ملخص الدراسة
تناقش هذه الدراسة الوصفية التحليلية أفكار ابن طفيل التربوية، وتوضح بعضا من مضامينها، وطرق الإفادة منها. توصلت الدراسة إلى أن قصة ابن طفيل مليئة بإشارات فلسفية وصوفية ذات صلة بالنظرية التربوية من مثل تعظيم شأن التربية وتحديد غاياتها، ومصادرها، والتعلم الذاتي، والمحافظة على البيئة، وعمل التجارب، والبحث المنظم لا سيما في مجال العلوم الطبيعية. وصف ابن طفيل في حكايته مراحل النمو الإنساني من الولادة إلى سن الخمسين، وحصرها في سبع مراحل تتضمن تطورات جسدية وعاطفية وروحية ومعرفية. من خلال قصة مبتكرة كرس ابن طفيل نفسه لبناء فلسفة تربوية هدفها تنمية الإنسان بالعلم والتربية وصولا للسعادة الأبدية عبر التعرف على وجود الله سبحانه، والتقرب منه. النظر والفكر والتأمل والبحث من الكلمات المفتاحية في قصة ابن يقظان إلى درجة أن هناك عشرات الإشارات إلى مرادفاتها وتجلياتها ودواعيها. ولهذا حذرت القصة من الغفلة وعواقب التقليد كما حذرت من المشتتات الاجتماعية، والتوسع في المأكل والمشرب. كتب ابن طفيل أكبر منظومة تعليمية عربية تحتوي على أكثر من 7700 بيت من الشعر في الطب. أثر ابن طفيل عربيا وعالميا – عبر القرون بدرجات متفاوتة- في عدة مجالات تشمل حركة الجامعات، والترجمات، والموسوعات، والفلسفات، والروايات، والمناهج التعليمية، والميراث الصوفي، والطرائق البحثية والتجريبية. إن أبواب النقد والتطوير والموضوعية أدوات ضرورية لتحليل التراث على نحو صحيح، لهذا عرض البحث الراهن مرئيات نقدية تناولت هذا الإرث التربوي من منطلق التجديد لا التمجيد.
مقدمة
تحتفظ القصة التربوية الرائعة بقيمتها النفيسة بل قد تزداد حُسنا مع مرور الزمان، وربما كانت المكتسبات التراثية أنفع طريقة لايقاظ وعي الإنسان، وتزكية روحه، وشحذ ذهنه، وتجذير هويته. وعليه، فالقصة حاضنة للقيم كما أنها أصدق مرآة لمعرفة ملامح عصر من العصور، ومن المحتمل أن نجد في أعماقها الاشتباكات الفكرية المحتدمة بين الاتجاهات الثقافية السائدة يومها، وامتداد تفاعلاتها في واقعنا.
الورقة الراهنة جولة فكرية فاحصة في أروقة “قصة حي بن يقظان” الرمزية لابن طفيل تتناول تفكيك خطابها القصصي لكشف مزاياها المعرفية أملا في اقتناص الفوائد التربوية، والإفادة من النوادر التعليمية. هناك وفي منتصف القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، وُلدت قصة “حي بن يقظان” ولكن قبل وبعد ذلك التاريخ ظهرت بأشكال ومدارات ومسميات وفلسفات مختلفة لتخاطب العقول والقلوب بلغة فلسفية مشفرة وذلك على يد ثلاثة أعلام؛ ابن سينا (ت 428ه)، ويحي بن حبش السُّهْرَوردي (ت 587هـ)، وابن النفيس (ت 687هـ).
يتألف البحث الراهن، عدا المقدمة والنتائج وتوابعهما، من ثمانية مباحث، موزعة على النحو الآتي: الجانب الإيماني في قصة ابن طفيل، والانفتاح على العلوم، ومراحل النمو والبحث عن المعرفة، والنظرية المعرفية ومصطلحاتها، ونظرية التطور بين السبق والاقحام، ورؤى وأفكار منبثقة من القصة، والأثر التربوي العميق، ومرئيات نقدية. حرصت دراستنا على استعراض وتحليل المضامين الظاهرة والمضمرة في قصة ابن يقظان وقراءة أجزاءها تفصيلا مع ابراز مكثف لمرئيات الباحثين حولها، ومحاولة تنظيمها، والموازنة بينها لتجلية المعاني التربوية والتعليمية الثاوية في ثناياها.
يأمل الباحثان أن تكون معطيات هذه الدراسة في محصلتها معطيات إثرائية لسبر غور الفكر التربوي التراثي في ضوء الدراسات المعاصرة، ونظراتها ونظرياتها وتطبيقاتها واتجاهاتها النقدية.
مختصر قصة “حي بن يقظان”
نشأ حيُّ بن يقظان في جزيرة من جزائر الهند، وذلك بعد أن وضعته أمه في تابوت فقذفتْ به في البحر خشية من أخيها الظالم قبل أن يفتضح أمر زواجها بالسر. وقيل غير ذلك؛ إن “حيا” تولَّد من غير أم ولا أب من تراب الأرض عبر مر السنين والأعوام. عثرت ظبية على الرضيع “حي” “فحنَّت عليه، وألقمته حلمتها، وأروته لبنًا سائغًا، وما زالت تتعهده وتربيه وتدفع عنه الأذى.” حاول ابن طفيل إضفاء الصفات البشرية على الظبية لبناء الحبكة الدرامية.
