الملخص:
تعتبر المدرسة العمومية التونسية على اختلاف نماذجها الإصلاحية مشروعا مجتمعيا مفتوحا على مختلف التجارب التربوية الراهنة. ولكن لم يعد التعليم العمومي خلافا لسنوات مضت محل رهان شعبي واسع في غياب رؤية إصلاحية واضحة للمنظومة العمومية، مقابل تمدد منظومة التعليم الخاص، باعتبارها منافسا حقيقيّا قادر على تحويل تمثلات الفاعلين وإعادة صياغة سلوكاتهم وقناعاتهم إزاء كل ما يتعلق بتعليم أبنائهم. حيث أدى تطور العلاقات الاجتماعية والاقتصادية إلى تحول في مستوى إدراك ماهية التعليم الخاص في التصور الذهني للفاعل الاجتماعي التونسي، من حكم بالفشل والازدراء إلى نموذج للنجاح والاقتداء.
الكلمات المفتاحية: التمثلات الاجتماعية – المدرسة العمومية – المدرسة الخاصة- خصخصة التعليم – التعليم الخاص.
Abstract:
The Tunisian Public School, with its different reform models, is considered a community project open to various current educational experiences. Unlike years ago, however, public education is no longer placed on a broad public bet, without a clearly reformed vision of the public system, versus the expansion of the private education system, as a true competitor capable of transforming actors’ representations and reformulating their attitudes and convictions about their children’s education. The development of social and economic relations has led to a shift in the level of awareness of what private education is in the mental perception of Tunisian social actors, from a judgment of failure and contempt to a model of success and imitating.
Key words: Social representations – public school – private school – privatization of education – private education.
1- مقدمة الدراسة:
تتنوع متغيرات بناء المواقف والتمثلات الاجتماعية، وتتشعب العوامل المتدخلة في إنتاج الأفكار الشخصية وبلورة الاتجاهات النفسية إزاء كل مستحدث وافد وجديد وارد، إذ لا تتم صياغة هذه القناعات في كل الحالات عبر طرق التفكير العلمي المفترضة، والمناهج العلمية المنضبطة بقدر خضوعها في أحيان كثيرة للتواصل والتفاعل مع مكونات المحيط الاجتماعي المادي والفكري، حيث تتكون السمات الاجتماعية لمحتوى التمثلات ومسارات تشكلها من التأثيرات المختلفة للظروف والسياقات التي تنشأ فيها، لذلك فإن الاتجاه العام لموضوع هذه الدراسة من حيث تداخل المؤثّرات الثّقافية، والمتغيرات الاتصالية للمجتمع التونسي وتفاعلها مع الاختيارات الواعية لجمهور الأولياء والمدرسين، يبدو بالنسبة إلينا منسجما مع الطابع البنائي لنظرية التمثلات الاجتماعية الذي نسعى من خلاله إلى بحث مستويات تأثير الواقع السوسيو-ثقافي والاتصالي المتحرك لمختلف الفاعلين التربويين، ودوره في إعادة صياغة قناعات جديدة في ما يتعلق بخصخصة التعليم، والإقناع التدريجي بعدم جدوى وفاعلية المنظومات التعليمية التقليدية المجانية، وإنتاج رأي عام متوجس من مخرجات المدرسة العمومية، بعد أن فتحت الدولة المجال واسعا أمام مشاريع خصخصة التعليم بعناوين الاستثمار والإصلاح، والتطوير والانفتاح على الآخر لكن برؤى متفاوتة ووجهات نظر مختلفة.
1-1- إشكالية الدراسة:
– ماهي أوجه الاختلاف والائتلاف بين التعليم العمومي والمدرسة الخاصة في تونس؟
– وكيف أدت التحولات السوسيو-ثقافية والممارسات الاتصالية المتغيرة إلى تحول التمثلات الاجتماعية وإعادة صياغة قناعات جديدة في ما يتعلق بخصخصة التعليم، وتشكيل مواقف وصور ذهنية داعمة للمدرسة الخاصة ومنفّرة من المدرسة العمومية؟
– وهل يمكن للمدرسة التونسية في إطار هذا الاستقطاب الحاد بين نموذجين متقابلين في التعليم تأطير الاختلاف ومقاربة الإنصاف وتكافؤ الفرص في اتجاه تحقيق العدالة المعرفية والتربوية بين مختلف فئات المتعلمين؟
1- 2- أهداف الدّراسة:
-التعرف على أوجه الاختلاف والائتلاف بين التعليم العمومي والمدرسة الخاصة في إطار التحوّلات السوسيو-ثقافية والعولمة الاقتصادية التي عرفها المجتمع التونسي.
– البحث في أسباب خصخصة التعليم في تونس وعوامل أزمة المدرسة العمومية وعدم قدرتها على المنافسة في مجال جودة التعليم، وذلك في إطار المسؤوليات المحمولة على الدولة في تأطير هذا الاختلاف وتحقيق العدالة التربوية بين فئات المجتمع.
1- 3- أهمية الدراسة:
تكمن أهمية الدراسة في محاولة تحليل أدوات الانتقال الاجتماعي من المراهنة الاجتماعيّة والسياسيّة الواسعة على المدرسة العمومية إلى بناء قناعات جديدة داعمة للمدرسة الخاصة ومُنفِّرة الشدة من المخرجات التربوية للتعليم العمومي.
1- 4- مفاهيم الدراسة:
– التمثلات الاجتماعية: التمثل في اللغة هو ” التشبيه بصورة أو بكتابة أو بغيرهما”(1987Le Robert,)، وفي مراجع أخرى نجد لمفهوم التمثل معان من قبيل العمليات العقلية لفهم وإدراك المعاني المجردة، وتكوين المفاهيم والتصوراتLes conceptions والأفكار العامة في ذهن الإنسان، والتّمثُّلات الاجتماعية هي جملة من المعارف التي تبنى من خلال التفاعل بين العناصر المادية الموجودة في المحيط الاجتماعي والثقافي والفكري، وبين الذات الجماعية والفردية التي توجد في علاقة مع غيرها من الذوات الأخرى، بحكم تواصلها وانتمائها الجماعي أو مشاركتها الاجتماعية (Larousse: 668).
إن التمثل الاجتماعي، هو تلك الصور الذهنية والرموز الفكرية، التي يستحضرها الفرد عن الموضوعات والذوات والعلاقات. وبالتالي فهو خلاصة معلومات عامة، التقطها الفرد واستوعبها في محيطه السوسيو-ثقافي، قد تفتقر في كثير من الأحيان إلى أسانيد علمية تعطيها مصداقيتها وتمنحها شرعيتها كمعرفة مقبولة.
إن تعقد هذا المفهوم وتشعب دلالاته، يجد تبريراته في تعدد سياقاته، وكذلك تداخله مع مفاهيم أخرى كالنشاط الذهنيّ والتصوّر والتفكير فالتمثل نمط تفسيري يستحضره الأطفال والشباب بصورة خاصة على خلفية احتكاكهم بالمحيط الثقافي والاجتماعي، من أجل فك رموز الواقع ومواجهة الوضعيات والمشاكل العارضة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الصور الذهنية التي يشكلها هؤلاء حول المفهوم الواحد تختلف باختلاف الخبرات والمدركات الحسية والممارسات الفكرية التي يعيشونها ويتأثرون بها.
