ملخّص:
قد يصيب الخلل أحيانا السطح في العالم الخارجي، ولكنه أيضا قد يصيب الذات الإنسانية، ولا سيما حين تهتز الوقائع في نظر الرؤية الإنسانية وتطورها من خلال الإفراط الإعلامي، وعلى حساب الراهن، حينها يصح القول إنّه قد تم الانفصال بين الرمز والمرموز إليه، إذ أن ما شكل الواقع الحقيقي قد اختفت عناصره، وصرف لنا واقعا آخر خلافا للواقعية الصرف حسب منطق بودريار، إلى جانب ذلك، نجد صورة آسرة ترسم المحاكاة تفاصيلها، في عرض واقع مغاير، تعكس ملمحا من الواقع الأصيل ضمن إطار أخّاذ، وبصورة مقنعة جدا، وبالمنظور الذي يعيشه أفراد المجتمع، وبذلك تسعى وسائل الإعلام إلى توحيد الرؤية والمنطلق في بوتقة تصور ثقافي واحد، مما أدى إلى تلاشي الأبعاد ودحض الاختلاف وإسقاط الخصوصيات، وتلك هي الخلاصة التي أشار إليها (ماكلوهان) حينما صوّر اتصال العالم على شكل قرية محدودة الزوايا.
Abstract:
The defect that afflicts the surface in the external world, also afflicts the humanity, as the facts were shaken by the media overload in the eyes of the humanity’s vision and its development at the expense of the present. What happened was the separation between the symbol and its representation, since the shape of reality has disappeared. He diverted us to another reality contrary to pure realism according to Baudrillard’s logic. In addition, we find the simulation carried out by the image very captivating in the presentation of a different reality that reflects a feature of the original reality in the best frame and in a very convincing and indivisible way, and with the expectation experienced by members of society, and with that the media seeking to unify the vision and the starting point in a melting pot of one cultural perception. This led to the diminution of dimensions, refuting the difference and dropping the idiosyncrasies. This is the conclusion to which MacLuhan drew that communication makes the world a village with limited angle.
1- مقدّمة:
يشكّل الوجود الطاغي والحضور العاري للعنف في العالم، أكبر عائق في المسار التقدمي منذ أمد طويل، وعبر حقب تاريخية عميقة ضاربة في القدم، وصولا إلى النزعة الاستعمارية الحديثة التي تشخص أحداثا وانفجارات تكشف عما يلابس النفس البشرية من عنصرية وتعصّب، وقد تزامن ذلك مع التحولات الاجتماعية وتعقد أنظمتها وتعدد أجهزتها، ضمن أيديولوجياتها المعبرة خاصة عن اختلاف الهويات الثقافية وتضارب المصالح الطبقية. ومن نتائجها المدمرة موجات الاحتلال والإبادة الجماعية للعديد من شعوب المعمورة، والانفجارات الناشئة على ردود أفعال وقمع للأقلّيات في كثير من بلدان العالم. وبالرغم مما يتم ترويجه من مزاعم حول تحضر الإنسان الحديث والمعاصر، وترقيه في سلم الحضارة، إلا أنّ ذلك لم يمنع، بالمقابل، من تزايد الأفعال الوحشية والأعمال القمعية وإهانة الإنسان لأخيه الإنسان، وهي وحشية مكرسة في النظم الاجتماعية، كما في اللغة والموروث الثقافي وسرديات التاريخ المتداول، وفي الوسائل الإعلامية المتعددة بمختلف آليّاتها، حيث يتم تعميم العنف من خلال صور شتى، وحسب خصوصيات البيئية الثقافية المستهدفة.
وبالرغم من كثرة الدراسات التي حاولت استجلاء الظاهرة، وتفسير حيثياتها، وتحديد أبعادها المختلفة، إلا أنّها ما فتئت تتوسع وتزداد عمقا في المجتمعات الحديثة، وقد ظهرت العديد من المشاريع التي استطاعت مقاربة الإشكالية والكشف عن الكثير من الحقائق النفسية والاجتماعية، منها استفحال العنف الذي يعود إلى خلل في نظم التربية المعاصرة، في مقابل تغيّر نمط عيش الإنسان المعاصر في خضمّ التطورات العلمية، وتشعّب العلائق الإنسانيّة بين الأفراد والجماعات والشعوب، وبالنظر إلى أهمية الإشكالية وتشعب طبيعتها، فقد اتجهت همتنا إلى مقاربة هذه الظاهرة، كما نظر إليها أحد أقطاب الفكر المعاصر، الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي جان بودريار (Jean Baudrillard). وهنا نتساءل كيف نظر بودريار إلى العنف في زمن الصورة المفرطة؟
2- سقوط الشكل وتكثيف الرمز:
لاحظ بودريار أنّ وقائع العنف أخذت طابع الحرب الداخلية، ونظرا إلى تفاقمها وشدة تأثيرها وصفها بأنها ثورة كوبرنيكية تشكلت في عين الإعصار، ورهنت البلد في شحنة مركبة توشك أن تنفجر في أي لحظة، توازي في قوتها بركانا عنيفا يلفّ العالم في مشهد درامي مرعب. وقد اعتبرت السياسة الأمنية العنف صدمة لم يسجل الكون مثيلا لها، ولعلها بداية سقوط الإمبريالية، وسقوط الذين شاركوا في العنف الذي وحّدهم. ويقول بودريار أنّه حتى، وإن اعتبر العنف مجزرة في حق الآخر المخالف، فالوحدة قوة لضرب قواعد الآخر. وهي أهم ميزة يحفظها التاريخ شكلا ومضمونا. (بودريار.2005. 10)
ويتساءل بودريار حول الحقيقة الواقعية في هذه المشاهد التي ابتلعت الخيال في دور السينما، حيث يقرّ بوجود عنفٍ يشمل المعمورة، ويمارس من قبل الهيمنة العالمية غير المكتفية بذاتها، وهو ما تثبته حادثة 11 سبتمبر2001، والتي كانت، حسب رأيه، خارج التوقعات رغم الدمّار والرعب، حادثة عزّزت هيبة المكان ورمزيّته جراء الضرر الذي لحق بـ(الأرض الحرام) كما سمّاها بودريار.
هنا تكمن مسألة الإفراط بما هو تجاوز للحدّ المعقول إلى درجة تنعدم معها القدرة على التّفرقة بين الواقع ومحاكاته، فانهيار البرجين التوأمين حالة مشعة أثبتت أن الهزة كانت جوية في غفلة من التاريخ المحروس، فيما كشفت الصور كلّ تفاصيل الانهيار، وأذهلت العالم بما حصل من اختراق للسيطرة الأمريكية تقنيا وخياليا، وأغفلت الضربة كل الاحترازات والإمكانات التي كانت محلّ فخر الولايات المتحدة الامريكية وزهوها، إذ بدت مشلولة مذهولة لهول المشهد الذي حطم كل الهندسات المسيّجة بأحدث الإنجازات الثقيلة.(بودريار.2005 .12)
في هذه الصعقة غير المدرجة في قاموس الحروب، حلت الضربة المشتتة للتركيز، ويرى دريدا (Jacques Derrida) بأنها ضربة لم تخلّ بنقطة التوازن الاستراتيجي فحسب، بل إنها ضربة أصابت عمق بنية هذه الاستراتيجية المفتعلة، فانكشف على إثرها وهم التوازن المحاط بهالة خادعة في نظر الآخرين (بودريار.2005.12).
