ملخص:
يهدف هذا المقال الى تحليل مختلف المتغيّرات الّتي يمكن أن تفسّر تعقّد أزمة التنمية في المناطق الدّاخلية في تونس. وقد اعتمدنا مقاربة سوسيولوجية – تاريخية اتّخذت استقلال البلاد التونسية في سنة 1956 نقطة بدايتها. وحاولنا تحليل مختلف السّياسات التنمويّة الّتي توخّتها مختلف الحكومات المتعاقبة على الحكم في تونس، غير أنّنا ركّزنا على تفكيك السّياسات التنمويّة لحكومات الفترة الانتقاليّة والهادفة الى معالجة مسألة التّفاوت الجهويّ الى غاية 2014. والاستنتاج الأساسي الّذي انتهت إليه هذه الدّراسة هو أنّ أزمة التنمية في المناطق الدّاخلية ما فتئت تشتدّ نتيجة تراكم الإحباطات وفشل كلّ الإجراءات الحكوميّة. وبغضّ النّظر عن المتغيّرات الاقتصاديّة والسّياسيّة فإنّ التّفاوت الجهويّ في تونس هو نتاج متغيّرات اجتماعية وثقافية متجذّرة في إطار الأحكام النمطيّة الجهويّة والصّراعات الرمزيّة المتولّدة عنها.
الكلمات المفاتيح: الدّولة- المناطق الدّاخلية – التّفاوت الجهويّ- المرحلة الانتقالية- تونس.
Abstract:
This article aims to analyze the different variables that could explain the complexity of the development crisis in the interior regions of Tunisia. It is for this reason that we tried to adopt a socio-historical approach whose starting point is the independence of Tunisia in 1956. In fact، we tried to analyze the development policies adopted by the different governments that have succeeded each other in power since 1956. However، given the extent of the “revolutionary mobility” of 2011، emphasis has been placed on attempts to remedy the phenomenon of regional disparity، developed by the governments of the transitional phase until 2014. The major finding revealed by this study is that the development crisis of the interior regions persists and becomes more and more serious given the accumulation of frustrations، disappointments and the failure of all measures taken by different governments. Indeed، in addition to economic and political variables، this regional disparity is due to socio-cultural variables، which are، the anchoring of regional stereotypes and the symbolic struggles that are generated from it.
Key words: State، interior regions، regional disparity، transitional phase، Tunisia.
1- تقديم:
ظلّت مسألة التّفاوت الجهويّ بين المناطق السّاحلية والدّاخلية في تونس معضلة كبيرة في مختلف المراحل السّياسيّة الّتي عرفتها الدّولة الوطنيّة. وبذلك فقد مثّل رهان تنمية المناطق الدّاخلية تحدّيا هامّا لمختلف الحكومات الّتي تداولت على السّلطة منذ استقلال تونس في سنة 1956، كما شكّل أساسا لمضامين الخطاب الانتخابيّ الموجّه لسكّان هذه المناطق في مختلف المحطّات الانتخابية. غير أنّ اخفاق مختلف المشاريع الهادفة لإيجاد توازن جهويّ في تونس عبر مختلف المراحل لم يمنع ظهور بوادر انفراج مع بداية “الحراك الثّوري” الّتي عرفته تونس منذ 17 ديسمبر 2010 وما رافقه من خطاب ثوريّ داعم لمسار العدالة والمساواة بين كلّ الفئات والجهات. كانت بوادر التّفاؤل مشروعة بفعل ذلك الزّخم الّذي ميّز المرحلة الانتقاليّة في بداياتها، وتلك الفعاليّات الهامّة الّتي رافقتها في اتّجاه تفعيل مطلب التّغيير الثوري، غير أنّ الانتكاسات الّتي عاشها النّشطاء الثوريّون خصوصا، وعموم المواطنين التّونسيّين تجعلنا نوصّف هذا الإخفاق المزمن بأنّه أزمة حقيقية في معالجة قضايا التنمية عموما وتنمية المناطق الدّاخلية خصوصا. وسنحاول من خلال هذه الدّراسة أن نشخّص ملامح هذه الأزمة عبر منهج سوسيو-تاريخي يمتدّ من قيام الدّولة الوطنيّة الى حدود إصدار دستور 2014.
2- نشأة الدّولة الوطنيّة وإشكالات التّفاوت الجهويّ: اتّفاقيّات الحكم الذّاتيّ والولادة العسيرة للدّولة الوطنيّة:
مثّلت المرحلة التأسيسية للدّولة الوطنيّة مرحلة حاسمة في تحديد المسار السّياسيّ للدّولة التّونسية وفي توجيه الاختيارات التنمويّة ومن بينها تنمية المناطق الدّاخلية.
وقد أبرمت الحكومتان التونسيّة والفرنسيّة يوم 3 جوان 1955 اتّفاقيّات الاستقلال الداخلي التي منحت الحكومة التونسيّة سيادة داخليّة، وقد أثارت هذه الاتّفاقيّات ردود فعل متضاربة ، ففي حين أيّد قسم أوّل ضمّ أغلب قيادي “الحزب الحرّ الدستوري الجديد” يتزعّمهم بورقيبة هذه الاتّفاقيّات واعتبروها خطوة إلى الأمام، عارض قسم ثانٍ من قادة الحزب وعلى رأسهم صالح بن يوسف[1] هذه الاتّفاقيات واعتبروها خطوة إلى الوراء، ومجرّد مناورة استعماريّة تسعى إلى إطالة عمر نظام الحماية الذي بدأ في لفظ أنفاسه الأخيرة إثر انسحابه من الهند الصينيّة.
هذه العوامل جعلت صالح بن يوسف الذي كان بمقتضى إقامته بالقاهرة على اتّصال وثيق بحركات التّحرير خاصّة بعد مشاركته في أفريل 1955 في “باندونغ” في أوّل مؤتمر لـحركة عدم الانحياز” يعتبر أنّ التّنازلات التي قُدِّمت إلى فرنسا، في إطار هذه الاتّفاقيّات، لا مبرّر لها وأنّ مبدأ الحكم الذّاتيّ نفسه قد تجاوزته الأحداث، ولم يعد يعكس موازين القوى الجديدة، كما أنّه لم يستجب إلى تطلّعات التّونسيّين ولا يواكب طموحاتهم في التحرّر الكامل. بادر صالح بن يوسف فور رجوعه إلى تونس بشنّ حملة واسعة على الاتّفاقيات. وحاول إبراز نقائصها، ودعا التّونسيّين إلى رفضها ومواصلة الكفاح حتى الحصول على الاستقلال التامّ، وعمل على تنشيط المقاومة المسلّحة، وتنظيم صفوف المعارضين لهذه الاتّفاقيات، فقام بعدّة جولات داخل البلاد، وتمكّن من تعبئة شرائح وفئات عريضة من الشّعب التونسي ضدّ مشروع بورقيبة، حيث قام بزيارات إلى مدينة الكاف وسليانة أين أعرب له ممثلو القوى السّياسيّة هناك أمثال المناضل “عبد القادر زرّوق” عن استعدادهم لمواصلة كفاحهم، كما اتّصل بأهالي القصرين وقفصة وقمودة حيث استقبل استقبالا جماهيريا حماسيّا[2].
ويعتبر الخطاب الذي ألقاه الأمين العام للحزب صالح بن يوسف بجامع الزيتونة إثر صلاة الجمعة يوم 7 أكتوبر 1955 بمثابة خطاب سياسيّ منهجيّ يترجم التّوجهات الإيديولوجية للشقّ اليوسفي ورؤيته الإستراتيجيّة للكفاح الوطني وموقفه المعلن من اتّفاقيّات الحكم الذّاتيّ. ويعبّر “بن يوسف” عن كلّ ذلك من خلال هذا المقتطف من الخطاب المذكور: “أحييكم من هذا المسجد الإسلامي العظيم تحيّة أحملها لكم من أعماق قلبي، قد حمّلني إياها إخوانكم العرب والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها… أنّ أولئك الإخوان العرب والمسلمين… يهيبون بكم أن تكافحوا، وأن تضحّوا… لتحرير هذه الأرض التونسيّة تحريرا كاملا شاملا ويتحرّر المغرب كله من ربقة الاستعمار… حتى تبقى أرض المغرب أرضا عربيّة مسلمة… ويهيبون بكم أن تشدّوا بعضكم بعضا كالبنيان المرصوص وتقفوا صفا واحدا متراصّا لتحطيم هذه الاتّفاقيّات التي اعترفت للاستعمار بما لم تعترف به معاهدة “باردو”[3].