عرف “حي” – مع مرور الوقت- وجود الخالق سبحانه عبر الملاحظة المنظمة، والتفكر الفلسفي والتأمل الصوفي، وفي عمر الخمسين صادف “أَبْسال” وتوثقت أواصر الصداقة بينهما فقام أبسال بتعليم ابن يقظان اللغة والدين وميراث النبوة. كان الدين مطابقا للفهم الفطري الذي توصل إليه ابن يقظان. وبعد ذلك انتقلا إلى جزيرة قريبة فيها صاحب أَبْسال اسمه سلامان الذي يفهم الدين بظاهره ومعه الجماهير تتبعه. حاول أَبْسال وابن يقظان تعليم الناس المعنى الباطني للدين إلا أن سلامان وأصحابه امتنعوا ولم يفقهوا الدين إلا عبر فهم ظاهره. أدرك أَبْسال وابن يقظان أن عامة الناس يصعب عليهم فهم باطن الدين لأن عقولهم قاصرة عن النظر في الكون، وغير قادرة على تفحص أسراره، فقررا الرجوع للجزيرة حيث التقيا أول مرة لعبادة الله سبحانه.
أهمية الدراسة
قدمت قصة “حي بن يقظان” تلخيصا فلسفيا “لأسرار الطبيعة والخليقة” (عنان، 1997م، 4/720)، فأصبحت إحدى روائع الأدب العربي إذ جمعت بين ركائز الفلسفة والتصوف والقصة والدين والأدب والتربية وفوق ذلك قدمت رؤية قصصية عن أصل الإنسان ومراحل نموه وتطور ورسالته في الحياة. قصة ابن طفيل وثيقة تربوية تعبر عن فلسفة التربية الطبيعية (الفرحان، 1999م، ص 127)، ويمثل ابن طفيل “الأب الروحي للنزعة الطبيعية في التربية ورائدا لها”، فهو “مؤسس النظرية الطبيعية بلا منازع وهو سابق على جان جاك روسو في هذا التأسيس” (وطفة، 2012م، 2021م).
وفي سبيل بلوغ المعرفة الملائمة؛ “المقام الكريم” جاء مشروع ابن طفيل ليأخذ مكانته مع أقطاب الفكر الإنساني من أمثال ديكارت، وجون لوك، وهيوم وروسو وغيرهم ممن تركوا بصمة في تعميق تفريعات العلوم الإنسانية (أركون، 2021م، ص 25). وعليه فلقد قدمت التربية الأندلسية إفادات تربوية كبيرة (الكندري، 2013م) تدل على تنويعات الخطاب لاستنبات المواهب، وتفتيق طرق الابداع لبناء الذات المتفطنة والمنفتحة على العلوم والفنون والآداب، والمتسلحة بسعة النظر، وخصوبة الخيال، والجسارة في طرح الأسئلة الشائكة. شارك الأندلسيون في مسيرة تطوير المنهج العلمي، واعمال العقل، واعمار الحياة.
وفي دراسة للمستشرق الألماني غونتر، 2016م، أكد فيها أن دراسة الفكر التربوي مفتاح من أجل تحسين فهمنا للثقافات والحضارات والأديان المختلفة عمَّا نحن عليه. وكتب “إن قلة العلم بإنجــازات الماضي التربوية تحــول دون تمييز ما هو تقدم حقيقي في حقل التربية وما هو محض تكرار، أو بعبارة أخرى أنه يمكن لجهلنا بالتاريخ التربوي أن نفشل في التوصل للمستوى الذي كان عليه أسلافنا، وأن ننشغل في الوقت ذاته بمشاكل مفترضة من جانبنا تقبع حلولها في مخازن المعرفة التاريخية” (ص 223). على أقل تقدير فإن صفحات الفكر التربوي تقدم لنا أحيانا المشكلات والأخطاء التي وقعت في المجال الثقافي وغيره، وابمكاننا تجنب الوقوع بها مرة أخرى إذا استوعبنا دور الأمس، ومن هنا صدق ابن خلدون في وصفه التاريخ “ديوان العبر”. من الأصول القرآنية في التربية الاستفادة من أعماق الماضي عن طريق أخذ العبرة؛ “فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)” (سورة الحشر). “البصر الذي ينفذ في أعماق الماضي يستقرئ أنباءه، ويتعرف مواعظه، ويتزود من تجارب السابقين بذخر يجنبه الزلل، هو البصر المؤمن الحصيف” (الغزالي، جدد حياتك، ص 86).
“أراد ابن طفيل أن يمزج العلم اليوناني بحكمة أهل الشرق لعله يخرج برأي مبتكر في الكون، إذ وصل بتحليله إلى الفرد الواحد باعتباره النواة التي نشأ عنها المجتمع، ويتضح ذلك من قصته الفلسفية الرائعة «حي بن يقظان» “التي يقسمها قسمين: يصور في أولهما المجتمع الإنساني بما تواضع عليه من عُرف، ويصور في ثانيهما فردًا واحدًا يتركه للفطرة ينمو نموًّا عقليًّا حتى يصير فيلسوفًا كاملًا في مستطاعه وحده أن يعرف الطبيعة بمشاهداته، وأن يعرف الله وأن يعرف نفسه بالتفكير” (مكاوي، 2020م).
