ملخّص:
يتطرّق هذا المقال إلى طبيعة العلاقة القائمة بين علم التّصوّف الإسلامي وعلم الكلام الأشعري، وإشكالية الارتهان ومحاولات التّوظيف السّياسي لأهل التّصوّف نظرا إلى فاعليّة خطابهم من ناحية التّأثير المباشر، بالتّالي سنسعى من خلال هذه الورقات إلى استخراج مكامن العلاقة التّكامليّة بين كلا العلمين، وفضح النّزعة السّياسة على المستوى الدّاخلي (العربي)والخارجي (الغربي)للاستغلال والسّيطرة على الخطاب الصّوفي.
الكلمات المفاتيح: التّصوّف، الأشعريّة، علم الكلام، السّياسة.
Abstract:
This article deals with the type of the relationship between the science of Islamic Sufism and the science of Ash ‘ariilmkalam on the one hand and the problem of dependence and attempts to politically employ the Sufism given the effectiveness of their discourse and its direct impact on the other hand.
Thus, through these papers, we will try to elicit the complementarity between the two sciences and expose the political tendency at the internal (Arab) and external (Western) levels of exploitation and control over Sufi discourse.
Keywords: Sufism, Ash ‘aria, ilmkalam, politic.
1- تمهيد:
إنّ التّصوف ظاهرة دينيّة اجتماعية، على اعتبار أنّه مجموعة من القيم المهمّة التّي تؤدَّى من خلال وظائف اجتماعية عدّة داخل المجتمع الإنساني، فتنتشر ضمن أنساق مختلفة منها الدّيني، والأدبي، والفنّي الجمالي.
لكن ما يهمّنا في هذا السّياق هو النّسق الدّيني الأخلاقي، الذّي يسمو بالفرد لإيتيقا جديدة، لها تأثير سيكولوجي إيجابي في الشّخصيّة، بالتّالي في المجتمع عامّة، وهو ما طمح إليه علم الكلام الأشعري بشقّيه القديم والجديد.
فماهي الرّوابط العلائقيّة بين الأشعريّة والتّصوّف، والسّياسة والتّصوّف، بالنّظر إلى الأسس التّي ارتكزت عليها من خلال التّأثير المباشر للخطاب الصّوفي في الوسط السّياسي؟
2- التّكامل الوظيفي بين علم الكلام والتّصوّف :
2- 1- الأشاعرة والتّصوّف:
تربط الأشاعرة علاقة قويّة في بِنْيتها، قديمة في تاريخها بالتّصوّف الإسلامي، الذّي امتزج مع عقيدة الأشعري. يذكر ابن عساكر في تبيين كذب المفتري طبقات المنتسبين إلى الأشعري وهي خمسة، لا تخلو واحدة منها من أهل التّصوّف، ومنهم في الطبقة الأولى أبو عبد الله محمد بن خفيف الشّيرازي[1]، وفي الطّبقة الثانية أبو علي الدقاق[2]، وفي الثالثة أبو ذر الهروي[3]، وفي الرابعة أبو القاسم القشيري[4]،أمّا الخامسة فنجد أبو حامد الغزالي[5].
ويؤكّد الجنيد السّالك[6]على الرّابطة الوثيقة بين التّصوّف والعقيدة مبيّنا التّداخل القائم بينها قائلا “واعلم أنّ أوّل عبادة الله عز وجل معرفته، وأصل معرفة الله توحيده، ونظام توحيده نفي الصفات عنه بالكيف والْحَيْث والأيْـن”[7].
ومن خلال كلام الجنيد يتجلّى جيّدا تمازج وتكامل المذهب الأشعري والتّصوّف الإسلامي على اعتبار تشاركهما في النّظرة إلى حقيقة التّوحيد ومعناه القائم على معرفة الله تعالى المعرفة الحقّة، وذلك من خلال السّلوك وعلم الحقيقة، المؤسّس لصيغة التّوحيد القائمة على التّنزيه وعدم التّشبيه والتّجسيم، ما جعل ارتباط أصحاب المذهب بأهل الطّريقة أمرا طبيعيّا.
وندعم كلامنا السّابق بموقف الإمام القشيري، الذّي اتّجه للتّوفيق بين الشّريعة والحقيقة، وهو الذّي عمل على تأسيس التّصوف على قواعد عقديّة شرعيّة أشعرية، يقول في رسالته الشّهيرة “اعلموا رحمكم الله، أنّ شيوخ هذه الطريقة بنوا قواعدهم على أصول صحيحة في التّوحيد، صانوا بها عقائدهم عن البدع، ودانوا بما وجدوا عليه السّلف وأهل السّنّة من توحيد ليس فيه تمثيل ولا تعطيل، وعرفوا ما هو حقّ القِدم وتحققوا بما هو نعت الموجود عن العدم، ولذلك قال سيّد هذه الطريقة، ومظهر أعلام الحقيقة، وسيّد الصّوفية علما وعملا أبو القاسم الجنيد رحمه الله “التوحيد إفراد القِدَم من الحُدُوث، وأحكموا أصول العقائد بواضح الدّلائل، ولائح الشّواهد”[8].
وقد بقي بنيان المدرسة الأشعريّة ذات النّفس الصّوفي قائم الذّات إلى يومنا هذا، ويتجلّى ذلك بكلّ وضوح مع المعاصرين من أعلام المذهب الأشعري، يقول البوطي معبّرا عن التّصوّف “أمّا التصوف بمعناه الحقيقي السليم فهو لُبُّ الإسلام، وجوهره الكامن في أعماق فؤاد الإنسان المسلم، وبدونه يغدو الإسلام مجرد رسوم ومظاهر وشعارات يجامل بها النّاس بعضهم بعضًا، ولا توقفنّك إزاء هذه الحقيقة مشكلة الاسم، فلقد كان التحلّي بهذا اللّباب في صدر الإسلام مسمّى لا اسم له، إلا الإسلام الحقيقي الذي يستدعي من صاحبه تزكية النّفس، والسّعي إلى بلوغ درجة الإحسان” [9].
وعليه فالتّصوّف جزء لا يتجزّأ من الشّريعة الإسلاميّة، على اعتبار أنّه أسمى درجة يمكن للفرد السّالك أن يبلغها، وهي كما ذكر البوطي درجة الإحسان، والفكر الأشعري الذّي عُرف بتوسّطه ونبذه للغلوّ والتّطرّف، لا يمكن أن يُفرّط في هذا المقام السّامي الذّي تتميّز به الشّريعة الإسلاميّة، ما جعله يدعم السّلوك الصّوفي الذّي اتّهمه البعض بالبدعة.
التّصوّف مدرسة ترتكز على نظام روحي أخلاقي وسلوكي، عبر رياضات نفسيّة، وقيم من العبادات والوظائف من أدعية وأوراد، ورابطة روحيّة بين الشّيخ والمريد، وقد سعى الأشاعرة للدّفاع عن الطّريقة رافضين كلّ أنواع الابتداع، حتّى ذهب البوطي لنقد بعض الممارسات الدّخيلة على التّصوّف، وبعض مسالك رجالات الصّوفية، خاصّة منهم القائلين بتفسير القرآن بالطريقة الباطنية، والذّي صرّح أنّ ” اتّباع كثير من النّاس في تفسير نصوص القرآن أو السّنّة ما تخيله إليه أوهامهم وسمادير أحلامهم”[10].
