ملخّص:
تهدف هذه الدراسة، إلى التعرف على الكيفية التي تتيح بها منظومة التوجيه التربوي بالمغرب فرصا متكافئة للتلاميذ، وذلك بتوجيههم إلى مسالك البكالوريا المهنية والمسالك الدولية للبكالوريا المغربية، بغض النظر عن أصولهم الاجتماعية ورأسمال آبائهم الثقافي وسياقات اتخاذ القرار المرتبطة بالمحيط الدراسي الذي ينتمون إليه، وقد خلصت الدراسة إلى العديد من النتائج وأهمها أن هناك تباين في الأصل الاجتماعي والرأسمال الثقافي للتلاميذ، فهما حاضران وواضحان بالنسبة إلى تلاميذ الجذع المشترك العلمي الدولي تخصص فرنسية يتجسدان في ممارساتهم، عكس تلاميذ الجذع المشترك المهني الصناعي والخدماتي، كما أن التصنيف السوسيومهني للآباء يوضح كذلك هذه التفاوتات بين هؤلاء التلاميذ.
الكلمات المفاتيح: اللامساواة المدرسية، التّوجيه التربوي.
Abstract:
This study aims to identify how the educational guidance system in Morocco offers equal opportunities to students in vocational courses and to students in international courses of the Moroccan baccalaureate, regardless of their social origins, and the cultural capital of their parents and decision-making contexts. of their school environment. The study revealed many results, the most important of which is that there is a disparity in the social origin and cultural capital of the students: they are present and clear for the students of the TCSF (the international common core), which are reflected in their practices. on the contrary for TCPI (the industrial professional common core) and TCPS (the professional service common core) The socio-professional classification of the parents also illustrates the disparities between these students.
Keywords: educational inequalities, educational guidance.
1- مقدّمة:
تعدّ مسألة الديمقراطية في التعليم وتكافؤ الفرص والمساواة المدرسية في حقل التربية والتعليم من أكثر القضايا الاجتماعية والتربوية إثارة للجدل في أوروبا منذ بداية الثورة الصناعية، ومازالت تطرح نفسها بشدة وقوة في القرن 21 .
لقد تحولت هذه المسألة مع نهاية الحرب العالمية الثانية إلى هاجس فكري يؤرق المفكرين ويدفعهم إلى المزيد من البحث المستمر في طبيعة هذه الظاهرة والكشف عن أسرارها، وتحث تأثير هذا الهاجس تكاثفت الدراسات والأبحاث السوسيولوجية في محاولة للكشف عن الأسباب والديناميات التي تكمن في أصل اللامساواة وعدم تكافؤ الفرص التعليمية داخل المؤسسات التربوية وخارجها.[1]
لقد بينت الدراسات في هذا الميدان وجود علاقة سوسيولوجية معقدة بين الأوضاع المدرسية للتلاميذ داخل المؤسسات التعليمية وبين الأصول الاجتماعية التي ينحدرون منها، واتضح جليا عبر هذه البحوث والدراسات أن الظواهر التربوية تتداخل عضويا وجوهريا مع الظواهر الاجتماعية، حيث لا يمكن اليوم أن نفهم الظاهرة التربوية خارج سياقها الاجتماعي بما يتضمّنه من عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية، وأصبح واضحا اليوم أن ديناميات الحياة التربوية وآليات اشتغالها ترتبط عضويا وجوهريا بالمتغيرات الاقتصادية والعوامل الاجتماعية التي تفرض تأثيرها الكبير في الأنظمة التربوية القائمة في مسار الانطلاقة العلمية لمنتسبيها[2]، ووفق هذا التصور فإن المؤسسات التربوية تشكل مجالا للصراع الطبقي الاجتماعي بطبيعته الرمزية والثقافية، وهي بذلك تقوم بوظيفة اصطفائية قوامها فرز التلاميذ وتوجيههم إلى تكوينات طبقية واجتماعية متراتبة في سلم الحياة الاجتماعية[3].
في هذا السياق، جاء الميثاق الوطني للتربية والتكوين في المغرب من أجل الدفاع على قضية المساواة في التربية والتعليم، من أجل مجانية وتعميم هذا التعليم وجعله لكافة المغاربة هدفا من أهدافه الأساسية وخصوصا في مراحله الأولى، حتى تتاح الفرصة لأكبر عدد ممكن من الأطفال للالتحاق به، بغض النظر عن انتماءاتهم الاجتماعية والاقتصادية .
غير أن هذه القاطرة في بلد كالمغرب يبدو أنها تعرف كثيرا من الاختلالات والأعطاب، مما جعل ملك البلاد ينبه بذلك في خطاب 20غشت 2013.
ولمعالجة هذه الاختلالات والأعطاب، ولأجرأة هذه التحديات على أرض الواقع، قررت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ابتداء من الدخول المدرسي 2013/2014، إحداث مسالك دولية للبكالوريا المغربية، وابتداء من الدخول المدرسي 2014/2015، إحداث البكالوريا المهنية المغربية انسجاما مع مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين ،خاصة الدعامة التاسعة منه المرتبطة بالتحكم باللغات الأجنبية: تحسين تدريس اللغة العربية واستعمالها وإتقان اللغات الأجنبية والتفتح على الأمازيغية[4]، وكذا الدعامة الثالثة المتعلقة بضرورة خلق تلاؤم أكبر بين النظام التربوي والمحيط الاقتصادي: السعي إلى تلاؤم أكبر بين النظام التربوي والمحيط الاقتصادي[5]،وسعيا وراء إعطاء دينامية جديدة وسعيا إلى توسيع وتنويع للعرض التربوي بالتعليم الثانوي التأهيلي لجعله أولا يستجيب بشكل أفضل لمستلزمات متابعة الدراسة بالتعليم العالي خصوصا فيما يرتبط بالكفايات اللغوية، ومواكبة للمخططات التنموية المهيكلة التي أقرتها البلاد في مختلف الميادين وما يتطلبه تدبير هذه المخططات من كفاءات بشرية متمكنة من العلوم والتقنيات وملمة باللغات الأجنبية، وثانيا لجعله يستجيب بشكل أفضل لحاجيات سوق الشغل ومستلزماته وخصوصا فيما يرتبط بالكفايات المهنية، واستجابة لرغبات التلاميذ في ولوج لمسارات مهنية بهدف الاندماج في الحياة العملية أو متابعة الدراسة ما بعد البكالوريا للراغبين في ذلك بمن فيهم الحاصلين على الدبلومات المهنية.
