ملخص:
إنّ هدف الاهتمام بالخطاب الدّينيّ المتداول في وسائل الإعلام وفوق المنابر المسجديّة، منحصرٌ في رهاني التّطويع والتّسليع: التّطويع بما هو الإقناع يهدف إلى الاستقطاب والاستدراج إلى الحزب أو المذهب، أو الإلحاق بالمجموعة الخاصّة بباثّ هذا الخطاب المدفوع في ذلك بغايات إيديولوجيّة أو مذهبيّة مضمرة تستحضر مصالح تنظيمات محدّدة وليس مصلحة الدّين. أمّا التّسليع فيعني تحويل الخطاب الدّينيّ إلى سلعة أو بضاعة تسوّق للمريدين بهدف الكسب الماديّ أو الإثراء، أي أنّه خطاب مدفوع الأجر يكسب من خلاله باثّوه من أئمّة ودعاة وقنوات إعلاميّة مختلفة، المال الوفير ويكدّسون الثّروات المعتبرة. لذلك فهم حريصون على تلوين هذا الخطاب وفقا لغاياتهم، وشحنه بكلّ المواصفات الدّافعة إلى تحقيقها. تزامنًا مع هذه الهواجس والنّوايا تغيب عن هذا الخطاب الغايات التّنمويّة الفعليّة التي تمثّل أولويّة الأولويّات لبلداننا السّاعية إلى اللّحاق بركب التّقدم والنّموّ. بما يجعل هذا الخطاب متجاهلا لمشاغل الأمّة وهمومها وغير متحمّل لمسؤولياته الحضاريّة تجاهها. وهو ما يجيز الدّعوة إلى تصحيحه وتطويره واستبدال هلاميّته المائعة عبر اقتراح بدائل تنمويّة واجتماعيّة عمليّة وجدّية. ولتأكيد هذه الفرضيّة يكفي النّظر برؤية تحليليّة ثاقبة لهذا الخطاب من خلال النّفاذ إلى عمقه المتواري في جوهر المصطلحات والجمل المعهودة.
الكلمات المفاتيح: الدّين، الخطاب الدّينيّ، التّطويع، التّسليع، التّنمية.
Abstract:
The objective of the religious discourse diffused in the media and the mosques is twofold: to frame followers and to earn money. it is demagoguery and commodification. the first means to convince people in order to join the party or the doctrine or to add them to the group of the transmitter for undeclared ideological or doctrinal ends. It supports the interests of specific organizations and not of the religion. the second means transforming religious discourse into a commodity introduced to followers for material gain and enrichment, that is to say a paid discourse that allows imams and the media to accumulate wealth. Thus, they undermine the developmental goals which represent the primary objective of our developed countries. This proves that this religious discourse overlooks the omma / nation’s problems and concerns and evades responsibility towards the civilization. This justifies the call to correct this discourse and replace its metaphors and fluidity with practical and serious proposals for social development. To have a deep analysis of this speech it will be sufficient to reveal the reality hidden by usual phrases and structures.
Key words: religious, religious discourse, demagoguery, commodification, development.
1- المقدّمة:
منذ نهاية القرن الماضي تكاثرت الانتقادات الموجّهة للإسلام والمحاسبة له خاصّة على عديد السّلوكيّات القصوى المنفلتة التي يأتيها بعض المسلمين، ويمكن أن يرتقي الكثير منها إلى حدّ الإرهاب والإجرام. فهو يتحمّل المسؤوليّة على ما يُرى ويُرتكب من أفعال مرعبة كالاغتيالات والتّفجيرات والانتهاكات للحرمات في عديد البلدان الشّرق أوسطيّة والآسيويّة تحديدا. ولا تكلّ عديد الهيئات القانونيّة والمراكز البحثيّة والقنوات الإعلاميّة عن تتبّع وإحصاء هذه الأفعال الإقصائيّة المشينة، ومؤاخذة الإسلام والمسلمين عليها حيثما وجدت. والمتأمّل في حجج المنتقدين جميعا يلاحظ بسهولة أنّه نادرا جدّا ما استندت على قراءة موضوعيّة للنّصوص والمرجعيّات الإسلاميّة المعتمدة مثل القرآن والسنّة أو على التّصريحات والمواقف الصّادرة عن المؤسّسات الدّينيّة الرّسميّة في البلدان الإسلاميّة كالجامعات والمراكز البحثيّة. بل بُنيت هذه المواقف والتّقييمات على ما يجري ميدانيّا في واقع بعض البلدان وفي حياة المسلمين وما يأتونه أو يعلنونه باسم الدّين ، وما يمارسونه من عادات وطقوس في بعض المناسبات وينسبونها إليه.
وقد مثّلت الفرق الدّينيّة المتكاثرة في كلّ البلدان الإسلاميّة سواء بتلوينات روحانيّة أو مدنيّة أو عسكريّة، مصدرا للمعلومة، وخزّانا للرّسائل التي يلتقطها المناوؤون ليدعموا بها أقوالهم ويثبّتوا تقييماتهم. أي هم يعتمدون هذا الخطاب الدّينيّ الموازي، ويحتجّون به، ويحسبونه على الإسلام. وما يزيد الطّين بلّة أنّ الفاعلين لا ينتبهون إلى الخطورة الإعلاميّة لأفعالهم، فيعمدون إلى تحليلها وتقييمها لكبحها والتّحكّم فيها والعمل على تطويرها حتّى لا يوسم دينهم بها ويُحمّل وزر مساوئ هذا الخطاب وعنف وضحالة مضمونه.
إنّ قراءة هذا الخطاب الدّينيّ المتداول من طرف أهله قراءة نقديّة ثاقبة لا تعتريها المجاملة ولا الغايات التّمجيديّة وتشخيص سلبياته والاعتراف بنقائصه والتّنبيه إلى مخاطره، صارت أولويّة ملحّة على جميع المختصّين لسدّ جميع منافذ الاستنقاص والاتّهام. فالخطاب الدّينيّ المتداول أصبح عبئا على الإسلام، ومنفذا للحطّ من قيمته ولمحاربته والتّشهير به. لذلك لا بدّ من نقده وتقويمه، وهو ما سنحاول المساهمة فيه من خلال هذا البحث المختصر دون تحامل ولا مجاملة، غير عابئين بما يوجد وراء أي سلوك يبدو لنا سلبيّا وخطيرا على الإسلام. فغايتنا تخليص الدّين من الشّبهات، وتحميل المسؤوليّة لكلّ من يأتي فعلا مشينا باسمه كائنا من يكون. وذلك وعيا منّا بأنّه: “ما كان انهيار صرحنا إلاّ من أوهام اعتقدناها وعادات مهلكة وفظيعة حكّمناها في رقابنا” على حدّ تعبير المصلح التّونسيّ الطّاهر الحدّاد في مقدّمة كتابه: “امرأتنا في الشّريعة والمجتمع”. وعوض توظيف ديننا لتشييد بنائنا الحضاريّ، وتطوير تنميتنا الاجتماعيّة والاقتصاديّة، سطا الطّامعون في السّلطة عليه، ووجّهوه للتّحكّم في الرّقاب وتحقيق المآرب الشّخصيّة، متناسين بذلك أنّ التّنمية هي أولويّة الأولويّات في عالمنا الإسلاميّ ومن أجلها وجب توظيف جميع الأقوال والخطابات بما فيها الدّينيّ على اعتبار أنّ هذا الخطاب في جوهره محرّك للتّنمية والبناء الحضاريّ وليس بضاعة تباع وتروّج من أجل الكسب والإثراء كما يحرص الكثيرون على جعله.
1-1- إشكاليّة البحث:
يتناول البحث اهتمامات الخطاب الدّينيّ المتداول في وسائل الإعلام وعلى أغلب المنابر المسجديّة في رؤية معرفيّة تحاول تشخيص مواصفاته وإماطة اللّثام عن رهاناته ونواياه الحقيقيّة ومدى ارتباطها بالدّين وبأهداف المجتمع المسلم التّنمويّة السّاعية إلى الارتقاء بمستوى أفراده، والتّقدم به في مسار التّنمية الاقتصاديّة للّحاق بركب الأمم المتقدّمة. ويفترض هذا العمل أنّ الخطاب الدّينيّ الذي يروّجه الدّعاة في هذه الفضاءات محكوم برهانات ذاتيّة غير معلنة، لا صلة لها بالغايات الدّينيّة الحقّة ولا بحاجيات المجتمع العاجلة.
1- 2- منهجيّة الدّراسة:
تعتمد هذه الدّراسة المنهج الوصفيّ والمقاربة التّحليليّة المقارنة، وذلك من خلال تحليل جملة من المفاهيم والسّلوكيّات المعتمدة، ومقارنتها بالمرجعيّات الدّينيّة الثّابتة، واستنتاج ما وراء الخطاب الظّاهر، وكشف ضمنيّاته في عمليّة تأويليّة موضوعيّة يدعمها الواقع وما يظهر فيه من حقائق.
1- 3- أهمّية الدّراسة:
تكمن أهمّية هذه الدّراسة في توضيح أنّ الرّهانات التي يسعى الدّعاة الدّينيّون إلى تحقيقها عبر المنصّات الإعلاميّة المختلفة والمنابر المسجديّة التي يشرفون عليها، ليست دينيّة في جوهرها ولا تنمويّة في نواياها بقدر ما هي تكسّبيّة تعمل على جمع المال، أو إيديولوجيّة تحرص على كسب الأنصار للأحزاب والطّوائف والفرق التي ينتمي إليها هؤلاء الدّعاة. وهم يحشدون لذلك الأدلّة والبراهين المنافية أحيانا لجميع الأخلاقيّات والمرجعيّات العلميّة والدّينيّة.