كما قد ذهب الرّجل في مقدّمة شرحه للحكم العطائيّة، إلى دعم روح التّصوّف بعيدا عن المصطلح، في إجابة مسبقة لمن سيقول “إنّ العكوف على دراسة هذه الحكم إنّما هو انصراف إلى التّصوّف، والتّصوّف شيء طارئ على الإسلام متسرّب إليه… وأقول أمّا الأسماء والمصطلحات فلا شأن لنا بها ولا نتعامل معها، وها أنا منذ الآن سأبعد كلمة التّصوّف هذه من قاموس تعابيري وكلماتي، مع العلم بأنّ الأسماء والكلمات ليست هي التّي تُوصف بأنّها الإسلام أو هي البدع الطّارئة عليه، وإنّما الذّي يوصف بها أو ذاك مسمّيات الأسماء ومضامينها والمعاني التّي جاءت للأسماء والمصطلحات معبّرا عنها وخادما لها”[11]، وهو تمامُ ما ذهب إليه النّشّار معتبرا أنّ كلّ ظاهرة في مجتمع من المجتمعات، إنّما تستمدّ حقيقتها من هذا المجتمع وتتبلور في نطاقه، ثمّ تأتي العوامل الخارجيّة بلا شك وكذلك الزّهد نشأ في المجتمع الإسلامي مستندا على القرآن والسّنّة، ثمّ مضى في طريقه إسلاميّا[12]…
نشأ التّصوّف باعتباره ظاهرة قرآنيّة، ثمّ تطوّر إلى علم للإرادات ورياضة النّفوس وعرف في مرحلة أولى باسم الزّهد وفي مرحلة ثانية باسم التّصوّف، ثمّ تطوّر إلى أخلاق وفلسفة بحته، غير أنّه تعدّدت التّسميات والمعنى واحد، ليكون على رأي النّشّار طريق أخلاقي على يد الصّوفيّة من الأشاعرة، كوّن علم الأخلاق الإسلامي حتّى عصورنا الحاضرة، الأمر الذّي جعله متناغما مع أسس العقيدة الأشعريّة وتوجّهات أصحابها.
- تكامل الأدوار الوظيفيّة بين علم الكلام وعلم التّصوّف:
تتلاقى الأسس الإسلاميّة النّاظمة للمسار التّقدّمي والتّي تتكامل فيما بينها، ضمن هدف واحد لتكوّن جدار صدّ للآفات العصريّة المنبثقة من داخل مجتمعاتنا الإسلاميّة، أو المنبعثة من المجال الخارجي الغربي، فعلم الكلام والتّصوّف الإسلامي أساسيان متداخلان في البنية والهدف.
وقد عُدَّ علم الكلام السّلاح الأقوى عند المسلمين، للدفاع عن الدّين والشّريعة بصيغته القديمة، والإنسان والإنسانيّة بصيغته الجديدة، كما عدّت التزكية الوظيفة الأساسيّة للتّصوّف الإسلامي في الممارسة التّاريخيّة، لكنّ اليوم قد تبلورت هذه الوظيفة لتكون إصلاحيّة أخلاقيّة بالأساس.
وبناء على ما سبق، فإنّ الصّيغة الجديدة لعلم الكلام المعاصر تحتاج للوظيفة الجديدة للتّصوّف الإسلامي، لتكون المعادلة بين العلمين تكامليّة، فالأوّل نظريّ يقوم على ملامسة المشكل وتحليله وطرح حلول، والثّاني عملي تطبيقي لتلك الحلول، وهذه المعادلة مترسّخة عند مفكّري الأشعريّة المعاصرة، الذّين آمنوا بالجانب الإصلاحي الكبير أخلاقيّا واجتماعيا من خلال البعد الصّوفي. وقد ذهب فودة للقول إنّ ” العمل لا يمكن أن يثمر ثمرا حقيقيّا إلاّ إن كان مبنيّا على العلم، والتّصوّف ليس هو إلاّ العمل”[13]، بالتّالي فإنّ “إحداث المقارنة بين العمل وبين علم الكلام، يشبه إحداث المزاحمة بين العمل والعلم، والمتكلّمون أنفسهم لم يقل أحد منهم بالاستغناء عن العمل”[14]، وهذا هو المعنى الحقيقي للتّكامل الوظيفي والبنائي بين كلا العلمين.
ولا شكّ أنّ أعلام المدرسة الأشعريّة المعاصرة، اعتمدوا التّصوّف كعلم أساسي تستقيم به النّفوس وتصلح به الأحوال. يبيّن سعيد فودة أهمّية التّصوّف الحق في حياة الفرد والمجتمع، الذّي لا يستقيم إلاّ بعيدا عن الغلوّ، وقد تجلّى ذلك في كتابه “الموقف” مؤسّسا لنظريّة وفق سلسلة متطاولة من التّشخّصات الفكريّة القديمة في بعدها الزّماني، والمتماثلة في فكرنا المعاصر، يقول الرّجل” أردت أن أجعله حاويا (أي الموقف) للمسائل التّي ينبغي على كلّ مسلم مفكّر أن يعلمها في أصول الدّين والفكر الإنساني، لا بأسلوب التّعليم والتّدريس لكن بأسلوب البحث والنّظر، وأن يعلم أيضا الأخطار التّي تحيط به في هذه الحياة الدّنيا”[15].
وعلى اعتبار أنّ علم الكلام هو العلم القائم على التّصوّف الذّي هو العمل، فإنّه إن خالف علم التّوحيد وخالف معه العقل والمنطق كان باطلا، لأنّه حكم له من نفسه لكن من حيث هو تابع لعلم الكلام[16].
وعليه، قد صار التّداخل بناء على ذلك بين علم أصول الدّين والتّصوف بنيويا داخليّا متلازما، أي أنّ الضّوابط الأخلاقية كامنة في بنية التّأصيل العقدي توظيفا وممارسة، ومن ثمّ لم تقتصر نظريات المدرسة الأشعريّة على خصوصية أصول الدّين والتّصوّف في شقّه الجوارحي، بل تجاوزته لتصير قادرة على احتواء المنظومة الشّعورية والوجدانية لدى المكلّف عامّة.
يذهب البوطي في شرح الحكم العطائيّة وهي التّي جسّدت في طيّاتها البعد الأخلاقي الصّوفي إلى أبعد حدّ، إلى أنّ ” العقل ليس هو الحافز الوحيد في كيان الإنسان إلى السّلوك، بل يزاحم العقل وينافسه في ذلك العصبيّات والأهواء والأغراض والعواطف بأنواعها”[17]، وهذه الأنواع السّلبيّة التّي تهتك النّفس والمجتمع تقهر بتربية النّفس إن كان الإنسان مريدا لذلك، والمريد ” فيما اصطلح عليه علماء السّلوك ذاك الذّي يتلمّس سبيلا إلى تزكية نفسه وتطهيرها من الشّوائب والآفات”[18]، غير أنّ كلمة المريد بحسب البوطي ينبغي أن تفهم بمعنى أكثر اتّساعا وشمولا، إذ هي تشمل في سياق الحكم كلّ من أراد التّقرّب إلى الله بإصلاح حاله، وهو تمام مقصد أهل الكلام الأشعري من أنّ التّصوّف اليوم سلوك مجتمعي، قادر على تقديم وإرساء المبادئ العامّة التّي يطرحها علم الكلام الجديد، بصورة فعليّة وعمليّة على أرض الواقع.
إنّ التّصوّف لم يختص بإضافته إلى علم أصول الدّين مع المدرسة الأشعريّة إلاّ لكونه مكمّلا له، فإذا لم يفد ذلك فليس بأصل له، وشأن التّصوف هو أداء وظيفة متناسقة مفضية إلى إنتاج فروع أصوليّة، أو أخلاق جوارحية جمعا بين العلم والعمل ومراعاة لشعور الفرد وسلوكه.