وفي هذا النطاق يسود بين دارسي الفلسفة أن الفلسفة في تاريخنا فقيرة لأنها مجرد صدى للفلسفة اليونانية. هذه الرأي في الأصل استشراقي المنشأ ثم انتشر عند العرب، والحقيقة هي عكس ذلك تماماً. لدينا العديد من الأعمال الفلسفية العربية الأصيلة التي لا يمكن اعتبارها مجرد شروح على الفلسفة اليونانية، وأشهرها (تدبير المتوحد) لابن باجة، و(قصة حي بن يقظان) لابن طفيل (منصور، 2021م، ص 20، أحمد، 2007م، ص 15). لقد دخل ابن طفيل تاريخ الفلسفة من أوسع وأرحب أبوابها الإنسانية (العراقي، 1992م، ص 11، 204). يظل ابن طفيل “فقرة فلسفية خطيرة في تاريخ الفكر وتطور الوعي وتاريخ الفلسفات والعلم والأديان” (صالح، 1980م، ص 177، 155، محمود، 2000م، ص 9- 17). لم يتوقف الفكر العربي في العصور السالفة عند مرحلة ترجمة كتب الأوائل من شتى الحضارات، والنقل منها دون تفكير بل أضاف لها، وانتقدها بعد فحصها، وشغل الفكر العالمي بها، وأبدع في عرض مضامينها، وتمحيص مجالاتها، وتطوير فلسفتها.
يذهب العديد من الباحثين في الشرق والغرب إلى أن قصة روبنسون كروز (Robinson crusoe) التي كتبها الروائي الإنجليزي (Daniel Defoe) دانيال ديفو (1660-1731م) مستوحاة في سياقها العام من قصة ابن طفيل. قدم ابن طفيل فكرة متفردة قد تكون المهاد الأول لعمل ديفو فأنشأ جنس الرواية في إنجلترا كما أثرت رسالة ابن طفيل بكتاب الأدغال لروديال كيبلنغ الإنجليزي (الشطي، 2015م، ص 17، غونتر، 2015م، ص 190)، وكانت “إلهاما لبعض مذهب الكويكرز القدامى، كما كانت مصدرا لرواية فلسفة الذات التي صاغها لايبنيتز”، وهي قصة عاطفية انتهت بالاستنارة الصوفية (نصر، 2019م، ص 120).
يعتقد بعض الباحثين أن جل فلاسفتنا “لم يتركوا لنا مدارس، ولا تلامذة يذهبون بفكر المعلمين إلى مداه”، بل الغرب المبدع تواصل معه (أحمد، 2007م، ص 143). بغض النظر عن تفاصيل هذا الرأي فإن الفلسفة اليوم لا تزال ضئيلة التأثير في الثقافة العربية بسبب سيادة الخطاب الديني القائم على النقل دون العقل (الشاذلي، 2021م، ص 25). وعليه فإن العناية بالفلسفة التربوية المشتقة من فكر الرواد تفرضها ثلاث قضايا “الأولى: الفلسفة هي ضد العنف والأصولية والوصاية والأحكام الإطلاقية، الثانية: تربية الأجيال على العقل النقدي والسجالي، الثالثة: الفلسفة ضرورة إنسانية لأنها تضفي المعنى على الإنسان من أجل إشباع حاجاته المعرفية حول ذاته والعالم الذي تجتاحه الثقافة الرقمية والتكنولوجية التي تُهمش الوجود الإنساني”. وفي هذا السبيل فإن دراسة أعلام الفلسفة العربية طريقة معرفية لتحليل التراث العربي بلغة تراعي واقعنا الراهن إذ تستخدم أدوات العصر ومناهجه ومؤسساته التي تتصل بالتعليم الحديث (نشوان، 2021م، ص 15). وبهذا نعمل على احتضان وتدعيم فلسفات تربوية فاعلة خلّاقة تثري أنساقنا المعرفية، ورؤانا الوجودية مع تطوير دائم لجميع أطروحاتنا.
“إن الإنسان الحديث يعيش في أزمةٍ روحية وحضارية؛ فالحياة الآلية قد ضيَّقت نطاق عالم المعاني الذي يعيش فيه، وأفقدته الإحساس بتلك الرمزية الحيوية التي تحفل بها الطبيعة؛ ذلك لأن مجتمع المدنية الصناعية [والسيبرانية] قد فصل الإنسانَ عن الطبيعة فصلًا كاد أن يكون تامًّا؛ فلم تَعُد تجربته تتضمن الإحساس بالقوى الطبيعية المباشرة وبما تنطوي عليه من رموزٍ تثري حياته الروحية” (زكريا، 2019، ص 400). وقصة حي بن يقظان تتطرق إلى العديد من المعاني الوجودية التي تربط الإنسان بالطبيعة يتأملها ويستمد أصول تربيته منها.
وأخيرا، هناك حاجة متزايدة للاستفادة من التجارب الدينية وتقصي أبعادها الروحية لأن الإيمان لا يناقض المنطق وليس بديلا عنه (شوماخر، 1438هـ، ص 246، 94). قد يكون الإيمان ملاذا رحيما لحماية الفرد من سيطرة رهانات الحياة المادية، وأذرعها التكنولوجية المكبلة للإشراقات الإنسانية. البحث عن القلب المطمئن يحرك العقل الشغوف للتعلم الدائم لديمومة عطاء الإنسان. إن مثل هذه الدراسات المنهجية الموسعة الزاخرة بنظرات ومفارقات أهل الاختصاص تمد المثقف بحصيلة من الرؤى النقدية لفهم الوثائق التراثية العريقة بُغية المساهمة في تشكيل وتأصيل الوعي التربوي المستنير.