وبنبرة كئيبة، يشبّه بودريار الحدث، بأنه كان ضربة في الرأس الذي هو الرئاسة ونقطة الارتكاز والتّدبّر، والرئاسة لسان حال السلطة (بودريار.2005 .13)، متسائلا عمن استهدفتهم الضربة الجوية التي تشكل تمثلا غير مسبوق في تاريخ الحروب، إذ أصبح الكلّ معرضا للخطر، بعدما اختل توازنها من شدة الاصطدام وعنفه، فقد كان مشهدا مهولا ذاك الذي جسّده انهيار العمارة أمام العالم، فتفجّر جمالها بالخراب، وتهاوت، بالمثل، مكابرة الهيمنة الأمريكيّة على العالم، وقد حاكت الصورة المحطّمة حادثة انهيار البرجين، وكشفت عن معطيات واقعيّة.
تمثل هذه الصورة بكل إرثها التاريخي وحمولتها الإنسانية والفلسفية ظاهرة التّحدّي، وتعكس خطابا مزدوجا صامتا بين الذاتية المكدسة والغيرية الطاغية والمنشطرة على الأطراف الرّافضة للتعدد، والمصادرة لكلّ حق في الاختلاف.
وقد شكل هذا العمل حالة استثنائية، ممّا أدّى إلى ظهور حالة من الفوضى، وانتشار ردود أفعال هيستيريّة، غير محدّدة الهوية، تعكس مدى تشرذم المواقف وتشظّيها، وهو ما يجسد نمطا من عمليات العنف المؤثث باللاوعي في الخطاب والاتّجاه الإعلامي حسب تعبيره.
ويعود بودريار إلى تاريخ هذه الشعوب، فيزيل الغطاء عن الزيف المتداول، بأن التاريخ الأمريكي هو (فلتة تاريخية)، وليس أبدا تاريخا أمريكيا، كما يصفه رعاة البقر في أفلامهم، مثل (الرقص مع الذئاب)، إنّها صور حية ومفزعة تستثمر في تاريخ الهنود المخترق، الذي تعرض للقبر والمسخ من قبل تجار السينما الأمريكية (بودريار.2005 .17).
3- العنف الموحد لثقافات التمايز:
تشكل المعرفة رافدا ضروريّا للسلطة، إلاّ أن وجود هذه المعرفة ليس لفرض القوة فحسب، كما يقول فوكو، بل أيضا لضمان الاستمرارية، وبقاء مشروعية الحياة بكل طقوسها وهندستها. الشيء الذي يتمّ في علاقة بالمؤسسات، إذ يعيب بودريار على التحاليل الإعلامية إخفاءهم للحقيقة، والتأرجح بين رأيين، وهي ميزة تنفرد بها وسائل الإعلام خصوصا، حيث يتمّ تحطيم جدار الصورة الهوليودية، وينكشف أن ما قام به هؤلاء هو مجرد خديعة مرعبة، وقد سبق أن اعتبر هذا الحدث طفرة متفردة، ارتبطت بالعنفوان المخترق أمنيا، وأوضحت تنازع الهويات، فطغت على المكان صفة الدمار رغم ظلال الحضارة والتكنولوجيا التي تتميز بها العمارة، فهذا لا يمنع من توتر العنف المركب بداعي الزيجات، فتتمكن هذه الحالات من التسريب عبر الآليّات الثقافية والقيم الاجتماعية والتربوية، وتنعكس بذلك على السلوكيات والجماليات والرموز التي تأسست في قلب الخيال الأمريكي (بودريار.2005 .23).
في السياق ذاته أشار دريدا إلى أنّ قلّة قليلة تطرقت إلى الجوانب الفنية للعمارتين، وما تمثله من شموخ في تصور العالم، كما أننا لا نجد الكثير ممن تكلموا عن الهندسة المعمارية للمركز التجاري العالمي (WTC) ضمن الفضاء السياسي والجمالي، ولم يلفت كل هذا العمق الذي يملأ الشعور، ويبعث فينا عواطف الحب والانجذاب لارتباط هاتين العمارتين برمزية الكبرياء، وحينما انهارتا تحولتا إلى أرشيف يجتاح الذاكرة الجماعية، وفي السّياق نفسه يتساءل دريدا عما تعنيه العمارة المستهدفة، على غرار ما بدا من (تيري سميث) الذي خلق صورة أكثر حرجا سياسيا والتي نعتها بعمارة الصدمة. (دريدا .2003. 95).
يذكرنا هذا التحول بصراع القيم نحو إثبات شرعية الأزمة غير التقليدية، وهو ما سعت أمريكا إلى إثباته في الواجهة الإعلامية، حيث أقرّت بأنّها دولة تقرر على أساس إيديولوجي يعكس واقعها، الذي هو بمثابة رؤيتها الذاتية (الأنا)، أما الآخر فلا يعنيها في شيء وهي تمثل أنانية التمكين المخالف لدولة متعددة الأباء، مختلفة الأعراق والأجناس، قائمة على أنقاض الآخرين، وأن واقعها يختلف عن واقعية كلّ الأوطان المحاذية لها، وهي صفة تعكس تخندقا في إرث الأسلاف لتوسيع نفوذ مناطقها (الكاوبوي)، الأمر الذي خلق تجاوزات للعلاقات التعاونية وللقيم الانسانية (بودريار.2005 .28).
فالأعطاب السابقة تجر الحدث إلى التساؤل المتجذر، إن كان ما يحدث يتعدى آفاق التوقعات والحرص على التمدد نحو الأفق، الأمر الذي جعلهم يستخدمون التقنيات التكنولوجية المتاحة، التي باتت تهدد النسيج الأخلاقي والبيئي، مما أرهق كاهل الأرض، ويعكس الدمار حجم ا استنزاف الطاقة والإفراط في تداولها، فضاقت المساحة على الإنسانية بسبب سلوك الإرهاب ومآسيه، وهو ما يزكي وسائل العنف المقيت ويخلق دواعيها، إنها المبالغة في كل شيء بحسب بودريار، إذ يقول “إن الواقع لم يعد المسمى واقعا، كما يرتئيه عقلنا المتماسك بمعارفه، والمتوارث و المتداول للحدث” (بودريار. 2005 .32).
تتوحد نظرة بودريار التي تؤكد على ضرورة القول، غير المشروط، وغير المكرر من ميزانية التفكير الأحادي، بأن العنف أصبح بديلا عن الفراغ، فقد اختلفت مشاربه وتوحدت أهدافه ومشهدياته بهلاك العالم، لذا يصرّ بودريار على أن ينعته رمزيا، ويمعن الحديث فيه بعد تعدد مفاهيمه.