تضاهي الآداب الشّرعية المحتضنة للتّصوّف الفروع الأصوليّة التّطبيقيّة، على اعتبار عمل القلب وعمل الجوارح من حيث هو مطلوب شرعا، هو محط نظر التّصوّف من المكلف، مطلوب في علم الأصول كعمل الجوارح، فموضوعهما معا ومجالهما الرئيس فعل المكلف ظاهرا وباطنا، وهما فيه شقيقان.
والتّصوّف حركة لأخلقة النّفس البشريّة، وإن اختلفت التّسميات وتباينت التّحفّظات والذّي يبقى بمعناه الرّائد نسقا تربويّا، يعكس أسمى درجات الإسلام وهو الإحسان، والتّصوّف وإن اختلفت تسمياته يعكس ممارستيّا المعنى الحقيقي للدّين الإسلامي سواء كان الاصطلاح تصوّفا أو غيره، الأمر الذّي جعل منه نقطة استفهام تناولها الكثيرون بالدّراسة والتّحليل، حتّى أقرّ النّشّار بالقول “إنّني أؤكّد أنّ تفسير التّصوّف اجتماعيّا، أو أنتربولوجيّا، أو تطبيق مناهج علم الاجتماع أو الأنتربولوجيا، أو تفسيره تفسيرا مادّيّا، كلّ هذا سيؤدّي إلى نتائج مثمرة”[19].
إنّ العلاقة الوظيفيّة المتكاملة بين علم التّوحيد من خلال المدرسة الأشعريّة كنموذج واقعي معاصر، وبين التّصوف كسلوك وأسلوب حياة، يدرء التّداخل الهامشي الذي لا ينتج، ويبرز جيّدا الاعتبار التّداخلي النّسقي، الموجب للتّسليم بمبدأ الكليّات المحتضنة للعلوم الشرعيّة، والمنتجة لآداب أخلاقيّة شعوريّة مناط تعلقها القلوب، ومن هنا كانت كلّ مسألة أصوليّة عند أعلام المدرسة الأشعريّة، جامعة بين دقّة المورد العلمي ولطافة المذاق الصّوفي.
إنّ العلاقة القائمة على مبدأ التّكامل المعرفي، والتّداخل المنهجي بين العلوم، ممثلةً في علم التّوحيد والتّصوف، باعتبار أنّ الأوّل منهما خادم للثاّني والعكس صحيح، وسيلة مهمّة من وسائله الموصلة إليه في الوجدان، والضابطة لمقتضياته في السلوك، ما يجعلنا نطرح السؤال المركزي والمحوري في هذا العنصر: أيّ دور يلعبه التّصوّف في البناء المجتمعي ليجعله بابا من أبواب الإصلاح، كعنصر مهمّ من عناصر علم الكلام في الرّؤية الأشعريّة؟
3- البراغماتيّة الصّوفيّة ودورها في البناء والتّأثير:
3- 1- الخاصّيّة البراغماتيّة للتّصوّف الإسلامي:
يمكن أن نحدّد التّصوّف باعتباره إرثا دينيّا، يهدف إلى إفشاء السّلام الرّوحي والمجتمعي والنّأي بالشّعوب عن التّنازع والتّقاتل، لذا تراه قائم الذّات منذ بداية ظهوره إلى يومنا هذا، بل حتّى أنّه أضحى يمثّل محلّ اهتمام كبير بالنّسبة إلى الغرب دراسة وتأسّيا، ويصرّ النّشّار على هذا قائلا “ومازلت أقول إنّه مازال للتّصوّف أثره الكبير في حياتنا المعاصرة، إنّه لم يمت أبدا” [20]، والمؤكّد أنّ التّصوّف بخصائصه الرّوحيّة القويّة وتوجّهه الخاص القائم على رؤية كونيّة وفق تصوّر توحيدي عملي، لم يفصل العقيدة والإيمان عن العمل، هو ما جعله هيكلا قائما يشتدّ عوده كلّما تقدّم الزّمن وزاد عنف الحياة.
والتّربية التّي هي أساس التّرقّي الصّوفي هي بدورها أساس التّرقّي المجتمعي في النّهاية من حيث إنّها فعل موجّه، “تهدف إلى بناء الشّخصيّة الإنسانيّة بناء على مبادئ معيّنة باعتماد جهات مكوّنة للشّخصيّة في الإنسان، ويكون المقصود من هذه التّربية الوصول إلى غايات معيّنة… ومعلوم أنّ الشّخصيّة الإنسانيّة تتألّف من عدّة جهات، كالتّكوين الفكري والعقائدي والجسماني والغريزي الشّامل للشّهوات المختلفة، ويظلّ الاختلاف بعد ذلك حاصلا بين تربية وأخرى بحسب اختلاف الأساس الفكري والهدف المطلوب إليه من التّربية”[21].
وهذه التّربية كما تطرّق إليها فودة في الموقف، هي الممارسة العلاجية لأمراض النفس وانحرافات الأخلاق، ومنه محاسبة النّفس للتراوح بين المقامات، وما أحوجنا لمحاسبة أنفسنا كلّ من موضعه وموقعه، فلو كان هذا لتغيّرت الكثير من النّتائج والممارسات.
وإقامة التّربية على الأساس الفكري بحسب فودة أقوى من إقامتها على مجرّد العواطف ذلك لأنّ العواطف لا تحتوي قيما في حدّ ذاتها، فيمكن توجيهها وتأليفها مع العلم والجهل، كما تأتلف مع الهدى والضّلال، والرّجل إنّما يقصد بالأساس الفكري علم الكلام المعاصر فهو الفكر وصوت العقل، يقول “فلو كان التّديّن قائما على علم الكلام (أي علم أصول الدّين بالمعنى الذّي نتكلّم عنه) بدلا من التّربية المعتمدة على مجرّد العواطف لما تسنّ للفئة الفاسدة أن تتغلّب في البلاد، فخير ضمان للدّين والأخلاق المبنيّة عليه في أيّ أمّة، أن ترتكز عقيدته في قلوب المثقّفين بأدلّته ثمّ يستند إليه أساس دين العامّة العاجزين عن الاستدلال والدّائرين مع التّقليد والتّربية “[22]، وهو تمام تأثير الفكر في العاطفة وتأثير علم الكلام في التّصوّف، فالعقل والقلب متمّمين لبعضهما في التّدبير والتّصرّف ودون توازن بينهما يعمّ التّطرّف والبؤس ربوع الإنسانيّة.
إنّ الجماعة الصّوفيّة اليوم مدركة للنّتيجة الإيجابيّة التّي يقدّمها التّصوّف للفرد والمجتمع على اعتبار وأنّه مشروع نضالي في حدّ ذاته روحيّ بالأساس، قادر على أن يخرج بالفرد والجماعة بصورة فاعلة من قيود هذا الانحطاط والتّخلّف، ومختلف مظاهر الانحلال الأخلاقي، التّي تعكس مدى تقدّم المجتمعات عن غيرها، وذلك بتفجير هذه الطّاقات الرّوحيّة في العمل الدّنيوي المنتج تلازما مع ميتافيزيقا الخلاص الفردي الأخروي.