حياته
هو أبو بكر (ويُكنى أحيانا بأبي جعفر) محمد بن عبدالملك بن محمد بن أحمد بن طُفيل القيسي (500 – 581 هـ تقريبا/ 1110- 1185م)، أحد حكماء العرب بالأندلس. ولد في وادي آش إحدى مدن ولاية غرناطة الزاخرة بالعلم والمناظرات العلمية، واشتهر بسمعة عطرة في ميادين الطب والفلك والرياضيات والحكمة والشعر والأدب والفلسفة، ومن أوائل الداعين إلى علم التشريح وعمل التجارب الميدانية. كان مقربا جدا من الأمراء حتى صار طبيبًا للسلطان. لا نعرف عن صباه شيئا مذكورا، ولا عن تفاصيل دراسته الأولى، ولكن المعروف عنه أنه حظي بعناية حاكم الموحدين بالأندلس؛ أَبُو يَعْقُوْب يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ المؤْمِنِ بن علي القيسي، وكان من أقرب المقربين لمجلسه. قام ابن طفيل بترشيح ابن رشد ليكون مستشارا وطبيبا للسلطان، وخليفة له، وشارحا لفلسفة أرسطو ففتح للفكر نافذة فريدة. وقد توفي ابن طفيل في مدينة مراكش ودفن فيها في موكب رسمي مهيب.
وهكذا لا نعرف معلومات دقيقة عن عائلة ابن طفيل، “ولا نشأته التعليمية الأولى، ولا عن شيوخه. والمتفق عليه أن ابن طفيل أحاط بعلوم عصره، فقد كان طبيباً ورياضياً وعالماً فلكياً وفيلسوفاً وشاعراً. وأنه درس الطب في غرناطة، ثم زاوله فيها، واشتغل عام 540هـ/1145م طبيباً وكاتباً لواليها أحمد بن ملحان الطائي أحد رجال الدين المتمردين على الدولة المرابطية في أواخر أيامها، وقبل أن يتصل بالموحدين” (ديركي، 12/581). ولقد اهتم المؤرخون بالثناء على علم ابن طفيل فقال لسان الدين ابن الخطيب في كتابه الإحاطة في أخبار غرناطة “كان عالما، صدرا، حكيما، فيلسوفا، عارفا بالمقالات والآراء، كلفا بالحكمة المشرقية، محققا، متصوفا، طبيبا ماهرا، فقيها، بارع الأدب، ناظما، ناثرا، مشاركا في جملة من الفنون” (2/334).
وفي السياق التاريخي لتوثيق مكانة ابن طفيل، قال المراكشي (2006م) “أحد فلاسفة المسلمين. كان متحققًا بجميع أجزاء الفلسفة؛ قرأ على جماعة من المتحققين بعلم الفلسفة، منهم أبو بكر بن الصائغ المعروف بابن باجَّة وغيره [الصحيح أنه لم يتتلمذ على يديه]. له تصانيف في أنواع الفلسفة من الطبيعيات [علم يبحث عن طبائع الأشياء وما جعله الله فيها من خصائص وقوى]، والإلهيات [علم يبحث فيما يتعلق بالإله] وغير ذلك. فمن رسائله: حي بن يقظان، غرضه فيها بيان مبدأ النوع الإنساني على مذهبهم، وهي رسالة لطيفة الجِرْم [الحجم]، كبيرة الفائدة في ذلك الفن. ومن تصانيفه في الإلهيات رسالة في النفس. وكان قد صرف عنايته في آخر عمره إلى العلم الإلهي. وكان حريصًا على الجمع بين الحكمة والشريعة، معظمًا لأمر النبوات ظاهرًا وباطنًا، هذا مع اتساع في العلوم الإسلامية… وكان أمير المؤمنين أبو يعقوب شديد الشغف به والحب له؛ وكان يقيم في القصر عنده أيامًا ليلًا ونهارًا لا يظهر” (ص 176، بتصرف). لابن طفيل “علم واسع في العلوم الطبيعية وفي علم الحياة بوجه خاص” (ربيع، ص 608). وعنه سعة علمه قال أحد تلاميذه “حدثني الشيخ الأجل الفقيه العلامة الأوحد أبوبكر بن طفيل رضي الله عنه” (ابن الزيات، 1997م، ص 36).
ولقد أشاد ابن طفيل بتفكير معاصره ابن باجه (ت 533هـ= 1138) فقال “ثم خلف من بعدهم (يقصد المهتمين بالمنطق والفلسفة في الأندلس) خلفٌ أحذق منهم نظراً، وأقرب إلى الحقيقة، ولم يكن فيهم أثـقب ذهناً، ولا أصدق رؤية من أبي بكر بن باجّه، غير أنه شغلته الدنيا حتى اخترمته المنية قبل ظهور خزائن علمه وبثّ خفايا حكمته”. ألمّ ابن باجه بعلوم الثقافة الإسلامية في عصره، وبعلوم اليونان، واشتهر بتضلّعه في الفلسفة والطب والموسيقى، ونظم الشعر (دويدري، 4/ 539).