وتأكيدا لما سبق سنحاول مقاربة الموضوع بدراسة الإشكالية التالية: ما هي العوامل المتحكمة في توجيه تلاميذ السنة الثالثة ثانوي إعدادي إلى المسالك المهنية وإلى المسالك الدولية للبكالوريا المغربية؟ وكيف تخلق اللامساواة المدرسية في ظل هذا التوجيه؟
تنبع أهمية هذه الدراسة، من خلال القناعة بأهمية التوجيه المدرسي والمهني داخل المنظومة التربوية المغربية من ناحية، ومن ناحية أخرى اعتبار التوجيه التربوي آلية من آليات تعديل وتنظيم مسالك التكوين وترشيدها عبر الأخذ بعين الاعتبار جملة من المعطيات والحقائق منها رغبة التلميذ وقدراته العلمية والمعرفية وحجم الاستيعاب في الشعب والمسالك الموجودة بما يراعي ويتماشى مع مبادئ الإنصاف والاستحقاق وتكافؤ الفرص بين جميع التلاميذ.
كما تهدف هذه الدراسة إلى التعرف، على الكيفية التي تتيح بها منظومة التوجيه التربوي بالمغرب، فرصا متكافئة للتلاميذ بتوجيههم إلى مسالك البكالوريا المهنية والمسالك الدولية للبكالوريا المغربية، بغض النظر عن أصولهم الاجتماعية ورأسمال آبائهم الثقافي وسياقات اتخاذ القرار المرتبطة بالمحيط الدراسي الذي ينتمون إليه.
لقد وظف في هذه الدراسة منهج المسح الاجتماعي بواسطة العينة، باعتباره أحد المناهج الأساسية وأكثرها استخداما في الدراسات الوصفية، خاصة أنه يوفر الكثير من البيانات والمعلومات عن موضوع الدراسة.
أما فيما يخص أدوات جمع البيانات، فقد وقع الاختيار على أداتين أساسيتين هما: الاستمارة والمقابلة شبه موجهة.
فالاستمارة وجهت إلى لتلاميذ لأنها تسمح بالحصول على كمية كبيرة من المعطيات من خلال استقصاء أكبر عدد ممكن من المبحوثين، أما المقابلة شبه موجهة وزعت على اطر التوجيه التربوي العاملين بمديرية سيدي قاسم، ولقد لجأنا إلى استخدامها ساعين وراء الحصول على أعمق الإجابات الممكنة من أفواه الخبراء في التوجيه، بالإضافة إلى أنها تتيح لنا فرصة استكمال المعالجة الكمية التي تقدمها الاستمارة.
وقد احتوت الاستمارة والمقابلة شبه موجهة على مجموعة من الأسئلة موزعة على أربعة محاور أساسية، حيث جسد كل محور منها بعدا من أبعاد ظاهرة اللامساواة المدرسية في علاقتها بالتوجيه التربوي، وتتمثل هذه المحاور الأربعة في:
1- المحور الأول : التوجيه التربوي على أساس النتائج الدراسية.
2 – المحور الثاني : التوجيه التربوي على أساس رغبات وميولات التلاميذ.
3- المحور الثالث : التوجيه التربوي وعلاقته بالأصل الاجتماعي والرأسمال الثقافي للتلاميذ.
4- المحور الرابع : التوجيه التربوي وتكريس اللامساواة المدرسية.
2- مفاهيم الدراسة:
2- 1- مفهوم اللامساواة المدرسية:
يتمثل مفهوم المساواة في الفرص المدرسية أو مفهوم تكافؤ الفرص التعليمية في صورة مدرسة تفتح أبوابها على مبدأ التكافؤ والمساواة بين مختلف الأفراد، وهذا يعني أنه يتوجب على المؤسسات التربوية من مدارس وجامعات أن تستوعب جميع الراغبين بمتابعة دراستهم دون اعتبارات عرقية أو دينية أو طائفية أو جغرافية أو لأي اعتبار آخر[6].
ويرتكز مفهوم المساواة وتكافؤ الفرص التعليمية إلى تصور قوامه أن التحصيل العلمي والمعرفي يشكل نوعا من الخيرات المادية والروحية، وبالتالي فإن ديمقراطية التعليم لا تتحقق في توفير الفرص التربوية المتكافئة فحسب، وإنما في توفير الامكانيات المتكافئة للتحصيل التربوي بين أفراد المجتمع، وهذا هو جوهر الديمقراطية التربوية[7].
إن غياب هذا التكافؤ في فرص التعليم يمثل انتهاكا للديمقراطية التربوية كما يعلن المفكر الفرنسي “روجيه جيروRoger Girod”، ويشكل في نهاية الأمر توزيعا غير عادل للخيرات المادية والروحية في المجتمع، ومن الواضح أن هذا التصور يؤكد على أهمية التباين في الأوضاع الاجتماعية للأفراد وانعكاس هذا التباين على المجال التربوي[8].
إن التحديد الذي سقناه لمفهوم المساواة وتكافؤ الفرص التعليمية يتباين إلى حد ملحوظ مع عدد كبير من التحديدات التي تعبر عن وجهات نظر مختلفة، ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى تصور “غاستون ميلاري Gaston Miliaret” الذي ينظر إلى المساواة التربوية بوصفها: إمكانية متاحة، أمام الأطفال كافة، من أجل الحصول على تعليم متكافئ يتجاوب مع استعداداتهم العقلية الخاصة، وذلك بشكل مستقل عن تأثير الشروط الاجتماعية الخارجية: كالوضع الاقتصادي والاجتماعي لعائلاتهم[9].
ومن الملاحظ أن تحديد ميلاري يركز على أهمية الاستعدادات العقلية والذكاء كمبدأ أساسي لديمقراطية التربية، وهو بذلك يتجاهل طبيعة العلاقة الجدلية القائمة بين الاستعدادات العقلية وجذورها الضاربة في أرض الحياة الاجتماعية[10]، وتأسيسا على ما تقدم من تصورات حول المفهوم يمكن تعريف المساواة أو تكافؤ الفرص في التعليم بأنه: إتاحة الفرص أمام جميع هؤلاء الذين يطلبون التعليم للتخصص في المجالات التي يرغبون فيها، وتسهيل دخولهم إلى الجامعات والمعاهد وإرشادهم وتوجيههم ومساعدتهم حتى حصولهم على الدرجة المرغوب فيها[11].
2-2- مفهوم التوجيه التربوي:
يعرف خالد عبد السلام[12]التوجيه لغة: من وجه يوجه توجيها ، أي أدله على الشيء ، واستبان له الطريق.