وتبقى قيم التّسامح، والمحبّة، والتّعدّديّة الدّينيّة التّي تغمر الكيان الصّوفي، والتّي تأثّر في العالم المحيط به، هي وسائل تعبر الحدود الجغرافيّة، والدّينيّة، والثّقافيّة، والنّفسيّة واللّغويّة كذلك، لتشكّل جسورا للتّسامح والتّوافق والتّعدّدية والتّعايش مع الآخرين من منظور منفتح وفي الخضم قد ذهب الغزالي لإحياء علوم الدّين بتقديم شرح مستمدّ من الجانب الرّوحاني والأخلاقي في الإسلام، كما كان إصرار المتصوّفة تماما على الجانب الأخلاقي الذّي يبدأ من الفرد ليمتدّ لعلاقتهم بالآخرين، بالتّالي الخروج بالتّصوّف في طوره العملي من النّطاق النّخبوي الفردي إلى النّطاق الجماهيري .
- التّربية الرّوحيّة ودورها في البناء والتّأثير:
إنّ الرّؤية الأشعريّة للفاعليّة الصّوفيّة بأبعادها الاجتماعيّة والثّقافيّة وغيرها، كمشروع إصلاحي للمجتمعات الإسلاميّة، تعتمد مميّزات خاصّة في التّصوّف، تجعله ينفرد بنصيب الأسد في الإمكانيّة للتّغيير والتّأثير.
بالتّالي، فإنّ التّطبيق الفعلي للتّصوّف يؤسّس ليقظة إسلاميّة مهمّة، على اعتبار وأنّ الأمّة اليوم بحاجة ماسّة إلى توافق بين الثّالوث الخلقي للفرد، المادّة والرّوح والجسد، وهو الغائب بنسبة كبيرة في هذا العصر، ما أدّى إلى غياب الأمن، والعدل، والحبّ، والرّحمة، والتّعايش والسّلم، كنماذج قيم اضمحلّت، وتشيّعت محلّها كما أفصح البوطي في شرح الحكم “الفواحش الفكريّة والسّلوكيّة، خارجة عن حدود حرّية الفكر والسّلوك إلى البذاءات الكلاميّة، إلى البذاءات والاستهتارات السّلوكيّة بالأنظمة والقيم، فنذكّر بضرورة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر”[23].
وإن كان من أهداف التّصوّف تحرير الإنسان من القيود الدّنيويّة، والبشريّة، والارتقاء الفكري والرّوحي، وجب جزما أن يكون الصّوفي اليوم ذلك السّالك الواعي صاحب الفكر والذِّكر معا، بعيدا عن الصّورة النّمطيّة التّقليديّة للصّوفي العامّي، المعتكف في الزّوايا الغارق في جلسات الذّكر، بمعنى أدق الانسجام مع واقع عصره والانخراط في المشروع الإصلاحي والتّقدّمي للأمّة كمحاولة للخلاص الجماعي لا الخلاص الفردي والهروب من العالم.
وكتحليل للواقع الحقيقي الذّي يعيش فيه المسلمون، وعرض دقيق للمشكلة وحلولها التّي لا بديل عنها وفق رؤية البوطي، تتلخّص هذه الانتكاسة في سيطرة العالم الغربي على العالم الإسلامي ، ” فإنّ ممّا لا شكّ فيه أنّ المسلمين يتقلّبون أذلاّء تحت سلطانهم أو داخل نفوذهم أو ضمن حكم التّبعيّة المطلقة لشتّى مناهجهم وسلوكاتهم”[24].
وتسليط واستدراج إلهي نزل بالمسلمين، وهو” ليس قضاء نازلا بهم دون تسبّب منهم ولا اختيار، بل هو من ثمرات كسبهم وما جنته أيديهم، فقد بدّلوا نعم الله التّي أسداها إليهم كفرا إذ أعرضوا عن شكرها ومعرفة حقّ المنعم عليهم بها، لا سيما نعمة الإسلام التّي ارتضاها الله لهم … فتبرّموا به مبدأ ونظاما وحكما، ثمّ استخفّوا به وأعرضوا عنه رفعة وعرشا”[25].
وسبيل الانفلات من هذا الذّل والتّسليط، واضح معلوم لمن أراد حقّا الانفلات منه وعلى رأي البوطي “فإن كان الطّعام هو الغذاء الذّي لا بدّ منه لحياة الجسد، فذكر الله هو الغذاء الذّي لا بدّ منه لحياة القلب، ولن يستقيم للمسلمين أمر، ولن تحلّ لهم معضلة، ولن يصلح لهم حال، إن لم يأخذوا أنفسهم بهذا العلاج، ولم يشدّوا آصرتهم إلى اللّه بالإكثار من مراقبته والدّوام على ذكره “[26]، وكلام البوطي يفيد بأنّنا لم نبلغ بحمد الله من السّوء مرحلة الاستدراج ببقاء النّعم والإكثار منها، مقدّمة بين يدي الإهلاك، بل يبدوا أنّنا لا نزال نراوح في مرحلة الأمل واليقظة والإصلاح مع الله والعود بصدق إلى رحابه.
إنّ للذّكر والشّكر تجلّيات على حياة الإنسان ومجتمعه، تُدعم نتائجه وتستقرّ، وفق أنساق مختلفة وعلى مستويات مختلفة، والبوطي طرح رؤيته في ذلك أثناء شرحه للحكم العطائيّة مقاربا لمعنى التّطبيق العملي للتّصوّف والتّربية النّفسيّة وبين النّتيجة الحاصلة للمريد ومحيطه، فوفق الشّكر على نعمة المال مثلا الذّي يتمثّل في أداء حقّه المترتّب عليه، وفي صرفه فيما أحلّ الله وشرّع، وهو ما ينعكس إيجابا على الفقراء والمعوزين، بما يساهم في تطهير المجتمع من أوبئة البذخ والتّرف وتضييع المال في غير طائل.
ولمقاومة مظاهر الغطرسة والتّجبّر في المجتمع، سواء كان ذلك من جهة الرّاعي أو الرّعيّة بعضهم لبعض، يتأتّى الشّكر على نعمة القوّة والعافية كفيصل في النّفس لكسر مشاعر الاغترار بها وما يترتّب عليه من آثار، تتجلّى مثلا في صور اجتماعية عديدة منها ألاّ يطغى صاحب هذه النّعمة بقوّته وعافيته، وأن لا تسكره هذه المزية فتدعوه إلى النّيل من الآخرين وهضم حقوقهم، بل يجنّده هذا الشّكر لخدمة النّاس ورعايتهم، وتسخير نشاطه وعافيته في تقديم يد العون إلى من حرموا من هذه النّعمة.[27]
والشّكر ثقافة إذا ما تحلّى بها المجتمع على أطيافه يُكسبه الله من الرّفعة والتّقدّم ما لا يكسبه غيره، وهو تمام معنى التّمكين من العبادة كنتيجة مباشرة من ذلك الصّدق في العبادة.
وخراب المجتمع عامّة، متأتّ من خراب الحياة السّياسيّة أساسا، ومرض الأنفس بالكرسي والسّلطة والمادّة، يقول البوطي مُمثّلا لهذا الموقف “وإنّ الشّكر على نعمة الرّتبة التّي قد يبوئها الله زيدا من النّاس، يتمثّل في أن يسخّرها لإحقاق الحقّ ورعاية أهله، ومقاومة الظّلم والضّرب على يد الظّالمين، وكلّنا يعلم أنّ عاقبة هذا الشّكر حماية المجتمع من السّوء وأهله، ومدّ رواق الأمن على حياة المستضعفين الذّين لا يتأتّى منهم الدّفاع عن أنفسهم وحقوقهم”[28].
وبناء على ما سبق، يمكن الاستلهام من الممارسة الواقعيّة لفعل الشّكر والحمد، والذّي هو أساس الممارسة الصّوفيّة، والذّي يدخل في باب الذّكر الدّائم قاعدة ربّانيّة مفادها ﴿ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ (الحشر: 9).