لقد عاصر ابن طفيل دولة الموحدين، وكان حكامها أوسع عقولًا وتفكيرًا، وقد اشتهر من بينهم أبو يعقوب يوسف بمحبة الفلسفة وأصحابها، واستطاعت الأندلس أن تتقدم في الحركة العقلية في أثناء تلك العصور (ضيف، ص331). وكانت دولة الموحدين آنذاك تقوم بتوجيه التعليم فلسفيا بغرض “الخروج بالتعليم من المسالك التقليدية إلى طرق التحليل العقلي على الرغم من تشددهم المذهبي” (الجعفري، 2010، ص 276). يلحظ الدارس للتطور العلمي في بلاد الأندلس أن الفلسفة كانت من العلوم التي يُنظر لها بشك وارتياب في زمن المرابطين ثم الموحدين (العراقي، 1992م، ص 35). ومن أجل ذلك مرت الأندلس بنكبات لاحقت الفلاسفة وضيقت الخناق عليهم لأسباب سياسية (ريبيرا، 1994م، ص 27). “الفلسفة لما كانت مكروهة في الأوساط الشعبية الأندلسية كان الفقه ستارًا يتخذه الفلاسفة، حتى لا يُرموا بالزندقة” (أمين، 2013م، ص 659)، “وما مصير ابن باجة الذي مات مسمومًا من ابن طفيل ببعيد، أو نكبة ابن رشد الذي جاء بعد ابن طفيل مباشرة بخافية على أحد” (علي، 2017م). ونتيجة للصراعات الثقافية حينئذ “تبادل الأندلسيون حرق كتب بعضهم بعضا قبل أن يجهز عليها الأسبان” (علي، 2021م، ص 3). ورغم كل ذلك الصراع، “كان نصيب الفلسفة وافرا زمن الموحدين، وظهر ابن باجة، وابن طفيل، وابن رشد” (الدوري، 1987م، ص 69، الرافعي، 2013م، ص 916).
صاحب ابن طفيل ابن رُشْد وجرت بينهما مراجعات ومباحث، في (رسم الدواء) جمعها ابن رشد في كتاب (الزركلي، 2002م، 6/ 249). وكان ابن الطفيل أكبر من ابن رشد، ولكنه عاش بعده، ولم ينكب مثل نكبته، بل قيل إنه كان يأخذ مرتبه [جامكية] مع الأطباء والمهندسين والرماة والشعراء… كان إلى مزاج الفنان الظريف أقرب منه إلى مزاج الفيلسوف الحكيم، وأنه كان خبيرا بفنون المنادمة والمسامرة، أثيرا عند السلطان (العقاد، 2014م، ص 15). ولقد استفاد ابن رشد من علم ابن الطفيل – طبيب الخليفة- الذي قدم ابن رشد للخليفة، وشكا الخليفة لطبيبه ابن طفيل من قلق في فهم عبارة أرسطوطاليس وعبر عن تطلعه لمن يلخص كتب هذا الفيلسوف اليوناني ويقرب أغراضها ليقرّب مأخذها إلى الناس. وتم اختيار ابن رشد للقيام بهذه المهمة التاريخية (بدر، 9/ 848). قال ابن رشد: “لَمَّا دَخَلتُ عَلَى أَمِيْرِ المؤْمِنِيْنَ أَبِي يَعْقُوْبَ، وَجَدْتُه هُوَ وَابْن طُفَيْلٍ فَقَطْ، فَأَخَذَ ابْنُ طُفَيْلٍ يُطْرِينِي [يمدح علمه]، فَكَانَ أَوّل مَا فَاتَحنِي أَنْ قَالَ: مَا رَأْيهُم فِي السَّمَاءِ؟ أَقَدِيمَةٌ أَمْ حَادثَةٌ؟ فَخفت، وَتعلّلت، وَأَنْكَرت الفَلْسَفَة، فَفَهِم، فَالْتَفَت إِلَى ابْنِ طُفَيْلٍ، وَذَكَرَ قَوْل أَرِسْطُو فِيْهَا، وَأَوْرَد حجج أَهْل الإِسْلاَم، فَرَأَيْت مِنْهُ غَزَارَة حَفِظ لَمْ أَكن أَظنّهَا فِي عَالِم، وَلَمْ يَزَلْ يَبسطنِي، حَتَّى تَكلّمت، ثُمَّ أَمر لِي بخِلْعَة [ثوب يعطى منحة] وَمَالٍ وَمركوبٍ” (الذهبي، 1985م، سير أعلام النبلاء، 21/99-100).
صاحب أكبر منظومة تعليمية
“من المعروف أن الأطباء في الإسلام الكلاسيكي كانوا في كثير من الأحيان فلاسفة، وكذلك كان أسلافُهم من اليونانيين القدماء. لكن ما كان في حكم النادر هو وجود شعراء مُجيدين من بين أولئك الأطباء” (مقدسي، 2021م، ص481). وفي هذا السياق، توضح الدراسات الأدبية أن ابن طفيل “شاعر في الصف الأول من صفوف الفلاسفة والأطباء العرب الشعراء” (صالح،1980م، ص 131). ولقد أشار الباحثون أن أسلوب ابن طفيل أدبي شاعري (شمس الدين، ص 21). ومن نماذج شعر ابن طفيل:
ما كل من شم نال رائحةً للناس في ذا تباين عجب
قومٌ لهم فكرةٌ تجول بهم بين المعاني ، أولئك النُّجُبُ
وفرقة في القشور قد وقفوا وليس يدرون لب ما طلبوا
لا غاية تنجلي لناظرهم منه ولا ينقضي لهم أرب
لا يتعدى امرؤ جبلته قد قسمت في الطبيعة الرُّتب (زيدان، 1998م، ص 71).
