ملخّص:
تعنى هذه الورقة بمقوّمات بطولة النّبي محمّد في الخطاب الاستشراقيّ المتعلّق بسيرته، فهو الّذي أحدث اندماجا قويّا بين التّوحيد والسّياسات القبليّة للعرب ممّا مكّنه من تحقيق الوحدة السّياسيّة بين القبائل حسب مايكل كوك، فهو بهذا المعنى بطل سياسيّ. أمّا دينيّا فقد أحيا النّبي محمّد دين إبراهيم الحنيف، وفي هذا السّياق بحث مونتغمري وات عن ملامح ذلك. أمّا اجتماعيّا فقد برهن مستشرقون من قبيل هوبرت غريم وفراد دونّر على مظاهر الإصلاح الاجتماعيّ في سيرة النّبي محمّد.
الكلمات المفاتيح: البطولة -الاستشراق -النّبي محمّد -الدّين -السّياسة –المجتمع.
Abstract:
This paper deals with the elements of heroism in the orientalist discourse related to the biography of the Prophet Muhammad, as he is the one who created a strong fusion between monotheism and the tribal politics of the Arabs, which enabled him to achieve political unity among the tribes, according to Michael Cook. In this sense, he is a political hero. Religiously, the Prophet Muhammad revived the religion of Ibrahim al-Hanaif, and in this context, Louis Massignon and Bassetti Sani discussed the features of that. As for socially, Orientalists such as Hubert Grimm and Fred Donner demonstrated the aspects of social reform in the life of the Prophet Muhammad.
Key words: Heroism – Orientalism – The Prophet Muhammad – The Religion – Politics -Society.
1- مقدّمة:
تضمّنت المعارف المختلفة من آداب وفنون وعلوم اهتمامات بالأبطال والبطولة. ولئن تركّزت علوم عربية مختلفة حول الحدث القرآني الّذي عاشه المسلمون مع النّبيّ محمّد فإنّ الاستشراق كذلك اهتمّ بنبيّ الإسلام فبحث في قضايا السّيرة النّبوية وإشكاليّات القرآن وأصناف العلوم الإسلاميّة المتبقّية. وفي هذا السّياق تضمّنت أبرز مؤلّفات المستشرقين إشادة بالنّبيّ محمّد بطلا عسكريّا وسياسيّا ودينيّا واجتماعيّا. فما ملامح ذلك؟
2- في مفهوم الخطاب الاستشراقي:
2- 1- في مفهوم الخطاب:
لاح الاهتمام بالخطاب في سياق البحث في تحليل الخطاب الذي بلغ أوجه سنة 1984[1]. ففي بداية السّبعينات ميّز فان دايك “بين النّصّ والخطاب معتبرا الأوّل[2] بناء نظريّا والثّاني عبارة يستعملها عامّة النّاس استعمالا حدسيّا وتطلق على ما تشهد الملاحظة والمشاهدة على وجوده”[3]. فالنّصّ يشكّل الخطاب والخطاب يحقّق النّصّ[4]. واعتمادا على هذا التّمييز اعتبر هدف لسانيّات النّصّ وضع نظريّة للخطاب وبناء نحو له.
واعتبر ج. يول (G. Yule) و ج. براون (G. Brown) الخطاب مادّة وموضوعا وغاية، فتأويله لا يتسنّى إلّا بوضعه في سياقه التّواصليّ زمانا ومكانا ومشاركين فيه ومقاما. ومحلّل الخطاب “لا يهدف إلى وضع قواعد صارمة وإنّما إلى تتبّع مظهر خطابيّ معيّن للوقوف على درجة تكراره من أجل صياغة اطّراده، فهدفه هو الوصول إلى اطّرادات وليس إلى قواعد معيارية، باعتبار أنّ معطياته خاضعة للسّياق الفيزيائيّ والاجتماعيّ وأغراض المتكلّمين واستجابة المستمعين” حسب رأي محمّد خطّابي في كتابه “لسانيات النّصّ”. فليس النّصّ في نظريّة تحليل الخطاب سوى “بيّنة وشاهد على محاولة منتج ما (متكلّم أو كاتب) إيصال رسالة إلى متلقّ (مستمع أو قارئ).
أمّا السّياق المقاميّ فمقوّماته المرسل والمتلقّي والحضور والموضوع والمقام والقناة والنّظام وشكل الرّسالة أي المقصود منها والمفتاح والغرض.
2-2- في مفهوم الاستشراق:
الاستشراق مشتقّ من فعل استشرق أي اتّجه شرقا، وهو المعارف الغربيّة الّتي اهتمّت بالشّرق تراثا وحاضرا ومستقبلا. وقد ظهر مصطلح الاستشراق[5] “نهاية القرن الثّامن عشر(1799م) في إنجلترا وفرنسا” لذلك “تمّ إدراجه في قاموس الأكاديميّة الفرنسيّة سنة 1838م”[6].
وهكذا كان هدف الاستشراق “إنشاء معرفة تاريخية جغرافية نافذة تتمّ بواسطة جهاز فكريّ أوروبيّ صرف يعالج الشّرق على نحو ما يحبّ بنحت منظومة اصطلاحيّة تساعد على تخيّل الغرب للشّرق وتثمين مكامن قوّته الاستعارية”[7].