إن التمثل بهذا المعنى، نشاط إبداعي ينطلق فيه الفرد من مجموعة من المعارف والتجارب الاجتماعية التي يقوم بإعادة بنائها وتحويلها إلى موضوعات ذهنيّة. وهو ما يؤسّس للقول إن تمثلاتنا ليست مطابقة للواقع، ولا يجب أن تكون انعكاسا موضوعيا له، بل هي خاضعة لتأويلاتنا الخاصة. إنها طريقة عامة في تنظيم معرفتنا وفهمنا له، وذلك انطلاقا من المعلومات والمعطيات التي يتلقاها الفرد من عدة مصادر كالحواس والخبرات والعلاقات والتجارب المختلفة، كل ذلك في اتجاه بناء وتنظيم نسق عام متماسك، يسمح للفرد بفهم العالم الذي يحيط به (عابيدار، 2009).
[1] – المدرسة العمومية: تطلق المدرسة العمومية على المدارس الحكومية التي يحكمها نظام يتبع بصورة مباشرة للدولة وهي المؤسسة الاجتماعية الثانية بعد الأسرة، يعتبرها “إميل دوركايم” تعبيرا امتيازيا ينشئها المجتمع من أجل تشكيل الأطفال الراشدين ثقافيا وأخلاقيا بهدف تأهيلهم للحياة الاجتماعية من خلال أنشطة تربوية وعلمية متعددة (زعيمي، 2022: 138).
وفي هذا الإطار يعرف “فرديناند بويسون” المدرسة بأنها ” مؤسسة اجتماعية ضرورية تهدف إلى ضمان عملية التواصل بين العائلة والمؤسّسات المكونّة للدولة من أجل إعداد الأجيال الجديدة ودمجها في إطار الحياة الاجتماعية” (Isambert Jamati, 1974: 144).
2- المدرسة الخاصة: وهي مدرسة مستقلة يمتلكها في الغالب مجموعة من المستثمرين تعرف بالمدارس غير الحكومية، وتختلف درجة استقلالية التعليم الخاص بهذه المؤسسات من مجتمع إلى آخر حسب السياسات التربوية المتبعة. ويخضع هذا النوع من المدارس في تونس إلى رقابة وزارة التربية منذ سنة 1992، تاريخ بداية التعليم الخاص الذي فرضه انخراط الدولة التونسية في مسار العولمة وسياسية انفتاح السوق، وذلك بعد صدور الأمر المنظم عدد 1187 لسنة 1992، المؤرخ في 22 جوان 1992 (الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، 1992)، الذي يضبط شروط الترخيص في إحداث مؤسسات تربوية خاصة وتنظيمها وتسييرها، وقد كانت في البداية موجهة إلى أبناء الطبقة الميسورة ومسؤولي الدولة.
3- خصخصة التعليم: رغم الاتفاق الحاصل بين الكثير من المجتمعات المعاصرة حول مسؤولية الدولة في توفير التعليم لجميع مواطنيها على اعتبار أن تمويل المنظومات التعليمية العمومية يشكل عنصرا أساسيا لتنميتها الوطنية فإن الكثير من الحكومات لا تقوى على تسديد تكاليف الأنشطة المدرسية لجميع مواطنيها، إذ لم يعد خيار النظام التربوي الذي تموله الميزانية العامة للدولة واقعيا ومجديا، وهو ما يتعارض مع رؤية الأمم المتحدة في هذا الشأن القائلة: ” إن التعليم حق ضروري للتنمية البشرية، يساهم في زيادة الفرص والحريات وتعزيز السلام والديمقراطية والنمو الاقتصادي بالإضافة إلى تحسين الصّحة والحدّ من الفقر”.
وفي هذا الصدد اعتبر الاتفاق الحكومي من بين الأسباب الرئيسيّة للخصخصة التي من دونها لا يمكن خفض العبء الضريبي الذي يثقل كاهل المواطنين (رزقي، :2016: 3).
ويتجه التعليم في تونس تصاعديا نحو الخصخصة شملت أغلب المستويات ابتداء بالتعليم الابتدائي مرورا بالتعليم الإعدادي والثانوي وصولا إلى المرحلة الجامعية، وتعبر فكرة الخصخصة عن توجهات السلطة ودعمها للانفتاح على تجارب أخرى لمجتمعات متطورة على غرار فرنسا وأستراليا وألمانيا وغيرها من البلدان التي تمتلك من المؤهلات ما يمكنها من اختبار نظم تعليمية عديدة دون تجربتها واعتمادها ميدانيا، ولكن ما حدث في تونس إبان فترة الديكتاتورية كان فاشلا في تهيئة الظروف المناسبة وتوفير المؤهلات البشرية واللوجستية الداعمة لمشروع حقيقي لخصخصة التعليم، مما أفرز واقعا تعليميا هشا ومتهالكا لم يقدر على تخريج أجيال نافعة عمليا وسلوكيا وذلك من خلال انطلاق تجربة تركيز المدارس الدولية ( الأولى مدرسة تونس الدولية في 1999، والثانية مدرسة قرطاج الدولية سنة 2007 ) (مباركي،2017).
4- التعليم الخاص: هو التعليم الذي يتم في مؤسسات خاصة مرخص لها من الدولة، من خلال تنظيم أنشطة تعليمية بمعاليم مالية مضبوطة حسب متطلبات كل مرحلة، وهذه المؤسسات التي أصبح يرتادها أبناء الطبقة الاجتماعية الوسطى، يسيرها أشخاص طبيعيون تخضع إدارتهم لإشراف ورقابة وزارة التربية. وفي إطار تبني الدولة التونسية لخيارات اقتصادية واجتماعية قائمة على الانفتاح والمنافسة وتحرير الأسعار وما يعنيه ذلك من انسحاب الدولة وتخليها تدريجيا عن نموذج الدولة الراعية، والاتجاه نحو نظام نيوليبرالي ساهم في سلعنة التعليم وإخضاعه لمنطق السوق، صدر قانون جوان 1992 ليسمح للمستثمرين الخواص بإنشاء مؤسسات تربوية وتعليمية خاصة، تنشط في كل مراحل التعليم من الحضانة إلى الماجستير (عبد المولى، 2016)، ويعبر بصورة أخرى عن تردي منظومة التعليم العمومي الذي تقوده الدولة.
1- 5- حدود الدراسة:
اقتصرت الدراسة على تحليل مظاهر التحول في المنظومة التعليمية التونسية وتأرجح المدرسة العمومية في التمثلات الاجتماعية للفاعل الاجتماعي التونسي بين الرهانات العمومية ومآلات الخصخصة، لذلك اعتمدنا المداخل التحليلية التالية:
- المدرسة العمومية وتعدد السياسات التربوية الإصلاحات التعليمية.
- المدرسة الخاصة في تونس خيار اجتماعي مشروع أم توجه تنموي متأكد.
و لأجل ذلك لابد من مراعاة هذه الحدود الكيفية والمنهجية في التعامل مع مخرجات وتوصيات العمل.
