the one hand – an “external addition” compared to a plenitude to which it is added, but it also designates a “substitution to a lack”. It underlines a dual movement of addition/substitution bordering the idea of nature: If this element comes to fill, it is because there is a void to fill, that is to say an original absence, a lack inscribed in the nature of nature itself. The supplement _ as a “fatal advantage” _ is thus a subaltern instance which holds the place, and its place – as substitute – is assigned by the mark of a vacuum. Supplementarity is what makes origin possible. There is no origin, there is only the originating supplement.
Keywords: writing – Supplement – Deconstruction – Nature – Education.
1- مقدمة:
لئن كان الكشف عن استمراريّة خطاب اللّاهوت والميتافيزيقا حتّى في الأعمال الّتي تناهض اللّاهوت والميتافيزيقا، هو المطلب الأكثر إلحاحا للتّفكيك ، فإنّ دريدا، وللكشف عن هذا الإستئناف، يموضع تدخّله في الحقل الكتابيّ أي في تفكيك الموقف الميتافيزيقيّ الغربيّ من الكتابة في شتّى مظاهر تنوّعه وظهوره. إنّ الكتابة هي المدخل إلى تفكيك الميتافيزيقا بوصفها تاريخا متمركزا حول الصّوت واللوغوس، حتّى لكأنّ مجال المكتوب هو مستوى الجدل مع الميتافيزيقا، وأنّ كلّ حديث عن مستقبل الفلسفة أو عن مستقبل الميتافيزيقا لا بدّ أن يمرّ بنقد الكتابة[1] وبتجاوز ميتافيزيقا الحضور.
إنّ ميتافيزيقا الحضور الّتي وطّنت المعنى في الحاضر هي مشروع ظلّ منعقدا في جملته على إحداثيات المعنى والحضور، ومشدودا إلى مطلب الأصل الّذي لا يتخطّى معناه فيها أكثر من إمكانيّة مفتوحة لإنتاج الذّات كحضور. إنّ التّوق التّأسيسيّ لميتافيزيقا الحضور وشغفها بمطلب الأصل والأساس جعلاها تبتعد عن الحياة حذفا وتجريدا وتسطيحا، تطلّق العالم بدل التّوغّل فيه وتتعامى عن هذا “التّواشج الواثق بين العالم والكينونة والّذيمن دونه تكون الماهية جموحا ذاتويّا وعجرفة”[2]. فـ”الأساس الأخير للفكر فيها يبدو وكأنّه غريب عن التّاريخ، إنّه معنى يستبطنه الفكر وليس واقعة يفترضها أو تنبسط فيه. . . إنّ الوعي الّذي تعكف عليه فلسفة الحضور ليس متورّطا وبأيّ حال في الواقع ولا هو معرّض لحرج الأشياء والتّاريخ “[3].
فلسفة الحضور إذن هي الاسم الّذي كان دريدا يشير به إلى كلّ نظم المعرفة الفلسفيّة الّتي أنتجها الغرب إلى حدود اللّحظة الّتي صار فيها يتوجّب على التّفكيك أن يطرح على الميتافيزيقا- من خلال التّسلّل إلى داخلها – أسئلة تجعلها تظهر تلقائيا عجزها عن الإجابة وتفضح تناقضاتها الدّاخليّة، إنّه نوع من الهدم المحايث للميتافيزيقا عبر إنهاكها داخليّا ورجّ نظامها المراتبيّ. وتنهض الجراماتولوجيا بمهمّة نقض منطق العلامة الّذي شيّدت على أساسه الميتافيزيقا كلّ صروحها، وعليها تقع مهمّة تفهّم “لماذا ينبغي أن نفهم ماهية اللّغة وفقا لنموذج الكتابة لا وفقا لنموذج الكلام”، وهي بذلك تعلن عن “تحوّل جديد في تاريخ الكتابة وفي التّاريخ بوصفه كتابة”. صار يتعيّن علينا – بالنّظر إليه- أن نعيد ترتيب تفكيرنا في اللّغة والمعنى وفي علاقة الكلام بالكتابة.
هذا التّعارض الميتافيزيقيّ بين الكلام والكتابة، يتمّ تفكيكه في النّصوص الّتي تعمل على توكيده، إذ يثبت في النّهاية أنّ الكلام يستند إلى الخصائص نفسها الّتي من المعتاد ردّها إلى الكتابة، وأنّ النظريّات المؤسّسة على الحضور تحلّ نفسها بنفسها، بما أنّ الأساس أو الأرضيّة المفترضة تتكشّف باعتبارها نتاج نسق تمايزيّ، أي نتاج نسق اختلاف وتخالف وتأجيل وإرجاء .
إذا كان تاريخ الميتافيزيقا إذن هو تاريخ تحديد الوجود بوصفه حضورا، وأنّ أيّ معنى ما كان له أن يكون فيه دالاّ إلّا انطلاقا من الحضور وإلّا باعتبارها حضورا، وإذا كانت مغامرته تختلط بمغامرة مركزية اللوغوس من أقصاها إلى أقصاها، فإنّ أعمال روسّو تحتلّ موقعا خاصّا بين محاورة فايدروس لأفلاطون وكتاب الموسوعة لهيقل. وإذا كان العقل اللّانهائي لله هو الاسم الآخر للّوغوس بوصفه حضورا للذّات من ديكارت إلى هيقل، فإنّ روسّو، كان خلال كلّ هذه الفترة، بلا شكّ هو الوحيد، بل أوّل من جعل من اختزال الكتابة موضوعا، وصاغ نظام هذا الاختزال الّذي كان متضمّنا في ذلك العصر بشكل عميق، “إنّه يعيد الحركة الافتتاحية لمحاورة فايدروس وكتاب أرسطو عن التّأويل، ولكن هذه المرّة من خلال نموذج جديد للحضور: حضور الذّات للذّات في الوعي أو في الشّعور”[4].
إنّ الهدف من العودة إلى روسّو هو تقديم عيّنة دالّة عن الممارسة التّفكيكيّة كما قدّمها دريدا في واحدة من أشهر قراءاته وأثراها[5]، فما الذي يعنيه التفكيك الدريدي لروسو معطوفا على تصور هذا الأخير للكتابة بما هي رديف؟
2- في المفاضلة بين الكتابة والكلام:
في مقاله (محاولة في أصل اللّغات)[6] يشدّد روسّو على “أنّ الكلام هو أصل اللّغة، وأنّ الكتابة لا تعدو أن تكون مجرّد شكل من الأشكال الطفيليّة. إنّ الكتابة ملحق للكلام تماما مثلما يكون الاستمناء ملحقا للجنس”[7]، ففي الكتابة يبلغ تبلّد اللّغة أقصاه ويدرك افتقارها مداه، “فلا يبقى فيها من طاقة التّعبير شيء، بل يتحوّل كلّ ذلك إلى وضوح المعنى ودقّة الأفكار. هكذا ينتقل إيحاء نبرة النّطق إلى صميم نبرة الرّسم؟ فما عادت تحمل من حياة اللّغة إلاّ ذكراها. ولكنّها ذكرى ميّتة”[8]. لكن هناك، وفي المقابل، كتابة أخرى تكون محلّ تمجيد وهي الكتابة الإلهيّة الّتي تضاهي في جدارتها صوت الوعي بما هو قانون إلهيّ، صوت القلب والشّعور.
هناك إذن، كتابة حسنة وأخرى سيّئة: الكتابة الحسنة أو الطّبيعيّة، الخطّ الإلهيّ في القلب والرّوح، “كتابة الحقيقة في النّفس الّتي تضعها محاورة فايدروس a)278( في تعارض مع الكتابة السّيّئة “[9] والكتابة الفاحشة، المصطنعة، التقنيّة والمنفيّة في الجسد، تعديل، من الدّاخل تماماً، للرّسم الأفلاطوني. كتابة للرّوح وأخرى للجسد كتابة للباطن وثانية للخارج، كتابة للوعي، وغيرها للأهواء، مثلما هناك صوت للرّوح وصوت للجسد[10]. إنّ “الكتابة الطّبيعيّة مرتبطة مباشرة بالصّوت، بالزّفرة، طبيعتها ليست كتابيّة ولكن رئويةPneumatologique، كهنوتية، قريبة من الصّوت المقدّس الدّاخليّ النّاطق بشهادة الإيمان”[11]، ومن الصّوت الّذي يرنّ صداه في ذواتنا العميقة. حضور ممتلئ وصادق للكلام الإلهيّ في شعورنا الدّاخليّ، نقش إلهيّ في النّفس والقلب. يجب أن نضع “الكتابة الإلهيّة أو الطّبيعيّة في مواجهة التّسجيل البشريّ والمضني والنّهائيّ والاصطناعيّ “[12]. إنّ الكتابة كتكنيك هي رديف[13] خطر، ضرب من الحيلة الاصطناعيّة والمصطنعة بهدف إسباغ الحضور على الكلام الغائب: ” إنّها البداهة المطمئنة الّتي انتظم وفقا لها التّراث الغربيّ وما زال يعيش في كنفها”[14].
