الملخص:
عالج إيان ماكنزي في كتابه “نماذج من نظرية المناسبة بالقراءة والتفكيك” موضوع اللغة واستحالة مطابقة المعنى بين مقصد المتكلم وفهم المرسل إليه. ودرس نظرية المناسبة والتواصل المنطوق، من خلال التركيز على التقويض اللغوي. وقد قدم ماكنزي بعض المفاهيم المركزية مثلا الظاهر والاستدلال والمقاصد والمناسبة. مثلما اهتم بموضوع ضمنيات الخطاب والغموض والتأثيرات الشعرية: الاستعارة والسّخرية والوصف والتأويل.
الكلمات المفاتيح: نظرية المناسبة – التفكيك – التأويل – القراءة – المعنى – الخطاب.
Abstract:
Ian Mackenzie deals in his book “Paradigms of Reading Relevance Theory and Deconstruction” with the language and the impossibility of matching the meaning between the intention of the speaker and the understanding of the addressee. He studies the relevance theory and spoken communication, by focusing on the linguistic undertermination. He presents some central notions as ostension, inference, intentions and relevance. He was also concerned with the topic of implications of speech, ambiguity and poetic effects: metaphor and irony, description and interpretation.
Keywords: Relevance Theory–Deconstruction–interpretation – Reading– Meaning – Speech.
1- التقديم:
اهتم إيان ماكنزي (جامعة جنيف، سويسرا) في كتابه “نماذج القراءة: نظرية المناسبة والتفكيكية”[1]بإبراز انعدام التطابق بين المعاني المقصودة والمعاني المفسَّرة أو المؤوَّلة. وبالنسبة إلى نظرية المناسبة، فإن هذه الوضعية تُعدُّ دليلاً على الطابع الاستدلالي للّغة. وعلى العكس من ذلك يرى بول دي مان أن اللغة تتصف بأنها: غير مستقرة، فوضوية، اعتباطية، آلية، ساخرة، ولا إنسانية. وقد سعى ماكنزي في كتابه إلى إبراز أن نظرية المناسبة في تقديرها للتواصل والإدراك والتفسير الأدبي هي أكثر عقلانية من تفكيكية دي مان التي طوّرها انطلاقاً من قراءاته لروسو وهيجل ونيتشه.
ونسعى في هذه الترّجمة الممزوجة ببعض التعليقات إلى إضاءة نظرية بول دي مان النقدية، من منظور نقدي لها أدلى به ماكنزي، في مقدمة كتابه المشار إليه أعلاه، فهو ضرب من نقد النقد.
ومعلوم أن دي مان عُرف بنظرية نقدية تقوم على مبدأ العمى، وقد ترجم سعيد الغانمي كتابه “العمى والبصيرة: مقالات في بلاغة النقد المعاصر”، وأشار إليه كثير من الباحثين والنقاد العرب، نكتفي بذكر محمد أحمد البنكي في كتابه “دريدا عربيّاً”، إذ أبرز أن فعل القراءة عند دي مان هو المبدأ والمنتهى، وهو الأرضية الأساس للحياة البشرية، ولكنها متعذّرة التعريف، إذا لا يمكن قراءة القراءة. إنها شرّ لا بدّ منه، ونقل فكرة ستكون منذ ثمانينات القرن العشرين مدار البحث الدلالي في ترتيب المنحيين الحرفي والمجازي في اللغة، منذ أن نشر جورج لايكوف ومارك جونسون كتاب “الاستعارات التي نحيا بها”،… ونص هذه الفكرة أن “اللغة مجازية في المحل الأول وليست إشارية أو تعبيرية، ولا توجد لغة أصلية غير بلاغية، مما يعني أن الإشارة دائماً تشوبها خاصية المجاز”[2].
2- النص:
لم يزل الباحثون المعاصرون في نظريات المعنى الأدبي متفقين على أن انعدام التطابق التام سمة قارّة في النظر إلى العلاقة بين العلامات اللغوية أو الدوالّ من ناحية والمعاني المفهومة أو المقصودة من ناحية أخرى. ولئن كانت هذه النتيجة محلّ اتفاق بين أولئك الباحثين، فإن اختلافات شديدة تلوح بينهم عند تحديد المقدمات التي يرى كلّ منهم أنها السبب الذي يقف وراء تلك النتيجة.
