ملخّص:
تهدف هذه الدّراسة إلى التّعريف بظاهرة التّداخل اللّغويّ من خلال تحليل المتعّلمين المغاربة قصد تجويد تدريس اللّغة العربيّة داخل المؤسّسات التّعليميّة، ذلك أنّ التّحويل اللّغويّ يعني توظيف المعرفة اللّغويّة السّابقة التي اكتسبها المتعّلم في عربيّته المغربيّة، وإسقاطها على اللّغة الفصحى التي هو في طور تعلّمها. ولجمع المعطيات تمّ توزيع اختيار واحد على عيّنة مختارة عشوائيا تضمّ مائتي متعلّم ومتعلّمة يتابعون دراستهم بالسّنة الثّالثة من السّلك الإعداديّ. وقد بيّنت نتائج توظيف المنهج الإحصائي ما يلي:
- يوظّف المتعلّمون التّحويل اللّغويّ قصد تيسير عمليّة تعلّم اللّغة العربيّة الفصيحة. وقد يمسّ هذا التّحويل كلّ المستويات اللّغويّة: الصّوتيّة، الصّرفيّة، التّركيبيّة، والدّلاليّة التّداوليّة.
- يبني المتعلّم نظاما لغويّا مستقلاّ (اللّغة البينيّة).
- يجتنب المتعلّم توظيف كلّ القواعد والعبارات اللّغويّة غير المتداولة في العربيّة المغربيّة.
الكلمات المفاتيح: التّداخل اللّغويّ، المتعلّمون المغاربة، العربيّة المغربيّة، التّحويل اللّغويّ، اللّغة البينيّة.
Abstract:
The aim of This study is identifying linguistic interference via an analysis of the language of Moroccan learners in an attempt to reinforce teaching of Arabic language in Moroccan schools. language Transfer is the use of the previously acquired knowledge of the mother language (Moroccan colloquial Arabic) and the impact of this knowledge on Arabic language.
Data collection has been described in one test on randomly selected sample, comprising 200 students in the third year of collegial education schools. Employing statistical method, the results showed:
– language transfer is a strategy that learners use to make acquisition and learning Arabic easier. Transfer can be phonological, morphological, syntactic, semantic or pragmatic.
– the Moroccan learner build a separate system (the interlanguage).
– the Moroccan learner in production of Arabic language avoid all rules and expressions which is not exist in Moroccan Arabic.
Key words: linguistic interference, Moroccan learners, Moroccan colloquial Arabic, language Transfer, the interlanguage.
1- مقدّمة:
تهدف هذه الدّراسة إلى الكشف عن مدى تأثير العربيّة المغربيّة في تعليم وتعلّم الفصحى بمرحلة التّعليم الثّانوي الإعداديّ، وخاصّة السّنة الثّالثة منه. ومن ثمّ كانت الاستراتيجيّة المتّبعة فيها منسجمة مع التّوجهات العامّة المسطّرة في الميثاق الوطنيّ للتّربية والتّكوين؛ ومن بينها ضرورة تحسين تدريس اللّغة العربيّة واستعمالها، حيث أنّ تعزيزها واستعمالها في مجالات العلم والحياة كان ومازال طموحا وطنيّا )الميثاق الوطنيّ للتّربية والتّكوين: 51). وفي السّياق نفسه نصّ الميثاق على الانفتاح على الأمازيغيّة أو أيّ لهجة محلّية على سبيل الاستئناس (الميثاق الوطنيّ: 52). وفيما عدا كلمة استئناس الخالية من أيّ محتوى تعليميّ وديداكتيكيّ محسوس، لم يخوّل الميثاق الوطنيّ للتّربية والتّكوين أيّ وضعيّة اعتباريّة للعربيّة المغربيّة. بينما كان واضحا بالنّسبة إلى وظائف اللّغة العربيّة واللّغات الأجنبيّة، حيث حدّد الوضعية القانونيّة للّغة العربيّة باعتبارها اللّغة الرّسميّة للبلاد بمقتضى الدّستور.
لكلّ هذه الاعتبارات والدّواعي حاولنا البحث في موضوع انعكاسات اللّهجات المغربيّة على تعلّم اللّغة العربيّة الفصحى، موظّفين مختلف المقاربات المندرجة في إطار اللّسانيات التّطبيقيّة قصد تقديم تصوّر منهجي لمختلف القضايا والإشكالات المتعلّقة بهذا الموضوع، منطلقين في الآن ذاته من قناعة مفادها أنّ الخوض في مثل هذه المواضيع يكتنفه الكثير من التّقصير وسوء الفهم، بل تقابل في غالب الأحيان بمعارضة ورفض شديدين[1]؛ لأنّه بكلّ تأكيد قد يعتقد الكثيرون بكونها دعوة إلى استبدال نسق الفصحى بالعربيّة المغربيّة، مع أنّ الأمر بعيد كلّ البعد عن هذا الطّرح. ويعزى سبب ذلك إلى كون الفصحى تتطوّر حاليا تحت تأثير اللّهجات العربيّة (حليلي،91: 30).
لذا أَضحى الاهتمام بالعربيّة المغربيّة ومختلف اللّهجات المحلّية أمرا ملحّا لتطوير أساليب تدريس الفصحى والوقوف عند صعوبات تعليمها وتعلّمها، وبالتّالي جعلها من روافد تطوير منهجيّة تعليمها وتعلّمها عبر بناء لغة بينيّة تستقي خصائصها اللّغويّة من بيئة المتعلّم اللّغويّة قصد تطويعها وملاءمتها مع نسق الفصحى المراد تعليمه وتعلّمه. إذن فأكبر العقبات التي تواجه مدرّس اللّغة العربيّة تتمثّل في تلك التّداخلات التي يقع فيها المتعلّم الذي يُضمر قواعد لغته الأمّ بطريقة ضمنيّة وغير واعية (حليلي، 91: 37)، في المقابل يكون مطالبًا في تعلّم اللّغة الفصحى باستحضار لغتها الواصفة. وفي هذا السّياق يرى اللّسانيّون التّطبيقيّون أنّ أنجع الوسائل لتجاوز هذه الصّعوبات، تكمن في الانطلاق من اللّغة الأمّ قصد تعليم وتعلّم اللّغة الهدف، وذلك عبر المقارنة بين الأنساق اللّغويّة المختلفة من خلال رصد القواعد المشتركة بينها؛ لأنّ علاج التّداخلات اللّغويّة متوقّف على بناء أنحاء مقارنة للّغات المراد تعليمها وتعلّمها. ويتماشى هذا الطّرح مع النّتائج التي توصّل إليها اللّسانيّون التّطبيقيّون الذين أكّدوا على كون تعلّم اللّغة الثّانية يتأثّر كثيرا بلغة المتعلّم الأولى، فهذا التّوليديّ إكريفسكي يقرّ: ” بأنّ تعليم لغة أجنبيّة ما يعني مساعدة التّلميذ على بناء نحو ثانٍ يمكّنه من فهم وإنتاج عدد لا متناهٍ من نصوص تلك اللّغة” )حليلي، 91: 37).
2- موضوع الدّراسة:
يندرج موضوع البحث الذي نحاول تقديمه ضمن مجال اللّسانيات التّطبيقيّة. وهو “مجال مستقلّ من مجالات البحث، نقطة انطلاقه الوعيّ بالمشاكل التّطبيقيّة في ميدان تدريس اللّغات، وتحليل هذه المشاكل، ثمّ العمل على إيجاد الحلول الملائمة لها اعتمادا على اللّسانيّات العامّة التي تمدّ الباحث بالمعارف اللّسانيّة، وبطرق البحث ومناهجه، وبالمعطيات النّظريّة التي يختار المطبّق منها ما يحتاجه، ويعمل على تفسيرها وإعادة تنظيمها حسب الظّروف والمتطلّبات حتى تصبح ملائمة لتلبية حاجيات التّدريس “) بوشوك، 94: 34).