2- معنى الخطاب الدّينيّ:
يعتبر الخطاب من أدوات التّواصل الأساسيّة التي تضمن متانة الرّابطة بين باثّه ومتلقّيه. أمّا مضمونه فمتعدّد، كما تتنوّع محامله وقنواته وفق المجالات المعرفيّة وميادينها وباختلاف الأقوال التي يثيرها. فهو علميّ، فلسفيّ، سياسيّ، اجتماعيّ، دينيّ…، يحمل رسالة ومعنى، ويختزل أهدافا ومقاصد حتى وإن أحجم عن إعلانها والإفصاح عنها، خاصّة لمّا تكون الغايات إيديولوجيّة . ومن امتلك قنوات الخطاب ووسائله ضمن سلطة على الرّأي العامّ، وتمكّن من مواقع التّطويع والتّأثير والتّحكّم. ممّا جعل هذه الآليات رهانا يسعى الجميع إلى الفوز به لتوظيفه والاستفادة منه.
وقد لا تصْدُق جميع هذه الملاحظات على كلّ الأقوال، إذ يمكن أن نستثني الخطاب العلميّ الحريص على موضوعيّته ونسبيّة أحكامه وتجرّده من الأغراض الذّاتيّة باعتماد مناهج ومقاييس واضحة وموحّدة وقابلة للتّثبّت والاختبار. لكنّ الحال في الخطاب الدّينيّ الذي تتقاطع فيه كلّ النّوايا ويخترقه التّوظيف والتّطويع من كلّ مداخله، ليس نفسه. وهو ما يحاول بحثنا كشفه، حيث لن يُعنى ببقيّة الأقوال بل بخطاب النّص الدّينيّ فقط، لننظر في ملامحه وبنيته، ونحاول النّفاذ إلى رهاناته وتمثّل مستقبله الذي يأمل الكثيرون في توظيفه لصالح التّنمية ولتلبية انتظارات المجتمع، ومعالجة أمراض الواقع المرير وإخفاقاته بعيدا عمّا يضمره آخرون من تطويع وتوظيف لكلّ ما هو دينيّ لإحراز مكاسب فئويّة معلومة، حتّى وإن عمدوا إلى إخفائها ولفّها بجميل الكلام وسليم النّوايا.
وبذلك لن يكون حديثنا في الدّين وفي نصوصه، بل في الخطاب الدّينيّ، والفرق شاسع بين المجالين. فالدّين علاقة روحيّة قائمة بين العبد وربّه، أساسها الإجلال والطاعة. وهي مبنيّة على إدراك شخصيّ وقناعة خصوصيّة بقدرة هذا الخالق المطلقة. إنّها علاقة عموديّة مميّزة يرسم حدودها وآفاقها النّصّ القرآنيّ، وتضبط تفاعلاتها الرّسالة المحمّديّة.
أمّا المقصود بالخطاب الدّينيّ فهو ذلك الكمّ من الشّروح والتأويلات والاستنتاجات والسّلوكيّات والأقوال المتكاثرة حول الدّين. أي مجموع الرّسائل التي يبثّها الأئمّة والمفسّرون والدّعاة من مختلف الفرق والمذاهب في الفضائيّات والمواقع الإلكترونيّة وفوق بعض المنابر المسجديّة في اتّجاه المتلقّين وعبر وسائط وقنوات شتّى، منها المكتوب، ومنها الشّفويّ، ومنها المصوّر، معتمدين في ذلك على فهمهم الخاصّ للنّصوص الدّينيّة وللسيرة النّبويّة وعلى شروحات وتعليمات قدواتهم ومذاهبهم. وبهذا يشمل الخطاب الدّينيّ خطب الدّعاة، وكتابات الفقهاء، وأحاديث الأئمّة، ومواقف وآراء واجتهادات وقياسات الجهات الدّينيّة الرّسميّة وغير الرّسميّة النّاشطة على السّاحة. كما قد يكون سلوكا أو إشارة أو ملبسا أيضا، تحمله قناة لتبلّغه إلى متلقٍّ، يفكّكه ويتفاعل معه إيجابا أو سلبا، ويبني من خلاله مواقفه وتقييماته للدّين، خاصّة إذا كان هذا المتلقّي أجنبيّا من غير المسلمين. وهو ما لا يقدّر قيمته وتأثيره جلّ المسلمين والنّاشطين في المجال الدّينيّ.
وبذلك نقول باختصار إنّه: ” يعتبر الخطاب الدّينيّ نشاطا إعلاميّا في حياة الشّعوب المتديّنة، تبلّغ عبره رسالتها، وتنشر أفكارها، وتستقطب اتباعها، وتصلح أخلاق المجتمع”[1].
- فإلى أيّ مدى يصدق هذا القول على الخطاب الدّينيّ المتداول في القنوات المذكورة عند عامة الناس؟
3- مواصفات الخطاب الدّينيّ الإعلاميّ والمسجديّ:
إنّ متابعة الخطاب المتداول عن الإسلام بالمنابر الإعلاميّة والمسجديّة، الذي أخذ عند الكثير من عامّة النّاس وأشباه المثقّفين والأجانب غير المطّلعين مكانة الإسلام ذاته، تُظْهِرُ اتّصافه بالعديد من السّلبيات. فهو مشبع بالمذهبيّة، وتوجّهه المصالح والقناعات الشّخصيّة والانتماءات الضّيّقة. ومن هنا كان منشأ عديد الاختلافات والتّناقضات، وكانت الارتدادات الاجتماعيّة والصّراعات النّاشئة عنه. وكان أيضا التّبرّؤ منه عند الكثيرين، عبر الاحتجاج بعدم ثباته وبتلوّنه، ممّا أوقعه في المغالطات واللاّمعقول في كثير من الأحيان. وهو غير الخطاب الذي تنتجه المؤسّسات العلميّة المختصّة والمنضبطة لمقتضيات العمل العلميّ.
وبذلك ترتسم ملامح الخطاب الدّينيّ الرّائج بالقنوات الإعلاميّة وعلى مواقع التّواصل الاجتماعيّ وفي أغلب المنابر المسجديّة. وتتحدّد سماته ليبرز سطحيّا مليئا بالسّلبيّات، خطيرا بما يردّده ويعتمده من مستندات مبنيّة في أغلبها على الدّيماغوجيّة وليس على الإقناع العقليّ أو المصادر الدّينيّة الموثوقة ليظهر:
أ- كخطاب أسطوريّ ابتدع العديد من القصص والأحداث التي تُقدّم على آساس أنّها دينيّة تستوجب القبول والتّصديق، رغم كونها ضعيفة السّند أو مجهولة المصدر، إن لم نقل منتحلة تماما. ودليل ذلك ما يرويه داعية أحد المذاهب باستمرار على قناته أمام جموع مشدوهة عن قداسة بعض المواقع والمراقد. وهذه الرّوايات مستندة إلى حلم أو رؤية شخصيّة للدّاعية المهاجر، تصبح معها المدينة مقدّسة يقصدها المؤمنون ويحجّون إليها خاشعين مهلّلين، دون التّفكير في غيرها[2] . وهو يلحّ على ذلك، طالبا من قاصديها الاستحمام أوّلا بمياه الفرات “الزّكيّة” حتّى يتطهّروا من ذنوبهم، بل يكون الثّواب مكتملا والفوز عظيما إن ذهبوا إلى هنالك راجلين، إذ لا بدّ من المكابدة والتّعب في اتّجاه المرقد؟ ويؤكّد الدّاعية علمه بشفاء عديد المصابين بأمراض خبيثة ومستعصية لمّا قوّى عزمهم على هذه الرحلة. وعلى هذا المنوال يختزل الخطاب الدّينيّ على عديد القنوات، الإسلام وتاريخه ورموزه، ويقدّمه في شكل أساطير وملاحم تستحضر بشكل: ” مكثّف النّصوص والسّير والأحداث والرّوايات من دون ذكر مصادرها أو التّدقيق في صحّتها … بدعوى أنّ مضمونها تربويّ بما يبرّر الاستشهاد بها”[3]. وتتعمّد هذه القناة وشبيهاتها ذلك باللّطم والبكاء استدرارا للتّعاطف والتّصديق.
هكذا هي الأدلّة عند الدّعاة، وذلك هو حديث منابرهم. فهم: “لا يقدّمون دروسا في الفقه أو الشّريعة أو أصول الدّين، بل مجموعة من المعارف الدّينيّة في إطار من التّشويق والفرجة، يراهن الدّاعية من خلالها على صناعة زبائن ومستهلكين وليس جمهورا متديّنا صافيا”[4]. إنّهم لا يتثبّتون إن كان قولهم في صلب العقيدة الإسلاميّة أو منحولا من إحدى الدّيانات الأخرى التي دأب مريدوها على التّطهّر بمثل هذه الطّقوس في الأنهار والجبال.
