ملخّص:
يدور هذا المقال في مرحلة أولى حول تسلسل زمنيّ خارجيّ وداخليّ، ساهم في تفجير ثورات الرّبيع العربيّ. وضمن هذا السّياق فحصنا الأسباب التي أدّت إلى نتائج مهمّة، منها رفع شعارات معادية للأنظمة الدّيكتاتوريّة، وقد تمثّلت في اتّجاهين: اتّجاه أوّل نجح في القضاء على رؤوس النّظام السّابق، لكنّه فشل في إرساء نظام حكم جديد. واتّجاه ثان نجح إلى حدّ مّا في تشكيل نظام سياسيّ انتقاليّ بعيدا عن ذاكرة الحروب الأهليّة.
وفي مرحلة ثانية حاولنا أن نرصد انهيار تلك الصّورة النّمطيّة للزّعيم السّياسيّ العربيّ، وهو ما دَفَعنا إلى النّظر في مدى صحّة أطروحة الاستثناء التي ظهرت في بداية التّسعينيات، بوصفها أطروحة فكريّة ذهبت فيها التّنبّؤات إلى أنّ شعوب العالم الثّالث تعجز طبيعيّا عن التّغيير في الاتّجاه الإيجابيّ.
الكلمات المفاتيح: ثورات الرّبيع العربيّ – أنظمة الحكم – الاستبداد – الشّعارات – أطروحة الاستثناء – تمثّلات الثورة.
Abstract:
This article revolves, in the first stage, around an external and internal chronology that contributed to the explosion of the Arab Spring Revolutions. In this context, we examined the reasons that led to important consequences, including raising slogans against dictatorial regimes. The results were represented in two directions: The first one succeeded in the elimination of the leaders of the former regimes, but it failed to establish a new system of government, and the second direction succeeded to some extent in the formation of a transitional political system without civil wars.
Through the second stage of the article, we tried to monitor the collapse of the stereotype of the Arab political leader, which led us to verify the validity of the ” thesis of exception” that appeared in the beginning of the nineties. This political thesis adopted the idea that third world people are unable, by nature, to change in a positive direction.
Key words: Arab Spring – systems of government – tyranny – slogans – thesis of exception – symbols of the revolution.
1- مقدِّمة:
من السّمات الّتي ميّزت الحضارة الإسلاميّة، ذاك التّغيير الاجتماعيّ الذي كان سمة ملازمة لها منذ القِدَم. وقد مسّ هذا التّغيير كلّ الجوانب الماديّة والمعنويّة للمجتمعات العربيّة، ممّا كان يوحي بالحركة المتواصلة ضمن سياق بحث الإنسان عن مشروعيّة قيمته وإثبات وجوده حتّى صار “كلّ تحوّل في البناء الاجتماعيّ … لدى فئات واسعة من المجتمع يعمل على تغيير مسار حياة المجموعة”[1]سياسيّا واقتصاديّا واجتماعيّا.
فهل يمكن بعد هذا القول إنّه يمكن تتفوّق أمّة مّا على أمّة أخرى في زمن ظنّ الجميع أنّ العالميّة بكلّ خصائصها، قد هدمت كلّ الحواجز؟ وهل يمكن أن يكون سباق التّطوّر قد خلق اختلافا بين من لم يبدع، ومن أبدع فكان هو الأفضل، في حين ظلّ الآخر ينصرف إلى التقليد والاستهلاك دون ايجاد الحلول؟
قد لا يسعنا الوقت للإجابة عن هذه المسائل الحارقة، لكن مرورنا على مثل هذه الأسئلة أردناه مدخلا ننفتح به على ما أصاب الوطن العربي من عجز عن استيعاب التّحوّل الذي حصل في العالم الغربيّ من حداثة تتطابق مع مفاهيمها المتعدّدة كالحرّيّة والدّيمقراطية والعدالة والمساواة.
2- الثّورة: موجز في السّياقات والأسباب:
2- 1- السّياقات:
من النّتائج التي ترتّبت على نهاية القرن العشرين أنّه انغلق بنهاية الأنظمة الفاشيّة والشّموليّة ثمّ انهيار الاتّحاد السّوفييتي و”إعادة توحيد ألمانيا على حطام حائط برلين، إلى الاختيارات السياسية والاقتصادية الجديدة للديمقراطيات الشعبية السابقة”[2]. وقد مثّل هذا المنعرج التّاريخي بداية جديدة للغرب الأوروبي وانتصارا آخر للمشروع الحداثي، فبعد الانهيار المدويّ للأنظمة الشمولية وإجهاض المشروع الشيوعي السوفييتي، استفاق العالم على انتصار اللّيبرالية، وتفوّقها الذي وضع نقطة النّهاية لأنظمة الاستبداد وبشّر بمرحلة جديدة سُمّيت “النّظام العالمي الجديد”. وبدأ هذا النظام يسير بالعالم نحو السّلام وبعيدا عن ذاكرة الحرب. و”لفت النّظر حينها أنّ البلاد العربية ظلّت في منأى عن تلك الموجات، فقد حافظت أنظمتها السياسية الملكية والعسكرية والجمهورية على صلابتها واستقرارها. وظلّت آلة القمع تكتم الأنفاس”[3]، وكان الاعتقاد حينها يتّجه إلى أنّه لا خلاص من أنظمة الاستبداد التي فرضت سيطرتها مع بداية بناء الدّولة الحديثة، وبقي المجال السّياسي مشهدا منغلقا لزمن طويل يرفض المتحكّمون فيه وجود أيّ معارضة سياسيّة أو أيّ مطالبة بتغيير سياسيّ يكون مصدرا للانفتاح الديمقراطي.