وينقسم الاستشراق قبل بداية الألفيّة الثّالثة إلى ثلاثة أقسام، استشراق استكشافيّ (Discovering Orientalism) واستشراق استعماريّ (Colonial Orientalism) واستشراق مابعد استعماري (Post-Colonial Orientalism) واستشراق جديد[8] بعد الألفيّة الثّالثة.
3- مقوّمات بطولة النّبيّ محمّد في الخطاب الاستشراقيّ:
*مفهوم البطل والبطولة:
يرى توماس كارليل أنّ صور الأبطال لا تخرج عن خمسة فهو “إمّا إله، أو رسول، أو قسّيس، أو شاعر، أو كاتب”[9]، وبالعودة إلى المعنى الإغريقيّ لهذه الكلمة فهو “نصف إله أو هو الشّخص الّذي يخلّد بأعماله”[10].
ويعرّف شوقي ضيف البطولة والبطل قائلا: “البطولة هي ما يرتفع فيها صاحبها عن الأشخاص العاديّين من حوله بقوّته وبسالته، وإقدامه وجرأته وتغلّبه على أقرانه، وهو منهم من ذات أنفسهم، لا من سلالة الآلهة وأنصاف الآلهة، بشر سويّ لا يعلو على الحدود البشريّة الإنسانيّة، وبطولته لذلك تتفجّر من وجوده الإنسانيّ البشريّ، لا من ينابيع إلهيّة أو سحريّة غيبيّة، بطولة إنسانيّة تستمدّ من الواقع وحقائقه لا من الخيال وخوارقه”[11]. وهكذا بدأت الدّراسات الحديثة تتّجه نحو إبراز الجانب الواقعيّ في البطل وتنزيله من عرش الخيال إلى تربة الحقيقة.
3- 1- النّبيّ محمّد بطلا عسكريّا وسياسيّا في الخطاب الاستشراقيّ:
حضر محمّد نبيّا محاربا في الاستشراق الأنجلو- سكسونيّ إذ “نجح في دمج التّشكيلات العربيّة المقاتلة الّتي انقسمت إلى فئتين: فئة جنود المشاة المكوّنة من رجال فقراء من سكّان القرى الصّغيرة والواحات والتّجمّعات خارج المدن الرّئيسة، وفئة الفرسان المكوّنة من رجال القبائل ممّن لهم مهارات قتاليّة عالية يتوارثونها من الآباء، وكانت بين الفريقين شكوك كثيرة متبادلة وحقد كبير، إلّا أنّ الرّسول أكسب الجيش الجديد هويّة جديدة ونظاما عسكريّا صارما”[12].
و “ما فعله محمّد أيضًا للعرب في عصره هو إحداث اندماج قويّ بين التّوحيد وسياساتهم القبليّة. ويمكن اعتبار إنجازه بمثابة إحياء للنّظام التّوحيديّ الرّاديكاليّ المتجسّد في قصّة موسى”[13].
و “في ظلّ هذه الخلفيّة، كان ابتكار حكم الله ورسوله على جماعة مستقلّة من المؤمنين ابتكارًا عظيمًا، فلم يكن من قبيل المصادفة أنّ محمّدا قد حقّق ذلك في شبه الجزيرة العربيّة بمجتمعها القبليّ الّذي يغلب عليه الطّابع الرّعويّ وغياب مفهوم الدّولة. وكان من حسن حظّه أنّه وُلِدَ في بيئة وفّرت مجالًا للإبداع السّياسيّ مثل عدم الانفتاح عادة على المصلح الدّينيّ، لكن من الواضح أنّه كان محظوظا لأنّه وجد في هذا المجتمع مفتاحًا لاحتياطي قوّة غير مستغلّ فعليًا حتّى الآن.
وكانت القبائل الرّعويّة في شبه الجزيرة العربيّة مرتحلة بالضّرورة ومولعة بالحرب، لكنّ إمكاناتها العسكريّة كانت تبدّد عادة في غارات صغيرة وعداوات. وجلبت عقيدة محمّد، والاستخدام الّذي استخدمته، لهذا المجتمع تماسكًا رائعًا، وإن كانت عابرة له”[14].
وقد لاحظ كوك في خاتمة كتابه “محمّد” فاعليّة حركة الفتوحات العربيّة الّتي تجلّت في القضاء على الإمبراطوريّة الفارسيّة من جهة، واحتلال مناطق شاسعة من الإمبراطوريّة البيزنطيّة من جهة ثانية. ولا أدلّ على ذلك غير قوله: “دمّرت الفتوحات العربيّة بسرعة إمبراطوريّة واحدة، وفصلت بشكل دائم مناطق كبيرة من أخرى”[15].