ويتضامن قوله مع مقولة عبد الله العروي التاريخية المجانبة للصواب، التي اعتمدها، إذ لا مكان للحديث عن الخصوصيات والتمايز، ويتحتم بأن تتبوأ ثقافة الحوار موقف السلطة، التي تتسع لفضاءات الآخر وتدشن قرنا جديدا (بودريار.2005 .33) …
وفي حديث الاعتراف (لآلان تورين) يشير إلى أن التعددية الثقافية تؤكد على الفروقات، التي تظهر المحاسن والمساوئ في المجتمعات، وتشكل هذه التباينات إضافة لمختلف جوانب الحياة، وزيادة في التمايزات مع التمكين للخصوصيات الثقافية، مقابل التعايش وتبادل التقدير بين القيم العالمية.
ورغم صعوبة المواءمة بين المحتويين، فإن التصادم ظاهرة صحيّة لصد كل اختراق، فهو يحد من الانحرافات العولمية والهيمنة الثقافية العالمية، لكن هذا لا ينفي الاعتراف ببنية ثقافة الآخر، لأن التأثير والتأثر مسألة حتمية في ظل الاحتدام والاحتكاك الثقافي والتكنولوجي. (ميشال فيفيوركا. 2017 .102).
يعترف بودريار بأن هذا الحدث شكل بؤرة انطلاق الفكر القديم، وأعاد عصب الأثر إلى نزعة الدين، وإلى مركزية النقاش وفلسفة الحضارة، أي أنه يعتبر الحدث نقطة اهتزاز، وشرارة انفجارات عقدية، تعيد للأذهان صراع العقائد، والحروب الدامية وضحاياها بالملايين من المسلمين، تصفية تاريخية يخشى أن يغلي المرجل، ويصعب حينها توقيفه وقطع دابر المواجهة (بودريار 2005..34).
يتوقف العالم اليوم على مرحلة يكتسحها الظلام في ظل شريعة الغاب. وفي غياب المؤسسات القائمة على مبادئ الإنسانية، وتجاوز عقدة المذهبية والعرقية، ويظل العالم جامحا متوقدا، يسعى إلى الاحتواء، والسؤال كما يصفه (انطون غيدينز) في كتابه على لسان أحد الأساقفة بأن العالم على عجل وأنه يقترب من نهايته (بودريار.2005 .35).
ويذكر أن الذاكرة تجرّ الآثار المتراكمة من بطن التاريخ، مما يؤثر في حسابات التطلعات المستقبلية، لأن الكثير لهم القابلية للانتقام من الماضي، فيتكون لهذا الرد عنف مضاعف، ويعكس هذا الاضطراب حجم استهلاكهم لتغذية الفكرية عدائيّة، فلا يمكن توحيد الرؤى، لأنها انعكاس لثقافات مختلفة، فضلا عن التوطين المؤثر في ثقافة الاستهلاك للإنسان، وهنا قد يكون العنف عاملا للحفاظ على الهوية، التي تظلّ بدورها عنصرا في المشهد التنوعي لإرث الهجرات، وهي الهجرة التي عرفتها أوروبا في اتّجاه أمريكا.
4- صدمة مخلفات الدمار لمعنى التعايش:
تبدو الأعمال المشتركة بين بودريار وإدغار موران (Edgar Morin)، والتي تحدثت عن عنف العالم، قد مارست في مضمونها فعلا نقديّا ضد الهيمنة الليبرالية، حيث تشكّل نصوصها صورة لنكبة العصر، ولحظة وعي في الحقل السياسي، وبتمديد أبعاد أفكارهما خارج لحظة الحدث، التي تشير في مضمونها إلى أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، تتوحد هذه الأفكار في مواجهة البؤس الفكري للعنف والعنف المضادّ، وهو مرتبط بأحد الرموز الإنسانية أو التاريخية أو الفنية،
فيمر عنف آخر من خلال المحاولات المتكررة للتمييز العنصري داخل المدن الأمريكية، وبالذات بين الجنسين الأبيض والأسود، وهي صورة عرفت منحى التدمير الفعلي لمعنى التعايش الإنساني، وشكلت صدمة نحو محاولة بناء ثقافة التسامح والعيش المشترك، زيادة على ذلك تعدى هذا العنف حدود النسيج العمراني، وما تحمله من السمة أو العلامة لدولة إمبراطورية تحتوي بداخلها أكثر من اتجاه وعرق ودين وثقافات مختلفة.
تعبر واقعة قتل جورج فلويد الأخيرة من قبل الشرطي (الأبيض)، عن حالة رعب لدى أنصار حقوق الإنسان، لأنها تعبر عن سقوط شبيه بسقوط أبنية مانهاتن الشاهقة، فلا يقتصر الأمر على حدود الجسد، وإنما يتعدّاه إلى تدمير رمز اللون أيضا، فالشعوب التي تعرف قيمة المواطنة، زحفت بكل ألوانها وأطيافها، نحو أفق المدينة لمحو هذه الجريمة التي امتدت إلى الكثير من المناهضين للعنصرية في المدن الأمريكية، وهي نقطة انطلاق لكسر هاجس التفرقة على أساس اللون أو السلالة العرقية.
في صيرورة الصراع وخلفياتها تمكن بعض المتطرفين من جعل الدين مطية ومبررا لتوظيفه في الخلافات والتمييز، حيث عكس لون (الأمن) ألوان الثقافات المنحطة التي عبثت بعقول الكثير ممن انخرطوا في مساحة التطرف، فتدمير العمارتين (منهاتن) كقيمة رمزية، يجسدها العنف على أساس الطبيعة البشرية.
فالعنف الديني بتعبير، علي وطفة، سيأخذ طابعا رمزيا أكثر منه صورة عسكرية، فالتهديد والوعيد من قبل الإرهاب، هو سمة رمزية أكثر منه مواجهة جسدية، إذ الخوف والرعب مركبان هيستيريان، يجعلان من الخصم والمتلقي في حالة اضطراب متواصل، مما يعني أنّ المواجهة النهائية غير متكافئة، لأن بعض الجماعات الإرهابية ليس لديها الإمكانيات الكافية للمواجهة المباشرة، مما اضطرها إلى أن تلجأ إلى الأنماط الرمزية، لتختفي وراءها وتحطم كل الرموز المعادية والمضادة.
يوضح دكتور وطفة في الاتّجاه نفسه، أن العنف الديني، هو من أعنف الحروب وأصلبها وأطولها نفسا، وهو ما يؤثر في بنية الثقافة الاجتماعية، تأثيرا يتفكك من خلالها النظام الاجتماعي القائم، فمهما يكن العنف الديني، ومهما تكن الصيغة التي يرتسم فيها، فإن منطلقاته الأولى تأخذ طابعا اجتماعيا رمزيا (وطفة. 2020).
هذه الاحتجاجات الأخيرة، هي أعنف حركة عنصرية، جاءت ردا على القتل البشع، واجتاحت صورتها أغلب المدن الأمريكية، فقد جسدت الصوت الآخر (اللاّعنف)، واعتبرت حركة قوية للمتظاهرين السود وتحولت المظاهرة الفيزيقية إلى موضوع سلمي يخترق جدران المخالف، خلافا للفوضى والسطو والحرق والمسيرات العارمة، التي اعتادت عليها المظاهرات الأمريكية من قبل الملونين.