إنّ روسو “يكرّر الحركة الأفلاطونيّة برجوعه إلى نموذج للحضور: الحضور في الذّات داخل الشّعور، داخل “الكوجيتو الحسّي” الّذي يحمل في الوقت نفسه القانون الإلهيّ مخطوطا فيه”[15]. إنّ الكلمة المكتوبة تتحلّل من كلّ الرّوابط “بالشّعور والجهد والحراك الفكريّ، وتتلاشى النّفس والأغنية والإيقاع، ويحلّ محلّهم الشّكل. والشّكل يمسك ويفتن، يفرّق ويعزل. ومرّة أخرى تتعارض باطنيّة الجهد الصّوفيّ مع خارجيّة البصمة الميّتة الّتي لا تقوى على “إنقاذ نفسها”[16].
إنّ الكتابة جنوح خطير وإنقاذ مهدّد، فعندما تكون الطّبيعة بوصفها حوارا مع الذّات، قد ذوى بريقها للتوّ أو احتجبت، وعندما يعجز الكلام عن تأويج الحضور وحماية عنفوانه، تصبح الكتابة ضروريّة. يتعيّن عندئذ وعلى وجه السّرعة أن نسعف الحضور بأن تنضاف الكتابة إلى الكلمة بوصفها صورة أو تمثيلا[17]. ويؤدّي هذا الاحتماء بالكتابة إلى انحسار الحضور المباشر للفكر عبر التّمثيل وانحرافه، “إنّه خطير لأنّها إضافة تقنيّة وحيلة اصطناعيّة مضلّلة لجعل الكلام حاضرا عندما يكون بالفعل غائبا. إنّها عنف يطرأ على المصير الطّبيعيّ للّغة”[18]، لذلك يقرن روسو “الشّرور الكبرى الّتي تجتاح الحضارة بالكتابة”[19].
لا تكون الكتابة إلّا رديفا للكلام وتدميرا للحضور الحيّ التامّ ومرضا حقيقيّا اعترى الكلام[20]، لأنّ اللّغة معدّة، في الأصل، لنتكلّمها. والكلام يترجم الفكر بتوسّط الاصطلاحات اللّغوية. وهكذا تمثّل الكتابة الكلام الّذي يمثّل الفكر. إنّ “الكتابة خطيرة عندما يقدّم التّمثيل نفسه من خلالها وكأنّه الحضور، والعلامة وكأنها الشّيء ذاته”[21]. إنّ الرّديف – الّذي يحدّد هنا مفهوم الصّورة التّمثيليّة –يحتوي في ذاته على دلالتين يكون تعايشهما أمرا غريبا ولكنّه ضروريّ في آن: إنّ الرّديف يضاف، إنّه فائض، امتلاء يثري امتلاء آخر، إنّه أوج الحضور. إنّه يجمع الحضور ويراكمه. لكنّ الرّديف ينوب عن، إنّه لا يضاف إلّا ليحلّ محلّ، إنّه يتدخّل أو يتسرّب ليحلّ محلّ. وإذا كان يملأ فهو أيضا يسدّ فراغا، إنّه “النّقصان المستلزم لإتمام النّفص الأصليّ الّذي كان وما زال يستدعي ما يسدّ قصوره في سلسلة لا نهائيّة من العوز والإرجاء “للكمال””[22]. إنّ الرّديف هو ما يأتي لينضاف وما يسدّ نقصا.
وبوصفه معوّضا ووكيلا يكون الرّديف مساعدا. إنّه رتبة أدنى تقوم مقام[23]، ومكانه محدّد في البنية بشارة تعيّن فراغا. إنّه “بوجه من الوجوه وجود لا يمكن أن يمتلئ بنفسه، يمكن أن يمتلئ إلاّ إذا سمح بأن يمتلئ بعلامة وبواسطة توكيل. فالعلامة هي دائما مكمّل للشّيء نفسه”[24]. فكما أنّ الكتابة تفتتح أزمة الكلام الحيّ انطلاقا من صورته، من رسمه أو من تمثيله، بالطّريقة نفسها يفتتح الاستمناء دمار الحيويّة انطلاقا من الإغراء الخياليّ[25]. هذا الرّديف الخطير ” الّذي يسمّيه روسّو أيضا “الامتياز المشؤوم “هو حقّا فاتن: إنّه يقود الرّغبة إلى الخارج ويجعلها تهيم خارج الطّرق الطّبيعيّة، يقودها إلى ضياعها وانحرافها، لهذا فهو نوع من الهفوة أو الفضيحة”[26] لأنّ “كلّ ما يناقض الطّبيعة أو يعارضها ينمّ عن ذوق فاسد”. [27]
إنّ الرّديف خطير لأنّه يفكّك الرّوابط الّتي تصلنا بالطّبيعة. إنّ “الاستمناء، الّذي يجسّد حبّ الذّات بمنحها أشكالا من الحضور، وباستدعاء ألوان من الجمال الغائب”[28]، يبقى في تقدير روسّو نموذجا للانحراف والرّذيلة. إنّ الاستمناء مؤشّر على الفقد والغياب (غياب الآخر وفقد حضوره الطّبيعيّ)، فهو “لا يحيل إلى جسد الآخر، إنّما إلى صورته”[29]. فعندما يحبّ المرء ذاته من خلال استدعاء حضور الآخر، فإنّه بذلك يغيّر ذاته. هذا التّغيير شرّ عارض لأنّه يأتي من الخارج ليؤثّر في التّمام الطّبيعيّ للذّات وليعزلها عن الغير، فمع “الكتابة بدأ الفصل والطّغيان والتّفاوت. تتجاهل الكتابة متلقّيها، كما تخفي مؤلّفها. وتفصل النّاس، تماما كما تفصل الملكيّة مالكيها. ويساوي طغيان المعجم والنّحو طغيان قوانين التّبادل كما تتمثّل في النّقود. وبدلا من كلمة الله، صار لدينا حكم المتعلّمين وهيمنة الرّهبان. إنّ انشقاق الجماعة العاقلة، وتقسيم التّربة، وتحليل الفكر، وحكم العقائد الجامدة، كلّ ذلك ولد مع الكتابة. “[30]. إنّ الكتابة فضلا عن كونها داء لغويّا، هي داء سياسيّ أيضا[31].
من الصّعب إذن أن نفصل بين الكتابة والاستمناء[32]عند تقصّينا لسلسلة المكمّلات. يكون الرّديف خارجيّا سواء كان مضافا أو كان نائبا، يكون خارج الوضعيّة الّتي يضاف إليها، غريبا عمّا ينبغي أن يكون مختلفا عنه، بما أنّه يحلّ محلّه. [33]وهكذا فلسلبيّة الشّرّ دائما دور المكمّل، الشّرّ خارج عمّا هو بالطّبيعة بريء وطيّب، إنّه يطرأ على الطّبيعة ولكنّ ذلك يتمّ دائما في شكل الإنابة “عمّا ينبغي له ألّا يغيب عن ذاته”[34].