وتجلّى الدّور المركزيّ الّذي قام به محمّد في تحقيق الوحدة السّياسية بين القبائل وفي المجال السّياسيّ الّذي كوّنه من حروب أهليّة كثيرة بعد وفاته، ويقول كوك في هذا السّياق: “لم تأت الوحدة السّياسيّة بسهولة لرجال القبائل العربيّة، ففي غضون عقود من وفاة محمّد خاضوا حربين أهليّتين كبيرتين. ولم يكن من غير المعقول أن نفترض أنّ الهيمنة العربيّة سوف تتفكّك ببساطة تاركة بقايا قليلة كما فعل القوط في أوروبا. ومهما يكن من أمر، عادة ما يكون الفاتحون القبليّون أقلّ تحضّرًا من السّكّان المستقرّين الّذين يخضعون لهم، وهكذا ينتهي بهم الأمر بتبنّي ثقافة رعاياهم. ومن ذلك أيضا كانت هناك علامات في الفترة المبكّرة للحكم العربيّ. فلو تفكّك العرب سياسيًّا أو استسلموا ثقافيًّا في هذه الفترة التّكوينيّة، لما أصبحت الحركة الدّينيّة الصّغيرة الّتي بدأها محمّد في غرب شبه الجزيرة العربيّة حضارة من الحضارات الكبرى في العالم.
إنّ قدرة العرب على الصّمود في وجه الضّغوط التّعويضيّة بنجاح كبير في الأجيال الّتي تلت وفاة نبيّهم أمر لافت للنّظر. فمن الصّعب أن نتخيّل أنّه كان بإمكانهم فعل ذلك لو لم تستمدّ هيمنتهم المعنى والغرض من النّظام السّياسي التّوحيديّ الّذي خلقه محمّد بينهم، ومن الإيمان بالتّوحيد الّذي جعله ملكًا لهم”[16].
وفي ما يتعلّق بقبائل الشّمال فسّر وات انتشار الإسلام عن طريق الفتوحات بالحاجة إلى الرّفاهية المادّيّة، فالنّبيّ محمّد “طمح منذ معركة أحد إلى أن يصبح زعيم كلّ العرب. (…). وكان عليه، كي يخضع العرب لسلطته، أن يضع حدّا للحرب بين القبائل، وكان لا يكفيه من أجل ذلك أن يقنع العربيّ بقبول الدّيّة بدل قتل الحياة بالحياة، بل كان عليه أن يقدّم لهم متنفّسا لطاقاتهم الحربيّة ولزيادة عدد السّكّان. وكان هذا المتنفّس في رأيه يقع على طريق الشّمال، فحياة سوريا البيزنطيّة دائما أسمى في الرّفاهيّة المادّيّة من الحياة في الصّحراء أو في مدينة من قبيل مكّة”[17]. ولم تقتصر بطولة النّبي محمّد على الجانبين العسكريّ والسّياسيّ بل شملت الجانب الدّينيّ أيضا.
3- 2- النّبي محمّد بطلا دينيّا في الخطاب الاستشراقيّ:
تعرّضنا في العنصر السّابق إلى علاقة محمّد بمحيطه العربيّ، أما بالنّسبة إلى علاقته بمحيطه العالميّ فلم تقتصر رسالته على شبه الجزيرة العربيّة بل كانت موجّهة إلى كلّ بلاد العالم، وقد ضرب كوك مثل سلمان الفارسيّ على ذلك، عندما جاء باحثا عن دين إبراهيم الحنيف من فارس، ولا أدلّ على ذلك غير قوله: “كما رأينا، هناك بالفعل أدلّة في القرآن على أنّ رسالة محمّد كانت موجّهة من حيث المبدأ إلى البشريّة جمعاء. وكان أحد هؤلاء الأتباع المباشرين في الواقع فارسيًّا، يدعى سلمان، تخلّى عن دين آبائه، وترك موطنه، وجاء إلى شبه الجزيرة العربيّة بحثًا عن دين إبراهيم. وفي غضون قرن أو قرنين من وفاة محمّد، انتشر دين إبراهيم خارج شبه الجزيرة العربيّة، وظهرت أعداد كبيرة من الّذين اعتنقوا الإسلام بين الشّعوب الّتي تمّ فتحها. وفي البداية، كان التّحوّل يميل إلى أن يسير جنبًا إلى جنب مع التّعريب -بعبارة أخرى-، تمّ استيعاب المتحوّلين في مجتمع الفاتحين. لكن من النّاحيتين الاجتماعيّة والجغرافيّة، سرعان ما انتشر الإسلام بعيدًا عن متناول مثل هذا التّعريب”[18].
وهكذا انتشر الإسلام ليشمل حوالي سدس سكّان العالم في وقتنا هذا ويتجاوز شبه الجزيرة العربيّة نحو مختلف أصقاع العالم، وفي هذا السّياق يقول كوك: “اليوم، يُعرف النّبي العربيّ بأنّه رسول الله بين مجموعة كبيرة ومتنوّعة من الشّعوب، والعرب أنفسهم يمثّلون أقلّ من سدس مسلمي العالم. صحيح بالطّبع أنّ دين محمّد، بحرمه العربيّ وقرآنه العربيّ، يحتفظ بلون عربيّ قويّ. وعلى عكس المسيحيّة، لم تنفصل عن البيئة الّتي ظهرت فيها. ومع ذلك، فقد تلاشت الهويّة العربيّة للإسلام بشكل حتميّ على مرّ القرون، وأصبح الإسلام الآن أشياء كثيرة لكثير من النّاس”[19].