وفي الحقيقة فإنّ وهْم الدّيمقراطية في الوطن العربي “لم يسفر إلاّ عن دكتاتوريات مقنّعة أتت عبر الاحتكام إلى جماهير خاضعة – في معظمها – إلى فكر أصولي رسّخه حكم الاستبداد”[4]، وعليه، عاش المجتمع العربي على طوباويّة كبرى بلورت تصوّرا خاصّا للزعيم العربي، الأمر الذي أدّى إلى تضخيم صورته على امتداد عقود من الزّمن، وهو ما جعله يهيمن على المجال السياسي.
إنّ مرورنا قصدا على هذه السّياقات التي ذكرناها بإيجاز، يمكن أن يكون سبيلا يتشكّل في ضوئه ما ستشهده العديد من الدول العربية من اضطرابات واحتجاجات للمطالبة بالتغيير السياسي مرورا بما تحلم به تلك الشعوب من تحسين في أوضاعها الاجتماعية من ناحية، وسعيِها إلى الانفتاح على الحرية والديمقراطية من ناحية أخرى.
2-2- الأسباب:
تبقى انتفاضات الشعوب العربية ضدّ المستعمر في التاريخ الحديث تحمل طابعا عاطفيا لا يستطيع أحد أن يلغيه من الذاكرة الشعبية، غير أنّ المجتمع العربي بعد الاستقلال كان مغيّبًا من يوميات النضال الوطني، لأنّ الزعامات العربية التي ظهرت على الساحة السياسية استطاعت أن تشكّل صورة مثالية لنفسها تدور حول الزعيم المنقذ والبطل الأسطوري. وضمن هذا السياق وجد المجتمع العربي نفسه تحت طائلة أنظمة استبدادية تمتنع عن تحقيق مبادئ الحرية من جهة، وتعجز عن تحقيق المسارات التنموية من جهة أخرى.
وفي الحقيقة لم تكن الدولة الوطنية الحديثة بكل مؤسّساتها سوى أداة تعبّر عن مشروعية القائد فتعطيه أبعادا تتطابق مع كل ممارساته التسلطية، فصار من الصعب ضبط قانون لمهام القائد. ومن دون التّعمق في شرح هذا المسار السياسي الذي أفرز أنظمة الاستبداد، فنحن على يقين – مهما تعدّدت النتائج بدقّة استخلاصها – من أنّها لا تُخفي السّبب في ما وصل إليه المجتمع العربي من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية.
ويكفي في هذا الصّدد أيضا أن ننظر في ما وصلت إليه الأنظمة العربية (التي هي على رأس الدولة) من فساد أصبح بمقتضاه النظام السياسي غطاء يتستّر به قلّة من الأثرياء يستحيل ضبط قانون لمُساءَلتهم، فأصبح الفساد الماليّ “ضربا من ضروب عمل العصابات المنظّم والمقنّن والشّرعي. وتصبح الثّروة بهذا المعنى المحدّد الرّئيسي للجاه والمجد”[5]. ومن البديهيّ أنّ ظاهرة الفساد التي انتشرت في السنوات الأخيرة في كل الأنظمة العربية، خلقت فجوة كبيرة بين الدولة وفئات كثيرة من المجتمع. ففي الوقت الذي تمارس فيه عائلات الحكّام والمقربين منهم فسادهم وسطوتهم على خزائن الدولة في مشهد يذكّرنا بمجون الأمراء والسّلاطين قديما، نجد في المقابل مجتمعا مازال يعاني من الفقر والبؤس والحرمان، وهو ما أدّى إلى انتشار البطالة في أوساط الشّباب ودفع العديد منهم إلى الدّخول في عالم الجريمة أو مغادرة أوطانهم بطرق غير شرعية في اتجاه دول أجنبية.
وبناء على تلك الأوضاع المعقّدة الذي يشهدها العالم العربيّ من قضايا جوهريّة مهمّة – سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة – سوف يبدأ تصاعد للشّعور الشعبي بمعيار جديد يحاول فيه كسر أسوار العبودية التي خيّمت عليه زمنا طويلا. هذا الشّعور الذي ظهر في شكل انتفاضات وثورات نراه أوقع شعوبا تحت قسوة الآلة العسكريّة والحروب الأهليّة من ناحية أولى، وأعطى شعوبا أخرى فرصة التحوّل نحو التغيير الإيجابي من ناحية ثانية.