1- 6- منهجية الدراسة:
من أجل الإجابة على الإشكاليات السابقة اعتمدنا في هذه الدراسة على المنهج الوصفي والمقاربة الكيفية التحليلية التي مكنتنا من وصف نظرية التمثلات الاجتماعية وعلاقتها بتناولنا للمؤشّرات الشدة الدالة على مكانة المدرسة العمومية في التصورات الاجتماعية المتغيرة في المجتمع التونسي. وذلك من خلال تحليل جملة من المفاهيم المرتبطة بخوصصة التعليم التونسي بين الضرورة الاقتصادية المفترضة والعدالة التعليمية المنتظرة، إلى جانب تتبع الاتجاهات الكبرى في الإصلاحات التربوية المعاصرة ومدى مسؤوليتها في تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية بين جميع التونسيين.
2- الخلفية النظرية للدراسة:
إن التفاعلات الحاصلة في مواقف الفاعلين الاجتماعيين من المدرسة العمومية في تونس لا يمكن أن تكون خارج تأثير المتغيرات الاجتماعية والاتصالية التي جعلت من المنظومة التربوية التونسية مشهدا مفتوحا على احتمالات كثيرة، لا سيما في فترة ما بعد 2011. فالملاحظ أن الصور النمطية قد تحولت إلى محدد رئيسي لطريقة تفكير الأفراد في ظل تنامي الانتظارات المجتمعية، وغياب مشاركة حقيقية لمجتمع الأولياء والتلاميذ من أجل تقديم صورة موضوعية لواقع المنظومة وإكراهات الواقع الاتصالي الجديد.
ذلك أنّه لا يمكن أن يتحقق فعل التفكير في الأحداث اليومية وقضايا الناس دون توظيف لبعض المسلمات والأفكار المسبقة، أو القوالب الفكرية المستعارة كأساس لبناء تصورات الجماهير بمختلف فئاتها وطبقاتها. فإذا نظرنا إلى تمثلاتنا الاجتماعية التي ننتجها يوميا تجاه ظاهرة ما أو واقعة معينة أنها لا تبتعد كثيرا عن شكل ومحتوى ما تسوّقه أجهزة الإعلام والاتصال من معلومات وصور وأنماط سلوك (نبيل محمد، 2009).
إن التمثل بهذا المعنى هو نشاط إبداعي ينطلق فيه الفرد من مجموعة من المعارف والتجارب الاجتماعية التي يقوم بإعادة بنائها وتحويلها إل عمليات ذهنية. وفي هذا دلالة على ارتباط مكونات الواقع الاجتماعي بوصفها معطيات موضوعية متصلة بالمكونات الشخصية والنفسية لمنتسبي هذا الواقع، الذين لا يصنعون مفرداته وينتمون لبنيته المادية فحسب، وإنما هم يعيشون بالتوازي في فضاءات لها دلالاتها العاطفية والاجتماعية والتاريخية، مما يجعلهم يتعاملون وفق ” أنظمة تقارب لغوي وعاطفي وزمني مندمجة، الأمر الذي يفيد أن لكل فضاء اجتماعي نظامه القيمي وأنساق تشكله الخاصة (Levy Pierre, 1995).
إن التّمثلات الاجتماعيّة بصفتها شكلا من أشكال المعرفة الخاصة مثل معرفة الأحاسيس المشتركة، تمثل في محتواها الواضح عملية تطويرية وظيفية يمكن ملاحظتها اجتماعيا. إنها تعني بصورة أدق مظهرا من مظاهر التفكير الاجتماعي (Moscovici Serge, 1998).
لقد تشكلت التغييرات الحاصلة في مستوى إدراك ماهية التعليم الخاص في التصور الذهني للفاعل الاجتماعي التونسي بعد انهيار النظام التربوي العمومي وتآكل المدرسة العمومية من حيث هي ردة فعل منتظرة لما تتعرض له العائلة التونسية في محيطها الاجتماعي المشبك من مثيرات اجتماعية تتعلق بأزمات المدرسة العمومية وعدم قدرتها في السنوات الأخيرة على المحافظة على دورها تعدّ عنوانا لوحدة المجتمع التونسي.
إن من أهم خصائص الدراسات النفسية الاجتماعية التي تتأسس على التمثلات والاتجاهات ارتباط مادتها الأولية بوجهات النظر والمواقف والأحكام المتحولة الصادرة عن الرأي العام، حيث تتدخل متغيرات المحيط الاجتماعي لبناء هذه التمثلات وفق أليتين: الموضعة L´objectivation والتثبيت”L´ancrage” (Doise, 1992).
–الموضعة: وهي عملية النسج المادي للأفكار، و الآلية التي تتحول بواسطتها المفاهيم المجردة للأشياء من حولنا إلى صور أو نواتات تصويرية، أي تحويل ما هو مجرد إلى موضوع ملموس.
–التثبيت: وهي عمليات إدماج محتوى التمثلات وموضوعها داخل نظام من التفكير الموجود سابقا لدى الفاعل الاجتماعي وإكسابه فاعلية وقدرة على إنتاج الصور التي مصدرها المجتمع.
فالتمثل الاجتماعي يتكون إذن في مواجهة دافع ثقافي أو سوسيولوجي في إطار انتسابه إلى مجموعة بشرية معينة، باعتبار أن التمثلات هي تلك القدرة على جعل الشيء محسوسا بواسطة الرموز والعلامات والمواقف التي يبديها الفرد داخل الجماعة. فهي الرؤية الوظيفية للعالم على حد تعبير “Jean claude Abric” التي تمكن من تطوير نسق العلاقات والانخراط في هيكلة متغيرة ومستمرة لأساليب التواصل والتفاعل (Abric, 1997).
يعتبر التحول إلى التعليم الخاص كنموذج للنجاح والاقتداء موضوعا مستحدثا للتمثلات الاجتماعية للأسرة التونسية، تتشكل حوله الكثير من الأنشطة التمثلية كمجال للتفكير والملاحظة والتداخل بين المشهد التصويري الظاهر للموضوع وبين معانيه ودلالاته الخفية.
إن البحث في مواقف مختلف الفاعلين الاجتماعيين من المدرسة العمومية يقتضي التعرض إلى أهم المتغيرات السوسيو-ثقافية الجديدة المسؤولة عن تغيير تصرفاتهم وسلوكاتهم التي كانت حتى زمن قريب متعلقة بنموذج التعليم العام ورافضة لتسجيل أبنائهم في مدارس خاصة بمقابل. فمواقفهم المتغيرة تستند إلى حالة ذهنية عصبية فيزيولوجية مقامة على التجربة الاجتماعية التي تمارس تأثيرا ديناميكيا على الشخص فتهيئه ليستجيب بكيفية خاصة تجاه أشياء وحالات معينة، فهو بذلك يتخذ سيرة خاصة تجاه مسائل و حوادث معينة تترجمها السلوكات الخاصة، فالموقف ليس فطريا إنه مبني على إدراك الموضوع بعينه كما تتكون المواقف من تأثيرات المحيط الذي يعطيها أشكالا و يكيفها حسب الظروف (Mendras, 1976).
إن تطور المواقف الاجتماعية من المدرسة سواء كانت عمومية أم خاصة، يقوم على معطيين أساسين:
– معطى معرفي يتعلق بالمعلومات الخاصة و مدى الوعي بالمسألة التعليمية موضوعا لإبداء الرأي أو الموقف.