3- مشكلة الدّراسة:
ممّا لا شكّ فيه أنّ جزءا مهمّا من الأخطاء التي يرتكبها المتعلّمون، والتي تعكسها إنتاجاتهم اللّغويّة راجع بالأساس إلى التّداخل اللّغويّ، لأنّ المتعلّم حسب النّظريّة السّلوكيّة يوظّف ما اكتسبه في لغته الأمّ أثناء تعلّم اللّغة الثّانية، ممّا يعيق عمليّة التّعلّم برمّتها. ورغم استمرار هيمنة هذا التّصوّر على طرق تدريس اللّغات وتعلّمها، فإنّه سرعان ما تغيّر بعد ظهور النّظريّة المعرفيّة بمختلف تيّاراتها، حيث ثبت أنّ الخطأ اللّغويّ مؤشّر دالّ على حصول التّعلّم وليس العكس، وبذلك تمّ استبدال التّداخل اللّغويّ بمفهوم أشمل يتمثّل في النّقل اللّغويّ الذي مفاده أنّ الانتقال من اللّغة الأمّ قد ييسّر الإجراء التّطوّريّ للّغة الثّانية. وعلى ضوء هذا التّصوّر الجديد للنّقل اللّغويّ تمّت صياغة إشكاليّة البحث على النّحو التّالي:
- إلى أيّ حدّ تساهم العربيّة المغربيّة في تيسير تعلّم اللّغة العربيّة الفصحى؟
- وما مدى تأثير القدرات اللّغويّة المكتسبة في العربيّة المغربيّة في تعلّم اللّغة الفصحى وإنتاجها؟
- وما هي القواعد التي يقوم المتعلّم بإسقاطها أو تجنّبها في تعلّم الفصحى وإنتاجها؟
ويمكن تفريع هذه الأسئلة المركزيّة إلى جملة من الأسئلة الفرعيّة المرتبطة بها وهي كالتّالي:
- ما هي انعكاسات المعرفة اللّغويّة المكتسبة في العربيّة المغربيّة على تعلّم الفصحى وإنتاجها؟
- ما هي القواعد اللّغويّة المرشّحة بالنّقل من العربيّة المغربيّة إلى الفصحى؟
- ما هي حدود التّأثيرات الإيجابيّة والسّلبيّة للنّقل اللّغويّ في تعلّم الفصحى؟
- لماذا لا يوظّف المتعلّم كلّ القواعد اللّغويّة في إنتاجاته اللّغويّة؟
4- فرضيّات الدّراسة:
تشير الفرضيّات عادة إلى التّساؤلات التي تثبت الدّراسة العلميّة صحّتها أو عدم صدقها، ويحاول الباحث أن يتحقّق من صدقها ليتّخذها سبيلا إلى فهم الظّواهر وتفسيرها. وتعرّف الفرضيّة بأنّها استنتاج يصوغه الباحث ويتبناه مؤقّتا لشرح ما يلاحظه من الحقائق والظّواهر. فالفرضيات إذن قواعد علميّة يتمّ اختبارها انطلاقا من بيانات ومعطيات البحث.
وعلى ضوء القراءات والاطّلاع على البحوث التي تتعلّق بموضوع البحث والتي تدرس بعض جوانبه، ونتيجة للملاحظات اليوميّة العامّة التي استقاها الباحث من خلال الاحتكاك بطرق تعليم اللّغة العربيّة وتعلّمها، وعلى ضوء ما توصّلت إليه البحوث في ميدان تعليم اللّغات وتعلّمها؛ حاول الباحث من خلال هذه الدراسة التّحقّق من الفرضيات التّالية:
- يؤثّر نقل القدرات اللّغويّة من العربيّة المغربيّة إلى الفصحى تأثيرا إيجابيّا في تعلّم الفصحى وإنتاجها.
- يقوم المتعلّم بنقل سلبيّ لقدرته اللّغويّة التي شكّلها في لغته الأمّ ممّا يكون له انعكاس سلبيّ على أدائه اللّغويّ.
- هيمنة العربيّة المغربيّة على المتعلّم تجعله يتجنّب توظيف بعض الأساليب والقواعد اللّغويّة التي تبدو غير مطابقة لقواعد لغته الأمّ.
5- عيّنة البحث وأدواتها الإجرائيّة:
عند القيام ببحث ميداني، لا بد من اللّجوء إلى اختيار عيّنة من المجتمع الأصليّ الذي نودّ دراسته، لأنّنا لا نستطيع تطبيق أدوات الدّراسة على جميع أفراد المجتمع الأصليّ، وإنّما نقتصر على اختيار عيّنة من الأفراد تتمثّل فيها مختلف الصّفات الرّئيسيّة لجميع أفراد المجتمع.
وبناء على ذلك تمكّن الباحث من انتقاء أفراد عيّنة بحثه بطريقة عشوائيّة من مدرّسي ومتعلّمي المؤسّسات التّعليميّة، وخاصّة السّنة الأخيرة من مرحلة التّعليم الثّانويّ الإعداديّ وذلك بنيابة تمارة الصّخيرات بوسطيها الحضريّ والقرويّ.
6- أهداف الدّراسة:
يروم البحث في انعكاسات العربيّة المغربيّة على تعلّم اللّغة العربيّة الفصحى، تحقيق الأهداف التّالية:
أ- ضبط الاستراتيجيات الموظّفة من قبل المتعلّم المغربيّ في تعلّم الفصحى انطلاقا من ضبط تأثير لغته الأمّ في ذلك.
ب- وضع آليات لتحديد تأثير العربيّة المغربيّة في سيرورة تعلّم الفصحى وإنتاجها.
ج- إثبات أو تفنيد الفرضيّة القائلة بأنّ اللّغة الأمّ نقطة سوداء في تعلّم اللّغة الثّانية.
7- حدود الدّراسة:
يخضع كلّ بحث تربويّ إلى محدّدات تجعل الإحاطة بجميع جوانب إشكاليته قاصرا لاعتبارات ثلاثة نوردها على الشّكل التالي:
- على مستوى العيّنة: ستقتصر النّتائج التي من المحتمل التّوصّل إليها من خلال الدّراسة، على عيّنة تتكّون من متعلّمي السّنة الثّالثة من التّعليم الثّانويّ الإعداديّ.
- على مستوى الأدوات: من المؤّكد أنّ النّتائج المتوّصل إليها من خلال البحث، ستكون مقيّدة بالأدوات المستخدمة فيها، والمتمثّلة في شبكة تحليل المضمون.
- على مستوى مكان الدّراسة الميدانيّة: من محدّدات هذا البحث، المكان الذي ستجري فيه الدّراسة الميدانيّة، ويتمثّل في المؤسّسات الثّانويّة الإعداديّة المتواجدة بنيابة تمارة الصّخيرات، لذا ستقتصر النّتائج المتوّصل إليها على المكان سالف الذّكر، ولا يمكن تعميمها على أمكنة أخرى من التّراب المغربيّ.
- على مستوى اللّغة الأمّ: من محدّدات الدّراسة، اللّغة الأمّ، حيث ستكون النّتائج المتوصّل إليها مقيّدة بالعربيّة المغربيّة، وليس بأيّ لغة محلّية أخرى متداولة من قبيل اللّغات الأمازيغيّة المكوّنة للمشهد اللّغويّ المغربيّ، ولهذا كانت عيّنة البحث خاضعة إلى هذا المحدّد، حيث يتكلّم كلّ عناصرها العربيّة المغربيّة كلغة أولى.
8- أدوات الدّراسة:
استدعت دراسة إشكاليّة البحث والتّحقّق من فرضياته، إنجاز دراسة ميدانيّة على عيّنة من تلاميذ السّنة الثّالثة من المرحلة الإعداديّة الثّانويّة، على اعتبار أنّ هذه السّنة تمثّل آخر مرحلة من مراحل التّعليم الثّانويّ الإعداديّ، حيث يكون فيها التّعلّم والتّعليم منصبّا على النّسق القاعديّ للفصحى، وبغرض استجلاء ما إذا كان المتعلّم قد استضمر هذا النّسق وأصبح بمقدوره استثماره وتوظيفه في إنتاجاته اللّغويّة.
لقد طوّر الباحث اختبارا يضمّ أربعة مستويات بناء على التّجريب الأوّليّ لهذه الأداة، أي ذاك الذي يهمّ عددا قليلا، فأمكن التّوصّل من خلال إجابات التّلاميذ المختلفة إلى تحديد حالات النّقل الإيجابيّة والسّلبيّة. كما رام هذا الاختبار اختبار قدرتهم على إنتاج التّراكيب اللّغوية والأساليب الإفصاحيّة النّادرة. وغنيّ عن البيان أنّ بعض الاستشارات مع ذوي الاختصاص هدت الباحث إلى إعداد الشّكل النّهائيّ لهذا الاختبار، حيث تجلّى بشكل واضح اعتماد الأسئلة التي تبيّن أنّها أنسب من غيرها. وهكذا فقد اشتمل الاختبار على أربعة مستويات ترتبط كلّها بأهمّ القضايا المتّصلة بإشكال النّقل اللّغويّ من العربيّة المغربيّة إلى الفصحى، حيث يهمّ المستوى الأول معرفة مدى تحكّم المتعلّم في الهندسة الصّوتيّة للغته الأمّ في إنتاج الفصحى، مع التّركيز أساسا على الصّوامت الصّوتيّة غير الموجودة في العربيّة المغربيّة. أمّا المستوى التّركيبيّ فقد انصبّ بشكل خاصّ على البنيات المتشابهة والمختلفة بين العربيّة المغربيّة واللّغة العربيّة الفصحى بغرض استجلاء حالات النّقل الإيجابيّة والسّلبيّة، هذا علاوة على قياس مدى تحكّم المتعلّم في إنتاج الأساليب اللّغويّة الإفصاحيّة. ولم يقف الباحث عند هذا الحدّ، بل عمد إلى محاولة الكشف عن حالات النّقل الإيجابيّة والسّلبيّة في المستويين الصرفيّ والمعجميّ.