ويعرف فرانسيس عبد النور[13]التوجيه بأنه:
عملية مساعدة الفرد بوسائل مختلفة كي يتمكن من حل مشكلاته بنفسه، وكي يصل إلى أقصى نمو له. كما يعمل التوجيه على تغيير نظرة الإنسان إلى نفسه، وإلى العالم الذي يحيط به، ومعرفة دوافعه وأهدافه حتى يحقق ذاته في الميادين الدراسية والمهنية.
ويعرف أحمد أوزي التوجيه في معجم علوم التربية[14]:
التوجيه على أنه اختيار شعبة من شعب التعليم أو التكوين في الوسط المدرسي أو برنامج من البرامج، حسب ما يستجيب لحوافز الأفراد وحاجاتهم واهتماماتهم أو يتيح تعبير الفاعلين عن إمكاناتهم أو قدراتهم، ويتم الاختيار حسب عمليات متعددة، منها الاختيار من طرف الفرد المعني بالأمر ذاته أو قرار مجلس التوجيه أو عبر الانتقاء أو الاختيار من طرف الأسرة أو المربين أو المؤسسة.
ويعرف الميثاق الوطني للتربية والتكوين التوجيه[15]:
بأنه جزء لا يتجزأ من سيرورة التربية والتكوين، بوصفها وظيفة للمواكبة وتيسير النضج والميول وملكات المتعلمين واختياراتهم التربوية والمهنية، وإعادة توجيههم كلما دعت الضرورة إلى ذلك، ابتداء من السنة الثانية من المدرسة الإعدادية إلى التعليم العالي.
ويعرف الإتحاد الأوروبي التوجيه[16]:
على انه تسهيل التفتح الكامل لشخصية الافراد في كل مظاهرها، بالبحث عن نوع التعليم وفي النهاية البحث عن المهنة الأكثر ملائمة لقدراتهم، وهكذا يتوق التوجيه إلى تأمين أفضل مستقبل مادي ومعنوي لهؤلاء الأفراد، ووضعهم في المكان الذي يتمكنون انطلاقا منه خدمة مجتمعهم على شكل أفضل.
ويعرف كذلك بأنه مجموع الخدمات التي تساعد الفرد على الوعي بالمقومات الذاتية وبمشاكله وعلى استغلال إمكانياته الذاتية والموضوعية وبالتالي تحقيق درجة من التكيف والتوافق مع نفسه ومجتمعه.
كما يعتبر التوجيه المدرسي والمهني، محاولة إيصال نوع من الإعلام موجه إلى الفرد ليصل إلى وضع يتعرف فيه على ميزاته الشخصية لتنميتها من أجل اختيار نوع دراسته ونشاطاته المهنية في مختلف ظروف وجوده، بهدف خدمة تطور مجتمعه وتفتح شخصيته في آن واحد[17]..
وخلاصة القول يمكن أن نستنتج من خلال التعاريف السابقة أن التوجيه المدرسي والمهني هو عملية مستمرة تقتضي المزاوجة مع تحقيق نوع من التناغم، بين قطبين أساسين: الفرد بمختلف مؤهلاته واستعداداته وحاجاته، وبين نوع الدراسة أو المهنة بما لكل منهما من خصائص ومكونات من جهة، وظهور أو انقراض مهن وأنواع من الدراسة من جهة ثانية، بهدف خدمة الفرد والمجتمع في آن واحد.
3- المحور الأول : التوجيه التربوي والنتائج الدراسية.
تشكل السنة الثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي محطة أساسية في المسار الدراسي للتلميذ، حيث يتم في نهايتها اتخاذ قرار التوجيه إما إلى الجذوع المشتركة بالتعليم العام أو التعليم التكنولوجي، أو الى أحد الجذوع المشتركة المهنية بالتعليم المهني أو إلى إحدى تخصصات التكوين المهني (مستوى التأهيل(.
وفي غياب وسائل القياس النفسي المتخصصة للتعرف على الاستعدادات والخصائص الشخصية للتلاميذ، فإن القدرات المعرفية تبقى المؤشر الوحيد لاتخاذ قرارات التوجيه سواء تعلق الأمر برغبات التلاميذ أو بقرارات مجالس التوجيه.
هذه القدرات المعرفية تتجلى في النتائج الدورية والسنوية الناتجة عن التقييم التربوي الممارس خلال السنة الدراسية المتمثل في ثلاث مكونات:
أولا: المراقبة المستمرة وتجرى خلال السنة الدراسية في جميع المواد المقررة.
ثانيا: الامتحان الموحد المحلي ويجرى في جميع المواد المقررة في آخر السداسي الأول.
ثالثا: الامتحان الموحد الجهوي ويجرى في بعض المواد في آخر السنة الدراسية.
وبعد استفادة التلاميذ من المعلومات المتعلقة بالجذوع المشتركة (خصائصها- متطلباتها- آفاقها المستقبلية) باعتماد الوثائق الرسمية، وبعد قيامهم بالاتصالات المختلفة، كل حسب أهدافه، وإجرائهم مشاورات مع مختلف أطراف العملية التربوية، يعبرون عن رغباتهم من خلال ملء بطاقة الرغبات وبطاقات الترشيح الخاصة، حسب ميولاتهم الشخصية وقدراتهم المعرفية والجسمية ،وفي آخر السنة الدراسية تنعقد مجالس التوجيه الخاصة بالسنة الثالثة ثانوي إعدادي، من أجل إصدار قرار توجيههم إلى المسالك والشعب المختارة
في الوقت الراهن تبقى النتائج المدرسية هي المعيار الوحيد، إضافة إلى رغبات التلاميذ، المعتمدة لتوجيههم من السنة الثالثة ثانوي إعدادي إلى مختلف الجذوع المشتركة بالتعليم الثانوي التأهيلي، حيث نص الميثاق الوطني للتربية والتكوين، في البند 100، على أنه “يستند تدرج المتعلمين إلى استحقاقاتهم فقط بناء على تقويم مضبوط وعلى اختياراتهم التربوية والمهنية باتفاق مع المستشارين في التوجيه والمدرسين، وبالنسبة إلى لقاصرين منهم بموافقة آبائهم أو أوليائهم”.
