الملخص:
يعدّ إنتاج المعنى من العمليات البشرية الإبداعية المعقدة، حيث تتفاوت فيه مستويات الإبداع أي الابتكار، ويأتي الحجاج بوصفه العملية الإنتاجية الأكثر تعقيدا؛ ذلك لأنه لا ينتج حقيقة جديدة من العدم، بل إنه يقوم على هدم حقيقة، وينتج في مقابلها حقيقة جديدة.
وتتجه هذه الدراسة في منهجها الوصفي الذي يستخدم التحليل لرسائل الجاحظ، والاستنباط منها إلى تتبع العملية العقلية في إنتاج المعنى، وبغض النظر عن منهجه الاعتزالي، فإنّ الغرض من هذه الدراسة ليس تبجيل هذه المناهج، بل دراسة الطريقة العقلية في منطقة الحجة عنده وتقديمها بصورة تؤثر في المتلقي واستجابته إما تأييدا أو اعتراضا، والاستجابة الأولى للمتلقي الخبير تؤيد فكرة أن عقل الجاحظ الحجاجي هو استدلالي إقناعي، وهو ما سيتضح من خلال هذه الدراسة.
وقد اعتمدت الدراسة على ثلاثة محاور تتآزر فيما بينها لتوضيح سياسة الخطاب الجاحظي في إنتاج المعنى الحجاجي، الأول: يختص بإستمولوجيا الخطاب الحجاجي ومنهجيته، وتحاول الدراسة فيه الكشف عن الأبعاد السياسية والإبستمولوجية التي هضمها الجاحظ، فتجلت في خطابه، أما الثاني: فيتجه إلى الكشف عن سيمولوجيا الحجاج ودلالاته حيث يتجه البحث فيه إلى دراسة القوة الحجاجية أو سمّها -إن شئت – المرتكز الحجاجي في إنتاج المعنى وقوته التأثيرية. أما المحور الأخير: فإنه سيتناول إيدلوجيا الخطاب الحجاجي حيث يبحث في المشترك الآيدلوجي العام فهمًا، ثم سيحدد خصوصية ذلك الفهم، وكيفية استفادة الجاحظ في أغلب رسائله من الحجاج اليوناني في بناءاته الآيدلوجيه، حيث يخرج به في خطابه من فضاء النص الديني والأدبي، إلى الفضاء الاجتماعي.
الكلمات المفتاحية: حجاج – مناظرة – اعتزال – عقل – مقام.
Abstract
The argumentation that Al-Jahiz has is a mental exercise on the topics of his messages in order to debate with the other, whether this other is present in physical presence or is absent in body and present in thought, belief and doctrine. The argumentation is a method that divides the epistemological structure of the messages, not only in order to present the truth in which he believes or to refute facts that contradict his thinking, but in order to give the Mu’tazilite affiliation all its legitimacy and all its presence in the public space and at the joints of the Abbasid Caliphate and in all its affiliated institutions such as mosques and dialogue circles. All this pushes Abu Othman to move rhetoric and argumentation outside the text (Coran, poetry): In the judiciary, and in mosques… in order to introduce the origins of the Mu’tazila doctrine and also in order to consolidate the Abbasid Caliphate, whose symbols and poles (Al-Mamoun, Al-Mu’tasim, Al-Wathiq) are constantly mentioned in most places, especially when it comes to debate with the other, especially since identification with the philosophy of retirement. It became the official policy of the Abbasid state for a whole generation (198 H- 238 H). The argumentation has two faces in the letters of Abu Othman, the first is epistemological, derives its strength from the tools, techniques, and methodologies that came to him through Greek culture and the great effort that accompanied it in translation, and the second is political, placing the same thought and belief at the center of society and the state and in everything that indicates their presence and influence in the social space.
Key words: Argumentation – debate – Mu’tazila – mind – standing.
1- مقدمة:
للجاحظ منزلة كبرى في الثقافة العربية الإسلامية، فهو، فـ “شيخ الأدب واللسان العربي”[1]، وفريد عصره، وأديب ومفكر وقف إزاءه الآخرون موقف التقدير والإجلال، سواء اتفقوا معه أو لم يتفقوا، ذلك أنّ لثقافته الموسوعية الشاملة دورا مهما في تنزيله هذه المنزلة الكبرى. ولم تتأت له هذه المنزلة اعتباطا، فتآليفه في الأدب وفي العلوم بشكل عام هي التي مكنته من هذه المكانة.
إن الإرث الجاحظي يُشكل نظاما معرفيا (إبستمولوجيا) لما يحمله من تنوع وثراء وعمق في الطرح المؤدي إلى الكشف عن حقيقة الأشياء، فقد أثرى المكتبة العربية الإسلامية بالعديد من المصنفات ذات الأثر الفاعل المستمر حتى عصرنا هذا، حتّى قيل إنّ “كتبه رياض زاهرة، ورسائله أفنان مثمرة”[2]، وحديث ثابت بن قرة الذي أورده صاحب معجم الأدباء عن الجاحظ يدعم حضور هذا الرأي، حيث جعل للمعرفة العربية الإسلامية ثلاثة علماء يشكلون أقطاب هذه المعرفة، وقد عدّ الجاحظ منهم، فهو “إن تكلم حكى سحبان في البلاغة، وإن ناظر ضارع النظّام في الجدال”[3]، أما أبو الفضل بن العميد فأشار إلى علوم العربية، مصنفا إياها إلى ثلاثة وفقا لمن برع فيها وأجاد، وقد عدّ الجاحظ واحدا منها “وأما البلاغة والفصاحة واللسن العارضة فعلى أبي عثمان الجاحظ”[4].
والمتأمل في جهود الجاحظ يلحظ، كذلك، أنّ أدبه يشكل فضاء للحوار مع الأخر، وللتعبير عن قضايا ومشكلات العصر التي كان العقل العربي الإسلامي ينظر فيها، “وكان واسع العلم بالكلام كثير التبحّر فيه شديد الضبط لحدوده ومن أعلم الناس به وبغيره من علوم الدين والدنيا”[5]، فأدبه الواسع يمثل تعبيرا عن النظام المعرفي الذي كان الفكر العربي الإسلامي يتحرك فيه، سواء تولدت من التثاقف مع الآخر، وعبر عمليات منتجة وخلاقة، عمادها الترجمة التي وصلت حركتها إلى الأوج وأسهمت في فتح مسالك التجادل مع الآخر المختلف، أو التجادل مع الذات.
وعلى العموم فان الشواهد التي تخص الجاحظ، والتي تصنف اليوم ضمن نقد النقد أكثر من أن تحصى، وهذا الإرث العظيم يدفع إلى مساءلة النّص الجاحظي، وتحسّس مكامن الإبداع فيه خاصة وأنّه يبدو مؤسّسا لأسلوب جديد في النثر الفني خرج به من سلطان الشعر العربي وتأثيره البلاغي والأسلوبي الكبير على العقلية العربية، وتحرر به أيضا من بعض قيود نمطية العقلية العربية السائدة في الخطاب النثري آنذاك، وأنشأ بذلك مدرسة جاحظية في النثر الفني اعترف التوحيدي[6] وأمثاله بأهميتها وقوة حضورها في ميدان الإبداع الأدبي العربي النثري خاصة، قبل أن يسقط في شباك المحسنات البلاغية والبديعية التي أفقرته ممكنات الإبداع على غير نمط سابق، وغلبت فيها سلطة الدّال على المدلول.
2- إبستمولوجيا الحجاج ومنهجيته في رسائل الجاحظ:
إن الباحث في إبيستمولوجيا الحجاج ومنهجياته في المدونة الأدبية النثرية العربية يلحظ أن النثر الجاحظي مضاد في بنيته وفلسفته لنثر الهمذاني، أو الحريري، أو السرقسطي في الأندلس، ويمكن تمييزه ذلك بوضوح وقوة في (رسائل الجاحظ ) التي يعدّها بعض الباحثين ثالث أهم كتاب لأبي عثمان بعد كتابه (الحيوان) وكتابه (البيان والتبيين)[7]، وتتضمن هذه الرسائل نظريته الجمالية والبيانية في المقام الأول، كما تكشف عن الأبعاد السياسية والإبيستمولوجية التي استوعبها وعبر عنها فيها، إما بمنهجية التناص مع الآخر بحيث يعمد إلى تضمين آراء الآخرين قبل الرد عليها فيما يُعدّ صورة من صور المناظرة، أو بمنهجية التحليل والنظر فيها باعتبارها نمطا من التفكير السائد في عصره، والذي كان ينظر في مسائل الإمامة والنبوة والشعوبية والأديان السماوية والزهد والتصوف وحول أصحاب البيان.
إن هذه الرسائل التي يربو عددها على الثلاثين رسالة قد كتبها الجاحظ في مظانّ المعرفة المختلفة، ولا يكاد يشبهها في بنيتها وأسلوبها ومنهجيتها سوى كتاب (الإمتاع والمؤانسة) لأبي حيان التوحيدي الذي استلهم أسلوب الجاحظ إعجابا به وبمنهجه، وهذه الرسائل يتحرك بعضها في الحقل السياسي، مثل: مناقب الترك والحجاب وأخلاق الكتاب، فيما عبّر بعضها الآخر عن خلفية اعتزالية واضحة، يندس فيها الاعتزالي في صميم الحوار والتناظر مع الآخر وفي قلب المناظرات المسرودة والمعقودة مع من يختلف مع الجاحظ في مسائل وقضايا، مثل: نفي التشبيه، والرد على النصارى، ومسألة خلق القرآن، وفي العثمانية (وهم أنصار الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان).
في هذه الرسائل نستطلع العقل الجاحظي باعتباره وجها قويا من وجوه العقل الاعتزالي في لحظتيه المهمتين: لحظة صعوده وتسيده المشهد السياسي والإبيستمي على امتداد إثنين وثلاثين عاما – في ظل حكم المأمون والمعتصم والواثق، ولحظة انحداره وانهياره أمام العودة القوية، والمؤدلجة للعقل السنيّ في ظل حكم الخليفة المتوكل مدعوما بجحافل من أئمة السنة والفقهاء الذين رأوا في الاعتزال كفرا بواحا وخروجا عن الملة.