وهكذا فالحضور الّذي هو دائما طبيعيّ، يتّخذ – لدى روسّو أكثر من غيره – طابعا أموميّا، يجدر به أن يكفي ذاته. يقول روسّو في كتاب إميل: “إنّ عناية الأمّ مثل عناية الطّبيعة لا يمكن أن يكون لها بديل” و”إنّ الحرمان من لبن الأمّ هو الأصل الّذي نبعت منه جميع الشّرور”[35]. إنّ الطّبيعة تكفي نفسها وتكتفي بها ولا يمكن أن يستعاض عنها بغيرها، فمكمّلها ليس جنيسا لها بل هو يفترق عنها كما تفترق هي عنه في الأصل ومن حيث الطّبيعة. “لذلك ينتقد روسو المجتمع وزخارفه وعدم المساواة فيه، إنّه يدعو إلى طبيعة هي بمثابة النّظام والانسجام أي العقل. ويريد أن يضع الإنسان في هذا النّظام بجعله يفلت من التّشوّش والفوضى الّتي يخلقها التّنظيم الاجتماعيّ. هذا هو هدف التّربية والتّعليم: تشكيل كائن طبيعيّ، طيّب، عاقل وقادر على الاجتماع، وهو ما يطرحه كتاب إميل أو في التّربية”[36].
ورغم ذلك، فإنّ التّربية تتحدّد بوصفها نظاما تعويضيّا من الاستبدال “من شأنه أن يعيد بناء صرح الطّبيعة بأكثر الطّرق طبيعيّة قدر الإمكان”[37]. إنّها الثّقافة الّتي ينبغي أن تتمّم الطّبيعة الّتي تبدو مشوبة باعتلال، باختلال لا يمكن بطبيعته إلّا أن يكون عارضا. إنّ نظام التّربية وفق هذا الشّرّ الضّروريّ: “تعويض ما ينقص “وهو تعويض يدعونا روسّو إلى حصر حقول عمله وتأخيرها قدر الإمكان بهذه العبارات: “دعوا الطّبيعة تعمل وقتا طويلا، قبل أن تتدخّلوا بالعمل بدلا عنها”[38].
إنّ ازدواج الرّديف يجعله يظهر، وفي الآن نفسه، بوصفه فرصة للتّدارك وأصلا للانحراف. يقول دريدا “يأتي المكمّل بصورة طبيعيّة ليضع نفسه محلّ الطّبيعة، المكمّل هو الصّورة الطّبيعيّة وتمثيلها، وعلى هذا فالصّورة ليست في الطّبيعة ولا هي خارجها”[39]. كيف ذلك؟
إنّ مبدأ الرّديف وهو يعني “ذلك الّذي يكمّل أو يضيف”، كالكتابة الّتي نَعُدّها هامشيّة بالنّسبة إلى الكلام، فعندما نرى ذلك الشّيء وقد حلّ محلّ الشّيء المكتمل أو نعتبره قادرا على تكملته أو إكماله، عندئذ يمكننا أن نبيّن كيف أنّ الصّفات الّتي تصوّرناها مميّزة لما هو هامشيّ هي في الواقع الصّفات الّتي تحدّد هوّية الموضوع المركزيّ الّذي نحن بصدده، أي أنّ الاكتمال الّذي يدّعيه الأصل مشوب منذ البداية، يتوطّنه اللاأصليّ ويؤجّل اكتماله. ويمكن فهم التّحليل الدّريدي لمنطق الرّديف عند روسّو من خلال الاحتكام إلى روسّو نفسه: فعندما يقول روسّو إنّ “التّربية تكمّل الطّبيعة “فإنّ ذلك يشير إلى تصوّر معقّد عن الطّبيعة الّتي يفكّر فيها تارة على أنّها شيء كامل في ذاته تنضاف إليه التّربية بوصفها شيئا نافلا، وطورا على أنّها شيء ناقص أو غير كاف لا بدّ من أن يستكمل بالتّربية حتّى يكون هو نفسه حقّا. وفي هذه الحالة تكون التّربية أمرا حتميّا ولازماً لتتجلّى الطّبيعة الحقّ على حقيقتها.
3- منطق الرّديف:
وهكذا فإنّ منطق الرّديف يجعل الطّبيعة هي الكلمة الأولى وهي الطّرف السّابق أو الأوّل الأصيل، يجعلها امتلاء كان موجوداً منذ البداية تأتي يد الإنسان لاحقا لإفساده[40]، من جهة، ولكنّه يكشف، من جهة أخرى، عن افتقار أو غياب كامن فيها. فمنطق الرّديف نفسه هو الّذي يكشف عن وجود بعض النّقص في طبيعة الطّبيعة ممّا يستلزم وجود شيء ما آخر خارجيّ لاستكمال هذه الطّبيعة الّتي هي في الأصل كاملة. إنّ منطق الرّديف يجعل التّربية في آن لازمة وغير لازمة.
كتب روسّو في “إميل”: “فحين أعطت الطّبيعة النّساء ذهنا لمّاحا ومرنا، فإنّما أرادت بتلك المنحة أن يفكّر النّساء ويُحسنّ الحكم على الأمور ويحببن ويعرفن. وأن يجمّلن عقولهنّ كما يجمّلن ظاهرهنّ وهيئتهنّ. هو السّلاح الّذي منحته الطّبيعة للنّساء ليعوّضهنّ عن القوّة البدنيّة الّتي تنقصهنّ ولكي يواجهن به قوّتنا”[41]، و”إنّ الكائن الأعظم أراد في كلّ أفعاله تكريم النّوع البشريّ حينما أعطى الرّجل ميولا لا حدّ لها، وأعطاه في الوقت عينه القانون الّذي ينظّمها، بحيث يكون حرّا وخاضعا لذات نفسه. وهذا القانون هو العقل. وأمّا المرأة فقد منحها رغبات غير محدودة، وشفع تلك الرّغبات بالحياء كي يلجمها”[42]. إنّ الميول والعقل يترادفان أصليّا عند الرّجل، كما أنّ الحشمة عند المرأة، “هي في نفس الوقت طبيعيّة، وهي ما يعوّض عن شبقيّة الرّغبات الّتي ليست أقلّ طبيعيّة. لكن إذا كان الأمر كذلك، فإنّ الطّبيعة ستكون في بعض الأحيان مشتاقة إلى ذاتها، والإضافة المصطنعة ستكون بالتّالي قديمة قدم ما هو طبيعيّ”[43].
إنّ التباس الرّديف يموضعه في منزل بينيّ، فهو ليس الحضور وليس غيابا، ليس دالّا أكثر ممّا هو مدلول، وليس ممثّلا أكثر ممّا هو حضور، وليس كتابة أكثر ممّا هو كلام. “إنّ الإضافة ليست شيئا زائدا ولا ناقصا، ولا هي بخارج ولا بتكملة للدّاخل، إنّها ليست جوهرا ولا عرضا”[44]، ولا يستطيع أيّ من مصطلحات هذه السّلسلة أن يهيمن على اقتصاد الرّديف لأنه متضمّن فيها. الرّديف هنا يحتلّ وسطا بين الحضور والغياب الكلّيين، إنّ لعبة الرّديف تعيّن نقصا محدّدا لتملأه، إنّها وسائط تنتج معنى الشّيء نفسه الّذي تقوم بتأجيله. إنّ المباشرة مشتقّة والأصل مشوب، وكلّ شيء يبدأ مع الوساطة. لذلك، ف”ليس مفهوم الأصل أو الطّبيعة إلّا أسطورة الإضافة أو الإكمال الّتي يتمّ إلغاؤها لأنها محض زيادة. إنّها أسطورة محو الأثر أي أسطورة إلغاء الإرجاء الأصليّ”[45].
رديف الأصل: يكشف لنا روسّو عن الطّابع الخارجيّ المطلق للكتابة. لا يتعلّق الأمر بالنّسبة إلينا حقيقة ببيان داخليّة ما ظنّه روسّو خارجيا، وإنّما بالأحرى أردنا أن نتيح التّفكير في قوّة الخارجيّ بوصفها قوّة مكوّنة لما هو داخليّ: أي للكلام وللمعنى المدلول عليه وللحاضر بوصفه كذلك. إنّه المعنى الّذي كنّا نقصده منذ لحظات المضاعفة أو الشّطر redoublement-dédoublement التّمثيل المُميت الّذي يشكّل الحاضر الحيّ دون أن يكون مجرّد إضافة بسيطة إليه، أو بالأحرى الّذي يكونه – بشكل مفارق- حين يضيف نفسه إليه. يتعلّق الأمر إذن بزائد أصليّ. “إنّه بالأحرى رديف للأصل: ينوب عن الأصل النّاقص، ومع ذلك فهو ليس مشتقّا منه”[46].