– بالنسبة إلى ولوج الجذع المشترك العلمي: خيار الفرنسية(مذكرة رقم 065/15):
| المواد الدراسية المؤهلة | معاملات | صيغة احتساب معدل الانتقاء |
الجذع المشترك العلمي تخصص فرنسية | PC : العلوم الفيزيائية | 1 | (LA + MT + PC + SVT) + (LF x 4) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 8
|
LA: اللغة العربية | 1 | ||
SVT : علوم الحياة والأرض | 1 | ||
MT: الرياضيات | 1 | ||
LF: اللغة الفرنسية | 4 |
الجدول 1: صيغة احتساب معدل الانتقاء لولوج الجذع المشترك العلمي تخصص فرنسي، المصدر: مذكرة رقم 065/15 بتاريخ 03 يونيو 2015
أما بالنسبة إلى ولوج الجذع المشترك المهني الصناعي والخدماتي (مذكرة رقم 062/15 (:
الجدول 2:صيغة احتساب معدل الانتقاء لولوج الجذع المشترك المهني الصناعي والخدماتي، المصدر: مذكّرة رقم 062/15 بتاريخ 02 مايو 2015
| المواد الدراسية المؤهلة | معاملات | صيغة احتساب معدل الانتقاء. |
الجذع المشترك المهني الصناعي | PC : العلوم الفيزيائية | 3 | (3 x PC +2 x MT + 1 x LF) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 6 |
MT: الرياضيات | 2 | ||
LF: اللغة الفرنسية | 1 | ||
الجذع المشترك المهني الخدماتي | LF: اللغة الفرنسية | 3 | (3 x LF + 2 x LA + 1 x HG ) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 6 |
LA: اللغة العربية | 2 | ||
HG:التاريخ والجغرافيا | 1 |
بعد استعراض وتحليل معطيات الاستمارة والمقابلة شبة موجهة الخاصة يأطر التوجيه التربوي والمتعلقة بمحور التوجيه وعلاقته بالنتائج الدراسية خلصت الدراسة إلى ما يلي:
إن تأثير التقويم والتنقيط لا يقتصر فقط في المدى القريب، إذ يحسم في مدى تحقق الكفايات والأهداف أو في الانتقال من مستوى إلى آخر، بل له امتدادات اجتماعية تصب إلى حد التأثير في عملية التوجيه أو كما يسميه المختصون السوسيولوجيون في التوجيه “توجيه التوجيه”.
فحسب Pierre Merle، توجيه التلاميذ إلى الجامعات والمدارس لا يتم وفق مقاربة ميريتوقراطية méritocratique أي الاستحقاق والكفاءة، التي يحاول المسؤولون عن النظام التعليمي الترويج لها وإضفاء الشرعية عليها من خلال عملية التقويم والتنقيط، بل هو نتاج أوضاع اجتماعية، وتمايزات وانتماءات طبقية، فهي تجعل من عملية التوجيه إجراء نخبوي بامتياز يعمل على إعادة إنتاج النخب والمحافظة على التراتبية الافلاطونية الكلاسيكية الشهيرة، التي تضع كل فئة في وضعها المقدر والمحدد سلفا[18].
هذا ما جعل الخبير السوسيولوجي المغربي العلمي الخمار يعتبر أن المدرسة من خلال خلقها وتشجيعها التميز )بكالوريا دولية مقابل بكالوريا مهنية(، تقوم على تراتبية مدرسية هي مصدر التراتبيات الاجتماعية، وهكذا تتجدد القيمة المدرسية العليا للتلميذ من خلال هذه التراتبية في تصوره لذاته، وفي علاقته بغيره، وفي محيطه الاجتماعي ولاحقا في مجال العمل.
إذن لم ينجح التقويم في صيغته الحالية والمبني على النتائج المدرسية في توجيه المتعلمين، حيث بقي رهينا باختيارات الآباء، وظل موقف الأساتذة ورغبات التلاميذ هامشيا وضعيفا، وهكذا خضع التوجيه في مجمله لمواقف المؤسسة والقيم التي يعطيها المجتمع للمعارف والعلوم لا لقدرات المتعلمين وكفاياتهم وانتظاراتهم[19].
والخلاصة أنّ للنتائج المدرسية، بلا شك، ارتباطا وثيقا بالتوجيه المدرسي، وأن هذه النتائج قد تكون في بعض الحالات ضرورية لمعرفة قدرات التلميذ التعليمية وتحديد مسار العملية التربوية ومحتواها من الخبرة والمهارة حسب قدرته، شريطة أن تكون هذه الاختبارات واضحة وموضوعية وذات معنى وتغطي كل نواحي المادة الدراسية، وتعكس بكل حرص وأمانة الأهداف التعليمية المحدّدة التي يتوقع تحقيقها عند نهاية كل فترة تعليمية، لكن لا ينبغي المبالغة في ذلك، لأن المبالغة قد تؤدي إلى عدم الإنصاف واللامساواة اللذين قد يشكلان خطرا على العدل والمساواة بين التلاميذ في التوجيه المدرسي.
4- المحور الثاني : التّوجيه التربويّ على أساس رغبات وميولات التلاميذ:
تقع إشكالية التوجيه في نقطة تلاقي ديناميتين: دينامية تطور العالم السوسيو اقتصادي، ودينامية النمو الشخصي للفرد. إنها نقطة تشابك عدة عوامل سيكولوجية وعائلية ومؤسساتية واجتماعية واقتصادية. ويتعقد الأمر عند محاولة الربط بين ميولات وقدرات الأفراد، من جهة ومن جهة اخرى إمكانية الإدماج في التنظيمات الجماعية التي تكون المهن. إن هذا التعقيد يزداد حاليا مع تقلب الوضعية الاقتصادية والتطور التكنولوجي السريع، الذي قلب أساليب الإنتاج، وبالتالي عالم الشغل، ومع ما يعرفه نظام التربية والتكوين من إصلاحات على مستوى المناهج التربوية وإعادة هيكلة الأسلاك التعليمية وتنظيم الدراسة بها.
وهكذا، لم تعد غايات التربية في هذه الأنساق التربوية تنحصر في تحصيل المعارف أو التعلم الذاتي، بل تتسع إلى اكتساب مهارات تساعد التلميذ على التنبؤ والتموقع والتكيف، وتمكنه من تنمية قدراته على التغيير والتحيين، وبعبارة أخرى تساعده على التحكم إلى حد ما في مصيره. ويتطلب ذلك معرفة الشخص لذاته ومحيطه في أفق تحديد حاجياته لكي تصبح أهدافا، وبالتالي مشاريع قابلة للتحقيق.