والفلاح يكون بالشّكر، لتكون النّتيجة ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ (إبراهيم:9)، وانعدام هذا الحمد يؤدّي إلى سلب النّعمة﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾(النّحل:112).
وهكذا هي سائر النّعم عامّة، شكر الله عليها ليس إلاّ أداء لضريبتها المتمثّلة في تحقيق مصالح ومنافع لعباد الله، ولكن بشرط واحد أن يتوافر الإخلاص له عزّ وجل إذ يؤدّي صاحب هذه النّعمة الضّريبة، فلو قصد بها شيئا آخر كمصلحة شخصيّة تعود إلى ذاته… فهو لا يدخل في معنى الشّكر الذّي سقنا معناه، ومن ثمّة لا يعود إلى المجتمع بأيّ مصلحة أو خير، بل هو في الحقيقة استغلال ديني له لا أكثر.
وإنّ الاستخفاف بالمعاصي مهما دقّت أو صغرت، ليس إلاّ أثرا من آثار قسوة القلب، وحسبك من العقاب العاجل الذي قد يرسله الله إلى العاصي، أن يبتليه بغفلة القلب بعد حضوره وبقسوته بعد سريان الخشية فيه، وعلى رأي البوطي ” فإن رأيت المجتمعات الإنسانيّة تعجّ دائما بمزيج من المنح والمحن، فلأنّ هذه المجتمعات تعجّ دائما بهاتين الفئتين من النّاس: فئة تقبل إلى الله بلطائف الإحسان، وفئة أخرى لا تنقاد إليه إلاّ بسلاسل الامتحان، إلاّ أنّ ثمّة فئة ثالثة هي بمعزل دائما عن نظام هذه التّربية الرّبّانيّة، هي فئة المستكبرين على الله والمعاندين للحقّ بعد معرفتهم له ويقينهم به”[29].
يسعى الصّوفي برحلته الوجوديّة ليُجلي الغفلة عن قلبه من خلال الفكر والذّكر، ليسمو بالنّفس إلى مفهوم الإنسان الكامل والمتوازن في أقصى درجاته، والذي اجتهد القوم لبنائه في كل زمان ومكان.
وتأسّيا بما سبق، يمكن أن أقول إنّ الحدث التّاريخي في عالم الشّهادة يتأثّر بالصّالحين فالأحداث تسير وفقا لإرادة غيبيّة، فيما يمكن تسميته جدليّة الغيب والشّهادة، وهي رؤية لمفهوم القضاء والقدر، قد تكون متميّزة إلى حدّ ما وبعيدة عن النّظرة الدّينيّة التّقليديّة.
وعليه يكون اللّطف في القضاء الإلهي مرتبط بباطن الإنسان، وفق ما ذهب إليه البوطي “فإذا كان باطن الإنسان سليما نقيّا من الشّوائب عامرا بتقوى الله تعالى، فلا بدّ أن يتجلّى ذلك على ظاهره، من حيث الالتزام بأوامر الله والتّخلّق بالأخلاق الحميدة، وإذا كان الباطن منه منطويا على الزّعل بعيدا عن السّلامة والنّقاء، فالشّأن أن تسري ظلال ذلك على الظّاهر، وأن تصطبغ أنشطته وأعماله وعلاقاته بالآخرين، بالصّفات ذاتها”[30].
وبناء عليه، يمكن القول إنّ المنهج الصّوفي في البناء المجتمعي، أساسه العبادة التّعامليّة العفويّة، المبنيّة على الإدراك الوجودي والمقدّمة على العبادة الشّعائريّة التّي يراها الغير “إسلاميّة تّقليديّة جامدة”، وفي صورة تجسيديّة للفكرة، عن الصّوفي عبد الله ابن المبارك (ت181ه) أنّ ” لقمة في بطن جائع أرجح في ميزاني من عمارة مسجد”[31]، إذا فالوجود الصّوفي اليوم وجود عملي، مؤثر في السّلم الزّمني وصانع للحظة الزّمنيّة الفارقة وللحدث التّاريخي.
لهذا تُعد الصوفيَّة اليوم سلاحًا إسلاميًّا لمواجهة محاولات الغلو والتّطرف التي تستند إلى الجهل، ولا تدرك الدلالة الحقيقية للدين، لذلك تعمل بلدان عديدة كالجزائر والمغرب والسنغال وكذلك مصر، على تقديم الدعم لبعض الطرق الصوفية ومساعدتها على الحدّ وانتزاع فتيل الإرهاب بكبح جماع الأفكار الدينية المتشددة، على اعتبار وأنّ التّربية الصّوفيّة لها دور رئيس في احتواء حماسة الشباب للجهاد، وتقديمه على الوجه الصّحيح.
إنّ التّيّار الصّوفي المعاصر فاعل في مجتمعه، وإنّ انخراط مريديه ومشائخه في العمل المجتمعي، مشروع ولازم أساس للوظيفة البنائيّة التّي يتفرّد بها التّصوّف وقد عملت الجزائر مثلا على تطبيق هذه الوظيفة من خلال تمكين مشائخ الطرق الصوفيَّة من بثّ أفكارهم التّربويّة والإصلاحية على القنوات الجزائرية، ويرجع هذا لرؤية السلطة الجزائريَّة أن التّيار الصوفي هو الوحيد القادر على محاربة الإرهاب، ذلك أنّ الصوفيَّة تنتشر بشكل كبير في الجزائر، حيث يبلغ عدد الطرق الصوفيَّة هناك ثلاثون طريقة، يتفرع منها ما يقرب من 1600 زاوية، وقد أنشأت صوفية الجزائر سنة 2013 معهدًا إفريقيًّا خصّيصا لمحاربة الإرهاب، والذّي تخرّج منه ثلاثمائة إمام من مختلف الجنسيات الأفريقية، مهمتهم الأساس مواجهة التّطرف فى دول الساحل الإفريقي[32].
ونسوق في الغرض تصريح العضو السابق في لجنة المنظمات غير الحكومية المعنية بنزع السلاح والسلام والأمن في الأمم المتحدة جوناثان غرانوف (Jonathan Granoff)، في المنتدى العالمي للصوفية الذي انعقد سنة 2016، حيث أقرّ أنّ العالم بأسره يحتاج، في الشرق والغرب إلى إعادة التفكير في استراتيجيته الحالية لمواجهة الإرهاب الجهادي وإصلاحها، في هذا السياق، تمثل الصوفية علاجا ناجعا وملهما يمكنه إعادة إحياء القدرة الإنسانيّة على الحبّ والتّعاطف والرحمة والسلام.
وقد رأت بعض الحكومات اليوم من التّصوّف الأداة الدّينيّة للقوة النّاعمة، الأمر الذّي جعلها تدرج شخصيّات صوفيّة في السّياسات المحليّة والخارجيّة لها، مثل باكستان وإندونيسيا وحكومات شمال إفريقيا وحتى دول الخليج، باستثناء المملكة العربية السعودية.
وبناء على ما سبق، يمكن القول إنّ الميزة الأساس للتّصوّف الإسلامي استجابته إلى حاجة الشّعوب في البناء الروحي والمجتمعي، بعيدا عن الضّمور الأخلاقي الهادم لكيان الإنسانيّة، كفعل اجتماعي وثقافي وسياسي سلبي، وإنّ لمن هذا الضّمور الأخلاقي الحرّية الفكريّة المغلوطة، حرّية لا تحترم الخصوصيّة الدّينيّة ولا الثّقافيّة ولا الاجتماعيّة، بل هي حرّية تنمّر لا إنسانيّة.
