ملخص:
يهدف هذا المقال النقدي، تبعا لمقاربة نظرية سوسيو-تاريخية، وباستدعاء نماذج وإسهامات محددة، للضرورة المنهجية، إلى محاولة تحديد مفهوم المجتمع المدني في سياقه الغربي، ورصد مساره في مختلف المدارس الفلسفية والفكرية أولا، وأدبيات العلوم الإنسانية ثانيا، وتتبع أثر تشكله في المكان والزمان والشروط المنتجة له، والكشف عن معانيه بوصفه مفهوما، وعن أدواره باعتباره أداة عمل تنظيمية، بآفاق معلومة ومحددة، تختلف عن تطلعات المجتمع السياسي في الوصول إلى الحكم، ورهانات الدّولة في ممارسة السلطة وتدبير الصراعات وتحقيق غايات وجودها. ويحاول هذا المقال، الوقوف عند لحظة توتّر البدايات في تبلور مفهوم المجتمع المدني بالمغرب، تبعا لشروطه الزمكانية المحلية في تركيبها وتشابك أبعادها الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية داخليا وخارجيا، كما يروم في هذا الصدد تقديم بعض الإضاءات حول شكل أو أشكال التمفصل والتعالق بين مكونات المجتمع المدني والمجتمع السياسي (الأحزاب) من جهة، ومؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة من جهة أخرى.
Abstract:
This critical article aims, in accordance with a socio-historical theoretical approach involving specific models and contributions of methodological necessities, at defining the concept of civil society in its Western context, and keeping track of its range first, in different philosophical and intellectual schools and second in the literature of the human sciences. Also, it tries to pursue the influence of its evolution in time and place along with the conditions of its development. Moreover, it attempts to unveil its meanings as a concept, and its roles as an organizational work means, with definite and specific horizons that differ from the expectations of policy makers in obtaining political power, together with the state’s predictions in implementing power, managing conflicts as well as achieving its existence objectives.
Meanwhile, this article seeks analyzing the starting point tensions in the formation together with the shaping of the concept of civil society in the western political reasoning context, and also to detect its historical formulation among its pioneers and leaders, by invoking pertinent perceptions. Moreover, it attempts to observe the evolution of the Morocco civil society in accordance with its local temporal as well as spacial conditions intervening in its formation and the intervolving of its inside and outside economic, political, cultural and social dimensions. More and more we would like, in this respect, to come up with some clarifications about the form or forms of articulation and interrelation between the components of the civil and political society; political parties on the one hand, and the diverse state institutions and mechanisms on the other hand.
1- مفهوم المجتمع المدني: النشأة والتأسيس في الفكر السياسيّ الغربي:
أصبح المجتمع المدني اليوم مفهوما يحيل على كل المعاني لدى كل المهتمين، حتى فقد معانيه ودلالاته التي أسهمت شروط سياقية عديدة في انبنائها، وازداد الاهتمام به كأداة عمل، والرهان عليه من طرف الدولة الحديثة والمجتمعات المعاصرة للأدوار التي يقوم بها في شكل حركات احتجاجية وقوى اقتراحية تمثل الضّمير الحي لهذه المجتمعات.
1 -2- الميلاد والمسار:
في بداية السبعينات من القرن الماضي بأوروبا الشرقية أولا، ثم بأوروبا الغربية وباقي دول العالم فيما بعد، أعاد وأرجع المجتمع المدني بوصفه مفهوما، الاعتبار لنفسه من خلال مجموعة من التظاهرات والمحطات، وأخذت هذه التظاهرات أشكالا متنوعة تاريخيا ناتجة عن خصائص تقييم الفروق، إلاّ أنها تؤكد ما هو عام ومشترك وكوني في آن، أي أن هذا الإحياء ارتبط بتحديات متباينة ومختلفة، وأولويات اختلفت من بلد لآخر، حتى أنه يمكن القول: إن المفهوم أضحى اليوم أكثر استخداما بكثير قياسا بما مضى من تاريخ العصور الحديثة، بما في هذا الاستخدام المكثف للمصطلح في ذلك القرن الذي ولد ونضج وتبلور فيه (1750-1850)، هذا الاستخدام الكثيف للمصطلح وخصوصا في شقه النظري والفلسفي، أثار العديد من الفلاسفة والمفكرين “فكان استخدام المفكرين الإنجليز والإسكوتلنديين في القرنين السابع عشر والثامن عشر والمفكرين الفرنسيين أمثال مونتسكيو وروسو، والمفكرين الألمان أمثال كانط وهيجل وماركس والمنظرين اللاحقين أمثال غرامشي وهابرماس لمفهوم المجتمع المدني مرتبطا مباشرة بنظريات فلسفية”[1]، حتى أدى اليوم إلى سيل من الكتابات حول المجتمع المدني، المرتبطة بتحديات وحاضنات ثقافية متباينة ومتنوعة وأنظمة سياسية مختلفة، وزاد في انتشار كثير من المفاهيم الفضفاضة لهذا المصطلح، لدرجة ميله لأن يعني كل الأشياء لكل الأشخاص، حتى أدى إلى التشعّب والخلط في معاني مصطلح المجتمع المدني إلى درجة التناقض، فكثير من العلماء بدأ يشك في جدوى التعاطي مع هذا المصطلح كأداة تحليل وفهم.
ز وأيّا ما كان الأمر، فقد “نشأ المجتمع المدني من أصل مناقشات القرن 18 حول ميلاد المجتمع الليبيرالي أو “التجاري”، ويوحي هذا أنه إذا ما أردنا الإبقاء على هذا المفهوم، يجب علينا النظر إليه كواحد من مجموعة كبيرة من المفاهيم المرتبطة بخطاب مشترك حول ميلاد الحداثة، وهذا يعني أن المجتمع المدني قبل مفاهيم المواطن والديموقراطية”[2]. وهذه الأفكار وليدة تطور المجتمعات الرأسمالية الحديثة، حيث اقترنت بنزعة أخلاقية ودينية، حتى حدود سبعينيات القرن العشرين وهو التاريخ الذي أصبح فيه المفهوم مقترنا بدلالات حداثية خالصة لا تمت بصلة إطلاقا إلى صيغته الكلاسيكية.
ولمّا كان مفهوم المجتمع المدني ينتمي أساسا إلى العلوم الاجتماعية، أي أنه لا يكتسب الدقة العلمية التي تكتسبها مفاهيم الرياضيات والفيزياء وعلوم الحياة والأرض وغيرها؛ فقد ظلّ مفهوما قابلا للجدل، أي ذا استخدامات ومعان مختلفة وغير مستقرة ضمنيا، بل متناقضة في علاقة بعضها ببعض، نظرا لتطوره ضمنيا، وذلك لتطوره ضمن تقاليد فكرية وممارسات اجتماعية وسياقات تاريخية مختلفة.
هناك مجموعة من المقاربات للمجتمع المدني باعتباره ممارسة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، وكأنموذج لهذه الدراسات نجد إسهامات ستيفن ديلو التي يصنفها كالآتي:
*المقاربات الكلاسيكية والمسيحية والميكيافيلية: تشمل خصوصا أفلاطون وأرسطو، ومفكّري القرون الوسطى: القديس توما الإكويني، والقديس أوغيسطين، والمصلحين الدينيين، مارتن لوثر وكالفن وصولا إلى المفكر الإيطالي نيقولا ميكيافيلي.
*المقاربات الحديثة والمعاصرة: مع كل من توماس هوبز، جون لوك، وجان جاك روسو، وكانط، وهيجل، وماركس، وجون ستيوارت ميل، ونيتشه، وهناك أصحاب الرؤية المحافظة، وبيروك، ودو توكفيل وغيرهم.
إذن يمكن أن نجد تعريف “المجتمع المدني” عند كل هؤلاء الفلاسفة والمفكرين، وهذا ما يبين الكمّ الهائل من التعاريف والمقاربات التي تختلف حسب مجموعة من الشروط والمعايير المتباينة من مفكر إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى، لهذا سأحاول تقديم مجموعة من التحديدات لدى ثلاث تيارات فكرية، ارتأيت أنها أصّلت مفهوم المجتمع المدني ووضعت قواعده وأسسه ومسار تشكله.