بعد استعراض وتحليل معطيات الاستمارة والمقابلة شبة موجهة لأطر التوجيه التربوي والمتعلقة بمحور التوجيه على أساس رغبات وميولات التلاميذ خلصنا إلى ما يلي:
إن التوجيه الحسن والاختيار الصائب هو السر في نجاح المسيرة الدراسية للتلميذ، بل إن نجاح التلميذ من عدمه مرتبط ارتباطا وثيقًا بهذا الجانب، ومن هنا وجب الأخذ بثلاث خطوات في عملية الاختيار، وهي:
أ- استكِشاف الذات ومعرفة المحيط المِهني:
في هذه المرحلة يجب على التلميذ أن يكتشف ذاته وميوله الشخصية ونزعاته النفسية، ويستكشف الشعب الدراسية المتاحة، والمسارات الدراسية المتعلقة بها، والآفاق المِهنية لهذه الشعب، بالإضافة إلى محاولة جرد الموادِ التي يتفوق فيها ويرتاح إليها، ويعلم علم اليقين أنها توافق طموحه ورغبته الشخصية، كما يجب كذلك في هذه المرحلة معرفة المهن المفضلة عنده، حتى يتابع المسار المؤدي إليها.
ب- اختيار الشعبة:
في هذه المرحلة، يلزم على التلميذ اختيار شعبة معينة وفقا لشخصيته ومدَى توافقها مع ذاته ومكتسباته، محاوِلا الإجابة عن الأسئلة التالية:
– هل المؤهلات الفكرية والبدنية التي تتطلبها هذه الشعبة متوفرة عندي؟
– هل الآفاق المستقبلية تتوافق مع سوق الشغل الذي أريد الولوج إليه؟
– هل ظروفي المادية والاجتماعية والصحية تسمح لي باختيار هذه الشعبة؟
– هل لدي اختيارات أخرى يمكن أن تعوض الاختيار الأول في حالة عدم إمكانيته؟
ج ـ تحقيق الاختيار:
يكون السؤال في هذه المرحلة بـكيف؟ أي:
– كيف أستطيع تحقيق هذا الاختيار وأعلله وأتمسك به، فلا أحيد عنه أو أتحول عنه مدى حياتي الدراسية؟
– هل أنا مستعد لتجاوز المشاكل التي قد تعترض طريقي في هذه الشعبة، وأستطيع الانعتاق منها؟
– كيف يمكن لي أن أتصرف في حالة عدم تحقيق اختياري الأول؟[20].
وهناك أخطاء قد يقع فيها بعض التلاميذ أثناء اختيارهم للشعبة أو المسلك التي سيتوجه إليها، ومن بين هذه الأخطاء:
– الاقتداء ببعض الأصدقاء والزملاء الذين كان يرافقهم التلميذ خلال سنوات التعليم الابتدائي والإعدادي والثانويِ، متناسيا أنه كان مِن ذي قبل في مرحلة التأسيس والإعداد، وأصبَح في مرحلة أخرى حاسمة ومصيرية، ألا وهي مرحلة التوجيه المرتبِطة بكل شخص على حدة، مِن خلال ميولاته ورغباته وقدراته، وهذا مما لا يصح وقوعه، بل يجب الاعتماد على النفس واتخاذ القرار بنفسه.
– تأثر بعض التلاميذ بالمجتمع والوسط الذي يعيش فيه.
– الخضوع لرغبة الآباء أو أحد الأقارب، لأنهم يفرضون توجهاتهم على أبناءهم، ولا يتركون لهم حيزا مِن الحرية الشخصية في الاختيار.
– الأخذ ببعض الأفكار الجاهِزة التي يروج لها البعض، فيتأثر بها التلميذ ويبني اختياره بالاعتماد عليها، وغالبا ما تكون عارية من الصدق مخالفة للواقِع.
وختاما، حيث أن الاختيارات والقرارات تخضع لشروط وقيود تستعصي على أغلب التلاميذ، الذين يرغبون في متابعة دراستهم بالشعب الخاصة، وأغلب التلاميذ الذين يودون ولوج مؤسسات مهنية ومؤسسات تكوين الأطر، لكن يواجهون بعقبات اختيارات محدودة، ما يجعلهم يشعرون بقرارات مفروضة، فيتوجهون مكرهين إلى تخصصات قد لا تتوافق وميولاتهم الشخصية، ولا تستجيب لا لطموحاتهم ولا للأهداف التي يرسمونها لأنفسهم.
5- المحور الثالث : التوجيه التربوي والأصل الاجتماعي والرأسمال الثقافي:
تؤكد الأبحاث الميدانية الامبريقية التي تناولت مسألة الأصل الاجتماعي والنجاح المدرسي بما فيه التوجيه التربوي، وجود علاقة ترابط قوية وايجابية بين النجاح المدرسي والأصل الاجتماعي للتلاميذ، ويلاحظ هذا في مسار النتائج وفي مسألة الاختيار والتوجيه، فكلما تم التدرج في المستوى الاجتماعي للتلاميذ، ازدادت تصاعديا احتمالات نجاحهم وتوجيههم إلى شعب ومسالك تحظى بالمكانة الاجتماعية الرفيعة.
تشير الدراسات الجارية في ميدان اللامساواة المدرسية إلى تدخل منظومة من العوامل الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في معادلة العدالة المدرسية، وفي التوجيه على وجه الخصوص، حيث تؤثر هذه العوامل في توجيه الآباء لأبنائهم تبعا لطموحاتهم وتوجهاتهم وأصلهم الاجتماعي دون مراعاة ميولات ورغبات أبنائهم، ويعتبرون أنفسهم أنهم على صواب.
وفي هذا الصدد أكد ريمون بودون من خلال ملاحظاته واستقصاءاته على أن المدرسة تعيد إنتاج البنى الاجتماعية، وتعمل على استمرار هيمنة الطبقات المسيطرة على الطبقات الخاضعة، يرى كذلك بأن المعنى الذي يعطيه الفرد إلى المستوى التعليمي يختلف حسب وضعيته الاجتماعية، وقد انطلق من فرضية مفادها: أنه عند تشعب مسارات التعليمي ختار الأفراد مساراتهم بعقلانية حسب التوليفة التي تتكون من التكلفة- الأخطار- الفائدة، بالشكل الذي يسمح بتعظيم “المنفعة”، وتتحدد هذه التوليفة حسب الوضعية الاجتماعية للأفراد وحسب نسق توقعاتهم[21].
ولقد أقيمت في هذا الميدان مجموعة من الدراسات بينت تأثير العائلة في اختيار التخصصات دون مراعاة حاجيات الأبناء النفسية، كما لا ننسى الفوارق الطبقية وتأثيرها في عملية التوجيه، فالأطفال المنحدرون من الأسر الثرية والمحظوظة يكونون أوفر حظا من الاطفال المنحدرين من الأسر الفقيرة، ولقد وضح ذلك بشكل جلي عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو وخاصة على مستوى الراساميل التي يمتلكها الطلبة، إذ أكد أن العامل الطبقي يلعب دورا مهما في التعلم والتوجيه، حيث يرى أن هناك انسجام وثيق بين الطبقة البورجوازية وبين المدرسة وخاصة في إطار ما يسمى بالثقافة العالمة، في حين أن هناك انفصال وتباين بين ثقافة أبناء الطبقة الدنيا والمؤسسة المدرسية، مما ينتج عنه في غالب الأحيان فشل أبناء الطبقة الدنيا في مسايرتهم للدراسة.