من ذلك أنّنا نجد في التصورات التداولية للّغة، من قبيل نظرية المناسبة، أن في عدم إمكان بثّ رسائل محدّدة عن طريق إشارات رمزية دليلاً ساطعاً على الحاجة إلى الاستدلال في التأويل اللساني. أمّا بالنسبة إلى النظرية التّفكيكية، على نحو ما نجده عند بول دي مان، فإن عدم التطابق المشار إليه يُعدُّ مصدراً لعدم الاستقرار اللغوي، ودليلاً على استحالة القراءة وانحراف كلّ فهم.
وأمّا نظرية المناسبة لدان سبيربر ودردري ويلسون – التي عدّها الباحثون، في تشبيه بليغ، أول نظرية جذرية جديدة في التواصل منذ أرسطو – فيعترف القائلون بها بأنّ لكل قول مجموعة متنوعة من التفسيرات المحتملة التي هي مزيج من محتوى صريح ومن سياق بالإضافة إلى معان ضمنية. ومع ذلك، فإنّ هذه التفسيرات ليست متاحة للجميع على قدم المساواة في أي مناسبة معينة. وترى نظرية المناسبة أنّ المستمعين مجهزون بمعيار لتقييم التفسيرات عند حدوثها. ويعتمد معيار المناسبة على افتراض مفاده أن الإدراك البشري موجّه نحو المناسبة وموجّه لتحقيق أكبر تأثير إدراكي ممكن مع بذل أقل جهد ممكن في المعالجة. ويركّز الأفراد اهتمامهم على ما يبدو أنه أكثر المعلومات المتوفرة مناسبةً. فأن تتواصل يعني أن تجلب اهتمام الفرد، ومن ثم أن تعني أنّ المعلومات الموصلة مناسبة. وبذلك فإنّ المعلومات التي يتم توصيلها تخلق توقعاً للمناسبة. ويجب أن يسمح معيار المناسبة للمستمعين باستبعاد كل التفسيرات ما عدا تفسيراً واحداً: يحق للمستمع أن يفترض أن التفسير الأول الذي يستوفي معيار المناسبة هو التفسير الوحيد الذي يفعل ذلك.
وفيما يتعلق بنظرية المناسبة، ليست الأقوال سوى تمثيلات تفسيرية للأفكار فحسب، لذلك فثمة دائماً فجوة بين التمثيل الدلالي للجملة المنطوقة والفكر الذي وُضعت تلك الجملة لتوصيله. وينبغي على تعرّف السامع أو القارئ لمقصود المتكلم أن يسدّ هذه الفجوة مسترشداً بالقرائن السياقية. تماماً مثلما أن نسبة كبيرة من المادة في الكون لا تراها العين المجرّدة ولا ترصدها المناظير والتلسكوبات بحيث إن وجودها لا يمكن إدراكه عبر حاسة أو آلة، بل عبر الاستدلال عليه، فإن الكثير من معنى القول المنطوق أو الجملة المكتوبة لا يظهر في الكلمات الفعلية. ومن ثم فإنّ تحليلاً لغويّاً لقول من الأقوال، يقتصر على “مادية الحرف”، ما هو إلا مجرد خطوة واحدة من خطوات عدّة ضرورية للتفسير.
وعلى عكس هذا النموذج الاستدلالي للتواصل البشري والإدراك، تلحّ التصوّرات التفكيكية للّغة على مادية اللغة، وتتجاهل الدور الهائل الذي تؤدّيه العوامل السياقية في التواصل اللغوي. وقد أشار بول دي مان إلى أن استحالة جعل التعبير الفعلي مطابقاً لما يدلّ عليه، يعني أن تفسير اللغة اليومية مهمّة عبثية، مهمة لا نهاية لها ولا تحقق تقدّماً. وقال كذلك إنه بما أن كلّ الكلمات والأسماء والمفاهيم مجازية في أصلها فهي غير مستقرة، وهي تفكك نفسها كلما أكدت ذاتها. ومن ثم، فإن “نموذج جميع النصوص يتكون من صورة (أو نظام من الصور) وتفكيكها”.
