ترجمة د. محمد بالراشد[1]
هل تتأتّى الصور النمطيّة العنصريّة من ايديولوجيا مهيمنة نشرت عبر وسائل الإعلام والتربية، وعبر ديناميكية المجموعات البشرية ذات الميل إلى التمايز بينها، أم من تكوين خاص للدماغ؟
علم النفس الاجتماعي: من تأثير المجموعة إلى التحيّزات المعرفيّة
تعدّ دراسة الأحكام المسبقة العنصريّة أحد المحاور التأسيسيّة لعلم النفس الاجتماعي. فبحلول سنوات 1930، نقلت استطلاعات الرأي بالولايات المتحدة مواقف واضحة تجاه الأقليات العرقيّة. فاعتبر السود كسالى وعنيفين، واليهود مثابرين وخبثاء. ولم يكن الصينيون والأقليات الأخرى أفضل حالا.
كيف يتمّ تشكيل هذه الأحكام المسبقة؟ قد كان تيودور أدرنو Theodor Aderno (1903-1969) الذي كان قد قاد تحقيقا حول النظرة إلى اليهود والسود، (الشخصية الاستبداديّة 1950) يعتقد أنه اكتشف لدى العنصريّين ملمح “شخصيّة استبداديّة” يتميّز بالآراء الإجمالية وبالتفكير الجامد المرتبط بالتربية. وقد حقّقت الدراسة نجاحا كبيرا، ولكن تمّ انتقادها من خلال دراسة مضادة أجراها توماس ف. بيتيغرو Thomas F Pettigrew من جنوب إفريقيا، بيّن فيها أن العنصرية المعادية للسود لم تكن مرتبطة بتربية سلطويّة، بل بسياق ثقافي. فالميز العنصري في جنوب إفريقيا كان مُمأسسا.
في سنة 1961، أجرى عالم النفس الاجتماعي مظفر الشريف Muzafer Sherif تجربة قام خلالها، بتجميع فريقين من الأطفال في مخيّم عطلة. وبعد فصلهما بشكل اعتباطي وإعادة تجميعهما ثم فصلهما من جديد بدأت ردود فعل عدوانيّة تتجلّى بعفوية من قبل كل فريق تجاه الآخر.
وفي نفس الفترة، بيّنت دراسات هنري تاجفيل Henri Tajfel أن رفض الآخر يمكن أن يستند إلى آليات التصنيف الاجتماعي ذات الخصائص المتميزة (اليهود أذكياء، الآسيويون متفانون في العمل، العنصريون أغبياء) فينتج تشويها في النظرة إليهم (human groups and social categories1981).
وبالنسبة إلى هنري تاجفيل H.Tajfel تفسّر العنصرية العادية بالحاجة إلى تقدير الذات. فتشويه سمعة آخر هي طريقة أيضا لتثمين الذات. ومنذ سنوات 1980 صار ينظر إلى الأحكام المسبقة والصور النمطيّة باعتبارها مسارات معرفيّة كونيّة processus cognitifs universels تقسّم العالم إلى فئات جامدة موجّهة إلى الاعتراف والتحرك بسرعة في مواجهة المحيط. ولكن يمكن تصحيح هذه الأحكام الإجمالية والسريعة أو التخفيف منها من خلال التجربة والتعليم أو التفكير (Sommes-nous tous racistes ? Psychologie des racismes ordinaires, Jacques –Philippe Leyens, 2012)
علم النفس التطوّري: العنصرية التي شكّلها التطوّر
بالنسبة إلى علم النفس التطوّري، فإن التصرّفات العنصريّة بُرمجت على مدى ملايين سنين من التطوّر، وهي تتوافق مع محيط يتميّز بالمنافسة الإقليميّة بين المجموعات. فخلال مرحلة ما قبل التاريخ البشري، تم تفضيل وضعيات الانتماء إلى مجموعة والحذر والريبة من مجموعات أخرى كشرط للبقاء. فبالنسبة إلى التطوّريين، التوحد في كتلة واحدة، ومحاربة “الآخر” هي سلوكات تكيفية طوّرها الناس للدفاع عن مواردهم وأراضيهم. وستكون هذه الجذور التطوّرية لسلوكات العصابات القوميّة، وللتنافس بين المشاغبين (الهوليغنز)[2]. ولإعطاء معنى لهذه النظرية ارتكز الباحثون على معطيات عابرة للثقافات وعلى ملاحظة الصراعات الإقليميّة بين البدائيين.