ويستدعي كوك الآية 129 من سورة البقرة[20]ليؤكّد أنّ دور محمّد يتجاوز النّذير ليشمل دور إحياء دين إبراهيم، إذ “ينشأ مفهوم أكثر طموحًا عن دور محمّد من دين إبراهيم. (…)، فيمكن أن يُنظر إليه رسولا أُرسل لاستعادته. (…). وفي سياق الرّواية القرآنيّة الرّئيسيّة لتأسيس الحرم، قرأنا أنّ إبراهيم صلّى بهذه الشّروط نيابة عن نسله”[21].
و”فلسطين بعيدة عن كونها غير هامّة في الأحاديث (وهي ستستعيد مركزيّتها في نهاية الزّمان). ومع ذلك، تمّ تقليصها بالفعل لصالح مكّة في السّنة الثّانية من الهجرة عندما غيّر محمّد اتّجاه صلاة أتباعه من القدس إلى مكّة في الرّواية التّقليديّة لسيرة محمّد. وبعد ذلك، أصبحت مكّة هي المحور الدّيني لحركته لأنّها تمثّل أيضًا الهدف الرّئيسي لتطلّعاته السّياسية والعسكرية. وفي المقابل، تلعب فلسطين هذا الدّور في المصادر غير الإسلامية، وتوفّر الدّافع الدينيّ لغزوها. ويقدّم المؤرّخ الأرمينيّ سيبيوس (ت 645م) أيضًا سببًا منطقيًّا لهذا الارتباط: فقد أخبر محمّد العرب أنّهم، بصفتهم أحفاد إبراهيم وأبناء إسماعيل، يطالبون أيضًا بالأرض التي وعد الله بها إبراهيم ونسله. ثم إنّ ديانة إبراهيم تمثّل في الحقيقة موضوعا مركزيا في الرّواية الأرمينية لدعوة محمّد مثلما هو الأمر في المصادر الإسلامية، لكنّها تُمكّننا من تحوّل جغرافي مختلف تمامًا”[22].
وقد اهتمّ كوك بتأثيرات المذاهب الرّئيسيّة اليهوديّة والمسيحيّة على الإسلام، وفي هذا السّياق تندرج فكرة “دين إبراهيم” الّتي هيمنت على مذاهب يهوديّة ومسيحيّة كثيرة. وقد أكّد ذلك بقوله بأنّ: “إحدى الأفكار الأساسيّة هي فكرة “دين إبراهيم”. يشير الحديث الإسلاميّ إلى أنّ ذلك لم يكن اختراعًا لمحمّد: سواء أكان صوابًا أو خطأ، فهو يصوّر أتباع هذه الفكرة في كلّ من مكّة ويثرب قبل مجيء محمّد. ونعلم أنّ الفكرة ظهرت خارج شبه الجزيرة العربيّة، ولو باعتبارها لاهوتا عقديّا لليهود والمسيحيّين. قبل محمّد بوقت طويل، كان كتاب اليوبيلات الملفّق (عمل يهودي محفوظ من قبل المسيحيّين) قد حدّد ديانة إبراهيم الّتي فرضها البطريرك على جميع أبنائه وأحفاده -بما في ذلك العرب ضمنيّا”[23].
واعتبر الحاخامات اليهود (ورفضوا بشكل غير مفاجئ) فكرة مطالبة الإسماعيليين بفلسطين بحكم النّسب من إبراهيم. ويعيد سوزومينوس، وهو كاتب مسيحي من القرن الخامس، بناء التّوحيد الإسماعيليّ البدائيّ المطابق لذلك الّذي كان يمتلكه العبرانيّون حتّى زمن موسى؛ ويستمرّ في القول من الظّروف الحاليّة إنّ تشريعات إسماعيل يجب أن تكون قد أفسدت بمرور الوقت وتأثير الجيران الوثنيّين. واستدلّ على ذلك بقصّة “زيد بن عمر” الّتي ذكرها كوك، إذ ذهب هذا الحنيفيّ العربيّ باحثا عن دين إبراهيم الحنيف من خلال الاستفسار عنه عند أحبار اليهود والنصارى. وعندما التقى راهبا في المرتفعات الواقعة شرق فلسطين أخبره أنّ “نبيًّا على وشك أن يُرسل ليعلن هذا الدّين وسوف يبعث في نفس الأرض الّتي انطلق منها زيد”[24]. وما دمنا بصدد تبيين وجوه بطولة النّبي محمّد في الخطاب الاستشراقيّ فإنّنا لم نقف عند الأبعاد العسكريّة والسّياسيّة والدّينيّة لذلك تطرّقنا إلى بالجوانب الاجتماعيّة أيضا.
3- 3- النّبي محمّد مصلحا اجتماعيّا في الخطاب الاستشراقيّ:
سعى هوبيرت جريم (1864-1952) إلى إثبات أنّ دعوة محمّد كانت أوّلاً وقبل كلّ شيء دعوة مصلح اجتماعيّ لا دعوة مصلح دينيّ. وقد انطلق فراد دونّر من هذه الأطروحة ليبيّن المعتقدات الأساسيّة للحركة المبكّرة للمؤمنين.