إنّ جوهر الرّديف غريب يتمثّل في ألاّ يكون للمكمّل أيّة طبيعة جوهريّة، وبالتّالي يمكن له “ألاّ يحدث”. وهو بالمعنى الحرفيّ للعبارة لم يحدث أبدا: فهو ليس حاضرا أبدا هنا والآن، ولو كان كذلك لما كان على ما هو عليه، أي أن يكون مكمّلا يشغل مقاما ويحلّ محلّ آخر. على هذا النّحو نرى كيف قامت الميتافيزيقا باستبعاد اللاّحضور من خلال تعريفها للمكمّل بأنّه مجرّد خارجية بسيطة أي إضافة خالصة وغياب خالص، في حين أنّ الحضور الأصليّ ليس بحضور أو غياب ولا هو بسلب أو إيجاب.
إنّ الرّديف تعقيد غير قابل للاختزال، نظام ترادف بين الأضداد، فما يريده روسّو وما هو معلن هو دوما الأصل[47]، صفاء الأصل والحضور، امتياز الصّوت، متعة بدون اختلاف أمّا ما هو موصوف فهو دوما إضافة قاتلة منذ البدء”[48]، لذلك صار محتّما على التّفكيك أن يتفادى الوقوع في فخّ التّقابلات الميتافيزيقية، وأن يقيم بكلّ بساطة داخل الأفق المغلق لهذه المتقابلات محاولا رجّه من الدّاخل ومحاولا “صوغ سياسات جديدة للقراءة”[49].
وهكذا فـ “إنّ الكتابة الّتي يبدو من مهامّها تثبيت اللّغة، هي عينها الّتي تغيّرها. فهي لا تغيّر كلماتها بل عبقريّتها. إنّها تعوّض التّعبير بالدّقة. فالمرء يؤدّي مشاعره عندما يتكلّم وأفكاره عندما يكتب”[50]. لكن إذا كانت الكتابة بوصفها رديفا لا تغيّر الكلمات فحسب وإنّما تغيّر روح اللّغة أيضا، فذلك معناه أنّ هذا الرّديف الّذي يبدو في الأصل لا يساوي شيئا، إذا حكمنا عليه بآثاره وجدناه أكثر بكثير من لا شيء، بل لعلّه –في بعض المواضع- أنسب ممّا يفترض أصلا أنّه ينوب عنه وخير منه، كما” أنّه خير للطّفل أن يرضع لبن أمّ صحيحة البنية من أن يرضع لبن أمّه المدلّلة، إذا فرض أنّ هناك ما يخشى أن يلحقه منها أدهى ممّا ورثه من دمائها”[51].
ليس الرّديف حضورا ولا غيابا، ولا يمكن لأيّة انطولوجيا أن تحيط بعمل الرّديف، إنّه أشبه ما يكون بـ “البقعة السّوداء”، بالنّقطة العمياء أو اللاّمرئيّ الّذي يدشّن الرّؤية ويضبط حدودها[52]. ليس جوهرا للإنسان ولا خصيصة وليس عرضيّا، هو لعب الحضور والغياب الّذي لا تستطيع الميتافيزيقا أن تقبض عليه، هو النّقص الّذي يجد في الآخر تمامه مع أنّه يهدّد بتحويله إلى شيء آخر سواه. إنّ الرّديف باعتباره بدلا لا ينضاف ببساطة إلى إيجابيّة حضور مليء بذاته إلاّ بفعل نقص بدئي مسجّل أصليّا في قلب هذا الحضور، إنّ مكانه محدّد في البنية عبر علامة فراغ. لا شيء يقدر على الامتلاء بذاته، ولا الاكتمال إلاّ بجعل نفسه يردم بتوكيل ونيابة: هذا هو القانون، وهذا هو “ما لا يتقبّله العقل”.
ففي حركة الرّديف حلول محلّ الشّيء لتوكيد نقص فيه، ليس الحضور طبيعيّا ولا أموميّا أبدا، بل يتعيّن من الآن ترميم الطّبيعة بأقرب ما يكون إلى الطّبيعة. لا يُناب عن الطّبيعة (الأمومة) في نظر روسّو إلّا بعادة تترسّخ (التّربية) بحيث تحوّل الثّقافة إلى طبيعة، فكما “يتشكّل النّبات بالزّراعة، يتشكّل البشر بالتّربية، فمن ولد فارها قويّا لن تجديه قامته وقوّته إلى أن يتعلّم كيف يفيد منهما بل تكونان مصدر ضرر له بما تمنعان غيره من التّفكير في مدّ يد العون إليه”[53]. إنّ روسو يعترف، من جهة بنقص الطّبيعة وأهميّة الثّقافة، لكنه لا يقرّ بهذا النّفص وهذه الأهميّة من جهة أخرى إلّا بوصفهما لاحقين عرضيين، وهنا بالذّات يكمن خطل الميتافيزيقا الّذي صار يوجب تفكيكها.
إنّ للرّديف بنية ازدواج وتعقّد غير قابلة للاختزال وللتّرويض، تولد الميتافيزيقا نفسها داخله لكنّها لا تقوى على إخضاعه للتفكير، لأنّ عَماها بإزائه قد شكّل إلى حدّ الآن شرط قيامها نفسه. إنّ محو هذا التّعقّد هو ما حاولته الميتافيزيقا منذ البدء، يعني محو الأثر. وأن تكون إرادة المحو هذه قد تركّزت على الكتابة، فتلك مسألة صرنا ندرك بالنّسبة إلى الميتافيزيقا اليوم ضرورتها، ذلك أنّ الكتابة هي الاسم الآخر لبنية الرّديف، وهي “ممثّل الأثر وإن لم تكن الأثر نفسه”، أثر منتثر تُبين الكتابة عن حركة انتثاره.
إنّ الرّديف هو عمل الإرجاء الّذي يفصم ملاء الحضور ويؤخّره في الآن نفسه، يشقّ وحدة الذّات، يصدّعها ويلقيها خارج نفسها. إنّ الحضور لم يعد يعني إلاّ إخلافا بلا حدود، وإنّ حياة الحاضر الحيّ تطلع من اللّاهوية الذاتية non identité a soi، من إمكان الأثر الإمساكيّ. هي أثر في الأصل لا أصلا. وهو لا أصل لا يكون وجوده ممكنا بغير رديف للأصل، لا وجود إلّا لدلالات نيابيّة لم يكن لها أن تنبثق إلاّ في سلسلة من الإحالات المتبادلة. إنّ أصليّة الأصل لا معنى لها بغير المعنى الّذي تحصل عليه انطلاقا من أثر أو استدعاء للرّديف. إنّ الكتابة لم تعد ضلالا للصّوت بل إنّها صارت تستولي على كنه اللّغة، فتفتح اللّغة كما تفتح المعنى، وهي بالذّات ما يزعزع صلف الملاء السّعيد.
4- الكتابة الأصلية Archi- écriture:
إنّ الكتابة الأصليّة، تعدّ– عند دريدا-الأكثر تأسيسا من تلك الّتي كانت، قبل ذلك، مجرّد رديف للكلام وانكسار للحضور الطّبيعيّ أو مجرّد وسيط يكشف عن معنى أصليّ كان قد تقدّم بوجوده في النّفس . وهو ما يؤكّد أنّ الكتابة لم تكن في يوم ما مجرّد رديف، وأنّه صار ملحّا، من الآن، ” النّظر في السّلوك التّاريخيّ للكتابة والأشكال الّتي اتّخذتها العلامة في انتقالها من منغلقها الصّوتي (العصر الإغريقيّ، الكتابات المقدّسة) إلى منفتحها الحداثيّ (اختراع المطبعة)، ثمّ من انعطافها المتعالي(ديكارت وهوسرل) والتّداوليّ (أوستين )”[54]. وصولا إلىالتّفكير في منطق جديد للرّديف، وهذا الإلحاح هو الّذي كان قد وجّه دريدا في تفكيكه للرّديف عند روسّو تفكيكا كشف أنّ الرّديف ليس معناه المكمّل إنّما معناه المرادف أيضا.