ويسوق البوطي في السّياق ذاته مظهرا منعكسا من هذه الحرّية على المجتمع الإسلامي قائلا “قيل لي إنّ موجة من الهياج والغضب تسري في العالم العربي، لأنّ اليهود كتبوا على بعض الجدران المحيطة بالمسجد الأقصى كلمة فحش قذرة في حقّ رسول الله ﷺ بخطّ كبير يلفت الأنظار… إنّ ذلك الفحش الذّي خطّته يد ذلك اليهودي هناك، صدى للفحش الذّي تنبثق قذارته من أفواه المستخفّين بالإسلام والمتبرّمين به هنا … لإن صدقوا في أنّ دعوى البذاءات الكلاميّة مشمولة بحرّية الفكر، فما ينبغي أن يمسّ جانبها بسوء، فإنّ البذاءة التّي خطّتها يد ذلك اليهودي مشمولة بالحريّة ذاتها، ولئن اهتاج الشّارع العربي المسلم غضبا لذلك، فلا شكّ أنّ ذلك اليهودي وأمثاله سيجدون في (النّورانيّين) ودعاة الحداثة أفضل محام، يبرّر عمله، ويدافع عنه أمام غضبة جماهير المسلمين”[33].
للأسف فدعاة الحرّية والنّورانيّين الذّين يقصدهم الرّجل هم أبناء جلدتنا، المُنتسبين للإسلام لفظا وشكلا، المنغمسين في التّفسّق الأخلاقي باسم الفكر الحرّ، وإنّ الحياة الأخلاقية صُوَرٌ لمواقف، تصنع بمجموعها طوراً وجوديّاً خاصّاً للفرد البشري، وتمثّل الشّرط الذي يُبنى على أساسه النّمو الحضاري والحضورٍ الإنساني، بالتّالي فإنّ أخطرَ ما يهدّد البشريّة هو ضمورُ الحسّ الأخلاقي، الأمر الذّي سوّغ لتكريس مبادئ التّصوّف من فرع مخصوص إلى حاجة ملحّة وفق الكلام الأشعري، للخروج من قوقعة الأزمة الأخلاقيّة ولإعادة بناء الإنسان الجديد كإنسان فاعل واع بسرّ وجوده وكينونته.
4- الفعل السّياسي الغربي والاستباحة الصّوفيّة:
يستفيق الغرب لقوّة التّأثير الصّوفي في المجتمع، وكما تبيّن في السّابق الرّغبة الغربيّة في استعمار العالم الإسلامي، التّي تجلّت في عديد المستويات، حتّى طالت كذلك العَالَم الصّوفي كجانب مهمّ يمثّل سبيلا جيّدا لتفكيك هذا العالم الإسلامي، فالتّصوّف يمثّل بناء فكريّا قائما على أعلى الأسس والمراتب الإسلاميّة، بما يهدّد المصالح الغربيّة التّي سعت لاختراقه ودمجه في معترك الثّقافة العالميّة بعوامل العولمة التّي أخفت العديد من التّمايزات الثّقافيّة بين شعوب العالم، غير أنّ هذه الثّقافة العالميّة كمشروع غربيّ يخفي تحته دوافع اقتصاديّة وإمبرياليّة عديدة تصبّ في مصلحة الجانب الغربي دون غيره.
سعى الجانب الغربي لجعل أهل التّصوّف يستوعبون قيم العلمانيـة، ويطـوّروا رؤيـتهم الدّينيـة لتواكـب العصـر على حدّ زعمهم، بما يُخوّل لها أن تتماشـى مـع الـنهج الديمقراطي علـى مسـتوى القـيم والإجـراءات، وذلك لخصائص عدّة ميّزت البيئة الصّوفيّة لتجعلها طيّعة وسهلة البلورة، منها قيم التّسامح والتّآخي مع أهل الذّمّة والتّزهّد من الدّنيا والعزلة بما جعل التّصوّف أرضا خصبة تتقبّل الجميع بمختلف الأفكار ولا تقصي أحدا باسم الإنسانيّة.
وعليه، اعتبر الغرب التّصوّف آليّة فعّالة بإمكانها التّقليص من حدّة التّوتّر بينه وبين العالم الإسلامي، وكما يقال في المثل التّونسي ” الثّقة والأمان تدخلك لدار السلطان” أبدت المؤسّسات الغربيّة التّشجيع والدّعم بشكل كبير ودون تردّد للحركات الصّوفيّة، غير أنّ هذا الاستحسان والرّهان ليس من فراغ، بل هو نتاج ليقين غربي على القدرة الصّوفيّة لحلحلة الأزمات المختلفة وخاصّة السّياسيّة على السّاحة العالميّة اليوم، ومن ثمّة تقليص الهوّة بين الإسلام والليبراليّة.
وتمثّل تركيا مثالا بارزا وناجحا للخطّة الغربيّة، حيث انغمست في الحركة العلمانيّة وهي الحاضنة للكثير من الأطياف الصّوفيّة الفاعلة اجتماعيّا وخاصّة سياسيّا، كالنّقشبنديّة[34] والقادرية[35]، والبكتاشية[36] والمولوية[37]، والخلوتية[38].
و السّنغال أيضا قد جمعت خلال تجربتها السّياسيّة بين مرجعيّتها الإسلاميّة و تبنّي سياسيّيها للفكر العلماني، وبشكل عام تعتقد الطّبقة السّياسيّة في السنغال بمحوريّة الدّور الذّي يمكن أن تُؤَدِّيه الطّرق والزّوايا الصّوفية، سواء في إعادة صياغة المعادلة السّياسيّة على المستوى الدّاخلي أو على المستوى الخارجي، أين تجلّى ما اصطلح عليه بــــــ “الدّبلوماسية الرّوحية” خاصّة مع الجانب المصري أيّام جمال عبد النّاصر الذّي كان على علاقة وطيدة بشيخ الطّريقة التّيجانية الشّيخ إبراهيم إنياس الكولخي(توفّي1975م)، وكذلك سعى السّنغال إلى استثمار علاقة أتباع هذه الطّريقة لتعزيز ارتباطاته الاقتصاديّة والسّياسيّة والرّوحية مع المملكة المغربيّة في العديد من المناسبات.
إذن لا مجال لإنكار الفعالية الصّوفيّة على الصّعيد السّياسي، وهو الدّور الذّي يُنعش الآمال الغربيّة ويزيد من دعمها للقوم، كيف لا والجماعة فيما مضى كان لها الدّور الرّئيس في مقاومة الاستعمار الغربي على العالم الإسلامي وهو الوجه الثّوري للرّجل الصّوفي، أين تحملنا الذّاكرة لصور الكفاح العظيمة لأحد رجالات الطّريقة السّنوسيّة عمر المختار، وكذلك حفيد شيخ الطّريقة السّنوسيّة أحمد السّنوسي الذّي أضجر المحتل الإيطالي[39].
ومن زاوية أخرى، قد أرّخ التّاريخ للوجه الإنكفائي للقوم، فنقلا عن تاريخ المغرب في القرن العشرين يقول المؤرّخ “إن حكومــة فرنســا قــد عرفــت كيــف تجمــع إثنان وخمسين من المتصوفة حولها عن طريق التمويل والحماية”[40]، وهي سياسة الاحتواء التي طبّقتها فرنسا في المستعمرات الإسلاميّة في شمال إفريقيا للجماعـات الصّـوفية بالشّـكل الـذّي جعــل منها خادمــة لمشــاريعها التوسّــعية.