وتمثّلت المفاهيم الأساسيّة الّتي شكّلت حركة المؤمنين في الإله الواحد ويوم القيامة ورسل الله والكتاب والملائكة. لكنّ القرآن كان قد وضّح أنّ مجرّد القبول الفكري بهذه الأفكار غير كافٍ لتحقيق الإيمان الحقيقيّ، فقد كان على المرء أيضًا أن يكون تقيّا. وفي هذا السّياق يقول فراد دونّر:”إنّ تأكيد القرآن على أهمّيّة السّلوك الصّالح كبير إلى درجة أنّنا محقّون تمامًا في وصف حركة المؤمنين بأنّها ليست حركة تقوى بحتة فقط. ففي هذا السّياق، يمكن النّظر إلى حركة المؤمنين استمرارا للميل إلى التّقوى الموجود في ديانات الشّرق الأدنى في أواخر الكلاسيكيّة القديمة. (…) فمن الصّحيح بالطّبع أنّ تقوى حركة المؤمنين، كما نعيد بناءها من القرآن، تمثّل مظهرًا فريدًا لهذا الاتّجاه الواسع نحو التّقوى، المصمّم خصّيصًا للبيئة الثّقافيّة العربيّة. حتّى إنّهم اعتقدوا أنّ المؤمنين يرون العالم من حولهم استفسارا كاملا، وهو نوع من التّوجّه الزّاهد الذي كان بارزًا جدًا في التّقليد المسيحيّ الكلاسيكيّ المتأخّر، لاسيّما في سوريا ومصر”[25].
وليس هذا كلّ ما في الأمر، بل تحدّث وات أيضا عن هدف محمّد المتمثّل في الإصلاح الاجتماعيّ انطلاقا من الإصلاح الدّينيّ قائلا: “ومحمّد كان مؤسّس دين جديد ولم يكن بأيّ حال مجرّد مصلح اجتماعيّ، وإن كنّا لا نؤكّد كثيرا على نفي مهمّته الإصلاحيّة الاجتماعيّة. ويمكن أن نصف الأوضاع بمصطلحاتنا المعهودة فنقول، إنّه بينما كان محمّد واعيا بالعلل الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة والدّينيّة لعصره وبلاده، فإنّه اعتبر الجانب الدّينيّ هو الجانب الأساسيّ وركّز عليه”[26].
ولا يميل وات إلى النّظر إلى القرآن بوصفه نظاما أخلاقيّا جديدا تماما، بل باعتباره امتدادا للأفكار الأخلاقيّة التّقليديّة العربيّة بعد إخراجها إلى ظروف وأحوال جديدة خارج التّجربة البدويّة. وهكذا نقل القرآن الأخلاق العربيّة ذات الطّبيعة البدويّة ليوائمها مع الحياة المدنيّة.
وغير بعيد عن ذلك أكّد وات أنّ النّبوّة باعتبارها محور تكامل المجتمع مكّنت من مواءمة الأخلاق البدويّة لتصبح صالحة للمجتمعات المستقرّة، وكان مفتاح ذلك هو وضع مبدأ جديد لتنظيم المجتمع. وحتّى اليوم فإنّ رابطة المجتمع اعتبرت هي رابطة الدّم، لكنّ هذه الرّابطة الأخيرة تعتبر ضعيفة جدا في حالة المجموعات أو الجماعات الأكبر، فالأصل المشترك للأوس والخزرج لم يمنع الثّارات المريرة بينهما، كما إنّ الولاء للمجموعة برهن على أنّه وازع غير كاف للسّلوك طالما أنّ النّزعة الفرديّة في حالة نموّ.
إنّ الوحدة الاجتماعيّة الجديدة قد تضمّ عشائر مختلفة (قد تكون ذوات قرابة بعضها ببعضها الآخر أوّلا)، لكنّها تترابط معا بمقتضى الحقيقة الّتي تؤكّد أنّ النّبيّ قد أرسل إليهم جميعا. وبناء على ذلك، فإنّه يتوجّب على أفراد المجتمع طاعة أوامر الله كما أوحاها إلى نبيّه. وهكذا وجد مبدأ التّضامن ومبدأ السّلطة العليا الّتي تعلو فوق الجماعات المتنافسة، أعني النّبيّ أو -كما يمكننا أن نقول -كلمة الله. ويبدو تطوّر هذه الفكرة واضحا في القرآن بتواتر استخدام كلمة “أمّة” في الآيات الّتي نزلت في فترة متأخّرة لاسيّما في سياق الحديث عن اليوم الآخر، حيث يبعث الله كلّ أمّة ويحاسبها، وهذا لا يمنع من أن يلقى كلّ فرد جزاءه من ثواب أو عقاب وفقا لما يستحقّه.
وتضمّن القرآن أيضا ملامح من محاولات الإصلاح الاجتماعيّ عندما حرّم ميراث اليتامى. و “يهتمّ القرآن جدّا بهذه المشكلة الّتي هي أساس حديثه عن اليتامى: يا أيّها الّذين آمنوا لا يحلّ لكم أن ترثوا النّساء كرها”[27].