نجحت كلّ هذه الجهود التعبويّة في تكوين جبهة يوسفيّة تعارض اتّفاقيّات الحكم الذّاتيّ خصوصا، والتوجّه البورقيبي عموما. وهذا ما دفع الحبيب بورقيبة من جانبه إلى القيام بجولات داخل البلاد للدفاع عن هذه الاتّفاقيّات “ودحض ادّعاءات الأمين العام” مبيّنا الإمكانات التي تتيحها هذه الاتّفاقيّات لمواصلة الكفاح التحرّري لا في تونس فحسب، بل أيضا في كلّ من الجزائر والمغرب وعلى الطابع “الانتقالي” لهذه المرحلة.
في 12 أكتوبر 1955 قرّر الديوان السّياسيّ إبعاد صالح بن يوسف عن الأمانة العامّة. وعقد مؤتمر خارق للعادة لحسم هذا الخلاف الذي أصبح يهدّد وحدة الحزب. التأم هذا المؤتمر في صفاقس فيما بين 15- 18 نوفمبر 1955. وكان مؤتمرا بورقيبيّا من حيث تنظيمه، ومؤتمروه. وأفضى إلى إزاحة صالح بن يوسف من الحزب. ونجم عن ذلك صراع سياسيّ دمويّ عميق بين أنصار الزّعيمين تجاوزت جذوره الخلاف حول اتّفاقيّات الحكم الذّاتيّ، وانقلب إلى صراع مركّب اختلطت فيه الأبعاد الشخصية بالأبعاد الإيديولوجية والسّياسيّة، لذلك فقد تحوّل إلى عامل تصدّع عميق انقسم بفعله المجتمع الى شقيّين: شقّ بورقيبي يمثله الدّيوان السّياسيّ. وشقّ يوسفي تمثّله الأمانة العامّة، أي الى استقطاب خطير هدّد الوحدة الوطنيّة. وأشعل نيران فتنة داخليّة، بالرّغم من الاضطرابات السّياسيّة الخطيرة التي توّلدت عن هذا الانشقاق فقد سيطر الشقّ البورقيبي للحزب على مفاصل الدّولة واستطاع توجيه المسار السّياسيّ والاختيارات التنمويّة الكبرى وفقا لتصوّرات الزّعيم السّابق الحبيب بورقيبة.
3- الدّولة الوطنيّة والاختيارات التنمويّة : بين مطلب التّحديث البورقيبي ورهانات التّنمية:
وجّهت الكاريزما البورقيبية الى حدّ كبير “المشروع التحديثي” للدّولة الوطنيّة حيث أسقط الزّعيم السّابق رؤيته الحداثية على الاختيارات التنمويّة للبلاد التونسية خصوصا في السّنوات الأولى الّتي عقبت الاستقلال.
3- 1- الحداثة في المشروع البورقيبي: الأسس والتجلّيات:
يرتكز “المشروع الحداثي البورقيبي” على جملة من الأسس التي تتماهى بشكل لافت مع “الحداثة الأوروبيّة” التي تمثّل مرجعيّته الفكريّة الأساسيّة، غير أنّ ما تجدر الإشارة إليه هو أنّه لم ينف المكاسب الحضاريّة التي أفرزتها الثقافة العربيّة الاسلاميّة، كما هو الشّأن بالنّسبة للمشروع “الأتاتوركي”، ولكنّه انتخب منها ما لا يتعارض مع المكسب الإنسانيّ المشترك والقيم الكونيّة. وفي هذا السّياق فقد أكّد الزّعيم السّابق في العديد من خطبه على ضرورة الاعتماد على العقل باعتباره المصدر الوحيد للمعرفة. يقول بورقيبة: ” تسيير الأمور على هدى من العقل وهيهات أن يضلّ الطريق من كان دليله ورائده”[4]. إنّ التأكيد على السّلطة المطلقة للعقل يخفي نوعا من التّضمين الذي يهدف إلى تحرير العقل من سلطة الدين. وبتعبير أوضح إلى سحب المقدّس من الدّين إلى العقل أي تأليه العقل[5]، هذا التأليه الذي لا يمكن تحقيقه إلّا من خلال تحرير الإنسان، وتخليص “العقول الفاسدة”[6] من مختلف العوائق التي لا تقتصر بالنسبة لبورقيبة على “العادات والتقاليد البالية”، بل كذلك على الإيديولوجيات. إذ أن الخطاب البورڤيبي يدافع على العقل الشّمولي بوصفه أداة للتّنوير والتقدّم لا بوصفه رهينا لدوغمائيّة إيديولوجية يقول بورڤيبة: “(….)أردت أن ألفت نظركم إلى هذه المسائل حتى لا ينساق مركز البحوث والدّراسات الاقتصادية والاجتماعية وراء نظريات ودعايات وأقاويل واهية وحتى لا يكتفي بترديد أقوال ” برودون” أو “أنجلس” أو “لينين” أو “تروتسكي“[7].
ينظر بورقيبة إلى العقل باعتباره أداة للمعرفة اليقينيّة، لذلك فهو لا ينطلق من منظومات فكريّة جاهزة، بل يتحرّى المنهج العقليّ – المنطقي- بطريقة براغماتيّة. مثّلت قيم التقدّم والعصرنة قيما موجّهة للخطاب البورقيبي، إذ أنّه، بالإضافة إلى استعماله لمفاهيم التعصير والتقدّم، فإنّه استخدم كذلك مصطلحات إجرائيّة تنبع من هذين المفهومين، مثل عبارات “مقاومة التخلّف، التخلّص من الفقر، المعركة الاقتصادية، الجهاد الأكبر. “وهي مصطلحات” حركيّة”[8] تهدف إلى تجنيد الشعب لخوض حرب تجسّم مشروع بورقيبة. إنّ هذا الخطاب التعبويّ يجب ألاّ يفهم إلاّ في إطار سعي بورقيبة إلى “اللّحاق بركب التقدّم”[9]، بمعنى الالتحاق بمستوى تنمية المجتمعات الغربية عموما وبهذا المعنى فإنّ الوعي التاريخي البورڤيبي هو وعي تطوّري خطّي لا يعترف إلاّ بنموذج واحد للتقدّم والعصرنة، وهو النموذج الغربي، غير أنّ ذلك لم يمنع بورقيبة من تشكيل “نموذج تونسي “لا يتنكّر لمبادئ الحداثة الأوروبيّة ولكنّه “يتونسها ” من خلال الاعتزاز بالتاريخ الوطني وتثبيت مقومات الشخصيّة التونسيّة. كما تجدر الإشارة إلى أنّ التأكيد على مفهوم الأمّة التونسيّة، وتغييب مفهوم الأمّة العربية الإسلامية في الخطاب البورقيبي هو أمر مقصود يؤكّد أن مرجعيّة بورقيبة الحضاريّة هي مرجعيّة انتخابيّة ترتكز على بعدين أساسيين وهما: البعد الوطني والبعد الأوروبي الغربي بالإضافة إلى البعد العربي الإسلاميّ في حدود عدم تعارضه معهما.