1 -2- المجتمع المدني: تحديد ممكن:
يبين ستيفن ديلو أن هناك عدة تعاريف لغوية يشير إليها مفهوم مدني، أولا: يساوي في اللاتينية الذي كان يحظى باتفاق ظاهري على مدلوله؛ فهو يشير إلى كثير من الاستعمالات المختلفة، إنه يشير إلى كثير من الدلالات التي لها علاقة بالمواطن، كما أنه يتنافر مع التعبيرات التالية على الخصوص:
- مع تعبير “رسمي” ومن هنا نقول مثلا: تحمي الحريات المدنية للأفراد من تجاوزات السلطة العامة.
- مع تعبير “أجنبي” ومن هنا التفريق بين الحرب الأهلية والحرب الأجنبية، فهي غالبا ما تكون أوسع.
- مع تعبير “رادع” ومن هنا التمييز بين القانون المدني والقانون الجنائي.
- مع تعبير “عسكري” وهذا مثال على حالة المدنيين.
- مع تعبير “ديني” كأن يُلغى الزواج الديني في الدولة العلمانية لصالح الزواج المدني[3].
كلمة مدني، تعبر إذن عن كل ما هو غير مدرج في قواعد وأنظمة داخل الدولة، وما هو غير شكلي، وكذلك الأمر عن كل ما هو صادر عن السلطات العامة، بمعنى أدق يمكن للفظة “المجتمع المدني”، ألا تشير سوى إلى النخبة. حيث يتألف المجتمع المدني من كل ما هو مخالف للمجتمع الرسمي. وبذلك، فالمجتمع المدني القوي حسب ستيفن ديلو والمتمتع بهيكليات متنوعة يكون بمثابة صمام الأمان بالنسبة إلى المجتمع من ناحية القوة والاستقرار.
ونظرا لما يتميز به المفهوم من قدم، فقد تفاوت تعريفه بحسب المدارس الفكرية التي تناولته، فمن أوائل المدارس الفكرية التي تعرضت لمفهوم المجتمع المدني كانت المدرسة الليبيرالية بشقيها الاقتصادي والسياسي، فمن ناحية أكدت المدرسة الليبيرالية في شقها السياسي على المجتمع المدني بوصفه سمة أساسية في الدولة الدستورية التي تحظى بالشرعية في مواجهة مواطنيها. أما المدرسة الثانية التي تناولت المجتمع المدني، فهي المدرسة الهيجلية خصوصا مع رائدها فيلهلم فريدريش هيجل نفسه، وتلتها المدرسة الماركسية بمحاولاتها التي شملت، إلى جانب كتابات ماركس، ما عرض فيه المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي لبعض جوانب هذا المفهوم.
1 -3- المدرسة الليبيرالية:
يمثلها كل من توماس هوبز وجون لوك قديما، وجون راولز حديثا؛ وهي رؤية تتناول العلاقة المثلى بين الفضيلة المدنية، والحرية الفردية، وبصيغة أدق كيفية تحقيق التوازن بين مصلحة الفرد الخاصة والمصلحة العامة داخل المجتمع.
وضع توماس هوبز (1588-1679م) شكلا جديدا للعلاقة بين المواطنين ودولتهم في مواجهة الصراعات الطاحنة التي تفشت في مجتمعه آنذاك، ولحل مجموعة من المشاكل أسند سلطة الملك إلى فكرة عقد اجتماعي يرضى به الشعب، وكان الشرط الرئيسي في هذا العقد أن توجد الحكومة لحماية حرية الأفراد، وهذه الحرية تتجسد في مفهوم الحق الطبيعي عند هوبز، حيث يقصد به “الحياة غير المحدودة الممنوحة لكل فرد، في حالة الطبيعة لحماية حياته، والدفاع عن وجوده مستخدما كافة الوسائل في سبيل تحقيق هذه الغاية”[4].
لكن هذا العقد الاجتماعي الذي نظّر إليه هوبز، يعتمد على خضوع الناس لحكم نظام ملكي قوي مقابل حرية شخصية يضمنها الملك ويرعاها[5]. إذن، تلك هي الجهود التي بذلها هوبز ووضعها، لإيجاد قواعد من شأنها تأمين الحقوق والحريات التي كانت بمثابة اللبنة الأولى للرؤية الليبيرالية للمجتمع المدني[6]. يشترط هوبز لتحقيق الحرية الأخذ في الاعتبار الحدود والقيود في السلوك، وبذلك ينتقل الإنسان من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع المدني، لأن الحرية في الطبيعة هي حق الجميع في كل الأشياء عكس الحرية في المجتمع المدني التي تتميز بحدود وقيود.
خلاصة القول: إن هوبز في العقد الاجتماعي الجديد الذي وضعه، وما ينبثق عنه من رؤية للمجتمع المدني يشير بلا شك إلى مفهوم الاحترام المتبادل، أو الفكرة القائلة بأنه عندما يسعى الناس إلى إيجاد مساحة لمصالح الآخرين سنجد أن كل شخص سيعمل في سبيل إعلاء حقوق الآخرين.
ونذكر بعض الفضائل المدنية من خلال العقد الاجتماعي الجديد: فضيلة إسداء المعروف، فكرة نضال الفرد في سبيل وضع نفسه في خدمة الآخرين، التسامح والتغلب على إغواء الانتقام، وإلا لن يتحقق السلام الاجتماعي، تأمين شروط المساواة، اعتراف الجميع بالحقوق الأساسية التي تخص كل فرد، التعامل بين الأفراد بعدل لتحقيق فضيلة الإنصاف. وهذه باختصار الفضائل والقوانين الأساسية وهي ضد القوانين الطبيعية الموجودة فينا: التحيز، المحاباة، الغرور والانتقام وغيرها.
حاول هوبز أن يخلق مجتمعا قائما على القواعد العادلة لقوانين الطبيعة، وذلك عن طريق إرساء دولة قوية، تتمثل وظيفتها الوحيدة في استخدام قوتها لإعلاء هذه القوانين، وكما يقول: “إن عهودا بغير سيف، ليس سوى كلمات”[7]. من ثمة، فالدولة في المجتمع المدني يجب أن يكون لديها سيف وهو رمز للقوة كما تتجلى في أساطير التنانين في الشرق الأقصى، إلا أن سلطة الدولة هاته تنمو إلى حيث ينتهي الأمر بها إلى أن تصبح مهدِّدة للحرية التي يسعى المجتمع المدني إلى حفظها وصونها، وبالتالي تتحول الدولة إلى كيان مرعب وسلطة استبدادية قهرية.
بينما يعتبر جون لوك (1632-1704)، أبا الفردية الليبيرالية، أن الدولة في المجتمع المدني يجب أن تكون لديها سلطات مقيدة، بحيث لا تهدد الحقوق الأساسية لجميع أعضاء المجتمع، والتي يفترض أنها تقوم بحماية هذه القوانين، وبذلك يكون هذا الفيلسوف قد دحض فكرة هوبز عن الملكية المطلقة، وأما فيما يخص مفهومه للعقد الاجتماعي أو الاتفاق الأساسي الذي تقوم على أساسه سلطة الحكومة باعتباره اتفاقا إراديا تنصهر فيه الإرادات الفردية من أجل تشكيل سلطة عمومية مشتركة؛ فهو يوضح حكم الأغلبية ويعلي من أهميتها، ولكن إرادة الأغلبية يجب دائما أن تقوم على مبادئ القانون الطبيعي، أو مفاهيم الفضيلة المدنية. ويتميز المجتمع المدني عند لوك بتحقيق متطلبات حماية “السلام والصالح العام للشعب بحيث لا يمكن لحكومة أن تنتهك بنود الاتفاق الأساسي”[8].
إذن تطرح رؤية لوك للمجتمع المدني مفهوما عن الدولة محدودة السلطة من أجل حماية المبدأ الاجتماعي العام، المتعلق بضرورة حماية حقوق الجميع، وتتكون هذه الحكومة من الأغلبية المطلقة. واشتملت رؤية لوك للمجتمع المدني كذلك على حيز ما، خارج الهيكل الرسمي للحكومة يتمتع فيه الأفراد بالحماية من أي خرق أو انتهاك لحقوقهم، سواء من الآخرين أو من الحكومة، والعنصر المهم الذي ساعد في خلق هذا المستوى أو البعد من المجتمع المدني يتمثل في فضيلة التسامح. لكن، غياب الاحترام المتبادل “لتعش وتدع غيرك يعيش” كمبدأ يسمح للناس أن يعيشوا جنبا إلى جنب، وبالمعنى الفعلي فإن الأفراد الذين لا يهددون حقوق الآخرين ربما يظلون فاقدين لمساحة آمنة في المجتمع لممارسة وجهات نظرهم الخاصة. ومن ثمة، لا يمكن تأمين الحيز المستقل من الجماعات الطوعية، إلا عندما تجعل من الاحترام المتبادل جزءا أسمى من ممارسة الفضيلة المدنية للتسامح.