أمّا بالنّسبة إلى قضيّة التّبنّي فـ “لا نعرف إلّا القليل عن عادات التّبنّي في العصر الجاهلي، ونستطيع أن نقول إنّ محمّدا قضى على هذه العادات”[28]. وربّما أصبح زيد بن حارثة ابن محمّد حين تزوّج خديجة حسب مونتغمري وات، وليس حين أطلقه محمّد. وقد عرف باسم زياد بن محمّد. وتقول آية من القرآن تتحدّث عن زواج محمّد من امرأة زيد المطلّقة، زينب: “ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدّين ومواليكم”[29]. ووجد وات أنّ من بين معاني دعيّ “الشّخص الّذي يدّعي صفة البنوّة على الشّخص الّذي ليس والده أو الشّخص الّذي يطالب به ابنا له من ليس والده”[30].
وقد عرّض القرآن أيضا ب ـ”عادة الظّهار الّذي يقوم على أن يطلّق الرّجل امرأته قائلا لها: أنت عليّ كظهر أمّي، فيقول القرآن: وما جعل أزواجكم اللّائي تظاهرن منهنّ أمّهاتكم. ولذلك حرّمت هذه العادة”[31].
وقد تجاوزت جهود محمّد لإصلاح البناء الاجتماعيّ المجالات الّتي ذكرناها سابقا لتشمل الميراث، ولعلّ الأمر اللّافت للانتباه في هذا الشّأن تأكيد نبيّ الإسلام على ضرورة أن يرث اليتامى في القرآن، “وهذا سبب لإلحاح القرآن على حسن معاملة اليتامى. ولكنّ هذا المبدأ القائل إنّ الأموات لا يرثون، وإنّ الأحياء لا يمكن أن يمثّلوا الأموات، كان متأصّلا بعمق، بحيث أنّ القرآن لا يحاول تغييره البتّة”[32].
وذكر وات إصلاحات أخرى قام بها النّبي محمّد خارج المجالات الّتي حلّلنا أبعادها سابقا وهي العائلة والميراث والزّواج، إلّا أنّ هذه الإصلاحات كان مداها أقلّ شأنا. ومن المجالات الّتي تضمّنتها مجال الرّقّ. ويشبه موقف القرآن من الرّقّ إلى حدّ ما موقف العهد الجديد حسب وات، “فكلاهما يرضى بالرّقّ ويحاول التّخفيف منه. وربّما كان سبب الرّقّ في العصر الجاهليّ حالة الحرب المستمرّة بين القبائل العربيّة”[33].
ولم يكن عتق العبيد حتّى المؤمنين منهم فرضا ولم تعتق جارية النّبي مارية القبطيّة قطّ، وكذلك كان شأن جواري المقاتلين حسب قول ابن سعد و “تدلّ القوانين المتعلّقة بزواج العبيد في القرآن على أنّ الرّقّ ينظر إليه على أنّه شيء دائم. ففي الآية 40 من سورة النّساء يحتلّ العبيد مكانهم بين عدّة فئات من الّذين يتعلّق بعضهم ببعض أو المستضعفين والمحتاجين الّذين يجب العطف عليهم”[34].
4- خاتمة:
هكذا إذن تشكّلت بطولة النّبيّ محمّد في خطاب المستشرقين انطلاقا من مآثره في ميادين شتّى، فهو لم يكتف ببعث نواة الدّولة عن طريق الحروب والغزوات بتنظيم عسكريّ استثنائيّ مكّنه من تجاوز عوائق كثيرة وفرض دينه بسلطة السّيف، بل اعتبر دعوته إحياء لدين إبراهيم الحنيف. ويشهد القرآن المكّيّ الّذي نزل خصّيصا لجدال مشركي قريش على ذلك، ثمّ إنّ النّبيّ محمّد وظّف الدّين منطلقا للإصلاح الاجتماعيّ عن طريق إعادة النّظر في الأعراف الاجتماعيّة السّائدة.
قائمة المصادر والمراجع:
العربيّة:
المصادر:
- القرآن الكريم، دار الجيل، بيروت، ط1، 1403ه
- مونتغمري وات، محمّد في المدينة، ت. شعبان بركات، المطبعة العصريّة للطّباعة والنّشر، صيدا-لبنان، د.ت.
- مونتغمري وات، محمّد في مكّة، ت. عبد الرّحمان عبد الله الشّيخ، م. وت. أحمد شلبي، الهيأة المصريّة العامّة للكتاب، 1994.
المراجع :
- المبروك الشّيباني المنصوري، صناعة الآخر المسلم في الفكر الغربي المعاصر من الاستشراق إلى الإسلاموفوبيا، دراسات الاختلاف والحوار والتّعايش، مركز نماء للبحوث والدّراسات، د.ت.
- محمّد بن عياد، الكيان والزّمان، مكتبة علاء الدّين، صفاقس، ط1، 2018.
- محمّد الشّاوش، أصول تحليل الخطاب في النّظريّة النّحويّة العربيّة، كلّية الآداب بمنّوبة، تونس، ط1، 2001، ج1.