بعد استعراض وتحليل معطيات الاستمارة والمقابلة شبة موجهة لأطر التوجيه التربوي والمتعلقة بمحور التوجيه والأصل الاجتماعي والإرث الثقافي توصلنا إلى ما يلي:
يمكن القول إن الأصل الاجتماعي والرأسمال الثقافيّ يرتبطان بمجموعة من الممارسات والاستراتيجيّات المرتبطة بالمكانة الاجتماعيّة وإنتاج وإعادة إنتاج هذه الممارسات من خلال الفاعلين في هذه الطبقات، سواء كانت صاحبة شرعيّة مثلما هو الحال لدى الطبقات العليا، أو لدى الطّبقات الدّنيا من خلال المحاكاة، والاستهلاك الثّقافي الذي يتمثّل في ارتياد المسارح، وتوفر مكتبة داخل المنزل، المطالعة، والانخراط في النوادي المختلفة، والترفيه والسّفر .
هذاما نجده في التباين الملاحظ لدى تلاميذ الجذع المشترك العلميّ تخصص فرنسيّة )الجذع المشترك الدولي( والذين يتوفّرون على أصل اجتماعي ورأسمال ثقافي حاضر المعالم تدعمه شرعية الطبقات العليا والمتوسطة، وتلاميذ الجذع المشترك المهني الصناعي والخدماتي الذين لا يتوفرون على هذا الأخير.
ووفقا لهذا التصور، فإن المؤسسة التعليمية عموما، تقوم بوظيفة اصطفائية قوامها فرز المتعلمين إلى فئات طبقية اجتماعية متراتبة في سلم الحياة الوظيفية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، بناء على أيديولوجيا ديمقراطية “الجدارة والاستحقاق” Méritocratie، بل إن هذا الانتقاء والاصطفاء، لم يعد يبرز كانتقاء اجتماعي وطبقي في الآن نفسه، وإنما كنتيجة طبيعية لسيرورة بيداغوجية ذات طبيعة سيكولوجية وفردية، تتمثل في اختلاف المواهب والقدرات والمؤهلات المدرسية العقلية والثقافية الفردية وليس على أساس اجتماعي أو اقتصادي.
5- المحور الرابع : التوجيه التربوي وتكريس اللامساواة المدرسية.
يمثّل مفهوم المساواة في الفرص المدرسية أو مفهوم تكافؤ الفرص التعليمية في صورة مدرسة تفتح أبوابها على مبدأ التكافؤ والمساواة بين مختلف الأفراد، وهذا يعني أنه يتوجب على المؤسسات التربوية من مدارس وجامعات أن تستوعب جميع الراغبين بمتابعة دراستهم دون اعتبارات عرقية أودينية أو طائفية او جغرافية أو لأي اعتبار آخر[22].
ولقد تطرق كل من بيير بورديو وجون كلود باسرون إلى هذه القضية وتناولاها بوضوح، وأشارا إلى أنّ التباينات والاختلافات الفردية ماهي إلا ّاختلافات في التنشئة الاجتماعية، هذا يعني أنّ المدرسة تتعامل مع اللاّمساواة الاجتماعية، وتعمل على إعادة إنتاجها. ونتيجة لذلك اختلفت وتضاربت الآراء حول موضوع اللاّمساواة في الحظوظ المدرسية، فهناك من أرجعها إلى الاختلاف في المحفّزات والقدرات لكلّ فرد، وهناك من أرجعها إلى الاختلاف في الإمكانيات الثّقافية المنقولة إلى كلّ فرد من طرف العائلة التي نشأ فيها، والتوجّيهات الدراسية خلال المسار الدراسي لكلّ منهم، وبهذا، فمسألة اللامساواة في الحظوظ المدرسية نتاج لعدّة عوامل معقدة، فكل من اهتم بها تطرّق لها من باب أو زاوية معيّنة، وفي إطار ميدان معين.
أما فيما يخص مسألة التوجيه التربوي وتكريس اللامساواة المدرسية فقد أكدت كل من Marie-Duru-Bellat et Mingat في دراستهما على حضور اللامساواة في النجاح في المسار الدراسي، هذه اللامساواة تخلق خلال مرحلة التوجيه على وجه الخصوص[23]، وتساءل الباحثان حول تنوع الممارسات البيداغوجية بين إعدادية وأخرى، وتوصلا إلى أن اللامساواة المدرسية الكامنة في التوجيه، تكمن في هذه الممارسات التربوية المختلفة على أرض الواقع[24].
وبالنظر الى وجود مؤسسات صارمة من حيث التنقيط والتوجيه، وأخرى غير ذلك في إحداها أوكليهما[25].
بالإضافة إلى لا تكافؤ الاجتماعي في تحسن الأداء المدرسي واختيار الشعب، تساهم اختيارات التوجيه في تعميق اللامساواة الاجتماعية بالإعدادية. حين ينظر إليها كاستجابة لطلبات الأسر، لكن هذه الاختيارات محددة اجتماعيا وتختلف باختلاف المستوى الاقتصادي والثقافي للأسر: مثل درجة الاعتقاد في فائدة الشواهد والرغبة في تعلم التلميذ كلما كان الأب متعلما أو من وسط اجتماعي ميسور. يضاف إلى هذه الاعتبارات أن الأسر تمارس لحظة تقديم طلبات التوجيه نوعا من الانتقاء الذاتي (الإقصاء الذاتي بالنسبة إلى الأسر الفقيرة) وهو مستوى آخر يعكس اللامساواة بحسب الأوساط الاجتماعية للتلاميذ.
بعد استعراض وتحليل معطيات الاستمارة والمقابلة شبة موجهة لأطر التوجيه التربوي والمتعلقة بمحور التوجيه وعلاقته بتكريس اللامساواة المدرسية خلصنا إلى ما يلي:
– إن قدرة المدرسة على المساهمة في تحقيق المساواة مرهون إلى حد كبير بتغيير عميق في البنى الاقتصادية والسياسية القائمة، ونجد لهذه الأفكار صدى في فلسفة المفكر الفرنسي جورج سنيد الذي يرى أن اللامساواة الاجتماعية هي مصدر لكافة أشكال اللامساواة التربوية والمدرسية، وهو ينطلق من الأطروحة الماركسية المعروفة التي ترى أن المدرسة في مجتمع طبقي لن تكون ولا يمكن أن تكون إلا مدرسة طبقية.