9- نتائج الدّراسة:
9- 1- نتائج اختبار القدرة الصّرفيّة:
جدول1: نتائج اختبار القدرة الصّرفيّة.
السّنة التّاسعة من التّعليم الثّانويّ الإعداديّ | |||
نتائج اختبار القدرة الصّرفيّة | التّكرار | النّسب المئوية | |
صياغة الجمع | التّحويلات الإيجابيّة | 654 | 40,85 |
التّحويلات السّلبيّة | 271 | 16,93 | |
تطبيق القاعدة | 448 | 28 | |
عدم الإجابة | 227 | 14,18 | |
التّصغير | التّحويلات الإيجابيّة | 442 | 28 |
التّحويلات السّلبيّة | 514 | 42,83 | |
تطبيق القاعدة | 167 | 13,91 | |
عدم الإجابة | 77 | 6,41 | |
النّسب | التّحويلات الإيجابيّة | 389 | 48.62 |
التّحويلات السّلبيّة | 331 | 41.37 | |
عدم الإجابة | 80 | 10 |
من المعلوم أنّ لكلّ لغة نظامها الصّرفيّ الخاصّ، ومن المفروض أن يكون تلميذ التّعليم الإعداديّ الثّانويّ مستضمرا لنسق الفصحى الصّرفيّ، هذا النّظام يتقاطع مع نظام الدّارجة المغربيّة في بعض جوانبه، كما يختلف عنه في جوانب أخرى. وقد ركّزنا في اختبار القدرة الصّرفيّة على ثلاث مكوّنات تتمثّل في صياغة الجمع من جهة وصياغة التّصغير والنّسب من جهة أخرى. وهكذا بلغ مجموع تكرارات التّحويلات الإيجابيّة المتعلّقة بالمكوّن الأوّل 654، أي بنسبة 40,85 %، في حين أفرزت النّتائج أنّ عدد التّحويلات السّلبيّة قد ناهز271، أي بنسبة 16,93 %. في المقابل سجّل أنّ تكرار عدم التّمكّن من تطبيق القاعدة قد وصل إلى 227، أي بنسبة 14,18%. كما أنّ مجموع تكرارات التّحويلات السّلبيّة بخصوص التّصغير بلغ 514، أي بنسبة 42,83 %. في المقابل وصل مجموع تكرارات التّحويلات الإيجابيّة إلى 514، أي بنسبة 42,83%، وعدم التّمكّن من الإجابة 77 تكرارا، أي بنسبة6,41%. وفي السّياق نفسه سجّلت النّتائج أنّ تكرار التّحويلات الإيجابيّة فيما يتعلّق بصياغة النّسب بلغ 389، أي بنسبة 48.62 %. في المقابل بلغ تكرار التّحويلات السّلبيّة331 ، أي بنسبة 41.37 %.
9- 2- نتائج اختبار القدرة التّركيبيّة:
جدول 2: نتائج اختبار القدرة التّركيبيّة
| التّكرار | النّسب المئوية | ||
نتائج اختبار القدرة التّركيبيّة
| التّطابق بين الفعل والفاعل الموسوم بسمة + جمع | التّحويلات السّلبيّة | 78 | 39 |
تطبيق القاعدة | 113 | 56,5 | ||
لا شيء | 9 | 4,5 | ||
التّطابق بين الفعل والفاعل الضّميريّ الموسوم بسمة + جمع | التّحويلات الإيجابيّة | 128 | 64 | |
لا شيء | 72 | 36 | ||
الضّمير المبهم | التّحويلات السّلبيّة | 173 | 86,5 | |
تطبيق القاعدة | 15 | 7,5 | ||
لا شيء | 12 | 7,5 | ||
التّطابق بين الصّفة والموصوف في حال تقدّم الصّفة | التّحويلات السّلبيّة | 156 | 78 | |
تطبيق القاعدة
| 14 | 7 | ||
عدم الإجابة | 30 | 15 | ||
التّطابق بين الصّفة والموصوف في حالة تقدّم الموصوف | التّحويلات الإيجابيّة | 193 | 96,5 | |
| لا شيء | 7 | 3,5 | |
تركيب العدد | التّحويلات الإيجابيّة | 356 | 44,5 | |
التّحويلات السّلبيّة | 359 | 44,87 | ||
تطبيق القاعدة | 39 | 4,87 | ||
عدم الإجابة | 46 | 5,75 | ||
الجواب بالإيجاب عن الاستفهام الإنكاريّ
| التّحويلات السّلبيّة | 113 | 56,5 | |
تطبيق القاعدة | 49 | 24,5 | ||
عدم الإجابة | 38 | 19 | ||
الجواب بالسّلب عن السّؤال الاستفهاميّ
| التّحويلات الإيجابيّة
| 187 | 93,5 | |
عدم الإجابة | 13 | 6,5 | ||
البناء لغير الفاعل | القدرة على بناء جملة واحدة | 105 | 52.5 | |
عدم التّمكّن | 95 | 47.5 | ||
صياغة جملة متضمّنة تركيب المفعول معه | التّمكّن | 33 | 16.5 | |
عدم التّمكّن | 167 | 83.5 | ||
| التّحويل إلى المثنّى المذكّر | التّحويلات الصّحيحة | 93 | 36.8 |
التّحويلات الخاطئة | 77 | 38.5 | ||
عدم الإجابة | 30 | 15 | ||
التّحويل إلى المثنّى المؤنّث
| التّحويلات الصّحيحة | 61 | 30.5 | |
التّحويلات الخاطئة | 84 | 42 | ||
عدم الإجابة | 35 | 17.5 | ||
التّحويل إلى الجمع المذكّر
| التّحويلات الصّحيحة | 132 | 66 | |
التّحويلات الخاطئة | 36 | 18 | ||
عدم الإجابة | 32 | 16 | ||
التّحويل إلى جمع الإناث | التّحويلات الصّحيحة | 57 | 27.5 | |
التّحويلات الخاطئة | 108 | 54 | ||
عدم الإجابة | 35 | 17.5 | ||
صياغة جملة تتضمّن أسلوب التّحذير | التّمكّن | 57 | 28.5 | |
عدم التّمكن | 143 | 71.5 | ||
صياغة جملة تتضمّن أسلوب الإغراء
| التّراكيب الصّحيحة | 8 | 4 | |
عدم التّمكّن | 182 | 96 | ||
| تركيب جملة واحدة تتضمّن أسلوب النّداء | التّراكيب الصّحيحة | 112 | 56 |
عدم التّمكّن | 88 | 46 | ||
تركيب جملة واحدة تتضمّن أسلوب النّدبة | التّمكّن | 6 | 3 | |
عدم التّمكّن | 194 | 96 |
تمّ التّوصّل من خلال نتائج اختبار القدرة التّركيبيّة إلى ما يلي:
1 – بالنّسبة إلى إعراب جمع المذكّر السّالم: قام 115 متعلّما بتحويل سلبيّ، أي بنسبة 57,5 %. في المقابل تمكّن 47 متعلّما من تطبيق القاعدة، أي بنسبة 23,5%. في حين لم يتمكّن 28 متعلّما من الإجابة، أي بنسبة 14 %.
2 – بالنّسبة إلى التّطابق بين الفعل والفاعل: بلغ تكرار التّحويلات السّلبيّة في هذا المستوى 78 تكرارا، أي بنسبة 39 %، في حين بلغت نسبة المتعلّمين الذين تمكّنوا من تطبيق القاعدة 56,5 %. ووصلت نسبة عدم الإجابة إلى 4,5 %.
3 – بالنّسبة إلى التّطابق بين الفعل والفاعل الضّميريّ: بلغ تكرار التّحويلات الإيجابيّة 128، أي بنسبة 64 % في المقابل وصل تكرار عدم التّمكّن من الإجابة 72، أي بنسبة 36 %.
4 – التّطابق بين الصّفة والموصوف في حالة تقدّم الصفة: قام 156 متعلّما بتحويل سلبيّ، أي بنسبة 78%، في حين تمكّن من تطبيق القاعدة 14 متعلّما، أي بنسبة 7%. في المقابل لم يتمكّن 30 متعلّما من الإجابة، أي بنسبة 15%.
5 – التّطابق بين الصّفة والموصوف في حال تقدّمه على الصّفة: بلغ تكرار التّحويلات الإيجابيّة 193 أي بنسبة 96,5 %. في حين لم يتمكّن 7 متعلّمين من تطبيق القاعدة، أي بنسبة 3,5% .
6 – بالنّسبة إلى التّطابق بين العدد والمعدود: بلغ تكرار التّحويلات الإيجابيّة 356، أي بنسبة 44.5%. في المقابل بلغ تكرار التّحويلات السّلبيّة 359، أي بنسبة 44,87 %. أمّا تكرار عدم التّمكّن من تطبيق القاعدة فقد بلغ 4,87 %. في حين بلغ تكرار عدم الإجابة 46 بنسبة 24,5%.