- نسيمة زمّالي، البطل في الآداب العالمية، من الأسطورة إلى الحداثة، مجلة الذاكرة، العدد الخامس، د.ت.
مقالات إلكترونيّة:
- برنارد لويس، مسألة الاستشراق، ترجمة عبد الباسط منادي إدريسي، موقع مؤمنون بلا حدود: تاريخ زيارة الموقع: أوت 2018.
- ريشارد غابرييل، محمّد النّبي المحارب، مدوّنات الجزيرة، تاريخ زيارة الموقع: جانفي 2022.
الأجنبيّة:
- Fred Donner, Muhammad and the Believers: At the origins of Islam, the Belknap press of Harvard University Press, Cambridge, Massachusetts, London, England, 2010.
- Michael Cook, Muhammad, Oxford New York, University Press.
[1]-“تعدّ أعمال هاريس(Harris) بحقّ البدايات الفعليّة في تحليل الخطاب٬ فقد حاول أن ينقل المناهج البنيويّة التّوزيعيّة في التّحليل وإقامة الأقسام إلى مستوى النّصّ وأن ينظّم متتالياته المتحقّقة في تحويلات شارحة مفسّرة”. محمّد الشّاوش٬ أصول تحليل الخطاب في النّظريّة النّحويّة العربيّة٬ كلّية الآداب بمنّوبة٬ تونس٬ ط٬1 ٬2001 ج1 ٬ ص76.
[2]– النّصّ هو “كلّ قطعة شفويّة أو مكتوبة طالت أو قصرت وكوّنت كلّا موحّدا” حسب مايكل هاليداي ورقيّة حسن.
[3]– المرجع نفسه،ص101.
[4]– تتمثّل مقوّمات النّصّ في انسجام الجمل في موضوعها ووظيفتها التّواصليّة وإنجازها في عمليّة تواصليّة أي الاتّساق والانسجام والنّيّة والمقبوليّة والإفادة ملائمة مقام ما والتّناصّ. ومبادئ الانسجام حسب محمّد الشّاوش هي السّياق والتّأويل المحلّيّ والتّشابه والتّغريض.
[5]– عرّف محمّد بن عيّاد الاستشراق بوصفه “منهجيّة فهم المسألة الشّرقية أوّلا، وطريقة تخيّلها ثانيا”. واعتبر كتاب سيمون أوكلاي (Simon Okley) “تاريخ العرب” (L’histoire des Arabes) المنشور سنة 1807 المؤلّف الأوّل في تاريخ الاستشراق. محمّد بن عيّاد، الكيان والزّمان، مكتبة علاء الدّين، صفاقس، ط1، 2018، ص34.
[6]– برنارد لويس، مسألة الاستشراق، ترجمة عبد الباسط منادي إدريسي، موقع مؤمنون بلا حدود، ص1: تاريخ زيارة الموقع: أوت 2018.
[7]– محمّد بن عياد، الكيان والزّمان، م. س.، ص34
[8]– توسّع المبروك الشّيباني المنصوري في بيان ذلك في كتابه “صناعة الآخر المسلم في الفكر الغربي المعاصر من الاستشراق إلى الإسلاموفوبيا”، دراسات الاختلاف والحوار والتعايش، مركز نماء للبحوث والدّراسات، د.ت.
[9]– نسيمة زمّالي، البطل في الآداب العالمية، من الأسطورة إلى الحداثة، مجلة الذاكرة، العدد الخامس، د.ت.، ص358.
[10]– المرجع نفسه،ص357.
[11]– المرجع نفسه،ص358.
[12]– ريشارد غابرييل، محمّد النّبي المحارب، مدوّنات الجزيرة، ص1، تاريخ زيارة الموقع: جانفي 2022.
[13]– Michael Cook, Muhammad, Oxford New York, University Press, p 85: «What Muhammad also did for the Arabs of his day was to effect a powerful fusion between his monotheism and their tribal politics. His achievement can be seen as a revival of the radically monotheist polity enshrined in the story of Moses».
[14]-Op. Cit., p85-86: «Against such a back ground, it was a very considerable innovation to bring about the rule of God and His prophet over an independent community of believers.
It was no accident that Muhammad achieved this in Arabia, with its predominantly pastoral and stateless tribal society. He had the good luck to be born into an environment which offered scope for political creativity such as is not usually open to the religious reformer. But it was clearly more than good luck that he found in this society the key to a hither to virtually untapped deserve of power.
The pastoral tribes of Arabia were of necessity mobile and warlike, but their military potential was normally dissipated in small- scale raiding and feuding. Muhammad’s doctrine, and the use he put it to, brought to this society a remarkable, if transient coherence of purpose».
[15]– Ibid. P86: «The Arab conquests rapidly destroyed one empire, and permanently detached large territories of another».