– معطى عاطفي يتعلق بمدى الميل أو النفور من الشكل التعليمي المتبع في المجتمع قبل تغيير الموقف في شأنه من جديد.
و يتمثل عامل التأثير أو الضغط الاجتماعي العامل الأساسي و الجوهري في بناء المواقف و تغييرها، ويرى” كلمان” أن تغيير الموقف يتم عبر ثلاث مراحل مترابطة:
- مرحلة الانقياد:
و هي مرحلة يجد فيها الفرد نفسه مضطرا إلى مسايرة الآخرين نظرا للضغط الاجتماعي الممارس عليه من قبل المجتمع ومؤسساته، و يمكن أن يكون الأمر حالة مؤقتة يمكن أن تزول بزوال الضغط، و نتحدث هنا عن تغير سلوكي فقط، أما إذا بقي أثر التغيير رغم زوال الضغط فهذا يعني تغيرا في المواقف و وجهات النظر.
- مرحلة التقمص:
غالبا ما تكوم الرابطة العاطفية السبب المباشر لتقمص الشخص أدوار من يعرفهم من المحيطين به، للتشبه بهم في موقف أو سلوك معين دون أساس منطقي أو اقتناع عقلي بهذا السلوك، لهذا فإن قوة التأثير ترتبط و تتأثر بمدى قوة الرابطة العاطفية، وتقل فاعليته، ويتحول الموقف المعلن إلى تأثير سلوكي مؤقت عندما تفقد الرابطة العاطفية بين الفرد و من يجعلهم قدوة له. وهنا تتنزل حالة من يلحقون أبناءهم بالمدارس الخاصة تحت ضغط البحث عن الامتياز الاجتماعي، والاقتداء ببعض النماذج والأمثلة الاجتماعية السائدة.
- مرحلة تبني المواقف:
و المقصود بالتبني هنا أن يصبح الاتجاه الجديد بوصفه موقفا، جزءا من قناعات الفرد ومعتقداته وذلك بناء على تحليل منطقي وعملية موازنة بين الأفكار الجديدة و القديمة، و بالتالي يتبنى الفرد الموقف الجديد بعد تصديقه من الناحية العقلية. والمثال على ذلك يأس الكثيرين من إمكانية عودة المدرسة العمومية إلى مستوى الريادة في التكوين والاستقطاب الاجتماعي والعلاقة بسوق الشغل وتحقيق التنمية المجتمعية المنشودة.
و الخلاصة أن تغيير المواقف إزاء نموذج التعليم المنظور في المجتمع هو شكل من أشكال التأثير المتبادل بين الفرد والجماعة، والذي يكشف عن أهمية العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية ذات العلاقة بما يحياه الفرد داخل جماعته، إذ يمثل تأثر الفرد بأنساق التفاعلات المختلفة ومدى تأثيرها فيه، الأساس الجوهري والمحدد الأساسي لبناء المواقف ووجهات النظر( الدرويش، 2003).
لقد تعددت إصلاحات المنظومة التعليمية في تونس، وتكيفت بصورة مباشرة أو غير مباشرة مع شروط وإملاءات الهيئات المالية الدولية والاتفاقيات العامة لتجارة الخدمات التي ترمي إلى تقليص الإنفاق العمومي على القطاعات الخدماتية، كالصحة والتعليم والسكن والضمان الاجتماعي عبر تحريرها وتفكيك القوانين التي تنظمها، وذلك بدعوى تعارضها مع الاستثمارات الاقتصادية العابرة للحدود.
وهو ما تحول في أذهان الفاعلين الاجتماعيين في علاقة بالخوصصة التدريجية للتعليم إلى قناعات ثابتة ومواقف ثقافية معولمة ومتغيرة، انطلاقا من أن الثقافة هي جملة الأحوال الاجتماعية والمنجزات الفكرية والعلمية والتقنية وأنماط التفكير والقيم السائدة، أي كل ما يتداوله الناس في حياتهم الاجتماعية من مزايا ومكتسبات تحصل بالتناقل والتأثير والتأثر(الموسوعة الفلسفية العربية، 1986: 310).
إن تطور تكنولوجيات المعلومات والاتصال الحديثة وولادة العولمة الاتصالية قد مكن من إيجاد أدوات ومقاييس ثقافية اجتماعية جديدة لتشكيل وعي الانسان المعاصر، على قاعدة سرعة التفاعل والقدرة على استيعاب المستحدث التكنولوجي في إطار خطابات حركية مفتوحة لا يمكن وصفها بالنمطية والتحنيط، لأن السمة الاجتماعية للتمثلات تتأتى بالضرورة من الشروط الاجتماعية ومن السياق الثقافي الذي تنشأ فيه (Jodelet, 1991: 364).
إن تمثل فكرة التعليم الخاص في تونس وتحولها إلى مجال للرهان المجتمعي بين كل الفئات حول تكوين الأجيال القادمة، يتجاوز مجرد القول بأن التعليم هو حق للمواطنين وواجب على الدولة، إلى التسابق من أجل الحصول على شهادات علمية وتقنية مؤهلة للفوز بالمراكز المهنية في المجتمع المعولم. وهو ما ينسجم مع طرح نظرية الفعل الاجتماعي وأفكار “Max weber “في إطار البنائية الوظيفية وتركيز الاتجاه العقلاني للرأسمالية الغربية على الطابع البيروقراطي لمؤسسات التربية والتعليم وزيادة اختصاصاتها العلمية والمهارية وفق حاجيات السوق العالمية (محمد عبد الرحمان، 1998: 327). حيث تم اعتبار التعليم نوعا من الاستثمار الاقتصادي وعنصرا هاما من عناصر الانتاج وتكوين رأس المال في المجتمع.
3- عرض وتفسير النتائج:
3- 1- المدرسة العمومية التونسية وتعدد السياسات التربوية:
عرفت المدرسة العمومية التونسية إصلاحات هيكلية متواترة بهدف تحسين جودة التعليم والإعداد المهني للمتعلمين ومجابهة ظاهرة التسرب المدرسي المبكر. ولأجل ذلك تعمل الدولة منذ سنة 1958 على استمرارية التعليم العمومي الذي تجاوزت نفقاته أكثر من 18 بالمائة من ميزانية الدولة التونسية لسنة 2015، والمقدرة بــــــ 28 مليار دينار تونسي، يخصص منها 13 بالمائة للتعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي و05 بالمائة مخصصة للتعليم الجامعي والبحث العلمي (الأبيض، 2013).
ولمزيد التعرف على طبيعة التعليم العمومي في تونس لابد من ضبط السياق التاريخي والتغييرات الزمنية المؤثرة في المدرسة العمومية التونسية، باعتبار أن المؤسسة التعليمية ستظل مسؤولة عن تسويغ إيديولوجية الطبقة الحاكمة في المجتمع والترويج لاختياراتها.