إذن، الهدف الرئيسي لكل من هوبز ولوك هو تحقيق مجتمع مدني، يوفر حماية لحقوق جميع المواطنين، فالمجتمع المدني عندهما ما هو إلا واقع يمكن فيه تحقيق الحرية الفردية من خلال قيود عقلية معيارية من شأنها تأمين الحرية للجميع في إطار العقد الاجتماعي.
يمكن أن نسجل بأن موقفيهما ذو أثر تحرري، لأنه دعم الحاجة إلى تحرير الناس من الأنساق التقليدية اللاهوتية القروسطوية التي كانت تهيمن على جميع مناحي حياتهم.
أما جون جاك روسو فيمثل موقفا نقديا -حسب ستيفن ديلو- من كل المفكرين السابقين؛ إذ كانت إسهاماتهما مدمرة للغاية، لأنهما وضعا الرغبة في الحقوق في المقام الأول للتجربة برمتها، وهي المقاربة التي خولت للناس الحق في السعي وراء سعادتهم الشخصية الذاتية، الأمر الذي كان في الغالب على حساب الفضيلة المدنية المرتبطة بالصالح العام[9].
وفي الفترة المعاصرة بحث جون راولز؛ وهو من أهم المنظّرين السياسيين تأثيرا في القرن 20، في مفهوم العدالة بوصفه إنصافا، وبذلك شكل منطلقا جوهريا لما يجري من مناقشات معاصرة حول المجتمع المدني، لأنه ربط المفهوم بمبادئ العدالة من حيث هي قاعدة له:
المبدأ الأول: لكل شخص أن يحصل على حقّ مساو في أكثر أشكال الحرية شمولا وأوسعها مدى، تتماثل مع حرية مماثلة للآخرين.
المبدأ الثاني: يتم تسوية التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية بحيث تكون:
- أعظم نفعا لأقل المستفيدين.
- يترتب عليها مراكز ومناصب متاحة أمام الجميع، تحت شروط المساواة والعدالة في الفرص[10].
ويسمّى المبدأ الأول بالحرية المتساوية، أما الثاني فيسمى المبدأ الليبيرالي للمساواة المنصفة في الفرص، بينما يعني مفهوم العدالة عنده، أن جميع القيم الاجتماعية من حرية وفرص ودخل وثروات ومخولات احترام الذات يجب أن توزع بالتساوي[11]، ما لم يكن التوزيع غير المتساوي لأحد هذه القيم أو جميعها أمرا في صالح الجميع.
تختلف رؤية راولز للمجتمع المدني عن رؤية جون لوك القائمة على مبدأ “لتعش وتدع غيرك يعيش”، فهي رؤية تتجاوز هذا التسامح الذي وجد عند لوك، لأن الأفراد ينخرطون في التفكير العام مع بعضهم البعض،، أما بالنسبة إلى راولز فإن الدولة تعمل في ضوء احترام تلك الأسس الدستورية التي تضمن الحقوق الأساسية لكل فرد في المجتمع، علاوة على ضرورة وجود عملية من التفكير العام، يشارك الأفراد من خلالها وجهات نظر بعضهم البعض، ويبحثون معا عن الأسباب العامة التي يمكن للجميع قبولها كأساس للسياسات، وهذه المقاربة ستساعد الأفراد على التغلب على الاتجاهات المتمركزة حول خدمة الذات بحيث يمكنهم العمل مع بعضهم البعض، ليفصحوا عن حاجات المجتمع ككل.
1 -4- المدرسة الهيجلية:
إذا كان الفيلسوف الإسكتلندي آدم فرغسون في كتابه “مقال في تاريخ المجتمع المدني”، يعالج إشكالية الدولة والمجتمع المدني بمعناها التقليدي، فإن هيجل في ألمانيا، بعد ثلاثة عقود من انتصار الثورة الفرنسية، يطالب بدولة قوية ومستقلة تقع فوق المجتمع المدني؛ وهو يرى أن المجتمع المدني يمثل دائرة من الحياة الأخلاقية التي تقع بين العالم البسيط والعائلة الأبوية والدولة المتميزة بأخلاقية عالية. اقترح هيجل المجتمع المدني كأرضية تتفاعل فيها الشروط والعلاقات الاقتصادية والمجتمعية، بقصد الانتقال من مجتمع القرابة وروابط الدم (التقليدي) إلى مجتمع المواطنة والولاء للدولة، والخضوع لنظامها وأجهزتها الإدارية والاقتصادية والقضائية.
إذن يتمثل المجتمع المدني حسب هيجل في ذلك الحيز المستقل الذي يستوعب المصالح الموجودة بعيدا عن الدولة، وهو متصور كمساحة تتلاقى فيها المصلحة الفردية لكل شخص بمصلحة الآخر، وبالتالي فإن المجتمع المدني يمثل حيزا من الحياة يعد معاديا للدولة والتزامها بإعلاء نظرة أرقى للصالح العام.
1 -5- المدرسة الماركسية:
استعمل ماركس مفهوم “المجتمع المدني” لأول مرة منذ سنة 1883م، في مؤلفات الشباب، بالمعنى الذي استعمله هيجل. وفي كتابه “رأس المال” سيعتبر المجتمع المدني مكونا أساسيا من مكونات البنية التحتية، ومن ثمة فدوره حاسم في تحديد طبيعة البنية الفوقية بما فيها من نظم ثقافية وحضارة ومعتقدات وأنظمة حكم، فضلا عن ذلك فإنه يمثل إحدى أهم مستويات الصراع الطبقي وتمظهراته، وذلك بسبب التناقضات التي تميز المصالح المادية لمكونات هذا المجتمع. وبهذا المعنى فإن المجتمع المدني عند ماركس هو بمثابة مجال حرب الجميع ضد الجميع، وأن الإنسان في هذا المجتمع يوجد فحسب من أجل شخص آخر، كما أن الآخر يوجد من أجله طالما أن كلا منهما وسيلة للآخر، وبالتالي فإن المجتمع المدني، فيما يقول ماركس، هو مجال للأنانية، إنه عالم الأفراد المتنافرين الذين يعادي بعضهم بعضا، والإنسان في المجتمع المدني هو إنسان أناني، وسيظلّ، على حد وصف ماركس، “فردا منعزلا عن المجتمع منكفئا على ذاته مشغولا كلية بمصالحه الخاصة والتصرف وفق نزواته الطبيعية الخاصة والرابطة الوحيدة بين الناس وبين هذه النوعية من الأفراد، هي بالضرورة الطبيعية والحاجة والمصلحة الخاصة على ملكيتهم وأشخاصهم الأنانية”[12].
يرى ماركس أن المجتمع المدني يمثل فضاء للمواجهات بين المصالح الاقتصادية طبقا للأخلاقية البورجوازية، وأن الاقتصاد السياسي بالنسبة إليه يمثل علم تشريع المجتمع المدني. لكن بعد فترة غياب لهذا المفهوم تبنى بعض المفكرين الماركسيين وعلى رأسهم غرامشي ابتداء من سنة 1920م، التحليل الماركسي وهذا ما سنراه في النقطة الموالية.
حمل أنطونيو غرامشي (1891-1937) المشعل للتيار الماركسي بعد ماركس في إعادة إحياء المفهوم (المجتمع المدني) واستعمله سلاحا في مقاومة السلطة الشمولية، سلطة الدولة، إذن المجتمع المدني بهذا المعنى “يقاوم قبل وقوع الهجوم المباشر على الدولة”.
ويعرف غرامشي المجتمع المدني بأنه مجموعة من البنى الفوقية مثل: النقابات، والأحزاب والصحافة، والمدارس والأدب والكنيسة بل هو يرى في الفاتيكان أكبر منظمة خاصة في العالم، ويفصل مهامه عن وظائف الدولة، أو بعبارة أخرى أدق إنه يضعه مقابلا لمفهوم المجتمع السياسي[13]. وبالرجوع إلى كتاب حول غرامشي “كراسات السجن” نجد أن غرامشي لم يتوصل في الحقيقة إلى مفهوم واحد مُرضٍ لـ “المجتمع المدني” أو لـ ” الدولة”، حيث كتب غرامشي:
“ينبغي التمييز بين المجتمع المدني كما تصوره هيجل وكما نستخدمه في هذه الملاحظات أي بمعنى الهيمنة السياسية والثقافية لجماعة اجتماعية على المجتمع كله، باعتبارها المضمون الأخلاقي للدولة، من جهة، وبين المجتمع المدني كما تصوره الكاثوليك، فهو عندهم المجتمع السياسي للدولة، الذي يقابله مجتمع الأسرة ومجتمع الكنيسة”[14].