ومنذ تحطيم البرجين اللذين يعبران عن الموضوع الرمزي للأمركة وهيمنتها، أين كانا بالأمس حدثا، تغيرت الانتصارات إلى هزائم متوالية، فالصورة الإعلامية لهذه الحوادث جعلتهم يعيدون طرح الأسئلة وإثارة النقاش، فمن خلال الصورة واستهلاكها، يحدث ردّ فعل بعيدا عن موقع الحدث وصناعة القرار، وتشترك فيه الوسائل الإعلامية بكل مستلزماتها الفنية والتقنية، وهي في الحقيقة ليست حربا ميدانية بالصورة نفسها، كما يرى بريخت في حوارات المبعدين (بودريار. عنف العالم .53).
5- هيمنة الصورة على دلالات الرموز:
تتجه قراءة حمولة الصورة في إنتاجها النوعي، لما تصدره للمشاهد من فنيات للرسائل المستترة والعلنية، وما تمرره من أساليب سيميائية، وما تريد أن ترسمه في ذهنية الآخر من نماذج مرسومة مسبقا، تدرك مفاهيمها التنميطية بآليات الهيمنة. فلا يمكن استثناء الصورة، أو عزلها عن الحياة الغربية وحركة الجماهير، بالإضافة إلى تداعياتها التهويلية والترويجية والترفيهية، فضلا عن جوانب صناعة الخيالات السينمائية والوهم الإيديولوجي، لتطويق نظرة الجماهير المتماوجة.
وبقدر ما تكون الصورة بهذا الزخم من الحضور الآني، سوف يكتب لها البقاء كمدونة وظيفتها مقاومة الفناء والاندثار، فهي تقمع التلاشي والزوال وتقهر الزمن، فتستدعي الماضي بكل تراكماته لتوقظ الحياة مرة ثانية، أي ما يشكل لديها نوعًا من التصدي للموت والاضمحلال، وإعادة بعث الركام نحو تسوية الذاكرة وترميم بنياتها الوظيفية، وهي الخاصية التي يؤكدها دوبري (Régis Debray) حين يذهب إلى أن الصورة لها خاصية التحدي، وأنها تقاوم التلاشي المصاحب للموت، وذلك بإعادة الترميم الملازم للصورة. (عبد العالي. 2014. 145).
ومن منظور آخر، يرى أن بشاعة الإرهاب تعتبر غطاء يبررها السياسيون بآلتهم الجهنمية، أي أن هناك إرهابا داخليا في النظام لمزيد من الفوضى والاضطراب، في إطار توجيه رسالة إلى الداخل لإسكات أصوات بدأت تتصاعد، وتطالب بالمزيد من الحرية والدّيمقراطيّة.
وبالرغم من كارثة البرجين، فالحدث السياسي المتواطئ مع التناقض، يستمر في تبرير عنف الواقع، إذ لا نجد في قاموس النظام أي قاعدة تشكل لديه إحراجا أمام صور العنف، ولن يراهن على تشظي مخطط النظام، باعتبار أن كل مكوناته مدرجة على أسس النظام المهيمن. (بودريار.1994 .63).
ويعترف بيار بورديو (Pierre Bourdieu) بأن الفعل الرمزي له دلالة حتمية، لمسايرة القوة ويشكل علاقاتها لاكتمال حاجياتها، لأن ضحايا الاختلاف، على غرار تعدد طقوسهم وتقاليدهم، كثر، د مبرّرا ذلك بأن النفوذ على العنف الرمزي أي نفوذ يفلح في فرض دلالات معينة يضاف إلى علاقات القوة هذه. (بورديو.1994 .5).
وعبر سياقات متعددة تصب في ملتقى التلاقي لنتائج الثقافات الإنسانية، والتي تحاول أن تجعل من العنف علامة حظر وقبر للهوية المتفردة، كما يسميها الكاتب الهندي أمارتيا سين (Amartya Sen)، الذي يتساءل في الوقت ذاته: (هل العنف الشرعي يزداد تمددا، ليعوق مسافة التسامح أحيانا…؟)، ويبدو هذا النوع من العنف، مساهما في تأجيج الوضع، كما حدث مع الشرطي الذي قتل جورج فلويد الأسود، وقد أفضى هذا التصنيف إلى تعليب البشر في حاويات مغلقة.
وفي خطوة أخرى أمكن البحث عن منفذ للعودة بالإنسان إلى حظيرة الإنسانية، وهو ما يشكل مطالبة بتدخل الآخر ومساهمته بخفض نظرته العدائية، وجعل المنافسة بناءة، يتمّ التّعبير من خلالها، بكيفية ما، عن إدراك ووعي لحالة التوق إلى الحرية، وإيصال صوت المختلف إلى الضفة الأخرى، حيث أنّ العالم اليوم مدفوع بأن يتحرر ويحقق السلام، بدل دفعه لاستخدام العنف وتأجيج الصراع (أمارتيا سين.2012 .15(.
6- شوكة الآخر في حلق هويات الاختلاف:
إن امتداد تعدد الهويات يحيل على تعدد الاتجاهات وتباين الرؤى، فالاختلاف قد يتحول إلى عنف ضار، لا يسمح بالتقارب في وجهات النظر، ويتحول إلى عنصر قوة في مواجهة القوى المضادة، بدلا من تبادل الرؤى والتنوع، والهوية حمالة أوجه، فبقدر ما تكون سبيلا للثراء والإخصاب، تكون أيضا سبيلا للصراع والتناحر، ومصدر تفرقة في الأعراف والأنساب نتيجة لهذا الاحتكاك المضاد.
والخلاصة في شأن الهويات، أنّه شأن متصلب ببعده الانتمائي والولائي، ورغم أنّ للثقافات عناصر مشتركة وأخرى مختلفة، فإن ثقافة الاستعمار أزاحت هذا التعايش، من منطلق سياسة فرق تسود، وأنشأت بذلك مناخا عدائيا بين الشعوب.
يشير الكاتب (أمارتيا سين) بأن التعدد الثقافي يجيز التنوع، وهو قيمة اجتماعية تنتج حلولا في الأفق، من أجل حرية التفكير والاختيار، وأن التميز لا يخلق التنافر، بل يُخصب التجربة والرؤية الأحادية. (أمارتيا سين. 2012. 52).
يؤكد هرالد مولر (Harald Slott Moller) من جهته أن أحداث 11 سبتمبر، ليست في الحقيقة صداما بين الحضارتين الغربية والعربية، بل كان وهما مصطنعا، لأن أسامة بن لادن لا يمثل العالم العربي قاطبة، كما أن جورج بوش لا يمثل العالم الغربي، إنّهما يمثلان حالة صراع لكسر شوكة الآخر، صراع لا ينطلق من صدام الحضارات، ولهذا لا يرى الكاتب مانعا في تعايش الثقافات، وهذا ليس غريبا، بل ممكنا جدا فهناك مصالح مشتركة وطموحات متوازية، وعلاقات سلام مطروحة ضمنيا، وبقدر تصاعد التوترات، هناك دائما من يريد ارتباطات ودية تراعي التحسين والتطور.(هرالد مولر.2005 .18).