كانت هذه القيم موجّهة للمشروع البورقيبي التحديثيّ الذي تجلّى في مستويين أساسيّين، وهما: إخضاع المؤسّسة الدّينيّة من جهة أخرى، وتحطيم المؤسّسة القبليّة من جهة ثانية، فعلى المستوى الأوّل يعتبر بورقيبة أن زعامته وإشعاع شخصيته الكاريزمية يمكّنانه من ممارسة سلطة دينية هي سلطة الإمامة التي تتفوق على سلطة الرئاسة من حيث النفوذ والتأثير، حيث يقول في خطاب 24 مارس 1975: “وللإمام في الإسلام منزلة عظيمة، تجب طاعته فتقرن بطاعة الله ورسوله، رفعا لشأنه وتنويها بقدره، وقد قال جلّ من قائل: “وأطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم”[10]. وتكمن أهمية منصب الإمام بالنسبة لبورقيبة حسب “عدنان المنصر” في كونه قادرا على تحمّل مسؤولية التشريع[11]، حيث أنّ ” الإمام يتحمل مسؤولية التشريع بحسب ما تمليه مصلحة الأمّة أو تفرضه ضرورة الأحوال الطارئة”[12]. تمثّل الإمامة رهانا حاول الزعيم كسبه متحدّيا المؤسسة الفقهيّة التي لا يعترف بها باعتبار أن الإمام أرقى من الفقيه.
أمّا بالنّسبة إلى المستوى الثاني فقد عمل النظام البورڤيبي منذ بداية الاستقلال على تفكيك البنية القبلية العروشية (أي القبليّة) التي كانت تهدّد مشروع الدّولة الوطنيّة الفتية حيث أنّ خطر القبيلة بالنسبة لبورقيبة لا يتمثل في تعطيلها لمسار الحداثة فحسب، بل كذلك في منافستها لسلطة الدّولة، إذ كثيرا ما مثّلت القبيلة خطرا حقيقيّا عل السّلطة المركزية في الفضاء المغاربي خلال العصر الحديث لا سيما بالنسبة لقبائل السّيبة[13]. ولئن اعتبرت القبيلة في تونس محدودة التأثير مقارنة بقوّة قبائل السّيبة في المغرب التي استطاعت أن تحمي نفسها من تدخّل الرأسمالية العقارية[14] فإنّ مظاهر التضامن القرابيّ ظلّت راسخة في اللّاوعي الجمعي خاصّة في مناطق الجنوب التونسي[15]. لم يكن هذا اللاوعيّ السّياسيّ القبلي غائبا عن وعي بورقيبة، إذ أنّ اتّصاله المباشر بمختلف الفضاءات القبلية مكّنه من استيعاب أسس الولائية العروشية المتمثّلة أساسا في وجود ملكية عقارية تستغل بشكل جماعيّ تضامنيّ، ولذلك فقد سارع بورقيبة منذ فجر الاستقلال إلى تصفية هذه الملكية العقارية العروشية من خلال إصدار “قانون 28 سبتمبر 1957” الذي قضى بتحويل أراضي العروش من أراضي جماعية إلى أراض فرديّة. وقد عبّر بورڤيبة بكلّ وضوح عن استيائه الشّديد من هذه الوضعية العقارية المعطّلة للتنمية في خطاب ألقاه يوم 28 أفريل 1963 بمدينة قابس: “القانون يقف أحيانا عرضة في سبيل استثمار مساحات شاسعة من الأراضي تسمى أراضي العروش”… ففي ثلاث أو أربع ولايات توجد مئات الآلاف من الهكتارات بل أكثر من مليون أو مليوني هكتار من أراضي العروش بدعوى أنّ العشيرة الفلانيّة أو الفلانيّة تملك تلك الأراضي… لم يعد من اللائق أن نترك أراضي شاسعة بوار (كذا!) معطلة لمجّرد كون اسمها” أرض عروش – أو أراضي اشتراكية-… الله أعلم من أين انجرّت لها وكيف تكوّنت ملكيتها لأوائلها فيما تقدّم من الأزمان”[16]. إنّ المتأمل في هذا الخطاب سوف يلاحظ دون أدنى شكّ أن بورقيبة لم يكن يهدف إلى حثّ السّكان على إحياء أرض بور أهملوها بفعل الاستغلال الجماعيّ فحسب، بل هو خطاب مناوئ للعروشية باعتبارها بنية اجتماعية، ذلك أنّ سؤاله حول شرعية ملكية العروش لهذه الأراضي “الله أعلم كيف تكوّنت ملكيتها لأوائلها فيما تقدّم من الزمن” هو سؤال استنكاري مشحون يؤكّد عدم اعتراف -بورڤيبة- بشرعية امتلاك العروش هذه الأراضي، وبالتالي فإنّه يحاول تحطيم العروشية من خلال سحب شرعية امتلاكها للأرض.
3- 2- السّياسة التحديثيّة وتحدّيات اللّاتوازن الجهويّ:
كان الهدف الاوّل للسّياسة البورقيبيّة هو تحقيق تحديث شامل للمجتمع التونسيّ وفق تصوّره من خلال مؤسّسات الدّولة وبواسطة ترسانة قانونيّة تهدف الى تجسيم ذلك، وكانت أولى القوانين الصّادرة عن المؤسّسة التشريعيّة برهانا على ذلك حيث قضت بتصفية الملكيّة العقارية للعروش كما أشرنا إلى ذلك سابقا، ثمّ صدر قانون الأحوال الشّخصيّة[17] الذي مثّل زلزالا حقيقيّا قوّض البنية البطريركيّة للمجتمع[18] من خلال إلغاء تعدّد الزّوجات، وإقرار الطّلاق العدلي ..أمّا على المستوى الاقتصادي فقد اعتبر تحقيق النموّ أساس التنمية وذلك من أجل “اللّحاق بركب الأمم المتقدّمة” [19]، وكانت نتيجة ذلك تعميق اللّاتوازن الجهويّ من خلال تركيز الاستثمار في المناطق السّاحليّة في السّنوات الأولى للاستقلال والتي مثلت 60% من الاستثمار العمومي و80% من الاستثمارات الخاصّة[20].
كان التباين الجهويّ الأساسيّ للبلاد التونسيّة بين المناطق الشّمالية والجنوبية أساسا نتيجة المعطيات الطبيعية. وقد زاد الاستعمار الفرنسي في تدعيم هذا الاختلال، حيث استحوذ على أخصب مناطق الشمال. وأنشأ المدن والمراكز الاستيطانية التي غطّت جلّ الشّمال واستقرت الجاليات الأوروبية الحضرية أساسا في أهمّ المدن، كالعاصمة وصفاقس وبنزرت ومنزل بورقيبة… أمّا في الوسط فكان الاستيطان محدودا جدّا. واقتصر على بعض المراكز الصغيرة، في حين كان الجنوب يرزح تحت الإدارة العسكرية. ولم يستثن من ذلك سوى المراكز المنجمية في المناطق الداخلية التي كانت بؤرا استعمارية تخضع لاقتصاد مُتخارج يرتكز في السّواحل لتصدير الفسفاط أو الحديد. تعكس الكثافات السّكانية، بالإضافة إلى توزّع المدن والنشاط الصناعي في منتصف الخمسينات، هذا التنظيم المجالي حيث تنخفض الكثافات وتقلّ المدن من الشّمال إلى الجنوب بموازاة تراجع الأمطار وارتفاع الجفاف والحرارة23. هذه الكثافات تعكس في الواقع البعدين الطبيعي والتّاريخي للتنظيم المجالي الذي يخضع أساسا إلى الفلاحة والاقتصاد الاستخراجي. أشار التقرير الاقتصادي والاجتماعي للإتّحاد العام التّونسي للشغل سنة 1956 إلى هذا التّفاوت: شمال-جنوب، ونادى بمعالجته، ممّا جعل وثيقة الاستشراف العشري 1962-1971 تعتمدها كذلك. غير أنّ مختلف التّجارب التنمويّة التي خاضتها البلاد التونسيّة بمختلف اختياراتها وخلفياتها أدّت إلى انقلاب التّفاوت الإقليمي ليصبح شرق-غرب بين المناطق الساحلية والدّاخلية أساسا[21]، وذلك بالرّغم من اعتماد اقتصاد موجّه عُرف في تونس “بتجربة التعاضد” من سنة 1962 الى سنة 1969 وإقامة بعض الأقطاب الصّناعيّة الهادفة الى تنمية المناطق الدّاخليّة مثل معمل الورق في القصرين (الوسط الغربي) ومعمل السكّر بباجة (الشّمال الغربي). ومع بداية السّبعينات من القرن الماضي وانفتاح الاقتصاد على الخارج من خلال الأنشطة المُتخارجة (extravertie) كالسّياحة السّاحليّة والأنشطة الصّناعيّة الموجّهة للتصدير الّتي أقرّها قانون 24 أفريل 1972 والقوانين المكمّلة له[22] فقد تعمّق التباين بين المناطق السّاحليّة والدّاخليّة بتعمّق ارتباط الاقتصاد التونسي بمصالح الرّأسمال الخارجي في إطار علاقات تبادل لامتكافئة[23]، وتجدر الإشارة أنّ مصالح قوى المركز الرأسماليّ لا يهمّها البتّة التقليص من التّفاوتات الجهويّة، بل يهمّمها فقط تحقيق أقصى حدّ من الأرباح، لذلك كانت أغلب المشاريع الاستثماريّة المرتكزة على امتيازات قانون أفريل 1972 في المناطق السّاحليّة .