غير أن الباحث عدنان الأمين في كتاب اللاتجانس الاجتماعي[26]، يحمل مسؤولية اللامساواة التربوية للمدرسة والمجتمع، ويرى بأن هناك عدة أسباب للامساواة المدرسية والتي تعزز بدورها إعادة إنتاج اللامساواة الاجتماعية، وهي كالتالي:
– إن اللامساواة المدرسية تعود إلى الفئات الاجتماعية أكثر، مما تعود إلى نوعية التعليم (التجهيزات المدرسية، طرق التعليم، كفاءات المعلمين… الخ(.
وكمثال لذلك، المعلمون: فكل الدلائل تشير أنهم يلعبون بصورة واعية أو لا واعية لعبة الاصطفاء والتصنيف الاجتماعي للتلاميذ، وذلك من خلال ردود فعلهم تجاه التلاميذ في الصف وتقييمهم لهم، ومن خلال توجيههم لهم كذلك.
– تزيد اللامساواة المدرسية حدة كلّما صعدنا في السلم الدراسي إلى الأعلى: فمن المعروف أن البينة الأولى على اللامساواة المدرسية هي اختلاف فرص النجاح والرسوب والتكرار خلال المرحلة الابتدائية، ويكون هذا التفاوت ملاحظ بشكل واضح في الثانوي من خلال التوجيه المدرسي، حيث يوجه أبناء الفئات الاجتماعية الدنيا نحو الفروع المهنية )البكالوريا المهنية( والتكوينات القصيرة، وأبناء الفئات الاجتماعية العليا نحو الدراسات الأكاديمية الطويلة والكليات المرموقة )بكالوريا الدولية(، كما أن أبناء الفئات الدنيا والشعبية الفقيرة كما يقول: بورديو وباسرون لا يصلون إلى الجامعة رغم عدم تكافئهم الاجتماعي مع أبناء الفئات الميسورة فحسب، بل لأنهم يتعرضون تباعاً لأنواع من الاختبارات يقيمون فيها في أمور لا يقيّم فيها غيرهم، بصورة رسمية (كالخط والترتيب والثقافة العامة والطلاقة اللغوية وغيرها) وهذا ما يسمونه الاصطفاء المضاعف.
أن اللامساواة المدرسية إنما تعود إلى العنصر الثقافي من المنشأ أكثر مما تعود إلى العنصر الاقتصادي منه.
6- خاتمة:
من خلال ما سبق ذكره من نتائج جزئية، نجد أن هناك تباينا في الرأسمال الثقافي بين التلاميذ، فهو حاضر وواضح بالنسبة إلى تلاميذ الجذع المشترك العلمي تخصص فرنسية )الجذع المشترك الدولي ( يتجسد في ممارساتهم، كما أن التصنيف السوسيومهني للآباء يوضّح كذلك هذا التفاوت عكس تلاميذ الجذع المشترك المهني .
في الأخير يمكن القول إنّ التوجيه التربوي يختلف ويتباين تبعا لتباين البنى داخل المجتمع، ووفقا للمواقع المختلفة للطبقات الاجتماعية في الفضاء الاجتماعي، وليس كما يُنظر إليه في مقاربة علم النفس على أنّه مهارات وفروق فردية واستحقاق، بل هو آلية من آليات إعادة الإنتاج الاجتماعي.
وختاما، نعلم مسبّقا بأن هذه الدراسة تحتوي على العديد النقائص، وهي طبيعة أي دراسة لكنّنا نحسبها مدخلا من أجل المساعدة في بلورة رؤية تربوية هادفة في المغرب، وعلى تجاوز كبواتها العديدة التي طال أمدها على مستوى المنظومة التربويّة.
المراجع:
باللغة العربية:
- إكراصي، عمر. (2017). “التقويم التربوي، من كلاسيكية الرؤية الى البراديجمية السوسيولوجية الجديدة للتقويم ” مجلة علوم التربية، عدد 67، الرباط: 63-76.
- أوزي، أحمد. )2006(. المعجم الموسوعي لعلوم التربية . مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء. المغرب.
- الجمعية المغربية لأطر التوجيه والتخطيط التربوي .)2011/2021( . دليل التوجيه الخاص بالتعليم الثانوي الإعدادي. سيدي قاسم .
- خالد، عبد السلام.)2014(. أزمة التوجيه والإرشاد النفسي المدرسي في الجزائر. مجلة عالم التربية. العدد 25. الدار البيضاء. المغرب.
- سنيهجي، عبد العزيز. )2017(. درس في مادة التوجيه التربوي والإدماج المهني. سوسيولوجيا التربية. كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة ابن طفيل -القنيطرة .
- عدنان، الأمين(1993) .. اللاتجانس الاجتماعي سوسيولوجيا الفرص الدراسية في العالم العربي. شركة المطبوعات للنشر والتوزيع. بيروت. لبنان.
- العلمي، الخمار. (2015). مستقبل التربية والثقافة في المغرب: مدرسة الكفايات وكفايات المدرسة، السياق والتحولات. اديسون بلوس. الطبعة الاولى. فاس. المغرب.
- علي، اسعد وطفة، )1998(. علم الاجتماع التربوي وقضايا الحياة التربوية المعاصرة. مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع. الكويت.
- علي، أسعد وطفة. مارس/ابريل )2010(. “الرسائل الصامتة في المدرسة: قراءة ايديولوجية في الوظيفة الطبقية للمنهاج الخفي”. المجلة التربوية : 24 )94(: 15-78.
- علي، أسعد وطفة. يناير)2011 (. تكافؤ الفرص الأكاديمية في جامعة الكويت – تأثير متغيرات الوسط الاجتماعي. مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية. سلسلة الإصدارات العلمية، العدد 29. الكويت.
- فرنسيس، عبد النور. )1978(، التربية والمناهج. دار النهضة للطبع والنشر. القاهرة. مصر.
- محمد خلف،عمر. مارس)1986(. “ديمقراطية التعليم العالي في الدول العربية” مجلة اتحاد الجامعات العربية. العدد 21. الأردن.
- وزارة التربية الوطنية. )1999 (. ندوات حول تقويم التوجيه التربوي: مونوغرافيا المديريــــة. العدد 1. الرباط. المغرب.
