ملخص:
إن تجويع الشعب السوري وإفقاره، من خلال فرض المزيد من الضرائب والرسوم الحكومية، ورفع الأسعار، مع انخفاض شديد بقيمة الرواتب والأجور، وما تشهده سورية اليوم من أزمات معاشية متلاحقة، عبارة عن سياسة حكومية ممنهجة، الهدف منها الضغط على الأمم المتحدة من أجل استمرار تدفق المساعدات الإنسانية وحيازتها والتحكم فيها من جهة، وابتزاز السوريين المتواجدين خارج البلاد، من جهة أخرى، كل ذلك من أجل تأمين نفقات المنظومة الحاكمة وأدواتها، بما يضمن لها الاستمرار في السلطة، وهو ما تتطلبه رواتب ونفقات الحجم الكبير العامل في خدمتها، وما يرافق ذلك من هدر كبير وفساد، من شأن كل هذا الانفاق وهذا الهدر إفقار موازنة بحجم دولة كبرى، فكيف الحال بدولة صغيرة بحجم سورية، استهلكت كل مقدراتها؟.
مقدمة:
تكمن المشكلة التي تتناولها هذه الورقة في درجة البؤس والفاقة والجوع التي وصل إليها الشعب السوري اليوم، وما يتعرض له من سياسات استغلال ومحاولات إنعاشه قطرة قطرة، لإبقائه على قيد الحياة، بما يخدم السياسات الحكومية، والقوى الدولية والإقليمية المتحكمة بخناقه في آن، وتتلخص الأهمية هنا في التعرُّف على الأسباب الحقيقية الداعية لهذا الإفقار وهذا التجويع، من ثم تهجيره، على النحو الذي تشهده سورية اليوم.
كذلك تكمن أهميتها في الوقوف على الأسباب الحقيقية لعدم قيام السلطة السورية بتقليص نفقاتها الكبيرة، على الرغم من شح المقدّرات الوطنية، ورغم ما يعانيه هذا الشعب من جوع وبؤس وفاقة، والذي يزداد يوماً بعد يوم، وهو ما تكشف عنه عدد كبير من التقارير والدراسات، منها الدراسة التي قامت بإجرائها صحيفة قاسيون المحلية، الناطقة باسم حزب الإرادة الشعبية، في نهاية شهر آذار/مارس/ الماضي، من أن ارتفاع تكاليف المعيشة منذ بداية عام 2022 وحتى نهاية ذلك الشهر، أي خلال ثلاثة أشهر فقط، قد ارتفعت بنسبة قدرها (41%)(1).
بناءً على ذلك بات (12.4) مليون سوري على الأقل، أي أكثر من (60% ) من السوريين، يفتقرون إلى الأمن الغذائي، بزيادة مقلقة قدرها (3.1) مليون في عام واحد، وهو ضعف الرقم المسجل في عام 2018، وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي في آذار/مارس العام الماضي، مما دعا (46%) من الأسر السورية للتقليل من حصصها الغذائية اليومية، كما خفّض (38%) من البالغين استهلاكهم وأصبح الآباء والأمهات يجوعون لضمان حصول أطفالهم على ما يكفي من الطعام (2).
تمهيد:
يعيش الشعب السوري اليوم أسوأ لحظات حياته، نتيجة سياسة الاستبداد التي مورست بحقه على مدار أكثر من نصف قرن مضى، من هدر مال عام وتفرقة ومحسوبية وفساد، لدرجة لم يعد لدى السلطة الحاكمة من ناتج وطني وأموال تمكنها من الوقوف على أرجلها، سوى انتظار ما يتلقاه الشعب السوري من مساعدات دولية ومقاسمته أكثر من نصفها، وفرض المزيد من الضرائب والرسوم والأتاوات، وما تجنيه من اقتصاد الحواجز، والترفيق، أو اعتماداً على ما يرسله المغتربون السوريون من تحويلات مالية ونقدية.
التاريخ يعيد نفسه، يقول “قسطنطين بازيلي” قنصل روسيا في سورية العثمانية عام 1838 “إن الباشا المُعّين من الآستانة كان يتعهد بأن يدفع للباب العالي مبلغاً من الأتاوة، بالمقابل كان الباشا يفرض على السوريين مبلغاً من المال، على شكل غرامات حربية سنوية، تكفي لإنفاق قصره وجيشه وما يتم إرساله للباب العالي من أموال وهدايا نفيسة له ولنسائه”(3).
التقاطع الأكثر دقة بين هاتين الحقبتين، هو أن الباب العالي كانت نفقات قصره وحريمه وحاشيته كبيرة جداً، لذا كان بين كل فترة وأخرى، يقوم برفع حجم هذه الأتاوة على الباشوات التابعين له، وكلما رفع الباب العالي سقف هذا المبلغ، كلما قام الوالي برفع القيمة المفروضة على السوريين لتنهش من لحومهم أكثر فأكثر.
تماماً كما هو حال السوريين اليوم، إذ بعد مرور حوالي قرنين، على النحو الذي أشار إليه القنصل الروسي، ها هي السلطة تُثقل كاهلهم بشتى أنواع الضرائب والرسوم وتُضاعف الأسعار، حتى بلغ بها الأمر لتحديد حصة الخبز المتوجب على كل مواطن أن يتناولها في اليوم، فهي من جهة تدعم مافيات الفساد وتُسمِّن كبار تجار الأزمة، بما يجعلهم يستفردون بكل المنافع المالية والاقتصادية، بعد ذلك تتقاسم معهم كل ما نهبوه من المواطن، ليس ذلك فحسب، وإنما تقوم بتخوين هؤلاء واتهامهم باستغلال الأزمة والعمالة للخارج، والعجيب بالأمر أن الشعب السوري يُصدِّق مثل هذه الدعابات على الدوام!.
بناءً على ذلك تصدر المراسيم والقرارات، المتعلقة بفرض الرسوم وغيرها، من آليات الصرف والتصدير والاستيراد، إلى درجة بات قانون الجمارك السوري، أشبه “بالطلاسم” نظراً لكثرة تلك التعاميم وتشابكها وفقا لـ “يزن زريق”، مدير العلاقات العامة في شركة “حكمية”، في حين تحوّلت مرحلة التخليص الجمركي إلى دوامة، الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود، إلى درجة يجهل التاجر والصناعي والمستورد السوري، الخطوات المترتبة عليه في التخليص الجمركي، لا بل قد يجهلها المخلص نفسه أو يغفل عن جزء منها في بعض الأحيان، على حد قول خازن غرفة تجارة دمشق “محمد حلاق”(4).
بذلك تحولّت مهنة المخلص الجمركي إلى المجال الأوسع للفساد والتهريب، وهو ما كشف عنه رئيس جمعية المخلصين الجمركيين “إبراهيم شطاحي” في ندوة الأربعاء التجاري بقوله “أن هذه المهنة دمّرت اقتصاد البلد، وجعلت (70%) من التهريب اليوم تهريباً مقنّعاً أي بموجب بيانات جمركية، تحوّل بعض العاملين بالتخليص إلى أساس التهريب وطريقه الأسهل” مما دعا “غيفارا حكمية” مدير شركة حكمية للتخليص الجمركي بوصف بعض المخلصين الجمركيين “بزعران البلد”(5).