3- الرّبيع العربي: من الشّعار إلى الصّدام[6]:
كنّا عرضنا في ما سبق ذكره، سياقاتٍ وأسبابًا، رأينا فيها علاقة جدليّة في كلّ ما شهدته دول “الربيع العربي” من صراع ضدّ أنظمة الحكم. فكان الصراع المنتشر إيذانًا بإفلاس المنظومة السياسية، لأنّ لحظة التّمرّد على نظام الحكم كانت تجاوزا لعقدة الخوف من عنف الدّولة وطغيانها وفساد حكّامها.
ويمكن القول إنّ التمرّد الذي ظهر في شكل رعب منتشر في الشّوارع متحدّيا رمزية الزعيم، كانت بدايته بـــ” شعارات” تصوّر الاختناق السياسي ثم تطوّر إلى احتجاجات وصدامات دامية ضدّ السلطة.
ونذكّر في هذا المقام، يوم 17 ديسمبر من سنة 2010 فـــــ “عود ثقاب وقارورة بنزين كانا كافيين لتحويل محمّد البوعزيزي كتلة من نار في طرفة عين. وفاضت المدن على شوارعها تهتف للحريّة كما لم تهتف من قبل وتتحدّى آلة الاستبداد في شجاعة عزّ نظيرها”[7] وفي لحظة تاريخية تحوّل الصّمت إلى ثورة وانخرطت فئات متنوّعة من الشّعب تطالب بالحرّيّة والكرامة رافعة شعار “التّشغيل استحقاق يا عصابة السّراق”[8]. هذا الشعار الذي انبعث في البداية من تجمّعات شبابيّة تشعر بالألم والمرارة بسبب طول مدّة البطالة، كان رمزا إلى “محمّد البوعزيزي” الذي انتحر حرقا بعد منعه من الانتصاب بائعا متجوّلا للخضر في الطريق العام. فـ”البوعزيزي” صار رمزا لكل شاب عربي تُهان كرامته من أجل البحث عن حياة كريمة.
وفي “مصر” كما في “تونس” رُفع شعار “عِيشْ حرية، كرامة إنسانية” وتردد الشعار عبر الهتاف واللافتات يرمز إلى الحريّة المسلوبة والكرامة المهدورة. ولعلّ ما “وقع مع خالد سعيد[9] من تعذيب وقتل، ثمّ الكذب الذي قامت به الأجهزة الأمنية المصرية للتّغطية على الجريمة، ساهم أكثر من غيره في الثّورة المصرية”[10]. وهكذا كانت شعارات الثورة متقاربة في المعنى والمفهوم، تختلف الصّياغة وتبقى الدّلالة واحدة. فـ”بوعزيزي” تونس و”خالد سعيد” مصر لهما بُعْد رمزيّ مشترك، الأوّل مات حرقا هروبا من الفقر والبطالة، والثّاني تحت تعذيب أجهزة النظام لمجرّد دخوله مقهى أنترنات.
وهكذا بدأت الثورة بطابعها الرمزي متجسّدة في شعاراتها التي هتفت بها الحناجر دون خوف، بعد أن نبعت من أزمات خانقة وكانت مندفعة نحو التغيير. ويبدو أنّ الأنظمة التي اشتعلت ساحاتها العمومية احتجاجا على التهميش والظلم والإقصاء والفقر، لم تكن قادرة على جمع أنفاسها لتمتصّ غضب الشعوب بهتافاتها وشعاراتها. وانقلبت شوارع المدن إلى ساحة دمويّة بين الأجهزة الأمنيّة والمحتجّين. ففي “تونس” كانت نهاية شهر ديسمبر من العام 2010 قد شهدت صدامات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن التي استعملت الرّصاص الحي، ليسقط أوّل شهيد[11] في “تونس” ومنه بدأت نقطة اللاّعودة، بعد أن شملت الصّدامات العنيفة أماكن عديدة داخل التراب التونسي تزايد على إثرها عدد الشهداء والجرحى، الأمر الذي أدّى إلى تغيير مطالب المحتجين إلى رفع شعار “الشّعب يريد إسقاط النظام”.
بدأت نهاية الزعيم – زين العابدين بن علي – تقترب بل أصبحت على وشك الزّوال، فصورة “المعلّم”[12]الفتوغرافيّة التي كان تعليقها واجبا على واجهات الدّكاكين على اختلاف أنواعها وفي كلّ الشوارع لم تكن لتمنع المحتجّين من حرقها ووضعها تحت الأقدام، وفي ظلّ العاصفة التي بدأت تهدّد وصول المحتجّين إلى القصر الرئاسي، جُهّزت لـِ “بن علي” طائرة الرّحيل في اتّجاه السعودية[13].
وفي “مصر” لم ينجح قمع البوليس في منع المتظاهرين من رفع شعار “ارحلْ ارحلْ يا مباركْ السعودية في انتظارك”[14] إشارة إلى هروب “بن علي” وترميزا لإعطائه فرصة للهروب. وتواصل الاحتجاج رغم القمع والتنكيل إلى أن أعلن “حسني مبارك” عن ترك منصبه في 11 فيفري من سنة 2011، ليعلن المجلس العسكري المصري في بيان له عن حالة الطوارئ وقيام الجيش بمهامّ تسيير شؤون الدولة إلى حين إجراء الانتخابات.