7 – الجواب بالإيجاب عن السّؤال الإنكاريّ: تكرار التّحويلات السّلبيّة 113 أي بنسبة 56,5 %. في المقابل تمكّن 49 متعلّما من تطبيق القاعدة أي بنسبة 24,5 %. كما أنّ 38 متعلّما لم يتمكّنوا من الإجابة، أي بنسبة 19 %.
8 – الجواب بالسّلب عن السّؤال الاستفهامي: بلغ تكرار التّحويلات الإيجابيّة 187، أي بنسبة 93,5 %. في حين لم يتمكّن 13 متعلّما من الإجابة عن السّؤال المذكور آنفا. أي بنسبة 6,5 %.
9 – البناء لغير الفاعل:
– القدرة على بناء جملة واحدة: التّكرار 105، أي بنسبة 52,5 %.
– عدم التّمكّن: التّكرار 95، أي بنسبة 47,5 %.
يظهر بوضوح، من خلال المقارنة بين نسب التّحويلات الإيجابيّة والسّلبيّة وكذا التّمكّن من تطبيق القواعد اللّغويّة أو عدم الإجابة، ارتفاعا بارزا للتّحويلات السّلبيّة والإيجابيّة مقارنة مع باقي الدّرجات. وهذا إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على أهمّية المعارف اللّغويّة السّابقة، ونقصد هنا دور اللغّة الأمّ للمتعلّم في تعلّم الفصحى، ذلك أنّ المتعلّم وإن لقّن القواعد اللّغويّة، فإنّه يكون عاجزا على تطبيقها لسبب بسيط يتمثّل في توظيفه لمعارفه اللّغويّة السّابقة في تعلّم اللّغة الهدف، إذ كلّما كان التّشابه قويّا بين نسقي اللّغتين الفصحى من جهة والدّارجة المغربيّة على المستوى التّركيبيّ، فإنّ حضور التّحويلات الإيجابيّة يكون بشكل قويّ، وكلّما كان حضور هذه البنيات في الفصحى مختلفا عن النّسق التّركيبيّ للدّارجة المغربيّة، فإنّ المتعلّم يكون مجبرا على القيام بتحويل سلبيّ للقدرة لأنّ لغته الأمّ تمارس عليه سلطة معيّنة بطريقة شعوريّة أو لا شعوريّة. أمّا إذا كانت الاختلافات عميقة بين اللّغتين، فإنّه يكون عاجزا عن الإجابة، وبالتّالي يتجنّبها كما هو الأمر بالنّسبة إلى البناء لغير الفاعل. ذلك أنّ المتعلّم وإن لقّن قاعدة البناء للمجهول في السّلك الابتدائيّ والإعداديّ الثّانويّ، يكون غير قادر على التّحكّم فيها واستضمارها استضمارا حقيقيًّا، يؤهّله كي يوظّفها ويستثمرها في إنتاجه اللّغويّ. وتكون نتيجة ذلك إهمال هذه القواعد في أغلب الأحوال لأنّها بكلّ بساطة تختلف اختلافا عميقا عن قاعدة البناء لغير الفاعل في لغته الأمّ.
وقد أسفرت النّتائج المرتبطة بالتّحويل إلى المثنّى والجمع ما يلي:
- التّحويل الصّحيح إلى المثنّى المذكّر: التّكرار 93، أي بنسبة 36,83 %.
- التّحويل الخاطئ: التّكرار 77، أي بنسبة 38,5 %.
- عدم الإجابة: التّكرار 30، أي بنسبة 15 %.
- التّحويل الصّحيح إلى المثنّى المؤنّث: التّكرار 61، أي بنسبة 30,5 %.
- التّحويل الخاطئ: التّكرار 84، أي بنسبة 42 %.
- عدم الإجابة: التّكرار 35، أي بنسبة 17,5 %.
- التّحويل الصّحيح إلى الجمع المذكّر: التّكرار 132، أي بنسبة 66 %.
- التّحويل الخاطئ: التّكرار 36، أي بنسبة 18 %.
- عدم الإجابة: التّكرار 32، أي بنسبة 16 %.
- التّحويل الصّحيح إلى جمع الإناث: التّكرار 57، أي بنسبة 27,5 %.
- التّحويلات الخاطئة: التّكرار 108، أي بنسبة 54 %.
- عدم الإجابة: التّكرار 35، أي بنسبة 17,5 %.
وبالنّسبة إلى السّؤال المرتبط بصياغة جملة تتضمّن المفعول معه، فقد كشفت النّتائج عما يلي:
- التّمكّن من صياغة جملة تتضمّن تركيب المفعول معه : التّكرار 33، أي بنسبة 16,5 %.
- عدم التّمكّن: التّكرار 167، أي بنسبة 83,5 %.
أمّا عن تركيب جملتين متضمّنتين أسلوب الإغراء من جهة وأسلوب التّحذير من جهة أخرى، فقد تمّ استخلاص ما يلي:
– تركيب جملة متضمّنة أسلوب التّحذير: التّكرار 57، أي بنسبة 28,5 %.
– عدم التّمكّن: التّكرار 143، أي بنسبة 71,5 %.
– تركيب جملة صحيحة تتضمّن أسلوب الإغراء: التّكرار 8، أي بنسبة 4 %.
– عدم التّمكّن من صياغة أيّ جملة: التّكرار 182، أي بنسبة 92 %.
وقد أفرزت النّتائج المرتبطة بتركيب جملتين تتضمن كلّ منهما أسلوبي النّداء والنّدبة عما يلي:
– تركيب جملة صحيحة تتضمّن أسلوب النّداء. التّكرار 112، أي بنسبة 56 %.
– عدم التّمكّن. التّكرار 88، أي بنسبة 44 %.
– تركيب جملة تتضمّن أسلوب النّدبة. التّكرار 6، أي بنسبة 3 %.
– عدم التّمكّن. التّكرار 194، أي بنسبة 97%.
وإذا تمعّنا في النّتائج المستخلصة سابقا، نجد أنّ نسبة التّحويلات الإيجابيّة والسّلبيّة كانت مرتفعة، في حين كانت نسبة تطبيق القواعد وعدم الإجابة منخفضة، ممّا يعني أنّ المستوى التّركيبيّ للغة المتعلّم الأمّ يكون حاضرا وهو بصدد إنتاج الفصحى وتعلّمها. كما تبيّن هذه النّتائج أنّ تدريس القواعد بمعزل عن استحضار معارف المتعلّم السّابقة غير كاف لجعل المتعلم قادرا على تطبيقها تطبيقا سليما، ومن ثمّ توظيفها في إنتاجه اللّغويّ بشكل صحيح، لذلك وجب العمل على استغلال النّسق القاعديّ للّغة العربيّة المغربيّة في تعليم الفصحى وتعلّمها، لأنّ مختلف الظّواهر المتوصّل إليها من خلال اختبار القدرة التّركيبيّة تنبئ بأنّ تدريس القواعد غير كاف للارتقاء بلغة المتعلّم الفصيحة، لأنّ نسبة تمكّن المتعلّمين من تطبيق القواعد اللّغويّة كان منخفضا. وهذا إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على استضمار نسبة قليلة من المتعلّمين لنظام الفصحى التّركيبيّ ممّا يدفعنا إلى طرح التّساؤل الذي سنحاول الإجابة عنه لاحقا: لماذا يصيب الكثير من المتعلّمين في حال تشابه قواعد الفصحى مع قواعد العربيّة المغربيّة، في حين يخطؤون في حال اختلافهما؟
9-3 – نتائج اختبار القدرة المعجمية:
جدول عدد 3: نتائج اختبار القدرة المعجميّة
النّسب المئوية | التّكرارات |
| ||
22 | 264 | التّحويلات السّلبيّة | تحديد السّياقات الخاطئة والصّحيحة للمفردات المعجميّة | المستوى المعجميّ |
42,66 | 512 | التّحويلات الايجابيّة | ||
33,08 | 397 | تطبيق القاعدة | ||
2,25 | 27 | عدم الإجابة | ||
25,87 | 207 | التّحويلات السّلبيّة | ||
44,5 | 356 | التّحويلات الإيجابيّة | ||
17,62 | 141 | تطبيق القاعدة | الشّرح السّياقيّ للمفردات المعجميّة | |
12 | 96 | لا شيء | ||
20,75 | 415 | الجمل الفصيحة | التّمييز بين الجمل الفصيحة والدّارجيّة | |
79,25 | 1585 | الجمل الدّارجيّة |
انصبّ المحور الأولّ من اختبار القدرة المعجميّة على اختيار الشّرح الصّحيح من متعدّد. وقد أسفرت النّتائج المرتبطة بهذا المحور عمّا يلي:
– بلغ تكرار اختيار الشّرح المناسب انطلاقا من متعدّد التّكرار 356، أي بنسبة 44,5 %، وبالتالي تمكّن المتعلّمون من القيام بنقل إيجابيّ لقدرتهم المعجميّة نظرا لتشابه معنى المفردة المطلوب تحديده في كلّ من الدّارجة المغربيّة والفصحى.