سعت السّلط العموميّة إلى معالجة الوضع من خلال عدّة “برامج ترقيعيّة” مثل برنامج اللاّمركزية الصناعية سنة 1977 والتنمية الريفية في سنة 1982، لكنّ كلّ هذه البرامج لم تفلح في كسر الحلقة المفرغة للاستقطاب السّاحلي[24]. دخلت البلاد التونسيّة منذ أواخر سبعينات القرن العشرين في أزمة سياسيّة واجتماعيّة خانقة من أبرز مؤشّراتها أزمة جانفي [25]1978 ثمّ “ثورة الخبز” في جانفي1984 [26]، ونتيجة لذلك فقد تمّ إقرار برنامج للإصلاح الهيكلي في سنة 1986 تمّ من خلاله مراجعة الاختيارات الاقتصاديّة الكبرى في اتجاه تمكين آليّات اقتصاد السّوق وتعميق انخراط الدّولة في الاقتصاد المُعولم وفق برنامج تأهيل رسمته أساسا الدّوائر الماليّة الدّوليّة والبنك العالمي، وكان التغيير السّياسيّ الذي عرفته تونس بإزاحة الزّعيم السّابق الحبيب بورقيبة في 7 نوفمبر 1987دعامة كبرى لهذا التوجّه من خلال بناء شبكات مصالح أصبحت بمقتضاها الدّولة التونسيّة بمثابة “التلميذ النّجيب” للدّوائر الماليّة العالميّة على حدّ تعبير العديد من المحلّلين . كانت كلّ هذه “الإصلاحات الهيكليّة” مطيّة لانخراط الدّولة التونسيّة في علاقات تبادل لا متكافئة جعلتها تنتقل من أزمة إلى أخرى شملت كلّ مناطق البلاد ولا سيّما المناطق الدّاخليّة.
4- الحركات الاجتماعيّة الممهّدة للحراك الثوري 17 ديسمبر- 14 جانفي 2014: ارتداد دارماتيكيّ لعدم التوازن الجهويّ:
لم يندلع الحراك الثوري لسنة 2011 من فراغ بل مهّدت له العديد من الانتفاضات الشّعبية الّتي عرفتها البلاد التونسية خصوصا منذ 2008 تاريخ انتفاضة الحوض المنجميّ بقفصة.
4- 1- انتفاضة الحوض المنجميّ بقفصة و فضل كسر حاجز الخوف:
اندلعت الحركة الاحتجاجية للحوض المنجميّ بعد إعلان نتائج المناظرة التي تهمّ انتدابات شركة فسفاط قفصة في جانفي 2008. ولقد خيّبت نتائج المناظرة آمال شباب المناجم باعتبار أنّ المنتدبين الجدد كانوا في غالبيّتهم من المقرّبين من السلطة أو الذين وفّرت لهم علاقاتهم الخاصّة أسباب النّجاح في مناظرة صوريّة، كانت المحسوبية وشبكة العلاقات في نظرهم هي العوامل المحدّدة للنّجاح[27]. انطلقت الأحداث من مدينة الرديّف[28] غير أنّها سرعان ما انتقلت إلى بقية مدن الحوض المنجمي وبعض المدن المجاورة مثل مدينة فريانة من ولاية القصرين. وتعتبر هذه الحركة الاحتجاجية الأولى من نوعها، منذ بداية حكم “بن علي” والتي كان لها فضل كسر حاجز الخوف وتحدّي النّظام الدّكتاتوري[29].
تطوّرت أحداث الرديف من احتجاج على نتائج المناظرة إلى احتجاجات ضدّ الفساد والبطالة وعدم التوازن بين الجهات. تواصلت الاحتجاجات عدّة أشهر، وتنوّعت أشكالها كالاعتصامات والعصيان المدني والمسيرات اللّيلية، وقد كان لنقابيّي الرديف ونشطائها دوار أساسيّ في تأطير الحركة وتنظيمها. واجه النظام الحركة الاحتجاجية السّلمية بقمع رهيب. وقد نتج عن سياسية القبضة الحديدية التي اتّبعها سقوط ثلاثة شهداء فضلا عن عدد كبير من الجرحى[30].
4- 2- أحداث بن قردان 2010: أزمة التنمية المحلّية في المناطق الحدوديّة:
انفجرت الأوضاع بمدينة “بن قردان” التّابعة لولاية مدينين في صائفة 2010. وتعود أسباب هذه الحركة إلى تضييق السّلطات التونسية على الحركة التجارية مع القطر الليبيّ وبصفة خاصّة على تجارة العبور وعملّيات التهريب التي تمثل النّشاط الأساسيّ لسكّان المنطقة نتيجة غياب/ تغييب الاستثمار التنمويّ في المنطقة لمدّة عقود طويلة. انطلقت الحركة الاحتجاجيّة بعد الإعلان عن تحويل العمليّات التجاريّة بين تونس وليبيا مباشرة بين ميناء طرابلس وصفاقس والاستغناء من معبر أرس جدير. ويعني هذا الإجراء الإضرار بمصالح فئات كبيرة من أهالي الجنوب الشرقيّ التي تعيش أساسا من تجارة العبور بين البلدين[31]. وقد كان من نتائج قرار السّلطات الليبيّة فرض ضريبة على دخول السيارات التونسية ومنع بيع البضائع الليبية لمن لا يملكون رخص التّصدير والتوريد، اندلاع مواجهات عنيفة بين الأهالي وقوات الأمن، وزاد في حدّة المواجهات ما راج من أخبار حول وقوف عائلة “بن علي” وأصهاره وراء هذا الإجراء. مثّلت احتجاجات المناطق الحدوديّة وخاصّة مدينة “بنقردان” ضدّ السّلطة السّياسيّة القائمة احتجاجات دوريّة تعكس أزمة مزمنة ترتبط بالتنمية المحلّية في هذه المناطق التي تتميّز بضعف البنية التحتيّة والمرافق الحيويّة، ممّا جعل أغلب الأنشطة الاقتصاديّة ترتبط بالتّجارة الموازية. كما تجدر الإشارة الى أنّ سكّان هذه المنطقة نشؤوا على ثقافة تجارة العبور وتناقلوها جيلا بعد آخر[32] ممّا يعقّد كلّ إجراءت السيطرة على مسالكها والحدّ من فعاليّاتها.