ومن شعره:
يا باكياً فرقة الأحباب عن شحطٍ … هلا بكيت فراقَ الروح للبدنِ
نور تردد في طين إلى أجل … فانحاز علواً وخلّى الطين للكفنِ
يا شدّ ما افترقا من بعد ما اجتمعا … أظنها هدنة كانت على دَخَنِ
إن لم يكن في رضا الله اجتماعهما … فيا لها صفقةً تمت على غبنِ
وفي مجال النظم التعليمي الطبي نعثر على أرجوزة نادرة في الطب لابن طفيل موجودة في مكتبة جامعة القرويين في فاس، وتتكون من قرابة 7700 بيت من الشعر التعليمي العلمي التجريبي التطبيقي، وهي أطول أرجوزة عربية في موضوع واحد. وجاء في مطلع الأرجوزة:
الحمد لله العلي الظاهـر ذي الملك والعز المجيد القاهر
وهدف الأرجوزة هو سرد “علل الإنســان بغاية الإيضاح والبيان” (الدباغ، 1994م، بنهار، 1917م، ص13). وهذه الأرجوزة في حقيقتها منظومة تعليمية تدل على عناية ابن طفيل بالأدب العربي، وسعة علمه، ومحاولاته التعليمية الحثيثة في خدمة المتعلمين، وإسعاف السائلين بأسلوب يلائم ذلك الزمان.
في مجال الأدب التعليمي ولتيسير وتبسيط حفظ العلوم والآداب والتاريخ والفلسفة ظهرت الأرجوزة – وجمعها أراجيزُ، وأُرجوزات وهي قصيدة من بحر الرَّجَز- واستخدمت في شتى العلوم، وتُسمى أيضا منظومة وجمعها منظومات. هذه المنظومات مدارها بيان الحقائق في أبيات توضيحية من الشعر يقبل عليها المتعلم لفهم المتون العلمية، وقديما قيل “من حَفِظَ المتُون حَازَ الفُنُون”. هذه الطريقة لاقت استحسانا لدى العرب فالشعر ديوانهم يوثقون فيه أمجادهم وعلومهم وهي سهلة الحفظ للناشئين يومئذ. طريقة المنظومات التعليمية لها تاريخ عريق فلقد كانت معروفة عند قدماء اليونان والهند ويري بعض الباحثين أن العرب في الجاهلية عرفوا هذا الفن، وهو فن عربي أصيل وليس بدخيل.
يعتقد البعض أن المنظومات التعليمية والأراجيز والمتون المنظومة عامة لم يتأتَ فيها شعرٌ جيد. فقد استحال أكثرها قوالبَ لفظية وأقوالاً علمية. غير أنها عظيمة الفائدة وشديدة الدلالة على الحال العلمية للعصور الماضية. وهذا النوع الشعري موجود في العصر الجاهلي (زاده، 2010م، بيلو، 52/206). وفي العصر الإسلامي ابتكر أبان بن عبد الحميد اللاحقي (ت 200هـ= 816م) هذا الفن وهو فن الشعر التعليمي (حسين، 2014م، ص 450، انظر أيضا الموسوعة العربية، 1/39). ولقد اشتغل أهل الأندلس بالمنظومات فأبدعوا فيها ومن أشهر المنظومات النحوية منظومة ألفية ابن مالك لمحمد بن عبدالله بن مالك الأندلسي (ت672هـ).
تناول ابن الطفيل في أرجوزته أمراض الفم عند الصبيان فتحدث عن التهاب الفم؛ القلاع الفموي، وحذر من فضلة الغذاء وعدم تنظيف الفم، ونصح بالملح والشهد والتدليك وبعض الأعشاب كما تحدث عن سوء الهضم والقُولَنْج (مرضٌ مِعَوِيّ سببه التهاب القُولُون) وأمراض الكلية والمجاري البولية وأمراض المفاصل من مثل عرق النسا، والأمراض النسائية، والأمراض العصبية والنفسية وعلاج الصداع والكابوس والجذام والسموم وعضة الهوام والحيوانات (محمد، 1986م، ص 64، 76). وعن مجال تحليل أعراض الجهاز الهضمي يؤكد بنهار (2017م، ص 167) أن الأرجوزة في الطب لابن طفيل تتناول موضوعات طبية بطريقة كلية تحليلية ودقيقة تعتمد على نظرية الأمزجة. ولقد جانب ابن الطفيل الصواب في عدد من المسائل حسب المعطيات البيولوجية الحديثة. تحدث ابن طفيل عن المعدة، الكبد والمرارة، الأمعاء والقولون، وكذلك أعراض أخرى. الأرجوزة – رغم المآخذ العلمية – مبنية على الاستقراء العلمي والخبرة والتجارب المتصلة بذلك (ص 15).
تدل هذه الأرجوزة النادرة في جامعة القرويين على اقتدار وسبق وموسوعية فكر ابن طفيل ودوره في بث العلوم الطبية بلغة عربية بليغة. ابن طفيل رائد في مجال الشعر الطبي ومنظومته التعليمية الطويلة تحتوي على قواعد ارشادية تمس حياة كل الناس؛ الصغار والكبار والرجال والنساء وتمهد لهم طريقة صحية للعيش والتفكر.