وهو ما أرغم عدد كبير من التجار والصناعيين السوريين، على إقفال معاملهم أو متاجرهم أو النشاط الذي يزاولونه، والهجرة بأموالهم خارج البلاد، تماماً كما حصل مع أكثر من (47) ألف صناعي سوري، وفقاً لما صرّح به الصناعي الحلبي “مجد ششمان” لإذاعة «ميلودي» الموالية، بقوله: “إن (19) ألف صناعي غادروا حلب وفي حين غادر من دمشق (28) ألفًا، وذلك نظراً لارتفاع تكاليفِ الإنتاج، المتمثلة في عدم توفر حوامل الطاقة، وصدور قرارات اقتصادية ومالية، عطّلت الاستيراد والتصدير وضيّقت الخناق على رؤوس الأموال والصناعيين في سوريا”(6).
وعليه فإن هذا التجويع والافقار الذي يتعرض له الشعب السوري اليوم، تسعى من خلاله السلطة لتحقيق عدة أهداف:
الهدف الأول: الضغط على الأمم المتحدة:
المتابع للمشهد السوري يلاحظ أن هناك سياسة ممنهجة من شأنها تجويع الناس أكثر فأكثر، للضغط على الأمم المتحدة وابتزازها، من أجل زيادة حجم المساعدات الإنسانية واستمرار تدفقها، ففي 7 حزيران 2021 قال المتحدث باسم الأمم المتحدة (ستيفان دوجاربك) في تصريحه الصحفي اليومي بقوله: “إن الأمم المتحدة قلقة للغاية بشأن تدهور الوضع الإنساني لـ (23.4) مليون شخص محتاج في جميع أنحاء سورية.. وأن العملية الإنسانية عبر الحدود التركية هي آخر شريان حياة لمنع وقوع كارثة إنسانية”.
في حين تقول منظمة اليونيسيف ببيانها الصحفي الذي أصدرته في 10 مارس/ آذار، من العام الماضي: “أن (90%) من الأطفال السوريين يحتاجون للمساعدة الإنسانية، أي بزيادة قدرها (20%) عن العام الذي سبقه، وأن أكثر من نصف ميلون طفل دون سن الخمس سنوات، يعانون من التقزُّم نتيجة سوء التغذية المزمن”(7).
وهو ما يؤكد عليه التقرير الذي أصدرته الشبكة السورية لحقوق الانسان في 8 تموز الماضي 2021، والذي جاء فيه: “إن ما تعرضت له الأمم المتحدة ممثلة بمنظمة الشؤون الإنسانية تُعد واحدة من أسوأ أشكال الابتزاز والنهب والإهانة في القرن الواحد والعشرين؛ وذلك بسبب التعامل المخزي للنظام السوري، الذي هدف إلى زيادة معاناة السكان في المناطق الخارجة عن سيطرته، كنوع من العقاب الجماعي، عبر التأخير العمدي للمساعدات لأسابيع وأشهر طويلة، والتحكم بكمية ومناطق توزيع المساعدات، وإنشاء منظمات تتبع له وأجهزته الأمنية، وفرض التعامل معها”.
وهو ما أكدت عليه أيضاً منظمة حقوق الانسان بقولها: “إن الحكومة السورية تستخدم سلطتها لإصدار تأشيرات للموظفين الدوليين كوسيلة ضغط ضد المنظمات والوكالات الإنسانية، وغالبا ما تحتجز أو تؤجل التأشيرات إلى أن تمتثل المنظمة المعنية لمطالبها، مهما كانت غير معقولة، والنتيجة النهائية هي أنه إما أن يضطر العاملون في المجال الإنساني إلى الرضوخ في كثير من الأحيان، أو تصبح عملياتهم محاصرة إلى درجة تجبرهم على التوقف عن وضع برامج هي في كثير من الأحيان حاسمة للنهوض بحقوق السكان، ففي أحد الأمثلة، أدى الخلاف بين سلطات الدولة ومنظمة دولية كانت تقدم المساعدة القانونية إلى السوريين، إلى سحب تأشيرات الموظفين الدوليين، مما دفع بالمنظمة إلى تعليق برنامج المساعدة القانونية الذي قدم إلى السوريين الدعم في التسجيل المدني والعقاري، وهو ما عّرض مئات السوريين لخطر الاستغلال القانوني”(8).
بناءً على ذلك تستقتل السلطة السورية على الدوام لمنع دخول المساعدات الإنسانية إلا من خلالها، والهدف من ذلك هو الحصول على الأموال على حساب معاناة النازحين، وفقاً لتقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان المشار إليه، والذي يضيف: “إن تدخل مجلس الأمن في عملية إدخال المساعدات قد ساهم في خلق الابتزاز الروسي والصيني، لذلك دعا إلى رفع يد مجلس الأمن بالمطلق عنها والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية، دون الحاجة إلى قرار من مجلس الأمن”.
وهو ما تمكّنت من تحقيقه السلطة السورية فعلاً، من خلال فرض سطوتها على المساعدات الإنسانية والتصرف بها كما تشاء، وفقاً لما صرّح به “بدران جيا كرد”، نائب الرئاسة المشتركة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية(9)، بقوله: “إن المساعدات الأممية كلها تتم عبر دمشق، وحتى المخصصات المبرمجة لشرق سورية لا يتم إرسالها بل يستفيد منها النظام في مناطق سيطرته لسد ثغرات الأزمة المعيشية والغلاء الفاحش”، مضيفاً “أن وكلاء الأمم المتحدة لا يتحركون إلا بموافقة من النظام، مما يعني إلزام الإدارة الذاتية الكردية بالتعامل مع دمشق وهو ما ترفضه”.
لا بل إن هذا الضغط الذي تمارسه السلطة أدى لإخضاع المنظمات المحايدة ظاهريًا، كـ “منظمة الصحة العالمية”، لإرادة النظام، حيث تُقدّم المزيد من المساعدات إلى الموالين له أكثر ممّا توفره للفئات الأخرى، كي يبقى النظام راضيًا عنها، ونتيجة لذلك، تمارس دمشق سيطرة كبيرة على توزيع المعونات، على الرغم من أن أكثر من (60%) من السوريين المحتاجين يعيشون خارج سيطرتها.
وحجّة ذلك وفقاً للسلطة السورية هي مبدأ سيادة الدول، مع أن ما تقوم به من إعاقة وصول المساعدات الإنسانية لمستحقيها، إنما يُشكّل انتهاكًا واضحًا للقانون الإنساني الدولي، الذي يُحظِّر تعليق المساعدة لأي مجموعة من السكان، لأسباب “تعسفية أو متقلبة”.
لذلك من غير المستغرب أن تبدي الهيئات التابعة للأمم المتحدة المتواجدة في سوريا استيائها، من القبضة الشديدة التي تفرضها السلطة على الجهود الإغاثية، مما دعا أحد مسؤوليها للقول: “إن ظروف تقديم المساعدة في مناطق الصراعات يشوبه صعوبات ومخاطر كثيرة، إلا أن الظروف الموجودة في سوريا لا يوجد لها مثيل ولا يقارن بأي مكان آخر(10).