4- 3- الحراك الثوري 17 ديسمبر: من انتفاضة المناطق الدّاخليّة إلى الانفجار الكبير:
مثّل انتحار محمّد البوعزيزي حرقا أمام مقرّ ولاية سيدي بوزيد في 17 ديسمبر2010 الشّرارة الأولى لاندلاع “المسار الثوري” في تونس. ولئن كانت الدّوافع المباشرة لهذا الانتحار تتعلّق بخلاف حادّ مع موظّفة التراتيب البلدية، إلّا أنّ تسارع الأحداث والاحتقان الشعبيّ الحادّ ضدّ نظام الحكم ورموزه أدّى إلى تدشين هذا “التسونامي الثوري” الذي شهدته المنطقة العربية. سرعان ما انتشرت الاحتجاجات في المناطق القريبة، ثمّ امتدّت الى أغلب الجهات الدّاخلية للجمهورية التونسية حيث عرفت مدن “المكناسي” وسيدي علي بن عون وخاصّة منزل بوزيان العديد من المظاهرات التي قمعت بشدّة. وسقط على إثرها أوّل شهيد ميداني للثورة التونسية، وهو “محمّد بن بشير العماري في يوم 24 ديسمبر 2010 في مدينة منزل بوزيّان. ومنذ ذلك التاريخ تسارعت الأحداث، وشملت مدن الرّقاب وتالة والقصرين التي دفعت أعلى حصيلة من الشّهداء: حوالي 60 شهيدا[33]. كان لنشطاء “الفايسبوك” المنخرطين في هذا “الحراك الشعبي” الأثر الكبير على انتشار التحرّكات خارج المناطق الدّاخلية للبلاد التي احتضنت الثوّار منذ البداية، حيث شملت التحرّكات أغلب جهات الجمهورية: شمالا وجنوبا شرقا وغربا. وقد لعبت الأحياء الشّعبية في تونس العاصمة، وخاصّة “حيّ التضامن” دوار حاسما في زعزعة أركان النّظام إذ وصلت التحرّكات الشعبية لأوّل مرّة إلى تونس العاصمة، بما يمثّله ذلك من تهديد فعلي داهم لنظام الحكم السّائد آنذاك، كما كان لجهة صفاقس دور هامّ في التمهيد لنجاح الثورة، حيث مثل نجاح الإضراب العامّ الّذي دعا إليه الاتحاد العامّ التونسي للشّغل أحسن تقديم لتتويج 14 جانفي.
5- ديناميكيّة معارضة التّفاوت الجهويّ قبل انتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي:
مثّلت لحظة هروب الرّئيس السّابق زين العابدين بن علي في 14 جانفي 2011 لحظة فارقة في التّاريخ السّياسيّ التّونسي المعاصر، غير أنّ تداعياتها لم تتوضّح الّا بعد العديد من المراحل الّتي شكّلت ما يعرف بالفترة الانتقاليّة.
5- 1- اعتصامات القصبة واحتلال مقرّ الحكومة من قبل نشطاء المناطق الدّاخليّة:
انطلقت هذه التحرّكات بعد ستة أيّام فقط من خلع الرّئيس السّابق، وذلك نتيجة الاحتقان الشّعبي الكبير النّاجم عن استمرار رئيس الحكومة محمّد الغنّوشي في عهد بن علي في قيادة البلاد. عرفت البلاد التونسية طيلة الفترة الممتدة ما بين 14 جانفي و 27 فيفري 2011 حكومتين مؤقّتتين لم ير فيهما الثوار غير مواصلة مقنّعة لنظام بن علي ورموزه، حيث تشير بعض المعلومات إلى أنّ التركيبة الحكومية هي التّشكيلة نفسها التي هيأها الرئيس بن علي يوم 13 جانفي لتكون ورقته الأخيرة في مواجهة الثورة التي بلغت عاصمة تونس بعد أن عمّت كل الجهات[34].
انطلق الاعتصام الأوّل بالقصبة يوم 20 جانفي 2011، وتشكّل هذا التجمّع الشّعبي الاوّل بصفة تلقائية عبر دعوات عبر الفايسبوك وشمل أساسا المناطق الدّاخليّة التي عرفت الحراك الثوريّ منذ بداياته مثل منزل بوزيان، الرقاب… كما شمل العديد من الجهات الدّاخليّة الأخرى مثل الحوض المنجميّ. كانت تجمعهم إرادة حماية الثورة باعتبار أنّ الحكومة القائمة كانت في نظرهم حكومة حزب التجمّع الدّستوري الدّيمقراطي مطعّمة ببعض وجوه المعارضة الرّسمية وما اصطلح على تسميته بالشخصيات المستقلة. وانتهى هذا الاعتصام بسقوط حكومة محمّد الغنّوشي الأولى. غير أنّ التطوّرات السّياسيّة لم تكن في مستوى الطّموحات الثوريّة لهؤلاء النّشطاء حيث مثّل محمّد الغنّوشي في حدّ ذاته رمزا للنّظام السّابق، لذلك وقعت الدّعوة لاعتصام القصبة الثاني بداية من 27 فيفري 2011 وقد كان هذا الاعتصام تعبيرا عن إصرار النّشطاء الثوريّين على تحقيق المطالب التي بدأت ملامحها تتشكّل منذ اعتصام القصبة الاوّل. وقد توضّحت الرّؤية برفع شعارات توافقيّة، ومن أبرزها استقالة حكومة الغنّوشي، وتشكيل مجلس تأسيسي، وتعليق العمل بالدّستور. وقد تميّز هذا الاعتصام بمساندة شعبية واضحة وتوافق مختلف القوى السّياسيّة والأيديولوجية بالإضافة إلى التغطية الإعلامية المكثّفة. ولم تنجح محاولات أنصار بقاء حكومة الغنّوشي في إجهاض “المدّ الثوري[35]. انتهى هذا الاعتصام باستقالة محمّد الغنّوشي في 4 مارس وتعيين الباجي قائد السّبسي وزيرا أولَ. وقد استجاب الوزير الاوّل الجديد الى بعض المطالب التي نادى بها النّشطاء الثوريون ومن بينها إرساء مجلس وطنيّ تأسيسي، وحلّ مجلسي النوّاب ومجلس المستشارين.
5- 2- غنيمة ما بعد الثورة وانفجار الصّراعات القبليّة في الحوض المنجمي بقفصة:
تميّزت المرحلة الانتقاليّة بانفلاتات اجتماعيّة وسياسيّة واسعة بالإضافة إلى عدم الاستقرار الأمني والتّدهور الاقتصاديّ، وقد كان نصيب المناطق الدّاخليّة من كلّ ذلك النّصيب الأكبر بفعل أهمّية الرّهانات التي عبّرت عنها شعارات الثّورة، وكذلك بفعل تراكم الاحساس بالظلم النّاجم عن التكريس السّياسيّ المتحيّز للتّفاوت الجهويّ أو ما يعبّر عنه باللهجة التونسية “بالحُقرة”[36].
عبّرت اعتصامات القصبة، كما بيّنا سابقا، على ذلك الشّعور المتوارث بعدم الثّقة في المركز السّياسيّ. ووصل الأمر الى احتلال فضائه في مرحلة أولى، ثمّ فرض تغييرات جوهريّة على الحكومة في مرّتين متتاليتين على الأقلّ. غير أنّ ما تجدر الاشارة إليه هو اندلاع نزاعات داخل بعض المناطق الدّاخليّة نفسها من أجل اقتسام ما يعتقدون أنّها “غنيمة ما بعد الثّورة” وكان ذلك جليّا في منطقة الحوض المنجميّ بقفصة ، ترتكز التركيبة الاجتماعيّة لهذه المنطقة على الأساس القبلي بالرّغم من كلّ المحاولات التي قامت بها الدّولة الوطنيّة لتحطيم البنية القبليّة، كما أشرنا إلى ذلك سابقا ، وتفيد بعض الدّراسات أنّ الدّولة الوطنيّة لم تستطع إلغاء تأثير الفاعل القبليّ الذي ظلّ لاعبا أساسيّا خاصّة في مراحل الأزمات[37] والتحوّلات السّياسيّة الكبرى مثلما حدث في تونس ابتداء من 17 ديسمبر 2010 .