وفي “ليبيا” رُفِع شعار “جايْ عليكْ الدّورْ يا معمّرْ يا دكتاتورْ”، وهو الآخر لم تشفع له الأسلحة الثقيلة في قمع المتظاهرين ولا طلعات الطائرات الحربيّة التي تشنّ غاراتها على الشّعب الليبي، إلى أن أُلقي عليه القبض وتمّت تصفيته من طرف الثّوّار بطريقة وحشيّة[15]. وهكذا طويت صفحة قادات عربيّة حكمت شعوبها زمنا طويلا.
4- مآزق ثورات الربيع العربي: الثّورات المحبطة:
هل كنّا ندرك حين هتفت حناجرنا للحرّيّة والكرامة أنّ سقوط الدّيكتاتوريّات كان أمرا محسوما؟
نزعم أنّ الجواب: نعم، لأنّ الشّعوب التي واجهت الملاحقات الأمنيّة و “الإيقافات” العشوائية، التي غصّت بها مراكز الأمن، لم تكن لتعود على أعقابها لترضى بالذّلّ وسخط الحكّام مرّة أخرى.
ولكن هل كنّا ندرك أنّ لحظة سقوط المستبدّين هي البداية لإقامة مجتمع تسوده الحريّة والعدل والمساواة ؟ أم هل أنّ ذلك السّقوط لم يكن سوى بداية لتضخّم حجم الويلات بما يحمله “الرّبيع العربي” في زمنه الانتقاليّ من صراعات سياسيّة وأخرى طائفيّة؟
صحيح أنّ ما سقناه بإيجاز لسياقات أدت إلى أحداث مهمّة في الربيع العربي وكانت سببا في سقوط الأنظمة الاستبداديّة هي ذاتها السّياقاتالتي جعلت من هذه الدول تنفتح على واقع جديد.
لقد كان الحلم يراود الكثيرين من أنّ لحظة الانهيار لزعامات التّسلّط العربية كانت شبيهة بنهاية الشّمولية في الغرب الأوروبّي، وأنّ التّمرّد الذي تابعه العالم بعيون الإعجاب عبر وسائل الإعلام من “شارع الحبيب بورقيبة” في تونس، وأمام بناية الأمن الضّخمة، لم يكن أحد يتوقّع أن يرفع فيها شعار ” Dégage”.وكذلك الأمر لاحتلال المتظاهرين في مصر “ميدان التّحرير” برمزيّته التّاريخية والسّياسية، وأيضا دخول “الثّوّار” اللّيبييّن “باب لعزيزيّة”، فكلّ هذه الأحداث مثّلت ردود فعل مختلفة، ولكنّها في محتواها ترمز إلى تحطيم أسيجة النظام الذي جعل من نفسه سدّا منيعا ضدّ المواطنين، فكان مشهد “تونس” من شارع بورقيبة وميدان تحرير “مصر” وباب لعزيزية “ليبيا” مشهدا يذكّرنا بحادثة انهيار الشّيوعيّة وتوحيد “ألمانيا” على حطام حائط برلين.
ولكن سرعان ما لاح في الأفق مع السّنوات الأولى على مرور الثورات، أنّها تحمل أزمات لصراع سياسي. ففي “تونس” مهد الثورة أدّى إلى غياب قاعدة سياسية مستقلّة عن زمن الاستبداد إلى مآل سياسيّ متأزّم توقفت فيه الثورة التونسية على عتبة المطالب الاجتماعية، لأنّ “الخلل الجوهري الذي كان ينقص هذه الثّورة هو غياب الحزب الثّوري المؤطّر… الأمر الذي أسفر عن غياب القيادة الوطنية المركزية التي كان من المفترض أن تتسلّم السلطة عقب سقوط رأس النظام الدكتاتوري السابق”[16]، هذا من جهة، وبدأت الأجواء السياسية تتعكّر بعد سلسلة من الاغتيالات السياسية[17]التي طالت وجوها من أبرز المعارضين للنظام السابق، وهذا من جهة أخرى.
وفي “مصر” كان الحدث المهمّ إعلان الجيش عن إزاحة “محمد مرسي”[18] الفائز في أول انتخابات رئاسية بعد تنحية الرئيس السابق “حسني مبارك”، ليتولّى الفريق أوّل “عبد الفتّاح السّيسي” في 2013 رئاسة الجمهورية المصرية.
وعلى أيّ حال، فإنّ الثورتين المصريّة والتونسية مهما ظهرت فيهما من أزمات فإنّهما نجحتا في الخروج من دائرة الصّراع الدّاخلي والحروب الطائفية، وهو ما أبقى على وجود مؤسّسات الدولة في كلا البلدين.
5- موجز الثّورة المحبطة:
لم تكن “سوريا” في منأى عن الثّورتين التونسيّة والمصرية ونجاحهما في التّخلّص من رأسي النظام، لذلك أدّى اندلاع الثورة السوريّة إلى عدم “معالجة النظام الموقف بوسائل سياسية، وقد اختار القمع الأمني منذ اللحظة الأولى”[19] ولم ينجح شعار “يلهْ ارحلْ يا بشارْ”، وتحوّلت الثورة السورية بعد أشهر قليلة إلى انشقاقات في صفوف الجيش، الأمر الذي جعل منها حربا داخليّة لا تزال آثارها متواصلة إلى اليوم.