الهدف الثاني: تأمين نفقات السلطة الحاكمة:
من المعلوم أنه كان لدى سورية قبل نشوب الأزمة ثروات وطنية ومقدرات زراعية وصناعية كبيرة، كانت هذه الخيرات رغم حجم الانفاق الحكومي الكبير، والهدر العام والفساد المستشري في جميع أجهزة الدولة، تغطي نفقات السلطة وكل أدواتها، جاءت سنوات المحرقة لتستنزف كل ما تبقى في الدولة من ثروات وموارد، خصوصاً مع اللجوء للخيار العسكري، وما ترتب عن ذلك من تدمير البنى التحتية للبلاد، إلى جانب خسارة غالبية الثروة الاقتصادية والنفطية والزراعية المتواجدة خارج هيمنة السلطة، فضلا عن خسارة المعابر الحدودية وعوائدها الاقتصادية، ثم العقوبات الدولية، التي تزيد الطين بلة.
بناءً على ذلك لم تعد سورية تزرع ما لا يقل عن سبعة عشر صنفاً من القمح، لتغذي أكثر من (18) مليون إنسان، كما كانت عليه الحال أيام حضارة “إبيلا” في القرن الثالث قبل الميلاد، وفقاً لحنا بطاطو”(11) ولا حوران التي كانت تطعم روما، قبل حوالي ألفي عام بقيت مطمورة الحبوب السورية(12)وإنما باتت سورية تستورد اليوم، ما بين (180) ألف طن من القمح إلى (200) ألف، وفقاً لتصريح وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية(13).
بل لم تعد سورية تحتل المرتبة الثانية عالمياً بعد الهند في إنتاج ألياف القطن العضوي لموسم 2009 ـ 2010، كواحدة من أهمّ بلدان العالم في إنتاجه.(14) وإنما تراجع انتاج هذا الذهب الأبيض حتى 85% وفقاً لعمر الحلو” رئيس “الاتحاد المهني لعمال الغزل والنسيج” في سورية، مما سبب بخسارة خزينة الدولة لأكثر من 5 مليارات دولار(15)، ليس ذلك فحسب، وإنما باتت البلاد اليوم بلا موارد مائية أو زراعية، يكفي القول أن أهم الممرات المائية السورية، كنهر الخابور وروافده الثلاثة الكبيرة في ريف الحسكة ، وكذلك نهر البليخ في ريف الرقة الشمالي، جميعها تقع تحت سيطرة القوات الكردية، فضلاً عن سيطرتها على أهم السدود، كسدّ الباسل عند نهر الخابور، ومثله سد تشرين ثاني أكبر السدود السورية.
بناء على ذلك خسرت سورية بين عامي 2010 و 2018 حوالي (943) ألف هكتار من الأراضي المزروعة، بسبب العمليات العسكرية، وتهجير المزارعين وعمال المزارع، وفقاً لدراسة نشرتها “جامعة هومبولت” في العام 2020، لا بل يكفي أن البلاد خسرت نحو 40% إلى 50% من ثروتها الحيوانية، وفقاً لمدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة أسامة حمود، بتصريحه لإذاعة شام أف أم المحلية.
ومثلما فقدت سورية خزانها المائي والزراعي والصناعي، كذلك غدت اليوم بدون خزانها النفطي، فبعد أن كان انتاج سورية من النفط يزيد عن (385) ألف برميل يومياً عام 2010، تراجع وفقاً للتقرير الإحصائي السنوي للطاقة العالمية، الصادر في نهاية عام 2019 الذي تصدره دورياً شركة “برتش بتروليوم” المعنية بشؤون الطاقة، إلى (353) ألف عام 2011، ثم إلى (171) ألف عام 2012، ثم (59) ألف عام 2013، ثم (33) ألف عام 2014، إلى (27) ألف عام 2015، إلى (25) ألف برميل عامي 2016 و2017، حتى وصل الإنتاج السوري من النفط عام 2018 إلى (24) ألف برميل يومياً فقط″(16).
وبذلك لم تعد سورية تصدر ما يزيد عن حاجتها من النفط، فحسب وإنما باتت بحاجة كبيرة له، والسبب وفقاً لنفس التقرير أن معظم ثروتها النفطية أي ما يعادل (90%) منها تقع تحت سيطرة الإدارة الكردية الذاتية،(27) فضلاً عن سيطرة تلك الادارة على (45%) من إنتاج الغاز السوري(17).
والمدهش بالأمر أنه على الرغم من كل ما سبق، ورغم حجم الكارثة الإنسانية السورية التي لم تشهد مثلها البشرية منذ الحرب العالمية الثانية، وفقا لتقارير الأمم المتحدة، ورغم حجم الفقر والجوع الذي يعاني منه (90%) من الشعب السوري، إلا أن السلطة السورية، لم تبادر لتقليص أية نفقات حكومية على الإطلاق، وإنما بقيت نفقاتها كما كانت عليه الحال قبل بدء الَمَقَتَلة تماماً، لا بل يمكن القول أنها زادت عن ذلك بكثير، مع ازدياد حجم الفساد وهدر المال العام، فضلاً عن وجود الميليشيات المختلفة، التي تم تشكيلها لمؤازرة السلطة في خيارها العسكري.
إذ لم تلجأ السلطة إلى تقليص الأعداد الضخمة العاملة في خدمتها، كما لم تلجأ لتقليص عدد الوزارات، كما فعلت بعض الدول التي مرّت بأزمات مشابهة، كالعراق مثلاً، ثاني أكبر الدول المنتجة للنفط في منظمة أوبك، حين قام بتقليص عدد الوزراء من (33) إلى (22) وتخفيض أعداد الحمايات الشخصية للمسؤولين، حتى (90%) وكذلك الحال بالنسبة لليمن الذي قلّص من عددهم من (37) إلى (24) وزير، أما تونس فقد قامت بتخفيض رواتبهم بنسبة (30%).
أو كما فعلت عدد من الدول العربية، حتى من دون مرورها بأزمة، كالمغرب الذي قلّص من عدد الوزارات من (39) إلى (15) فقط، في حين قلّصت سلطنة عمان العدد من (28) إلى (21)، أما الجزائر فمن (39) إلى (34) حقيبة، في حين خفضّت السعودية والتي تحتل المرتبة (17) من بين اقتصادات العالم، رواتب ومزايا الوزراء لديها، بنسبة (20%) وأعضاء مجلس الشورى بنسبة (15%)، مع إيقاف العمل بالبدلات والمكافآت والمزايا المالية.
بل لم تلجأ لاتخاذ أية إجراءات تقشفية حقيقية، سوى القيام ببعض التغيرات الشكلية، التي طالت “وزارات الدولة”، والتي كانت بطبيعتها مجرد تنفيعة لما يسمى بأحزاب الجبهة العاملة في خدمتها، فينما كان عدد الوزراء الإجمالي (35) وزير، في حكومة محمد ناجي عطري (18 أيلول 2003)، من بينهم (8) وزراء دولة، بات عددهم في حكومة حسين عرنوس الأخيرة (30) وزير، وذلك بعد تقليص وزارات الدولة إلى (3) وزارات.