بناء على ما سبق، وإن تراوحت الفعالية الصّوفيّة بين السّلب والإيجاب، فإنّها كوّنت في الغالب نمـاذج مهمّة يُحتذى بها ضمن الإطار الفعّال والمؤثر.
والحقيقة أنّ توجّه الدّعم الغربي للحركات الصّوفيّة لم يكن إلاّ لهدف إضعافها، ونؤيد طرحنا هذا ببعض النّشاطات الغربيّة في الغرض، منها مؤتمر مركز نيكسون بالولايات المتّحدة الأمريكيّة بتاريخ 24/10/2003 وموضوعه “فهم الصّوفيّة والدّور الذّي ستلعبه في رسم السّياسة الأمريكيّة” والذّي سعى لتقديم الجانب الثّقافي الإسلامي، والتّركيز خاصّة على مفهوم الإسلام الوسطي من وجهة نظر غربيّة.
كما قد نشرت مجلـة “Us news and world Report” الأمريكيـة سنة 2005م، تقريرا تحت عنوان “عقـول و قلـوب ودولارات”، ينصّ على أنّ “الإستراتيجيّون الأمريكيّون يعتقدون بشـكل متزايـد أن الحركـة الصـوفية بأفرعهـا العالميـة قـد تكون واحـدا مـن أفضـل الأسـلحة، وبينمـا لا يسـتطيع الرسميـون الأمريكيـون أن يقرّوا الصـوفية علنـا، بسـبب فصـل الدّين عن الدّولة في الدّستور الأمريكي، فإنّهم يدفعون علنا باتجاه تعزيز العلاقـة مـع الحركـة الصـّوفيّة… ومـن بـين البنــود المقترحــة اســتخدام المعونــة الأمريكيـّـة لترمــيم المــزارات الصّــوفية في الخــارج والحفــاظ علــى مخطوطاتها الكلاسيكيّة التّي تعود إلى القرون الوسطى وترجمتها، ودفع الحكومات لتشجيع نهضة صوفيّة في بلادها”[41].
إذن يمكن القول إنّ الجانب الغربي وجد من التّصوّف الإسلامي طريقا لحلحلة الخصوصيّات الإسلاميّة، ووتيرة فعّالة لفصل الدّين عن الدّولة كإستراتيجيّة مستقبليّة لبثّ الأنظمة الحاكمة التّي تتواءم مع رُآها ومصالحها فغدت تدعمها حتّى استباحت حرمتها، وفق رغبة جامحة في السّيطرة والرّقابة للنّبض الإسلامي المقلق لمضاجعهم.
وعليه، فإنّ هذا التّخبّط الغربي والمحاولات الجادّة لاختراق الهيكل الصّوفي، يؤكّد أنّ النّهج الصّوفي طريق رائد للإصلاح خاصّة فيما يتعلّق بالجانب الأخلاقي الذّي له تأثير في مختلف المناحي الحيويّة الأخرى.
5- خاتمة:
بناء على ما سبق يتّضح جليّا التّكامل الوظيفي بين علم الكلام والتّصوّف الإسلامي ضمن جدليّة قائمة منذ البدايات الأولى لكلا العلمين، وفق نسق ترتيبيّ متكامل في الفكرة والممارسة، من خلال مختلف ما دوّن في الغرض وصولا إلى المزاولة والتّجربة.
وتعتبر البراغماتيّة التّي يتميّز بها التّصوّف والتّي لها شأن كبير في التّأثير المباشر في الفرد، صفة مهمّة خوّلت لأهل الطّريقة اكتساب مكانة متميّزة داخل المجتمعات الإسلاميّة وخارجها، الأمر الذّي ساهم في بناء صرح ذوقيّ قادر على التّفاعل روحيّا مع مختلف الأصناف الإنسانيّة، سعى إلى إفشاء السّلام بين الشّعوب والدّفع إلى الارتقاء الأخلاقي ضمن تفعيل مبادئ أخلاقيّة وإنسانيّة سِيقت في الآونة الأخيرة إلى دائرة النّسيان والاندثار، لكنّ هذا الصّرح الذّوقي المتميّز جعله في المقابل مطمعا للسّيطرة والاستحواذ من قبل القوى السّياسيّة على الصّعيد الدّاخلي والخارجي .
المصادر والمراجع:
- إبراهيم عبد الغني، دروبي، المختصر في تاريخ شيخ الإسلام سيّدنا عبد القادر الكيلاني وأولاده، باكستان- 1959.
- أحمد بن عبد العزيز القصير، عقيدة الصّوفيّة وحدة الوجود الخفيّة، مكتبة الرّشد، ط1، 2003.
- بديعة محمد عبد العال، النقشبندية نشأتها وتطورها، القاهرة، الدار الثقافية للنشر، ط1 /2009.
- تاج الدّين السّبكي، طبقات الشّافعيّة الكبرى، تحقيق محمّد الطّناحي وعبد الفتّاح الحلو، مصر، المطبعة الحسينيّة، 1979م.
- الجنيد البغدادي، رسائل الجنيد، تحقيق جمال رجب سيدبي، دار إقرأ للطّباعة والنّشر والتّوزيع، ط1/2015.
- حمدي عبد الله الشرقاوي، موسوعة الفرق والمذاهب في العالم الإسلامي، جمهورية مصر العربية القاهرة، وزارة الأوقاف، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
- روم لندو، تاريخ المغرب في القرن العشرين، تحقيق نقولا زيادة، أنيس فريحة، دار الثّقافة للطّباعة والنّشر والتّوزيع، ط2/1980.
- ستودارد لوثورب، حاضر العالم الإسلامي،ترجمة شكيب أرسلان، دار الفكر العربي، ط2/1932م.
- سعيد عبد اللّطيف فودة، الموقف، عمان، دار الرّازي للطّباعة والنّشر والتّوزيع، ط1/2002م.
- شمس الدّين الذّهبي، سير أعلام النّبلاء، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسّسة الرّسالة،ط1/1412ه-1991م.
- أبو عبد الرّحمان السّلمي، طبقات الصّوفيّة، مكتبة الخانجي، ط4/2014م.
- عبد الغني النّابلسي، العقود اللؤلؤية في طريق السادة المولوية، دمشق، مطبعة الترقي، ط2/1932م.
- عبد الكريم القشيري، الرّسالة القشيريّة في علم التّصوّف، تحقيق عبد الحليم محمود، دار المعارف ط1/1995م.
- ابن عساكر الدّمشقي، تبيين كذب المفتري، تعليق محمّد زاهد الكوثري، المكتبة الأزهريّة للتّراث، 2010.
- علي سامي النّشّار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، دار المعارف، ط9/1995م.
- محمّد سعيد رمضان البوطي، السّلفيّة مرحلة زمنيّة مباركة، دمشق دار الفكر 1988.
- محمّد سعيد رمضان البوطي، شرح الحكم العطائيّة، دمشق، دار الفكر المعاصر، ط. دت.
- محمّد هادي العلوي، مدارات صوفيّة، دمشق، دار المدى، ط1/1997م.
مقالات:
- ممدوح معتز، “أيّ دور تلعبه الطّرق الصّوفية في السّياسة التّركية”، موقع إضاءات، على الرّابط: https://www.ida2at.com/what-role-the-sufi-orders-in-turkishpolitics/-.