إنّ روسو، وفي الوقت الّذي يشنّع فيه بقصور الكتابة، يجاهر بالارتياب من الكلام المباشر ويتوجّس من الانحرافات النّاجمة عن “سراب مباشرته”. يُدين الكتابة لكونها تحجب الحضور ولكونها تحرمنا من “سحر المتعة الحاضرة”[55]، ولكنّه –وفي الوقت نفسه- يبدي توجّسه من الكلام الّذي قد لا يكون ممكّنا إلّا بالفوز بحضور واهم. إنّ الصّوت يمسّنا ويستهوينا لأنّه يخترقنا. نحن نستطيع، كما يقول روسّو، أن نتلافى النّظر إلى شيء مرئي وأن نطبق العينين أمام كتاب، إلّا أنّنا لا تستطيع إلّا أن نستسلم للنّبرات الّتي يتغلغل عبرها الصّوت إلى أعماق وجداننا فيستولي على مجامع القلوب. إنّ “لغة الصّوت لا تتولّد إلّا متى فاض القلب بالعواطف، لذلك يحكي تولّد الكلام تولّد الهوى. “[56] ثمّة إذن بين القلب والصّوت نفاذيّة وتواطؤ عجيب.
إنّ الكتابة إذن بوصفها عزاء عن خسران الكلام المليء، الّذي هو على وجه التّخصيص كلام غائب، هي ما يفرض حركة التّرديف الّتي صار يتعيّن علينا “عدم إفلات وحدتها العجيبة”. إنّها حركة انفصال لكنّها متآلفة، شعور بخيبة الرّجاء وحماسة مستأنفة. هذه الحركيّة المنكسرة والعازمة في الوقت نفسه وبالقدر ذاته، وصفها جان ستاروبنسكيفي كتابه الشّفافية والعائق، بنبرة حائرة، في دراسة يعود إليها دريدا كالتّالي: كيف سيتجاوز روسّو سوء التّفاهم هذا الّذي يمنعه من التّعبير عن نفسه بمقتضى قيمته الحقّة؟، كيف يفلت من مخاطر الكلام الارتجاليّ ؟ وما صيغة الاتّصال الّتي يجدر اللّجوء إليها؟ وبأيّة وسيلة أخرى يمكن للمرء أن يعلن عن نفسه إذا كان يخشى أن يُبين عن نفسه في الكلام بشكل خاسر؟[57].
يقول روسّو:” وإذا اضطررت إلى الكلام، لم أدر ما الّذي أقول، فإن نظر إليّ أحد، اضطربت. لكنّ الأحاديث العاديّة لا أتوصّل البتّة إلى أن أقول بمناسبتها شيئا، فأنا لست أطيقها لا لسبب إلّا لكوني مجبرا فيها على الكلام. لذلك، فإنّ القرار الّذي اتّخذته في الكتابة والاحتجاب هو بالضّبط ما كان يناسبني. إنّني لو حضرت فلن يعرف قيمتي أحد قطّ. “[58]. هذا الاعتراف خطير ويستحقّ أن نبرّره. يقول ستاروبنسكي، “فجان جاك يقطع مع الآخرين، ولكن ذلك ليقدّم لهم نفسه في الكلام المكتوب. هناك يصوغ ويعيد صياغة عباراته على هواه، محتميا بالعزلة”[59].
إنّ استرداد الحياة لا يتسنّى إلاّ بفقدها ذاته. إنّ ما يقوم به روسّو، بلغة دريدا هو “أكبر تضحية تستهدف أكبر إعادة امتلاك رمزيّ للحضور”[60]. فـ”في ذات اللّحظة الّتي يحاول روسّو فيها أن يشرح كيف أصبح كاتبا، يصف الانتقال إلى الكتابة بحسبانه ترميما يتمّ بواسطة غياب ما وبواسطة نمط من الإلغاء المحسوب للحضور في ذاته الّذي خاب ظنّه في عمليّة الكلام”[61].
لكن، أليس الموت عبر الكتابة هو أيضا فاتحة للحياة؟ ألم يكتب روسّو في اعترافاته: “سأبدأ العيش عندما سأنظر إلى نفسي على أنّني إنسان ميّت”؟ عندما تتوارى الطّبيعة ويفشل الكلام في ترميم كلّ من الحضور المليء والقرب من الذّات، وعندما ينتزع “منّا هذا الحضور المشتهى في حركة اللّغة الّتي نحاول بها امتلاكه”[62]، تصبح الكتابة ضروريّة، تأتي لتنضاف كقوّة مميتة إلى حياة الكلام أو كغياب في معاضدة حضور يترنّح، وهو ما يمنح الكتابة “سلطة رهيبة لدرجة أنّها تفتتح إمكانيّة الكلام بقدر ما تهدّدها”[63].
لكنّ علاقة الكلام بالكتابة ليست تناظريّة أبدا، بل إنّهما يتمازجان في تركيب بنية يذهب دريدا أنّ جلّ مجهود الميتافيزيقا الغربيّة كان مصروفا إلى فصمها وإلى الفصل فيها بين ما تتوهّم أنّه الأصل الصّافي وما كانت تحسبه رديفا مهدّدا. إنّ الكتابة – كما الاستمناء – خطيران[64]، لكنّهما أيضا نافعان في التّوقّي من خطر وفي توفير إنفاق، الإنفاق الّذي يستوجبه العبور إلى الآخر في علاقة حيّة. إنّ الكتابة تمثّل من جهة “الجهد المبذول من أجل الامتلاك الرّمزيّ للحضور” وهي من جهة أخرى “تكريس لتبدّد هذه الملكيّة ممّا تسبّب في تشتيت الكلام”[65]. إنّ الكتابة رديف بالغ الخطورة وبالغ الفعاليّة والخصب في آن.
من أجل ذلك قد نورّط التّفكيك في شراك ما يسعى إلى دفعه إن نحن فهمنا تصوّر دريدا للكتابة بوصفه ثأرا للكتابة بعد ما كان من أمر التّشنيع عليها في ظلّ مركزيّة اللّوغوس الغربيّة[66]. لكن كيف تكون الكتابة الأصلانيّة هي شرط الخلاص من الشّراك الميتافيزيقيّ للتّقابل؟
لا يتعلّق الأمر هنا بإعادة تأهيل الكتابة بمعناها الضّيّق أو بردّ اعتبارها، ولا يتعلّق الأمر كذلك بقلب نظام التّبعيّة في اللّحظة الّتي يبدو فيها شرعيّا، فبدل الانقلاب على منطق التّراتب يتمّ تمييع الحدود داخل مجال شرعيّتها. إنّ نزعة التّشيّع للصّوت لن تكون قابلة للتّفكيك طالما نحن نحتفظ بالمفاهيم المتداولة فيها للكلام والكتابة، والّتي يتشكّل منها النّسيج المتين لبراهينها. إنّ التّأكيد على ثانويّة الكتابة المزعوم، مهما كانت واقعيّة الدّلائل عليه، “لم يكن ممكنا إلّا بشرط حسبان لغة “أصليّة” و “طبيعيّة” إلخ… وهذه اللّغة لم يكن لها يوما وجود ولم تبق يوما سليمة دون أن تمسّها الكتابة، بل كانت دائما هي نفسها كتابة، كتابة أصليّة Archi- écriture”[67].