في ظل هذا الوضع الإبيستمي الذي حدّ -بشكل أو بآخر- من حركة الفكر الفلسفي، تأتي مؤلفات الجاحظ – ومن بينها الرسائل – لكي تمنح للعقل مساحة جديدة من التفكير والتأمل، وللفكر الحر ممكنات جديدة للتفسير والتأويل لدى المتلقين، سواء من قراء الجاحظ المعاصرين له، أو من المتأخرين بما ينبئ بأن العقل الاعتزالي في حركته داخل منظومة الفكر العربي الإسلامي – وإن اختلف معه – قد خلق تقاليد في التفكير، وأنشأ سننا في النظر العقلي في هذه المنظومة.
وأول هذه القواعد وأشدّها خطرا وخطورة هو ما يتصل بقوة الحجاج الكامن في الرسائل، سواء تجلى لنا في صيرورته وتماشياته، أو تمثل لنا في أدلته وبراهينه، خاصة “وأن الحجاج لديه مرادف للجدل إذ حد الجدل حسب ابن منظور مقابلة الحجة بالحجة”[8]، ومنذ البدء قال أبو عثمان في رسالة (كتمان السر وحفظ اللسان) : “ولو اقتصرنا في هذا الكتاب على حرف مما فيه، لكان بإذن الله كافيا لمن له لبّ، ولكن الاحتجاج أوكد والإيضاح أبلغ والحظ في هذا القول كله لمن عقله، والآخذ به أوفر منه لمن قاله ولم يعمل به”[9]، فالجاحظ – وهو يحاجّ ويجادل – يؤكد أمرين متوافقين إبيستميا ومنهجيا، وهما: أن المقصد لديه في التعبير عن المسألة يتأتى عن طريق الإبانة التي هي الوظيفة الرئيسية للغة لديه، مع ما يترتب عنها من وضوح المقصد، وذلك من خلال الابتعاد بأقصى ما يمكن عن العبارات الغامضة والصيغ الملتبسة التي تشوش العقل وتربك الفهم وتؤثر على عملية الفعل الاتصالي، وفي هذا المقام يلتقي بأدبيات الاعتزال التي تحاصر المجاز والاستعارة وترى فيهما مدخلا للضلال وللخطأ، فالوضوح من جهة المرسل (الذي هو الجاحظ) يقابله وضوح من جهة المستقبل من أجل الوصول إلى أرضية مشتركة في الفهم المشترك للحقيقة الواحدة، وعلى هذا النحو يسلك في البيان واللغة مسلكا مضادا للمسلك الشعري أو الصوفي أو العرفاني، مسلكا يؤكد على الأهمية القصوى للوضوح باعتباره صورة مثلى للحقيقة.
المنطلق الأول في فهم الرسائل هو منطلق البيان، فالجاحظ قد حدد بصيغة منهجية ونهائية إستراتيجيته البيانية التي تؤثر الوضوح على اللبس، والحقيقة على المجاز، والعقل على المحاكاة. وفي ظل هذا الاختيار المنهجي الصارم أقام أبو عثمان إستراتيجيته الحجاجية الفريدة من نوعها، والتي تنهض على كم هائل من الأمثلة والأقوال المأثورة والحكم والأشعار والوقائع من التاريخ ومن الأديان، ففي “رسالة فخر السودان على البيضان” يمعن في سرد فضائل ذوي البشرة السوداء على البيضان، ويجعل لهم نسبا مع قبائل العرب، وقرابة مع الصحابة، وسندا في السيرة النبوية متمثلا (قصة بلال الحبشي) – رضي الله عنه وأرضاه- فضلا عن التأكيد على قدرتهم الجسدية الهائلة، يضاف إلى ذلك أمثلة وأدلة أخرى لا تخطر على بال، يتكتئ فيها الخطاب الجاحظي على إطار معرفي متّسع ومتّقد، وهو ما يولد نوعا من الدهشة، تجد ذلك في إشارته إلى أن الحجر الوحيد المذكور في القران هو الحجر الأسود، تأكيدا لحجاجيته التي بنى عليها رسالة الفخر.
في صميم هذا التماهي الحجاجي المرصّع بالأمثلة والأدلة والبراهين، تتخذ رسائل الجاحظ لنفسها بنية حجاجية تتكون من أربع مراحل، يمكن عرضها على هذا النحو:
أولا: اختيار القضية، وهي قضايا تحمل في طياتها جدلية بين دحض ورفض، أو تأكيد وتأييد، وفي غالب رسائله يحمل الاختيار للقضية أو ما قد نطلق عليه موضوع الرسالة الحقيقة التي سيتجه إليها الخطاب في حركته الحجاجية.
ثانيا: توصيف القضية، وذلك بعرض الخطوط العامة للقضية، يعمد فيها إلى الإيجاز والتكثيف في آن واحد.
ثالثا: تخصيب الحقائق، وهذا المفهوم مسترفد من حقل العلوم الطبيعية، ويقصد به في هذه الدراسة مجموعة من العمليات اللغوية البنائية التركيبية المتلاحقة والمتلاحمة والموجهة حجاجيا، والتي تؤدي بالنهاية إلى تشكيل منطقية الحجاج إنتاجا للحقيقة.
رابعا: إنتاج الحقائق، وهو ناتج الخطاب الحجاجي.
تجد تلك المراحل -على سبيل التطبيق- متمثلة في (رسالة نفي التشبيه) حيث ينتخب الجاحظ قضية محددة، وهي خطورة “القول بالتشبيه والتعاون عليه والمعاداة فيه، وما كان ذلك من الإثم الكبير والفرية الفاحشة”[10]، ويعمد بعدها إلى توصيف هذا المسألة، ومن ثمّ تخصيب الحقائق من خلال تقليب النظر في مختلف وجوهها في اتجاه تغليب أحكام الدحض والنفي، وتتالى التفسيرات والتأويلات مدعومة بالحجة الأعلى والبرهان الأسمى، وصولا إلى إنتاج الحقائق، وهي أن علم الكلام يؤدي إلى حتمية نفي التشبيه، وإلى التشكيك في إيمان النصارى، ويقول بلغة الواثق: “ولولا الكلام لم يقم لله دين، ولم يكن بين الباطل والحق فرق، ولا بين النبي والمتنبي فصل، ولا بانت الحجة من الحيلة، والدليل من الشبهة… لذلك جعلوا الكلام عيارا على كل نظر، وزماما على كل قياس”[11]، وفي (رسالة خلق القران)، وهي رسالة روحها الاعتزال بلا شك، ينتهج أبو عثمان التمشي المرحلي نفسه بعد انتخاب القضية، حيث يعمد إلى وصفها وتصنيف المعارضين، ويذكرهم بالاسم والصفة، وهم متكلمو الحشوية النابتة[12]، ثم يدسّ السياسي في قلب الاعتزالي تخصيبا للحقائق، ويذكر أن المعتصم أشد المدافعين عن الاعتزال وعن نظرية خلق القران[13]؛ ليعطي رأيه قوة الحاكمية ووجاهتها التي تؤثر بالطبع في تشكيل القضية وتوجيهها وأثرها في المستقبل، وصولا إلى إنتاج الحقائق فينهي رسالته بأن يبرر دفاعه عن خلق القران؛ لأنه يدحض غيره ممن لا يؤمنون به من “أصحاب الحديث والعوام، وهم الذين يقلدون ولا يتخيرون، والتقليد مرغوب عنه في حجة العقل منهيّ عنه في القرآن”[14].
في هذا التمشّي الحجاجي الذي يميز بنية الرسائل يحرص الجاحظ على تقديم الأدلة والبراهين بما يدحض الأطروحات المقابلة، ويؤيد الأطروحة التي يلتزم بها ويدافع عنها، وتخضع هذه الأدلة إلى مفهوم السلمية، أي أنها لا تستقيم كلها على صعيد واحد، وهي كذلك ليست ذات قوة حجاجية واحدة، ففي رسالة (الرد على النصارى) يرتب حججه ترتيبا لا يخضع إلى مبدأ التساوي وإنما إلى القوة والضعف، ففي رده على خطابهم في كلام المسيح وهو في المهد يشير في البدء إلى القيم الإيمانية المشتركة بين المسلمين والنصارى، وإلى شيوع منطق السلام بينهم، وقال في هذا المعنى: “فكانت النصارى لبعد ديارهم من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ومهاجره لا يتكلفون طعنا ولا يثيرون كيدا”[15].
إن هذا المعنى يخلق ما يسميه علماء البلاغة والحجاج بـ “كون من الاعتقاد”[16] يشترك فيه طرفا الحجاج: المحاجّ (الجاحظ) والمُحاجَ (النصارى)، وهذا ما يطلق عليه في الدرس الحجاجي (موضع الحجاج) “topoi” بالاصطلاح الأرسطي البليغ، وهو “مبدأ حجاجي عام من المبادئ التي يستعملها المتخاطبون ضمنيا للحمل على قبول نتيجة ما، إذ هو فكرة مشتركة مقبولة لدى جمهور واسع وعليها يرتكز الاستدلال في اللغة”[17]، ويتيح هذا الموضع مساحة أكبر من أجل الإدلاء بالخطاب طالما أن هناك ضمنيات مشتركة، أقواها المنزلة الرفيعة للمسيح لدى النصارى والمسلمين على حد سواء.
أما عن تفعيل السلمية الحجاجية، فهو يبدأ صعودا من أن المسيح هو رسول من الرسل (ليس ابن الله بالقطع)، وفي أن المعجزات التي نسبت إليه لا يقبلها العقل، في أنه بشر، ويُتم الجاحظ المدحوضية في هذه السلمية بأعلى مستوى من إعمال العقل لسرد الحجة، وهي: “أنه في حجج العقول إن الله لا يشبهه الخلق بوجه من الوجوه”[18].