تتميّز منطقة الحوض المنجمي بقفصة باستقرار حديث لمجموعات قبليّة واجتماعيّة كثيرة وذلك لأنّ استغلال مناجم الفسفاط في المنطقة لم يبدأ إلّا في الفترة الاستعماريّة، حيث أسّست السّلطات الفرنسيّة قرى مستحدثة حول هذا الحوض، وهي: المتلوي، والرديّف وأمّ العرائس والمظيلة. وهي عبارة عن تجمّعات سكّانية لفئات عمّالية يرتبط مصيرها بالعمل في المناجم، وتوارثت هذه المجموعة السكّانية هذه الهويّة الشّغليّة جيلا بعد جيل الى حدّ الآن . كانت الأحداث الأكثر خطورة المرتبطة بغنيمة الفسفاط في قرية المتلوي، حيث اندلعت مواجهات قبليّة واسعة النّطاق بين عرشي “أولاد بويحي” من جهة “والجريديّة” من جهة أخرى على خلفيّة “إشاعات” تتعلّق بحصص التّشغيل في شركة فسفاط قفصة، ما من شكّ أنّ نظام الحصص المعتمد لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يصل إلى حلول مرضيّة لكلّ الأطراف، لا سيّما في ظرفيّة الانفلات التي ميّزت تلك المرحلة، لذلك طفت على السّطح كلّ المحاصصات العروشيّة، وعبّرت عن نفسها بأقصى درجات العنف الذي وصل إلى حد ّالتنكيل بالجثث، وهو أمر صدم الشّعور الجمعيّ في تونس، وجعلنا نراجع طبيعة الشخصيّة القاعديّة “للتّونسي” . وقد وصل عدد القتلى النّاجم عن هذه الأحداث إلى حوالي ثلاثة عشر قتيلا بالإضافة إلى أكثر من مائة جريح . ومن جهة أخرى فقد دعّم هذا الصّراع حول الغنيمة النّموذج النّظري الذي اقترحه محمّد عابد الجابري حول الثالوث الذي ينبني عليه العقل السّياسيّ العربي وهو العقيدة والغنيمة والقبيلة.
6- الدّستور “الجديد” وتحدّيات التّفاوت الجهويّ:
لم يكن إصدار دستور 2014 أمرا سهلا حيث واجهت المسار التّأسيسي العديد من الصّعوبات الّتي أعاقت سيره العاديّ، وترجمت حجم الرّهانات المرتبطة به.
6- 1- انتخابات المجلس الوطني التأسيسي ومسألة التّفاوت الجهويّ: انتصار البرامج الشّعبويّة:
كانت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر 2011 أوّل انتخابات وقعت بعد الحراك الثوريّ. وقد مثّلت مسألة العدالة الاجتماعيّة في علاقتها بالتّفاوت الجهويّ عنصرا جوهريّا في البرامج الانتخابيّة لمختلف الأحزاب والقائمات المترشّحة، ولا سيّما منها الرّباعي الفائز بأغلبيّة المقاعد. وتجدر الإشارة، في هذا السّياق، إلى أنّ ثلاثة منها شكّلت تحالفا حكوميّا[38]، وقائمة أخرى شكّلت مفاجأة50. ورُفض تواجدها في التحالف الحكومي. ينصّ برنامج حركة النّهضة على ما يلي: «.. نسعى إلى ترسيخ العدالة والتوازن بين الجهات والفئات وإعطاء الأولويّة للمناطق المحرومة وحماية الفئات الضّعيفة والحدّ من الفوارق الاجتماعيّة ومعالجة أسباب الفقر والتهميش”[39]. أمّا بالنّسبة لبرنامج حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة فإنّه يسعى إلى “وضع نمط تنمية يتحاشى ما أفرزه النّمط السّابق من فجوة اجتماعيّة وخلل في التوازن بين الجهات، ويدعو المؤتمر إلى تكريس ميثاق وطني اجتماعي يحقّق تنمية لا مكان فيه للتّهميش والإقصاء[40]. ومن جهة أخرى فإنّ حزب التكتّل الدّيمقراطي من أجل العمل والحرّيات يعمل على “إعادة دور الدّولة التّعديلي والضّامن للانسجام الاجتماعي وإلى التقليص من التّفاوت بين الجهات وتعزيز التطوّر الاقتصادي المتوازن والعمل من أجل اقتصاد منفتح على مزيد من الأسواق العالميّة”[41].
لعلّ أبرز ما يُلاحظ بالنّسبة إلى هذه الأحزاب خصوصا، ومجمل الأحزاب والقائمات المترشّحة عموما، هو تشابه البرامج المتعلّقة بمسألة التّفاوت الجهويّ، بالرّغم من أرضيّاتها الايديولوجيّة المختلفة، غير أنّ قائمة “العريضة الشّعبيّة” التي لم يكن لها أيّ وجود في المشهد السّياسيّ التونسي والتي تأسّست بمبادرة من رئيسها الهاشمي الحامدي[42] في 3 مارس 2011 قد مثّلت استثناء، حيث كانت برامجها الاقتصاديّة والاجتماعيّة مغرقة في “الشّعبويّة” حسب العديد من المحلّلين السّياسيّين، إذ بشّرت هذه القائمة المستقلّة الشّعب التونسي بأنّه في حالة فوزها في الانتخابات سوف تعمل على تقليص التّفاوتات الجهويّة إلى أقصى حدّ ممكن وضمان العدالة الاجتماعيّة من خلال العديد من الاجراءات الثوريّة مثل منحة البطالة ، الصحّة المجّانيّة، النّقل المجّاني في وسائل النّقل العمومي بالنّسبة للمسنّين .
نتيجة لهذا البرنامج الاقتصادي والاجتماعي المغري تحصّلت هذه القائمة على 26 مقعدا في المجلس الوطني التّأسيسي من جملة 217 مقعدا. وتجاوزت بذلك أحزابا عريقة في تونس حيث احتلّت المرتبة الثالثة من جملة الأحزاب والقائمات المترشّحة. تحصّلت هذه القائمة على المرتبة الأولى في ولاية سيدي بوزيد التي ينتمي إليها رئيسها، كما تحصّلت على العديد من المقاعد في مختلف الدّوائر الانتخابيّة. لقد استوعبت هذه القائمة، في تقديرنا، كلّ طموحات السكّان الذين ينتمون إلى “المناطق المحرومة” والفئات الضّعيفة بفعل برنامجها المباشر والمتوجّه مباشرة إلى مكامن الدّاء، وهي الظّروف الاقتصاديّة والاجتماعيّة المتدهورة لفئات عريضة من الشّعب التونسي وتركيزها على الحلول الراّديكاليّة “والسحريّة” التي تستهوي هذه الفئات، والتي تختلف جوهريّا مع الخطاب السّياسيّ “المعقّد” لبقيّة القائمات.
لقد كانت المكبوتات المتوارثة المرتبطة بالتّفاوتات الجهويّة عاملا أساسيّا لفوز هذه القائمة بهذه النّسبة المعتبرة من المقاعد، إذ تماهى الشّعار المعلن للحملة الانتخابيّة “الحقرة“ مع هذه المكبوتات. ومكّن هذه القائمة من حصد هذا العدد من المقاعد الذي لم يكن يتوقّعه أيّ من الملاحظين والمحلّلين السّياسيّين، غير أنّ ذلك لا يجب أن يحجب عنّا توظيف رئيس العريضة الشّعبيّة لقناة المستقلة لخدمة حملته الانتخابيّة”، ومن جهة أخرى فانّ رئيس هذه القائمة لم يكن في تونس ليدير حملته الانتخابية بل بقي في لندن ممّا يدعو إلى الاستغراب ويطرح الكثير من الاسئلة حول أشكال التّواصل السّياسيّ55، وفي هذا السّياق، فقد وقع اعتماد وسائل التواصل الاجتماعي والتّقنيات الحديثة “السّكايب” لمخاطبة رؤساء قائماته، وتوجيه مسار حملته الانتخابيّة. وبذلك يمكن القول إنّ النّجاح الانتخابي لقائمة العريضة الشّعبيّة كان ناجما عن استثمار مخزون مكبوتات الحيف الجهويّ وغياب العدالة الاجتماعيّة من جهة وتوظيف القناة الفضائيّة وتقنيات التّواصل الحديثة من جهة أخرى.