بالنسبة إلى دي مان، تجعل الوجوه البيانية والتعويضات المحتوى القضوي للأقوال والنصوص غير قابل للحُكم عليه، وتُحدث “دماراً معرفيّاً” ممّا يعلّق تحديد المعنى المقصود. إن البلاغة بذلك تعلق المنطق جذريّاً وتفتح الباب لإمكانات متقلبة للانحراف المرجعي، وتضع عقبات كأداء في طريق أي قراءة أو فهم. وعليه فإن كل أشكال المعرفة مشروطة بالإمكان اللغوي المجازي المستقل وغير المتحكَّم فيه. بل يذهب دي مان إلى حدّ وصف اللغة بأنها ساخرة، فوضوية، اعتباطية، غير مسؤولة، آلية، وغير إنسانية. وبدلاً من مجرد الإشارة إلى أنّ الخطاب قد يحتوي على عناصر تخريبية أو متناقضة تتحدّى العمليات الاستنتاجية الطبيعية للتّفسير، وأنّ هناك دائماً احتمال وجود تباين ساخر بين المعنى والمقصد، يرى دي مان أن هذا الأمر حتميّ. إذ يوازن سقراط في محاورة الفيدروس في جمهورية أفلاطون بين النصوص المكتوبة وبين الفارمكون (pharmakon) الذي يمكن أن يكون سُمّاً زعافاً أو دواءً معالجاً. وفي حين يعدّه علماء اللسانيات التداوليون دواءً لا يراه دي مان إلّا سمّاً. إن نظرية المناسبة تُعدُّ دواءً فاعلاً لتصوّر دي مان الكارثي للّغة. فدعواي الأساسية، تبعاً لسبربير وولسون، تتمثل في أن تعويض كلمة استدلال، أو بشكل أكثر تحديداً كلمة مناسبة، بالنسبة إلى مصطلح بلاغة عند دي مان، غالباً ما يتيح للمرء تفسير استعمال اللغة بشكل أكثر ملاءمة. فعلى سبيل المثال، يمكن للقول: “الخزان نصفه فارغ” أن يعني أنه: “من الأفضل أن نتوقف ونتزوّد بالوقود قبل بلوغنا نيويورك”، أو القول: “سوف تموت الأسماك إذا لم نقم بإضافة بعض الماء إلى الحوض قريباً”، أو “أنا متشائم”، اعتماداً على السياق. وتوضّح هذه المجموعة من المعاني المحتملة القابلة للاستدلال والمرتبطة بالسياق كيف أن التحليل اللساني وحده لا يحدّد التأويل بشكل كامل، ولكن لا يعني ذلك أن اللغة غير قادرة على العمل. سأبيّن أن نظر المناسبة – وهي نظرية عرفانية (معرفية = إدراكية) لفهم اللغة بشكل عام، تتضمن تقديراً للتأثير الخطابي والشعري – تقدّر بشكل كافٍ اللغة المنطوقة اليومية، وكلّاً من الصيغ الأداتية والأدبية للكتابة. وعلى الرغم من الاختلافات القائمة بين التداولية ونظرية دي مان في البلاغة، فإنهما تبدوان وكأنهما تفعلان الشيء نفسه، لأنه في إبراز التداولية اللسانية لطريقة اعتماد المعنى اللغوي عموماً على الاستلزامات المرتبطة بالسياق بدلاً من الشيفرات الدلالية والنحوية وحدها، فإنها (أي التداولية اللسانية) تقرأ كذلك حساباً للفرق بين (المقصود) وبين (الطريقة التي تعني اللغة بها).
على الأقل، فإنّه يمكننا الخلوص إلى أن الأقوال إنْ هي إلا تمثيل تأويليّ للأفكار، وما دام التحليل اللغوي للقول يحدّ من تأويلها إلى حد كبير، حتى لو كانت اللغة تتحدث من خلال الإنسان، فإنّ الإنسان يؤدي دوراً نشطاً جدّاً في تأويل ما يقال. فما الفائدة من التعامل مع وجهة نظر دي مان للّغة من منظور تداولي (براغماتي)؟
إن معظم طلاب الأدب على دراية بالمناهج النقدية المختلفة التي طُورت بين أواخر ستينات وأوائل ثمانينات القرن العشرين – كالبنيوية، والسيميائية، ونظريات التلقي (استجابة القارئ)، والتحليل النفسي، والنظرية الماركسية، والنسوية، والمادية الثقافية، وما إلى ذلك. ويشعر الكثير منا أنه بإمكاننا الأخذ بتحليلاتها أو تركها، وعدّها رؤى مناسبة أو تجاهلها. ومع ذلك، فإن صيغة قراءة دي مان الخطابية أو الساخرة لا يمكن أن تتعايش في تعددية مريحة مع مناهج أخرى، لأنه إذا كانت قابلة للتطبيق، فإنها تقوض بشكل لا رجعة فيه جميع المناهج والنماذج البديلة. ولا يمكن تجاهل تصوّر دي مان للقراءة بكل بساطة. فأي شخص يرغب في اقتراح تصوّر تداولي للقراءة، أو في الواقع أي تصوّر آخر للتأويل، يكون ملزماً بالتعامل مع نظرية دي مان حول استحالة القراءة.