– عدم التّمكّن من تحديد الشّرح المناسب انطلاقا من متعدّد التّكرار 207، بنسبة 25,87 %، ممّا يدعو إلى الاعتقاد بقيام المتعلّمين بنقل سلبيّ للقدرة المعجميّة نظرا لاختلاف معنى المفردات المعجميّة في لغتهم الأمّ واللّغة الهدف.
– التّمكّن من تعيين الشّرح المعجميّ للمفردات المعجميّة رغم تباين معانيها في العربيّة المغربيّة واللّغة الفصحى: التّكرار 141، بنسبة 17,62 %. ممّا يدلّ على عدم إسقاط معانيها على معاني المفردات في اللّغة العربيّة الفصحى.
– بلغت نسبة التّحديدات الخاطئة لمعاني المفردات المعجميّة 96، بنسبة 12%. ممّا يعني أنّ هذه التّحديدات غير دالّة على قيام المتعلّم بأيّ تحويل سواء كان إيجابيّا أم سلبيّا.
وبإلقاء نظرة على هذه النّسب يتبيّن أنّ المتعلّم غالبا ما يسقط المعاني المعجمية للمفردات المتعلّقة بلغته على تلك الموجودة في اللّغة الفصحى، وبالتّالي يوظّف استراتيجيّة النّقل اللّغويّ في تحديد معاني المفردات المعجميّة سواء كان هذا النّقل إيجابيّا أم سلبيّا.
وفيما يتعلّق بتحديد السّياقات الصّحيحة والخاطئة للمفردات المعجميّة، فقد اقتصرنا على السّياقات المتعدّدة للفعل قطعا. وقد أفرزت النّتائج عمّا يلي:
- التّحويلات الإيجابيّة: التّكرار 512، بنسبة 42,66 %.
- التّحويلات السّلبيّة: التّكرار 264، بنسبة 22 %.
- عدم الإجابة: التّكرار 397، بنسبة 33,08 %.
وإذا تأمّلنا هذه المعطيات الإحصائيّة نستنتج بجلاء أنّ المتعلّم ينطلق في إصدار الأحكام على صحّة سياقات المفردات المعجميّة من اعتقاد مفاده أنّ المعنى المشترك بين اللّغتين الفصحى والعربيّة المغربيّة يكون مؤهّلا للنّقل من المعاني التي يعتقد أنّها من خصوصيات لغته الأمّ، كما أنّ المتعلّم يصدر أحكامه بعدم سلامة سياقات المفردات المعجميّة غير الموجودة أو المشتركة مع لغتّه الأمّ.
ويظهر أيضا بوضوح خلافا للمستويات اللّغويّة التي درسناها سابقا أنّ نسبة التّحويلات الإيجابيّة قد سجّلت ارتفاعا في المعاني المشتركة بين الدّارجة المغربيّة واللّغة العربيّة الفصحى، في حين لوحظ تهميش المتعلّم لباقي السّياقات غير الخاضعة إلى هذا المعطى، ممّا يدعو إلى الاعتقاد بأنّ أغلب المتعلّمين يوظّفون أحكامهم، في المستوى المعجمي، قصد تحديد السّياقات الصّحيحة والخاطئة للمفردات المعجميّة أكثر ممّا يوظّفونه في المستويات الصّوتيّة أو التّركيبيّة أو الصّرفيّة. وهذه الظّاهرة اللّغويّة تدفع المتعلّم إلى تهميش بعض السّياقات الصّحيحة للمفردة المعجميّة لسبب بسيط وهو أنّها من خصوصيات لغته الأمّ.
وللتّأكد من صحّة هذا الافتراض، انصبّ المحور الرّابع من اختبار القدرة المعجميّة على تمييز التّعابير الدّارجيّة من الفصيحة، حيث عمد الباحث إلى حصر مجموعة من التّعابير الدّارجيّة الفصيحة قصد قياس مدى قدرة المتعلّم على الحكم عليها. وقد أسفرت النّتائج عمّا يلي:
- الجمل الفصيحة: التّكرار 415، بنسبة 20,75 %.
- الجمل الدّارجيّة: التّكرار 1585، بنسبة 79,85 %.
يتّضح ممّا سبق أنّ 20,75 % من الجمل فصيحة، في حين أنّ 79,85 % منها يرتبط بخطاب الدّارجة المغربيّة. ويستنتج من خلال هذه المعطيات الإحصائيّة أنّ أغلب المتعلّمين يهمّشون بعض التّعابير في إنتاجاتهم اللّغويّة لعوامل متعدّدة منها أنّها لا تخصّ إلاّ لغتهم الأمّ، وبالتّالي يتجنّبون توظيفها في إنتاجاتهم اللّغويّة رغم كونها فصيحة، لكن ندرة استعمالها من طرف المدرّسين والمقرّرات الدّراسيّة، كلّها عوامل تساهم بشكل أو بآخر في هجرها. لذا يمكن القول إنّ ألفاظا كثيرة ارتبطت باللّغة المغربيّة طواها النّسيان وأصبحت مهمّشة في الإنتاج اللّغويّ ومهجورة من قبل المتعلّمين بسبب عدم تداولها واستعمالها في الخطاب المدرسيّ وارتباطها بخطاب العربيّة المغربيّة اللّغويّ. ومثل هذه الأحكام الخاطئة تحتاج إلى تمحيص ودراسة مقارنة بين الفصحى والعربيّة المغربيّة بهدف استغلال القدرة المعجميّة للّغة الأمّ في تشكيل وبناء القدرة المعجميّة الفصيحة. هذا الأمر دفعنا إلى حصر هذه المفردات وسياقات ورودها في آخر البحث.
10- التّحقّق من فرضيّات الدّراسة:
بالعودة إلى الفرضيات التي طرحها الباحث في هذه الدّراسة، نجد أنّ الفرضيّة الأولى التي افترض فيها أنّ للمعرفة اللّغويّة التي اكتسبها المتعلّم في لغته الأولى تأثيرا إيجابيّا على تعلّم اللّغة العربيّة الفصحى. وللتّحقّق من صحّة هذه الفرضيّة تبيّن لنا من خلال النّتائج الإحصائيّة لاختبار النّقل اللّغويّ الموجّه إلى عيّنة من تلاميذ السّنة الثّالثة من السّلك الإعداديّ الثّانويّ بلغ عددها 200 متعلّما صدق هذه الفرضيّة، حيث تأكّد بالفعل أنّ للدّارجة المغربيّة أثر إيجابيّ في تعلّم الفصحى، ويتجلّى ذلك في تحويل المتعلّم لجملة من الضّوابط الصّرفيّة والتّركيبيّة والمعجميّة التي تتشابه مع اللّغة الهدف.
وفيما يتعلّق بالفرضيّة الثّانية التي تذهب إلى أنّ المتعلّم يلجأ إلى استخدام جزء من نسق الفصحى لسدّ الثّغرات عند إنتاج اللّغة العربيّة الفصحى، فقد ثبت من خلال تحليل المواضيع الإنشائيّة للمتعلّمين أنّ المتعلّم غالبا ما يلجأ إلى لغته الأمّ في حال عجزه عن التّعبير بلغة عربيّة فصيحة.
أمّا الفرضيّة الثّالثة فتشير إلى اجتناب المتعلّم توظيف بعض الأساليب اللّغويّة والمفردات الفصيحة المرتبطة بالخطاب اليوميّ للمتعلّم، فقد اتّضح من خلال المعطيات الإحصائيّة التي أفرزتها نتائج الرّائز للمتعلّمين أنّ المتعلّم غالبا ما يجتنب توظيف بعض الأساليب من قبيل الاستفهام والإغراء والتّحذير والقسم رغم أنّ المقرّرات الدّراسيّة الخاصّة بمادّة قواعد اللّغة زاخرة بالقواعد الضّابطة لمثل هذه الأساليب، كما استنتج من خلال تحليل نتائج الرّائز أنّ المتعلّم غالبا ما يحكم على كثير من المفردات الفصيحة بأنّها جزء من لغته الأمّ، لذلك يهمّش توظيفها في إنتاجاته اللّغويّة. وبالمقارنة مع الدّراسات السّابقة نجد أنّ نتائج الفروض قد اتّفقت مع نتائج عدّة دراسات سابقة منها دراسة بوشوك (1991) ودراستي كلرمان (1977-1978) ودراسة شاشتر (74).