6- 2- دستور 2014 و”مكاسب العدالة الاجتماعيّة والتوازن الجهويّ”:
صدر هذا الدّستور في 27 جانفي 2014 بعد مخاض عسير امتدّ حوالي ثلاث سنوات شهد خلالها المجلس الوطني التأسيسي تجاذبات كثيرة وصلت الى حدّ ايقاف أعمال المجلس[43]. يتكوّن دستور الجمهوريّة الثانية من توطئة و149 فصلا تتوزّع على عشرة أبواب. كانت هناك إشارات صريحة في النصّ الدّستوري تتعلّق بمسألة التّفاوت الجهويّ في التّوطئة وفي الباب الأوّل وفي الباب السّابع. تقتصر توطئة الدّستور على إشارات بسيطة حول المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين والمواطنات والعدل بين الجهات، غير أنّ الفصل 12 الوارد في الباب الاوّل المتعلّق بالمبادئ العامّة هو الذي يعتبر الفصل المترجم لمبدأ العدالة الاجتماعيّة والتوازن بين الجهات: “تسعى الدّولة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتّنمية المستدامة والتّوازن بين الجهات، استنادا الى مؤشّرات التنمية واعتمادا على مبدأ التمييز الإيجابي. كما تعمل على الاستغلال الرّشيد للثّروات الوطنيّة”. ينصّ هذا الفصل صراحة على سعي الدّولة إلى تحقيق عدالة الاجتماعيّة والتوازن بين الجهات، كما يشير إلى ضرورة اعتماد مؤشّرات التنمية ومبدإ التمييز الإيجابي في سعي الدّولة لتحقيق هذا التوازن، بمعنى أنّه انطلاقا من مختلف مؤشّرات التنمية المرتبطة بجهة معيّنة سواء كانت اقتصاديّة أو اجتماعيّة … يمكن للدّولة أن تسلك سياسة التّمييز الإيجابي التي تعني تمييز الجهات الأكثر تضرّرا من أجل تحقيق التوازن الجهويّ كأفق استراتيجيّ. وتجدر الإشارة إلى أنّ آلية التمييز الإيجابي وقع اعتمادها في العديد من البلدان ومن أجل تحقيق نفس الأهداف، في البرازيل وفي الهند..[44] غير أنّها ولّدت بعض الانتقادات المرتبطة بسكّان المناطق السّاحلية باعتبار أنّها تمثّل في آخر المطاف سياسة تمييزية ضدّهم.
يعتبر الباب السّابع المتعلق بالسّلطة المحلية الباب الأكثر ارتباطا بقضايا التوازن الجهويّ والتنمية المحلّية حيث يقرّ الفصل 131، وهو أوّل فصل في هذا الباب صراحة على مبدإ اللّامركزيّة: “… تقوم السّلطة المحلية على أساس اللّامركزّية. تتجسّد اللّامركزيّة في جماعات محلّية، تتكوّن من بلديّات وجهات وأقاليم يغطي كلّ صنف منها كامل تراب الجمهوريّة وفق تقسيم يضبطه القانون”. أحدث هذا الفصل لأوّل مرّة في تونس صنفين مستحدثين من الجماعات المحلية وهما: الجهات والأقاليم ممّا سوف ينجرّ عنه اعادة هيكلة التقسيم الإداري مع ما يستتبعه من سلط محلية جديدة. من جهة أخرى ينصّ الفصل على ما يلي136: “…يمكن تخصيص نسبة من المداخيل المتأتية من استغلال الثروات الطبيعية للنّهوض بالتنمية الجهويّة على المستوى الوطني”، ويعني ذلك أنّ المداخيل المتأتية من استغلال الثروات الطبيعيّة مثل الفسفاط وغيرها أصبحت، عملا بأحكام هذا الدّستور، رافدا من روافد النّهوض بالتنمية الجهويّة غير أنّ نفس الفصل يجذّر هذه التّنمية في المستوى الوطني بمعنى أنّها تنمية في سياق المحدّدات الوطنيّة لا المصالح المحلّية الضيّقة. أمّا الفصل 141 فينصّ على أنّ «المجلس الأعلى للجماعات المحلية هيكل تمثيليّ لمجالس الجماعات المحلية مقرّه خارج العاصمة. ينظر المجلس الأعلى للجماعات المحلية في المسائل المتعلقة بالتنمية والتوازن بين الجهات، ويبدي الرّأي في مشاريع القوانين المتعلقة بالتخطيط والميزانية والماليّة المحلّية، ويمكن دعوة رئيسه لحضور مداولات مجلس نوّاب الشّعب. تضبط تركيبة المجلس الأعلى للجماعات المحلية ومهامّه بقانون”. وأقرّ الدّستور التونسي بعث هيكل يهتمّ بالجماعات المحلية يهتمّ بالمسائل المتعلقة بالتنمية الجهويّة والتوازن بين الجهات غير أنّه لم يمنحه سلطة تقريريّة حيث تبقى صلاحيّاته استشاريّة فحسب ممّا يحدُّ كثيرا من فعاليّته.
7- خاتمة:
لم تفلح مختلف الحكومات المتعاقبة على الحكم في تونس منذ الاستقلال في إيجاد حلول جذرية لإشكالية عدم التوازن الجهويّ وتنمية المناطق الدّاخلية. إنّ مختلف الإجراءات التّشريعية والتّعديلات الدستوريّة الّتي رافقت الحراك الثوري التونسي في 2011 والّتي مثّلت الى حدّ ما إجراءات نوعية لم تمكّن من تحقيق تطوّرات ملموسة في هذا المستوى ممّا يجعلنا نتساءل حول طبيعة المتغيّرات المفسّرة لاستمرار هذه الأزمة الهيكلية.
يبدو أنّ هذه الأزمة مرتبطة أشدّ الارتباط بأزمة التنمية الشاملة في تونس. ومن هذا المنطلق فإنّ أيّ مبادرات تشريعية لن يكون لها أيّ معنى إذا لم تستند إلى تغيير شامل في المنوال التنمويّ بالإضافة إلى وعي بالعوائق الثقافية والاجتماعية المعطّلة للمشاريع التنمويّة والّتي يجب البحث عنها على مستوى الأحكام النّمطية المرتبطة بالصّراعات الجهويّة والتمثّلات اللّصيقة بها.
المراجع:
الكتب:
- بورقيبة (الحبيب) خطب، نشريّات كتابة الدّولة للإعلام، تونس،
- شرابي (هشام) “النّظام الأبوي وإشكالية تخلّف المجتمع العربي” مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت 1993.
- الماجري (الأزهر)، الثوّرة التونسية 17 ديسمبر : في جدليةّ التحرّر والاحتواء، المغاربية للطّباعة وإشهار الكتاب، 2011.
- موسى (آمال)، “بورقيبة والمسألة الدّينية ” سراس للنّشر، تونس،2006.
- منصر (عدنان)، دولة بورقيبة، كلّية الآداب والعلوم الانسانية بسوسة، 2004.
- الهرماسي (عبد الباقي)، “المجتمع والدّولة في المغرب العربي” مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت، 1987.
المقالات:
- أمين (سمير)، تأمّلات حول النظّام العالمي، المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربيّة ، بيروت، عدد 135، 1990.