لئن كانت الميتافيزيقا تشدّد على أفضليّة الكلام على الكتابة، فليس المطلوب دريديّا إثبات العكس، أو ليست أكثر الخطابات بلاغة هي تلك الّتي نرصّع فيها أكبر قدر من الصّور، وأنّ الأصوات لا تتمتّع بطاقة تعبير أكثر ممّا عندما تكون آثارا للألوان؟ وأنّ فصاحة الكلام الّتي هي قوّة البيان والبلاغة إنّما تتأتّى من الصّور كما الصّورة الشّعريّة في الشّعر؟ وأنّ المجاز في اللّغة المحكيّة إنّما يستمدّ طاقته من المرئيّ أي من تصويريّة هيروغليفيّة منطوقة؟ هناك نتيجة حاسمة: منطق الرّديف هو النّاظم لكلّ فكر روسّو الّذي ليس له من معنى خارج سياج اللّعب هذا، لعبة التّرديف هذه هي أيضا لعبة كتابة. لذلك يشدّد دريدا على لا مفهومية الكتابة، فالكتابة ليست حضورا جديدا يشير إلى مكان إنتاج أوّلي يتمخّض عنه الكلام كما يتمخّض عنه النّصّ المكتوب، “إنّ الكتابة لا تبدأ، إنّما انطلاقا منها. . . تتمّ خلخلة مسألة البحث عن بدء أصليّ، وعن بداية مطلقة أو عن أصل. فالكتابة لا يمكنها أن تبدأ بقدر ما لا يمكن للكتاب أن ينتهي”[68]. لكن كيف يمكن لعدوى الكتابة أن تخترق مناعة الكلام وأن تخترق بساطته عندما تتسلّل إليه منتهكة حصون عليائه وانغلاقه؟
إنّ الكلام الّذي يزعم الحياة والمباشرة ويدّعي “إعطاء المرء علامة على فكره بصوت منغّم”[69]، “يوصف فجأة بمجاز مستعار من نظام ما يريد اقصاؤه بالذّات”، نظام شبهه الشّائه. فعندما توضع كتابة حسنة (حيّة، عارفة، ناطقة) في مواجهة كتابة رديئة (مصطنعة، مائتة، خرساء)، نفهم أنّ المعركة الأساسيّة للفلسفة لم تكن بين الكلام والكتابة وإنّما خيضت بين كتابتين، وأنّ الميتافيزيقا لم تكن إدانة لكتابة هي تماما ما يناسب الطّرشان باسم كلام مفعم بالحضور، بقدر ما هي تفضيل لكتابة على أخرى[70]، وأنّ الميتافيزيقا لم تمثّل إدانة للكتابة باسم الكلام الحاضر بقدر ما هي تفضيل لكتابة على أخرى[71]، وأنّ كلّ شيء في النّهاية إنما هو كتابة.
إنّ الكتابة الأصليّة، تعدّ – عند دريدا – الأكثر تأسيسا من تلك الّتي كانت، قبل ذلك، مجرّد رديف للكلام وانكسار للحضور الطبيعي أو مجرّد وسيط يكشف عن معنى أصليّ كان قد تقدّم بوجوده في النفس. وهو ما يؤكّد على أنّ الكتابة لم تكن في يوم ما مجرّد رديف، وانّه صار ملحّا، من الآن، التّفكير في منطق جديد للرّديف، وهذا الإلحاح هو الّذي كان قد وجّه دريدا في تفكيكه للرّديف عند روسّو تفكيكا كشف أنّ الرّديف ليس معناه المكمّل إنّما معناه المرادف أيضا.
إنّ “الكتابة الأصليّة هي الإمكانيّة الأولى للكلام، ثمّ للكتابة بالمعنى الضّيّق والمتداول”[72]. إنّ الكتابة تحوي اللّغة وتتضمّنها وليست مجرّد إفصاح ثانويّ متأخّر، بل “إنّ الكتابة والعلامة الخطّيّة تفتح الوعي على العلامة من حيث إنّها قدرة ثوريّة”[73]. إنّ هذا المعنى الخصوصيّ للكتابة، يقول دريدا “قد بدأ يتجاوز مدى اللّغة ويفيض عنه، كما لو كانت الكتابة تنطوي على اللّغة، لا لأنّ الكتابة لم تعد تدّل على “دالّ للدّالّ”، وإنّما لأنّه بدا يتضّح، تحت ضوء غريب، أنّ تعبير “دالّ الدّالّ ” نفسه قد كفّ عن الإدلال على الازدواج العرضيّ أو الثّانويّة المنحطّة”[74].
5- خاتمة:
إنّ الكتابة الأصليّة الّتي “تضع حدّا لأسطورة الأصل الحاضروتعطّل الطّموح الميتافيزيقيّ للكلينة “totalisation”مخصّصة، إذن، للدّلالة على الاختلاف الأكثر إرهابا للوغوس وتمزيقا للحضور. ولأنّها تفتح نظام كتابة قوامه لعبيّة الدّالّ فهي تتحدّد كـ ” إخصاء مجازي “لفكرة الأصل ومعارضة للمثال الفلسفيّ للانسجام. إنّ الكتابة تجعل المعنى يرنّ بطريقة متعدّدة pluri-dimensionnelle وينفصل عن نفسه في كلّ اتّجاه. إنّ الكتابة تشتيت، والتّشتيت “تعدّد توليديّ غير قابل للاختزال، فالإضافة وشغب النقص يشرخان جسد النّصّ ويمنعان شكلنته النّهائيّة الانغلاقيّة”[75] وتسكينه، فيحوّلانه إلى بركان نشط. وكما أنّ الفرق الخطّيّ في ديفرانس بين الحرفين (a و e)، يخفيه الصّوت وتبديه الكتابة فإنّ المعنى هو فعل الكتابة ذاته الّذي لا قدوة له غير استرساله في فعل التّشكّل عبر البذر اللّعوب. Dissémination
إنّ النصّ موارب ولعوب، موسوم بلعب يبذر الكلمات، يستأنف تسجيلها في حلقات لم تعد تتحكّم في خيوطها، وبما أنّ ” النّصّيّة تتشكّل من اختلافات واختلافات اختلافات، فهي تظلّ بالطّبيعة متنافرة (عديمة التّجانس) على نحو مطلق، وتتوالف من دون انقطاع مع القوى النّازعة إلى إلغائها”[76]. لا وجود في أيّ مكان لكلمة نواتية أو مفتاحun maitre-mot في وحدتها الّتي ستضمن معنى ما أو حقيقة ما. ليس في واقعة الكليّة والجدّة ما به يكون خلاص المعاني من شراك الإرجاء والإضافيّة ومن قانون المواربة la loi du biais[77] ومن مغامرة “عدم إرادة قول أيّ شيء” يكون معناه مستغلقا على تعدّدية التّأويلات.
إنّ التّشتيت إخصاءcastrationأصليّ يسجّل الإخصاء في الأصل، إنّه تعدّديّ و”يسجّل الاختلاف في الحياة”، لكنّه “لا يظهر كتهديد بالموت لشذرة تكون واحدة مع ذاتها سابقا”[78]، بل يؤكّد لعبة الحياة كصدفة وضرورة، يؤكد شتاتاأوّليّا . إنّ الإخصاء يعني عنف كتابة دامية ثائرة ضدّ قيم الأصل، يباشر كلّ حاضر عندما ينفّذ إيجابيّا قتل الأب. بدون هذه القطيعة لن يحضر الحاضر ولن يدخل الكتاب في اللّعبة. ” إنّ حضور الحاضر… لا يبدو.. على الخشبة… لا يتكلّم إلّا في لعبة هذه القطيعة .. إذا أخذنا في الاعتبار ما يقسّمه ويقطعه في انطلاقه نفسه… فالحاضر لم يعد فقط ما هو حاضر”[79].
إنّ الإخصاء تمرّد وانقطاع عن أبويّة اللّوغوس وعن أصليّة المدلولات، لذلك “لن يصبح مدلولا أصليّا، مركزيّا أو نهائيّا، موطنا حميما للحقيقة، بل على خلاف ذلك سيصبح تأكيدا لهذا اللّا-أصل، للمكان الفارغ لمائة بياض حيث لا يمكن أن نعطيه معنى، ولكن فقط تعداد إضافات السّمة وألعاب الاستعاضات إلى ما لا نهاية”[80].
إنّ التّشتيت هو تلك الزّاوية من لعبة الإخصاء الّتي لا تعني شيئا في ذاتها، لا تترك نفسها تتكوّن لا من مدلول ولا من دالّ، لا تحضر أكثر ممّا تتمثّل، لا تظهر أكثر ممّا تختفي. إنّها لا تملك إذن في ذاتها أيّة حقيقة[81]. إنّ الإخصاء في الأصل إعلان عن غياب الأصل، فهو يدشّن عمليّة تلقيم وترديف تضع حدّا لكلّ عبارة أصليّة، تفتح نظام كتابة “لم تعد تحكمه البراهين”[82]. إنّ الكتابة الأصليّة بما هي إخصاء أصليّ “تضع حدّا لأسطورة الأصل الحاضر”[83].