وضمن هذا السياق لا يمكن إرجاع ما يحصل في “سوريا” اليوم من دمار إلى التدخّلات الأجنبية فقط، لأنّ التدخّل الأجنبي وقع بعد زمن من بداية الثورة وبعد أن تحوّلت “سوريا” إلى دولة داخل الدولة بسبب انقسام الجيش السّوري من ناحية، ووجود تيارات إسلاميّة متشدّدة وجدت مناخا مريحا لها لتعلن عن “الدّولة الإسلامية في العراق والشام”[20] من ناحية أخرى.
وهكذا دخلت سوريا في متاهات الصّراع المسلّح بين الرّافضين للنّظام وجيش النظام، وهو ما فتح المجال أمام تدخّل قوى أجنبية وإقليمية ساهمت في التأزّم السياسي خدمة للمصالح الاقتصادية والجيو سياسية، واستغلّت القوى الأجنبية دخول الجماعات المتطرّفة إلى “سوريا” بعد إعلان التنظيمات المتشدّدة عن قيام “الدّولة الإسلاميّة” التي سيطرت على مناطق كبيرة من “سوريا”[21].
ما نخلص إليه في هذا السّياق، هو نجاح “الرّبيع العربي” في القضاء على رؤوس أنظمة الاستبداد، في دول عربيّة عديدة، ولكنّ هذا لا يمنعنا من النّظر في واقع الثّورات التي تحرّكت ضمن مسارات مختلفة، لأنّ التّدخّل الخارجي الذي أفشل مشروع التغيير السياسي في الوطن العربي في اتّجاه ترسيخ الحرية والديمقراطية كان له دور مهم في تعثّر الثّورتين السّوريّة واللّيبيّة. ولا يمكن بأيّ حال أن نحكم على الثّورات التي أُحْبِطَت بأنّها جانب مظلم يضمّ كلّ دول الربيع العربي، وهذا لأننّا ندرك الجوانب المشرقة التي جاءت بها الثورة التونسية والثورة المصريّة، لأنّ كلتيْهما مثّلت صورة حقيقيّة على قدرة الشعوب التي تحرّكت من أجل محاولة رسم مسار جديد في اتّجاه الحرية والديمقراطية وإن كان السّير في هذا الاتّجاه يبدو بخطى بطيئة ومتعثّرة.
6- تونس والاستثناء: بأيّ معنى؟[22]
لقد ذهبت تنبّؤات في الفكر السّياسي الغربي لمّا ظهرت أطروحة نهاية التاريخ وخاتم البشر[23]،إلى أنّ الليبرالية هي نهاية الإيديولوجيات وخاتم البشر هو التّعبير النّهائي للإنسانية الذي يعبّر عن جوهر الديمقراطية. هذه الأطروحة التي كانت من مفرزات النّرجسيّة الأمريكية تصل إلى نتيجة مفادها “نهاية التاريخ”[24] ووصوله إلى محطة نهائيّة، وقد ترافق ذلك مع نجاح طموح الليبرالية وانتصارها النهائي على المعسكر الاشتراكي المنهار.
وتعتبر تلك الأطروحة الفكرية أنّ نهاية التاريخ، هي الحتميّة التاريخيّة لكلّ الشعوب وعلى كلّ الأنظمة الدخول في هذا المسار الديمقراطي. وسعت هذه الفكرة المنتصرة للّيبرالية إلى إيجاد الحلول في كيفيّة إزالة الأنظمة المتخلّفة، التي نشأت على القبليّة والدين، لتضع مكانها أنظمة ديمقراطية. لكنّ ما كانت تقترحه الأطروحة من حلّ لمشكلة التّقدم يبقى جزءٌ منه عصيّا على التنفيذ إزاء بعض الشعوب – ومن بينها الشعوب العربيّة – التي ترى فيها أطروحة “فوكوياما” أنّها تعجز طبيعيا عن التغيير الإيجابي.