فمنذ سنة 1956 أسس بورقيبة لنظام تعليمي جديد موحد يقطع مع التعليم الزيتوني ومركزية الكتاتيب، ويفتح على التواصل الثقافي والمعرفي مع المدرسة الفرنكفونية التي تهيمن على هذا النظام إلى حد اليوم. حيث انبنت إصلاحات محمود المسعدي على التلازم بين الوظائف التربوية والتكوينية للمدرسة، ووظائفها الأخلاقية والوطنية. فمثلما تعهدت الدولة بتطوير الشأن التربوي، وإعداد المدارس التكوينية والخبرات العلمية والبيداغوجية في تعليم اللغات العربية والفرنسية، والتعريف بالسمات الثقافية والحضارية التي تؤسس للهوية التونسية الجامعة، فقد عملت السياسات التعليمية في ذات الوقت على تعميم التعليم وإقرار مجانيته في مستويات كثيرة من أجل أن يكون البرنامج والطموح المشترك بين كل التونسيين، على قاعدة حق تكافؤ الفرص وتنمية المواهب عند جميع الأطفال دون تمييز بينهم لاعتبارات جنسية أو دينية أو اجتماعية. وذلك حتى يتسنى لمخرجات المدرسة العمومية بمختلف مراحلها أن تواكب حاجيات البلاد الشغلية والتقنية والاقتصادية ( بوحوش، 2016).
وبانتهاء هذه المرحلة التأسيسة الأولى ظهرت بعد ذلك الفترة النوفمبرية التي اتسمت بتواتر التغييرات التربوية المبطنة التي جسمها قانون الإصلاح التربوي لسنة 1991، والتي لم تكن سوى تتويج لبرامج إصلاحية هيكلية انطلقت في بداية سنة 1986 واتسمت بتدخل واسع للمؤسسات المالية العالمية، وما ترتب عن ذلك من إجراءات لضرب مكتسبات التعليم وأهمها مجانيته. هذا ويخضع التعليم العمومي في تونس إلى ترسانة من القوانين والتشريعات الداخلية واللوائح التنظيمية الضابطة لمهام المدرسة ووظائفها التربوية والاجتماعية، لعل أهمها القانون التوجيهي عدد 80 لسنة 2002 الذي ينص على أن التربية أولوية وطنية مطلقة، والتعليم إجباري من سن السادسة إلى سن السادسة عشر، والمدرسة مكلفة بترسيخ قيم المواطنة لدى الشباب وإذكاء الوعي العام بتلازم الحرية والمسؤولية وتدعيم المجتمع المتضامن القائم على الحرية والعدالة والإنصاف بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات (الرائد الرسمي، 2002).
ورغم الإصلاحات الكثيرة وتعدد السياسات والنصوص الترتيبية المنظمة لقطاع التربية والتعليم، فإن الرأي العام والنخب السياسية والتربوية ذات الصلة، بالإضافة إلى تقييمات دولية مختلفة متفقة كلها على فشل وفساد المدرسة التونسية الراهنة، وانهيار رمزيتها التاريخية وتراجع أهميتها في التمثلات الاجتماعية لمجموع التونسيين بصفتها المصعد الاجتماعي الوحيد لأبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة، والمخزون التقليدي الذي يمد المجتمع بالكفاءات الفنية والإدارية اللازمة (بوحوش، 2016).
ويحصل ذلك بعدما أصبح التعليم أحد أبرز أدوات التمييز والتفرقة الاجتماعية بين أفراد المجتمع، خاصة مع تنامي ظاهرة الدروس الخصوصية وانحدار القيمة الاعتبارية للمدرس بعد أن دخل في معاملات مالية مع تلميذه، وما يمثله ذلك من ضرب لأبرز المبادئ الأساسية التي قامت عليها المنظومة التربوية وهي العدالة التعليمية بعد أن تم نسف مبدأ تكافؤ الفرص والحق في تعليم جيد بالنسبة إلى الأبناء الشرائح الاجتماعية الضعيفة، التي لم يعد بإمكانها مسايرة نسق انهيار دعم التعليم العمومي وتحمل النفقات الجديدة لتعليم أبنائها.
إن من أهم نتائج السياسات التعليمية في تونس ارتهانها إلى فلسفات ورؤى حضارية ضعيفة الوازع الوطني لأنها تجاهلت في ممارساتها الخصوصيات الثقافيّة والاجتماعيّة الوطنيّة. وهو ما ترتب عنه إنتاج مستويات كثيرة من التفاوت والتناقض في المؤشرات التقييمية المتعلقة بالمدرسة العمومية على اختلاف مراحلها التعليمية. حيث تشير معطيات وزارة التربية التونسية إلى وجود تباين كبير بين جهات البلاد في التمتع بالتربية قبل المدرسية، إذ سجلت أغلب الجهات الداخلية ذات الطابع الريفي نسبا أقل من المعدل الوطني مقارنة بالجهات الساحلية وولايات تونس الكبرى، التي كان لها النصيب الأوفر في تمتيع أطفالها بالسنة التحضيرية.
ومما يدل على التباين الواضح بين الجهات، وعدم تجانس نسق التربية التحضيرية مقارنة بالنسبة الوطنية، وصول الفارق بين أدنى نسبة (23,9 بالمائة ) بالمنستير وأعلى نسبة ( 65,5 بالمائة) بقابس إلى أكثر من40 نقطة، وذلك مقابل نسبة وطنية بلغت 45،4 بالمائة (بن حفيظ، 2015).
ومما زاد في ضعف جاهزية التعليم العمومي حالة الانفلات التنظيمي التربوي المسجلة في تونس منذ سنة 2011 التي عمقت أزمة المنظومة التربوية التي ينخرها الفساد والمحسوبية، وغياب رقابة هياكل الدولة وتدقيقاتها بعد أن أثبتت عجزها عن مقاومة التدخل الأجنبي في القطاع التربوي وتدفقاته المالية المتأتية من الصناديق المقرضة، ومنح الدول الكبرى المهيمنة المشفوعة بمصالح خفية وأخرى معلنة وإملاءات سياسية تربوية مجحفة لا يمكنها أن تحقق الأمن التربوي التونسي المنشود.
وفي هذا الإطار لخص الكتاب الأبيض أزمة المدرسة العمومية التونسية الراهنة في أربع معضلات كبرى تفرض جملة من التحديات والرهانات أمام الإصلاحات التربوية القادمة على أساس الرؤية المستقلة للتعليم كأولوية وطنية تتكفل بها الدولة.
أولا: غياب الإنصاف وتكافؤ الفرص بين فئات المتعلمين، وذلك نتيجة التفاوت بين الجهات والمؤسسات التعليمية من جهة، وبين الفاعلين التربويين من جهة ثانية. وهو تفاوت تغذيه جملة من الإخلالات مثل تدني ظروف العمل بأغلب المدارس العمومية وتراجع مردود التعليم العمومي، الأمر الذي أدى إلى تسرب وإقصاء أعداد كبيرة من المتعلمين كل سنة.
ثانيا: تشير الكثير من المخرجات التعليمية للمدرسة العمومية إلى تراجع المستوى التعليمي، وتدني جودة التكوين وذلك رغم الإصلاحات التربوية المتلاحقة، والمراجعة المستمرة لبرامج وطرائق التدريس بهذه المؤسسات.
ثالثا: غياب اندماج المدرسة العمومية في الاقتصاد والمجتمع، ولا أدلّ على ذلك من تزايد العاطلين عن العمل من بين الحاصلين على شهادات عليا في كل المستويات والاختصاصات. وهو ما يؤكّد أن التعليم العمومي لايزال مركزا على التلقين التقليدي للمعارف والمعلومات على حساب المهارات والكفايات.