لكن من خلال هذا التمييز الدقيق بين المجتمع المدني كما تصوره هيجل من جهة، والكاثوليك من جهة ثانية، نجد أن مفهوم المجتمع المدني عند غرامشي يدل على شبكة الوظائف التربوية والإيديولوجية المعقدة، والتي يتم التحكم في المجتمع وتسييره عبرها، ويميز كذلك بين مستويين كبيرين داخل البنية الفوقية، مستوى المجتمع المدني ومستوى المجتمع السياسي أو الدولة. ويقابلان على التوالي: وظيفة الهيمنة، ووظيفة السيطرة المباشرة، وهنا توجد عبارة غرامشية تلتقط الخاصية الثابتة للهيمنة، (إن تفوق مجموعة ما يتمظهر بطريقتين: أولا كسيطرة، وثانيا كقيادة ثقافية وأخلاقية. لا يمكن اعتبار مجموعة اجتماعية ما مسيطرة إلا من خلال علاقتها بمجموعات منافسة تحاول تصفيتها أو حتى إخضاعها بالسلاح، ولا يمكن اعتبار مجموعة اجتماعية ما قائدة، إلا في علاقتها بالمجموعات التي هي قريبة منها وحليفة لها).
ويموقع غرامشي المجتمع المدني بين البنية الاقتصادية من جهة، والدولة بتشريعها وإكراهاتها من جهة أخرى، أما عن وظائف المجتمع المدني، فيقول يورغن هابرماس: “تعني لدى غرامشي الرأي العام الرسمي”[15].
1 -6- خلاصة:
بعد هذه التوطئة النظرية حول تشكل معاني مفهوم المجتمع المدني في الفكر السياسي الغربي لدى كل من المدرسة الليبيرالية، والمدرسة الهيجلية، والمدرسة الماركسية بشكل مختصر، يمكن تسجيل بصفة عامة أن:
- مفهوم المجتمع المدني مفهوم قديم في التراث الثقافي الغربي، وقع إحياؤه في القرن 18م، لمجابهة النظام الاستبدادي للدولة الأوربية.
- المجتمع المدني هو مطلب البورجوازية في مرحلة التحول الكبير لأوروبا، وكانت تدعمه الإيديولوجية الليبيرالية.
- المجتمع المدني إذن كان ثمرة التحولات التاريخية الكبرى التي عرفتها المجتمعات الغربية، وهو لصيق بمفاهيم أخرى مجاورة له مثل: الدولة والأمة والمواطنة والمواطن والديموقراطية والحداثة وغيرها.
- التجربة التاريخية التي مرت بها المجتمعات الأوروبية في القرنين 17 و18م، والأفق الفكري والثقافي الذي أسهم في رسم معالمه الأولى فلسفة عصر الأنوار، يمثلان الإطار العام الذي احتضن ظهور فرضية المجتمع المدني، ونتيجة لهذه التجربة تمخضت نظرية التعاقد الاجتماعي التي أرسى مبادئها الأولى مفكرون كبار، أهمهم: توماس هوبز، جون لوك، في إنجلترا، وجان جاك روسو في فرنسا وباروخ سبينوزا بهولاند وغيرهم.
- لا وجود لتعريف عالمي دقيق لمفهوم المجتمع المدني، فكل تعريف يمثل توجيها للبحث يضع أسئلة خاصة ومرتبطة بظرفية تاريخية محددة، وتشكلا جديدا للمعرفة يبحث في بلورة لإنتاج معارف جديدة كليا.
- المجتمع المدني هو أداة عمل، وبالتالي فهو يعني الحزب والنقابة والجمعية وغيرها من المؤسسات التي تؤطر العمل السياسي والثقافي والمجتمع المدني وهو مقياس لتطور المجتمع”[16].
- المجتمع المدني مفهوم وآلية عمل تبلور مع مطلع القرن 17م، وجاء معبرا عن الفلسفة الليبيرالية هادما لنظرية الحق الإلهي للملوك في الحكم، وعلى أنقاضها أسس ذاته كناسج لسلطة دنيوية. وكان معبرا فعليا عن المجتمع الرأسمالي الناشئ، غير أن غرامشي حور المفهوم ليستعمله في معركة إيديولوجية ضد الفكر الرأسمالي[17].
2- مفهوم المجتمع المدني: التجليات وإمكانيات التحقق في المجتمع المغربي:
ننطلق في البداية من مجموعة من التساؤلات المتمثلة في مدى إمكانية الحديث عن وجود مجتمع مدني بالمغرب، وبالتالي إمكانية الحديث عن مكونات خاصه به؟ وحتى يتسنّى لنا الحديث عن المجتمع المدني لا بد من تحديد أهم مقوماته التي يمكن حصرها فيما يلي: وجود دستور مكتوب أو عرفي، (فصل الدين عن الدولة، فصل السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وجود مؤسسات منتخبة بشكل حر ولها صلاحياتها، وجود تعددية حزبية، وجود جمعيات ونقابات وأحزاب قوية ومستقلة عن الدولة في مختلف المجالات، سيادة القانون والديموقراطية وحقوق الإنسان، ووجود بنى اقتصادية واجتماعية عقلانية ومتقدمة.
تعتبر هذه المقومات غير متوفرة إلى حد ما، ومن ثمة يمكن أن نتحدث عن ولادة أو إرهاصات بعض مكونات هذا المجتمع ووجوده. بمعنى هل لدينا دستور ديموقراطي في المغرب؟ وهل لدينا دولة ديموقراطية حديثة مبنية على دستور ديموقراطي وأحزاب فاعلة ومستقلة عن الدولة؟ وما هو يا ترى مستوى البنيات الاقتصادية والاجتماعية؟
2 -1- جدل البدايات:
عرف المجتمع المدني بالمغرب جدلا حادا، على مستوى الشروط السياقية التي أنتجته أو إمكانية الحديث عنه بالمعنى الذي ظهر به في الغرب؛ حيث تعددت الآراء في بروز هذا المفهوم، فهناك من أرجع ظهور المجتمع المدني إلى ما قبل الاستعمار في شكله التقليدي، كالتنظيمات الحرفية والمهنية، وهناك من ربط ظهور هذا المفهوم في المغرب بعودته إلى الواجهة مجددا في أوروبا الشرقية وكذلك في الاتحاد السوفياتي سابقا، وبذلك يرجعونه إلى نشوء المنظمة المغربية لحقوق الإنسان سنة 1988م، باعتبارأنّ 50 في المائة من فاعليها لا منتمون، و50 في المائة الباقية لها انتماء حزبي، وهو ما يكشف عن قدر معقول من الاستقلالية عن المجتمع السياسي، وكذلك هناك من ربط ظهوره بالهزات الإيديولوجية لليسار خاصة بعد انهيار المعسكر الشرقي، وكذلك نهج سياسة التقويم الهيكلي الداعية إلى سياسة بذل أقل مجهود من الدولة بمعنى تراجع الوظائف التقليدية للدولة والحد من تدخلاتها في المجال العام وفتح الباب أمام الفاعلين الجدد من منظمات وجمعيات، إذن ظهرت هذه الطبقة كوسيط بين المجتمع ككل والدولة، حيث نشأ كرد فعل لتراجع دور الدولة، وأنتج أشكالا جديدة للتعبير، والتدخل في التسيير العام بدل الدولة، وبصفة عامة، ظهر المجتمع المدني في المغرب بوصفه نتيجة آلية عن فراغ تركته الدولة.
وقد تبلورت الملامح الأولى للمجتمع المدني بالمغرب في حركة الدفاع عن حقوق الإنسان المدنية والسياسية أولا، بالنظر إلى السياق السياسي الذي عرفه المغرب بعد الاستقلال، وارتبط، فيما بعد، بالدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وقضايا التنمية والبيئة.
وقوبل ظهور المجتمع المدني في أواخر سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بالرفض، من طرف المجتمع السياسي في الحالة المغربية اعتبارا لجذوره الغربية الحداثية واقترانه بالعلمانية، والديموقراطية وحقوق الإنسان من جهة، وارتباطه بالاستعمار والدخول تحت الهيمنة الأوروبية من جهة أخر، وعلى النقيض من ذلك بالنسبة إلى المثقفين الذين عبروا عن مواقفهم من خلال جملة من الأدبيات.