يتفحص دريدا برؤية ثاقبة حالة عودة الدين في صورة ممارسات، مما يعني عودة الإرث المشكل لدعوة الماضي، مركزا على مسألة الإيمان والعلم من خلال كتابه، الذي يطرح فيه العديد من الأسئلة حول الظاهرة الدينية ودواعي تناميها. وقد تساءل حول عودة الظاهرة: هل هي مؤشّرات على التأزّم، أم هي مجرد تكرار لممارسات التدين فقط؟ وهل تحيل على عودة إلى شمولية الدين مرة أخرى بما يعني تجديد فعاليته الرمزية في المنتسبين لمجرّد الاستمرار؟ ثم لماذا يرتبط وجوده بصورة العنف؟ ويمعن النظر فيه وفق رؤية كانط، مضيفا بأن هذه الممارسات تمثل شكلا من أشكال الشر، والدعوة لإزاحة الدين في الحدود المجردة للعقل، وبذلك تنتفي وحدة التكامل وأنماط الطقوس وممارسات النظام الاجتماعي، مما يطغي في ظواهره نزعة الخلع والاستبعاد والتفرد والخصوصية الطاغية، فالمجرد يحمل مساحة المضمر، وينتج الوهم والفراغ اللامحدود، فالعودة بهذا النسق في رأيه لا يمت بصلة لنقاء الأصولية التي تسبح في طهريّة الكائن الثقافي والحضاري والجمالي، بعيدا عن صورة التشدد والهدم للنهضة والتاريخ. (دريدا .2003. 14-15).
وبنفس الرؤية تؤكد يمنى الخولي، بأن العصر عصر تعددية ثقافية، وإذا كان لا بد من المركزية، فهي تعددية المراكز وليس بالضرورة تشكيل (مراكز وأطراف أو هوامش). وتطرح في ذات المضمون تساؤلات، منها: لماذا لا يكون العالم أكثر عدلا…؟ وفي خضم المساءلة عن علاقة الثقافة بالهوية، وكيف يتجسد العنف في ظاهرة التحيز الثقافي، تتساءل هل الثقافة صنف واحد أم هناك أصناف من الثقافات؟
وفي السياق نفسه يشير الدكتور علي وطفة إلى ثقافة الأنسنة، كما يحددها مفهوم كانط، والتي تؤنسن الكائن البشريّ، بحيث تجعل من الإنسان غاية يخاطب فيه العقل، والروح والضمير والوجدان والقيم الأخلاقية، أما الثقافة الأخرى فهي ثقافة استهلاك اغترابية نزوية شيئية مدمرة للقيم الإنسانية، تهتم بالشيء وتجرد الفرد من رمزيته، وتجعله يخضع لسلطة المادة ومتطلباتها، ثقافة غرضها النزوة واللذة الآنية، والاستسلام لمظاهر الحياة والتشيؤ والاستهلاك دون الوعي بعمق الغايات والأهداف.
فالأزمة الآنية، بتعبير علي حرب، هي أزمة الإنسان المعاصر، الذي يصنع مآزقه، خاصة بعد أن تمكّن من خلق صورة أخرى لإعادة البناء والمراجعة الدائمة، مضيفا أن ما نتقنه إلى حد الآن، وفي تداولنا في غالب الأعم، هو إرتكابات للفضائح والتهديد المستمر، وتبادل التهم وإشهار الاستبعاد، وكشف الأخطاء والمعايب، والحصيلة أننا مازلنا نعيش في بوتقة البؤس نتيجة الحواجز الرمزية التي نصبناها واعتلينا وهمها. (حرب. 2005. 23).
وضمن سياق الموجة المتردية، ذهب جوزيف أرثر دو غوينو (Joseph-Arthur de Gobineau) في مقاربته العرقية، إلى أن الأعراق تصنف الى ثلاثة أصناف، منها الأبيض والأسود والأصفر، في إشارة منه لتميز صفة الأبيض عن غيره من الألوان، كمزايا تفوق عرقيّ من ذكاء وإرادة وحكمة وعلو الهمة والأخلاق.
وهذا ما جعل الصورة الثقافية تتفاوت نحو التنوع والاختلاف، والاتجاه إلى التكتل في شكل حركات عنصرية، ومنها تطور ظاهرة العنف، إلا أن هذا لم يمنع بعض السياسيين أو الباحثين في العلوم الاجتماعية، من أن يعتبروا أنّ للمسألة العرقية خصوصية إيديولوجية في زاوية محصورة، ورغم كل هذه المواقف فإن شيوع مواقف التميز والتمايز بقيت صورا ماثلة، حتى بعد سقوط نظام التفرقة العنصرية، وتواري الشروط العنصرية تقريبا، فقد ظهرت موجة تعيد الحقل القديم في منظومة عنصرية جديدة أو كما تسمى العنصرية الثقافية (غيدينز. 2010 .133)
ساهم الإعلام من خلال الوضع المتوتر، في توسيع فجوة العنصرية وصدمة الخلافات الرمزية، وفرض فجوة أخلاقية مفادها أن البيض هم أصحاب الأرض والأصل الأمريكي، ولا يشير بأن الهجرة الأوروبية هي التي عمرت هذه القارة. ويعكس الإعلام أيضا في الوقت نفسه فكرة أن السود غرباء، فظهرت إزاء ذلك حركة (أنتيفيا) وهي حركة يسارية تبلورت فكرتها في أوروبا، ثم انتقلت بفروعها إلى أمريكا، ومن مظاهرها العنصرية أنها جاءت ضد أصحاب البشرة السوداء وضدّ المهاجرين عموما، وأنّها تستخدم العنف في كل احتجاج كوسيلة للتعبير، فأدت مفاعيلها إلى التخريب الذي طال أمريكا مؤخرا.
وفي مضمار التطورات وصناعة العنف المتوالي طبقيا، بين الأجيال نتيجة الغطرسة المستمرة من قبل مجرمي التاريخ الذين تشبثوا بمشاعرهم الذاتية المغيّبة لرأي الآخر، فقد أصبح حجم القهر والظلم والتهميش سمة العصر. وهنا يطرح السؤال، هل الأمر يعود إلى عقدة المكان والانتماء وإلى بيئة معينة؟ أم أنّه يعود إلى التمسك بنزعة التملّك عند الإنسان كما يحصل عند الحيوانات؟ يرى البعض أنّ كل الصراعات الدائرة رحاها عبر الزمن تتجه نحو حب امتلاك المكان كما بيّنه السوسيولوجيون، وأن البشر لا يبعدون كثيرا عن هذه القاعدة التي تسود عالم الحيوان (كولن ونسون.2001 .11).
تعود دوافع ممارسة العنف إلى أسباب عديدة، وتختلف من رؤية إلى أخرى ومن عصر إلى آخر، وقد يرتبط بعضها بالعوامل النفسية، في حين تبقى بعض الدّوافع مجهولة تؤكدها بعض الاحتياجات الضرورية التي يتمسك بها الإنسان في حياته، كالطعام والأمن، إضافة إلى الرغبة في الانتماء والشعور بالطمأنينة، فضلا عن حب التفرد والتميز، ذلك ما دفع (ماسلو) إلى إضافة احتياج آخر للنفس البشرية، كما تبدو في تحقيق الذات والاعتداد بها، وهذا الأمر يبقى حلما للعالم، لذلك نشأت مسألة الرغبة في تحقيق هذا العنصر، ولو كلف ذلك النفس مشقة لفرضها (كولن ونسون.2001 .21).