هذه الإستراتيجية ذاتها التي تحتكم إلى العقل دون سواه يبتعد فيها الجاحظ -نوعا ما- عن العواطف الدينية والإيمانية السائدة، وهي تتكرر في مقام آخر أكثر حساسية، وأكثر تطلبا للحجاج، وهو مقام الردّ على غلاة الروافض في تشبيههم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بيحي النبي، وذلك في صدر كتابه في مقالة العثمانية، حيث ينتخب القضية، ثم يعرض لها، لتبدأ بعدها عملية تخصيب الحقائق التي يعمد فيها إلى تفكيك حجج الآخرين في مناظرة مسرودة يتخيل فيها المُناظر الذي ينتصب أمامه، وتتالى عمليات التخصيب من خلال الدحض لأطروحة غلاة الشيعة، بما في ذلك أطروحتهم في أسبقية علي في الإسلام والتي ينفيها “فأما إسلامه وهو حدث غرير وصبي صغير فهذا ما ندفعه، غير أنه إسلام تأديب وتلقين وتربية، وبين إسلام التكليف والامتحان، وبين التلقين والتربية فرق عظيم ومحجة واضحة”[19]. ليصل بهذا إلى إنتاج الحقيقة التي غابت عن المُحاجَ.
في السياق ذاته، سياق الحجاج مع الشيعة، تستوقف أبا عثمان في “رسالة استحقاق الإمامة” مسألة تأكيد الشيعة لأهلية علي للإمامة، فهو يقلّبها على جميع وجوهها، ويستعرض حججتهم حجّة تلو الأخرى، ولا يدخل النص القرآني طرفا في الحجاج إلا في آخر الرسالة، مقدما العقل على النقل من خلال تقديم الحجج العقلية على الحجج النقلية، ولا يفوته سرد الوقائع التي حفت ببيعة علي، لا باعتبارها حدثا تاريخيا فحسب، وإنما بوصفها حدثا حجاجيا يُقرأ بالعقل وبالتأويل، لا موضوعا للإيمان القطعي واليقين النهائي، موحيا في أثناء ذلك لمناظريه الشيعة بأن يتنازلوا عن تعصبهم للحزب العلوي، ومنتقدا تمسّكهم اللاعقلاني بإمامة علي، وأفضلية أهل البيت في موضوع الخلافة، معتمدا في ذلك على علاقة منطقية، هي علاقة التعدية ومحتواها: إن جبريل وميكائيل وإسرافيل كانوا من المقربين إلى الله، وتنازلوا عن حكم الأرض لآدم، وهذا ما هو منتظر من الشيعة: التنازل عن الحكم، ولا يضيرهم ذلك في شيء، دوما بحسب منطوق علاقة التعدية الحجاجية تلك[20].
يبدو أن دحض نظرية الشيعة في الإمامة هي نظرية اعتزالية بامتياز، فالمعتزلة لم يكفوا عن منازعة الشيعة والروافض في أمر إمامة علي، إذ أن دعوتهم تلك تذهب بعيدا في تأويل الأحاديث، وتخريج الآيات تخريجا يحتفي بالظنون والشكوك، وفي مقابل ذلك يطرح الجاحظ نظرية مضادة للإمامة، تتمحور حول الإمام الذي يعدّ عقدة مؤسسة الإمامة أو الخلافة، فكان توصيفه عنده كالآتي: “إن قالوا: فما صفة أفضلهم؟ قلنا: أن يكون طبائعه عقله، ثم يصل قوة عقله بشدة الفحص وكثرة السماع، ثم يصل شدة فحصه وكثرة سماعه بحسن العادة، فإذا جمع إلى قوة عقله علما، وإلى علمه حزما، وإلى حزمه عزما، فذلك الذي لا بعده”[21].
واللافت أنّ المتخيل السياسي الجاحظي يستوعب الأنصار والمعارضين على حد سواء، فهو يستحضر أفكار الخوارج، ويقول تلميحا عنهم: “قد حكينا قول من خالفنا في وجوب الإمامة، وتعظيم الخلافة، وفسرنا وجوه اختلافهم، واستقصينا جميع حججهم”[22]، مثلما استحضر الشيعة والنصارى والمرجئة، وأغلب أطياف المذاهب التي نشأت وتعايشت في البصرة وبغداد مستلهمة من الترجمة ومن المثاقفة الإغريقية ما به منحت لذاتها مشروعية نظرية وفلسفية.
وقد اختطت طريقة الحوار مع الآخر أسلوب المناظرة التي تمثل حقا المقام الخطابي الأمثل في طرح الأفكار ومناقشتها. والمناظرة في “رسائل الجاحظ” في الأغلب مناظرة مسرودة، أي أنه لا يستحضر الخصم حضورا مباشرا، أو يتمثله تمثلا فيزيقيا مرئيا، بل ينوب عنه فعل “قالوا” أو “زعموا” أو “قلنا” أو “قلت”، وغير ذلك من الأفعال والصيغ التي تدخل القارئ في مناخ المناظرة والسجال التي تجعل العقول في مدٍّ وجزر تقليبا للحقيقة من وجوه عدة مع كل زعم وردّ، وهو ما جعل بعضهم يعدّ “الجاحظ رائدا في اختراع المناظرات الخيالية، والفنون النثرية والأدبية”[23]،
ويمكن تقسيم هذه البنية القولية المتأصلة في الحجاج الجاحظي إلى نمطين، وهما:
- نمط بسيط: وهو قائم على قول أو زعم يردفه بقول يدحضه، ويجلي الخطأ أو النقص في ذلك القول أو الزعم.
- نمط معقّد: وليس المقصود به ذلك التعقيد المفضي للغموض الذي ينتفي معه أساس الحجاج في وضوحه وبيانيته، كما تمّ التأكيد عليه مسبقا، إنما يأتي التعقيد منبثقا من محاولة الجاحظ الحجاجية سدَّ جميع الجبهات أو الذرائع والمنافذ أمام المُحاجَ عن طريق استقصاء القضية من جوانب متعددة، كما قد تراه جليا مثلا في رسالة الردّ على النصارى، حيث تجد أن القول يتبعه قول والحجة تردفها حجة مضادّة، وهو من باب التخصيب للحقائق بمستويات عالية من الكثافة، وكأن سلسلة من الحجاج تتجسد أمام المتلقي، تتوالى حلقاتها مفضية الواحدة منها إلى الأخرى وصولا للحقيقة.
لقد أسهم العقل الجاحظي في ازدهار هذا الخطاب الحجاجي – رغم الاختلاف الذي قد يكون مع بعض مقدماته وطرق توظيفها تخصيبا للحقيقة -مستفيدا في ذلك من فلاسفة اليونان، وعلى رأسهم أرسطو. وحقيقة هذا التأثر لا تخفى على عامة المطلعين على منتجه الأدبي.
ومن الواضح أن الجاحظ قد استنفذ الممكنات المنطقية الكامنة في القياس الأرسطي في رسائله. على نحو يعضده الشاهدُ التالي المبني على مقدمات تفضي إلى نتيجة، وهذه المقدمات يُلحظ معها أنه تمّ توظيفها في بنية الخطاب الحجاجي بطريقة تقابلية عقلية. ففي رسالته (استحقاق الإمامة)[24] حين قدّم بأن جبرائيل وميكائيل مقربان من الله وتنازلا عن حكم الأرض لآدم، أردفها، في المقابل، بمقدمة أخرى مفادها أن عليّا وأهل البيت مقربان من الرسول العربي، ويبني بعدها منطقا قائما على هاتين المقدمتين وهو أن تنازل أهل البيت عن الإمامة والخلافة كان أسوة بتنازل ميكائيل وجبرائيل عن حكم الأرض.
إن القياس السابق – وغيره من القياسات المنثورة في بعض رسائل الجاحظ – يشير بوضوح إلى الحضور المرجعي لأرسطو والفلسفة اليونانية في عقل أبي عثمان وهي مرجعية تتساوى، بل تفوق المرجعية الدينية، ومن استتباعات ذلك ندرة استخدامه للشواهد ذات البعد القصصي كتلك التي زخر بها كتاب عبدالله بن المقفع (كليلة ودمنة)، والذي من الممكن أن يكون أول كتاب مترجم قرأه العباسيون، فالجاحظ لم يعمد إلى حكايات، ولا إلى سرديات كما في مصنفاته من مثل (الحيوان) و(البخلاء)، وإنما عمد إلى تعريفات وأمثال وأحكام واستطرادات وشواهد، ما يدل على أنه قد تنبه إلى أن القصص تستوقف نظر المتلقي بجمالياتها لا بقوتها الحجاجية، وأن الحجاج يتطلب في بناءاته أن يكون موجها إلى الهدف توجها مباشرا، وبأقصر الطرق وأوجزها، لما قد تتطلبه الحكاية أو السردية من مساحة قد تحدث تباعدا بين القضية التي هو بصددها والنتيجة التي يسعى إلى إنتاجها؛ ولأجل ذلك غلبت في الرسائل المقصدية التداولية التي تخاطب العقل، وملكة التفكير، وحس النقد، والاقتدار على خوض الحجاج على المقصدية الجمالية التي تنحصر في أدبية الأثر، وفي بلاغة التصوير، وشعرية الوصف وخلافهما.
يُلحظ لأساليب الجاحظ في التصوير طاقة حجاجية ملموسة، خاصة إذا ما اقترنت بالسخرية وبفنون الإضحاك، ففي رسالة التربيع والتدوير وصف أحمد بن عبدالوهاب بنوع من المحاكاة الساخرة التي تبدو كما لو كانت إبداعا أسلوبيا جاحظيا محضا، وهذا الإبداع الأسلوبي في لغة النثر يعدّ في ذاته قوة حجاجية تضاعف من السخرية، وتكسب تعاطف القارئ مع الهاجي ونقمته على المهجو، وفي كل الأحوال فإنه في ظل مشروعية الضحك – الذي لا يمكن إنكاره – تولدت مشروعية السخرية من الآخر والحط من مقامه، فليس هناك ما هو أشنع من إضحاك الناس على أحد، خاصة أنّ الإضحاك يعدّ وسيلة غير عنيفة على الإطلاق، وهي لدى بعضهم “من حجج شبه المنطقية وهي قرينة قياس الخلف في الاستدلال البرهاني”.[25]
وتظل المناظرة هي الشكل الخطابي الأمثل في فكر أبي عثمان، وتنهض بنيتها – كما تم توضيحه سابقا- على الحوار الثنائي بين محاجّ (هو ذاته) و محجوج (النصارى، الشيعة، المرجئة، دعاة التشبيه، أنصار الحزب الأموي، أعداء الدولة العباسية، المعارضين للغناء والموسيقى…) بأدوات لغوية متعددة تجتمع حول مقصدية واحدة وهي البيان والوضوح، وفي هذا الحوار ينمو الجدل القائم على “التناقض بين الأفكار، ففي كل جدل أفكار متناقضة تتصادم وتختصم تماما كما يختصم الخصوم فيما بينهم”[26]، وينتهج الجاحظ في هذا الفضاء الحجاجي آلية بعينها هي آلية المقابلة التي تكاد – بلاغيا وتناظريا وإبيستمولوجيا – تشق الرسائل أفقيا، فالتقابل بين الأفكار والأطروحات والمفاهيم هو الوجه الآخر من التناظر الذي عدّه باشا العيادي “سر التماسك في أدب أبي عثمان وأداته الرئيسية”[27].