المجتمع المدني، إذن، هو وليد التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية الغربية، وكان نتيجة للارتقاء الديموقراطي في هذه البلدان، وليس سببا لها، وما يحدث في البلدان العربية، والمغرب على وجه الخصوص، هو عكس ذلك تماما. حيث إن المجتمع المدني حاضر بشكل أو بآخر من خلال تنظيمات وجمعيات حضورا لا يعكس منطلقات المجتمع المدني ومبادئه وغاياته وفلسفته، وذلك بسبب حدة التناقضات القائمة بينه وبين بنية المجتمع السياسي طوال عقود ما بعد الاستقلال. وكانت قوة هذا الأخير تستمد من ضعف أو إضعاف المجتمع المدني ومحاصرة أنشطته ونشاطاته.
2-2- محاولة للتحديد:
يعتبر مفهوم المجتمع المدني بالمغرب خلال عقد السبعينيات ونهاية الثمانينيات حتى بداية التسعينات، بمثابة مفهوم زئبقي، إذ يجري على ألسنة الجميع، ويعني جميع الأشياء، فهو يعني الشعب المتحضر، ويعني الديموقراطية وحقوق الإنسان، ودولة التعددية، ويعني مجموع المؤسسات الحديثة والمستقلة عن الدولة، ويشير كذلك إلى مجتمع مزدهر اقتصاديا، وقد يعبّر به أحيانا عن المشروع المجتمعي المنشود.
ويمكن الإشارة إلى مجموعة من التعاريف الدقيقة:
- المجتمع المدني هو: أولا قبل كل شيء مجتمع المدن، وأن مؤسساته هي تلك التي ينشئها الناس بينهم لتنظيم حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فيها، وذلك على النقيض تماما من مؤسسات المجتمع البدوي القروي التي تتميز بكونها مؤسسات طبيعية[18].
- إن المجتمع المدني يعني الحزب والنقابة وغيرها من المؤسسات التي تؤطر العمل السياسي والثقافي، ويعتبر أداة عمل.
- المجتمع المدني هو أداة لقياس تطور المجتمع، ويكون عبارة عن شعار، تحته يتم إحراز مستوى معين من التطور الحضاري.
- المجتمع المدني هو جوهر يجب تحقيقه، وهنا هو بذاته يعني الديموقراطية وحقوق الإنسان.
- إن المجتمع المدني هو أداة لممارسة الصراع بما يعني أنه ساحة يجب استعمال أدواتها لتهديم الوضع السائد وبناء البديل المنشود على أنقاض ذلك.
- المجتمع المدني هو أداة وجوهر؛ أي أنه أداة لتحقيق التطور والغاية هي مجتمع متحضر ليبيرالي[19].
وهكذا، فإنّ كل التعريفات أعلاه تتفق بشكل أو بآخر على إسناد مهمة حماية المجتمع إلى المجتمع المدني، إنه الضمير الحي للمجتمع وسنده الأساس.
2 -3- مكونات المجتمع المدني بالمغرب:
هناك مجموعة من القوى والمكونات المدنية نذكر منها:
2 3- 1- النقابات المهنية:
حظي العمل النقابي بالمغرب المستقل بعدة امتيازات، ذلك كون العمال المغاربة المنضوين تحت النقابة الفرنسية أثناء الاستعمار، قد خاضوا مجموعة من النضالات الوطنية المهمة، وبذلك تعرضوا للسجن والإبعاد كزعماء حزب الاستقلال[20]. حيث عمل هؤلاء النقابيون المغاربة غداة الاستقلال، على تأسيس الاتحاد المغربي للشغل الذي ظهر منذ تأسيسه كقوة نموذجية في كل القارة الإفريقية.
وقد تميزت هذه المركزية النقابية بقوة تنظيمها، وهو ما جعل منها التنظيم الأول بالمغرب، وقد لعبت هذه المركزية دورا حاسما في رسم الخريطة السياسية، ومنذ 1958م، انضمت إلى الجناح الراديكالي لحزب الاستقلال ضد الجناح المحافظ، مما أدى إلى قطيعة داخل الحزب، انتهت بظهور حزب جديد هو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي لعبت فيه المركزية النقابية دورا مهما، إلا أن تسارع الأحداث في المغرب المستقل واختلاف وجهات النظر بين القادة والنقابيين وقادة الحزب، سرعان ما أدت بدورها إلى فتور التنسيق بين التنظيمين، ثم القطيعة بينهما، وقد تفجر أول اختلاف بين التنظيمين، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والاتحاد المغربي للشغل مبكرا، وبالضبط منذ سنة 1960م، بعد خروج حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من الحكومة، إذ قررت الفيديرالية الوطنية للموظفين التي كانت تضم كل القطاعات الوطنية العمومية التابعة للدولة، خوض إضراب وطني من أجل المطالبة بالزيادة في الأجور، لكن الإضراب كان ذا بعد سياسي، ولم تحصل قطيعة نهائية بين الحزب وبين الاتحاد الوطني للشغل إلا بعد الانشقاق الذي عرفه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1975م، والذي أدى بدوره إلى ظهور الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وفي نهاية دجنبر 1975م، قرر ممثلو نقابات قطاعية: نقابة الصحافة العمومية، نقابة الماء والكهرباء، نقابة الماء ونقابة التعليم، تأسيس الكونفدرالية للشغل، التي أسندت مهمة تسييرها إلى لجنة جماعية من 13عضوا يترأسها رجل تعليم (محمد نوبير الأموي)[21].
2-3-2- الحركة النسائية:
عرف المغرب ظهور حركة نسائية في عهد الحماية بشكل عابر، وذلك بمبادرة من بعض الأحزاب السياسية حيث أسس حزب الاستقلال منظمة 7 أبريل إثر أحداث الدار البيضاء 1974م، والحزب الشيوعي المغربي الذي أسس الاتحاد النسائي المغربي، في حين أسس حزب الشورى والاستقلال حركة أخوات الصفا، وبعد الاستقلال خصوصا في السبعينيات، بادرت أغلب القوى السياسية التقدمية إلى إنشاء قطاعات نسائية تابعة لها. إلا أن الولاء الحزبي لهذه المنظمات حد من أهميتها، وقد كان حزب الاستقلال أكثر الأحزاب السياسية نشاطا في هذا المجال، حيث عمد إلى تأسيس سبع جمعيات نسائية منها: جمعية حماية الأسرة المغربية وجمعية النهضة النسوية.
أما بالنسبة إلى الحكومة، فقد عملت وزارة الشبيبة والرياضة، ووزارة الصناعة التقليدية والشؤون الاجتماعية، على الاهتمام بقضايا المرأة، وإذا كانت هذه القطاعات النسوية داخل الأحزاب، قد اقتصرت في البداية على جلب النساء إلى الأحزاب، فإنها سرعان ما أخذت تظهر نوعا من الاستقلالية، وقد شكلت الندوة الوطنية الأولى للقطاع النسائي المنعقدة في دجنبر 1983م، من طرف النساء المنضويات تحت منظمة العمل الديموقراطي الشعبي تجسيدا لهذا الاستقلال. انطلاقا من هذا المسلسل، ظهرت جريدة 8 مارس التي يصدرها الجناح النسوي لمنظمة العمل الديموقراطي الشعبي.
وفي سنة 1985م، ظهرت الجمعية الديموقراطية للنساء المغربيات التابعة لحزب التقدم والاشتراكية، ثم اتحاد العمل النسائي التابعة لمنظمة العمل الديموقراطي الشعبي، ومنظمة المرأة الاستقلالية 1988م. أما الاتحاد الاشتراكي فإنه أسس جسور منتدى النساء المغربيات 1995م، ومن قبله أسس حزب الطليعة العصبة الديموقراطية من أجل حقوق المرأة سنة 1993م.
2 -3-3- الجمعيات الحقوقية:
يمكن تقسيم الجمعيات ذات النزوع الحقوقي تاريخيا إلى قسمين:
الجمعيات التي تنشطها أحزاب المعارضة إلى حدود مجيء حكومة التناوب، حيث يمثل هذا الاتجاه كلّ من الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (وتأسست هذه المنظمة سنة 1957م)، وجمعية المحامين بالمغرب سنة 1970م، والنقابة الوطنية للصحافة المغربية 1963م، واللجنة الوطنية لمقاومة القمع (بداية 1972م)، وحركة أسر المعتقلين السياسيين 1972م، والجمعيات النسائية الحقوقية والمنظمات المستقرة في الخارج، وأهمها لجنة النضال ضد القمع بالمغرب المكونة 1972م، وجمعية حقوق الإنسان التي تكونت سنة 1984م، وجمعية أصدقاء وعائلات المفقودين بالمغرب.[22]
أما الاتجاه الثاني فتمثّله الجمعيات الوطنية الأولى لحقوق الإنسان، والتي لا تحظى برضا السلطة، باعتبارها تمس مجالات ظلت الدولة المغربية تعتبرها ضمن اختصاصاتها، والتي لا يمكن أن تتقاسمها أو تتنازل عنها لأي تنظيم أو جمعية لا تنتمي لأجهزة الدولة.