رابعا: يشير الكتاب الأبيض إلى مواطن كثيرة في نقص حوكمة النظام التربوي التونسي لعل من أبرز مظاهرها الارتفاع المتزايد في كلفة التعليم العمومي مقابل تراجع مستمر في مردود النظام التربوي ومركزيته المتزايدة، وتهميش مشاركة الجهات الداخلية للبلاد في ممارسة التصرف التشاركي وتطبيق قاعدة النفاذ إلى المعلومات (بوحوش، 2016).
3- 2- المدرسة الخاصة في تونس خيار اجتماعي مشروع أم توجه تنموي متأكد:
نتبين من خلال السياسة العامة للتعليم في تونس أنه قد كانت للمدرسة العمومية باستمرار وظيفة إيديولوجية تمرّر من خلالها الدولة سياساتها المختلفة. تلك السياسات المسؤولة عن رسم وبناء الخيارات الاجتماعية المقررة تجاه ما هو منتظر من هذه المدرسة. حيث لم يعد خافيا انبهار الخطاب الرسمي بالمشروع التعليمي الخاص، وتشجيعه للاستثمار في هذا القطاع عبر الترفيع المستمر في عدد الرخص الممنوحة في إطار ما يسمى بربط المدرسة العمومية بالدورة الاقتصادية، والإقرار الرسمي بأزمة التعليم العمومي الذي لم يعد مجالا للرهان السياسي مقارنة بفترات سابقة، سواء في الجانب المتعلق بالبنى التحتية المتهالكة أو في المستويات المعرفية والتربوية التي تنتظر إصلاحات لم تتحقق بعد.
وهذه الوظيفة الإيديولوجية للمدرسة التونسية القائمة على إعادة إنتاج الثقافة ونظام الأفكار والقناعات السائدة، وخدمة تقسيمات النيوليبرالية وجعل النخبوية عملا مشروعا تنسجم مع مقولة العنف الرمزي والترويض الاجتماعي الذي يمارسه النظام التربوي من خلال المدرسة مثلما ورد في كتابات السوسيولوجي الفرنسي “بيار بورديو” (فؤاد جلال: 80).
ومما يدعم هذا القول أن السياسة المالية الحكومية في تونس لم تفعّل الاستثمار العمومي في المدرسة من أجل تدارك الانهيار المادي والمعنوي الذي بلغته المنظومة التعليمية العمومية. حيث ارتفعت نفقات التصرف إلى 95،74 بالمائة في ميزانية وزارة التربية لسنة 2018، في حين لم تتجاوز نفقات التنمية نسبة 4،24 بالمائة فقط (نبيل، 2018).
وفي إطار هذه الخلفية الثقافية للسلطة الحاكمة، بدت مختلف الإصلاحات التربوية المتعاقبة بالغة الهشاشة والطوباوية خصوصا في علاقة التعليم بالتنمية، وذلك من خلال خضوعها المطلق للعولمة الاقتصادية والتركيز على المقررات التعليمية ذات الصبغة العلمية والتقنية، في مقابل تجفيف المنابع الثقافية الوطنية والدينية وتهميش المواد الأدبية والانسانية. وهو ما أدى إلى موقعة مخرجات المدرسة التونسية في مؤخرة الترتيب في التقييمات العالمية على غرار تقييم “بيزا” “PISA” الذي تجريه منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE كل ثلاث سنوات بداية من سنة 2000، والذي يؤكد أن الجامعات التونسية مرتبة خارج الخمسة آلاف جامعة الأولى في العالم وفق تصنيف ” واب متريكس” Web Metrix تتقدمها جامعات إفريقية عديدة كروندا وأثيوبيا والصومال (الأبيض، 2013: 2).
وضمن هذا المشهد الغائم من الإصلاحات التربوية المتعثرة، وبروز الخصخصة التعليمية كمآلات حتمية لمواكبة العولمة الاقتصادية وتطوير القدرة التنافسية لدى المتعلمين في كافة المراحل التعليمية، نتساءل هل انتهى عصر المدرسة العمومية في تونس؟ وما مدى مساهمة هذه الخيارات الرسمية المباشرة وغير المباشرة في إنتاج تمثلات وقناعات اجتماعية جديدة، لم تعد ترى في المدرسة الخاصة حاضنة للتلاميذ الفاشلين الذين لفضتهم المؤسّسة التعليميّة العمومية؟
لقد تشكل في العشريتين الأخيرتين رأي عام لدى الفئات الاجتماعية المتوسطة يقر بأن مصاريف المدارس الخاصة أصبحت خيارا اجتماعيا ضروريا، ونوعا متأكدا من الاستثمار الجديد في تعليم وتكوين أبنائها والرفع من قدرتهم التنافسية، ودعم تفوقهم المهاري والعلمي للالتحاق باختصاصات تكوينية ذات آفاق تشغيلية واعدة. ومما يدعم هذا القول ازدياد أهمية الدروس الخصوصية التي تحتل المرتبة الثانية في نفقات الأسرة التونسية على التعليم بعد النفقات المخصصة للأدوات المدرسية، ذلك أنّ 20 بالمائة من العائلات تنفق أكثر من 100 دينار شهريا على التلميذ الواحد (بن حفيظ وآخرون، 2015). وهو توجه اجتماعي ينجذب إلى المدرسة الخاصة بدافع تركيزها على تعليم اللغات الأجنبية، وتخصيصها أزمنة أطول للأنشطة الفنية والترفيهية مقارنة بالمدرسة العمومية، بالإضافة إلى ملاءمة الحياة المدرسية بهذه المؤسسة لظروف عيش العائلة التونسية في الوسط الحضري، مما يدفع إلى البحث عن تكوين جيد للأبناء والتمدرس المبكر وما يوفره التعليم الخاص من مرونة وحضور فاعل لآليات المتابعة والمرافقة، وأهمية ملاءمة الزمن المدرسي بالمؤسسات التعليمية الخاصة للزمن الاجتماعي وإيقاع الحياة المتسارع وآفاق العيش المتحولة.
4- مناقشة النتائج:
لقد أدى تهالك البنية التحتية لكثير من المؤسّسات التعليميّة العمومية وغياب الصيانة، وتعثر الإصلاحات التربوية المتتالية إلى هجرة عدد كبير من المدرسين إلى القطاع الخاص، الذي لم يعد يكتفي بملكية الشركات والعقارات والبنوك، بل تعدى ذلك إلى بيع التعليم من حيث هو خدمة وسلعة يستفيد منها من يدفع أكثر.
ورغم تحول الخوصصة إلى ضرورة اقتصادية في إطار الاقتصاديات الرأسمالية المشبكة لما توفره من تنافسية وقدرة على الإنتاج السريع، وتوفير الثروة للمجتمعات المعاصرة، فإنها تؤسس لانقسام التعليم في تونس إلى نظامين متقابلين: نظام عمومي متهالك ومتواضع الخدمات يتوجه إلى المتعلمين الفقراء، ونظام خاص بمؤهلات عالية، وخدمات متطورة لفائدة أقليات اجتماعية محظوظة، يتحول فيها التعليم إلى سلعة والمتعلمون إلى زبائن.