الدراسات السابقة
دراسة عبدالأمير شمس الدين من الدراسات التربوية الطلائعية الموسعة التي توصلت إلى أن ابن طفيل التفت إلى الطبيعة الإنسانية مع التشديد على أنها خيّرة، وأن ابن طفيل من واضعي المذهب الطبيعي. ترك ابن طفيل “حي بن يقظان” في أحضان الطبيعة فكانت البيئة تعمل في تنشئته وتربيته. تشير هذه الدراسة إلى الأصل اليوناني لقصة ابن طفيل إلا أنه “أضفى على هذه القصة من شخصيته شكلا ومضمونا وأسلوبا وغرضا”. وعن الدوافع التي حركت ابن طفيل للمعرفة فهي الحاجات الجسدية (حفظ البقاء)، الفضول، العاطفة، التفكر والتأمل، ومصدر الخبرات البيئية، الطبيعة. هذه الحاجات حققت “لحي” ما عجز المجتمع عن تحقيقه له، كما وفرت له من الظروف المناسبة للنمو والترقي المعرفي والوظيفي، ما حقق له إنسانيته.
قدم إدريس العزام (1983م) دراسة عن البعد الاصلاحي في فلسفة ابن طفيل الاجتماعية هدفها توضيح معالم نظرية ابن طفيل في الإصلاح الاجتماعي. ولقد تبين أن حب الخير وتوجيه أفعال الأفراد نحو بلوغه، ووحدة العقيدة والالتزام بحدودها، هي الأسس التي يقوم عليها صلاح المجتمعات، في حين يؤدي الابتعاد عن هذه الأسس إلى فسادها. أما خصائص المجتمعات الفاسدة كما يراها هذا الفيلسوف فهي بلادة الطبع لدي أفرادها، ونقص الفطرة. وقد أناط ابن طفيل مسؤولية إصلاح المجتمع إلى النخبات المتميزة بقدراتها الفعلية الفائقة ومعارفها النقلية الصحيحة. أما عامة الناس فقد أعفاها هذا الفيلسوف من هذه المسؤولية لعدم أهليتها لذلك بالملكات والفطرة. اشترط ابن طفيل لتحقيق الإصلاح الاجتماعي تعاون النخبات فيما بينها، وتكامل أدوارها داخل المجتمع.
وفي دراسة وطفة (2012م) أن مذهب ابن طفيل يشكل” ينبوعا متدفقا للفكر الطبيعي في الفلسفة والتربية، ويعد بحق علامة التربية الطبيعية، وربان المذاهب الطبيعية المختلفة التي شهدتها أوروبا في القرن الثامن عشر على يد روسو في كتابه إميل. ويقر كثير من النقاد بأن روسو كان قد نهل من معين الفكر الطبيعي عند ابن طفيل وأنه قد قرأ بتمعن كبير قصة حي بن يقظان، واطلع على مضامينها واستفاد منها في تشكيل نظريته الطبيعية في التربية والسياسة. ففي كل منحى من مناحي فكر ابن طفيل تطالعنا الطبيعية بجمال تكوينها طاقة سامية خلاقة تمكن حي من الوصول إلى أقصى غايته وأنبل طموحاته الإنسانية بوصفه مفكرا أنسيا عاقلا وحكيما”. وتوصل الباحث إلى أن النزعة الطبيعة في التربية كانت منذ البدء عربية الهوية، إسلامية التكوين ولكن وطفه في خلاصته النقدية قرر أن “النقد الكبير الذي يمكن أن يوجه إلى هذه النظرية في المستوى التربوي أن النظريات والدراسات التربوية الحديثة تبين بالأدلة القاطعة أن الإنسان لا يصير إنسانا إلا بالتربية، والتربية هنا ليست هي التربية الطبيعية التي يريدها ابن طفيل بل هي التربية التي تتم في الحاضن الاجتماعي… ومهما يكن الأمر فإن ابن طفيل كان سباقا إلى القول بأهمية الطبيعة في التربية“. وقد توصل وطفة في أكثر من دراسة إلى أن المعاني التربوية لا تقل في أهميتها عن المعاني الفلسفية في قصة ابن يقظان فهي تتضمن فيضا ساحرا من المواقف التربوية، وتنطوي على نظرية تربوية متكاملة الأنساق في مستوى المنهج والطريقة والتطبيق.
وهدفت دراسة ستاري (sattari, 2016) التحليلية الاستنتاجية إلى تقصي فكر ابن طفيل الفلسفي في روايته “حي بن يقظان” وما يترتب عليها من آثار. أشارت النتائج إلى أن ابن طفيل أدمج عناصر الحكمة والوحي والتصوف معًا وقدم خطة متكاملة لتعليم الإنسان من الطفولة إلى الشيخوخة التي يتم فيها التوفيق بين الفلسفة والدين والتصوف. هدف التعليم هو معرفة الله والاقتراب منه. يتألف التعليم في قصة حي بن يقظان من ثلاثة جوانب للتربية وهي: الفردية والاجتماعية والدينية. يمكن استنتاج مبادئ القيم الفردية والمسؤولية ومسالك التنمية، وأهمية الربط بين المظهر والواقع في خطته التعليمية. بناءً على هذه المبادئ، استخدم ابن طفيل أساليب التدريب واستثمار الخبرة والتفكير.