تلك هي وضعية جمعيات حقوق الإنسان، وبالرغم من أن الخطاب حول حقوق الإنسان هو خطاب ليبيرالي أساسا، فإن المغرب قد عرف جمعيات تعمل في هذا الاتجاه منذ بداية الستينيات، إذ إن حزب الاستقلال عمد منذ 1962م، إلى خلق العصبة المغربية لحقوق الإنسان، وفي سنة 1979م، أنشأ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وفي 10 دجنبر 1989م، تأسست المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، نتيجة اتفاق بين السلطة وكل المكونات السياسية في البلاد، وبذلك اعتبرت مرحلة تأسيسها بمثابة إرهاصات أولى لمجتمع مدني في المغرب.
2 -3 -4- الجمعيات الجهوية:
عرف المغرب خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين، ظهور عدد من الجمعيات الجهوية (أو ما يسمى جمعيات الهضاب والسهول) ذات النشاط الاقتصادي والاجتماعي في مختلف جهات المغرب، ويترأس هذه الجمعيات شخصيات سياسية معروفة شغلت أو تشغل وظائف حكومية عالية: وزراء، ومستشارون لعمال، وعمال، ومقاولون.. والهدف الرسمي من وراء إنشاء هذه الجمعيات هو التنمية الاقتصادية للمنطقة التي توجد فيها، -مثلا جمعية فاس سايس- وتعتمد في نشاطها على النخب المحلية بهدف مساعدة المصالح الإدارية للعمالات والأقاليم على القيام بمهامها، وتتوفر هذه الجمعيات على هيكلة قديمة ومنظمة، حيث تتكون في الغالب من مجموعة من المكاتب المحلية الموزعة على الجهة التي تعمل فيها، كما تتوفر على لجان خاصة تنكبّ على دراسة القضايا الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى فروع في مدن أخرى تسهر على التنسيق مع النخب المحلية الموجودة في جهات أخرى من المغرب[23].
إلا أن هذه الجمعيات ليست كلّها على نفس الدرجة من الأهمية، إذ إن جمعيات معينة هي الأكثر حضورا وفعالية من الأخرى، وهذا راجع إلى اعتبارات القرب أو البعد عن العاصمة. لكن فيما بعد بدأت في الظهور مؤسسات وطنية كمؤسسة محمد الخامس للتضامن، ومؤسسة محمد السادس للتضامن، ومؤسسات أخرى ذات طابع تنموي يخصّ القطاع الاجتماعي والاقتصادي.
2 -4- في علاقة المجتمع المدني مع المجتمع السياسي والدولة:
ما هي العلاقة بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني من جهة، والمجتمع المدني والدولة من جهة أخرى؟ وبالأحرى ما هي شبكة العلاقات بين المكونات الثلاثة للسلطة؟
يقتضي البحث في هذه الموضوعات بحثا مستقلا، لكن يمكن تقديم بعض الإضاءات التي تروم تبيان العلاقة بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني من جانب، والمجتمع المدني والدولة من جانب آخر، من هذا المنطلق تقتضي الضرورة المنهجية تحديد مفهوم المجتمع السياسي، الذي لا يقل غموضا عن مفهوم المجتمع المدني، وكذلك مفهوم الدولة، باعتباره مفهوما قيل فيه الكثير من التنظير منذ العصر اليوناني حتى الفترة الراهنة، مرورا بالطورين الوسيط والحديث.
يتحدّد مفهوم كل من الدولة والمجتمع السياسي بشكل متباين، بالنظر إلى اختلاف فروع المعرفة وتخصصات العلوم الإنسانية والاجتماعي. لذلك، ومخافة التيه في دروب الاتجاهات الفكرية لتحديد هذه المفاهيم. سأقدم تعريفا نموذجيا لكلّ مفهوم.
إذا كان المجتمع المدني يعتبر مجموعة من المؤسسات، التي تعد بمثابة قنوات يعبّر بواسطتها ومن خلالها المجتمع الحديث عن مصالحه وأهدافه، وتمكنه من الدفاع بطريقة سلمية، واقفة بذلك أمام هيمنة الدولة، فإن المجتمع السياسي هو الذي يتكون من النخبة السياسية المؤطرة داخل الأحزاب السياسية التي تسعى إلى ممارسة الحكم عن طريق الانتخابات الشعبية.
أما الدولة فهي جهاز يمتلك السلطة السياسية الممارسة لكلّ الصلاحيات التنفيذية والتشريعية والقضائية المخولة لها من طرف الدستور أو القانون. كل مكون من هذه المكونات الثلاثة يقيم علاقة مع المكونين الآخرين، وهي علاقة تقارب وتكامل أو تنافر وتباعد.
وتجلت علاقة الدولة بالمجتمع المدني، انطلاقا من الطريقة التي تعاملت بها السلطة السياسية بالمغرب المستقل مع مقولة المجتمع المدني، إذ كان التفاعل يطبعه نوع من الغموض، أي عدم الرضا أو القبول، ولم تتعامل مع ما يمثل هذه المقولة من جمعيات ومنظمات حقوقية ونقابية وثقافية، إلا بمنطق العلاقة المبنية على الإخضاع والتحكم واحتكار مصدر المبادرة في كل المجالات، فالنشاط الثقافي، إمّا أن يكون رسميا ومبادرة من الوزارة المعنية، وإمّا أن يكون نشاطا مشبوها. والعمل النقابيّ معترف به في الدستور وعلى الأوراق، ولكن الموقف العملي من النقابة ظلّ دائما يطبعه الحذر والرفض، ذلك واضح من خلال مجموعة من الأحداث السياسية والحركات الاحتجاجية، إن ما كان يقلق السلطة المغربية في هذه المرحلة هو أن يتحول المجتمع المدني إلى سلطة اقتراحية مضادّة لسلطتها.
ويمكن أن نعدّد ثلاثة أشكال لعلاقة المجتمع المدني بالسلطة على النحو الآتي:
2 -4 -1 علاقة الدولة مع المجتمع المدني:
2- 4- 1- 1- المواجهة والصراع:
امتدت -مرحلة المواجهة والصراع- من مغرب ما قبل الاستعمار، والتي اتسمت بتفوّق المجتمع على الدولة، لأنّ القاعدة الاجتماعية كانت هي المؤسسات الهيكلية لعلاقات الجماعات والجهات مثل الزوايا والقبائل، ومن الناحية القانونية الأعراف، وهذا الواقع التجزيئي سهّل على الدولة من جهة، والمستعمر من جهة ثانية اختراقه[24]، إلى نهاية الثمانينيات، بحيث تميزت هذه الفترة باصطدام مباشر مع ما كان يشكل أنوية مجتمع مدني فتي ناشئ، والذي كان في غالبه على صلة بالأحزاب السياسية وخاصة اليسارية، لهذا وصلت حدّة المواجهة في كثير من الأحيان إلى درجة الاعتقال والمنع والمصادرة.
2- 4- 1- 2- المنافسة:
انتبهت السلطة في أواسط الثمانينيات إلى الاهتمام المتزايد بمؤسسات المجتمع المدني. ومن ثمَّ عمدت إلى خلق عدة جمعيات ترفع نفس أهداف وشعارات باقي المؤسسات المجتمعية الحرة، وأمّدتها بجميع الإمكانيات المادية، فجعلت على رأسها أعيان السّلطة والمال حتى تقوي نفوذها في المجتمع مثل: (جمعية أبي رقراق، جمعية فاس سايس، جمعية الإسماعيلية، جمعية أنكاد (…)[25].