– فأي موقع في الدّين تحتلّه هذه الأقاويل والحكايات أو تلك الطّقوس الغريبة التي تنقلها التّليفزيونات إلى كلّ أرجاء العالم بكلّ ما يتخلّلها من موحش الفعل والسّلوك؟
– وما هي الصّورة التي سيكوّنها الأجانب من الثّقافات والأديان الأخرى، عن الإسلام والمسلمين؟
– أليس ذلك أيضا خطابا دينيّا يحمل عديد الرّسائل والمضامين التي سيبني الآخرون منها ومن ثقافتنا وديننا مواقفهم وآراءهم؟
قد يرى البعض أنّ ما أتحدّث عنه يخصّ مذهبا معيّنا ولا يجوز تعميمه على جميع المسلمين ودُعاتهم. لكنّ مثل هذه الصّور السّلبيّة ليست حكرا على داعية مذهب دينيّ بعينه، بل نجد مثلها عند الآخرين أيضا. فجميعهم: “يقدّمون قضايا وإشكاليات تختزل الدّين في جزئيات بسيطة تخفّف عن النّاس، عوضا عن تقديمه كقيم كبرى ومحفّز مركزيّ على الإصلاح والتّغيير”[5]. وللتّأكد من ذلك تكفي متابعة ما يُتداول من صور وروايات واردة من عديد الأمصار والبلدان التي صارت مدعاة للسّخرية والتّهكّم، وتعدّ من قبيل التّخاريف …
من الواضح إذن أنّ مثل هذا النّوع من الخطاب الدّينيّ يستهين بمتلقّيه ولا يحترم عقولهم وآراءهم، ولا ينمّي لديهم غير الوهم والعماء الفكريّ. فهو يعمد إلى مغالطتهم دون خشية من ردّة فعلهم بعد أن كبّلهم الخنوع الفكريّ والمسايرة دون التّجرؤ على السّؤال عن هذا الرّكام من الانتحالات.
ب- وهذه سمة أخرى من سمات الخطاب الدّينيّ المتداول، تتمثّل في الدّعوة إلى الخنوع والاستكانة عوضا عن تحفيز الهمم، والدّفع إلى الحركة والتّشجيع على التّفكير والعمل والبذل. والاستكانة جسديّة تعكسها الأقوال الدّينيّة القدريّة التي تردّ كلّ الأرزاق والأنصبة إلى قوّة غيبيّة متعالية قرّرت مسبقا نصيب كلّ فرد من النّعم والمكاسب، ولا طاقة لأحد على ردّ هذا القدر، كما لا يجوز له الامتعاض منه أو التّبرّم به، بل لا حلّ معها غير الحمد والإكثار من الاستغفار والإنابة عن دار الغرور والفناء بالالتفات إلى دار السّرور والبقاء. وفي هذا قتل للطّموح وتعطيل للفعل والمبادرة، عكس ما جاء في مواضع شتّى من النّصوص الدّينيّة الصّحيحة التي رادفت بين العمل والعبادة، وحفّزت الهمم على بلوغ ما وراء العرش ذاته لو تخلّصت من فتاوى العطالة والإحباط.
والاستكانة فكريّة كذلك، إذ أنّ الخطاب الدّينيّ المتداول في التّلفاز وعلى المنابر وما تسرّب منه إلى عقول المؤمنين، يحثّ على الطّاعة والالتزام الأعمى بآراء السّلف وبتعاليم المفتيين والدّعاة وما نقل عنهم من أقوال وأحاديث وتصرّفات. فلا اجتهاد مع النّص كما يقولون ، ولا تجاوز لما أتاه الرّسول أو أحد الصّحابة من أعمال وما صرّحوا به من أقوال. ويكفي أن نحتجّ بصلاحيّة ما جاء به الدّين الإسلاميّ لكلّ زمان ومكان حتّى يقف التّفكير ويُدعى إلى التزام الطّاعة والتّسليم بقداسة هذه المقدّمات المنطقيّة. إذ ما دام القول السّلفيّ قد جمع وأوعى ولم يفرّط في شيء، وما دام صالحا لكلّ زمان ومكان، فلماذا البحث والسّؤال حينئذ؟ ولماذا دعاوي الاجتهاد والتّحديث الصّادرة من هنا وهناك؟
وهكذا يغوص بنا هذا الخطاب الدّينيّ السّكونيّ متاهات من المنع والتّحريم تُغذّيها السّفسطة وبداهة الاستنتاج المبنية على التّلاعب بالمقدّمات المنطقيّة والحجج وأدلّة الإقناع. دون أن يتجرّأ أحد على التّساؤل: هل أنّ هذه الصّلوحيّة المؤبّدة والمتجاوزة لكلّ الأطر الزّمكانيّة تخصّ المسائل الإيمانيّة الاعتقاديّة فقط، أم تشمل أيضا المسائل الحياتيّة الاجتماعيّة التي هي عادة مجال الاجتهاد والتّعديل والتّطوير؟
والملفت للانتباه أنّ التّفكير العلميّ المعتمد على حجج الإقناع العقليّ لا المسايرة، مُستنكَر ومقصى عند البعض، بل مُجرّم أيضا بعد مرادفته بالزّندقة خوفا من أن يتجاوز الحدود المرسومة له وأن يُستغلّ في استنتاج براهين وأدلّة مناقضة لهذا الخطاب الدّينيّ المضمر الذي تروّج له مذاهب تعطيل الفكر وفضائياتها، ويدافع عنه المستفيدون منه. وبذلك تنحصر جهود الباحثين في التّفسير والتّأويل ومسايرة القراءات الفقهيّة الماضويّة الباحثة عن تطويع الأفكار والعقول ومن ورائها السّلوكيات وليس تطويرها.
ج– أمّا من خرج عن طوق الجماعة وخالف رأيها، فسيكون قوله بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النّار إلى غير ذلك من استنباطات حجج المنع والإقصاء. وهنا تكون سمة أخرى لهذا الخطاب محورها التّخويف والتّهديد بإقصاء كلّ اجتهاد أو تحديث. بل يصل الأمر أحيانا إلى حدّ التّكفير وسفك الدّماء. وكم هم المفكّرون والفلاسفة والكتّاب الذين عانوا من ذلك، وأُتلفت كتبهم، وشُنّت عليهم الحملات الشّرسة التي استوردت مبرّراتها من فتوى أحد مؤدّبي الصّبيان أو أئمّة الصّف الثّاني، وما أكثرهم اليوم في المساجد والقنوات الفضائيّة.
بل الأخطر من ذلك أنّ مجموعات القتل والإرهاب المستندة إلى الدّين هي التي أصبحت تصدر اليوم هذه الأحكام والفتاوى، وتحرص على تنفيذها بنفسها، وهو عين ما جرى بالجزائر مثلا في نهاية القرن الماضي، حيث لم يسلم مغنّي الرّاي، وهرب أساتذة الجامعات، ولوحق المنشقّون والتّائبون داخل بيوت الله ذاتها، وقُتل أكثر من تسعين إماما لمجرّد كونهم رفضوا الاستسلام لابتزاز التّكفيريين. وجرى هذا بمصر كذلك، أين قتل حسن فوده الكاتب والصّحفيّ اللاّمع، وقتل السّادات الرّئيس “المؤمن” الذي كثيرا ما تعامل معهم بلين وتعاطف، وهوجم نجيب محفوظ الأديب العالمي المتميز. وجرى الأمر قبل ذلك بتونس، حيث هوجم الأبرياء وأعلنت الأحكام بالموت والتّصفية الجسديّة على رؤوس الملإ، ومازال تكفير المثقّفين معتمدا إلى اليوم لترهيبهم وإجبارهم على السّكوت … أمّا عن حال العراق وفلسطين ولبنان وباكستان وغيرها … ، فحدّث ولا حرج. والأتعس من ذلك أنّ المنحوتات الحجريّة والرّسوم الجامدة ذاتها بسوريا والعراق والجزائر، لم تسلم من أذى مدّعي حماية الدّين وفتاويهم، وهوجمت بالمتفجّرات على مرأى ومسمع كلّ العالم. فكان أتعس خطاب دينيّ يحسب على الإسلام والمسلمين. وكلّ هذا خطر كبير سمته سحب هذه الفرق حقّ الإفتاء والتّنفيذ معا من المؤسّسات الدّينيّة العلميّة والمؤسّسات التّنفيذيّة الرّسميّة، وأصبحت هي ذاتها تمارسه كما تريد وتشتهي ليطال أحيانا حتى أعضائها القدامى المنشقّين عنها والمتحرّجين من فعلها. فعمّت الفوضى الفقهيّة، وأصبحت التّهم والأحكام تطلق جزافا على كلّ المخالفين لتشكل خطاب فاضح لكلّ النّوايا الإرهابيّة الملتحفة بالدّين والتي تستهدف الآخر وتقصي كلّ المخالفين بشكل صارم. فهذا في عرفهم مرتدّ، وذاك ملحد، والآخر شيوعيّ، وغيره علمانيّ، والخامس قريب من السّلطات الحاكمة، والسّادس عميل يتبنّى خطابا مشبوها تروّجه مؤسّسات أو قوى خارجيّة، والآخر مطبّع … الخ. ولمّا كانت خطابات كلّ هؤلاء مغايرة، فإنّ دماءهم جميعا مهدورة ومآلهم القتل والإقصاء.
د- هكذا هو خطاب التّشدّد والتّعصّب والدّغمائيّة الذي يتوارى وراء دعاوي دينيّة انتقائيّة عمّمت مقاطع وآيات قرآنيّة وبعض الأحاديث المنسوبة إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم، لتجد مبرّرا لأفعالها المشينة، من قبيل: “أعدّوا لهم ما استطعتم”، أو “أقتلوهم حيث وجدتموهم”… الخ رافضة كلّ القراءات والتّفاسير الموضوعيّة الدّاعيّة إلى تنزيل كلّ قول في إطاره الزّمانيّ والمكانيّ الذي أفرزه وفي ما حفّ به من وقائع تشهد على ارتباطه بأحداث منفردة ومحصورة. من ذلك مثلا ما جاء في سورة التّوبة من قوله تعالى: “فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُم وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ…”[6]. هي دعوة جاءت في آخر سنوات الرّسول، تحثّ المسلمين على مقاتلة المشركين، حيث لم يدر قتال من قبل، أي في الحرم المكّيّ ذاته مساحة القداسة والأخوّة والسّلام، لأنّهم أصرّوا على الحجّ وهم مشركون وبالتالي تدنيس هذا المكان، كما دأبوا على ذلك في الجاهليّة. وهو ما تؤكّده الآيتان 16 و17 من السّورة نفسها.