4- 1- خصخصة التعليم: سؤال العدالة في بناء العقل التونسي:
لقد غابت الرهانات النوعية المتعلقة بمراجعة الأدوار الاجتماعية والعلمية والقيمية للمؤسسة التعليمية في تونس، فأصبحت المدرسة منتجة لأصناف متنوعة من الفاشلين والمنقطعين والمعطلين اليائسين، وطوابير طويلة من فاقدي السند القيمي العاجزين عن الاندماج الاجتماعي، وذلك بسبب فشلها في مواكبة التحولات المجتمعية، وتكريسها للتفاوت الجهوي والتمييز الجغرافي الذي يؤسس لعدم تكافؤ الفرص بين جميع الشرائح والفئات والمناطق. أما في ما يتعلق بالنموذج التعليمي الذي يصل المدرسة العمومية بالدورة الاقتصادية للمجتمع فيبدو غير واقعي قياسا على محدودية متطلبات سوق الشغل الذي لا ينتج الثروة بسبب بناه الفلاحية والصناعية الهشة، والانكماش الكمي والكيفي لمصادر التنمية، لذلك عرف المجتمع التونسي تحولات تاريخية مهمّة في مشروعه التربوي والتعليمي بعد أن أصبحت المؤسسات التعليمية الخاصة تحظى بجاذبية اجتماعية واسعة لدى الطبقات الميسورة والمتوسطة من التونسيين رغم تكلفتها المالية الباهظة إذ تشير آخر الإحصائيات المنشورة من قبل وزارة التربية إلى أن عدد المدارس الابتدائية الخاصة يقدّر بـ 534 مدرسة إلى حدود سنة 2019، موزعة على كامل مناطق البلاد بما في ذلك المدن الداخلية على غرار سليانة وجندوبة وتطاوين وقبلي، وهو ما أنتج انقساما واضحا في المشهد التعليمي بين نظام عمومي متواضع الخدمات لفائدة حشود من المتعلمين الفقراء، ونظام خاص رفيع الخدمات لفائدة أقلية محظوظة حالمة بتكوين جيد لأبنائها وتمدرس مبكر يوفر آليات المتابعة والمرافقة، ويضمن ملاءمة الزمن المدرسي بهذه المؤسسات للزمن الاجتماعي المتحول وتسارع إيقاع الحياة.
لقد مر العقل التونسي المعاصر بكثير من المراحل المتصلة بمقاربات سياسية مختلفة يشترك كلها في حضور الدولة واستثمارها في التعليم العمومي الذي يتطلب خوض معارك بناء العقل التونسي، ورفع الأمية وتونسة التعليم وتكوين إطارات الدولة الفنية، وتوحيد النظم التعليمية وتحديث مؤسسات التربية من خلال إلغاء التعليم الديني ضمن مقاربة سياسية شاملة متمركزة حول “الأمة التونسية” وفق المنظور الخاص للرئيس الأسبق
” الحبيب بورقيبة ” (الباجي عكاز، 2020) حيث كانت المدرسة بوابة تحقيق الارتقاء المجتمعي والاندماج الاقتصادي، وهو ما ولد وعيا عاما بأن التعليم هو مفتاح التموقع والنجاح الاجتماعي. ولكن مناخ الحرية الجديد بعد سنة 2011 كشف حقيقة استثمار الدولة التونسية في التعليم، وسلط الضوء على واقع المدرسة العمومية بعد عقود من المغالطات وعن الشعارات والمعتقدات السياسية الرنّانة، فكشف الستار عن حجم كبير من فساد التسيير والإدارة، وعن غياب سياسة متكاملة للدولة نتج عنه تكريس للاختلال الجهوي. وهو ما فضح البون الشاسع بين المعلن والمنجز، وظهرت للعيان نتائج الاستثمار العمومي في التعليم ببنى تحتية متهالكة وعنف وفوضى تعمّ مؤسسات التعليم، وإهمال لصحة التلاميذ، وغياب لآليات التأطير والمرافقة التربوية إزاء سلوكات اجتماعية مستحدثة وممارسات إلكترونية نافذة ومكتسحة للمحيط الاجتماعي للمدرسة.
ورغم تطور مؤشرات أزمة المدرسة العمومية فإن السياسات الحكومية المتعاقبة لم تتجه بصورة ناجعة إلى تدارك الانهيار المادي والمعنوي الذي بلغه التعليم العمومي حيث كشفت ميزانية وزارة التربية لسنة 2018 عن اختلال كبير بين نفقات التصرف التي تستحوذ على 95.74 بالمائة من الميزانية، في حين لا تتجاوز نفقات التنمية 4.26 بالمائة (نبيل، 2018).
ولأن الخصخصة تقوم بالأساس على تقليص حجم الدولة اقتصاديا وإداريا، وترك المجال للقطاع الخاص للمشاركة في التنمية المجتمعية للدول، انخرط المجتمع التونسي الذي يغلب على اقتصاده القطاع العام في خوصصة المدرسة مقابل التخفيف من أعباء المديونية، والاستفادة من أشكال المساعدات المقدمة من المؤسسات الدولية (محمد حبش، 2011: 9).
لذلك نجد أن السياسات التعليمية الرسمية في تونس برغم رهاناتها المعلنة، والشعارات الكثيرة التي تراهن على التعليم العمومي تبرهن من خلال الاستراتيجيات القطاعية للتكوين في مراحله التعليمية المختلفة على تمثل التحولات العالمية الاقتصادية ومقتضيات بناء مجتمع المعرفة. وهو ما ينعكس على تهميش المدرسة العمومية، والحد من أدوارها الاجتماعية والمعرفية والثقافية. حيث تؤكد تقارير وزارة التربية منذ سنة 2015 غياب الرهانات النوعية المتعلقة بمراجعة الأدوار الاجتماعية والعلمية والقيمية للمدرسة العمومية، وارتباط الإصلاحات برهانات كمية بالدرجة الأولى تتعلق أساسا بالحد من الاكتظاظ في الفصول، والتقليص من نسب الرسوب، وهو ما يجعل من التعليم العمومي إطارا لتقليص الأمية والترفيع في نسب التمدرس وتخريج عدد أوسع من المنقطعين والمعطلين واليائسين من مواكبة نسق التحولات الاجتماعية المتسارعة.
إن تخلي المدرسة العمومية شيئا فشيئا عن الأهداف المعرفية وتراجع الفكر النقدي لدى أصناف المتعلمين لفائدة الكفاءات والمهارات العملية والمهنية لسوق الشغل، يمكن أن يحولها إلى أداة لضرب مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص وتعميق الفوارق الطبقية. ذلك أن وظيفة المدرسة العمومية حسب السياسات الإصلاحية الارتجالية، في إنتاج الأطر الصغيرة والمتوسطة، قليلة الخبرة ومتدنية التكوين قد أدت إلى تضخم نوعية معينة من اليد العاملة ضعيفة الإنتاجية في قطاع الخدمات والإدارة العمومية، على حساب قطاعات أخرى أكثر إنتاجية وفاعلية في التنمية المجتمعية كالفلاحة والصناعة.