إنّ نتائج الفرضيات التي طرحها الباحث تدلّ على دور اللّغة الأولى في تعلّم اللّغة الثّانية، و يظهر من خلالها أنّ المتعلّم المغربيّ في السّلك الإعداديّ يوظّف النّقل بطريقة إيجابيّة في حال تشابه نسقي اللّغتين معا، كما قد يقوم بتحويل سلبيّ للقدرة في حال اختلافهما، ممّا يجعله يرتكب الأخطاء في إنتاجاته اللّغويّة، هذه الأخطاء التي كان ينظر إليها نظرة سلبيّة في الطّرح السّلوكيّ، أعيد لها الاعتبار مع التّصوّر المعرفيّ، حيث أضحت علامة دالّة على حصول التّعلّم وليس العكس ، لأنّ متعلّم الفصحى وهو يوظّف قدراته اللّغويّة التي اكتسبها في الفصحى يكوّن بذلك فرضيات قابلة للاختبار، وما الأخطاء التي يرتكبها إلا نتاجا لفرضياته الخاطئة، كما أنّ إسقاط قواعد لغته الأمّ على قواعد اللّغة الهدف ييسّر التّطوّر التّدريجيّ لقدراته اللّغوية، لذلك يلجأ إلى لغته الأولى لملء الفراغات في حال عجزه عن التّواصل باللّغة الهدف.
وهذه نتيجة حتميّة دالّة على أنّ نموّ القدرات اللّغويّة يتطوّر بشكل تدرجيّ، يكون في مرحلة أولى موجّها باستحضار القواعد اللّغويّة، لكن مع مرور الزّمن يصبح آليا، ممّا يدلّ على أنّ متعلّم السّلك الإعداديّ الثّانويّ يكون في طور بناء لغة بينيّة تستمدّ خصائصها من الدّارجة المغربيّة بحكم إضماره لقواعدها وأنساقها ومن اللّغة العربيّة الفصحى بحكم افتقاره إلى التّحكّم في ضوابطها النّسقيّة، وهذا يحملنا على الاعتقاد بأنّ هذا المتعلّم إذا أخذنا بعين الاعتبار التّصوّر المعرفيّ يكون في المرحلة المصاحبة من تعلّم اللّغة، وتتميّز هذه المرحلة بالإنتاج اللّغويّ واستمرار ظهور الأخطاء في أدائه اللّغويّ. لذلك يوظّف المتعلّم النّقل اللّغويّ في هذه المرحلة بقوّة بسبب افتقاره إلى المادّة اللّغويّة في اللّغة الفصحى. فتتداخل معارفه السّابقة بالمعارف اللّغويّة التي هو في طور بنائها وتكوينها خاصّة إذا علمنا أنّ متعلّم الفصحى في هذه المرحلة ينطلق من اعتقاد مفاده أنّ قواعد الفصحى هي نفسها قواعد العربيّة المغربيّة. وهذا المعطى قد تبدّى لنا بجلاء بالمعالجة الإحصائيّة للرائز وللمواضيع الإنشائيّة للمتعلّمين، ذلك أنّ المتعلّم يهمّش كثيرا من قواعد الفصحى لصالح قواعد تبدو مطابقة لها وهي قواعد لغته الأمّ. كما يعمل على اجتناب توظيف الكثير من الأساليب اللّغويّة والقواعد والمفردات من إنتاجه اللّغويّ إمّا بسبب اختلافها اختلافا عميقا عن قواعد لغته الأمّ وإمّا بسبب اعتقاده بأنّها قواعد خاصّة بلغته لا يعمل على تحويلها إلى اللّغة الهدف لأنّها غير مشتركة لا تدخل ضمن الكلّيات اللّغويّة.
كما أنّ ظاهرة الاجتناب بادية في إنتاجات التّلاميذ الكتابيّة، حيث كشفت الدّراسة التّشخيصيّة والتّحليليّة أنّ المتعلّم غالبا ما يتجنّب على المستوى التّركيبيّ التّراكيب التي تبدو مختلفة اختلافا عميقا عن لغته الأمّ أو غير موجودة فيها البتّة من قبيل المثنّى والبناء لغير الفاعل وأساليب التّعجّب والنّداء والنّدبة وأسلوب الشّرط. أمّا على المستوى المعجميّ فقد تبيّن أنّ المتعلّم يتجنب كلّ المفردات التي يستعملها في خطابه اليوميّ لاعتقاده أنّها مفردات تدخل ضمن خصوصيات لغته فهو لا يحوّل إلاّ المفردات المشتركة مع اللّغة الفصحى. وهذا ما ينعكس سلبا على قدرته المعجميّة التي توصف بأنّها فقيرة وقاصرة عن التّعبير بالفصحى وإنتاجها، وربّما قد ثبت من خلال هذه الدّراسة أنّ هذا التّصوّر غير مؤسّس علميّا. ومردّ هذا الأمر إلى أنّ العربيّة المغربيّة زاخرة بالمفردات المعجميّة الفصيحة، ولكنّ المتعلّم لا يوظّف منه إلا النّزر اليسير. وذلك بسبب افتراضه أنّ كثيرا من المفردات المعجميّة هي من خصوصيات لغته، وهذه نتيجة انتهى إليها كلرمان الذي أقرّ بأنّ المعاني الموسومة تكون عادة مرشّحة للنّقل من المعاني غير الموسومة. فدرجة الموسوميّة تفسّر لماذا يوظّف المتعلّم مفردات معجميّة دون غيرها، ومعنى ذلك أنّ المتعلّم يقوم بتحويل المعاني التي يعتقد أنّها مشتركة بين لغته الأمّ واللّغة العربيّة الفصحى. أمّا المعاني التي يفترض أنّها جزء من لغته الأمّ فغالبا ما يتجنّبها في إنتاجاته اللّغويّة، كما ثبت من خلال تحليل المواضيع الإنشائيّة للمتعلّمين. وارتباطا مع هذا الموضوع يفترض كلرمان (78) أنّ درجة الموسوميّة كفيلة بقياس حالات النّقل من عدمها، لأنّ المعنى النّواة أو غير الموسوم لصيغة أو قاعدة أو معنى لغويّ ما يكون مرشّحا للنّقل من اللّغة الأولى إلى الثّانية قبل صيغ وقواعد ومعان أخرى، ومعنى ذلك أنّ حجم المسافة بين اللّغة الأولى واللّغة الثّانية كفيل بتفسير عمليّة النّقل اللّغويّ، وفي هذا الإطار يرى كلرمان بأنّ الصّيغ اللّغويّة الموسومة (Marked)، قليلة الاطّراد والتّداول، أقلّ نقلا من الصّيغ غير الموسومة. وما يؤكّد هذا الطّرح تجنّب المتعلّم نقل العبارات المسكوكة من لغته الأولى إلى الثّانية، معتقدا أنّ مثل هذه العبارات من صميم خصوصيات لغته، ونمثّل لهذه العبارات بالأمثال والألغاز وغيرها كثير، أمّا العبارات غير الموسومة فتندرج ضمن حياديّة اللّغة، ويفترض المتعلّم اندراجها ضمن المشترك بين اللّغة الأولى والثّانية.
وقد أسفرت النّتائج الإحصائيّة عن تأكيد صحّة الفرضيّة التي أراد من خلالها الباحث افتراض ما إذا كانت المسافة اللّغويّة عاملا في استخدام المتعلّم لمعرفته السّابقة في تعلّم الفصحى وتحويل هذه المعارف إلى اللّغة الهدف، وهذا الفرض يتماشى مع بعض الأطر النّظريّة التي تناولت استراتيجيّة النّقل، فقد أقرّت شاشتر (83) بأنّ حضور سيرورة النّقل مرتبط أساسا بطبيعة الفرضيّات التي يكوّنها المتعلّم حول اللّغة الهدف، لذا يعتقد أنّ بإمكانه استعمال قواعد وصيغ لغته الأمّ في إنتاج اللّغة الثّانية، وينطلق في ذلك من فرضيّة مؤدّاها أنّ النّقل سيكون مفيدا وناجحا في كلّ الاحتمالات. ويوظّف كلرمان في مقاربته لهذا التّصوّر مصطلح الإسقاط الذي يعتبر مكوّنا من مكوّنات النّقل.