إذن، هذا الاستثناء الذي كان صنيعة الاستعلاء الغربي، احتفى به “فوكوياما” في كتابة “نهاية التّاريخ” منذما يزيد على عشرين سنة. لكنّ هل وصل العرب فعلا إلى تجاوز هذا الاستثناء؟
نعتقد أنّ حدث “الربيع العربي” وما رافقه من سقوط الدّكتاتوريات وصعود تيارات من الإسلام السياسي المعتدل مع اليسار التقدمي، قد أخذ يلغي جزءا من أطروحة الاستثناء التي بدأ يصيبها الكساد. ولعلّ لحظة هروب “بن علي” من “تونس” كانت البوّابة الأولى لانهيار مقولة التّخلّف الطّبيعي وعدم القدرة على التّحوّل في الاتجاه السياسي الديمقراطي. ففكرة الاستثناء التي دشّنت بها “تونس” سلسلة من الثّورات العربية كانت أولى البدايات في البحث عن الحرّيّة والديمقراطية وأثبتت قدرة المجتمعات العربية -والمجتمع التّونسي تخصيصا- على التّحول والتغيير في مسار التاريخ. فهل يمكن بهذا المعنى أن تكون الأنظمة التي ترتكز على تاريخ تسلّطها عاجزة عن أن تشكّل لنفسها شرعيّة مهما طال أمدها، وليستطيع الفعل السياسي وأجهزته الاستخباراتية والاستبدادية أن يحافظ على بناء قوتها السلطويّة؟
يبدو أنّ عدم الرضا عمّا شكّله الزعيم من مجال سياسي مغلق، وكذلك أزمة البطالة والتهميش التي تواصلت إلى تاريخ طويل من الأسباب التي دفعت الشعب التونسي في لحظة تاريخية إلى أن يهتف مطالبا بالتغيير، وإلغاء شتّى أشكال الظّلم والتخلف السياسي في سبيل الحصول على الحرية والكرامة، وقد خرج المجتمع التونسي في احتجاجات لم تكن لها في البداية مرجعية إيديولوجية ولا حاضنة سياسية.
وقولنا، بسقوط أطروحة الاستثناء التي حُكم فيها على المجتمع العربيّ بعدم القدرة على التّقدّم والتّحوّل لأكثر من عقدين، تزامنت مع انهيار آخر، ذلك أنّ الأصوات التي تعالت ضدّ الظلم والاستبداد، سرعان ما تحوّل فيها المشهد إلى كسر تلك الصّورة النمطيّة للزّعيم السياسي التي لازمت المجتمع التونسي منذ ظهور دولة الاستقلال، وكانت لحظة رفع شعار ” Dégage” من أمام بناية الأمن الضّخمة لوزارة الدّاخلية في تونس، تعبيرا عن بداية انهيار كاريزما الزّعيم، ولعلّ مشهد إحراق صورة “بن علي” الفوتوغرافية في الشّوارع ووضعها تحت الأقدام، من أبرز لحظات التّحوّل في مخيّلة الشعب التونسي ليهدم رمزيّة النّظام السّابق وأسطورة زعيم الدولة وحاكمها.
ونعتقد أنّ ما ذهبنا إليه، من أنّ “تونس” هي الاستثناء العربي، كان استنتاجا لعدّة تحوّلات عالميّة وداخليّة، لذلك تبقى الثّورة التونسية على الرّغم من غموض مسارها السّياسيّ وصعوبة تجاوز أزمتها الاقتصادية، الأنموذج الأمثل لنجاح انتفاضة شعب أراد التّخلّص من الاستبداد، وأيضا نجاح هذا الشّعب في كتابة دستور جديد وإجراء انتخابات نزيهة من دون التّلاعب بنتائجها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لم يكن الجيش التونسي أيضا حاملا لإيديولوجيا سياسيّة لذلك ظلّ في حياد وكان له دور كبير في إفشال كلّ المخطّطات الإرهابية. وبناء على ذلك يمكن القول إنّ الثّورة التونسية كانت تبرهن في كلّ مرّة على أنّها استثناء بوصفها نجحت في إثبات عدم تزعزع الدّولة العميقة والشّعور الوطني لدى المجتمع التّونسي الذي لم يسقط في بوتقة الانقسامات التي تؤدّي إلى تفكّك الدولة مثلما حصل في دول أخرى زمن بداية الربيع العربي.
7- خاتمة: في مقام النتائج:
لقد أخذت الثّورة التونسية عديد التّوجّهات في دراسة تمثّلاتها وتأثيرها في دول عربيّة سارعت إلى المُضيّ في طريق الرّبيع العربي، وضمن هذا السّياق نختم بتمثّلات الثّورة التونسية وكيف أنّها كانت أيقونة لهذه الثوّرات المنتشرة، مستندين إلى حادثة حرق “البوعزيزي” جسده.
لم تكن حادثة الحرق التي أجّجت الشّعب التّونسي ومن ورائه الشّعوب الأخرى من الحوادث الغريبة التي تشكّل خطرا على أنظمة الحكم. ذلك أنّ مثل هذه الحوادث تعتبر من عمليّات الانتحار التي تحصل في أيّ زمان وفي أيّ مجتمع سواء أكان متحضّرا أم متخلّفا، وفعل الانتحار بأبعاده النفسية والاجتماعية كان ملازما للبشريّة منذ زمن بعيد.