ولما كان التناظر قوة رياضية ومفهوما هندسيا، فإن الخطاب التناظري لا بد وأن يحتكم إلى هذا البعد الشكلاني، بحيث نجد (أ) متقابلة مع (ب) فضائيا ومكانيا وفي ذات الحيز الخطابي والزمني، ففي الردّ على النصارى تجد أن بنية الحجاج قد قامت على استحضار حجج النصارى ثم دحضها بما يقابلها من حجج، فاتّجه الخطاب الحجاجي إلى مناقشتهم في كلام عيسى في المهد “مع حبهم لتقوية أمر لا يثبتونه”[28]، فبني الخطاب على هذه المعجزة التي يقرها المسلمون ويؤمن بها النصارى بوصفها مدخلا للحديث عن معجزات أخرى لم يثبتها النصارى، ولم يؤمنوا بها مثل أنه لم يحي ميتا قط، وإنما كان يداوي رجلا يقال له عازر[29].
في هذه المناظرة التي يواجه الخطاب الجاحظي الحجاجي فيها عقائد النصارى بالدحض والمقابلة والتناظر، يستوقف العقل ادعاؤهم بأن “الله تعالى اتخذ عبدا من عباده ولدا”[30]، كما يستوقفه عدم قبول الخطاب في سيرورة حجاجه ضدهم، كلاما في هذا المعنى سواء على سبيل المجاز أو الحقيقة، وإذ يدحض الخطاب هذه العقيدة فهو يلتقي فلسفيا مع قاعدة من قواعد الاعتزال وهي نفي التشبيه، فالتسليم بأن لله ولدا، يفضي حتما إلى القبول بـ “أنْ يشبه الولد والده، وهذا من سوء تأويل أصحاب الكتب”[31]. فكان ردّ الجاحظ على هذا النحو: “فنحن لا نجيز أن يكون لله ولد لا من جهة الولادة، ولا من جهة التبني، ونرى أن تجويز ذلك جهل عظيم وإثم كبير”[32].
إن الموقف الاعتزالي يندسّ في خطاب الجاحظ في مقامات متنوعة، ومنها مقام المناظرة؛ ولكن لهذا المقام مع الأديان والمذاهب منزلة خاصة في الرسائل، وفي هذا الصدد تستوقفه عبارة تجري على ألسنة النصارى، وهي “أن المسيح روح الله وكلمته”[33]، كما تستوقفه عبارة ” كلمة الله”، وهو لا يُخفي قلقه من عبارة كهذه مُشعة بالمجاز وموغلة في الاستعارة، ويقف الدّارس، من خلال عرضه لمفردة “روح الله”، أن سياق الخطاب، في حركته التخصيبية يسعى إلى تمكين الحقيقة التي يراها تسعى جاهدة إلى نزع مجازيتها كنوع من الفصل بين الكلمة وطاقتها التخييلية إلى الحد الأدنى بمقاومة روح الاستعارة الكامنة فيها، وهو ما يولد الانطباع بأننا إزاء وجود جاحظين، الأول محاجّ ممسك بفنون الحجاج وبمقام المناظرة وبفعل التناظر وعليم بالأدلة، فيما الآخر بلاغي خبير بالبيان وباللغة على أن يكونا تحت إمرة العقل الحجاجي كيلا تتوغل بعيدا في فضاء المجاز.
إن هذا الفعل الخطابي الحجاجي يتماشى وصميم المعنى للبيان العربي عند مؤسسه الجاحظ، فالجاحظ يقترح حقا رؤية تحفها روح المذهب الاعتزالي للبيان، ينحو فيه النظم اللغوي منحى الحقيقة، وتقترب فيه المفردات من الأشياء ابتعادا عن الفضاء الاستعاري الذي قد يوّلد اللبس، لا لأنه عاجز عن تمثلها وفهمها وتأويلها؛ وإنما للمشكلات الإبيستمولوجية التي قد تتولد عنها، ولذلك يُلحظ ندرتها في الرسائل، وهذه الندرة هي في ذاتها ملكة أسلوبية، وبنية، وفلسفة في البيان الجاحظي، فهو – وهو مؤسس البيان العربي – قد تعمد الحدّ من حضور الاستعارة؛ لأنها قد تؤدي إلى اللّبس، وإرباك الفكر، وقد تخلق سوء فهم ما، وتعطل الإبانة التي هي المقصد الأسمى للكلام اللغوي في فكره، وعلى هذا النحو تجده يصطف وراء موقف أفلاطون وأرسطو في إيثار التشبيه على الاستعارة، ليس لجماليات خاصة به؛ وإنما لأنه يحاول منع انفلات المعنى، محاولا سجن المدلول في الدال وتكبيله في مدارات ضيقة ومحدودة، ليتحرك الخطاب مُمنطقا في مدارات هي أقرب إلى مدارات الصدق والدقة والحقيقة.
وإذا لم يكن هناك من بدٍّ في استخدام إحدى الأصول الكبيرة للكلام التي هي التشبيه والتمثيل والاستعارة بحسب نظرية الجرجاني[34]، فالجاحظ تجده قد نزع تقريبا الى إيثار التشبيه على غيره من الأدوات، وليس أي تشبيه، بل ذلك التشبيه الذي ينهض بوظيفة إيضاح المعنى، وهو ما يطلق عليه البلاغيون بالتشبيه الجلي الذي لا لبس فيه؛ لوضوحه وضوح الشمس، ويسميه العرب أيضا التشبيه العام أو غير التمثيلي، وهو “أن يكون من جهة أمرٍ بيّنٍ لا يحتاج إلى تأوّل”[35]. فالأمر في هذا النوع وإدراكه تتجاذبه آلتا العقل والحس، وهذا الذي ينحو إليه الجاحظ في بيانه، أما الآخر التمثيلي و الاستعارة بصورة أوضح، فيحتاجان إلى كبير تأمل وتأويل ما قد يفقد معه الخطاب – عند المعتزلة – في تواصله البياني قوته في التأثير، ويحيل إلى تشظي المعنى وتشتته قبل وصوله إلى المرسل إليه؛ لما قد يتطلبه من تأول وصرف عن الظاهر، وهنا تكمن المفارقة، ذلك أن الاستعارة لا تتناسب واستراتيجية الخطاب عنده، فالحجاج قائم على البيان العقلاني المكتمل، بينما الاستعارة قد تلجأ إلى الابتعاد عن تقرير المعنى (الحقيقة).
ثمة أيضا تفسير آخر يمكن الأخذ باعتباريته من خلال إبيستمولوجيا الكتابة لديه في إيثار هذا النمط من التشبيه في الرسائل، وهو نفور المعتزلة من هذا المصطلح الذي لا يتضمن حمولة بلاغية فحسب، وإنما حمولة عقائدية أيضا، فهو يحمل في ممكناته التأويلية مسألة التشبيه للذات الإلهية فيما يعدّ ذلك مسا من مبدأ مهمّ من مبادئ الاعتزال، ومقياسا من مقاييس تباعدهم عن العقيدة المسيحية أو غيرها من العقائد.
بناء على ما تقدّم، يمكن القول إن الجاحظ قد عكف، من خلال خطابه، على وضع الحدود والضوابط أمام التشبيه لدواع غير بلاغية، وإنما إبيستمولوجية ” فحين تكلم عن علم البيان أشار إلى قضية الجلاء والوضوح في ذلك بعيدا عن الصنعة والتكلف والتأويل”[36]، والمهم لديه أن تظل فنون البيان اللغوي تحت السيطرة، وأن يمنع جموح التشبيه أو جموح الاستعارة إلى مدارات التخييل والإغراب والغموض.
من المؤكد أن البلاغة من دون الأصول الكلامية الكبرى غير ممكنة، ولكن أبا عثمان مع ذلك يسعى إلى تشغيلها ضمن حدود معلومة ومراقبة؛ من أجل تحقيق المنفعة القصوى في الحجاج، فما نفتقر إليه في التمثيل والاستعارة والتشبيه نغنمه في حضور الحجاج وفي فاعليته القصوى عبر أدواته العقلية والمنطقية التي يبحث عنها الجاحظ بعيدا عن تأثيرات الأصول الكلامية في سحرها وفتنتها.
إن ما تشفّ عنه الرسائل أن الجاحظ لم يحتف كثيرا بالوجوه البلاغية المذكورة، ولكنه – في مقابل ذلك – تجده قد احتفى بالمعاني النحوية من تعريف وتنكير وتقديم وتأخير وحذف وذكر وتأسيس وتوكيد، وهذه الأدوات وردت في خطابه لأغراض لها دلالتها المعنوية، وهي: التعظيم أو التحقير أو الإنكار أو الشك[37]، كما أن هذه الأغراض تخدم الحجاج سواء في مقامه أو في مقاصده، خاصة أن تلك المعاني النحوية ذات بعد رياضي وشكلاني لا يُستدعى التأويل لفهمها ولتقبلها، وفي ظل هذه الإبيستمية ذاتها عُني خطاب الجاحظ بالتشابيه التي تكون أقرب ما يكون إلى الحقيقة.