يشير حسن حنفي إلى أن الفلسفة لم تتوان في بيان بنية الهوية، بالرغم من الفلاسفة الذين تحدثوا عن الاغتراب أكثر من الهوية، والتي تعبر عن لفظ تراثي قديم، مضيفا من جهته أن التعبير عن الهوية هو التفاعل الحر، وأن المطالبة بحرية الوجود وحسن التصرف لهذه الأجناس، هو الشيء الذي يجب أن يخلق بدلا من أن يؤخذ، لهذا فإن أمريكا تحرم الملونين بسبب ما تزعمه من أن هؤلاء لديهم قلة وعي بالوجود، وهي تعلم أن الأمر ظرفي فقط، وما العنف المزدوج المستخدم تجاه أهل العقيدة واللون في صورة الرفض للغيرية، إلا تعبيرا عن مأزق الهوية المضطربة والمهزوزة. (حسن حنفي.2012 .17)
يُتداول معرفيا أن الأسرة لها نصيب كبير في إنتاج العنف داخل حيز المجتمع، باعتبارها الخلية الأولى أو المؤسسة الاجتماعية والتربوية الأولى للمجتمع، وذلك ما يفسره أغلب الاجتماعيين دون إغفال المؤسّسات الأخرى، والتي لها دور في تنمية هذا الإنتاج الممارس خاصة في الوسط المدرسي، الذي يشجع بدوره على إعادة إنتاج هذه الأدوار، نظرا لوجود عنصر المنافسة، والذي يزيد من عمق الخلاف وعقدة الانتصار والتميز، وقد ينعكس هذا الاتجاه على بقية المؤسسات الأخرى، مما يشكل خطورة وانتشارا بين مسامات تركيبات المجتمع، وما يمكن أن يتكون عن هذه التصادمات والاختلالات في منظومة القيم الاجتماعية المعاصرة (محمود سعيد الخولي.2008 .10).
تكشف فلسفة بودريار، من هذه الزاوية، أن العنف لا يحل برد عنيف آخر، فغسل أمريكا للعار الذي لحقها باحتلالها للعراق، ولتبريرها العنف بالعنف، يفضح الادعاء بأن المقاصد الحقيقية لم يفصح عنها، وأن الأهداف المسطرة غير معلنة، وأن الحرب كان وقعها مشهديا أكثر، من دون شاهد ميداني (بودريار.2010 .8).
وعطفا على صيرورة الحرب الإعلامية التي كشفت عن خنق الكثير ممن كانوا يطمحون إلى الحرية، وإلى رؤية الحقيقة، كان التعتيم، نتيجة للخطابات المتعالية والمتلاحقة، وقد عكستها طبول الحرب التي تقرع باستمرار، وتخترق فضاءات المقدسات والنفوس المنعزلة، كل هذه المجازر تفضح رد فعل مانهاتن، وتشكل في خيالنا إرهابا عالميا، تهيمن عليه هذه المشهديات التي ينعدم فيها كلّ ضمير أخلاقي، وهو الشيء الذي أدى إلى كراهية الهيمنة العالمية بمختلف أطيافها، ومحاولة تفكيك كل ما مَن مِن شأنه أن يطرح نموذجا بديلا ومغايرا لمبدأ قوة النظام العالمي، فالبرجان كانا يجسدان حقيقة صورة التعالي والنظام النهائي (بودريار.2010 .13).
7- الإفراط في معنى الأنا لإزاحة رأي الغيرية:
تنبثق رؤية بودريار من المعطى السوسيولوجي، بحيث يوثق نقده بأن الإرهاب يظلّ هاجسا يؤرق النظام العالمي، الذي يعتبره الفيروس الذي لا يلتزم بحدود جغرافية معينة، أو ببطاقة استيطانية ثابتة، في حين أن الهيمنة العالمية لها مساحات عريضة، وضحاياها كثر نتيجة للحصار الثقافي، فهناك حرب مرتبطة بهذه الهيمنة العالمية، لأن الإرهاب في حقيقته لا أخلاقيّ في عالم السياسة على الأقل، وتحدياته للعولمة الرمزية لا أخلاقي ولا ثقافيّ أيضا.
إن الانتصار ليس بالضرورة القضاء على الآخر المختلف، لأنه ربما يزداد يقظة ويستمر بتجربته في رد فعل صادم، إذ أن الإرهاب لا عنوان له، حتى ولو كان الإسلام يسيطر على العالم كما يذكر بودريار، فإنه سوف يجد أمامه جدار الإرهاب ضده، وذلك لأن العالم نفسه هو الذي يقاوم العولمة (بودريار.2010 .17).
يُنظر إلى تنوع مضامين مفكرة بودريار كمفكر عدمي استعصى على الكثيرين تصنيفه كونه هاجم كل الاختصاصات التي كتب فيها، إلا أنه لم ينف البعد السياسي للثقافة، ورفض الطبيعة النقدية التي ترى أن الثقافة تشارك بصورة ما، في العنف والقمع (الشرعي)، مستطردا بأنّ الثقافة الهابطة، ساهمت في نشر عدم فهم دور الثقافة ومفهومها الاجتماعي، وعكست إعادة إنتاجها، فهي كالروح مسلوبة القيم والفن، فمن خلال الإعلام الذي هو نفسه يعتبر صناعة إيديولوجية، يتم تزويد المجتمعات بالثقافات المصطنعة، التي تفتقر إلى العقل والحكمة وإدارة الرأي. (كريسهوروكس.2005 .57).
ويرى من جهته أن أسلوب التماسك الرمزي للجماعات يعود إلى طبيعة الإنسان وكثافة متطلباته، إذ تشكل هذه الحركة صدى لعملية الإبادة التي تعتبر أداة عنيفة، لمواجهة صورة إنتاج القيم الغربية، فبودريار يستخدم كلمة الجماهير بدلا من اجتماعي، وهو بهذا يخالف رؤية علماء الاجتماع، أو بالأحرى أن الاجتماعية لها رمزية عالية كالقيم والأنماط الثقافية عند المتلقي، لكن مفهوم الجماهير كائن يرمز إلى الموضوع المتناول، ويعني الحشد المتحرك والفئة الممثلة للتصنيف والأغلبية الصامتة.
ويصف هذه النقطة الفارقة التي تحرض على العنف والعنف الرمزي، وذلك بواسطة الإعلام، أين تكون المسافة المشتركة بينها وبين جمهورها؟ ومتى تكرر هذا النمط سيخلق تدفقا اعتباطيا للاستجابة ومنها إلى طرح الأسئلة ورد الفعل المميت الذي لا يخطئ متلقيه. (كريسهوروكس.2005 .99).
شخصية بودريار ترفض أن تعمم مثل غيرها، ولم يتماه مع الطبقة الفكرية وأنساقها التقليدية، مواجها كل صور الفلسفية، التي تكون محصلة للقيم والأخلاق، ومخترقة لجميع الأنظمة الاجتماعية، ومتجاوزة لكل العلاقات.