وعليه فإذا كان لبنان مثلاً الذي تتحكم فيه المحاصصات الطائفية وتنخر في عظامه الميليشيات المسلحة، قد تمكّن من تقليص عدد وزرائه من (30) وزير إلى (22)، وإذا كانت السلطة الفلسطينية التي تعتاش على نفس المساعدات الدولية؟ التي يعتاش عليها السوريون، قد لجأت لسياسة تقشفية صارمة، منها سحب السيارات الحكومية من المسؤولين، فإن السلطة السورية قد أبقت على أساطيل مسؤوليها، كما هو الحال مع وزير الصحة، الذي سبق لصحيفة تشرين الحكومية بتاريخ 30 ـ 7 ـ 2017 أن كشفت بتقرير موثق، يتضمن: “أنه يوجد في خدمته (13) سيارة، رغم أن القانون كما تقول الصحيفة يحدد عدد السيارات للوزير بثلاثة فقط”.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بإلحاح، ما الذي يمنع السلطة من اتخاذ مثل تلك الإجراءات التقشفية؟ كدمج الوزارات والإدارات المتشابهة مع بعضها مثلاً؟ علماً أن الإقدام على ذلك لا يقلل من النفقات ويساهم في التوفير على الخزينة العامة فحسب، وإنما سيرفع من معدلات كفاءة الأداء العام أيضاً، وبالتالي ما الذي يفرض على السلطة الإبقاء على كل هذا العدد من الوزارات؟ وهذا الكم الكبير من حزبيين وأمنيين وعناصر ما سمي بالدفاع الوطني، وغيرهم؟.
والجواب على ذلك ببساطة إنما يعود إلى أن هؤلاء المسئولون والموظفون والعناصر المسلحة الرديفة إضافةً للعسكريين في الدولة، أي جميع (أصحاب الرواتب الحكومية) هم ما تبقى لدى السلطة من حاضنة شعبية، وهؤلاء بالنسبة إليها يُعتبرون بمثابة الُحصن الأخير، وبالتالي أي تفريط ببعضهم، سيُضعف من إمكانياتها على الوقوف أكثر، من ثم سيَحِّدُ من قُدراتها على الاستمرار والمناورة لكسب الوقت، بمواجهة أية استحقاقات سياسية ودستورية راهنة أو مستقبلية.
ومن جهة أخرى، فإن السلطة كانت ولا تزال تتخوّف من أن يتحول هؤلاء الموظفون والعسكريون، لمعارضين لسياساتها، مثلما فعل بعض المسؤولين، ممن غادروا المركب، وهو ما تجنبّت السلطة حدوثه، منذ بداية الأزمة وحتى اليوم، خصوصاً في ظل الغرق المستمر للقارب الذي تقوده، فضلاً عن أن معظم هؤلاء يعتبرون بمثابة (الصندوق الأسود) الذين شاركوا في معاناة الشعب السوري وتجويعه، وبالتالي لديهم كل أسرار “الدولة العميقة”.
لذلك من الطبيعي جداً ألا تلجأ السلطة لتقليص الأجهزة الأمنية المتعددة لديها، والتي تعتبر سورية بموجبها، من أكثر الدول الأمنية استناداً إلى حصة المواطنين من عناصر الاستخبارات، بواقع عنصر أمني واحد لكل (129) مواطن سوري، بحيث تعتبر هذه النسبة من بين أعلى النسب في العالم(18).
ومن الطبيعي أكثر ألا تلجأ لدمج تلك الأجهزة مع بعضها؟ على الرغم من تضارب مهامها، وتشابه أعمالها إلى درجة التطابق؟ أو التقليص من حجم جيشها الإعلامي، أو من عدد الفرق والشعب والفروع والقيادات البعثية، أو ما يسمى بالمنظمات الشعبية، أو من عدد بعثاتها الدبلوماسية في الخارج، رغم أن كل ما ذكر من نفقات أمنية وحزبية ومنضمات شعبية ومن يعملون بها، يأكلون جميعهم من ظهور الناس، خلافاً لنص المادة الثامنة من الدستور الحالي 2012.
أما بالنسبة لحجم الأموال التي يتقاضاها هؤلاء، الواقع هناك تعتيم شبه تام حيال ما يتقاضونه من رواتب شهرية، إلا أنه بالإمكان مقاربة ذلك ببساطة من خلال معرفة تكاليف الحياة اليومية التي يعيشها السوريون اليوم، فإذ كانت معيشة الأسرة الواحدة، المكونة من (5 أشخاص) تبلغ حوالي (2.8) مليون ليرة سورية، وفقاً للدراسة التي قامت بإجرائها صحيفة قاسيون، في نهاية شهر آذار الماضي، بارتفاع حوالي (833,405) ليرة عن وسطي التكاليف التي تم تسجيلها في بداية العام 2022(19).
بناءً على ذلك فإن كل شخص سوري بهذه الحالة يحتاج إلى (560) ألف ليرة شهرياً، وعلى فرض أن كل شخص من العاملين بتلك الأجهزة، يعيل الى جانبه فقط شخصين، فإن مجموع ما يعيله (3 أشخاص)، وهذا يعني أن كل منهم بحاجة لمبلغ (1.680.000) ليرة سورية شهرياً على الأقل، هذا عدا النفقات الأخرى، من سيارات ومكاتب واتصالات وخدمات ومراسم ومهمات وغير ذلك.
نفس القول ينطبق على بقية أدوات السلطة الأخرى، كقوات الحرس الجمهوري مثلاً، والتي تشير بعض التقديرات إلى أنها تتكون من (10) آلاف فرد تقريباً، يتلقى الضباط المنتسبين إليها، حِصَصَاً مهمة من إيرادات النفط السوري لضمان ولائهم(20)، أو الفرقة الرابعة، (قوات النخبة) كما يطلق عليها، فضلاً عن نفقات الميليشيات شبه العسكرية المنتشرة في عموم المناطق السورية، كقوات (الدفاع الوطني واللجان الشعبية)، والتي عملت السلطة على تأسيسها منذ 2012، والتي يتراوح عددها وفق بعض التقديرات، بين عشرة آلاف إلى (40) ألف فرد(21). والتي تحولت مع سنين الأزمة من أجسام ذات طبيعية عسكرية إلى مؤسسة أمنية رديفة، لها سجونها وتحقيقاتها الخاصة(22).
إلى رواتب حوالي مليون وستمائة ألف موظف يعملون في الوظيفة العامة، فضلاً عن رواتب المتقاعدين الذين يزيد عددهم عن (550) ألف شخص(23) إلى مستحقات ونفقات البعثات الدبلوماسية في الخارج، إلى حجم الانفاق العسكري الكبير والذي يُشكل (42%) من النفقات الحكومية(24).