2- 4- 1- 3- الاحتواء:
تغيرت استراتيجية الدولة تجاه المجتمع المدني، بعد أن عجزت عن القضاء عليه بالمرة و منافسته بشكل كبير، وكذلك اتّجهت إلى احتوائه في مطلع التسعينيات وتوظيف مؤسساته، وهكذا بدأ الحديث عن إشراكه في إعداد البرامج الحكومية وتدبير بعض المرافق وتوسيع حضور رموزه في الأنشطة الرسمية ووسائل الإعلام، فمثلا تم إشراك بعض وجوه المجتمع المدني في اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين التي كلفت بإصلاح نظام التعليم في المغرب، وتمّ إشراك المنظمات الحقوقية في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الذي أنشأ من طرف المؤسسة الملكية من طرف الملك الراحل سنة 1991، باعتباره تنظيما مهتما، وليس مدافعا، عن حقوق الإنسان[26]. ومن بين أهم شروط التوافق بين المجتمع المدني والدولة الاحترام والتجاوب لأجل تحقيق نوع من التعايش والتساكن في المجتمع المغربي.
كما يمكن تسجيل رهان الدولة على مكونات المجتمع المدني من جمعيات وتعاونيات وتنظيمات أخرى على جميع المستويات والأصعدة، ثقافيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا، منذ مطلع القرن الواحد والعشرين، وذلك من خلال الخطابات الرسمية أو المؤسسات التابعة للدولة أو المبادرات التي تحقق الغايات نفسها. ولعل في تزايد عدد الجمعيات المرتبطة بالمبادرة الملكية للتنمية البشرية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية فيما بعد، تجسيدا لهذا التوجه، إذ بلغ عدد الجمعيات بالمغرب ما يزيد عن 140000 جمعية سنة 2016 تغطي جميع المناطق بالمغرب “بالمدن والقرى”، نتيجة الدعم المالي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتمكين العنصر البشري من استثمار قدراته الخاصة وكفاءاته المختلفة في الإنتاج والتسويق وغيرها.[27] لكن، ما يمكن ملاحظته من خلال الممارسة والتجربة الذاتية، أن العديد من الجمعيات إمّا أنّها تولد ميتة، ولا تقوم بأي نشاط من أنشطتها المعلنة بالقانون الأساسي، وإما أن عددا منها لا يضمن ديمومته واستمراريته إلا من خلال بؤرة محركة “، تتمثّل غالبا في رئيس المكتب المسير وعضو أو عضوين نشيطين معه”. إضافة إلى ذلك، نلاحظ أن جملة من الجمعيات لا تنفصل عن العلاقات القرابية والدموية، والتي لا يزيد هدفها عن تحقيق مصالح ذاتية بعيدة كل البعد عن غايات المجتمع المدني ومراميه البعيدة. إلى جانب ذلك كله، نجد جزءا مهما من الجمعيات ملحقة بالأحزاب بشكل مباشر أو غير مباشر، وتقوم بأدوار انتخابية وخلفية لتلقي الدعم. كما ظهر العمل المأجور بتنظيمات المجتمع المدني، وفق ما سجله الباحث فوزي بوخريص. لذلك، لم يكن المجتمع المدني بالمغرب كمفهوم وكأداة عمل قد تطور تطورا نوعيا، مما يطرح على الفاعلين المدنيين جملة من التحديات لبلورة مجتمع مدني، يقوم بأدواره ووظائفه المأمولة.
2-4-2- المجتمع المدني والمجتمع السياسي أية علاقة؟
إذا كان دور الأحزاب السياسية هو دعم الثقافة السياسية القائمة، وخلق سياسة جديدة وذلك من خلال سعيها أساسا إلى تطوير وتنمية المعارف والقناعات والاتجاهات المتعلقة بمبادئها وأهدافها الخاصة، حيث يتم تقديم كافة المعلومات عن طريق الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فإنه كلما ازداد (هذا الدور) كلما كانت قدرته على الحكم مرتفعة، وحظوظ هذا الحزب كبيرة. ومن هذا المنطلق نميز، بالنّظر إلى طبيعة دور المجتمع المدني والمجتمع السياسي، بين مرحلتين:
المرحلة الأولى:
وهي مرحلة العمل من موقع المعارضة، وفي هذه المرحلة عمدت الأحزاب إما إلى تأسيس أو دعم (أو الوقوف وراء) العديد من مؤسسات المجتمع المدني. حيث يمكن أن نلاحظ خلال المرحلة الممتدة من آخر الستينيات إلى بداية التسعينيات أن علاقة الجمعية بالأحزاب بالدرجة الأولى هي علاقة تبعية وإلحاق كامل، أو تنسيق أو قبول وتعاطف، وهذا راجع إلى سنوات القمع والتضييق على العمل السياسي من قبل نظام الحكم، وهو ما دفع بهذه الأحزاب إلى البحث عن مجال الاشتغال بالسياسة بالمعنى العام (التنشئة السياسة، العمل الحقوقي..)، وذلك حتى لا تتعرض للموت أو الشلل من طرف النظام الحاكم.
المرحلة الثانية:
بدأت هذه المرحلة مع ما يسمى بمسلسل التناوب عمليا من سنة 1993 إلى الآن، والتي انتهت بدخول غالبية أحزاب المعارضة إلى الحكومة، حيث بدأت تشعر العديد من الهيئات والمؤسسات المدنية بمأزق الوضع الجديد، وضرورة إيجاد صيغ جديدة لعلاقة المجتمع المدني بالأحزاب، وخصوصا تلك التي كانت بالأمس في المعارضة، حيث أصبحت اليوم في قلب الحكومة، ومن ثمة فقد أصبحت مسألة الاستقلالية والمصداقية محلّ سؤال بالنسبة إلى هذه المؤسسات ويلاحظ، في مقابل هذا الموقف، أنّ هناك إصرار ا من جانب الأحزاب الحاكمة اليوم على عدم فك الارتباط مع هذه المؤسسات.
وهكذا يمكن أن نسجل بشكل عام، الرأي التالي: علاقة الجمعيات وتنظيمات المجتمع المدني بالأحزاب السياسية مطبوعة بنوع من الوصاية (…) ناهيك عن الحذر من استقلاليتها[28].
3- خلاصة:
يتبين لنا أنه لا يوجد اتفاق بين المهتمين والمختصين في دراسة مقولة المجتمع المدني على المستوى الوطني، في جميع جوانبه، من ناحية تعريفه، ومن ناحية نشأته، ومكوناته، وبالتالي علاقته بالدولة والمجتمع السياسي. فهناك اختلافات إلى حد التناقض، لكن يمكن أن نشير إلى النقاط التالية:
- نشأ المجتمع المدني في المغرب نتيجة مجموعة من التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عرفها مغرب ما بعد الاستقلال.
- هناك من يعتبر المجتمع المدني عبارة عن مجموعة من المؤسسات، لا تستثني منها حتى الأحزاب التي، هي في اعتبارين آخرين، تشكل العمود الفقري للمجتمع السياسي، حيث يتم الفصل بمعيار ممارسة الحكم بين المجتمع المدني والدولة والمجتمع السياسي.
- يتكون المجتمع المدني من الجمعيات الحقوقية والجهوية والحركة النسائية والنقابات المهنية وغيرها.
- علاقة المجتمع المدني بالمجتمع السياسي هي علاقة خضوع وتبعية حيث إنه توجد مجموعة من الجمعيات ذات الولاء الحزبي، وهذا يعتبر مؤشرا على عدم فعالية بعض الجمعيات.
- أما فيما يخص علاقة الدولة بالمجتمع المدني فهناك صراع من جهة، وتكامل من جهة ثانية، صراع يتجلى في تعامل السلطة مع المجتمع المدني على أساس احتوائه، وبالفعل كانت نتيجة هذا الصراع لصالح الدولة في أكثر من مناسبة. وتكامل يتجلى في تشجيع الدولة لبعض مكونات المجتمع على أساس هدفه النبيل، خدمة لما تركته الدولة عن وعي أو دون وعي.
[1]– محمد حافظ يعقوب، في الديموقراطية والمجتمع المدني، مجلة أبواب، عدد: 13/1997، ص: 41، نقلا عن الأحداث المغربية، 30/01/2002، عدد: 1106.
[2]– مجلة الثقافة العالمية، عدد: 107، ص: 41-42.
[3]– ستيفن ديلو، التفكير السياسي والنظرية السياسية والمجتمع المدني، المشروع القومي للترجمة، عدد: 467، ص: 19.
[4]– محمد سبيلا وعبد السلام بن عبد العالي، حقوق الإنسان، دفاتر فلسفية، دار توبقال، 1997، ص: 15.
[5]– ستيفن ديلو، مرجع سابق، ص: 241.
[6]– ستيفن ديلو، مرجع سابق، ص: 142.
[7]– ستيفن ديلو، مرجع سابق، ص: 250-256.
[8]– المرجع نفسه، ص: 286-287.