- بوطالب (محمّد نجيب)، الأبعاد السّياسيّة للظّاهرة القبليّة في المجتمعات العربية-
- d92cbb5dd3e4/68fad931–0a8e–48a0–bef2–990406f22612
- بالهادي(عمر)، التمييز الإيجابي كوسيلة للادماج والانصاف الترابي، http://amorbelhedi.unblog.fr/files/2017/07/la-discrimination-positive-ar.pdf
- الشّيباني (مصباح)، الثّورة التوّنسيةّ والعدالة الاجتماعيةّ: التجّانس الغائب، المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت العدد 423 ، ماي
- الكحلاوي (طارق)، تونس: ثورة طور الانجاز، مجلّة الآداب، بيروت، عدد جانفي، فيفري، مارس
- Belhedi (Omar)، les zones frontalières : quelques éléments de problématique pour le développement socio-économique, http://amorbelhedi.unblog.fr/2018/10/29/les-zones-frontalieres-quelques-elements-de-problematique-pour-le-developpement-socio-economique/
[1]– زعيم وطني من مناضلي الحزب الدسّتوري ذوي التوّجّهات القوميّة.
[2]– السّوفي عمّار، عواصف الاستقلال، الناشر غير مذكور، تونس 2006، ص52.
[3]– المرجع السابق، ص58.
[4]– الحبيب بورقيبة، خطب، الجزء 25، نشريات كتابة الدّولة للإعلام، تونس، 1977، ص 231.
[5]– موسى آمال، بورقيبة والمسألة الدينيّة، سراس للنّشر، 2006، ص 98.
[6]– عبارة اعتمدها بورقيبة في العديد من خطبه.
[7]– الحبيب بورقيبة، خطب، الجزء 30 ,مرجع سابق ، ص161.
[8]– موسى آمال، بورقيبة والمسألة الدينيّة، مرجع سابق، ص 106.
[9]– عبارة استعملها بورقيبة في العديد من خطبه.
[10]– صحيفة العمل, 25 مارس، 19751، ص3.
[11]– المنصر عدنان:” دولة بورقيبة”، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة ،2004، ص31.
[12]– خطاب بورقيبة: صحيفة العمل 4 سبتمبر 1960.
[13]– الهرماسي عبد الباقي، المجتمع والدولة في المغرب العربي، مركز دراسات الوحدة العربيةَ، بيروت، ص 13.
[14]– بو طالب محمّد نجيب، القبيلة التونسية بين التغير والاستمرار، منشورات كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، تونس سلسلة علم الاجتماع، مجلد VIII، ص 241.
[15]– المرجع السّابق، ص 211.
[16]– خطاب بورقيبة، صحيفة العمل، 29 أفريل 1963، ص 3.
[17]– صدرت مجلّة الأحوال الشّخصيةّ في 13 أوت 1956.
[18]– شرابي هشام، “النّظام الأبوي وإشكالية تخلّف المجتمع العربي” مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1993، ص 54-55.
[19]– عبارة استعملها بورقيبة كثيرا في خطبه.
[20]– بلهادي عمر، من إشكاليات التنمية الجهوية والمحلّية: https://amorbelhedi.wordpress.com/2012/07/16/%D9%85%D9%86-
[21]– المرجع السّابق.
[22]– قانون يقضي بمنح امتيازات جبائيةّ كبيرة للمستثمرين الأجانب.
[23]– أمين سمير، تأمّلات حول النظّام العالمي، في، المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت، عدد 135 , 1990 , ص 72.
[24]– بلهادي عمر، مرجع سّابق.
[25]– صراع سياسي كبير بين السّلطة السّياسيةّ وقيادات الاتحّاد العامّ التوّنسي للشّغل، نتج عنه عشرات القتلى وتوترّ سياسي واجتماعي كبير
[26]– انتفاضة اجتماعيةّ كبرى سببها المباشر هو مضاعفة سعر الخبز من خلال رفع الدعّم الحكومي.
[27]– الماجري الأزهر، الثوّرة التونسية 17. ديسمبر: في جدليةّ التحرّر والاحتواء، المغاربية للطّباعة واشهار الكتاب، ص40.
[28]– مدينة تتوفر على مناجم فسفاط
[29]– Beau (N.), Garciet (C.), La régence de Carthage, op-cit, pp.146-148.
[30]– تجاوز عدد الجرحى الثلاثين مواطنا، تحقيق شفوي أجراه الباحث الأزهر الماجري مع بعض مناضلي الرديف بتاريخ 28 فيفري. 2011
[31]– الماجري (الأزهر)، مرجع سابق، ص44.
[32]– Belhedi (Omar), les zones frontalières : quelques éléments de problématique pour le développement socio-économique,
http://amorbelhedi.unblog.fr/2018/10/29/les-zones-frontalieres-quelques-elements-de-problematique-pour-le-developpement-socio-economique/
[33]– الماجري (الأزهر)، مرجع سابق، ص 79.
[34]– الكحلاوي (طارق)، تونس: ثورة طور الانجاز، مجلّة الآداب، بيروت، عدد جانفي، فيفري، مارس 2011.
[35]– نظّم أنصار محمّد الغنّوشي آخر وزير أوّل في عهد بن علي اعتصاما موازيا بالمنزه احدى ضواحي تونس العاصمة.
[36]– بمعنى الاحتقار النّاجم عن الانتماء الجهوي إلى المناطق الداّخليّة.
3- بوطالب (محمّد نجيب)، الأبعاد السّياسية للظّاهرة القبليّة في المجتمعات العربيةّ:
https://www.dohainstitute.org/ar/lists/ACRPS-PDFDocumentLibrary/document_D7EF92CF.pdf
[38]– المقصود هو حزب حركة النّهضة – ذو مرجعيةّ إسلاميّة-، حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة – حزب علماني-،التكتلّ الديّمقراطي من أجل العمل والحرّيات – حزب علماني-
– قائمة العريضة الشّعبيةّ.
[39]– ورد في، الشّيباني (مصباح)، الثوّرة التوّنسيةّ والعدالة الاجتماعيةّ : التجّانس الغائب، المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت، العدد 423،ماي 2014،ص139.
[40]– المرجع السّابق، ص140.
[41]– المرجع السّابق، ص140.
[42]– الهاشمي الحامدي من شباب حركة الاتجّاه الإسلامي في التسّعينات، كانت له خلافات كبيرة مع زعماء الاتجّاه الاسلامي في مرحلة لاحقة، صاحب قناة المستقلةّ التّي تبثّ من لندن.
[43]– كانت هذه المقاطعة المؤقّتة نتيجة لتجاذبات سياسية شديدة بين الترويكا الحاكمة من جهة وجبهة الانقاذ من جهة أخرى.
[44]– بالهادي(عمر)، التمييز الإيجابي كوسيلة للادماج والانصاف الترابي، http://amorbelhedi.unblog.fr/files/2017/07/la-discrimination-positive-ar.pdf
2 تعليقات
كل التقدير لصاحب المقال على اختياره الموضوع.
في الواقع ورد مقال مكثّف عرض الصّراع اليوسفي البورقيبي، دون تحليل للمشروع البورقيبي وتحرير المراة وبناء المدرسة وتطوير التعليم وتونسة المؤسسات، ودون تحليل لسياسات الدولة الوطنية في تقسيم الجغرافيا بين الجنوب المنتج للثروة والوسط (صفاقس وسوسة والمنستيرخاصة) حيث الصّناعات التحويلية والشّمال القائم على مركزة الدولة وهياكلها العليا. وسرعان ما مرّ للتاريخ المعاصر لتحليل بعض الافكار التي وردت في برنامج بعض الاحزاب.
ملاحظة أخيرة لي تحفّظ على مصطلح “المناطق الداخلية” يوصفه مصطلح سياسي بالاساس.
مجدّدا شكرا دكتور مراد على طرحك لاشكالية الدولة والتنمية في بعدها السوسيوتاريخي.
شكرا جزيلا د. المنجي على الاهتمام وعلى ملاحظاتك القيّمة