وهذا يعني أنّ الدّعوة إلى القتل ليست مطلقة كما يحتجّ على ذلك البعض، ولا تشمل أيّ مكان بالعالم أبدا، لا مانهاتن ولا كينيا ولا سرادق قطارات الأبرياء بباريس ومدريد. ودليل ذلك أنّ المسلمين، عندما فتحوا الكثير من بلدان العالم شرقا وغربا، لم يقتلوا لا اليهود ولا النّصارى، ولا ألزموا أحدا بالتّخليّ عن دينه والدّخول إلى الإسلام عنوة، إنّهم يفضّلون دائما الجنوح إلى السّلم كلّما جنح خصومهم إليها، كما أوصاهم دينهم الحنيف بذلك. بل “إننا نجد ذكر احترام الدّيانات الأخرى، وحرّية المعتقدات، واحترام جميع الآراء، كما يقول الشّيخ عبد العزيز الثّعالبيّ، في ستّ وثلاثين سورة وخمس وعشرين ومائة آية”[7]. وهو ما يعني أنّ التّسامح يمثّل الفكرة الأساسيّة في القرآن، وليس الدّعوة إلى الحرب والقتال.
فالتّأويل وتحميل المصادر الدّينيّة ما لا تحتمل وتفسيرها وفق الأهواء والتّوجّهات الشّخصيّة هو دأب هؤلاء الخطباء والدّعاة والمحاضرين الدّينيين الذين ملؤوا القنوات التّلفزيّة، وجعلوا من الخطاب الدّينيّ قولا اعتباطيّا، موغلا في المراوغة. وحتّى إن استدرّ هذا الخطاب التّعاطف بالنّصح والإرشاد، فإن نصحه يبدو أبويّا ثقيلا مستوحى من مراجع ووقائع قديمة طواها الزّمن منذ قرون. فبدا بذلك سطحيّا سمته الجمود والدّغمائيّة، بينما المطلوب أن يكون مشبعا بالحيويّة والجدّة والأمل والحداثة المواكبة لقضايا العصر واهتماماته ومشاغل أجياله.
وهو خطاب مرعب لكثرة ما تضمّنه من تهديد بالجحيم ووعيد ببؤس المصير، وإصراره على رسم مسارات العذاب الطّويلة التي تنتظر المخالفين: مثل عذابات القبر، وسطوة منكر ونكير، إلى آلام الصّراط وويلات صقر، ومحن هذا الجحيم الذي وقوده النّاس والحجارة … ويبقى هذا الخطاب دائرا حول هذه الهرسلة للمشاعر، متناسيا أنّ الإيمان والالتزام يمرّان بالعقل والإقناع أوّلا وأخيرا، وأنّ رحمة الله قد وسعت كلّ شيء، وأنّ الدّين هو بالآساس محبّة قبل أن يكون تعذيبا وتشفّيا، والله هو عنوان الحبّ والرّحمة والمغفرة.
ه- وهو خطاب موغل في التّلوّن والمغالطة بدليل تبنيه المعلن لمبادئ ومقولات لا تتماشى أبدا وقناعاته الفكريّة، وتتناقض كلّيا مع ممارساته وسلوكيّاته العمليّة المعيشة على أرض الواقع. من ذلك حشو العديد من الخطباء، ومحترفي السّياسة بعباءة إسلاميّة، أقوالهم بدعاوي الدّيمقراطيّة والحرّية والتّداول على السّلطة، والقبول بإجراءات الحداثة مثل مجلّة الأحوال الشّخصيّة، وبأنّهم ينبذون العنف والتّطرّف والغلو، ومتفهّمون للاختلاف والتّمايز، محترمون لحقوق الإنسان ولمبادئه. بينما يناقض سلوكهم الواقعيّ وممارساتهم اليوميّة كلّ هذه الدّعاوي التي لا يردّدها هؤلاء إلاّ للتّقيّة واستدرار التّعاطف وكسب المؤيّدين. وذلك هو واقع الحال في عديد البلدان، حيث يقصي أمراء السّياسة المتديّنين بعضهم بعضا بالكيفيّة نفسها التي يقصون بها الأعراق والمعتقدات والمجموعات المغايرة، ويتمرّد الوزير المتديّن[8] على رئيسه، وتغيب الغيرة على المصلحة الوطنيّة العامّة، عكس الأعراف السّياسيّة بكلّ أصقاع العالم المؤمن بالدّيمقراطيّة والانضباط السّياسيّ والتّداول. ولا ننسى أنّ الرئيس المنتخب لأحد البلدان الإسلاميّة[9] فرّ إلى فرنسا على متن طائرة عسكريّة خوفا على نفسه من الإصداع بخطاب مغاير وغير ملتزم بالتّعليمات المعصومة لرجال الدّين. إنّه أيضا البلد الوحيد في العالم الذي ينصّ دستوره، ليس على دين رئيسه فقط – فهذا معمول به في عديد الدّساتير -، بل على مذهبه الذي “يجب أن يكون شيعيّا اثنا عشريّا. هذا يعني أنّ الشّيعيّ الزّيديّ أو الإسماعيليّ وكذلك عموم أهل السّنّة لا يحقّ لهم التّطلّع إلى هذا المنصب مهمّا، كانت وطنيّتهم صادقة خالصة”[10].
بل لا يسمح في عاصمة هذا البلد وفي مدنه الكبرى، لأيّ مسلم سنّيّ أن يبني مسجدا وأن يرتفع فيه الآذان على مذهب أهلّ السّنّة، دون أن نتحدّث عن منع الأحزاب وعمّا تعانيه المجموعات السّياسيّة المعارضة للخطاب الدّينيّ الرّسميّ والمدعوم من طرف السّلطة. فأين حرّية الاختلاف والمغايرة والقبول بالآخر؟ بل الدّيمقراطيّة في عرف هؤلاء وأمثالهم من ” الغيورين ” عن الإسلام، حاضرة في الخطاب، غائبة في الواقع، ولا تعني في عرفهم غير أن تختار بين الخير والشّرّ فقط، وأن تنتمي إليهم أو تنتمي إلى الشّيطان. هكذا بشكل هلاميّ لا يضاهيه إلاّ ما حدث منذ سنوات في بعض قرى الصّعيد المصريّ مثلا، حيث يعمد مديرو المدارس إلى التّمرّد على تعليمات وزارتهم ويفرضون لبس الحجاب على جميع التّلميذات، مسلمات كنّ أو مسيحيّات، ويجري ذلك بدعوى المساواة بين الجميع وتطبيقا لمبدأ عدم التّمييز المنصوص عليه في المواثيق الدّوليّة لحقوق الإنسان، حسب التّبرير الذي ابتدعه مدير إحدى هذه المدارس.
تلك هي الدّيمقراطيّة والمساواة في عرفهم التي يوظّفونها لإقصاء أيّ تمايز أو اختلاف. وتقول التّلميذات المسيحيّات أنّ امتناعهنّ عن ارتداء الحجاب يعرّضهنّ إلى عقوبة تصل إلى المدّ على القدمين[11]. بل إنّ قسّ كنيسة القرية ذاته لم يقدر على معارضة هذا الأمر الذي فرضه هؤلاء الأئمّة بمجرد أن استشعروا القوّة والأغلبيّة، على عكس كلّ الإرث الإسلاميّ الذي لم يورد شبيها لهذه التّصرّفات المحسوبة على الإسلام أيضا”. بل إنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، أمر المسلم في أحاديثه الشّريفة، باحترام ديانة زوجته ومساعدتها على إقامة شعائرها الدّينيّة بكلّ حرّية ومصاحبتها – إذا دعت الحاجة إلى ذلك – إلى الكنيسة أو البيعة لآداء واجباتها الدّينيّة “[12].
- فأين هذا ممّا ترويه هذه الفتيات المسيحيّات من مشاقّ تنتظر كلّ من تتردّد منهنّ في وضع الحجاب؟
- أين حقّ الاختلاف؟
- وأين حقوق الإنسان والحرّيات الشّخصيّة، وحرّية اللّباس والهيئة التي يدّعون الالتزام بها والحرص على حمايتها؟
- ألم تراقب وزارة الأمر بالمعروف والنّهيّ عن المنكر الأفغانيّة في عهد طالبان الذّقون؟
لقد كان أعوانها خلال فترة حكمها السّابق بين 1996 – 2001 يجلدون وسط الطّريق، كلّ من يحلق ذقنه تحت أنظار عامّة النّاس وأمام عدسات التّلفاز والقنوات الإعلاميّة؟ كما أنّها حرمت الفتيات والنّساء من حقّ التّعليم، ومنعتهنّ من العمل والحياة الاجتماعيّة والسّفر المنفرد، وأعادت فرض ذلك الآن في عهدها الجديد.
- أليس ذلك خطابا دينيّا فاضحا للانتهازيّة والمغالطات الجليّة التي لم تعد تنطلي على أحد؟
- ألا يصبح الخطاب الدّينيّ بهذا مرعبا يماثل بين كلّ المخالفين مهما تعدّدت دياناتهم ومذاهبهم ورؤاهم الفكريّة؟
إنّهم جميعا هدف للإقصاء والقصاص، ولا قيمة للاختلاف والمغايرة بينهم ما داموا قد اشتركوا في مخالفة هذا الخطاب. إنّ انتهازيّة القبول الشّكليّ بالدّيمقراطيّة وبالحرّية سرعان ما تنكشف مع أيّ استشعار للقوّة الذّاتيّة والتّفوّق العدديّ وامتلاك الأغلبيّة في أيّ موقع كان. كما أنّ التّباكي عنها سرعان ما يرتفع من على كلّ منبر كلّما انقلبت حالهم إلى ضعف. إنّه في كلتا الحالتين الخطاب الدّينيّ المشروخ والمنافق.