توفي دي مان بسبب ورم في المخ في عام 1983، بعد خمس سنوات من كتابته أن “الموت اسم مزعج لمأزق لغوي”[3]، تاركاً دريدا للإشارة إلى التوافق (الجناس)، في الفرنسية، بين كلمتي tumeur (ورم) وtu meurs (تموت)[4]. ومع ذلك، وصل اسمه إلى جمهور أوسع إلى حد ما بعد أربع سنوات، عندما وصفته صحيفة نيويورك تايمز بأنه “واحد من أكثر المفكرين ذكاءً في جيله” و”منشئ نظرية مثيرة للجدل للغة يقول البعض إنها قد تضعه بين العظماء المفكرين المعاصرين”(1 ديسمبر 1987). ولسوء الحظ، فقد كان سبب مقال الصحيفة إعادة اكتشاف عدد كبير من المقالات التي كتبها دي مان الشاب للصحف المتعاونة مع النازيين في بلجيكا المحتلة خلال الحرب العالمية الثانية.
إن تصورات ديمان عن شذوذ كل إدراك وفهم، وما يترتب على ذلك من استحالة الوقوف على حقيقة تصرفاتنا أو بياناتنا أو شعورنا بالذنب، تصورات تكتسب بالضرورة أهمية متزايدة من خلال إعادة اكتشاف مقالاته الصحفية المنشورة إبان الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من أن العقود الأخيرة قد شهدت ازدهاراً لنظريات النقد الأدبي، فإن النقد بشكل عاملا يبدو أنه “تحسَّنَ”. ولا يمكن للمرء بالتأكيد أن يقصّ حكاية “ممتعة” عن بلوغ تأويل الأدب مرحلة النضج تدريجياً. المشكلة تكمن في أن معظم منظّري الأدب يختارون، في خطوة واعية لا يمكن مقارنتها بتصور ديمان للعمى التمكيني الضروري، عن عمد، عنصراً واحداً منفعلا لقراءة – ألا وهو اللغة أو النص أو العالم أو المؤلف أو القارئ – مع استبعاد بعض العناصر الأخرى أوكلها، ويدفعون العنصر المختار إلى أقصى حد. أمّا بالنسبة إلى ديمان، فإن الطبيعة المدارية للغة هي التي تطغى على كل شيء آخر. وقد اهتم ماكنزي في كتابه “نماذج القراءة” على وجه التحديد بمنافسة مفاهيم ديمان حول الطبيعة العشوائية والآلية (الميكانيكية) والمرجعية الاعتباطية أو الشاذة والساخرة واللاإنسانية للغة. ويرى أنه لا يستطيع قبول فكرة مفادها أن إهمال ديمان المتعمد لجميع الوسائط (البارامترات) التداولية لاستخدام اللغة هو العمى الضروري الذي يمكّن استبصاراته المضيئة حول البلاغة، لأن اهتمام ماكنزي هو تحديداً تحدّي هذه “الاستبصارات”. ويرى أنه لا يستطيع التظاهر بأن حججه قد تشتغل اشتغال النفي الهيغلي، لتسليط الضوء على الأجزاء الأفضل لنظرية ديمان، لأن ما يريد ماكنزي القيام به هو اقتراح بديل تداولي لتلك النظرية.