11- توصيات واقتراحات وخطط للتّدخّل:
من أجل التّغلّب على صعوبات تعليم الفصحى وتعلّمها لدى متعلّمي السّلك الثّانويّ عامّة والسّنة الثّالثة منه على وجه الخصوص، ومن أجل تنمية القدرات اللّغويّة والإنتاجيّة للمتعلّمين، لا بدّ من الوقوف عند سيروة تعليم وتعلّم اللّغة الفصحى وربطها بمختلف العمليات الذّهنيّة المؤثّرة فيها، وخاصّة النّقل اللّغويّ الذي يحضر بقوّة في إنتاجات التّلاميذ الكتابيّة، حيث يعمل المتعلّم خلال المرحلة الإعداديّة على استحضار كثير من قواعد لغته الأمّ وإقحامها للتّغلّب على عجزه اللّغويّ، حيث يلجأ بحكم المسافة بين لغته الأمّ واللّغة الهدف إلى تحويل كثير من وسائط لغته وهو بصدد تعلّم الفصحى وإنتاجها منطلقا في ذلك من اعتقاد مفاده أنّ قواعد لغته تطابق النّسق القاعديّ الفصيح، ممّا يجعله يقوم بنقل سلبيّ أو إيجابيّ لهذه القواعد. ولا تحدث عملية النّقل بشكل اعتباطيّ، بل تحكمها الفرضيّات التي ينطلق منها المتعلّم. ذلك أنّ تعلّم اللّغة سيرورة معقّدة تتدخّل فيها عوامل لغويّة وغير لغويّة. ولهذا السّبب توصف اللّغة التي ينتجها المتعلّمون في هذا السّلك بكونها لغة بينيّة تستقي خصائصها من لغة المتعلّم الأولى ومن اللّغة الهدف. وتماشيا مع هذا الطّرح حدّدت الأبحاث المندرجة في إطار علم النّفس المعرفيّ ثلاث مراحل في تعلّم الهدف وهي:
- يبدأ تعلّم اللّغة الهدف بالنّسبة إلى العديد من المتعلّمين بالمرحلة المعرفيّة، فطيلة هذه المرحلة يتعلّم هؤلاء كيف ينجزون عملا أو نشاطا لغويّا ما أو ملاحظة خبير ينجز هذا النّشاط أو يحاولون دراسته بأنفسهم، ويظهر في هذه المرحلة النّشاط الواعي لدى المتعلّم، حيث يتلقّى المعلومات بشكل صريح، وهذه المعرفة الصّريحة يمكن وصفها لغويّا. وللتّمثيل على ذلك، يخزن المتعلّم المفردات والقواعد النّحويّة عندما يكون بصدد تعلّم اللّغة الثّانية والتّحدّث بها. وتمكّن هذه المعرفة المتعلّم من وصف كيفيّة التّواصل باللّغة الثّانية، لكنّها غير كافية لتمهير الأداء أو الإنجاز اللّغويّ، لأنّ هذا الأخير خلال هذه المرحلة تتخلّله مجموعة من الأخطاء.
- يتّضح إذن، أنّ المتعلّم طيلة المرحلة المعرفيّة يقحم النّشاط الذّهنيّ الواعي أثناء تعلّمه للّغة الثّانية، هذا النّشاط الذّهنيّ الواعي يمكن أن يرتكز على الجوانب المختلفة للغة الهدف، ويصاحب المتعلّم طيلة هذه المرحلة. وهذا ما يفسّر أنّ أغلبيّة المتعلّمين يمرّون بفترة صامتة في تعلّمهم للّغة طيلة هذه المرحلة.
- يظهر في المرحلة الثّانية، أي مرحلة الرّبط، تغيّران اثنان يساهمان في تطوير المهارة، يتمثّل التّغيّر الأوّل في كون الأخطاء تقلّ بشكل تدريجيّ، ويتجلّى التّغيّر الثّاني في توسّع الرّوابط الجامعة بين المكوّنات المتنوّعة للمهارة، وطيلة هذه المرحلة تتّخذ المعرفة الصّريحة شكلا إجرائيّا، وبالتّالي فالتّمثيل الصّريح يبنى داخليا، ولا يتمّ الاستغناء عنه دائما، ذلك أنّنا وإن أصبحنا نتحدّث باللّغة الأجنبيّة بطلاقة، فإنّنا نتذكّر قواعدها النّحويّة، وهكذا فالمتعلّم خلال المرحلة المصاحبة يصبح شبيها بالخبير في إنجازه للّغة، لكن الأخطاء تستمرّ في الظّهور. وهذه المرحلة حسب هذا الطّرح تبدو متّفقة مع مصطلح اللّغة البينيّة، أي عدم قدرة المتعلّم على استعمال اللّغة الهدف بشكل جيّد، حيث أنّه خلال هذه المرحلة يختبر الفرضيّات المتعلّقة باللّغة الجديدة، فهو يطبّق و يحذف ويعدّل القواعد كنتيجة لمحاولته تحسين إنجازه اللّغويّ، حيث بإمكانه استعمال اللّغة الجديدة من أجل التّواصل.
عندما يصل المتعلّمون إلى المرحلة المستقلّة يصبح إنجازهم اللّغويّ متطوّرا وآليا، يعرف اختفاء الأخطاء التي تعيق إنجاز المهارة، وفي هذه المرحلة تقلّ الحاجة إلى الذّاكرة النّشيطة أو الوعي. وهذا ما حدا بماكلكلان إلى تسمية هذه المرحلة الثّالثة في اكتساب اللّغة بالمعالجة الآلية أو الاستعمال الآلي للغة، إذ يكون بمقدور المتعلّم استعمال اللّغة لأغراض تواصليّة، ويستطيع اكتساب معلومات جديدة في الوقت الذي يستعمل فيه اللّغة دون الحاجة إلى الرّجوع إلى القواعد التّحتيّة، ذلك أنّ هذه الأخيرة جزء من المعرفة الصّريحة المكتسبة من طرف المتعلّم. أمّا القواعد المتحكّمة في إنتاجات الأفراد للّغة فتتأسّس على المعرفة الإجرائيّة، وليس على المعرفة الصّريحة. لكون هذه القواعد تطرح وتنسى عبر الوقت، من هنا فالقواعد الممثّل لها بالمعرفة الإجرائيّة تنجز آليا دون الوعي بتطبيقها، وإن الفرد ينقل قواعد من لغته الأم ومعارفه اللّغويّة القبليّة من أجل التّواصل باللّغة الثّانية.
يتّضح من خلال مراحل تعلّم اللّغة الهدف أنّ متعلّم السّلك الإعداديّ في طور المرحلة المصاحبة، يوظّف استراتيجيّة النّقل باستمرار قصد تحسين إنجازه اللّغويّ، وللتّأكّد من ذلك لاحظ الباحث من خلال الدّراسة التّحليليّة والتّشخيصيّة للاختبار والمواضيع الإنشائيّة التي انصبّت أساسا على تحديد حالات النّقل الإيجابيّة والسّلبيّة بأنّ القواعد المشتركة بين العربيّة المغربيّة واللّغة الفصحى مرشّحة للانتقال من اللّغة الأولى إلى اللّغة الهدف، كما كشفت أيضا عن تهميش المتعلّم لرصيده المعجميّ الذي يفترض أنّ المتعلّم قد كوّنه في لغته الأمّ، لكن المنهاج التّعليميّ لا يستغلّه قصد تحسين الإنتاج اللّغويّ. علاوة على ذلك تبيّن بالفعل أنّ الأساليب اللّغويّة الإفصاحيّة نادرا ما تستعمل في خطابات المتعلّمين الكتابيّة. بناء على هذه المعطيات المتوصّل إليها من خلال التّحليل الإحصائيّ لأسئلة الرائز ولشبكة تحليل مضمون المواضيع الإنشائيّة يمكننا تلخيص الاقتراحات الدّيداكتيكيّة في التّغلّب على صعوبات تعلّم الفصحى وإنتاجها، ومن ثمّ تحسين مستوى المتعلّمين اللّغويّ على الشّكل التّالي:
أ – تطوير القدرة الإبداعيّة المعجميّة
تجدر الإشارة في هذا الباب إلى ضرورة تطوير القدرة الإبداعيّة المعجميّة، ومعنى ذلك أنّ عمليّة توليد مفردات جديدة في الفصحى يظلّ محكوما بالعربيّة المغربيّة، لأنّ الجزء الذي يسيطر عليه المتعلّم المغربيّ هو ذلك الجزء الذي يتطابق مع معجمه الذّهنيّ. وفي هذا المجال ينبغي تشغيل المعجم المكتسب في التّوليد الدّلاليّ الذي يتحقّق أوّلا في الدّارجة المغربيّة، ثمّ يتمّ نقله في مرحلة لاحقة إلى الفصحى. ومعنى ذلك أنّ المتعلّم يقوم بعمليّة نقل للعمليات الذّهنيّة من المغربيّة إلى العربيّة لأنّ العربيّة المغربيّة هي أساس التّفكير لديه. حيث اتّضح من خلال تحليل ودراسة المواضيع الإنّشائيّة إحصائيا أنّ المتعلّم المغربيّ يقوم بتحويل القدرة المعجميّة للتّغلّب على الفقر المعجميّ الذي يشكو منه في تعلّم الفصحى، وفي هذا الصّدد نشير إلى أنّ المستوى المعجميّ هو المستوى الأكثر ترشّحا للنّقل من غيره.