إنّ مشكلتنا، نحن أبناء هذه الأمّة مزدوجة، فمن جهة يعتقد عامّة النّاس بفعل الجهل والتّعمية المكثّفة التي استهدفهم بها الدّعاة، أنّ هذا الخطاب هو الدّين الصّحيح والفعليّ، فنراهم يقبلون على قنواته ويردّدون مزاعمها ويحتجّون بأقوالها. ومن جهة أخرى يواجهنا الآخرون المختلفون عنّا في العقيدة، باستيقاء أدلّة من هذا الخطاب الأخرق، يحاكمون من خلالها ديننا الحنيف ويقدّمونها على أنّها تعبّر عن الإسلام الفعليّ، ويبرّرون بها رفضهم له وتصنيفاتهم السّلبيّة لأبنائه.
أمّا عن أسباب هذا التّردّي في الخطاب الدّينّي المتداول، فيجمل الباحثون ذلك في:
أ – تعدّد المرجعيّات التي يستند إليها هذا الخطاب بين محلّية وأجنبيّة، معتدلة ومتشدّدة، دينيّة وأسطوريّة … فما يردّد في الأزهر ومكة والمدينة وفي مرجعيات النّجف والزّيتونة وجامعة القرويّين مختلف جدّا عن بعضه البعض إلى حدّ التّناقض، ولا أحد من هذه المراكز يعمل بتنسيق مع البقيّة، رغم اتّسامها جميعا بالعجز عن إقناع المتديّنين وعن أن تكون قدوة مجمّعة لهم.
ب – الضّعف المعرفيّ والتّكوينيّ للخطباء والأئمّة المسيّرين للمنابر بسبب عدم الاختصاص والخوض في ميادين غريبة عن أكثرهم. كما يعود السّبب كذلك إلى اعتمادهم أساليبا رتيبة أساسها الرّواية والنّقل والتّكرار مهملين التّحليل العقليّ والحكم المنطقيّ والتّثبّت من قيمة مراجعهم ومصداقيتها. وهم يجنحون أيضا إلى المسايرة واتّباع المألوف الشّائع في الأوساط الشّعبيّة العامّة بما يجعل خطبهم عاطفيّة ضعيفة تعمد إلى التّهييج والتّودّد ومن وراء ذلك إلى كسب الحرفاء والمستهلكين[13].
وفي كلّ الحالات تتعاظم مسؤوليات المثقّفين والسّاسة على حدّ سواء لإجلاء الصّورة الحقيقيّة للإسلام، وإعادة الاعتبار لقيمه بعد أن أصابها الاهتزاز والتّشكيك. وهذا يتطلّب تقييم الخطاب الدّينيّ المتداول برمّته وإعادة صياغته، إذ لا وجود لخطاب دينيّ مقدّس يرتفع عن النّقد والمراجعة والتّعديل وذلك بتأكيد من الإمام مالك ذاته الذي قال: “كلّكم رادّ ومردود عليه إلاّ صاحب هذا القبر” في إشارة إلى قبر الرّسول محمّد صلّى الله عليه وسلّم[14]. ويكون بذلك توظيف الخطاب الدّينيّ في صالح التّنمية والارتقاء بالإنسان المسلم بدل شدّه إلى عهود وأحداث أصبحت من طيّ التّاريخ.
4- الخطاب الدّينيّ والتّنمية:
يُروى عن أحد رموز السّفسطة الإغريقيّة المسمّى غورجياس تأكيده أنّ “القول المقنع طاغية لا يقاوم… ذلك أنّ نسبة الخطاب إلى النّفس كنسبة العقّار إلى البدن، فكما أنّ من العقاقير ما قد يسكّن أو يشفي أو يقتل، فإنّ من الخطاب ما يهدّئ أو يمتّع أو يرهب أو يستثير شجاعة المستمعين، ومنه ما يخدّر النّفس ويسحرها”[15]. ولمّا كان الأمر بهذه القدرة وبهذه الخطورة، فلا بدّ لأبناء هذه الأمّة من إحكام استعمال هذه الآداة وتخليصها من كلّ الشّوائب وتوظيفها التّوظيف الأمثل لتحقيق التّنمية وإنجاز الأهداف الوطنيّة، بما من شأنه أن يدفع في اتّجاه النّهضة واللّحاق بركب التّقدّم والرّقيّ. ذلك أنّه “في الخطاب الدّينيّ السّليم معالجة سليمة لواقع النّاس وقضاياهم، بل إنّه لدى المجتمعات الرّامية إلى تحقيق التّنمية المجتمعيّة والبناء الحضاريّ.
يمثّل هذا النّوع من الخطاب ركيزة من ركائز تغيير الواقع المعيش نحو الأفضل”[16]. وهذا يتطلّب بالتّأكيد إعادة صياغة الخطاب الدّينيّ بمواصفات وأهداف مغايرة تماما لما هو متداول. ثمّ إخراجه بصيغ وأشكال حديثة تتماشى ومتطلّبات العصر وخصوصيّاته وما اعتاده أبناؤه من مستجدّات، إذ من غير المعقول ولا المجدي أن نتوجّه لأبناء القرن الواحد والعشرين، قرن الرقمنة والتّشبيك والثّورات المعلوماتيّة والاتصالية المدهشة بخطاب صيغ على مقاس جمهور عاش منذ ما يزيد عن أربعة عشر قرنا. ولا أن نتقدّم لشباب معطّل عن العمل رغم تخصّصاته الجامعيّة الرّفيعة بخطاب الطّاعة والتّطمين بأنّ الله سيعوّض عسرهم الدّنيويّ بيسر لا حدّ له في الآخرة.
4- 1- أهداف الخطاب الدّينيّ ورهاناته:
في الوضع الرّاهن للبلدان الإسلامية، يجب أن نقرّ بأنّه لا هدف يعلو عن التّنمية ولا أولويّة لغيرها.
- فكيف لنا أن ننهض ونجاري نسق التّقدّم الذي يسير به العالم وأكثر من نصفنا يرزح تحت الجهل والأمّية التي تصل نسبتها في دولة إسلاميّة نوويّة كبرى مثلا إلى 70% من مجموع السّكّان؟ ومع ذلك تشتدّ فيها الغيرة عن الإسلام السّلفيّ إلى حدّ التّعصّب، ويقع التّمسّك بالنّظام القبليّ الشّهم والسّخيّ مع جموع القاعدة وأمثالهم.
- وكيف لنا أن نبني ونشيّد ونحن نستعير التّقنيين والمهندسين من الخارج؟
- وكيف لأبنائنا أن يشفوا من أمراضهم وعللهم ونحن لا نجد لهم العدد الكافي من الأطباء والمختصّين، ونجلب لهم الأدوية والأمصال من الغرب العلمانيّ الذي يشتمه عديد الدّعاة والأئمّة في خطبهم ويحرّضون عليه؟
- ومن أين لنا بأساتذة الجامعة لتكوين طلبتنا وتأطير باحثينا؟
إنّ سلبياتنا ونقائصنا في هذه المجالات الحضاريّة والتّنمويّة لا تُعدّ ولا تُحصى، ولا مخرج منها بغير التّنمية، تنمية علميّة وفكريّة وثقافيّة وتكنولوجيّة، تنمية اقتصاديّة في الصّناعة والفلاحة والخدمات والمعاملات الماليّة والتّجاريّة، تنمية روحيّة تعيد الأمل لأمّتنا حتّى تثق في قدراتها وإمكانيّاتها، وتقتنع بأنّ واقعها الحالي ظرفيّ وليس قدرا مؤبّدا. أي أنّنا في حاجة إلى خطاب دينيّ مشبع بالأمل والثّقة بالنّفس والتّفاؤل لمواجهة الشّعور بالإحباط والدّونيّة والعجز، وبالتّالي تنحية المكبّلات النّفسيّة المثبّطة للعزائم والدّاعية إلى الخنوع والاستكانة والرّضا بالقدر المحتوم.
- أليس الحديث في مثل هذه المسائل أجدى من البحث في السّيرورة اليوميّة للعالم عن علامات السّاعة، ونحن نعي جيّدا أنّ السّاعة من علم ربيّ، ولن يغيّر علمنا بموعدها شيئا في حركة التّاريخ؟
أتمنّى أن أسمع إماما يحثّ جموع المصلّين على تعليم بناتهم بالمعاهد والكلّيات الحديثة حتّى تكنّ قادرات على الإبداع والتّميّز وقيادة الرّحلات الفضائيّة كما تفعل الأمريكيّات والغربيّات والإسرائيليّات، بدل تحريضهم على حجبهنّ في أقبية المنازل حتّى لا ترفعن أنظارهنّ في أيّ من المارّة فتجنين عليه أو تتحرّك شهواتهنّ ويصيبهنّ فيروس الفسق والفساد؟
- ألم يعلّمنا ديننا أنّ السّاكت عن الحقّ شيطان أخرس؟
- وما سيكون حال هؤلاء السّاكتين عن الحقّ رغم تمكّنهم من منابر الجوامع واستوديوهات الفضائيّات، حيث لا يتوانون عن تذكيرنا بعجزنا وإحباطنا بخطب العطالة صباحا مساء؟
- أليس التّشجيع على كسب العلم والمعرفة للجنسين أجدى من أن يتحدّث مشايخنا طوال الوقت في تأويل المعاني والأحداث ليجود علينا بعضهم في النّهاية بفتاوي يختلط فيها الحابل بالنّابل، وتعضل مشاكلنا، وتنغلق علينا السّبل فلا نكاد ندري هل نفوز من زميلاتنا بخمس رضعات أم أقلّ، حتى يجوز لنا الاختلاء بهنّ في مقرّات العمل؟
- ولا نكاد ندري هل نترك بناتنا تبحرن على الأنترنيت لوحدهنّ، أم نلزم كلّ واحدة منهنّ باصطحاب محرم في هذا الإبحار الافتراضيّ حتّى لا تخامرها فكرة الدّخول إلى المواقع الجنسيّة الماجنة على هذه الشّبكة؟[17]
مازلنا نكابد فعلا انحرافات مئات السّنين، وما زلنا تحت رحمة فقهاء وأئمّة العهود الغابرة، وكأنما الفقه والإفتاء لا يعيشان إلاّ على وقع الماضي وعلى نسقه ومضامينه.