مما يؤيد احتفاء أبي عثمان بالدلالة الواضحة وبالمعنى المباشر البعيد عن التأويل والتأول في رسائله قوله: “وتركت قريش الغزو سبة فكانوا – مع طول ترك الغزو – إذا غزوا كالأسود على براثنها مع الرأي الأصيل، والبصيرة النافذة” [38]، فهذا التشبيه (كالأسود على براثنها) هو جلي ومفهوم بحكم تداوله في الشعر والنثر، وفي المشافهة بين الناس، وهو يتعارض مع مفهوم آخر للتشبيه، هو التشبيه الخفي الذي عرفه الجرجاني بأنه: “أن يكون الشبه محصلا بضرب من التأويل”[39]، فالتعبير عن القصد أو عن الغرض يتطلب في خطاب الجاحظ درجة كبرى من الوضوح والإبانة في البيان والفكر، بحيث يتضاءل التأويل إلى أضيق مساحة ممكنة، ويمتد التفسير إلى أوسع مدى محتمل حتى يقع الإجماع في الفهم وعلى النص، وعبر المعنى وفيه، ومن هنا فإن الحجاج الجاحظي يمنح قوة غير مسبوقة لمفهوم النص في ثباته وصموده، وفي تعاليه عن التعدد والتأويل ووفرة المعنى، وعلى هذا النحو، وباسم هذا القانون في الكتابة تتوالد الرسائل وتنشأ. وينمو خطابها، مختلفة من جهة المدلول أو القضية أو المحمول، ولكنها – من جهة الدال – تبدو متفقة على إستراتيجية الكتابة ذاتها من جهة وضوح العبارة، والنفاذ إلى المعنى المباشر، والحذر من مزالق الاستعارة وفتنة التمثيل.
إن الوظيفة الحجاجية في الرسائل لا تنهض من داخل العبارة، وإنما من داخل الخطاب نفسه، فالمتلقي مع هذا الخطاب لا يكاد يحفل بالمحسّنات البلاغية المكثفة في العبارة التي اعتادها الخطاب النثري في بيانيته؛ ذلك أنها عبارة قصدية متجهة بصورة مباشرة إلى التعامل مع الحقائق التي يكون الخطاب بصددها؛ فالخطاب عينه حافل بفنون الإقناع وآيات الجدال، وضروب الحجاج، ففي قوله في (مقالة العثمانية): “والخاصة تحتاج إلى العامة كحاجة العامة إلى الخاصة، وكذلك القلب والجارحة، وإنما هو جند للدفع، وسلاح للقطع، وكالترس للرامي، والفأس للنجار” [40] تشبيه واضح جلي إلا أنه لا يمثّل بؤرة الكتابة ومرتكزها، وإنما البعد الشكلي والرياضي (لتعدده الكامن في تكراره وتكرار بنيته في الخطاب) هو الذي يشكل تلك البؤرة وذلك المرتكز.
وينأى الجاحظ بنفسه عن أخذ الأمور مأخذ المجاز والاستعارة، بحيث يردّ كل ما غمض وأغرب إلى النفي والدحض؛ على اعتبار أنه لا يستقيم مع الفهم الذي يتحرك في مدار الوضوح والإبانة، وعبر ما توفره المعاني النحوية من قدرة على الإفهام، ففي معرض حديثه عن التنجيم عن الرسول يستعرض بعض المعجزات المنسوبة إليه بقوله: “يعلم أنه قد سلم له أعجوبة كأعجوبة إبراء الأكمه والأبرص والمشي على الماء إذ كان ذلك لا يجوز ولا يمكن في الطبائع والعقل والتجربة”[41] فاللغة لديه حقيقية، أو هي ترتد إلى الحقيقة في عملية الإبلاغ والفهم والإبانة والإفهام، ومعنى ذلك أن الحجاج الجاحظي يحتكم إلى العقل قبل النص، وهو من صميم فلسفة الاعتزال في تقديم العقل على النقل؛ ولذلك يرد ما كان واردا في نظام الوحي والإلهام الرباني إلى العقل الكلي المادي (Logos) فما كان مقبولا في العقل يضمه الجاحظ إلى حجاجه؛ ليتبوأ منزلته في تفكيره وفي فلسفته، وأما ما ظل في نظام المجاز والتأويل وخارجا عن مقولة العقل (مثل المشي على الماء) فيمكن أن يكون له مكانة في النص، ولكن لا مكانة له إطلاقا في حجاجية الخطاب.
يحمل خطاب الجاحظ في تشكله روحا، وهذه الروح قائمة على حجاجية عمادها العقل الذي يتمثل في وجوده فعل عقل طرفي المُحاجِّة، فالقضية لدى المتلقي الفاعل وليس المنفعل للخطاب في استقباله القرائي لهذا النوع الإبستمولوجي الخطابي ليست قضية قبول أو رفض فقط، بل تتجاوزه إلى فضاءات أوسع ينظر من خلالها إلى استراتيجيات الخطاب نفسه وحركته العقلية.
3- سميولوجيا الحجاج ودلالاته في رسائل الجاحظ:
يستمد خطاب الجاحظ كل عنفوانه الحجاجي في رسائله من القيم الحجاجية، فنجد “تراكم العلل الذي ينتج حجاجا”[42]، واعتماده على نمط من الحجاج هو: “الحجاجات شبه المنطقية”[43] القائمة على التعدية، وتحصيل الحاصل، والقياس الأرسطي ويشغّلها (إضافة إلى المعاني النحوية التي هي كامنة في اللغة ذاتها ) في موضوعات النبوة والألوهية والدين والسياسة، ففي رسالة (نفي التشبيه) الموجهة إلى أبي الوليد محمد بن أحمد بن أبي دؤاد – وهو قاضي بغداد أثناء خلافة المتوكل- تتّابع الحجج بصورة كمية مقترنة بأسلوب خطابي يتكرر في: قال، قالوا، ما كان الناس فيه من القول… ومع كل قولة على لسان الآخر حجة ودليل يرده الجاحظ بقوة الإنسان المُحاجّ الذي يمتلك قدرا معلوما ومؤكدا من الحقيقة، فيما تتهاوى حجج المَحجوج، ويتهافت خطابه أمام البنية المنطقية لحجاج أبي عثمان، وأمام حججه، وأمام انسيابية المعاني النحوية، أي أمام كل ما يصنع من الرسائل خطابا.
ضمن هذه الصيرورة المنطقية للحجاج “تصبح البلاغة بلاغة خطاب، لا بلاغة جملة واحدة”[44]. وتغدو الممارسة الحجاجية ممارسة خطابية تداولية مظروفة بمقامها وبحيثياتها الزمكانية وبالمقصد الذي تتخفى فيه، وعلى هذا النحو استطاع الجاحظ إنتاج الحقائق من مثل: بطلان بعض العقائد، ودحض تأويلات بعض المذاهب، وفي إثبات تصور للإمامة أقرب ما يكون إلى التصور الخلدوني، أي في كونها ضرورة من ضرورات الاجتماع البشري قائلا في هذا المعنى: “ويتظالم الناس فيما بينهم بالشره، وبالحرص المركب في أخلاقهم، فلذلك احتاجوا إلى الحكام”[45] ويندس في هذا التمشي الحجاجي تغليب الرأي الاعتزالي على ما سواه، وتعضيد حكم الخليفة العباسي المعتصم بما يؤدي إلى بقائه في الحكم، وترسيخ فكره باعتباره أفقا فلسفيا للحكم ذاته أمام الأحزاب المناوئة والمعادية.
في ظاهر الخطاب يُقرأ الحجاج على أنه “نشاط لغوي”[46]، ولكن في الأصل وفي البنية العميقة يتلمس المتأمل ضربا من الممارسة السياسية، ويقف على تفكير منهجي في إرداف لنظام الحكم، وفي سياسة الحياة في المدينة العباسية بحسب منظور فلسفي مذهبي يقرأ المعنى الواحد والتأويل الأوحد خلف كم هائل من المعاني والأفكار والتأويلات، وفي نهاية المطاف يصل بنا الخطاب إلى رأي واحد هو منتج الحقيقة الذي تدعمه منطقية الخطاب في ترابطه بكل الوسائل المتاحة وصولا إلى تحقيق ذلك المنتج.
الاعتزال في رسائل أبي عثمان قائم على هيكلة ثالوثية: (معرفة، ومؤسسة، وأشخاص)، ففي أكثر من مناسبة لا يفوته أن يقرّظ علم الكلام الذي هو صناعة اعتزالية، و “لولا الكلام لم يقم لله دين، ولم يكن بين الباطل والحق فرق، ولا بانت الحجة من الحيلة، والدليل من الشبهة”[47]، كما أنه يعمد، بواسطة قوة الجوار اللغوي الكامن في العطف، إلى التعظيم من الخلافة العباسية، والإشادة بالمعتصم لا سيما وأنهما ينتسبان إلى الأفق الإبيستمي ذاته؛ ليعطي الحجاج قيمة منطقية وبعدا سياسيا له حضوره ووقعه، “والمعتصم برب العالمين الذي حقق الله به الدين، وسدد به الثغور، ورد به المظالم، وحسم به عرق البغي ونواجم الفتنة” [48].
إن التجاور الفكري بين الجاحظ والمعتصم والجاحظ والمأمون هو – في عملية الكتابة والتدوين الحجاجية– تجاور لغوي ونحوي، فإيراد اسمي الخليفتين العباسيين ليس تقريظا لهما فحسب؛ بل هو حجة في الخطاب على الخطاب وعلى النص وعلى نظام الأشياء، وهو حجة السلطة، فـ “في أيام المأمون والمعتصم والواثق زاد عددهم، لأن الدولة كانت دولتهم وقد بلغوا في أيامهم أوجهم” [49]، وهو ما يفسر حرص الجاحظ على إيراد أسمائهم في مقامات متعددة من الرسائل، وخاصة في مقام المناظرة، ففي (فصل ما بين العداوة والحسد) قال الجاحظ موجها الكلام إلى خصمه: “وقلت له : فما لي أرى أثر قواه [50] في عقلك، فضحك المأمون، فلما رأيت ضحكه أطنبت في معاني تحليل النبيذ، وابن العباس ساكت لا ينطق، وكان قبل دخولي ناطقا لايسكت”[51].
إن النص السابق يشير إلى انحياز الجاحظ للمأمون، وإلى حاجة المأمون للجاحظ، بما يجعل الحجاج دافعا بسياسة القول إلى سياسة الدولة، فجاء الخطاب الجاحظي في عمقه وأصله وتشكله خطابا سياسيا مقرونا بالأدلة والبراهين، متخفيا بالبلاغة ومتمترسا وراءها، ثم يحركها من مدار العبارة، التي يقف على أفقها الضيق ومجالها المحدود، إلى مدار الخطاب مع ما في الخطاب من سلطة المعرفة ومرجعية الأشخاص وحجية الأشخاص الأعلام (المأمون، المعتصم) في كل مقام، وفي كل خطاب، وفي كل مقصد.