إن فقدان التوازن بين الطلب الاقتصادي والطلب الاجتماعي في مخرجات المدرسة العمومية التونسية، من شأنه أن يهدد مقاربة الإنصاف والعدالة المجتمعية في توزيع الثروة والوظائف الاجتماعية، حيث يمكن أن يقتصر إعداد النخب التعليمية على الجهات الاجتماعية الميسورة فقط القادرة على تحمل نفقات الدراسة في ظل الأزمة الراهنة لمدرسة الشعب.
5- الخاتمة:
يمكن أن يكون تدخل القطاع الخاص ومشاركة المجتمع المدني في تنظيم وتسيير الحياة المدرسية، أمرا ضروريا لمواكبة التطورات الحاصلة في اقتصاديات التعليم وعولمة ممارساته، لكن لا يمكن أن يكون ذلك بديلا عن الخيارات المجتمعية العادلة، والمشاريع التي تقع على عاتق السلطة، حتى يبقى التعليم الوسيلة الأساسية بالنسبة إلى أفراد المجتمع لتحسين قدراتهم التنافسية ورفع طاقاتهم الإنتاجية من أجل الحصول على مصادر الدخل الضرورية للحياة الكريمة. ذلك أن استمرار وضع الحواجز أمام انتماء الفقراء إلى الاختصاصات التعليمية الواعدة، في ظل هاجس البحث عن الامتياز في المحيط الأسري للمتعلمين سيعمق البؤس الثقافي، ويضرب مبدأ تكافؤ الفرص والعدالة المعرفية. لذلك نؤكد على ما يلي:
– لابد من تحمل المؤسسات التربوية والجهات السياسية المختصة مسؤولياتها في تمكين المواطنين من الفرص التعليمية العادلة، والعمل على تحييد سطوة رأس المال من التدخل في وضع البرامج التعليمية والمناهج البيداغوجية.
– لابد من توظيف التعليم توظيفا اجتماعيا وثقافيا هادفا، من أجل رفع قدرة المتمدرسين وتأهيلهم للتكيف مع المتغيرات المتسارعة في مواصفات الوظائف والمهن، والحد من هجرة النخب التعليمية المحلية لضمان مشاركتها في بناء التنمية داخل الوطن.
– ضرورة دعم الاستثمار العموميّ المستقلّ في التعليم، والإفادة من النظريات الحديثة لاقتصاديات التربية التي ترتكز على الاستثمار في الانسان، من خلال تنمية وتشغيل كفاءاته التعليمية باعتباره الاستثمار الأفضل لبناء المجتمعات، الذي لا يكون إلاّ من خلال جودة التّعليم وعدالته وشموليته، بتخفيف حدّة الفوارق بين فئات المجتمع وجهاته، وذلك بهدف استعادة ثقة الأجيال الجديدة في مخرجات المدرسة العمومية التونسية من تربية وتعليم وتكوين، وعدم البحث عن مرجعيّات أخرى غير آمنة في التأطير والتّثقيف المجتمعيّ.
المراجع:
المراجع العربية:
- بن حفيظ، عبد الوهاب، (2015 )، المدرسة في عيون الأولياء، دراسة مسحية لمواقف الأسر من التعليم في تونس، المرصد الوطني للشباب، تونس.
- بوحوش، الهادي، (2016 )، الكتاب الأبيض مشوع إصلاح المنظومة التربوية في تونس، وزارة التربية، تونس.
- جلال، محمد فؤاد، اتجاهات في التربية الحديثة. مكتبة الآداب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة.
- حبش، محمد حبش، (2011 )، الخصخصة وأثرها على حقوق العاملين بالقطاع العام، منشورات الحلبي، لبنان.
- الدرويش، أنيس،(2003 )، أوجه المطابقة في سلوك الفرد داخل المجموعة، مجلة إسهامات بيداغوجية، اللجنة البيداغوجية الجهوية بمدنين، العدد7، تونس.
- الرائد الرسمي للجمهورية التونسية الصادر بتاريخ 22 جوان 1992.
- الرائد الرسمي للجمهورية التونسية الصادر بتاريخ 30 جويلية 2002.
- زعيمي، مراد، (2002 )، مؤسسات التنشئة الاجتماعية، منشورات جامعة باجي مختار، طبعة أولى، عنابة.
- عكاز، محمد سميح الباجي،(2020)، قراءة في أزمة الاستثمار في العقول، المفكرة القانونية، عدد18، تونس.
- القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي عدد 80 لسنة 2002، المؤرخ في 23 جويلية 2002.
- مباركي، الحبيب، (2017 )، المدارس الخاصة في تونس، جدلية الاستثمار وواقع المنافسة، جريدة العرب، عدد 26 -09 – 2017.
- محمد عبد الرحمان، عبد الله، (1998 )، علم اجتماع التربية الحديث، النشأة التطورية والمداخل النظرية والدراسات الميدانية الحديثة، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية.
- الموسوعة الفلسفية العربية، (1986)، معهد الإنماء العربي، بيروت.
المراجع الأجنبية:
- Abric, (Jean- Claude), (1997), Pratiques sociales et représentations, 2ème édition, Paris.
- Dictionnaire le Robert, (1987), Paris.
- Doise, (Willem), Clemence, (Alin), (1992), représentations sociales et analyses de données, PUG, Paris.
- Grand dictionnaire de la psychologie réalisé par 130 spécialistes, Larousse.
- Henri MENDRAS, (1976), Elément de sociologie, une initiation a l’analyse sociologique, Edition PUG, Paris.
- Isambert jamati, Vivainne,(1974), sociologie de l’école In Maurice Debesse et Gaston Mialaret, Traite des sciences pédagogiques, PUF, Paris.
- Jodelet, Denis, (1991), les représentations sociales: phénomènes, concepts et théories, PUF, Paris.
- Levy, pierre,(1995), l’intelligence collective: pour une anthropologie du cyberespace, Edition de la découverte, Paris.
- Moscovici, serge, (1998), Le psychologue, Paris.
المراجع الإلكترونية:
- الأبيض، سالم، (2013 )، التعليم التونسي، البحث عن الإصلاح، المجلة الإلكترونية العربي الجديد. www.alaraby.co.uk/opinion/2015/5/12، (consul, 31/01/2019).
- رزفي، فزال، (2016)، الخصخصة في التعليم، الاتجاهات والآثار، المكتبة الرقمية لليونسكو. unesco.org/ark:/48223/pf0000246485ara،(consul, 05/03/2022).
- عابيدار، حسين، (2009)، التمثلات والعملية التعليمية التعلمية. http://abeducation.blogspot.com/2009/02/blog-post_1908.html ( cónsul. 11/08/2019).
- نبيل، محمد، (2009)، جريدة إيلاف الإلكترونية، عدد 3092، لندنwww.elaph.com/Elaphweb/AsdaElaph/2005/.htm, (cónsul. 27/01/2019).
- نبيل، ياسين، (2018 )، أزمة التعليم في تونس: هل انتهى عصر المدرسة العمومية، موقع نواة الإلكتروني nawaat.org, (consul, 05/02/2019).
- ياسين نبيل، أزمة التعليم في تونس، هل انتهى عصر المدرسة العمومية ؟، تونس، 2018. nawaat.org/magazine, (consul, 04/03/2022).