ويعود هذا الاختلاف، إلى كونه أحد رواد ما بعد البنيوية، التي تنتقد مجتمع المشهدية المبنية على الاصطناع، وتشكل رؤيته في اختفاء الواقع، إذ يرى من جهته أن السبب الرئيسي لهذا الإفراط في المعنى، هو نتيجة تعدد تكنولوجيات الاتصال، التي أدت إلى عنف رمزي صرفت فيها دلالة المعنى، وأصبح الواقع عبارة عن رموز متضمنة ذاتية المرجع، وبالتالي لا تنتج واقعا حقيقيا. (بودريار.2013 .7).
ومن خصوصياته النقدية أنّ الحفر في الوعي هو عملية تحررية من التقاليد وحمولة الإرث الماضي، مما يعكس رغبة في التحول نحو دورة الحياة المتجددة، فمن الطبيعي أن يصاحب هذا الاحتكاك درجة معينة من العنف، مما يسمى عنف التحرير، وقد يكون هناك عنف مضاد، كما يحصل في أمريكا وأروبا، ناتج عن الانفعال المفرط، يقوم بالاستحواذ على امتيازات الحياة والحماية للبعض دون البعض، وهو الشيء الذي يشجع على التمييز، وبروز سمات الأنا والفردانية، التي تعكس الامتدادات المفرطة للعنف المتكرر، بغية فرض الذات وتهميش الآخر المختلف.
وبرؤية أكثر تجذرا نحو الواقعية، يؤكد بأن الوعي التاريخي مهم بالنّسبة إلى المجتمعات، وخاصة المجتمعات التي تراهن على العيش المشترك، والتي لم تفقد توازنها في الحياة، والمتشبّعة بقيم الديمقراطية والشعور بالآخر، كما يصفها (الأكسيس دوكفيل)، الذي حذر من نمو الانتقام وممارسته، تلك الممارسة التي تمر عبر آليات مختلفة، معتبرا أن الوعي يصاحب الإنسانية في جميع الحقب التاريخية، من أجل الدفاع عن حقوق الانتماء والحياة التشاركية، وهي سلوكيات للعيش قبل أن تكون مفردات شعار تعمل على تجاوز الذات، ونفي الحقد المعبأ إلى نهايته القصوى بالإكراهات بتعبير نيتشه. (بودريار.2013 .60).
مرة أخرى يشرح بودريار الدور، الذي تلعبه الأشياء في بلورة مفهوم المجتمع المعاصر، والذي يتجاوز سد حاجياته ومنافعه الضرورية إلى الاهتمام بما يثيره الإشهار، وما يتوقعه مجتمع الاستهلاك، فضلا عن تركيبة الماركات والعلامات التجارية، التي تخلق بدورها قيم التنافس، نحو استهداف الماديات، إذ يشير هنا إلى أن مقاييس الإنسان الاستهلاكية تتحوّل نتيجة ما تتطلبه الحاجات البيولوجية، إضافة إلى ما يتعلق بتحقيق رغبات اجتماعية ونفسية، تماشيا مع ثقافة التصنيع، القائمة على التطلع نحو جاذبية صناعات الماركات المهيمنة. (بودريار. 2013. 02).
تعكس جوانب عديدة مدى الأسلوب المتداول، الذي أدى إلى تفاعل الفرد مع الأشياء، والتي تمارس عنفا رمزيا على الطاقة الإنسانية، وتفرض نفسها أكثر من التعايش مع الأنماط الاجتماعية الغيرية، وهي ظاهرة اكتسحت مجتمع ما بعد الحداثة، وتحدد مدى تفاعل الفرد مع الأشياء، وتمكنه من معرفة قيم تطوره وتجاوز مرحلة التقليد، وكذا كيفية تغيير رؤيته المركزية، فالأشياء المتداولة لها دلالات خفية ساحرة، تجبر المستهلك على اقتنائها، وتمارس عنفا رمزيّا يصاحب الإشهارات، ويتسرب رمزيا في غفلة من الأفراد المستهلكين للأشياء. (الجلالي.2015.ع5013).
يتبنى بودريار في هذا الاتجاه فكرة استهلاك الرموز، فالعنف مستمر مادام هناك تمايز بين قوى ثقافة الاستهلاك، مشيرا إلى أحداث سبتمبر2001 معتبرا أنّ ما حدث كان منطقيا وأنّ نهايته حتمية رغم صدفتها العميقة، (فصعود القوة يهيج الرغبة في تدميرها. (Frederit.joignot.2017. 3).
هنا يمكن، ضمن المشروع البودرياري، رصد نشأة المحاكاة التي تحتوي إثر تفاعلها بين الموضوعية والذاتية مساحة اضطراب، أين يتمدد العنف بكل تكويناته عبر وسائل تستخدم لذات الغرض، وأيضا عبر مكونات الكتابة التي تشجع العبثية الطاغية بين عناوينها، وقد تتعدى حدود الذات إلى الآخر الملون، الذي يصبح عدوا، لأن العنف تزيله عقلية التوأمة والمطابقة، صورة يتخذها العنف العالمي، لإنشاء حدود متحررة من كل قيد، وغير متوقفة عن روح الأثنية اللغوية والعقائد المتنافرة. (بودريار. 2005. 75).
يعتبر حليم بركات أن توسع مقدار ظروف التهميش، هي انعكاس لحالات الاغتراب التي مناطها العنف المادي والعنف الرمزي، فينجر عنهما صور التفكك الاجتماعي، وتلاشى القيم، وسيادة علاقات القوة والنزاعات وسلطة الرأي الأحادي، وتنتشر أثناء ذلك عبارات التنافر وسقوط آليات التضامن والتفاعل المشترك، مؤكدا أن هذا الشيء قد يخلق علاقات توتر واضطراب داخل حيز واحد وأرض واحدة، مما يشكل صراعات وواجهات نزاعية عنصرية (حليم بركات.2006 .8).
يستمر بودريار في حديثه مشيرا إلى أنّ المجتمعات التي ينتشر فيها العنف، تستعمل سلطاتها خطاب الأزمة، لإبقاء الواقع المزيف دون اقتناع، ولا تستعمل خطاب الرغبة إلا لصالحها، وهذا الشعار هو نوع من السلاح، تستخدمه السلطة بمعنى أنها تدفع جمهورها، إلى اعتبار رغبتهم بمثابة واقع قائم وحتمي، تمهيدا لتكون لهذه المجتمعات مرجعية واقعه، دون العودة إلى أصول حقيقية تعكسه وقائع الثقافة السائدة نتيجة عنف رمزي مسلط على رقاب أفراد المجتمع، من قبل هذه السلطة التي تعتبر نفسها المرجعية الإلهية. (بودريار.2008. 73).
ويحاول بودريار من جهة أخرى تحليل الوضع من خلال آلية الصدمة الرمزية التي تلقتها الإدارة الأمريكية، ويختزل فيها الواقعة مبيّنا أن الإرهاب يسكن كل نظام ويلازمه ويحقنه متى شاء، لذلك تحاول أمريكا أن تخوض حربا لامتناهية المعالم، لأنها ترى نفسها (جريحة في كبرياء إدارتها).