وفي تقديرنا فإنّ الذي حصل من حادثة حرق “البوعزيزي” لنفسه احتجاجا على الوضع الذي يعيشه، كان من الممكن أن لا يأخذ المجرى الذي أخذه ليصبح أيقونة عربية وعالمية، وإنّما الذي ساعد في أن يكون “البوعزيزي” رمزا للثّورة هو ما نزعت إليه هذه الحادثة ليكون لها ارتباط شديد بصورة وعلامة لهما أيضا علاقة بالسياق الثقافي في المخيلة الشّعبية. ومعنى هذا أنّ الحادثة وقعت بعد تعرّض “البوعزيزي” لحركة عنف من موظّفة “مراقبة بلديّة”[25] حين وجّهت إليه صفعة على وجهه، وهو ما جعل من هذه الحادثة تُعتبر إهانة لرجل وتعدّيا على كرامته، خاصّة إذا تعلّق الأمر بأنّ الذي قام بالاعتداء امرأة، وتعتبر مثل هذه المشاهد في المخيّلة الشعبية عملا لا أخلاقيا وفعلا مسيئا لكرامة رجل في مجتمع ذكوري، وهذا الحدث الرئيس الذي وجد تعاطفا وانتشارا في أوساط الشّباب أخذ مسار الصّدام مع السّلطة بعد سقوط شهداء برصاص البوليس، وهكذا كانت الشّرارة الأولى للثّورة تحمل اِسم “محمد البوعزيزي” أيقونة الثّورة التّونسيّة.
قائمة المصادر والمراجع:
المراجع العربيّة:
- برجي، الأزهر، الزّعيم والدّولة: بحث في تشكّل المجال السياسي العربي المعاصر، أطروحة دكتورا في الحضارة المعاصرة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية في صفاقس، تونس، 2022، (مرقون).
- (جماعي)، حال الأمة العربية 2012-2013، مستقبل التغيير في الوطن العربي، مخاطر داهمة، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، بيروت، 2013.
- (جماعي)، مستقبل التغيير في الوطن العربي، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، بيروت ، 2016.
- رفعت، سعيد، حرب داعش، ما فرضته من أوضاع وكشفته من حقائق، مجلة شؤون عربية عدد 106، شتاء 2014، مجلة قومية فصلية تصدر عن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، القاهرة 2014.
- عيتاني، حسام، الثورة السورية هل هي استثناء في “الربيع العربي”، مجلة شؤون عربية، عدد 152 شتاء 2012، تصدر عن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، القاهرة 2012.
- فوكوياما، فرانسيس، نهاية التاريخ وخاتم البشر، ترجمة حسين أحمد أمين، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة الطبعة الأولى 1993.
- القديمي، نواف، يوميات الثورة من ميدان التحرير إلى سيدي بوزيد حت ساحة التغيير، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى، بيروت، لبنان، 2012.
- كاستانييه، أندريه، التسارع، ملف تسارع التاريخ، مجلة الفكر العربي المعاصر، عدد 94-95، مركز الإنماء القومي، بيروت، 1992.
- مولى، علي الصّالح،
- مولى، علي الصّالح، المشهد الحزبيّ في تونس بعد 14 كانون الثاني- يناير 2011، تأملات سياقية في الحريّة والاستبداد، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 33، شتاء 2012، مجلة دورية محكمة بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية
- مولى، علي الصّالح، الدّيمقراطية والثورة… تأمّلات في السياق والواقع والمآل، مجلة إضافات المجلة العربية لعلم الاجتماع بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية، العددان 26-27. ربيع وصيف 2014.
المراجع الأجنبيّة:
- Guy Rocher, Le changement social, Introduction à la sociologie générale. Edition. H.M.H. Paris. 1968.
المواقع الإلكترونيّة:
- الغبرا، شفيق ناظم، استمرار الربيع العربي، “عيشِ حرّيّة، كرامة إنسانيّة”. مقال منشور عبر موقع قنطرة: https://www.al-watan.com/article/91759/NEWS
[1]– Guy Rocher, Le changement social. Introduction à la sociologie générale. Edition. H.M.H. Paris. 1968. P.19.
[2]– أندريه، كاستانييه، (André Castagne)، التّسارع، ملفّ تسارع التّاريخ، مجلة الفكر العربي المعاصر، عدد 94-95، مركز الانماء القومي، بيروت، 1992، ص101.
[3]– مولى، علي الصالح، الديمقراطية والثورة… تأملات في السياق والواقع والمآل، مجلة إضافات المجلة العربية لعلم الاجتماع بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية، العددان 26-27. ربيع وصيف 2014، ص33.
[4]– رفعت، سعيد، حرب داعش، ما فرضته من أوضاع وكشفته من حقائق، مجلة شؤون عربية عدد 106، شتاء 2014، مجلة قومية فصلية تصدر عن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، القاهرة 2014، ص15.
[5]– علي الصالح مولى، المشهد الحزبي في تونس بعد 14 كانون الثاني- يناير 2011، تأمّلات سياقية في الحريّة والاستبداد، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 33، شتاء 2012، مجلة دورية محكمة بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية، ص156.
[6]– نحيل في هذا السياق على جملة من الأفكار الواردة في أطروحة الدكتورا التي أعددناها تحت إشراف الأستاذ عليّ الصالح مولى، الزّعيم والدولة: بحث في تشكّل المجال السّياسي العربي المعاصر، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس، 2022، (مرقون)، ص300.
[7]– علي الصالح مولى، الديمقراطية والثورة، مرجع سابق، ص35.
[8]– هذا الشعار كان من أوّل الشعارات التي رفعت داخل مدن عديدة في تونس، وكان القصد من هذا فضح فساد العائلة الحاكمة وفضح ممارساتهم وتدخلهم المباشر في التشغيل عن طريق الرشوة أو المحسوبية.