- أليس من الأفضل لنا أن نوظّف كلّ قوانا وإمكانيّاتنا من أجل التّنمية والإقلاع عوض المواصلة في تكفير بعضنا بعضا، نحصي على الآخرين سلوكيّاتهم وأقوالهم لنحكّم فيها هذا المذهب أو ذاك، ونستدعي لها الحجج والأدلّة من هذا المصدر أو من غيره رغم ما به من نقائص وما عليه من احترازات؟
إنّنا لسنا ضدّ التّفقّه في الدّين والاجتهاد والمواكبة الفكريّة والدّينيّة للمسائل المستجدّة، بل والحديث في السّياسة كذلك، لكنّ التّنمية سياسة أيضا توعّي النّاس بحقوقهم وواجباتهم، بإلزامات العيش معا وحقوق أوطانهم عليهم من وجهة نظر دينيّة سليمة محايدة، غير مؤدلجة ولا متمذهبة، تساوي بين حبّ الوطن والإيمان كما أوصانا رسولنا الكريم بذلك. وما أحوجنا إلى التّشبّع بقيم الحوار والتّعامل الحضاريّ واحترام الآخر وقبول الاختلاف والمغايرة، وإدماج كلّ ذلك في حركة التّنمية عوض الانغماس في التّفتين وبثّ الفرقة والبغضاء.
إنّ ما نراه هو ضرورة اعتماد التّخصّص الدّينيّ الأكاديميّ والالتزام بالأخلاقيات العلميّة في الخطب الدّينيّة عوض الاشتغال بملاحقة سلوكيّات الآخرين والتّدخل في تحديد علاقاتهم بربّهم. فالواقع يستدعي أن يكون للإفتاء والفقه أهله الحريصون على الإيفاء بشروطه، وللسّياسة محترفوها، وللتّصنيع والتّكنولوجيّات مختصّوها، وليحاسب كلّ واحد عن واجبه وعن مجال مسؤوليّته، ولنتذكّر خاصّة أنّ المناداة بإلجام العوامّ عن علم الكلام قد صدع بها أبو حامد الغزالي، أكبر فقهاء الإسلام منذ قرون عديدة، ولم تلق استجابة إلى الآن. فما بالك لمّا يكون الأئمّة والدّعاة غير مختصّين أو مؤهّلين للأدوار التي يقومون بها على المنابر. بل منهم من يتجرّأ على هذا البلد الإسلاميّ أو ذاك ويرفع شعار أسلمته وإعادة فتحه، وآخرون غاية همّهم تسليع الدّين وجمع أكثر ما يمكن من الأرباح من ورائه.
إنّ رسم هدف الأسلمة وشحن الخطاب الدّينيّ به، هو من قبيل المغالطات التي تخفي مستنداتها الحقيقيّة، التي هي سياسيّة وأيديولوجيّة بالآساس، غايتها التّمكين والوصول إلى الحكم. أمّا التّسليع الدّينيّ فيظهر في حرص الدّعاة والقنوات الفضائيّة بشكل عامّ على ترويج خطاب تجاريّ تنافسيّ يجلب جمهورا مستهلكا ومستشهرين، استجابة إلى قواعد السّوق والدّعاية التّجاريّة التي ينشط ضمنها ضرب من الخطاب الإعلاميّ الدّينيّ. وهو الهاجس نفسه الذي يسيطر على عديد الأطراف التي توظّف المظاهر التّديّنيّة التي تقوم مقام الخطاب أيضا، لكسب الحرفاء والتّرويج لبضائعها. وبذلك راج الإشهار لنوعيّة خاصّة من السّلع والملابس والنّزل والمنتزهات الحلال. ويحثّ هذا الخطاب في بعض منعرجاته المتديّنين على الإقبال على متع الحياة بطمأنينة ويوجد لهم المنافذ الشّرعيّة والحلول التي تساعدهم على تجاوز بعض التّعليمات الدّينيّة المبيحة لنوعيّات خاصّة من الملابس والعطور والزّينة فقط. وبذلك تنتعش باسم الدّين والشّريعة التّعاملات الماليّة للمحلاّت التّجاريّة والتّرفيهيّة وتستفيد من ورائها مسالك الاقتصاد الاستهلاكيّ واللّيبراليّ دون أن تبنى التّنمية المنتجة التي تحتاجها أوطاننا لبناء نهضتها.
4- 2- محتوى الخطاب الدّينيّ وإلزاميّة التّطوير:
أمّا من حيث محتوى الخطاب الدّينيّ، فيجب أن يكون منسجما مع هذه الأهداف، ساعيا إلى تجسيدها وتجنيد الطّاقات لها وتوعية الجميع بقيمتها. محتوى يعرّف بالإسلام بصدق وبموضوعيّة دون تحيّز أو سعي إلى خدمة أهداف مذهبيّة خاصّة. فغاية الدّين ربط الإنسان بخالقه وتقريبه منه عبر العبادات وتنقية النّفوس، ولكن أيضا عبر العمل وإنجاز الأهداف التّنمويّة جميعا. فكما أنّ الصّلاة والصّيام والحجّ عبادات تضمن فوز العبد بمرضاة ربّه ، فإنّ العمل كذلك عبادة، والكلمة الطّيّبة صدقة، وحبّ الأوطان من الإيمان، والصدق في السّعي لإعلاء راية الإسلام والمسلمين ثواب، وحبّ العلم وتربية النّشء جهاد، ومن مات في سبيل العلم عدّ عند ربّه شهيدا مبشّرا بالجنان، والعلماء ورثة الأنبياء، أي يمكن أن نرتقي بالعلم درجات كبيرة جدّا ونكون إلى الله أقرب …
تلك هي آداب الإسلام وسماحة تعاليمه التي يجب أن تمثّل محتوى أيّ خطاب، فتُرسّخ صورة هذا الدّين النّاصعة، وتكرّس القيم الإنسانيّة الزّكيّة التي نادى بها على مرّ العصور، وضمنت إشعاعه وإسهامه الفاعل في الحضارة الكونيّة. أمّا خطاب التّفتين الذي دأب عليه البعض فهو لا يتماشى مع دين يعلن صراحة أنّه ليس أشدّ على الله من قتل المسلم بغير حقّ، دين ينبذ الفرقة والتّقاتل بين أبنائه، دين يعلن رسوله صراحة عداءه المطلق إلى كلّ من أساء التّعامل مع ذمّي. فكيف هي الحال عندما يكون القتيل مسلما لا ذنب له إلاّ أنّه خالف في قناعة سياسيّة أو تراجع عن أعمال إرهابيّة كان يأتيها وانقطع عن تكفير الآخرين وهدر دمائهم.
إنّ الضّرورة تقتضي ملأ الخطاب الدّينيّ بالعقلانيّة والهدوء، وشحنه بالدّعوة إلى الأخوّة والتّسامح والتّضامن بين الأفراد والمجموعات والشّعوب، وجعله يشجّع الحوار بين الحضارات والثّقافات والأديان والمذاهب. فإنجاز أهداف تنمويّة يستدعي دعم مقوّمات السّلم والاستقرار، وتيسير التّعاون بين الأمم في إطار من الوئام وبعيدا عن كلّ أشكال الانغلاق والعنف والتّطرّف. تلك هي شريعة الله الحقيقيّة الحريصة على مصلحة البشر والالتزام بأمانة البناء والتّعمير التي أوكلها الله إلى آدم وأبنائه عندما استخلفهم في الأرض. وبذلك أيضا نخلّص الخطاب الدّينيّ من السّلبيات التي أصابته وأفقدته كلّ جذب أو طرافة، تستوي في ذلك الخطب الجمعيّة مع ما نسمعه باستمرار في قنوات إذاعيّة وفضائيّة تعيد المحتوى نفسه وتنسخ بعضها بعضا بشكل رتيب منفّر، ولا يتحرّج منشّطوها من التّدخّل علانيّة بين العباد وربّهم، ومن الإفتاء بكفر هذا وفوز ذاك، متناسين أنّ العلاقة العموديّة بين الخالق وعباده تلفّها النّوايا وتدثّرها مغفرته الواسعة ورحمته بهم ولا دخل لهم فيها.