علم نفس النمو: لماذا الأطفال عنصريون؟
في سنة 1939 اخترع عالم النفس كينيت كلارك Kenneth Clark وزوجته مامي Mamie بروتوكولا بسيطا للغاية لاختبار عنصريّة الأطفال السود. وتنصّ التجربة على أن يطلب من أطفال (بين سن 6 و9 سنوات) الاختيار بين دميتين أحداهما سوداء، والأخرى بيضاء على أن تطرح عليهم بعض الأسئلة من قبيل أرني أي من الدميتين تفضّل؟ أو أرني أي من الدميتين اللطيفة؟ أو الخبيثة؟ الخ. وقد اكتشف ك. كلارك أن 63 بالمائة من الأطفال الذين يرتادون المدارس الخاصة بالسود يفضّلون الدمية البيضاء ويعتبرون أنها اللطيفة.
تميل تجربة كلارك إلى إظهار أن 1)الأطفال ليسوا غير مكترثين بالألوان، و2) أن الأطفال السود اندمجوا مبكّرا في بعض التمثّلات المهيمنة في مجتمعهم (حتى وإن كانت موجّهة ضدهم). وقد كان لتجارب كلارك وقع على المحكمة العليا الأمريكية، فقد أسهمت هذه التجارب في إلغاء قوانين جيم كراو les lois Jim Crow التي أرست التمييز العنصري في مدارس ولايات الجنوب الأمريكي.
أعادت الموثقة كيري دافيس Kiri Davis التجربة مع أطفال بحي هارلام لفيلمها “فتاة تشبني” سنة2005. وقد اختار 71 بالمائة من الأطفال السود الدمية البيضاء على اعتبار أنها اللطيفة. وفي عام 2009 أعاد برنامج صباح الخير أمريكا لقناةABC الاختبار مع 19 طفلا أسودا. وفي إجابة عن سؤال أي الدميتين الأجمل، أجاب نصف الفتيات السود (47 بالمائة) أنها البيضاء. وقد أكّدت عديد الدراسات أن الأطفال يقيمون تمييزات واضحة بينهم على قاعدة الانتماء الجسدي، وعلى أن هذه الاختلافات تلعب دورا في علاقتهم. بقي أن نعرف كيف تتشكّل آرائهم العنصريّة.
بيّنت بعض الدراسات أنه منذ سن 4 سنوات، يبدي الأطفال تفضيلا بين أصدقائهم بحسب لون بشرتهم. ويتصاعد هذا التفضيل حتى سن 7 سنوات. ولكن بعد ذلك، تتراجع الأحكام المسبقة العنصرية. إن الفرضية التي طرحها بعض علماء النفس هي أن سلوك الصغار يعكس فقط الآراء السائدة في مجتمعهم، وأن ليس لديهم رأي شخصي خاص بهم، في حين أنهم من 8 إلى 9 سنوات يكونون قادرين على تمييز رأي الآخرين عن آرائهم[3].
بالنسبة إلى الانتروبولوجي لورانس هيرشفيلدLawrence A Hirscfeld الذي يستند على تجارب أخرى في علم النفس لدى أطفال صغار، فإن فكرة العرق تسبق التعلّمات الوالدية، ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر والديهم. ففكرة أنه توجد أعراق مختلفة تمثّل جزءا من تصوّر بديهي للعالم الاجتماعي ، وهو تصوّر سيتمّ تدعيمه لاحقا، أوتنسيبه تبعا للتعلّمات اللاحقة[4].
علم الأعصاب والعنصريةلقد وضعت دراسات تصوير الدماغ (حول التعرف على الوجه والتذكر) ضمن البديهيات التأثير بين الأعراق الذي يمكن أن يلعب دورا مهما في الشهادات، فشهود العيان يخطؤون بسهولة أكثر في تحديد هويّة فرد من غير عرقهم. آخذة بعين الاعتبار هذا التأثير، اعتبرت المحكمة العليا لمساشوتس أن القضاة ينبغي أن يكونوا على علم بهذا التحيز. The Neurscience of racial bias, could a pill reduce racialbias ? Joshua Gowin, Psychology today, 2012 |
هوامش المقالة :
[1] العنوان الأصلي للمقال: D’où viennent nos stéréotypes ? وقد نشر بمجلة Sciences Humaines الفرنسية ، بتاريخ ماي 2017، العدد 292، ص ص 36-37
[2] Melissa M. Mc Donald et al ; « Evolution and psychology of intergroup conflit : the male warrior hypothesis », Philosophical Transactions of the Royal Society B, vol CCCLXVII, n°1589,mars2012
[3] Martha Augoustinous et Dana Louise Roseware « Stereotype knowledge and prejudice in children », British Journal of Developmental Psychology, vol Xix,n°1, mars2001
[4] Lawrence Hirschfeld, race in the making Cognition, culture and The Child construction, MIT Press,1996.