وهو جرح تقاسمه كل أفراد المجتمع الأمريكي، وعاشه بكل تقاسيمه، فارتطمت هذه المشاعر بسجل التاريخ وسيرورته، نتيجة سيطرة العنف في مفاصل الحكم، وتحول مضامين التحليلات بجميع قيمها المرتبطة بذلك إلى طاقة تغذي الرعب، فأصبحت لا تعبر عنها لا الإيديولوجيّات ولا المعتقدات ولا المصالح الإستراتيجية للدين وللقوميات، وهكذا تم مسح رؤية الحلول نهائيا، لأن الإرهاب يعبر عن ذبذبة صادمة مقيتة لهذا الانتكاس والارتكاس الصامت والمميت، فالصراع يثبت مرة أخرى أنه لا علاقة له بصدام الحضارات، ولا بصدام الأديان.
يكشف هذا الاختراق أن المسألة تتعدى حدود الإسلام أيضا، وأن الأمر مرتبط بالمجابهة، لترسيخ القوة التي تمتلكها أمريكا فقط، وهذا ما يثبت أيضا أن أمريكا لا تمثل العولمة بهذا الانفراد، بل إن الحقيقة تكشف بؤس الإعلام، وأنّ الإسلام هو الآخر لا يجسد الإرهاب تماما، وكل ما في الأمر أن هناك مسرحيات مشهدية، مثلتها أمريكا في الخليج وحرب أفغانستان دون أي نتيجة ملموسة تذكر (بودريار وآخرون.2003. 17/23)
8- خاتمة:
تكشّف، من خلال هذا الوصف (البودرياري) للعنف والعنف السياسي على الخصوص، بأنه استخدام للقوة، أراد عبره كشف حقائق خفية في العالم تحيل على تحقيق أهداف مرسومة سلفا، سواء كانت سياسية أو اجتماعية، وبيّن مدى تعقّد مسالكها وتوتراها إلى جانب إعادتها وتكرارها حسب الوقائع ومؤشرات أسبابها.
إن ظاهرة اللاإستقرار مغيبة تماما، تتعقبها المواقف السياسية في أدوارها، وتظهر تلك الإحالات من خلال المعطيات السلبية التي تمس كل قيم المجتمع وتفكك ثقافته وخطاباته، إذ أن العنف الفكري يغذي الأحداث التي تدور رحاها في سلم السياسات.
ويشير الأستاذ علي وطفة، في وصفها، بأن القتل أصبح عادة، والذبح عبادة، وهي صورة تتمدد نحو حافة الانهيار، لمجتمع استشرف استراتيجية الحقيقة الخفية، التي لم تعد الرؤية تدركها، مما استدعى أن تكون هناك حاسة أخرى، لها قيمة الكشف والتأويل للحدث، وما لا يزاح بالإشارة قد يجر بالسوط، حيث ساهمت تكنولوجيا الاتصالات، في الكشف عن زوايا العنف الخفية، خلافا للعنف الذي عرفته البشرية عبر حقب تاريخية طويلة.
وفي بعد آخر تتوطد القوة الذهنية للإرهاب، وتخرق جدار المواجهة، لتضع نفسها ندّا لند أمام عنف بمثله، إذ أن صناعة الحركات القتالية تتوسّل التشويه، وغرضها الأطماع السياسية، إنها الحقيقية التي يختفي خلفها نظام الأمركة، وبحسب بودريار فإنه لم يعد الاعتبار للذود عن المبادئ، بقدر ما بات الاعتبار لصورة الحضور، وفرض الرأي المخالف كمذهب صامد، وليس مجرد شعار يحتفى بنمطيته.
فتقديس الهيمنة أصبح قانونا لإثبات الوجود، والارتكاز على شاطئ الأمن هو الوسيلة الأكثر ادعاء مع بداية الحرب العالمية الرابعة، باسم العولمة المشار إليها من قبل، والتي تراهن بحسب رأي بودريار، على إسقاط الرموز القديمة، وتجتهد في توسيع دائرة التفكيك والاحتواء، معتبرا أن زلزال العمارة يختلف عن الحروب التاريخية، الذي مر منذ حقب قريبة، والذي طاله الانحراف ولم يكن إلا زورا، بل لم يكن حقيقة فعلية نظرا لما شابهه من الهامشية.
المراجع:
- امارتياسين”الهوية والعنف”وهم القدر””، ترجمة حمزة بن قبلان المزيني جداول النشر والترجمة والتوزيع، بيروت، 2012.
- بركات(حليم) الاغتراب في الثقافة العربية (متاهات الإنسان بين الحلم والواقع)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2006.
- بودريار(جان): عنف العالم. ترجمة عزيز توما. دمشق: دار الحوار للنشر والتوزيع،2005.
- ــــــــــــــــــــــ:”المصطنع والاصطناع”، ترجمة جوزيف عبد الله وسعود المولى، المنظمة العربية للترجمة، بيروت.، 2008.
- ــــــــــــــــــــــ:”روح الارهاب”، ترجمة بدر الدين عمر زكي، الهيئة المصرية العامة للكتاب’ القاهرة، 2010.
- ــــــــــــــــــــــ:”التبادل المستحيل”، ترجمة جلال بدلة، معايير للنشر والتوزي.، سوريا، 2013
- بودريار(جان)، وآخرون “ذهنية الإرهاب” ترجمة بسام الحجا، المغرب/ بيروت. المركز الثقافي العربي، المغرب، بيروت، 2003.
- بورديو (بيار) “العنف الرمزي” ترجمة نظير جاهل. المركز الثقافي العربي، بيروت، 1994.
- جاك (دريد) ما الذي حدث في “حدث” 11 سبتمبر، المجلس الأعلى للثقاف، القاهرة، 2003.
- الجلالي (محمد)، الحوار المتمدّن، من نظام الإنسان الى نظام الاشياء (قراءة في الأعمال جون بودريار).. محور الفلسفة وعلم الاجتماع.: 14/12/2015: https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=496774
- حرب (علي) “أزمنة الحداثة الفائقة (الإصلاح. الإرهاب. الشراكة)، المركز الثقافي العربي، المغرب، 2005.
- الخولي (محمود سعيد) “العنف المدرسي” مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 2008.
- حنفي (حسن) (“الهوية” المجلس الأعلى للثقاف، القاهرة، 2012..
- غدينز (أنتوني) بمساعدة كارينبيرديسال” علم الاجتماع: مع مدخلات عربية” . ترجمة وتقديم فائز الصباغ، المنظمة العربية للترجمة.، بيروت، ط4، 2010.
- -فيفيوركا (ميشال) “التعددية الثقافية، مفهوم يجب إعادة بنائه”، مجلة الاستغراب، عدد10، بيروت، 2018.
- كولن (ونسون) “التاريخ الإجرامي للجنس البشري (سيكولوجية العنف)”، ترجمة رفعت السعيد علي، جماعة حور الثقافي، القاهرة، 2001.
- معزوز (عبد العالي) فلسفة الصورة” إفريقيا الدار البيضاء، المغرب، 2014.
- هرالد (مولر) “تعايش الثقافات” دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2005.
- هوروكسزوران (كريس) “أقدم لك جان بودريار” ترجمة حمدى الجابري المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2005.
- وطفة (علي) مقال العنف الديني من منظور سيسولوجيا. موقع عين للأنباء: 14/8/2020: https://www.eye-n.com/index.php/permalink/218986.html
- مقال لوموند joignot ذكرى وفاة بودريار. شاهد على اغتيال الواقع. ترجمة شوقي بنحس، 2017.