إنّ توجيه مسارات الخطاب الدّينيّ ومضامينه الوجهة السّليمة يفترض إبقاء القول في مستوى السّلوك والعلاقات الإنسانيّة والاجتماعية، وليس بتّا في العلاقة بين الإنسان وربّه ومعطّلا لرحمته به، لأنّه لا وساطة دينيّة بين الإنسان وربّه، ولا وجود لصكوك توبة يوفّرها هذا الإمام أو ذاك المفتي أو الدّاعية. بل إنّ ذلك من مظاهر التّزمّت وممّا كانت تأتيه الكنائس والباباوات قديما، ولا يليق بالإسلام، دين المغفرة واليسر والرّحمة. فدعاة الفضائيّات المتكاثرة أصبحوا اليوم يحيون سلوكيّات القرون الوسطى المقبورة. بل نحن نجزم أنّ الدّولة ذاتها ما هي إلاّ وسيط بين أبناء الشّعب من جهة وبينهم وبين بقيّة العالم بشعوبه وأممه ومنظّماته وهيآته المختلفة، وليست وسيطا بينهم وبين الله، إلاّ في حدود تعليمهم أصول دينهم وطقوسه والمحافظة عليه. والحاكم ييسّر شؤون المؤمنين في ما بينهم ولا يتوسّط لهم مع الله لأنّه في هذه الحالة يرتقي إلى مستوى العصمة والقداسة، وهذا ليس من الإسلام في شيء أيضا.
ونضيف أنّه لا بدّ لمحتوى الخطاب الدّينيّ من أن يكون نزيها، يعلّم القيم ويغذّي روح الطّموح والاعتزاز بما وقع إحرازه من نتائج وما أنجز في هذا الميدان أو ذاك وفي هذا البلد أو غيره، وبما هو مدعاة للافتخار من مكاسبنا وسلوكيّاتنا. وهذه كثيرة في أغلب الدّول الإسلاميّة ولكن تهملها الأقوال الرّائجة في القنوات الفضائيّة التي تتناسى كلّ جيّد وإيجابيّ في الدّول والمجتمعات العربيّة والإسلاميّة، وتركّز خطاباتها فقط على ما هو سلبيّ ورديء ينفر أبناء الأمة من هويّتهم ويبعدهم عنها ولا يمدّهم بأدلّة مواجهة بقيّة الأقوال، بل يدفع بعضهم أحيانا إلى التّحرّج من جذورهم والتّنصّل منها. والمؤسف أنّ عديد الفضائيّات العربيّة والإسلاميّة أصبح خطابها ينتهي إلى ذلك، فهي لا تنفكّ توجد المبرّرات للقول بأفضليّة الماضي، وبمروق الحكّام الحاليّين، ثم بتأكد العودة إلى السّلف، متبنّية بذلك غاية ماضويّة تريدنا أن نبقى حبيسي أزمنة غابرة، متخلفين عن ركب التّقدّم الحثيث الذي تعيشه بقيّة الشّعوب. كما يجب أن يترفّع الخطاب الدّينيّ عن الهامشيّات والمسائل الجانبية التي لا يمكن أن تحكم مصير الأمّة ولا أن توجّهه إلى حيث نطمح، مثل مسألة الحجاب المفتعلة التي عافتها الأسماع من فرط ما لاكتها الألسن، وأحكام العورة ومساحتها في جسد الرّجل والمرأة … ومواقع سكن الشّيطان بالمنزل، وعذابات القبر، وبأي قدم يجب أن ندفع عند دخول هذا الموضع أو ذاك…
4- 3- الخطاب الدّينيّ وقنوات التّبليغ في زمن التّميّز التّكنولوجيّ :
إنّ جسامة الأهداف وتطوّرات الواقع الاجتماعيّ والمعرفيّ والدّينيّ تستدعي توظيف التّحديث التّكنولوجيّ في المجال الاتّصاليّ والرّقميّ، والاستفادة منه في إعادة بناء وبثّ وتبليغ الخطاب الدّينيّ. ذلك أنّ قيمة القناة الحاملة له هامّة جدّا ومحدّدة بشكل كبير في الإقناع به وفي تبنّيه من طرف المتلقّين. الخطاب الدّينيّ الذي نقصده لا يعني الخطبة الجمعيّة فقط، رغم اقتناعنا بضرورة تطوير هذا الشّكل من الخطاب المسؤول عن الكثير من مشاكلنا، وهو الذي أصبح رتيبا منفّرا بسبب محافظته على شكله وصياغته ومضامينه التي عفا عنها الزّمن، إلى درجة أنّ عديد المصلّين كثيرا ما يتعمّدون القدوم إلى الجامع متأخّرين حتّى يتجنّبوا خطبة تتناسى انتظاراتهم ولا تضيف إلى علمهم شيئا، بل تعيد على مسامعهم أقوال الأسبوع الفارط والذي قبله وكلام الشّهر الماضي … ويقصرون حضورهم على ركعتي صلاة الجمعة.
نعم، هنالك بالتّأكيد أشياء كثيرة لا تستقيم على المنابر المسجديّة، وهي تستعجل التّقويم والمعالجة، إذ “من مهام الخطاب الدّينيّ الإسلاميّ اليوم، الخروج بالمسلم من دائرة التّقوقع على الماضي والانطواء على الذّات والرّكون إلى الاكتفاء بالمدوّنة التّراثيّة، إلى العالم المعاصر بما يعنيه من حركيّة فكريّة وحيويّة اجتماعيّة وتجدّد دائم”[18] وحداثة نامية مشرئبّة إلى المستقبل. ويبقى الأمل معقودا في تطوير الخطاب الدّينيّ على المحاضرات والبحوث المعمّقة التي ينجزها مختصّون أكثر إلماما ومعرفة من هؤلاء الأئمّة والدّعاة الذين يتحمّلون القسط الأكبر من مسؤوليّة تردّي الخطاب الدّينيّ. وهم أقرب إلى المنشّطين الدّينيّين منه إلى الفقهاء والأئمّة المتضلّعين، إذ تغلب لديهم غايات الكسب المادّي والتّسويق الدّينيّ على التّحليل العقلانيّ المعمّق. فهم لا يقدّمون “خطابا علميّا مؤصّلا… هاجسهم هو ترويج خطاب تنافسيّ يجلب جمهورا ومستشهرين… استجابة لقواعد السّوق والأسهم الذي ينشط ضمنه الخطاب الإعلاميّ الدّينيّ”[19]. وكثيرون منهم مهوسون بتقليد بعض الأسماء المعروفة على القنوات الإعلاميّة في كلّ ما يأتونه فوق المنابر بما في ذلك البكاء والحرص على استبكاء متابعيهم وتجييش أحاسيسهم وإثارة مشاعرهم.
هنالك أيضا إمكانيّة لأن تساعد الدّروس التّوعويّة التي تبثّها القنوات الإذاعيّة والتّلفزيونيّة ومواقع الأنترنيت الرّسميّة على تلافي هذه النّقائص شرط أن يتولّى أمرها مختصّون أكثر دراية بمشاغل دينهم وبمتطلّبات عصرهم وبنفسيّة متابعيهم وانتظاراتهم الحقيقيّة، وتكون درايتهم شاملة أيضا لخطورة هذه القنوات المفتوحة لهم ولأهمّية الصّورة التي ستنقلها عن الإسلام لمختلف المتلقّين. وهي لذلك لا يجب أن تبقى مطيّة كلّ خطيب يحار العاقلون والمختصّون أحيانا في نواياه وفي مصادر قوله وليس فقط جمهور المشاهدين العريض. وهذا يتطلّب وضع مصادر الخطاب الدّينيّ تحت أنظار سلطة فقهيّة علميّة ورسميّة تتابع عبر إطاراتها المختصّة محتواه، وتصلح أخطاءه، وتوفّر له المكوّنين والمصحّحين.
أمّا الدّراسات الجامعيّة المختصّة، فالمأمول أن تبسّط وتختصر وتوفّر في المكتبات لتكون في متناول كلّ قارئ. وفي ذلك يمكن أن تلعب الصّحف والمجلاّت والمحامل الرّقميّة الحديثة دورا كبيرا جدّا لأنّها أكثر رواجا من الكتب وأقلّ ثمنا. فيتطوّر بذلك الإعلام الدّينيّ المكتوب والمرئيّ والمسموع، ويستفيد بشكل عمليّ من كلّ الإمكانيّات الاتّصاليّة والتّواصليّة الرّائجة.
وبذلك فإنّ إنماء الزّاد المعرفيّ والفكريّ للأئمّة والدّعاة، من أوكد ما يجب أن يبادر به أولي الأمر، خاصّة في ما تعلّق بصياغة الخطاب الدّينيّ ومحتواه وبكيفيّة التّواصل مع المتلقّين وتقنياته، وذلك حتى يكونوا أصوات رقيّ ونهضة وتحديث فعليّة، عارفين بحاجيات المجتمع وانتظاراته وبمنافذ مواكبته للحداثة والمعاصرة، وقادرين على المساهمة في تجنيبه مخاطر التّعصّب والتّطرّف وتأثيرات الفضائيّات المؤدلجة ومواقع الأنترنيت المشبوهة، فيغنم الدّين من ذلك، وتنصع صورة الإسلام عند معارضيه والمحترزين منه. إسلام الاجتهاد المتواصل والتّجديد المستمرّ، الإسلام الذي يدرك تطوّرات العصر ويستوعبها ويتّخذ موقفا من أمّهات المشاكل التي تواجه المسلمين اليوم. ولا يكون ذلك إلاّ إذا التزم الفقهاء والعلماء والباحثون في شؤون الدّين القيام بدور رياديّ يعزّز الدّين ويرفع من شأن الوطن ومن مكانته بين الأمم. وهو – للأمانة – ما يسعى للاضطلاع به بعض الدّعاة والخطباء المجتهدين والمجدّدين على عديد المنابر ومن داخل المؤسّسات الإعلاميّة الحريصة على مصداقيّتها. وتلزمنا الأمانة البحثيّة بأن لا نستهين بجهدهم وألّا ننفيه ونغيّبه. لكن تأثيرهم المجتمعيّ والعلميّ لم يرتق بعد إلى المستوى المأمول فعلا، ولم يصل إلى سحب البساط من تحت منتجي القول الدّينيّ المتداعي الذي تابعنا أمثلة منه في هذا البحث، وذلك مردّ تركيزنا عليه حتّى نساهم فعلا في كشف سلبيّاته ومخاطره وندفع إلى القطع معه.