البلاغة في كُنهها أسيرة اللغة، فيما الحجاج يتحرك قصديا في الأفق اللامتناهي للفكر، ويبحث فيه عن المعقولية الممكنة بين الموضوعات والأفكار والأشخاص، وهذا ما يمكن تلمسه بوضوح في الصلة التي عقدها الجاحظ بين نفي التشبيه وبين إعلان الولاء للمعتصم بوصفه “الرجل الذي نسال الله الذي أسندنا بخلافته، أن يمن علينا بطول بقائه، وأن يخصنا بحسن نظره، والاحتجاج لملكه، والذب عن سلطانه”[52]، والعلاقة عينها نجدها بين تعداد مناقب الترك وبين دعوة الخليفة العباسي إلى ضمهم إلى جند الخلافة؛ ليكونوا سندا لها أمام تضخم الوجود الفارسي في مفاصل الدولة والمجتمع، وتخطيطهم للسيطرة على السلطة، وفي مقام آخر وموضوع مختلف رأى أبو عثمان أن إباحة الشعر تفترض إباحة الغناء، وذلك أن “وزن الشعر من جنس وزن الغناء”[53]. وينفي في الوقت نفسه أن يكون الغناء مدعاة للإلهاء عن ذكر الله. وأدرك هذه النتيجة التي سبق بها عصره، بل وحتى العصر الحالي بواسطة ضرب من ضروب القياس، قائلا في هذا المعنى “فإن كان يحرمه لأنه يلهي عن ذكر الله فقد نجد كثيرا من الأحاديث والمطاعم والمشارب والنظر إلى الجنان والرياحين واقتناص الصيد والتشاغل بالجماع وسائر اللذات تصد وتلهي عن ذكر الله”[54]، فالخطاب هنا يحمل علاقة واضحة وهي علاقة التعدّية التي تتمثل في: عدم تحريم سائر الملذات، يعني عدم تحريم الغناء كونه من الملذات.
إن إيجاد العلاقات سواء بواسطة التشبيه الجلي، أو القياس، أو العطف، أو التجاور اللغوي بين الأفكار والموضوعات والأشخاص هو ما يمثل روح بلاغة الحجاج وسره، وسعة الخطاب الحجاجي الجاحظي، وينضوي كل ذلك فيما يسميه الناقد حمادي صمود في “سياسة البلاغة التي عدها أهم من البلاغة “[55]، أي بكل ما يتصل بطرائق الإقناع والدحض والتأييد من خلال آليات “ترتيب الأقسام والظفر بالحجة وما إليها مبرزا أهميتها في نجاعة الخطاب وتأكيد وقعه على المتلقي “[56]، ومما يدل على ذلك ما جاء في (كتاب القيان) إذ يسعى الخطاب فيه إلى تبديد الحكم العام بفساد القيان وانحرافهن، داعيا إلى النظر في الواقع الاجتماعي /الثقافي الذي سمح بوجودهن في المجتمع، فيتجه الخطاب ليتمثل دور عالم اجتماع “وكيف تسلم القينة من الفتنة، أو يمكنها أن تكون عفيفة… وإنما تكتسب الأهواء وتتعلم الألسن والأخلاق بالمنشأ، وهي تنشأ من لدن مولدها إلى أوان وفاتها بما يصد عن ذكر الله من لهو الحديث وصنوف اللعب والأحاديث وبين الخلعاء والمجان”[57]، فالخطاب يقرر أن الإنسان لا يولد شريرا أو آثما، وإنما البيئة هي التي تصنع تفكيره وطباعه، والخطاب هنا يدحض في هذا المثال رأي بعض الفقهاء ممن ردوا سبب شيوع الفتنة والفساد إلى القينة ذاتها، من غير تنبه إلى أثر البيئة السلبي في توليد هذه الشخوص، وما يحف بها من ظروف صنع ذلك الوجود، فتجد أن الخطاب قد عمد إلى دحض ذلك الحجاج الذي لا يتجه إلى السبب في تشكل هذا الوجود غير المرغوب فيه من خلال اعتماده على عللها الاجتماعية والتاريخية والثقافية وليس إلى أحكام تنظر إلى القضية من زاوية الشكل مغفلة بذلك أسباب التشكل.
إن رسائل الجاحظ زاخرة بالردّ على الحجاج المغالط “السفسطائي” وذلك لشيوع ضرب من السفسطة في خطاب بعض المذاهب والفرق الإسلامية التي أوغلت في التأويل وقدمت حججا رؤوية وفقا لتصوراتها المذهبية التي بنت عليها خطاباتها وانبثقت منها الحجة والدليل في خطاباتها، مستفيدا هذا الخطاب الجاحظي في مقاربته الحجاجية من التقنية (Paralogismes) المعروفة بالبرالوجيزم، والتي تتجه في حجاجية الخطاب حيث تشكل هذه التقنية إجراءً تفنيديا للتغليط.
لقد نأى الخطاب الجاحظي عن نمط كهذا من الحجاج بأن ضبط الفضاء الابيستيمي الذي يتحرك فيه وهو علم الكلام، ويدلك على ذلك قول الجاحظ في هذا المعنى: “ولولا الكلام لم يقم لله دين، ولم نبن من الملحدين، ولا بانت الحجة من الحيلة، والدليل من الشبهة” [58]، وهو ما دعا أحد الباحثين إلى القول: “والحيلة عنده هي الحجة التي ترمي إلى الإيقاع بالخصم، والحال لم تستقم حجة صحيحة بما يجعل من الإيهام بالحجة في الحيلة مع انعدامها موازيا معقولا لمفهوم البرالوجيزم”[59].
- تأسيسا على ما سبق يمكن بناء معادلة رياضية تتناسب وذلك:
حجاج = الحجة + علم الكلام
حجاج مغالطي = الحيلة + السفسطة
لا تجد أن الجاحظ في خطابه يتهم الآخرين صراحة بالسفسطة أو الحجاج المغالطي، رغم شيوع مصطلح السفسطة في الأوساط العليا للنخب الاعتزالية في الدولة والمجتمع العباسي، ومع ذلك فإن الإشارات في وصمهم بها هي إشارات متعددة ومتراكمة، ويبدو أن ردوده على النصارى وغلاة الشيعة والقائلين بخلق القرآن والمشبهة تحتشد فيها عبارات دالة على تهافت أدلتهم وسفسطتهم أمام دليله الواضح وحجته القوية، وفي هذا السياق يتبدى حجاجه ضد اليهود أعنف من حجاجه مع غيرهم من أتباع الديانات السماوية، تجد ذلك مثلا في قوله: “قلنا لهم أن اليهود لعنهم الله تعالى كانت تطعن على القرآن، وتلتمس نقضه، وتطلب عيبه، وتخطئ فيه صاحبه، وتأتيه من كل وجه، وترصد بكل حيلة؛ ليلتبس على الضعفاء، ويستميل قلوب الأغبياء”[60]، ويمكن أن نفسر هذا الوجه الحجاجي في الخطاب الموّجه إلى اليهود بالتاريخ غير المحمود مع المسلمين زمن النبوة، خاصة منه نقضهم للمعاهدات مع الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه.
ولعل من الأسباب التي جعلته لا يتهم الآخرين صراحة بالسفسطة أو الحجاج المغالطي، هو أنه يتبع أحيانا السفسطة، فمثلا تجده، نعني الجاحظ، في خطابه، لا يتردّد في محاولة تسويغ إباحة النبيذ والموسيقى والغناء، ولكن إباحته لهذه الظواهر يمر عبر محاولة لخلخلة حجاج الآخر، ومحاولة إبراز تهافت أدلته (حيلته) وتحريكها ضمن حجاج مغالطي لا يستقيم، لا بالدليل ولا بالعقل كما يدل عليه خطابه في محاولة حجاجية مغالطية للتركيز على جوانب رمادية في القضية حاول تسخيرها لدعم رأيه حولهما.
وتجد أن خطاب الجاحظ في رده على النصارى وعلى المشبهة وغلاة الشيعة والروافض هو تحريك بالحجاج في اتجاه تسلكه جميع المحاورات والمناظرات والسجالات إلى المقصد والهدف الذي هو الأصل الأول من أصول الفكر الاعتزالي، وهو التوحيد وإثباته، وتنزيه الإله عن كل مقولات الشبيه والنظير والمثيل، فخطاب الحجاج الجاحظي يتعامل، كما هو واضح، مع ” المعنى بصفته اتجاها “[61]، وهذا الاتجاه هو مسار التوحيد.
الجاحظ في خطابه الحجاجي لا يستحضر الأطروحات المخالفة في الألوهية وفي النبوة وفي الإمامة إلا لقصدية التفنيد والدحض في محاولة لبيان تهافتها، ولا يقصد من هذا الإجراء الحجاجي تعاملا أن يتعايش معها في الفضاء الإبيستمي ذاته – على مستوى الفكر – وفي الفضاء الاجتماعي والسياسي على مستوى الواقع في سياق استحضار محنة الإمام أحمد بن حنبل.
في الجسد الحجاجي وهو ذلك الذي يُعنى بتخصيب الحقائق – كما ورد سابقا- تتركز قوة الخطاب الجاحظي، وفيه تتبدى للناظر عبقرية الخطاب الحجاجية في إيراد الحجج ودحضها ومناقضتها، ما يؤكد انسلاك الآخرين (في بعض رسائله) في حجاج مغالطي لا تصمد أدلته أمام أدلة الخطاب نفسه، كما يتضح من خلال السياق، وبما يفضي الى ترشيح رؤية الخطاب، وإقصاء ما سواها من الرؤى الأخرى الفلسفية فمسار خطاب الجاحظ الحجاجي في هذا النموذج الأدبي النثري ينطلق من حقيقة يرى بها في مقدمة الرسالة، يمنطقها من خلال عرضه وتخصيبه ليعيد تقريرها في خاتمة رسالته، فالقضية في مقدمتها تساوي الخاتمة على الخارطة الحجاجية، ويعدّ أدنى وسائل الحجاج وأقلّها فعلا حجاجيا، وهو مذهب ذهب العديد من العلماء إلى فساد جانب كبير منه لقصدية المغالطة فيه، وتُجمع المصادر القديمة والحديثة في تعريفها للمصادرة على المطلوب “على اعتبارها خطأ منطقيا” [62]، وهو ما تنبه إليه القدماء من العلماء والأصوليين فشيخ الإسلام الإمام أحمد ابن تيمية ذهب إلى قبحه بالاتفاق[63].