[16]– Michael Cook, Muhammad, p86: «Political unity did not come easily to the Arab tribesmen, and within decades of Muhammad’s death hey had fought two major civil wars. It was not unreasonable to suppose that Arab domination would simply disintegrate, leaving as little residue as did that of the Goths in Europe. In any case, tribal conquerors are usually less civilized than the settled populations they subject, and accordingly end up by adopting the culture of their subjects. Of this too there were signs in the early period of Arab rule. Had the Arab seit her disintegrated politically or capitulated culturally in this formative period; the minor religious movement initiated by Muhammad in western Arabia would not have become one of the world’s major civilizations. That the Arabs were able to withstand the countervailing pressures so successfully in the generations following the death of their prophet is remarkable. It is hard to imagine that they could have done so had their hegemony not derived meaning and purpose from the monotheist polity which Muhammad had created among them, and the monotheist faith which he had made their own».
[17]-مونتغمري وات، محمّد في المدينة، ت. شعبان بركات، المطبعة العصريّة للطّباعة والنّشر، صيدا-لبنان، د.ت، ص158.
[18]-Michael Cook, Muhammad, p86: «As we saw, there are already indications in the Koran that Muhammad’s message was in principle directed to all mankind. One of this these immediate followers was in fact a Persian, a certain Selman, who had abandoned the religion of his fathers, left his native land, and come to Arabia in search of the religion of Abraham. Within a century or two of Muhammad’s death, the religion of Abraham was spread far be yond Arabia, and large numbers of converts to Islam had appeared among the conquered peoples. At first conversion tended to go hand in hand with Arabisation- in other words, the converts were assimilated into the society of their conquerors. But in both social and geographic alters, Islam soon spread well beyond the reach of such Arabisation».
[19]-Ibid., p88: «Today, the Arabian prophet is recognized as the messenger of God among a great variety of peoples, and the Arabs themselves account for less than a sixth of the world’s Muslims. It is of course true that Muhammad’s religion, with its Arabian sanctuary and Arabic Koran, retains a strong Arab coloring; unlike Christianity, it did not break with the milieu in which it was born. Yet the Arab identity of Islam has inevitably faded with the centuries, and Islam is now many things to many men».
[20] – “رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ”.
[21]– Ibid., p39-40: «A more ambitious conception of Muhammad’s role arises out of the religion of Abraham. (…), Muhammad could be seen as a messenger sent to restore it (…). In the course of the major koranic account of the foundation of the sanctuary, were ad that Abraham prayed in these terms on behalf of his descendants».
[22]-Michael Cook, Muhammad, p76: «Palestine is far from unimportant in tradition (we saw how it tends to recover its centrality towards the end of time). Yet in the traditional account of Muhammad’s career, it is already demoted in favor of Mecca in the second year of the Hijra, when Muhammad changes the direction of prayer of his followers from Jerusalem to Mecca. There after Mecca is the religious focus of his movement, as it is also the main object of his political and military aspirations. In the non- Muslim sources, by contrast, this role is played by Palestine, and provides the religious motive for its conquest. The Armenian chronicle Erfurt she gives a rationale for this attachment: Muhammad told that Arabs that, as descendants of Abraham through Ishmael, they too land a claim to the land which God had promised to Abraham and his seed. The religion of Abraham is in fact as central in the Armenian account of Muhammad’s preaching as it is in the Muslim sources; but it is given a quite different geographical twist».
[23]– Michael Cook, Muhammad, p76: «(…) picking out a couple of key elements of Muhammad’s preaching and asking where they may have come from.
One quite fundamental idea is that of the ‘religion of Abraham’. That this was not an invention of Muhammad’s is indicated by the Islamic tradition: rightly or wrongly, it depicts adherents of the idea in both Mecca and Yathrib before the coming of Muhammad. Outside Arabia, we know that the idea had occurred, if only as armchair theology, to Jews and Christians. Long before Muhammad, the apocryphal Book of Jubilees (a Jewish work preserved by Christians) had outlined a religion of Abraham which the patriarch had imposed on all his sons and grandsons- including by implication the Arabs».
[24]– Ibid., p84: «(…) a prophet was about to be sent to proclaim this religion- and would arise in the very land from which Zayd had set out».
[25]– Fred Donner, Muhammad and the Believers: At the origins of Islam, the Belknap press of Harvard University Press, Cambridge, Massachusetts, London, England, 2010, pp 66-67: «The Quran’s emphasis on the importance of righteous behavior is so great that we are fully justified in characterizing the Believers’ movement as being not only as strictly pietistic one. In this respect, the Believers’ movement can be seen as a continuation of the pietistic tendency found in Near East irreligious in the late antique period. (…) it is of course true that the pietism of the Believers’ movement, as were construct it from the Quran, represents a unique manifestation of this broad trend toward piety, tailored to the Arabian cultural environment. Even though the Believers perceived the world around them to be full odinquiety, the kind of ascetic orientation that was so prominent in the late antique Christian tradition, especially in Syria and Egypt».
[26]– مونتغمري وات، محمّد في مكّة، ت. عبد الرّحمان عبد الله الشّيخ، م. و ت. أحمد شلبي، الهيأة المصرية العامّة للكتاب، 1994.ص191.
[27]-وات، محمّد في مكّة، ص430.
[28]– المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[29]– الأحزاب (33/5).
[30]– وات، محمّد في مكّة، ص431.
[31]– المرجع نفسه،ص431-432.
[32]– المرجع نفسه، ص443.
[33]– المرجع نفسه،ص447-448.
[34]– وات، محمّد في مكّة،ص449-450.