5- الخاتمة:
هكذا يتأكّد لنا أنّ الخطاب الدّينيّ المتداول في القنوات الإعلاميّة وفي الخطب المسجديّة وبعديد المؤسّسات الأخرى الموازية للمؤسّسات الرّسميّة، والذي يلقى رواجا كبيرا لدى عدد من عامّة النّاس بفعل قوّة الاستقطاب التي تفرضها هذه القنوات، ويمارس تأثيرا كبيرا عليهم، يجعلهم يأخذونه مأخذ الدّين ذاته ويعتقدون في صحّته وجدارته بأن يكون قدوة ودليلا. وقد تمكّن هو من عقولهم وأطبق عليها، فقبلوا بالانقياد له، وصدّقوا ارتقاء بعض الدّعاة والأئمّة والمفتين إلى مستوى القداسة التي تجعل من أقوالهم واجتهاداتهم الشّخصيّة مصدرا للاستدلال والتّحجّج. وتاه هذا الخطاب في دروب الاستقطاب الضّيّقة، جاعلا من التّشدّد الفكريّ والسّلوكيّ والتّعصّب المذهبيّ، آليّات تخويف وتهديد تدعمها البدع الأسطوريّة المنافية للعقل والتّفكير المنطقيّ السّليم. كما لم يترفّع هذا الخطاب عن نوايا الكسب والاسترزاق، فتحوّل إلى سلعة تقايض ماليا وعينيا، وينال منها من يدفع أكبر نصيب وأوفره. وضاعت بذلك التزامات هذا الخطاب الحضاريّة، وخبت مساهماته في نهضة الأمّة، ولم يعر التّنمية المجتمعيّة والتّطوير اهتماما في انشغالاته. فخيّب بذلك أمل الطّامحين إلى اللّحاق بركب الأمم المتقدّمة، وأضاع دروب التّنمية بين مشاغل التّطويع والتّسليع. وبسبب ذلك انحصر القبول بهذا الخطاب لدى المثقّفين والنّخب الواعيّة بحقيقة الرّهانات، ولم يكسب رواجا إلاّ لدى الشّرائح التي تفتقد لأساسيّات التّفكير النّقدي المنتبه لحقيقة أيّ خطاب.
قائمة المصادر والمراجع:
- القرآن الكريم.
- التّميميّ (محسن): الخطاب الدّينيّ المعاصر، مقال بمجلّة الهداية، عدد 172، مارس 2006، نشر المجلس الإسلاميّ الأعلى للجمهوريّة التّونسيّة.
- الثّعالبي (عبد العزيز): التّسامح في الإسلام، مجلّة الهداية، عدد 173، السّنة 31، ديسمبر 2006.
- جريدة العرب الأسبوعيّ، عدد 128، سنة 9، 27 /10/2007.
- الدّريدي (سنية صالح): الخطاب الدّينيّ رسالة ومشروع حضاريّ، من كتاب آفاق الخطاب الدّينيّ في تونس موقع الأوان على الإنترنيت https://www.alawan.org/ في 2013/12/08/ .
- السّوايحي (منجيّة): أزمات الخطاب الدّينيّ، مقتطف من كتاب جماعيّ عنوانه: آفاق الخطاب الدّينيّ في تونس، نشر مؤسّسة مجمع الأطرش للتّوزيع 2021.
- الشوّاشي (سليمان): الخطاب الدّينيّ: الواقع والمأمول، مجلّة الهداية عدد 196، تونس 2016.
- الفيلالي (محمّد): الخطاب الدّينيّ في القنوات الفضائيّة العربيّة، موقع مؤمنون بلا حدود https://www.mominoun.com/articles/552 في 05 / 10 / 2021 .
- مجلّة روز اليوسف المصريّة، عدد 4109، سنة 82، 10/3/2007.
- محمد أسيداه (محمّد): السّفسطائيّة وسلطان القول، مقال بمجلّة عالم الفكر، عدد4، 2005.
- المساهلي (سالم): الخطاب الدّينيّ الإسلاميّ الموجود والمنشود، ضمن كتاب جماعي: آفاق الخطاب الدّينيّ في تونس. مرا. سيف الدين الماجدي، مجمع الأطرش، تونس، 2021.
- اليحياوي (يحي): الفضائيّات الدّينيّة، أو في التّسليع الدّينيّ، موقع مؤمنون بلا حدود
- https://www.mominoun.com/articles/5555 في 20 / 10 / 2021.
[1] – منجيّة السّوايحي: أزمات الخطاب الدّينيّ، مقتطف من كتاب جماعيّ عنوانه: آفاق الخطاب الدّينيّ في تونس، نشر مؤسّسة مجمع الأطرش للتّوزيع، 2021، ص67.
[2] – يذكر الدّاعية عبد الحميد المهاجر أمام متابعيه على قناته التّلفزيّة السّابقة ( الأنوار ) أنّ كربلاء مدينة مقدّسة، يشير اسمها إلى أحد الأنبياء القدامى. وصرّح بأنّه استنتج ذلك ذات يوم لمّا كان مستغرقا في صلواته وتسبيحه، وحين التفت فجأة وجد بجانبه امرأة جميلة غريبة الملامح تلبس الحجاب والعباءة السّوداء، وتوجّه النّظر إليه. ولمّا سألها بالأنجليزيّة باعتبار ملامحها الأجنبيّة: wat’s your name ? أجابته كربلاء، كربلاء، ثمّ اختفت. وهو يقسم على ذلك، ويلحّ على صدق رؤياه.
[3] – يحي اليحياوي: الفضائيّات الدّينيّة، أو في التّسليع الدّينيّ، موقع مؤمنون بلا حدود https://www.mominoun.com/articles/5555 في 20 / 10 / 2021.
[4] – يحي اليحياوي: الفضائيّات الدّينيّة، أو في التّسليع الدّينيّ، مرجع سابق.
[5] – يحي اليحياوي: الفضائيّات الدّينيّة، أو في التّسليع الدّينيّ، مرجع سابق.
[6]– سورة التّوبة: الآية 5.
[7]– عبد العزيز الثّعالبيّ : التّسامح في الإسلام، مجلّة الهداية، عدد 173، السّنة 31، ديسمبر 2006، ص3، وهو نص مأخوذ من كتابه: “التّحرّر في القرآن”.
[8]– المقصود بذلك الوزير الفلسطينيّ إسماعيل هنيّة الذي استفرد بقطاع غزّة، وضرب بتعليمات الرّئيس عبّاس عرض الحائط.
[9]– المقصود بذلك الرّئيس الإيرانيّ المنتخب أبو الحسن بني صدر الذي انتخب سنة 1980 رئيسا للجمهوريّة الإيرانيّة، لكنّه فرّ بعد 16 شهرا إلى فرنسا على متن طائرة نفّاثة تابعة لسلاح الجوّ الإيرانيّ خوفا من ردّة فعل رجال الدّين الذين تحدّى سلطتهم.
[10]– جريدة العرب الأسبوعيّ، عدد 128، سنة 9، 27 /10/2007، ص 10.
[11]– عن مجلة روز اليوسف المصرية ، عدد 4109 ، سنة 82 ، 10/3/2007 ، ص56-58 .
[12]– عبد العزيز الثعالبي ، التّسامح في الإسلام، مرجع سابق.
[13]– سليمان الشّوّاشي: الخطاب الدّينيّ الواقع والمأمول، مجلّة الهداية عدد 196، تونس 2016، ص46.
[14]– محسن التميمي: الخطاب الدّينيّ المعاصر، مقال بمجلّة الهداية، عدد 172، مارس 2006، نشر المجلس الإسلاميّ الأعلى للجمهوريّة التّونسيّة، ص56 .
[15]– محمّد أسيداه: السّفسطائيّة وسلطان القول، مقال بمجلّة عالم الفكر، عدد4، 2005، ص97.
[16] – سنية صالح الدّريدي: الخطاب الدّينيّ رسالة ومشروع حضاريّ، مقتطف من كتاب آفاق الخطاب الدّينيّ في تونس، ص79.
[17]– نشير هنا إلى فتوى إرضاع الكبير التي وردت بصحيح مسلم، وأباحت للمرأة التي تعمل مع رجل غريب عنها في غرفة واحدة لا ثالث لهما فيها، بأن تُرضعه حتى لا تصبح الخلوة بينهما حراماً، وفتوى منع المرأة من الإبحار على الأنترنيت دون اصطحاب محرم، أنظر موقع الأوان على الأنترنيت https://www.alawan.org/ في 2013/12/08/.
[18]– سالم المساهلي: الخطاب الدّينيّ الإسلاميّ الموجود والمنشود، ضمن كتاب جماعي: آفاق الخطاب الدّينيّ في تونس. مرا. سيف الدين الماجدي، مجمع الأطرش، تونس، 2021.، ص56.
[19] – محمّد الفيلالي: الخطاب الدّينيّ في القنوات الفضائيّة العربيّة، موقع مؤمنون بلا حدود https://www.mominoun.com/articles/552 في 05 / 10 / 2021.