مما سبق يتضح لنا حجم الأموال الضخمة التي تنفقها السلطة الحاكمة من الموازنة العامة على العاملين في خدمتها؟ والغريب بالأمر أن السلطة بين كل فترة وأخرى تطالب الناس بالصمود، بحجة المؤامرة والعقوبات الدولية، في حين بقيت كل نفقاتها ونفقات أبنائها ومظاهر حياتهم الباذخة بسياراتهم الفارهة وساعاتهم وجوالاتهم وكرنفالاتهم واحتفالاتهم، على حالها، وليس أدل على ذلك ما تناولته صفحات موالية للنظام، حيال تكاليف حفل زفاف ابن سفير سوريا في الهند الفلكية، والذي أقيم في منتجع يعفور قرب دمشق، والتي تشير بعض المصادر إلى بلوغ نفقاته مليوني دولار.
وبذلك يمكننا القول أن مشكلة الشعب السوري اليوم، هي أن نفقات السلطة الحاكمة، باتت اليوم أكبر بكثير من دخل البلاد الوطني، خصوصاً مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي وتراجعه من (60) مليار دولار عام 2010 إلى (17) مليار دولار عام 2017، وكذلك تراجع الصادرات التي بلغت عام 2010 نحو (9) مليار دولار، في حين بالكاد تصل اليوم إلى مليار دولار، وفقاً لبعض الخبراء الاقتصاديين(25).
دائماً يجب على الشعوب البحث عن قائد مُخَلِّص، يعمل لمصلحته والمصلحة الوطنية العليا، حينما آلت رئاسة البلاد في ملاوي بإفريقيا للسيدة “جويس باندا” عام 2012 كان ملايين الناس يتضورون جوعاً، عندها لم تتردد باندا باتخاذ عدد من الاجراءات التقشفية الشجاعة، في مقدمتها تخفيض راتبها بنسبة (30%) كما أوعزت ببيع (35) سيارة مرسيدس تستخدمها الحكومة، ثم ألغت حوافز ومخصصات المسؤولين، إلى جانب تخفيض عدد الموظفين في بعثاتها الدبلوماسية في الخارج، ليس ذلك فحسب بل قامت ببيع الطائرة الرئاسية لإطعام مليون جائع”(26).
الهدف الثالث: استنزاف مقدرات السوريين المقيمين في الخارج:
لم تكن سياسة التجويع وخلق الأزمات جديدة في حياة السوريين طيلة سنوات حكم البعث، وإنما عهدوا ذلك وخبروه منذ قدومه للسلطة، خصوصاً مع بداية الثمانينات، أيام طوابير الزيت والمحارم والسكر، بل لم تكن سياسة ابتزاز واستنزاف مقدرات الناس جديدة، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، فعندما كانت تحتاج السلطة للعملة الصعبة بعد أن نفق كل ما لديها في الخزينة العامة من عملات، جراء المحسوبية والفساد، كانت عندئذٍ تلجأ لخداع الناس بشتى الوسائل، حصل ذلك تماماً بعد أن تم إفراغ بنك سورية المركزي عام 1984، فأصبح “خاوياً حتى من الفئران” وفقاً لمصطفى طلاس بكتابه “ثلاثة أسابيع هزّت دمشق”.
عندها أخذت السلطة تعلن عن رغبتها للتسجيل على سيارات و جرارات زراعية، كانت حينها السيارة مجرد أحلام تدغدغ مخيلة الغالبية العظمى من السوريين، المهم بعد طول تململ وانتظار أخذت الناس تكتشف هذه الخدعة، فتبادر لإعادة المبالغ المالية التي دفعتها، محسوماً منها مبلغ ألف ليرة سورية، مقابل كل تسجيل، عدا عن أن هذا المبلغ قد فقد من قوته الشرائية بعد مدة سنة أو سنتين مقابل صرف الدولار.
بذلك تكون السلطة قد استفادت من المبالغ المدفوعة من المواطن، وما طرأ عليها من فروقات الصرف بالوقت نفسه، تماماً كما تطالب السلطة اليوم الناس بالصمود، مرة بحجة المؤامرة الكونية وأخرى بحجة عقوبات قيصر، ومرة بحجة الودائع السورية في المصارف اللبنانية، والتي قدّرها الرئيس الأسد في خطاب ولايته الرابعة، بين (40 مليار دولار، إلى 60 مليار).
بينما بالواقع إن السلطة هي المتسبب الأساس في كل هذا التجويع وهذ الافقار، وذلك نظراً لوقوعها بين نارين، نار الإبقاء على هذا الكم الحكومي والأمني والحزبي والإعلامي والعسكري الكبير، العامل في خدمتها، والذي لا تستطيع بأي حال من الأحوال التخلي عن أيٍ منه، للأسباب التي أشرنا إليها سابقاً، من جهة، ومن جهة ثانية نار تأمين المبالغ الطائلة التي من شأنها تلبية رواتب هؤلاء ونفقاتهم وصفقات تبذيرهم وفسادهم.
خصوصاً بعد أن أفسدت سياسات السلطة الدولة والمجتمع، حتى باتت سورية بموجب ذلك تقبع اليوم في المرتبة ما قبل الأخيرة وفقاً لمؤشر الفساد العالمي 2020، لتترك المرتبة الأخيرة لجنوب السودان والصومال، في حين حلّ اليمن قبلها في الترتيب، بالسعي لمكافحة هذه الآفة، وفقاً لمنظمة الشفافية الدولية، عدا عن تكاليف الحرب الباهظة التي زادت الطين بلة، فضلاً عما تستحوذه قوى الاحتلالين الروسي والإيراني وغيرهما من احتلالات، على ما تبقى في البلاد من مقدرات.
لكل ذلك فإنه من الطبيعي أن تعجز السلطة اليوم عن تأمين المواطن بالخدمات الأساسية كالخبز والماء الكهرباء والمشتقات البترولية وغيرها، وبالتالي بعد أن قامت السلطة بتجريد الناس كل ما تبقى لديهم من أدنى مقومات العيش الكريم، تقوم اليوم بابتزاز واستغلال كل من يقيم خارج الوطن من السوريين، أكان لجهة طريقة ضبط صرف التحويلات المالية، بالسعر الذي تقرره بالشراكة مع مراكز التحويل، والتي تعتبر إحدى شركائها بالأزمة، أو إلزام كل من سيدخل الأراضي السورية بتصريف (100) دولار بالسعر الرسمي.
أو لجهة التكاليف الباهظة التي تفرضها على تجديد جوازات السفر، البالغة ما بين (300 دولار ضمن نظام الدور العادي، و800 دولار للعاجل) والتي تعتبر الأعلى تكلفة من بين جميع جوازات السفر في العالم، بالمقابل يعتبر جواز السفر السوري، وفقاً لمؤشر “هينلي لجوازات السفر” عن الربع الأول من العام الحالي، من بين أسوأ عشرة جوازات في العالم، والذي يسمح لحامله بدخول 29 دولة فقط، دون الحاجة لتأشيرة دخول، ليحتل بذلك الجواز السوري المرتبة 109 عالميًا، أي أنه أسوأ من الجواز اليمني 107 وكذلك الصومالي 108، يذكر هنا أن حامل جواز السفر الإماراتي، باستطاعته الدخول إلى 160 دولة دون تأشيرة مسبقة.