مراجع أجنبيّة:
- David-E- Kaplan, “Hearts Minds and Dollars”, Us news and world Report : usnews.com/usnews/news/articles/050425
[1]– من أعلام التّصوّف السّنّي في القرن الرّابع هجري، ولد (276ه/889م)، من مؤلّفاته “آداب المريدين” و “فضل التّصوّف” وكتاب “الاستدراج” (أبو عبد الرّحمان، السّلمي، طبقات الصّوفيّة، مكتبة الخانجي، ط4/2014م، ص345).
[2]– هو الحسن بن علي بن محمد النيسابوري، توفّي (405ه/1014م)، شيخ الصّوفيّة على الطّريقة الجنيديّة، وشافعي الفقه وبارع في علم الأصول والعربيّة (شمس الدّين، الذّهبي، سير أعلام النّبلاء، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسّسة الرّسالة، ط1/1412ه-1991م، ج18، ص228) .
[3]– فقيه مالكي وراوي للحديث النّبوي، ولد (355ه/966م)، من مؤلّفاته كتاب الجامع وكتاب الدّعاء وكتاب فضائل النّبوّة (شمس الدّين، الذّهبي، سير أعلام النّبلاء، ج13، ص212 ).
[4]– هو عبد الكريم بن هوزان القشيري، من كبار العلماء في الفقه والأصول والتّصوّف، ولد (376ه/986م) بنيسابور، وتوفّي (465ه/1072م) عرف بمؤلّفه الشّهير الرّسالة القشيريّة التّي اعتنى خلالها بالتّصوّف الإسلامي، وله مؤلّفات عدّة منها كتاب “لطائف الإشارات” و” بلغة المقاصد” و “التّحبير في التّذكير” وغيرها (تاج الدّين، السّبكي، طبقات الشّافعيّة الكبرى، تحقيق محمّد الطّناحي وعبد الفتّاح الحلو، مصر، المطبعة الحسينيّة، 1979م ج5/ ص153).
[5]– ابن عساكر، الدّمشقي، تبيين كذب المفتري، تعليق محمّد زاهد الكوثري، المكتبة الأزهريّة للتّراث، 2010 ص291.
[6]– هو الجنيد البغدادي من أعلام التّصوّف السّنّي، ولد ببغداد سنة (215ه/830م)، وتوفّي (298ه/910م) من مؤلّفاته كتاب “السّر في أنفاس الصّوفيّة”، و”دواء التّفريط”، و”الفناء”، وكتاب “دواء الأرواح” وغيرها… (الذّهبي، سير أعلام النّبلاء، 14/66 ).
[7]– الجنيد، البغدادي، رسائل الجنيد، تحقيق جمال رجب سيدبي، دار إقرأ للطّباعة والنّشر والتّوزيع، ط1/2015 ص130.
[8]– عبد الكريم، القشيري، الرّسالة القشيريّة في علم التّصوّف، تحقيق عبد الحليم محمود، دار المعارف ط1/1995م ص41.
[9]– محمّد سعيد رمضان، البوطي، السّلفيّة مرحلة زمنيّة مباركة، دمشق دار الفكر 1988، ص117.
[10]– المرجع نفسه، ص116 .
[11]– محمّد سعيد رمضان البوطي، شرح الحكم العطائيّة، دمشق، دار الفكر المعاصر، ط. دت، ص10.
[12]– علي سامي، النّشّار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، دار المعارف، ط9/1995م، ج3، ص34.
[13]– سعيد عبد اللّطيف، فودة، الموقف، عمان، دار الرّازي للطّباعة والنّشر والتّوزيع، ط1/2002م، ص58.
[14]– المرجع نفسه، ص58.
[15]– المرجع نفسه، ص5.
[16]– المرجع نفسه، ص56.
[17]– البوطي، شرح الحكم العطائيّة، 1/13.
[18]– المرجع نفسه، ص380.
[19]– النّشّار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، 3/21.
[20]– المرجع نفسه، 3/13.
[21]– سعيد، فودة، الموقف، ص53.
[22]– المرجع نفسه، ص53-54.
[23]– البوطي، شرح الحكم العطائيّة، 2/380.
[24]– المرجع نفسه، 2/372.
[25]– البوطي، شرح الحكم العطائيّة، ص373.
[26]– المرجع نفسه، ص298.
[27]– البوطي، شرح الحكم العطائيّة، 2/359.
[28]– المرجع نفسه، 2 /359.
[29]– المرجع نفسه، 2/351.
[30]– المرجع نفسه، 2/10.
[31]– محمّد هادي، العلوي، مدارات صوفيّة، دمشق، دار المدى، ط1/1997م، ص186.
[32]– ممدوح، معتز، مقال بعنوان “أي دور تلعبه الطرق الصوفية في السياسة التركية”، موقع إضاءات، على الرّابط (تاريخ الدّخول 3/04/2021) https://www.ida2at.com/what-role-the-sufi-orders-in-turkishpolitics/-
[33]– البوطي، شرح الحكم العطائيّة، ص381.
[34]– نسبة إلى بهاء الدّين نقشبند (توفي791ه)، وهي طائفة من الصّوفيّة تنتشر خاصّة في تركيا الشّام والعراق (بديعة محمد، عبد العال، النقشبندية نشأتها وتطورها لدي الترك، القاهرة، الدار الثقافية للنشر، ط1 2009، ص11).
[35]– هي إحدى الطّرق الصّوفيّة التّي تنتسب إلى عبد القادر الجيلاني (توفّي561ه)، ينتشر أتباعها خاصّة في شرق إفريقيا والعراق والشّام وتركيا، والقادريّة عرفت بتصدّيها للمد الأوروبّي الزّاحف إلى المغرب العربي ودورها الكبير في نشر الإسلام (إبراهيم عبد الغني، دروبي، المختصر في تاريخ شيخ الإسلام سيّدنا عبد القادر الكيلاني وأولاده، باكستان- 1959،ص52).
[36]– هي إحدى الطّرق الصّوفيّة التّركيّة وتنتسب إلى الحاج بكتاش ولي، انتشرت في الأناضول خاصّة وألبانيا (حمدي عبد الله، الشرقاوي، موسوعة الفرق والمذاهب في العالم الإسلامي، جمهورية مصر العربية القاهرة، وزارة الأوقاف، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ص 191).
[37]– طريقة صوفيّة سنّية مؤسّسها جلال الدّين الرّومي (توفّي1273 م)، اشتهرت بتسامحها مع غير المسلمين، مركزها الرّئيسي مدينة قونيا بتركيا، وانتشرت كذلك بمصر وسوريا (عبد الغني، النّابلسي، العقود اللؤلؤية في طريق السادة المولوية، دمشق، مطبعة الترقي ، ط2/ 1932 م، ص10).
[38]– طريقة صوفيّة سنّية منسوبة إلى محمّد بن أحمد كريم الدّين خلوتي (توفّي986ه)، وهو من أئمّة الصّوفيّة في خرسان في القرن العاشر هجري وقد انتشرت خاصّة في تركيا مصر والجزائر (أحمد، بن عبد العزيز القصير، عقيدة الصّوفيّة وحدة الوجود الخفيّة، مكتبة الرّشد، ط1، 2003، ص213).
[39]– ستودارد، لوثورب، حاضر العالم الإسلامي، ترجمة شكيب أرسلان، دار الفكر العربي، ط2/1932م، ص45.
[40]– روم لندو، تاريخ المغرب في القرن العشرين، تحقيق نقولا زيادة، أنيس فريحة، دار الثّقافة للطّباعة والنّشر والتّوزيع، ط2/1980، ص 134.
[41]– David -E- Kaplan, “Hearts Mindsand Dollars”, Us news and world Report. www.usnews.com/usnews/news/articles/050425.