- وزارة التربية الوطنية)2000( . الميثاق الوطني للتربية والتكوين. الرباط. المغرب..
- وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني. ماي)2015(. مذكرة رقم 062/15. في شأن تنظيم عملية التوجيه وإعادة التوجيه الخاصة بسلكي الجذوع المشتركة المهنية والبكالوريا المهنية. الرباط. المغرب
- وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني. يونيو )2015(. مذكرة رقم 065/15. في شأن تنظيم عملية التوجيه وإعادة التوجيه الخاصة بالمسالك الدولية للبكالوريا المغربية. الرباط. المغرب
باللغة اجنبية:
- Boulahcen, .(2006). Sociologie de l’orientation: étude des processus scolaire et professionnels en France et au Maroc. Editions & Impressions Bouregreg communication. Rabat. Maroc.
- Duru–Bellat, M. ( 2004). Inégalités sociales à l’école et politiques éducatives, UNESCO, Institut International de Planification de L’éducation, Paris.
- Haddake, M & Autres. (2009). “Inégalités sociales et territoriales de mobilité & d’exposition au risque routier chez les jeunes. État de l’art”. Rapport intermédiaire. (1). Projet. Isomère –Jeune.
- Merle, P. (2000). Le concept de démocratisation de l’institution scolaire: une typologie et sa mise à l’épreuve. Population (french édition), 15-50.
- Meunier, Françoise. (1989). “Le fonctionnement de l’Orientation. Genèse des Inégalités Sociales à l’Ecole”, Marie Duru-Bellat. In Formation emploi. no26 : 81.
- Miliaret, Gaston.(1979). Vocabulaire de l’éducation et sciences de l’éducation. PUF.
- Raymond Boudon, Raymond. (1974).” L’inégalité des chances, la mobilité sociale dans les sociétés industrielles”. Revue française de science politique. ; 24 (6) :1268-1273.
[1]– M.Duru–Bellat. (2003). Les inégalités sociales a l’école et politiques éducatives. UNESCO: Institut international de planification de l’éducation, paris.p19.
[2]– علي أسعد وطفة)2011(، تكافؤ الفرص الأكاديمية في جامعة الكويت – تأثير متغيرات الوسط الاجتماعي، سلسلة الإصدارات العلمية، العدد 29، الكويت.
[3]– علي أسعد وطفة)2010(، الرسائل الصامتة في المدرسة: قراءة ايديولوجية في الوظيفة الطبقية للمنهاج الخفي، المجلة التربوية، المجلد 24، العدد 94، ص15-78.
[4]– الميثاق الوطني للتربية والتكوين،)2000(الدعامة التاسعة: تحسين تدريس اللغة العربية واستعمالها وإتقان اللغات الأجنبية والتفتح على الأمازيغية، الرباط.ص38.
[5]– المرجع نفسه، الدعامة الثالثة: السعي إلى تلاؤم أكبر بين النظام التربوي والمحيط الاقتصادي، ص18.
[6]– Pierre Merle(2000),Le concept de démocratisation de l’institution scolaire :une typologie et sa mise a l’épreuve, in population ,55eannée, no 1, pp.15-50
[7]– علي اسعد وطفة)1998(، علم الاجتماع التربوي وقضايا الحياة التربوية المعاصرة، مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع، الكويت، ص217.
[8]– Mouloud Haddake & Autres. (2009). Inégalités sociales et territoriales de mobilité & d’exposition au risque routier chez les jeunes, etat de l’art. Rapport intermédiaire no1 projet. Isomère –jeune.7.
[9]-Gaston, Miliaret. (1979) .Vocabulaire de l’éducation et sciences de l’éducation. PUF. Paris. p199.
[10]– علي أسعد وطفة)2011(، تكافؤ الفرص الاكاديمية في جامعة الكويت –تأثير متغيرات الوسط الاجتماعي، سلسلة الإصدارات الخاصة، العدد 29، الكويت، ص 25 .
[11]– عمر محمد خلف)1986(، ديمقراطية التعليم العالي في الدول العربية، مجلة اتحاد الجامعات العربية، العدد 21، ص 335.
[12]– خالد عبد السلام )2014(، أزمة التوجيه والإرشاد النفسي المدرسي في الجزائر، في مجلة عالم التربية، الدار البيضاء، العدد 25، ص71.
[13]– فرنسيس عبد النور)1978(، التربية والمناهج، دار النهضة للطبع والنشر، مصر، القاهرة، ص:280.
[14]– أحمد أوزي)2006(، المعجم الموسوعي لعلوم التربية، الدارالبيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، ص112.
[15]– مرجع سابق، الميثاق الوطني للتربية والتكوين، المادة 99، ص37.
[16]– عبد العزيز سنيهجي)2017(، درس في مادة التوجيه التربوي والإدماج المهني، ماستر سوسيولوجيا التربية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن طفيل القنيطرة.
[17]– وزارة التربية الوطنية)1999(، ندوات حول تقويم التوجيه التربوي، مونوغرافيا المديرية، ص110.
[18]– عمر اكراصي (2017)، التقويم التربوي، من كلاسيكية الرؤية الى البراديجمية السوسيولوجية الجديدة للتقويم ” مجلة علوم التربية، عدد 67، الرباط، ص 70.
[19]– الخمار العلمي، (2015)، مستقبل التربية والثقافة في المغرب: مدرسة الكفايات وكفايات المدرسة، السياق والتحولات، ديسون بلوس، فاس، ص96-97.
[20] الجمعية المغربية لأطر التوجيه والتخطيط التربوي –فرع سيدي قاسم) 2011/ 2012(، دليل التوجيه الخاص بالتعليم الثانوي الإعدادي.
[21]– Raymond, Boudon.(1974). L’inégalité des chances, la mobilité sociale dans les sociétés industrielles. Revue française de science politique , Volume 24, Numéro 6. pp1268-1273
[22]– Pierre, Merle.(2000). Le concept de démocratisation de l’institution scolaire: une typologie et sa mise à l’épreuve. in Population. 55eAnnée, .pp 15-50.
[23]– Françoise, Meunier. (1989). Le fonctionnement de l’orientation. Genèse des inégalités sociales à l’école, Marie Duru-Bellat, In: Formation Emploi, No26, p81.
[24]– Ali, Boulahcen. (2006). Sociologie de L’orientation: Etude des Processus Scolaire et Professionnels en France et au Maroc, p39.
[25] Ibid,p40.
[26]– عدنان الأمين، )1993 (، اللاتجانس الاجتماعي سوسيولوجيا الفرص الدراسية في العالم العربي، بيروت، شركة المطبوعات للنشر والتوزيع.