أما بالنسبة لمدة صلاحية هذه الجوازات، هنا تلعب السلطة لعبتها وكالعادة، فتمارس حيال السوريين سياسة التفرقة بأبشع صورها، حينما تقوم بإعطاء الموالي مدة ست سنوات متواصلة، في حين تُعطي من أبدى رأياً أو توجهاً مخالفاً لسياساتها، مدة سنتين فقط، تم زيادة هذه المدة مؤخراً إلى سنتين ونصف السنة، وبذلك تعددت طرق استغلال السوريين وابتزازهم، سواء كانوا يقبعون في داخل البلاد أم كانوا خارجها، والأمثلة على ذلك كثيرة، من الصعوبة بمكان حصرها في هذه العجالة.
يقول فتحي (اسم مستعار) أنه عندما أراد إحضار زوجته وأولاده الصغار لزيارة المملكة العربية السعودية، توجّب على الزوجة السفر إلى لبنان، لإتمام الإجراءات، عند مراجعتها مكتب الوساطة في بيروت، طُلب منها تصديق ثلاث وثائق شخصية، لكل منها ولكل ولد من أولادها الأربعة، من سفارة بلادها، وحينما توجهت للسفارة السورية، قامت بتصديق تلك الأوراق بعد تحصيل مبلغ (25) دولار عن كل وثيقة، بالمقابل عندما توجهت للخارجية اللبنانية لتصديق نفس الوثائق طُلب منها مبلغ (15) ألف ليرة لبنانية مقابل كل وثيقة، أي ما قيمته أقل من (10) دولارات فقط.
بالمقابل ما الذي تقدمه السلطة السورية لرعاياها المتواجدين في خارج البلاد؟ وللإجابة على ذلك يكفي التذكير بقيمة الإنسان السوري! والراتب الوظيفي الزهيد الذي يتقاضاه شهرياً، والذي لا تتجاوز قيمته الـ (24) دولار، والذي لا يكفي لتغطية غذاء أسرة لثلاثة أيام فقط، عدا التكاليف المعيشية الأخرى، أي إنه لا يغطي سوى (3.2%) من مجموع التكاليف(27). يكفي التذكير بالسوريين القابعين في المعتقلات، دون أية مسوغات قانونية، البالغ عددهم وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان، حوالي (130758) شخصاً، من بينهم (3584) طفلاً، و (7990) سيدة(28).
يكفي الاستشهاد بما يتعرض له اللاجئون السوريون في لبنان من ممارسات عنصرية على مدار الأيام والسنوات؟ من حرق مخيماتهم إلى حالات الإهانة والقتل والتعذيب، دون أن تحرك السلطة السورية ساكناً، عندما قُتل السوري “محمد الموسى” بثمانية عشر طلقة، ورغم بشاعة الجريمة، إلا أن الملف طوي بكامله، نظراً لوضع أسرة المغدور المزرية، وإسكاتها بالأموال وشتى ألوان التهديد والوعيد، دون أن تُكلف السفارة السورية في بيروت نفسها التدخل لإجلاء الحقيقة.
لا بل إن هذا التخلي عن دعم السوريين في مهاجرهم، ليس بجديد، وإنما عانى منه السوريون بمختلف مغترباتهم، حتى خلال سنوات الوصاية السورية على لبنان، لقد تُركوا لوحدهم، دون أية رعاية تُذكر، يقول الوزير السابق سليمان فرنجية، وفقاً لما أورده حسن صبرا بكتابه “لعنتا لبنان” أنه “عندما كان فرنجية وزيراً للداخلية، فإن (90%) من اتصالات رستم غزالي، رئيس جهاز الأمن والاستطلاع السوري في لبنان، كانت للتوسط للعاهرات، بمنح هذه رقم لوحة سيارة، وتلك رخصة زجاج داكن، وثالثة إخراجها من التوقيف لدى الشرطة”(29).
لا بل يكفي الاستماع لتصريحات الرئيس الأسد نفسه، والتي ينعت فيها، بعض السوريين بأنهم عبارة عن إرهابيين وثيران مُعلّفة أو أنهم مجرد سوريون على الهوية فقط!.. الخ، وهو ما يذكرنا بتصنيف “أرسطو” الشهير لمواطني أثينا باعتبار بعضهم كالصناع والعبيد والنساء، الذين يفتقرون لصفة المواطنة، على اعتبار أن الانسان “حيوان سياسي لا يكتمل وجوده إلا داخل المدينة”(30). أي داخل ما يسمى بصندوق البعث.
يقول سامي عبد العال: “إنَّ الأنظمة المستبدة تجعل الهوية أسطورة تتلاعب بها تجاه رعايا الدولة، حين تمنح المواطن مكانة، بينما تحُول دون المكانة لمواطن آخر لا يتمتع بالهوية ذاتها، كما في الدولة الدينية”(31)، وبالتالي حينما تريد السلطة المستبدة (تدوير) مستويات العنصر المراد إسقاطه، كي تظل تحت المحو والطفو، عندها لا مناص لديها من تغليظ الرداء الخاص بالهوية الحاكمة، حيث تنفذ من خلالها أهدافها في تقويض متخيل الوطن أو المواطن، وفي حالة إن أراد المواطن أن يتعرف علي صورته بوصفه هو، ذاك الموعود بكامل الحقوق، فلن يجد إلا السلطة جاثمة هناك وقد استبقته، لقد سكنت خياله، فأين المهرب؟ إمَّا أنْ يُؤسطِرها، بالتالي يمشِي في ركابِها، وإمَّا أنْ تلاحقه لعنةُ الأساطيرِ، وإمَّا أنْ يركضَ في الحياةِ الاجتماعيةِ ركضَ الوحوشِ في البريّةِ!(32).
تماما كما هو حال السوريين اليوم، ولفهم حقيقية المنظار الذي تنظر فيه المنظومة الحاكمة للإنسان السوري، وللهوية السورية التي يحملها أكثر، يكفي الإشارة لتفسير المفكر التونسي “فتحي المسكيني”، قوله: “ما دامت الدولة الحديثة قد صنعت جهاز الهوية مثل أوراق الهوية وصورتها وبصمتها، وحولته إلى جدار أخلاقي وامتحان مُسلّط على رِقاب سكانها، فإن السكان لن يكونوا مواطنين إلا بثمن هووي، يقع تثبيته في الأثناء بعناية قانونية فائقة تستفيد باستمرار على نحو كلي من كل تطور تقني”.. وبالتالي هو “ما يؤدي لمرض الدولة أو الأمة العُضال”.
لا شك أن الدولة التي تحترم رعاياها وتجلهم، هي التي تقف بجانبهم وتساندهم، في الرياض في المملكة العربية السعودية، حينما يكون أحد أطراف الدعوى شخص فلبيني فإن سفارة بلاده تقوم بإرسال من ينوب عنها للحضور بجانبه، وإذا ما أراد صاحب عمل توقيع عقد مع أحد الفلبينيين مثلاً، فإنه يتوجب عليه عرض مشروع هذا العقد على السفارة الفلبينية، التي تقوم بدورها بمراجعة بنوده والتأكد من أنها تصب في مصلحته، وهكذا.