قائمة المصادر والمراجع:
بالعربيّة:
- تورين (ألان)، نقد الحداثة، ترجمة أنور مغيث، المجلس الأعلى للترجمة، 1998 .
- دريدا )جاك(، مواقع، حوارات. ترجمة فريد الزاهي، عن دار توبقال للنشر. الطبعة الأولى 1992.
- دريدا )جاك( صيدلية أفلاطون، ترجمة كاظم جهاد، دار الجنوب للنشر، تونس 1998.
- دريدا )جاك(، الكتابة والاختلاف، ترجمة كاظم جهاد تقديم محمد علال سيناصر، دار توبقال للنشر، المغرب، الطبعة الثانية 2000.
- دريدا )جاك(، ما الآن؟، ماذا عن غد؟ الحدث، التفكيك، الخطاب، إشراف محمّد شوقي الزّين، دار الفارابي، ط1، بيروت2011.
- دريدا )جاك)، رودينيسكو (إليزابيث )، ماذا عن غد؟، “محاورة”، ترجمة سلمان حرفوش وتقديم فيصل دراج، الطبعة الأولى، دار كنعان، دمشق 2008.
- دريدا جاك(، حوار لهاشم صالح مع جاك دريدا في مجلة الفكر العربي المعاصر العدد 54-55 أوت 1988.
- روسّو )جون جاك(، إميل أو في تربية الطّفل من المهد إلى الرّشد، تعريب نظمي لوقا، الشّركة العربيّة للطّباعة والنّشر، القاهرة، بدون تاريخ.
- روسّو) جون جاك(، محاولة في أصل اللّغات، تعريب محمّد محجوب وتقديم عبد السّلام المسدّي، دار الشّؤون الثّقافيّة العامّة(آفاق عربية)-بغداد والدّار التونسيّة للنّشر.
- روسّو )جون جاك(، الاعترافات، ترجمة خليل رامز سركيس، المنظّمة العربيّة للترجمة، بيروت-لبنان1982.
- ريكور )بول(، نظرية التأويل: الخطاب وفائض المعنى، ترجمة سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي، المغرب/لبنان، الطبعة الثانية 2006.
- كريستوفر )نوريس(، التّفكيكيّة. النّظريّة والممارسة، ترجمة د/ صبري محمد حسن، دار المريخ، الرّياض، 1989
- كوفمان (سارّة)، وروجي لابورت، مدخل إلى فلسفة جاك دريدا. تفكيك الميتافيزيقا واستحضار الأثر، ترجمة إدريسكثير وعزّ الدّين الخطابي، إفريقيا الشرق الطبعة الثانية 1991.
- محجوب )محمّد(، هيدقر ومشكل الميتافيزيقا، تونس، دار الجنوب للنشر1995.
- مورسيو )إدوارد (، الفكر الفرنسيّ المعاصر، ترجمة عادل العوا، منشورات عويدات، بيروت، ط2، 1989.
بالفرنسيّة :
- Derrida (Jacques), La dissémination, Seuil, Paris, 1972.
- Derrida (Jacques), L’écriture et la différence, Seuil, Paris, 1967.
- Grégoire(Biyogo), Adieu à J. Derrida, enjeux et perspectives de la déconstruction, Le Harmattan 2005.
- Levinas (Emmanuel), En découvrant l’existence avec Husserl et Heidegger, Vrin, Paris 2001.
- Merleau-Ponty(Maurice), Le visible et l’invisible, Gallimard, Paris1964.
- Searle (John Rogers), Déconstruction, trad. de l’anglais par pierre commetti, éd de l’éclat, paris1992.
- Starobinski (Jean), Jean-Jacques Rousseau, La transparence et l’obstacle (suivi de sept essais sur Rousseau), éd Gallimard, 1971.
- Starobinski (Jean), i, L’œil vivant, éditions Gallimard, 1961.
[1]– محمّد محجوب، هيدقر ومشكل الميتافيزيقا، دار الجنوب للنّشر ، تونس 1995، ص52.
[2]– M. Merleau-Ponty, Le visible et l’invisible, Gallimard, Paris1964, p151.
[3]– E. Levinas, En découvrant l’existence avec Husserl et Heidegger, Vrin, Paris 1967, Pp. 34-35.
[4]– جاك دريدا، في علم الكتابة، ترجمة وتقديم أنور مغيث ومنى طلبة، المركز القومي للتّرجمة، القاهرة 2008، ص217.
[5]– خصّص دريدا في علم الكتابة لدراسة روسّو ما ينيف عن ثلاثمائة صفحة أي ما يكاد يعادل ثلثي الكتاب تقريبا.
[6]– جون جاك روسّو، محاولة في أصل اللّغات، تعريب محّمد محجوب وتقديم عبد السّلام المسدّي، دار الشّؤون الثقافية العامّة (آفاق عربية) -بغداد والدّار التونسيّة للنّشر.
[7]– John R. Searle, Déconstruction, trad. de l’anglais par Pierre Commetti, éd de l’éclat, paris1992, p. 10.
[8]– محمد محجوب، من تقديم ترجمته لكتاب روسّو محاولة في أصل اللّغات، مرجع مذكور، ص23.
[9]-جاك دريدا، في علم الكتابة، مصدر مذكور، ص77.
[10]– كريستوفر نوريس، التّفكيكيّة. النّظريّة والممارسة، ترجمة صبرى محمد حسن، دار المرّيخ، الرّياض، 1989، ص84.
[11]-جاك دريدا، في علم الكتابة، مصدر مذكور، ص81.
[12]-المصدر نفسه، ص78.
[13]-اعتمدنا التّعريب الّذي اقترحه الأستاذ محمد محجوب لمفردةsupplément بـ “الرّديف” لسببين جعلاه الأنسب في تقديرنا للمعنى الّذي كان روسو يقصده تخصيصا:
– suppléer في الفرنسية تشير إلى معاني الاستبدال والتعويض والنّيابة وإحلال محلّ. ويعبّر عن هذا المعنى الرّديف بوصفه ما نردفه أي نلحقه ونضيفه، فالرّديف هنا هو الملحق والمضاف.
-الرّديف، على خلاف الملحق والإضافة والزّيادة والمكمّل وغيرها من الترجمات، ينطوي على معنى المرادف، فالرّديف هو ما نردفه بالشّيء ليعوّضه ويحلّ محلّه باعتباره مرادفا له.
[14]– جاك دريدا، في علم الكتابة، مصدر مذكور، ص83.
[15]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[16]– بول ريكور، نظرية التّأويل: الخطاب وفائض المعنى، ترجمة سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي، المغرب/لبنان، الطبعة الثانية 2006، ص75.
[17]– جاك دريدا، في علم الكتابة، مصدر مذكور، ص287.
[18]– المصدر نفسه والصفحة نفسها.
[19]– بول ريكور، نظرية التّأويل: الخطاب وفائض المعنى، مرجع مذكور، ص74.
[20]– جاك دريدا – إليزابيث روديبيسكو، ماذا عن غد؟، “محاورة”، ترجمة سلمان حرفوش وتقديم فيصل دراج، الطبعة الأولى ، دار كنعان، دمشق 2008، ص34.
[21]-جاك دريدا، في علم الكتابة، مصدر مذكور، ص288.
[22]-جاك دريدا في علم الكتابة، مصدر مذكور، ص13.
[23]-المصدر نفسه، ص288.
[24]– المصدر نفسه، ص288.
[25]– المصدر نفسه، ص297.
[26]-المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[27]– روسّو، إميل أو في تربية الطفل من المهد إلى الرّشد، تعريب نظمي لوقا، الشّركة العربيّة للطّباعة والنّشر، القاهرة، بدون تاريخ، ص247.
[28]-جاك دريدا، في علم الكتابة، مصدر مذكور، ص300.
[29]– جاك دريدا، الكتابة والاختلاف، ترجمة كاظم جهاد تقديم محمد علال سيناصر، دار توبقال للنشر، المغرب، الطبعة الثانية 2000. ص26.
[30]– بول ريكور، نظرية التأويل: الخطاب وفائض المعنى، مرجع مذكور، ص74.