تُعنى التداولية باستخدام معنى اللغة في السياق. وقد استخدم المصطلح تشارلز موريس (Charles W. Morris) لأول مرة لتسمية فرع ثالث من علم السيميائية، إلى جانب علمي التركيب والدلالة، والذي حدده على أنه دراسة “علاقة العلامات بمؤوِّليها”. وتركز التعاريف الحديثة على جهات الاتصال (المتحدثين أو الكتّاب) وكذلك المخاطَبين (المتوجَّه لهم بالخطاب)، وإنتاج واسترجاع المرجع (خاصة فيما يتعلق بالكلمات الإشارية)، والموقف القضوي، والقوة اللاقولية والاستلزامات، بما في ذلك الأدوات البلاغية مثل الاستعارة والسخرية، التي يمكن أن يعني أكثر بكثير مما يعبر عنه حرفيّاً. وعلى الرغم من أنه قدتم تطبيقه إلى حد كبير على الاتصالات الشفوية، فإن هناك العديد من عناصر التداولية التي يمكن، من خلال المماثلة، أن تطبق على النصوص الأدبية وعلى السياقات المنفصلة للمؤلف والقارئ.
إن كلّاً ممّا بعد البنيوية والتفكيكية ونظرية لاكان تُعامل اللغة والنصوص بصفتها قوى فاعلة تعمل دون أي حاجة إلى وعي ناشئ، وتعامل كلّاً من الكتاب والقراء على أنهم مجرد تجميع للنصوص والشيفرات، بحيث يتمحل (تذويب) الذات وتعيين وظائفها في أنظمة غير شخصية تعمل من خلالها. وقد وصف دي سوسير الدلالة بأنها بصمة تلقائية، على العقول البشرية السلبية، للمنبهات اللفظية التي تؤدي إلى تحديد المفاهيم (المحدَّدة عبر الاختلافات). أمّا دريدا فيستثمر فكرة تحديد الدلائل، مدّعياً بدلاً من ذلك أن العلامات مدرجة بشكل أساسي وضروري في سلسلة تفاضلية ومن ثم فهي تحتوي على آثار علامات ومفاهيم أخرى تستكمل وتمحو أو تلغي ما يقوله الدالّ. مثلما يبيّن أنه مادام رفع الإشارات من أي سياق وتطعيم سياقات جديدة بها أمراً ممكناً بشكل دائم، ما كان للمؤلف أن يتوقعه، فإن إصلاح المعنى يُضحي أمراً ممتنعاً أبداً، ولكن يتم نشر المعنى أو توزيعه دائماً، بطريقة مسرحية مجانية غير شخصية أو خارج شخصية، على ما يبدو بغض النظر عن أي إرادة أو تدخل بشري. في هذا العرض، جميع القراءات هي بالضرورة قراءة خاطئة لأنها تفشل في استنفاد جميع إمكانات النص. وعلى النقيض من ذلك، يدافع ديمان عن عدم قابلية القراءات البلاغية الصحيحة التي لا يمكن دحضها، والتي تأخذ في الاعتبار “جوهرية الرسالة”، وأبرزها الحتمية المتمثلة في المجازات والمفارقات التي تتعارض مع كل من القواعد النحوية والوظيفة المرجعية للّغة، تقوض دائماً المعنى المقصود. ومع ذلك، ترى نظرية المناسبة أن الدوالّ على الصفحة أو في القول إن هي إلا مجرد نقطة انطلاق لعملية استدلالية ينبغي أن تؤدي، إلى جانب المعلومات السياقية، إلى اكتشاف ما ينوي المتواصِل نقله. وعلى عكس ذلك، على سبيل المثال، جوهرية الهندسة، التي تتطابق فيها المادة والشكل بالضرورة، والمادة الكافية بالضرورة، فإن مادّية اللغة ليست سوى الخطوة الأولى نحو التواصل أو الإدراك (المعرفة).
[1]-Ian Mackenzie, Paradigms of Reading: Relevance Theory and Deconstruction, 2002.
[2]– سلدن رامان، النظرية الأدبية المعاصرة، ترجمة جابر عصفور، 1991، ص 157 (نقلاً عن كتاب محمد أحمد البنكي، دريدا عربيا، 2005، ص69، بتصرف طفيف).
[3]– De Man, Paul, The Rhetoric of Romanticism (New York: Columbia University Press, 1984), p81.
[4]– Derrida, Jacques, ‘In Memoriam’, in The Lesson of Paul de Man: Yale French Studies, 69 (1985), p16.
1 تعليق
بالتوفيق