[9]– خالد سعيد شاب مصري قُتل على يد الشرطة المصرية في 6جوان 2010 وقد شهدت الحادثة مظاهرات شعبية في القاهرة والإسكندرية. في حين أصدرت السلطات المصرية بيانا تقول فيه، إنّ الشاب خالد سعيد مات بسبب جرعة قوية من المخدّرات كما أن الشاب كان ملاحقا من قبل الأمن لصدور قضايا إجراميّة في حقّه. هذا وقد ساهمت حادثة مقتل خالد سعيد في انتشار دعوه للتظاهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي يوم 25جانفي 2011.
[10]– شفيق ناظم الغبرا، استمرار الربيع العربي، “عيشِ حرية، كرامة انسانية”. مقال منشور عبر موقع قنطرة:arqantra.de/content.
[11]– أوّل شهيد في تونس هو الشاب محمد بن بشير لعماري القاطن بمنزل بوزيان من ولاية سيدي بوزيد.
[12]– صارت تسمية “لمعلّمْ” في السنوات الأخيرة لحكم بن علي رائجة في المقاهي وفي الشوارع.
[13]– فرّ بن علي يوم 14 جانفي متجها إلى السعودية مع عائلته وكان فراره رمزا وإيذانا بسقوط منظومة التّجمّع الدّستوري الدّيمقراطي الحزب المسيطر على البلاد.
[14]– نواف القديمي، يوميّات الثّورة من ميدان التّحرير إلى سيدي بوزيد حتّى ساحة التّغيير، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2012، ص26.
[15]– إنّ عملية التنكيل التي لحقت بالعقيد معمّر القذافي في 20 أكتوبر 2011 تعتبر جريمة أخلاقيّة. ونعتقد أنّ تدخّل القوى الأجنبية كان له دور مركزي في عملية تصفية القذافي بتلك الطريقة الوحشية التي تتنافى مع المواثيق الدولية في حماية أسرى الحرب.
[16]– توفيق المديني، تعقيب، “قضايا المرحلة الانتقالية ما بعد ثورة 14 كانون الثاني-يناير 2011” (ضمن كتاب جماعي)، مستقبل التغيير في الوطن العربي، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت الطبعة الأولى 2016، ص 179.
[17]– نخص بالذكر اغتيال “شكري بلعيد” و “محمد البراهمي” وما كان لهذيْن الحدثيْن من تأثير في توتّر المسار السياسي والانتقال الديمقراطي في تونس.
[18]– يعتبر البعض أنّ إزاحة محمد مرسي المنتخب بعد قيام الثورة في مصر هو انقلاب على الشرعية. فقد قامت المؤسسة العسكرية بحملة قمع وقتل واسعة لأنصار محمد مرسي الذين اعتصموا احتجاجا على الانقلاب العسكري. كما مثّل هذا الحدث ضربة موجعة للإسلام السياسي في مصر بعد الربيع العربي.
[19]– (جماعي دون توقيع) حال الأمة العربية 2012-2013، مستقبل التغيير في الوطن العربي، مخاطر داهمة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت الطبعة الأولى 2013، ص199.
[20]– تُختصر هذه التّسميّة في كلمة “داعش” وصارت متداولة في وسائل الإعلام وعند عامّة الناس.
[21]– راجع في هذا السياق مقال، عيتاني، حسام، الثورة السورية هل هي استثناء في “الربيع العربي”؟،مجلة شؤون عربية، عدد 152 شتاء 2012،تصدرعنالأمانةالعامةلجامعةالدولالعربية،القاهرة 2012.
[22]– هذا العنوان تعمّقنا فيه في أطروحة، الزعيم والدولة: بحث في تشكّل المجال السياسي العربي المعاصر، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس، 2022، الفصل الثاني من الباب الثالث، نهاية الزعامات الكاريزمية واشكالية التوريث السياسي.
[23]– يمكن الرجوع في هذا السياق إلى الفكرة التي يطرحها فرانسيس فوكوياما، حول نهاية التاريخ ، فهو يرى من وجهة نظره أنّ الليبرالية المنتصرة على الرأسمالية -بعد نهاية الحرب الباردة- هي القاطرة الأخيرة التي تقود العالم نحو الديمقراطية والحرية وتعدد الأحزاب. انظر: فرانسيس فوكوياما، نهاية التاريخ وخاتم البشر، ترجمة حسين أحمد أمين، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة الطبعة الأولى 1993.
[24]– ما يقصده فوكوياما بالتاريخ ليس هو الحيز الزمني فيه الذي يستغرق وقتا وأحداثا للوصول إلى إنجازات، وإنّما الذي يقصده، التاريخ باعتباره فضاء تتموضع فيه الأفكار.
[25]– الموظفة تدعى فادية حمدي، وتشير الشهادات الشفوية أنها قامت بصفع البوعزيزي بعد نقاش حادّ بينهما وصل إلى حدّ التفوه بالكلام البذيء من طرف البوعزيزي ومسكها من أماكن حسّاسة في جسدها.