[31]– راجع: جاك دريدا، في علم الكتابة، مصدر مذكور، ص323 وما يليها.
[32]– في بيان ارتباط الاستمناء بالكتابة، راجع: دريدا، في علم الكتابة، مصدر مذكور، ص303.
[33]– يتميز المكمّل supplémentعن التكملة complémentكما تقول القواميس، بأنّه إضافة خارجيّة (قاموس روبير Robert). أورده دريدا، في علم الكتابة، ص289.
[34]– جاك دريدا، في علم الكتابة، مصدر مذكور، ص289.
[35]– روسّو، إميل، مرجع مذكور، ص37.
[36]– ألان تورين، نقد الحداثة، نقد الحداثة، ترجمة أنور مغيث، المجلس الأعلى للتّرجمة، 1998، ص43.
[37]-جاك دريدا، في علم الكتابة، مرجع مذكور، ص289.
[38]– ألان تورين، مرجع مذكور، ص 102.
[39]– جاك دريدا، علم الكتابة، مرجع مذكور، ص295.
[40]– يقول روسّو في إميل:” يَخرج كلّ شيء من يد الخالق صالحا، وكلّ شيء في أيدي البشر يلحقه الاضمحلال. يُكره الإنسان الأرض على إنبات ما تخرجه أرض سواها، ويُكره الشّجرة على حمل ثمار شجرة غيرها. يخلط بين الأجواء والعناصر والمواسم، ويُخصي كلبه وحصانه وعبده. يقلب كلّ شيء، ويشوّه كلّ شيء. يحبّ المسخ والإمساخ، ولا يريد شيئا على الوجه الّذي برته به الطّبيعة حتّى ولو كان ما برته الطّبيعة إنسانا مثله”. ضمن: روسّو، إميل، مرجع مذكور ص24.
[41]– روسّو، إميل، مرجع مذكور، ص243.
[42]– المرجع نفسه، ص236.
43- (سارّة)، وروجي لابورت، مدخل إلى فلسفة جاك دريدا. تفكيك الميتافيزيقا واستحضار الأثر، ترجمة إدريس كثير وعزّالدّين الخطابي، إفريقيا الشرق، الطبعة الثانية 1991، ص 35.
[44]– حوار مع جيي سكاربيتا وجان- لويهودوبين ضمن مواقع، حوارات. ترجمة فريد الزاهي، عن دار توبقال للنشر. الطبعة الأولى 1992، ص44.
[45]– جاك دريدا، في علم الكتابة، مصدر مذكور، ص322.
[46]– المصدر نفسه، ص565.
[47]– يكشف عنوان المحاولة في أصل اللّغات عن هذا التّعلّق بالأصل. أما المحاولة ذاتها، فهي”قول يتضمّن في كلّ أجزائه إشارة إلى منجز ويتدرّج شوقا إلى أصل الأصل “كما يقول الأستاذ محمد محجوب في تقديم ترجمته لكتاب روسّو: محاولة في أصل اللّغات، مرجع مذكور، ص22.
[48]– كوفمان، مدخل إلى فلسفة جاك دريدا تفكيك الميتافيزيقا واستحضار الأثر، مرجع مذكور، ص119.
[49]– Grégois Biago, Adieu à J. Derrida, enjeux et perspectives de la déconstruction, l Harmattan2005. p19.
[50]– روسّو، محاولة في أصل اللغات، مرجع مذكور، ص44.
51- روسّو، إميل، مرجع مذكور، ص36.
[52]– دريدا، في علم الكتابة، مصدر مذكور، ص314.
[53]– روسّو، إميل، مرجع مذكور، ص25.
[54]– ما الآن؟، ماذا عن غد؟ الحدث، التفكيك، الخطاب، إشراف محمّد شوقي الزّين، دار الفارابي، الط1، بيروت2011، ص 13.
[55]– راجع: روسّو، الاعترافات، ترجمة خليل رامز سركيس، المنظّمة العربيّة للترجمة، بيروت-لبنان 1982، ص240.
[56]– محمد محجوب، من تقديم ترجمته لكتاب روسّو محاولة في أصل اللّغات، مرجع مذكور، ص23.
57- Jean Starobinski, Jean-Jacques Rousseau, La transparence et l’obstacle (suivi de sept essais sur Rousseau), éd Gallimard, 1971, p. 154.
[58]– روسّو، الاعترافات، مرجع مذكور، ص73. ويروي روسّو في موضع لاحق من الاعترافات الصّعوبات الّتي كان يلاقيها أحيانا أثناء الكلام المباشر. يقول في الفصل الرّابع من القسم الأوّل: “واضطربت في الإجابة والتبست عليّ الأمور، أُرتِجَ عليّ فسخروا منّي”. المرجع نفسه، ص232.
[59]– Jean Starobinski, Jean-Jacques Rousseau, La transparence et l’obstacle, op. cit, p. 154.
[60]– دريدا، في علم الكتابة، مصدر مذكور، ص285.
[61]– المصدر نفسه، ص284.
2- Jean Starobinski, L’œil vivant, éditions Gallimard, 1961, p. 109.
[64]– خطر الكتابة على الذاكرة الحيّة الّذي كان قد نبّه إليه أفلاطون يستعيده روسّو بهذه العبارات: “كلّ الأوراق الّتي جمعتها كي تحلّ محلّ ذاكرتي وتهديني في هذا السّبيل، ومرّت إلى أياد أخرى، لن تعود بعد ذلك إلى يديّ”. روسو، الاعترافات. أورده دريدا ضمن: في علم الكتابة، مصدر مذكور، ص283.
[65]– دريدا، في علم الكتابة، مصدر مذكور، ص321.
5- يقول دريدا: “تعني المنطقية المركزية أو العقلانية المركزية بالمعنى المحدّد للكلمة أنّ الأشياء مركّزة ومتمحورة حول اللّوغوس: أي تدخّل لغة العقل أو خطاب العقل بصفته اللّوغوس. واللّوغوس كلمة إغريقيّة، والتّاليف لا أعتقد أنّه بإمكاننا التّحدّث عن المنطقيّة المركزيّة في أيّ ثقافة أخرى غير الغربيّة. “مقتطف من حوار لهاشم صالح مع جاك دريدا في مجلة الفكر العربي المعاصر العدد 54-55 أوت 1988.
[67]– جاك دريدا، في علم الكتابة، مصدر مذكور، ص307.
[68]– جاك دريدا، مواقع، مصدر مذكور، ص19.
2- دريدا، في علم الكتابة، مصدر مذكور، ص181.
[70]– دريدا، صيدلية أفلاطون، ترجمة كاظم جهاد، دار الجنوب للنشر، تونس 1998، ص110.
[71]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[72]– جاك دريدا، في علم الكتابة، مرجع مذكور، ص160.
[73]- مورسيو إدوارد، الفكر الفرنسيّ المعاصر، ترجمة عادل العوا، منشورات عويدات، بيروت، ط2، 1989، ص82.
[74]– جاك دريدا، نهاية الكتاب وبداية الكتابة، ضمن النسخة المعرّبة للكتابة والاختلاف، ترجمة كاظم جهاد تقديم محمد علال سيناصر، دار توبقال للنشر، المغرب، الطبعة الثانية 2000، ص104.
[75]– المرجع نفسه، ص46.
[76]– دريدا، صيدلية أفلاطون، مصدر مذكور، ص52.
[77]– راجع:
– Derrida, La double Séance, in La dissémination, Seuil, Paris, 1972. P. 289.
[78]– Derrida, Dissémination, op. Cit, p 337.
[79]– Ibid, p336
[80]– “La castration. . Ne peut devenir un signifié originaire, central ou ultime, le lieu propre de la vérité. Elle représente au contraire l’affirmation de cette non –origine, le lieu vide et remarquable de cent blancs auxquels on ne peut donner sens, multipliant les suppléments de marque et les jeux de substitution à l’infini “Derrida, La double séance, note n 56, in: La Dissémination, op. cit, p300.
[81]– جاك دريدا، مواقف، مصدر مذكور سابقا، ص120.
[82]– المصدر نفسه، ص12.
[83]-Derrida, “Freud et la scène de l’écriture in «L’écriture et la différence, Seuil, Paris, 1967 , p. 302.