[9]– ستيفن ديلو، مرجع سابق، ص: 303.
[10]– نفس المرجع، ص: 453.
[11]– نفس المرجع، ص: 456.
[12]– ستيفن ديلو، مرجع سابق، ص: 542.
[13]– الحبيب الجنحاني، المجتمع المدني بين النظرية والممارسة، مجلة عالم الفكر، عدد: 3/193، ص:27.
[14]– أنطونيو غرامشي، كراسات السجن، ترجمة عادل غنيم، دار المستقبل العربي، 1994، ص: 227.
[15]– أنطونيو غرامشي، مرجع سبق ذكره، ص 275 وما بعدها.
[16]– محمد شخمان، المجتمع المدني وإشكالية الفهم بالمغرب، الصحيفة، العدد: 25/26 فبراير 4 مارس 1999، ص: 12.
[17]– محمد شخمان، المجتمع المدني وإشكالية الفهم بالمغرب، مرجع سابق، ص: 12.
[18]– محمد عابد الجابري، المجتمع المدني: تساؤلات وآفاق في كتاب عبد الله حمودي وعي المجتمع بذاته، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى، 1998، ص: 45.
[19]– محمد شخمان، مرجع سابق، ص: 12.
[20]– دوجلاس آي أشغورد، التطورات السياسية في المملكة المغربية، ترجمة عائدة سليمان عارف وأحمد مصطفى أبو حاكمة، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1964، ص: 350.
[21]– حسن بن عدي، البنية والممارسة النقابية في المغرب: بحث في التاريخ والتأريخ، ترجمة الحنصالي، دار توبقال، 1998، ص: 153-178.
[22]– حسن بن عدي، مرجع سابق، ص: 181-184.
[23]– حسن قرنفل، المجتمع المدني النخبة السياسية، إفريقيا الشرق، الطبعة الثانية، فبراير 2000، ص: 82-83.
[24]– سالم الساهل، تصورات عن المجتمع المدني والمجتمع السياسي بالمغرب، مجلة أبحاث، عدد: 55.
[25]– عبد الله دمومات، جمعيات وتنظيمات المجتمع المدني، في أبحاث، العدد: 55.
[26]– محمد ظريف، حقوق الإنسان بالمغرب، منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، مطبعة التعرف الجدية، 1994، هامش 108، ص: 245.
[27]– هذا الخطاب المعلن من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؛ وهو الخطاب الذي يقوم على فلسفة التنمية البشرية.
[28]– عبد الله دمومات، مرجع سابق.
7 تعليقات
اوافق الراي في هذه المقوله علاقة المجتمع المدني بالمجتمع السياسي هي علاقة خضوع وتبعية حيث إنه توجد مجموعة من الجمعيات ذات الولاء الحزبي، وهذا يعتبر مؤشرا على عدم فعالية بعض الجمعيات واشكرك على جهودك دكتوري الفاضل
اتفق مع جميع ماذكر في المقال
يتحدد مفهوم كل من الدوله والمجتمع السياسي بشكل متباين
المجتمع المدني يعتبر مجموعة من المؤسسات .. التي تعد بمثابه قنوات تعبر بواسطتها ومن خلالها المجتمع الحديث عن مصالحه واهدافه وايضا تمكنه الدفاع بطريقه سلميه
المجتمع السياسي هو الذي يتكون من النخبه السياسيه المؤطره داخل الاحزاب السياسيه التي تسعى الى ممارسه الحكم عن طريق الانتخابات التشريعيه
يعطيك العافيه استاذ على هذا المقال
فالمجتمع المدني فعرف كغيره من المفاهيم في العلوم الانسانيه والاجتماعيه تغيرا وتطورا في معناه ودلالاته منذ ظهوره فالمجتمع المدني يشير الى جمعيات ينشئها اشخاص تعمل لنصره قضيه مشتركه فعلى حد علمي فهي تشمل المنظمات غير الحكومية، والنقابات العمالية، وجماعات السكان الأصليين، والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، والنقابات المهنية، ومؤسسات العمل الخيري
اما بالنسبه للمجتمع السياسي فالسياسه تكون فيها عامل توحيد وتمايز في آن فهي توحد أفراد الجماعة، حول غاية معينة، وهي النفع المشترك في مجتمع محدد سياسياً وتسعى الى ممارسه الحكم
فاتفق ان علاقه المجتمع المدني بالمجتمع السياسي بانها خضوع وتبعيه حيث ان المعنى الاكثر شيوعا للمجتمع السياسي هو تمييز المجتمع المدني عن الدولة، بوصفه مجالاً لعمل الجمعيات التطوعية والاتحادات مثل النوادي الرياضية وجمعيات رجال الأعمال وجماعات الرفق بالحيوان، وجمعيات حقوق الإنسان، واتحادات العمال وغيرها
اعجبتنني هذه المقاله وابهرتني واستفدت منها كثيرا
فالمجتمع المدني الى كل انواع الانشطة التطوعية التي تنظمها الجماعة حول مصالح وقيم واهداف مشتركة ، وتشمل هذه الأنشطة المتنوعة الغاية التي ينخرط فيها المجتمع المدني تقديم الخدمات ، او دعم التعليم المستقل ، وهي غالبا ما تكون خارج دائرة العمل الحكومي لنشر المعلومات حول السياسات.
اما بالنسبة للمجتمع السياسي فتكون السياسه هي الاصل فيه وهي العامل الوحيد الذي يحركه وهي التي توحد افراده وتجعلهم يتفقون مع بعضهم البعض
فاوافق واقوم بالتاييد ان علاقه المجتمع المدني بالمجتمع السياسي بانها خضوع وتبعيه وتفريق حيث يريد المجتمع السياسي إبعاد المجتمع المدني عن امور الدولة
علاقه المجتمع المدني بالمجتمع السياسي بانها خضوع وتبعيه حيث ان المعنى الاكثر شيوعا للمجتمع السياسي هو تمييز المجتمع المدني عن الدولة، اما بالنسبة للمجتمع السياسي فتكون السياسه هي الاصل فيه وهي العامل الوحيد الذي يحركه وهي التي توحد افراده وتجعلهم يتفقون مع بعضهم البعض، وهي علاقة خضوع وتبعية حيث إنه توجد مجموعة من الجمعيات ذات الولاء الحزب
أشكرك يا دكتور على هذه المقالة الرائعة ، المجتمع المدني يعتبر مجموعة من المؤسسات .. التي تعد بمثابه قنوات تعبر بواسطتها ومن خلالها المجتمع الحديث عن مصالحه واهدافه وايضا تمكنه الدفاع بطريقه سلميه ، اوافق الراي في هذه المقوله علاقة المجتمع المدني بالمجتمع السياسي هي علاقة خضوع وتبعية حيث إنه توجد مجموعة من الجمعيات ذات الولاء الحزبي، وهذا يعتبر مؤشرا على عدم فعالية بعض الجمعيات .
أما المجتمع السياسي فتكون السياسه هي الاصل فيه وهي العامل الوحيد الذي يحركه وهي التي توحد افراده وتجعلهم يتفقون مع بعضهم البعض ، هو الذي يتكون من النخبه السياسيه المؤطره داخل الاحزاب السياسيه التي تسعى الى ممارسه الحكم عن طريق الانتخابات التشريعيه .
أشكرك يا دكتور على هذه المقالة الرائعة ،اوافق الراي في هذه المقوله علاقة المجتمع المدني بالمجتمع السياسي هي علاقة خضوع وتبعية حيث إنه توجد مجموعة من الجمعيات ذات الولاء الحزبي، وهذا يعتبر مؤشرا على عدم فعالية بعض الجمعيات ، المجتمع المدني فعرف كغيره من المفاهيم في العلوم الانسانيه والاجتماعيه تغيرا وتطورا في معناه ودلالاته منذ ظهوره فالمجتمع المدني يشير الى جمعيات ينشئها اشخاص تعمل لنصره قضيه مشتركه فعلى حد علمي فهي تشمل المنظمات غير الحكومية، والنقابات العمالية، وجماعات السكان الأصليين، والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، والنقابات المهنية، ومؤسسات العمل الخيري
أما المجتمع السياسي فتكون السياسه هي الاصل فيه وهي العامل الوحيد الذي يحركه وهي التي توحد افراده وتجعلهم يتفقون مع بعضهم البعض ، هو الذي يتكون من النخبه السياسيه المؤطره داخل الاحزاب السياسيه التي تسعى الى ممارسه الحكم عن طريق الانتخابات التشريعيه ،