ونبقى في الرياض نفسها لنتحدث عن ظاهرة سورية غريبة، يعلمها جيداً، جميع السوريين المتواجدين في المملكة، خصوصاً المقيمين في هذه المدينة، إذ قبل اندلاع المقتلة السورية، وحتى بدايتها كان في الرياض مكتب السورية للطيران، الكائن بالعليا، وفي الوقت الذي يتواجد في المملكة مئات الآلاف من الشباب السوري الباحثين عن العمل، منهم العامل ومنهم المثقف ومنهم الأكاديمي، الغريب بالأمر أن ذلك المكتب كان يعمل فيه ثلاثة موظفين، جميعهم من الجنسية الباكستانية!.
هذا ما تقدمه السلطة السورية لرعاياها المغتربين، بالمقابل ما الذي يقدمه المغترب السوري لبلده، وللسلطة أيضاً؟ مما لا شك فيه أن المغترب السوري يُشكِّل ثروة وطنية مزدوجة، فهو من جهة أعفى باغترابه السلطة من تحمل مسؤولياتها في إيجاد العمل له، وبالوقت نفسه أتاح هذه الفرصة لسوريين آخرين، بذلك يكون قد ساهم بالتخفيف عن الموازنة العامة المثقلة أصلاً بالأعباء، ومن جهة أخرى يعمل على توفير العملة الصعبة لبلاده، مما ينعكس إيجاباً على زيادة الاحتياطي النقدي فيها، وتحسين القوة الشرائية لليرة، من ثم رفع مستوى المعيشة لدى عامة السوريين، فضلاً عما تستفيد منه السلطة نفسها من فارق صرف التحويل، إلى جانب ما تساهم به تلك الأموال من تخفيف حدة الاحتقان وغضب الناس الجائعة، مما يصبُّ في مصلحة السلطة ويساهم في إطالة عمرها أكثر فأكثر.
ففي الوقت الذي تصل فيه عائدات جوازات سفر المغتربين، إلى أكثر من (21.5) مليون دولار سنويا، بحسب تصريح سابق لوزير الداخلية، محمد رحمون، فإن التحويلات الخارجية السنوية التي يقوم بها المغتربين السوريين، تزيد عن (1.8) مليار دولار(33)، والحقيقة فإن تقديرات الاقتصاديين تختلف حيال مقدار هذه الحوالات، كما تختلف أيضاً من شهر لآخر ومن سنة لأخرى، كما يقول الاقتصادي حيان سليمان، حيث “تشير بعض التقديرات إلى بلوغ هذه التحويلات ما بين (4 و5) مليون دولار يومياً وسطياً، وقد تصل في شهر رمضان الفضيل إلى (10) مليون دولار(34).
وبكل الأحوال فقد تضاعفت هذه التحويلات، وفقاً للأرقام التي أوردها البنك الدولي، بنسبة (18) مرة خلال ست سنوات فقط، ففي حين بلغت عام 2011 نحو (59) مليون ليرة يومياً، باتت في عام 2016 ما يعادل (2.9) مليار ليرة وسطياً يومياً، بحساب سعر صرف الدولار يومها (455) ليرة، وبذلك فقد ارتفعت نسبة مساهمة التحويلات في الدخل القومي وفقاً لبيانات نشرها “المكتب المركزي للإحصاء”، من (1.9%) عام 2011 إلى (19%) خلال عام 2016، وهو ما يفوق مساهمة الصناعات السورية بإجمالي الناتج المحلي، والتي سجلت ما نسبته (18%) عام 2016(35).
وبذلك فقد شكلّت حوالات المغتربين السوريين إحدى دعائم الانتعاش، وأدت بالنتيجة إلى زيادة مداخيل الأسر المعيشية طوال عقد من الزمن منذ بداية النزاع المسلح عام 2011، والذي كبد اقتصاد البلاد خسائر بمليارات الدولارات، بلغت حوالى (442) ملياراً، وهذا الرقم الهائل لا يعبّر وحده عن معاناة شعب أصبح (5.6) مليون منه على الأقل لاجئين، و(6.4) مليون نازحين داخليًا، و(6.5) مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و(11.7) مليون بحاجة إلى شكلٍ من أشكال المساعدة الإنسانية، وبناءً على ذلك فقد خسر الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، بحلول نهاية عام 2018، ما نسبته (54) من المستوى الذي كان عليه عام 2010(36).
بناءً على ذلك من غير المستغرب أن تتخلى السلطة السورية اليوم عن كامل مسؤولياتها حيال الشعب السوري، فتتركه يعالج شؤون عيشه بنفسه رغم شدة ما يعانيه من فقر وعوز وفاقة، لا بل تقوم بتحريض الناس عبر أدواتها، على إقامة الصناديق الخيرية ضمن كل قرية أو بلدة أو حي أو تجمع، تحت مسميات مختلفة، والهدف الواضح من كل هذه الصناديق، إنما يصب في نفس الهدف الذي نتحدث عنه، وهو استغلال السوريين المقيمين في الخارج، بما يضمن تدفق تلك الأموال على النحو الذي أشرنا إليه، وبالتالي ضمان استمرار السلطة بالبقاء.
وللدلالة على أن السلطة عينها على ما في جيوب السوريين المغتربين المنتشرين في جميع أنحاء المعمورة، هو ما صرّح به الرئيس الأسد نفسه، من أن أموال السوريين المودعة في المصارف اللبنانية، هي من بين الأسباب الرئيسية لانهيار الاقتصاد السوري، لكن الملفت بالأمر هنا أنه لم يذكر لنا طبيعة تلك الأموال ولمن تعود؟ بل لم يذكر لنا كيف خرجت من سورية كل هذه الأموال؟، وبالتالي فإن تحميل هذه الأموال والأصول مسؤولية انهيار الاقتصاد السوري؟ إن دلّ على شيء فإنه يدّل بالقطع على احتمالين اثنين:
الأول: إما أن تلك الأموال تعود لأشخاص متنفذين في السلطة نفسها، أو لمقربين منها، بحيث كانت تشكل معوناً احتياطياً لها، من شأن هذه الأموال مساندتها عند الحاجة.
والثاني: أن تلك الأموال تعود لأشخاص سوريين، لكن السلطة تنظر إلى هذه الأموال بأنها شريكة أساسية بها.
وبذلك يمكننا القول أن نظرة السلطة إزاء تلك الأموال لا تختلف بالمطلق عن نظرتها لما يملكه أو يحصل عليه بقية السوريين في المهاجر والمغتربات الأخرى، والتي تريد استغلال أصحابها على النحو الذي تمت الإشارة إليه.