4- إيديولوجيا الحجاج في رسائل الجاحظ:
يبدو أنّ الخطاب الجاحظي يشترك مع بقية الخطابات الدّينيّة في فهم كينونة (الله) فهما إنطولوجيا، ولكنه يختلف عنها في التعريف الديني الذي هو أكثر مدعاة للخلاف، إذ يتولد عن نمط تفكير كهذا اعتبار المسلمين هم الموحدين، والمعتزلة هم صفوة الموحدين، وقد واجه الجاحظ أتباع الأديان والمذاهب بهذا الموقف الذي أثار صراعا عقائديّا، وأذكي السجال سواء داخل الدين الواحد وبين الأديان، وهذا في ذاته ما يجعله يقع في “سياسة البلاغة التي هي لديه أهم من البلاغة” [64]، إذ أن لسياسة البلاغة بعدا براغماتيكيا يطال المجتمع وشؤون الحكم وايديولوجيا الدولة بما يخرج بلاغة الخطاب من فضاء النص (القران، والشعر…الخ) إلى فضاء المجتمع والمحافل الحوارية والفضاءات السجالية؛ لتكون قريبة من الأصل المفهومي للبلاغة لدى اليونان، وهكذا يمكن اعتبار الجاحظ أول من دشن النشأة الإبيستمولوجية للحجاج في التراث العربي خارج النص، وداخل مناخات المناظرات والحوارات، حيث وصل إلى ذروته، وأمسى صراع الأفكار والعقول مسكونا بهواجس النشأة والتأسيس والريادة، أكثر منه بدافعية النقل والرواية، وهو ما يدلّ على أنه قد أمسى معه (ومع التوحيدي من بعده) ممارسة مدنية وفعلا شعائريا أقرب ما يكون في روحه إلى العلمانية؛ في مقاربته عالم الأفكار والمذاهب والأديان والفلسفات في فضاء مدني متطور وفعَال. هذا الفضاء الذي أثرت فيه الحركة المعرفية التي شهدتها الحضارة المدنية في بغداد، والبصرة، ودمشق وغيرها من المدن العربية الإسلامية، حيث ازدادت المذاهب فيه تجاورا وتقاربا وتلامسا، فاتسع الفضاء العام لها، واغتنى التدوين بها، وبنقل فنون من المناظرات والمجادلات ظلت مزدهرة على مدى، يقارب ثلاثة قرون من الزمن إلى أن تاهت وخبا بريقها مع انتشار المؤلفات الكبرى والموسوعات الجامعة التي بدأت في الظهور مطلعَ القرن السادس وبعد سقوط بغداد (656ه/1258م).
مع قوة سياسة البلاغة وإنتاجية الخطاب الحجاجي واجتماعية المقام التناظري تغدو الألفاظ في الخطاب الجاحظي “تصورات ومقولات، وتغدو العبارات قضايا ومقولات، والكلام قياسا واستدلالا”[65]، وهي أيضا “ليست صورا واستعارات، والعبارات ليست رؤى وإشارات” [66]، ذلك أنها تنحدر من يقين الرجل بفضائل العقل وقدراته. تلك القدرات التي يبحث – في ظلها – عن الروابط المنطقية بين الأشياء، ويجتهد من أجل إدراك الحقيقة، والتفكر والتفكير في المعنى الذي يقترب أكثر ما يمكن من الصواب في منطقيتيه، وفي ظل هذا التعريف الفلسفي اليوناني للعقل لم يعد مطروحا أمام الخطاب الجاحظي مقارعة النص بالنص، ولا البحث عن الإعجاز في القرآن الكريم، بل يتمثّل الرهان الأكبر في خطابه في أن يوظّف “لغة العقل البرهاني”[67] أكثر من مقولات العقل البياني على الرغم من اقتداراته البليغة وإمكانياته الكبرى في المجال البياني ذاته؛ ولأجل ذلك يمكن يلاحظ الدّارس بيسر أن خطابه ليس شعريا خالصا، أو بمعنى آخر، تتضاءل فيها الشعرية في مقابل تحقق الحجاجية وكل ممكنات العقل البرهاني وآلياته ومقولاته، فخطابه لا يشتغل على اللغة وإنما على العقل والتفكير، وهو ما يتساوق مع نظرته للألفاظ في أنها خدم إلا أنها تتجلى في هذا الخطاب الحجاجي بوصفها خدما للعقل وديناميكية التفكير، وهكذا يمكن القول إنّ الجاحظ لا يستغرقه البيان وإنما الفكر وإنتاج الحقيقة.
إن أول عملية أسلوبية تخترق كل الرسائل تقريبا هي الوصف. وهذا الوصف ينطلق في تمظهره من أسس آيديولوجية يتحرك في مدارها ووفق تصورها وتمثلها في روح الخطاب، فهو يصف ما يتعقل، وما يكون مفكرا فيه بالدليل المنطقي، وما عدا ذلك فهو لا يضمه إلى فكره وإلى نسقه العام، وبهذا المعنى فإن منهج الخطاب يبدو في تضاد نهائي مع منهج الكتابة الصوفية التي تنطلق من آيدلوجيتهم، فلم يحفل بهم ولم يعبأ بأدبهم ولا بخطابهم، بل نراه قد أقصاهم من مجال نظره، ذلك أن منهجهم يزدحم بالصور والرؤى والرموز باعتبارها غطاء لحقيقة، وحجابا لها يعمل على تعميتها، وإذا ما كانت الحدوس والرموز والرؤى هي وسيط الصوفية في معرفة الله، فإن الجاحظ في خطابه يسلك إلى معرفة الخالق طريقا يتوسّل بسائط العقل والبرهان والحجاج، وإذا ما كانت رؤيا الصوفية صعبة عن الوصف؛ لجموحها في التخييل، ولاقترانها بقوى لاشعورية وحلمية غامضة وانبثاقها من الإشراقات الربانية التي لا يحاصرها أو يقوم عليها أي دليل، فإنّ خطاب الجاحظ محكوم بمنهجية بلاغة الخطاب، فهو قابل للوصف فيما تنفلت الرؤيا عن كل وصف ويتمرد معناها عن كل حصر.
إن هذا وغيره يشير بشكل واضح إلى تأسيس إبيستمية عربية لا تخترقها بنية الرؤيا، ولا تقع تحت مفاعيلها السيميائية الملغزة، بل هي تستعدي الخطاب الصوفي سواء في بلاغته، أو في أدواته، أو في مقاصده، معتبرة إياه مضادا لمشروعها، فترى فيه خطرا هائلا على التفكير العقلي والاعتزالي والفلسفي.
ما يميز عقلية الجاحظ هو تجاوزها لعصرها، وارتحال منهجية خطابه من عصر إلى آخر، مستفيدا، على وجه القطع، من الفكر اليوناني حيث كان – الجاحظ – مكيفا خطابه في حجاجيته مع ثقافته العربية الإسلامية، وهذا ما يمكن ملاحظته في افتتان التوحيدي به خاصة، وفي تخصيصه إياه بكل ضروب المدح وآيات التقريظ، لا من باب، ما هو معروف، من تبعية التلميذ لشيخه، وإنما فهما وتقديرا واعترافا بفضله وقدرته وتميزه، فالتوحيدي يشير – كما مرّ بنا في مقدمة الدراسة- إلى فرادة العقل الجاحظي وفي قدرته على تقديم الأجوبة في مقام المناظرة الذي غدا مقاما شائعا في زمنه إلى درجة أن أبا حيان يتخيل ردود الجاحظ على المسائل والقضايا الجديدة لو أنّها عرضت عليه، وقد أفضى هذا كلّه إلى نشأة مذهب جديد شقّ طريقه في ابيستمية هذا القرن وهو “المذهب الجاحظي”، والذي عمد متبعوه إلى أن يتبعوا بلاغة الجاحظ وحجاجه، مثل: أبي سعيد السيرافي، وأبي حنيفة الدينوري وغيرهما…
هذه البلاغة وهذا الحجاج يأتلفان في مسمّى واحد وهو ” الأدب”، وقد قال التوحيدي في هذا المعنى: ” ولما كان البيان لا يكون بيانا، والبلاغة لا تصير بلاغة، إلا بأن يكون المتكلم آخذا في كل واد، قادحا بكل زناد، مستظهرا بكل عتاد، وجب أن يدخل الهزل في الجد إمتاعا واستمتاعا، ويدخل الجد في الهزل اقتدارا واتساعا”[68].
إن هذا البيان الذي يشير إليه التوحيدي متصل ببلاغة الخطاب وبحجاجيته وبسياسة البلاغة خارج فضاء النص وداخل الفضاءات التي تستوعب كل مظاهر السجال الفكري والصراع الإيديولوجي من أجل إقامة متحضرة في الفضاء العام وفي المدينة، وذلك هو الدرس الجاحظي الذي أرساه الجاحظ في عصره ومازال تأثيره مستمرا في العصور اللاحقة.