ب -تحويل الأنحاء الوصفيّة إلى أنحاء بيداغوجيّة
السّؤال الذي ينبغي طرحه في ظلّ هذا الوضع هو: كيف يمكن أن يفيد البحث اللّسانيّ في مجال تعلّم اللّغة العربيّة الفصحى وتعلّمها؟ من بين المعوّقات المطروحة على البحث اللّسانيّ أنّ تعليم اللّغة العربيّة الفصحى يشهد تباينا بين اللّغة العربيّة الفصحى والنّحو الواصف لهذه اللّغة. كما يغيب النّحو الواصف للعربيّة المغربيّة في تعليم اللّغة العربيّة وتعلّمها، مما يخلق هوّة بين معارف المتعلّم السّابقة ومعارفه اللاّحقة. لذا ينبغي الاتّجاه إلى بناء لغة واصفة بيداغوجيّة تتناسب مع اللّغة الأمّ للمتعلّم حتّى تكون الملكة اللّغويّة التي كوّنها المتعلّم في العربيّة المغربيّة استمراريّة ودعامة للملكة اللّغويّة التي يكوّنها المتعلّم في الفصحى وليس العكس. ويستدعي هذا الأمر إنجاز دراسات نحويّة تأخذ بعين الاعتبار الجغرافيّة اللّغويّة، وتتغيا إنجاز أنحاء مقارنة بناء على القيام بدراسة للبيئة اللّغويّة للمتعلّمين لأنّ العربيّة المغربيّة كما تمّت الإشارة في الفصل الثّالث من هذا البحث تتفرّع إلى مجموعة من اللّهجات المحلّية تختلف حسب المناطق.
ج – تطوير القدرة المعجميّة البينيّة
إذا كان المعجم نصّا تتداخل فيه مختلف النّصوص، وينتقل بنا من عالم إلى آخر، فإنّه يتضمّن مواد لشرح اللّغة، ومفردات الثّقافة والحضارة والعلم ومصطلحاته، وذلك بهدف امتلاكها والسّيطرة عليها. وإذا كان المعجم أداة لغويّة للانفتاح على عالم اللّغة، ومجالات انتقالها المتمثّلة في عالم البيت والمجتمع والمدرسة، فإنّ هذه اللّغة هي مجموع المفردات المعجميّة التي يحتاجها المتعلّم في إنتاج اللّغة والتّواصل بها. فكيف يمكن تطوير القدرة المعجميّة للمتعلّم؟ وكيف يمكن تحديد رصيدها المعجميّ؟
ينبغي، في هذا الصّدد، الاتّجاه إلى استحضار الألفاظ المهجورة لارتباطها بخطاب الدّارجة المغربيّة والاستعمال اليوميّ، ويؤكّد هذا المعطى أنّ المتعلّم لا يقوم بتحويل القدرة المعجميّة التي كوّنها في لغته الأمّ، ذلك أنّ الأحكام التي ينطلق منها تجعله يحكم على هذه المفردات المعجميّة بأنّها مفردات لهجيّة خاصّة بخطاب لغته الأمّ، لذا لا يقحمها في إنتاج اللّغة الفصحى إلاّ لماما، وقد تأكّد للباحث من خلال تحليل الرّائز والمواضيع الإنشائيّة أنّ المتعلّمين والمدرّسين يجتنبون توظيف معجم العربيّة المغربيّة في تعليم وتعلّم الفصحى وإنتاجها.
ولتطوير القدرة المعجميّة، وخدمة العمليّة التّعليميّة التّعلّميّة، ينبغي الانصراف إلى التّركيز على القدرة اللّغويّة البينيّة، ونقصد بهذا المفهوم الذي نحتته سلنكر، تلك القدرة المعجميّة التي يكّونها المتعلّم في اللّغة الهدف وتكون امتدادا للقدرة المعجميّة التي سبق للمتعلّم أنّ يضمرها في العربيّة المغربيّة.
المصادر والمراجع:
باللّغة العربيّة:
- إبراهيمي (أمينة): (2003)، التّخطيط اللّغويّ ووضع اللّغة العربيّة بالمغرب، بحث لنيل شهادة الدّكتوراه في الآداب من شعبة اللّغة العربيّة وآدابها كلّية الآداب والعلوم الإنسانيّة، الرّباط.
- بروستاد (كرستن): (2000)، قواعد اللّهجات العربيّة، ترجمة محمّد الشّرقاوي، المجلس الأعلى للثّقافة القاهرة.
- تمبل (كرستن): (2002)، المخّ البشريّ، ترجمة عاطف أحمد، عالم المعرفة، الكويت، العدد 287، نوفمبر2002.
- جحفة (عبد المجيد) وشوطا (عبد اللّطيف): (92)، تحويل القدرة من المغربيّة إلى العربيّة ضمن كتاب قضايا في اللّسانيات العربيّة، منشورات كلّية الآداب والعلوم الإنسانيّة ابن مسيك البيضاء.
- حليلي (عبد العزيز): (1991)، اللّسانيات العامّة :تعاريف – أصوات، منشورات دراسات سالن مطبعة النّجاح الجديدة الدّار البيضاء.
- حليلي (عبد العزيز): (2006)، الخيارات اللّغوية بالمغرب: العربيّة نموذجا. مجلّة آفاق العدد 70- 71 مارس 2006 ص147–153 . مطبعة النّجاح الجديدة الرّباط.
- بوشوك (المصطفى): (1994)، تعليم وتعلّم اللّغة العربيّة وثقافتها، الهلال العربيّة للطّباعة والنّشر، ط2.
- بو الصّواب (إبراهيم) (2002)، تعليم اللّغة العربيّة وثقافتها للنّاطقين بالفرنسيّة والأنجليزيّة، رسالة مرقونة بكلّية الآداب والعلوم الإنسانيّة جامعة ابن زهر بآكادير.
- الصّوري (عبّاس): ( 1994)، في بيداغوجيّة اللّغة العربيّة: البحث في الأصول، مطبعة النّجاح الجديدة الدّار البيضاء.
- الصّوري (عبّاس): (2002)، في بيداغوجيّة اللّغّة العربيّة: الرّصيد المعجميّ الحيّ، مطبعة النّجاح الجديدة الدّار البيضاء.
- علّوش (جميل): (1987)، الفصحى والعامّية والصّراع على مناطق النّفوذ، مجلّة الوحدة، المجلس الأعلى للثّقافة الرّباط.
بالّلغات الأجنبيّة:
- Bialystostok; E; 1994; Towards an explanation of second language acquisition in Language and understanding. edited by Gilian Brown et all; oxford university press.
- Carl; J; 1982; Contrastive analysis, longman.
- Corder, S.P; 1967, The significance of learners’ errors. Reprinted in J. Richards (ed.) (1984) Error Analysis: Perspectives on Second Language Acquisition. London: Longman.
- Chambers; J. K and Trudgill; P; 1998; dialectology; Cambridge university press second edition.
- Freeman; R; 1998; Bilingual education and social change; Multilingual Matters LtD Philadelphia U S A.
- Fries; C.C; 1945. Teaching and Learning English as a Foreign Language. Ann Arbor. University of Michigan Press.
- Gass, S. M and Selinker, L (Eds); 1994; Language Transfer in Language Learning. Philadelphia, PA: John Benjamins North America.
- Grosjean; F; 1982; Live with Two Languages; Harvard university press; Cambridge M A
- Hoffman; CH; 1993; An Introduction To bilingualism; Longman.
- Kellerman; E; 1977; Towards a Characterization of the Strategy of Transfer in Second Language Learning, Interlanguage Bulletin (utrecht) pp 58- 145.
- Kramsch; C; 2002; Standard, Norm and Variability in Language Learning (pp 65 -79) in Pedagogical Norms for second and foreign language learning and teaching. edited by Susan Gass and all. John Benjamins Publishing company. Amsterdam / Philadelphia.
- Krashen, S And Terrell, T, 83, The natural approach, Prentice Hall Europe 1995.
- Lado; R; 1957; Linguistics Across Cultures; An arbor; University of Michigan.
- Little, D; Words and Their properties Arguments for A Lexical Approach To pedagogical Grammar.
- Lyons; J; 1981, Language and Linguistics; Cambridge: Cambridge University Press.
- Omalley; M and Chamot A,1990, Learning strategies in second language acquisition Cambridge university press F published.
- Ringbom; H;1992; Effects of transfer research (ed) Dechert in foreign language, in current trends in European second language hans. w. Multilingual Matters.
- Richards, J.C (ed (1974; Error Analysis Perspectives on Second Language Acquisition. London: Longman.
- Ruquia; H and Perrett; G ;1994; Learning to Function with the other tongue; in Perspectives on pedagogical grammar edited by Odlin Terence; Cambridge university press.
- Selinker, l, 92, Rediscovering Interlanguage., Longman INC LtD cleventon England.
- Tarone; E1988; Variation in Interlanguage. London: Edward Arnold.
- Westney; p; 94; Rules and pedagogical Grammar, in perspective on pedagogical Grammar(ed) odlin terence; Cambridge university press; pp 72-96.
1- تحارب الطّريقة المتّبعة في تعليم اللّغة العربيّة دخول الأنساق اللّهجيّة في لغة الأطفال المدرسيّة المكتوبة والمنطوقة باعتبارها تحريفا للسانهم، والرّصيد المقرّر في المدرسة الابتدائيّة يتنكّر حتّى لهذا القاموس المشترك الذي تقع الدّعوة إلى تفصيحه، وليست هناك ضوابط للاحتكام إليها خصوصا ما يتعلّق بالعربيّة المغربيّة التي تتّسم بالمرونة المفرطة ( الصّوري 2004: 18).