الاستنتاجات:
إن تجويع الشعب السوري اليوم عبارة عن سياسة مُتعمّدة الهدف منها استمرار تدفق المساعدات الأممية بما يضمن استمرار المنظومة الحاكمة في السلطة، من جهة، والمحافظة على مصالح الدول الإقليمية والدولية المتحكمة بالملف السوري من جهة أخرى، باعتبار أن نفقات هذه السلطة باتت أكبر بكثير من دخل البلاد الوطني، والسلطة هي أكثر من تُدرك هذه الحقيقة، لكنها وقعت بين نارين، إما اللجوء لتقليص عدد العاملين في خدمتها، وهو ما سيضعف جبهتها المتهاوية أصلاً، وبذلك سُيكتب نهايتها، من ثم مسائلتها شعبياً، ودولياً، وإما الاستمرار بتمويل هذا الكم الكبير العامل في خدمتها، حتى لو أدى ذلك لإفقار الناس وتجويعهم ومقاسمتهم نصف المساعدات الإنسانية، فضلاً عن رهن البلاد وخيراتها وجميع مقدراتها للمحتلين.
لذلك يمكننا القول أنه لا يوجد لدى السلطة أية حلول سحرية، من شأنها انتشال الشعب السوري من حالة الغرق والضياع التي يهيم بها، لا اليوم ولا في مستقبل الأيام، كون كل ما لدى هذه السلطة، قدمته على مدار طيلة أكثر من نصف قرن، لا بل كل ما لدى الوطن من مقدرات إما أهدرته أو قامت برهنه، فضلاً عن الشروخ والعطوب الكبيرة التي حدثت في روح الإنسان السوري وفي بنية المجتمع ككل، وهو ما أوصل البلاد والعباد إلى هذه التراجيديا المحزنة.
يقودنا ذلك إلى أن السبب الأساس في نكبة الشعب السوري، ليس في المؤامرة الكونية، أو عقوبات قيصر أو المبالغ المالية المحتجزة في المصارف اللبنانية، وإنما تعود جذور الأزمة، وفقا لصديق السلطة المحلل السياسي رامي الشاعر، “إلى ما قبل عشرين سنة على أقل تقدير، وأساسها هو العامل السوري الداخلي، لكن النظام لم يتخذ أية إجراءات للحؤول دون تفاقمها وانفجارها بالعام 2011، بل لجأ إلى تعزيز الأجهزة الأمنية وتوسيع السجون وابتكار الأساليب الحديثة لقمع أية وجهات نظر تخالف سياسته وتهدد أمن سلطته، مما جعل الاحتجاجات تتفاقم وتتسع”(37).
المصادر :
- جريدة قاسيون 18 نيسان/أبريل 2022 بفضل منظومة النهب المنظم الانعدام الغذائي يسود سورية.
- هيومان رايتس ووتش، مارس/آذار 22ـ2021 سوريا: أزمة الخبز تفضح التقصير الحكومي.
- قسطنطين بازيلي، سورية وفلسطين تحت الحكم العثماني، ترجمة طارق معصراني، دار التقدم، 1989، ص28.
- الخبير السوري، 2020-07-23، التهريب المقنّع يسيطر على 70% من إجمالي التهريب إلى سورية بدعم من هؤلاء.
- المرجع السابق.
- صحيفة الشرق الأوسط»، 26 سبتمبر 2021 مـ Issue Number15643
- الحل نت، 11 مارس 2021، بعد 10 سنوات.. ماذا خلّفته الحرب على الأطفال في سوريا؟.
- HUMAN RIGHTS WATCHـ يونيو/حزيران 28, 2019، نظام مغشوش، سياسة الحكومة السورية لاستغلال المساعدات الإنسانية وتمويل إعادة الإعمار.
- المرصد السوري لحقوق الانسان، في مايو 20, 2021، تسييس وابتزاز وسمسرة وتلاعب بحق الحياة.
- منظمة اعلاميون حول العالم، 28 سبتمبر، 2016، وثائق تثبت تورط الأمم المتحدة في دعم النظام السوري.
- حنا بطاطو، فلاحو سورية: أبناء وجهائهم الريفيين الأقل شأنا وسياساتهم، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت 2014 ص181.
- حسين فالح صالح فالح، الحياة الزراعية في بلاد الشام في العصر الأموي، رسالة ماجستير، جامعة الأردن، 1974، ص121
- تجمع المثقفين السوريين، ٢١ تشرين الأوّل/ أكتوبر ٢٠٢٠.
- مجلة البيئة والتنمية، الصادرة عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية، نيسان (أبريل) 2011 / العدد 157.
- بزنس سورية، 28/07/2015، تراجع إنتاج سورية من القطن 85 بالمئة .. وخسائر توقف التصدير تتجاوز الـ5 مليارات ليرة.
- مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 11 أيار، 2020، سياسة أمريكا إزاء سورية في ضوء مقابلة جيمس جيفري.
- بي بي سي عربي، 7 أكتوبر/تشرين الأول، 2019.
- مركز مالكوم كير كارنيجي للشرق الأوسط، 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، صوتٌ من الظل.
- جريدة قاسيون، بفضل منظومة النهب المنظم الانعدام الغذائي يسود سورية، مرجع سابق.
- مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 14 تموز/يوليو 2016 (دراسة) الأجهزة الأمنية السورية وضرورات التغيير البنيوي والوظيفي.
- مركز مالكوم كير كارنيغي للشرق الأوسط، 14 آذار/مارس 2016، قدرة الجيش السوري العرَضية على الصمود.
- الأجهزة الأمنية السورية وضرورات التغيير البنيوي والوظيفي، مصدر سابق.
- الخبير السوري، 2019-11-24 ، 2.1 مليون موظف استفادوا من زيادة الرواتب.
- Born in Damascus ، June 21, 2017، سوريا: التاريخ والجغرافية والاقتصاد والسياسة من منظور الحكومة الأمريكيّة.
- الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين، .2021 Sep 30
- وكالة فرانس برس 04 مارس 2019.
- جريدة قاسيون، بفضل منظومة النهب المنظم الانعدام الغذائي يسود سورية، مرجع سابق.
- الشبكة السورية لحقوق الانسان ـ التقرير السنوي التاسع عن الاختفاء القسري في سوريا ـ 30 آب, 2020.
- تلفزيون سورية، 22 ـ 2 ـ 2021 ـ كواليس التدخل السوري في لبنان.
- أرسطو: السياسة، ترجمة، اوغسطين ببارة البوليسي، اللجنة العربية لترجمة الروائع، طبعة،1969، صفحة 295.
- كوة منفذ إلى عوالم الكتابة والفكر ـ حفريات المواطنـة: استعارات الهوية في الخطاب السياسي(1) ـ 24 يناير 2019.
- مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 11 أيار، 2020، سياسة أمريكا إزاء سورية في ضوء مقابلة جيمس جيفري.
- العربي الجديد، 3 أيلول/ سبتمبر 2021 ـ اليكم الآن حوالات المغتربين السوريين.
- آرتي، 2018،7،23، كم دولارا يدخل سوريا يوميا من المغتربين؟.
- الأمم المتحدة الأسكوا، 23 سبتمبر 2020، خسائر تفوق 442 مليار دولار وملايين بحاجة إلى مساعدة إنسانية.
- آرتي، 15.02.2021، خبراء: السعر الرسمي للحوالات في سوريا يبدد موردا مهما للعملة الصعبة.
- المدن 27،7،2021 إنزال روسي في دمشق.