فالحجاج لدى الجاحظ تمرين عقلي على موضوعات ينتخبها في رسائله من أجل السجال مع الآخر سواء كان هذا الآخر حاضرا حضورا جسديا، أو كان غائبا جسدا وحاضرا فكرا وعقيدة ومذهبا. فالحجاج منهاج يشق البنية المعرفية والابيستمولوجية للرسائل ليس من أجل تقديم الحقيقة التي يؤمن بها أو دحض الحقائق المخالفة لتفكيره، فحسب؛ وإنما لكي يمنح للانتماء الاعتزالي مشروعيته وحضوره في الفضاء العام، وفي مفاصل الخلافة العباسية، وفي كل المؤسسات التابعة لها، مثل: المساجد وحلقات الحوار وكل ذلك قد دفع بأبي عثمان إلى أن يحرك البلاغة والحجاج خارج النص (القران والشعر…) إلى محافل أخرى: في القضاء، وفي المساجد، وغيرها، من أجل التعريف بأصول المذهب الاعتزالي، وأيضا من أجل تعضيد الخلافة العباسية التي لا ينفك الجاحظ يذكر رموزها وأقطابها (المأمون، المعتصم، الواثق) في أغلب المقامات، وخاصة مقام المناظرة والسجال مع الآخر، لاسيما وأنّ التماهي مع فلسفة الاعتزال قد أمسى سياسة رسمية للدولة العباسية على مدى جيل كامل من الزمن (198هجرية/232 هجرية).
5- خاتمة:
يتّضح من هذه الدراسة أن الحجاج، في رسائل أبي عثمان، ذو وجهين الأول: ابيستمولوجي يستمد قوته من الأدوات والتقنيات والمنهجيات التي وفدت إليه عبر المثاقفة الإغريقية وما رافقها من جهد ضخم في الترجمة، والآخر: سياسي يموضع الفكر ذاته والعقيدة ذاتها في صلب المجتمع والدولة وفي كل ما يشي بحضورهما وتأثيرهما في الفضاء العام.
المصادر والمراجع:
المصادر:
- الجاحظ، رسائل الجاحظ، تحقيق وشرح: عبد السلام هارون، دار الكتب العلمية، بيروت،1981م
المراجع:
- أمين، أحمد، ضحى الإسلام، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، د.ت. ص 757.
- بلانتان (كرستيان)، الحجاج، ترجمة: عبد القادر المهيري، تونس، المركز الوطني للترجمة، 2008م.
- بنو هاشم (حسين)، آليات الحجاج في كشف ما هو في الحقيقة من لجاج، مجلة عالم الفكر، المجلد40، اكتوبر 2011م.
- بن تيمية (أحمد بن عبد الحليم)، تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل بالباطل، تحقيق: محمد شمس و علي عمران، مجمع الفقه الإسلامي، مكة، 2005م.
- الجاحظ (أبو عمر بن عثمان)، رسائل الجاحظ، تحقيق وشرح: عبد السلام هارون، دار الكتب العلمية، بيروت،1981م.
- الجرجاني (عبد القاهر)، أسرار البلاغة، تحقيق محمود شاكر، دار المدني، القاهرة، 1991م.
- جغام (ليلى)، الحجاج في كتاب “البيان والتبيين ” للجاحظ، أطروحة دكتوراه مخطوطة، جامعة محمد خيضر بسكرة، الجزائر، 2012م.
- حرب (علي)، التأويل والحقيقة، دار التنوير، بيروت، 2007م.
- الحموي )ياقوت(، معجم الأدباء إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، تحقيق: إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1993م.
- صمود (حمادي)، من تجليات الخطاب البلاغي، دار قرطاج، تونس، 1999م.
- صمود (حمادي) وآخرون، أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم، منشورات كلية الآداب بمنوبة، تونس، 1998م.
- بن العباس )علي بن محمد(، البصائر والذخائر، تحقيق: وداد القاضي، دار صادر، بيروت، 1408ه.
- علي البغدادي التوحيدي (أبو حيان)، أخلاق الوزيرين: الصاحب بن عباد وابن العميد، تحقيق: خليل المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997م.
- العيادي (باشا)، فن المناظرة في الأدب العربي، دار كنوز للمعرفة، عمان،2013م.
- المبخوت (شكري)، الاستدلال البلاغي، دار سحر للنشر، تونس، 2006م.
- أبو ملحم (علي)، المناحي الفلسفية عند الجاحظ، دار الطليعة، بيروت،1988م.
- أبو الهيجاء (عطية)، التشبيه عند عبد القاهر الجرجاني بوصفه معيارا نقديا، مجلة عالم الفكر الكويتية، المجلد 42، الكويت، 2013م.
[1] – ياقوت الحموي، معجم الأدباء إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، تحقيق: إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1993م، الجزء الخامس، ص2213.
[2] – المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[3] – المرجع نفسه، ص221.
[4] – المرجع نفسه، ص2116.
[5] – المرجع نفسه، ص2102.
[6] – انظر مقدمة البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي حيث قال:” جمعت هذا كله في هذه المدة الطويلة من كتب شتى، ككتب عثمان بن بحر الجاحظ، وكتبه هي الدرّ النثير، واللؤلؤ المطير، وكلام الخمر الصرف، والسحر الحلال”. (علي بن محمد بن العباس، تحقيق: وداد القاضي، الجزء الأول، 1408ه، دار صادر، بيروت، ص3.
[7] – علي ابو ملحم، المناحي الفلسفية عند الجاحظ، دار الطليعة، بيروت،1988م، ص 15.
[8] – ليلى جغام، الحجاج في كتاب “البيان والتبيين ” للجاحظ، أطروحة دكتوراه مخطوطة، جامعة محمد خيضر بسكرة، الجزائر، 2012م، ص4.
[9] – الجاحظ، رسائل الجاحظ، تحقيق وشرح: عبد السلام هارون، دار الكتب العلمية، بيروت،1981م، الجزء الاول، ص 171.
[10] – رسائل الجاحظ، الجزء الثاني، ص283.
[11] – المصدر نفسه، ص285.
[12] – المصدر نفسه، ص288.
[13] – رسائل الجاحظ، الجزء الثالث، ص292.
[14]-المصدر نفسه، ص 298.
[15] – المصدر نفسه، ص309.
[16] – كرستيان بلانتان، الحجاج، ترجمة: عبد القادر المهيري، تونس، المركز الوطني للترجمة، 2008م، ص31.
[17] – الحجاج في البيان والتبيين، مصدر سابق، ص25.
[18] – رسائل الجاحظ، الجزء الثالث، مصدر سابق، ص10.
[19] – المصدر نفسه، الجزء الرابع، ص28.
[20] – المصدر نفسه، ص214.
[21] – المصدر نفسه، الجزء الثاني، ص305.
[22] – المصدر نفسه، ص295.
[23] – باشا العيادي، فن المناظرة في الأدب العربي، دار كنوز للمعرفة، عمان،2013م، ص 31.
[24] – رسائل الجاحظ، الجزء الرابع، مصدر سابق، ص214.
[25] – حسين بنو هاشم، آليات الحجاج في كشف ما هو في الحقيقة من لجاج، مجلة عالم الفكر، المجل د40، اكتوبر 2011، عدد خاص بالحجاج، ص 52.
[26] – علي ابو ملحم، المناحي الفلسفية عند الجاحظ، مرجع سابق، ص 146.
[27] – باشا العيادي، فن المناظرة في الادب العربي، مرجع سابق، ص 133.
[28] – رسائل الجاحظ، الجزء الثاني، مصدر سابق، ص324.
[29] – المصدر نفسه، ص326.
[30] – المصدر نفسه، ص326.
[31] – المصدر نفسه، ص329.
[32] – المصدر نفسه، ص331.
[33] – المصدر نفسه، ص347.
[34] – عطية أبو الهيجاء، التشبيه عند عبد القاهر الجرجاني بوصفه معيارا نقديا، مجلة عالم الفكر الكويتية، المجلد 42، الكويت، 2013م، ص25.
[35] – عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، تحقيق محمود شاكر، دار المدني، القاهرة، 1991م، ص90.
[36] – عطية أبو الهيجاء، التشبيه عند عبد القاهر الجرجاني بوصفه معيارا نقديا، ص29.
[37] – شكري المبخوت، الاستدلال البلاغي، دار سحر للنشر، تونس، 2006م، ص59.
[38] – رسائل الجاحظ، الجزء الثاني، مصدر سابق، ص127.
[39] – عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، مرجع سابق، ص91.
[40] – رسائل الجاحظ، الجزء الثاني، مصدر سابق، ص38.
[41] – المصدر نفسه، ص38.
[42] – كرستيان بلانتان، الحجاج، ترجمة: عبدالقاهر المهيري، المركز الوطني للترجمة، تونس، 2008م، ص31.
[43] – المرجع نفسه، ص66.
[44] – حمادي صمود، من تجليات الخطاب البلاغي، دار قرطاج، تونس، 1999م، ص94.
[45] – رسائل الجاحظ، الجزء الأول، مصدر سابق، ص161.
[46] – كرستيان بلانتان، الحجاج، مرجع سابق، ص33.
[47] – رسائل الجاحظ، الجزء الأول، مصدر سابق، ص285.
[48] – المصدر نفسه، ص306.
[49] – أحمد أمين، ضحى الإسلام، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، د.ت. ص757.
[50] – يقصد أثر النبيذ.
[51] – رسائل الجاحظ، الجزء الأول، مصدر سابق، ص343.
[52] – المصدر نفسه، ص208.
[53] – المصدر نفسه، ص161.
[54] – المصدر نفسه، ص160.
[55] – حمادي صمود، من تجليات الخطاب البلاغي، دار قرطاج للنشر، تونس،1999م، ص87.
[56] – المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[57]– رسائل الجاحظ، الجزء الأول، مصدر سابق، ص176.
[58]– المصدر نفسه، ص246.
[59]– حمادي صمود وآخرون، أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم، منشورات كلية الآداب بمنوبة، تونس، 1998م، ص410.
[60]– رسائل الجاحظ، الجزء الثاني، مصدر سابق، ص343.
[61]– كرستيان بلانتان، الحجاج، مرجع سابق، ص119.
[62]– حمادي صمود وآخرون، أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم، ص436.
[63]– ابن تيمية، تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل بالباطل، تحقيق: محمد شمس وعلي عمران، مجمع الفقه الإسلامي، مكة، 2005م، الجزء الثاني، ص456.
[64]– حمادي صمود، من تجليات الخطاب البلاغي، مرجع سابق، ص87.
[65]– علي حرب، التأويل والحقيقة، دار التنوير، بيروت، 2007م، ص30.
[66] – المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[67]– المرجع نفسه، ص35.
[68] -أبوحيان علي البغدادي التوحيدي، أخلاق الوزيرين : الصاحب بن عباد وابن العميد، تحقيق: خليل المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997م، ص223.