أبرز بورشاشن (2016م) عدة أفكار مركزية عند ابن طفيل منها أن النقص في الإنسان من مصادر الشرور ومن هنا فإن حي بن يقظان يعمل على تطهير نفسه من شوائب النقص كي تصبح حرة آمنة. ومن الأفكار الواردة أهمية الإحساس، والانتقال إلى التجربة ثم إلى الإستقراء ثم إلى الحدس ثم إلى الإشراق. ووجد الباحث أن في نظرية ابن طفيل التربوية جرأة كبيرة، وهي الجرأة التي انفصل بها أيضا عن الفكر الصوفي، وهي أن المريد لا ينبغي أن يظل طول حياته تحت سلطة معلمه، بل إن المعلم لا سبيل له على المريد إلا أن يريه الطريق ويدله عليه، ثم يتركه يكتسب حريته الذاتية واستقلاليته الخاصة به. ولعل روسو وجد في هذا المعطى بذرة كتابه “إميل”. فالمعرفة هنا تحرر الذات من التسلط لتصل بالمريد إلى غايتها من الكمال العلمي والكمال الميتافيزيقي. وأكد الباحث أن ابن طفيل كان عاشقا لابن سينا، محبا للغزالي، متعلما من كتب ابن باجة. وكانت لابن طفيل نظرة نقديه لتاريخ الفلسفة لم تحل دونه انتقاد الغزالي على الرغم من قربه منه. وانتقد الفارابي (260-339 هـ)، على الرغم من تقديره له، وانتقد معاصره ابن باجة على الرغم من إشادته الكبرى به. وكأن ابن طفيل في هذا كله يردد مع أرسطو قوله: أفلاطون صديقي لكن الحق أحب إلي. واستنتج الباحث أن ابن طفيل ظل عقلانيا حتى في أعمق لحظاته اللاّعقلانية، فقد تم توسيع العقل عنده، بحيث أصبح عقلا منفتحا يتجاوز الحدود الأرسطية للعقل، لكنه لا يلغيه.
المبحث الأول: الجانب الإيماني
من أبرز لبنات الإسلام الإيمان بالله سبحانه، والاهتداء بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ظاهرا وباطنا، وهذا نجده جليا ومتكررا -صراحة وأحيانا إشارة- في تضاعيف قصة حي بن يقظان. الفكرة المحورية في قصة ابن طفيل الرمزية أن جذر الدين إنما هو التعرف إلى وجود الخالق عبر اعمال العقل لنشاهد ألطافه سبحانه، ودقة صنعته، وجميل رحمته ولا يتم ذلك إلا بنور المعاني الروحانية. تأتي الشرائع بعد ترسيخ العقائد، والعقائد يتم اعدادها على أسس التربية الأخلاقية التي تجعل الفضائل التي فطرنا الله عليها تسيطر على زمام النفس وتصبغ حياتنا قدر الإمكان. قال تعالى “فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ” (سورة الروم، 30). وصف ابن طفيل أُنس ابن يقظان بمناجاة الله بكلمات بديعة: “يعبد الله – عز وجل – ويعظمه ويقدسه ويفكر في أسمائه الحسنى وصفاته العليا فلا ينقطع خاطره ولا تتكدر فكرته… وأقام على تلك الحال مدة وهو في أتم غبطة، وأعظم أُنس بمناجاة ربه”. من المهم أن ندرك أن تلبية الحاجة الإيمانية باعتدال لا تأخذ بالإنسان نحو عالم المغالاة بالروحانيات، واهمال متطلبات العمران وإلا أصبح التدين هروبا من الواقع، وهذه معادلة تربوية توازنية ليست سهلة التطبيق في الممارسة.
يُعد الجانب الإيماني ركيزة تكوين شخصية المسلم، لما للإيمان من أثر واضح على النمو النفسي والأخلاقي والاجتماعي والعقلي والإنفعالي. وقد أودع الله في الطبيعة الإنسانية نزعة التدين فالإنسان مفطور على التساؤلات عن الخالق والحياة والموت والبعث. الإيمان بدين معين ليس مغروزا في الطبيعة الإنسانية وإلا لما أمكن تحويله إلى أي دين. ومعنى فطرية التدين هو قابلية البحث عن الخالق وهذا يعبر عن حاجة أساسية من حاجات الإنسان لا تتم سعادة بدون تحقيقها (الغامدي، 1418ه، ص 213- 215). يدفعنا الذكاء الطبيعي إلى دراسة مكونات الطبيعة من حيوانات، ونباتات، وصخور، ومعادن، وما يرتبط بالطبيعة، وهو مهم في التمييز بين الأشياء الحية وغير الحية. والذكاء الوجودي يقودنا نحو التفكر بوجود نزعات التفلسف الكونية، وممارسة الطقوس والعقائد والرياضات الروحية والصوفية، وإنتاج النظريات الفلسفية (حمداوي، 2017م، 1/52).
أراد ابن طفيل أن يبيّن أنّه في وسع الإنسان أن يرتقي بنفسه وبفطرته السليمة من المحسوس إلى المعقول إلى الله بحيث يستطيع الوصول إلى معرفة العالم ومعرفة الخالق، إلا أنّ هذا الإنسان سواءً كان فيلسوفاً أو مفكّراً أو عالماً أو صوفيًا وإن وصل إلى معرفة الحقائق العليا حول الإنسان والكون والخالق سبحانه، فإنّه لا يُحْسِنُ إبلاغ هذه الحقائق إلى عامّة الناس، فالسبيل الوحيد والمناسب للجماهير لإيصال الحقائق الكونيّة للخليقة هو الالتزام بالشرع؛ الوحي الإلهي عن طريق الرسل. عرف حي بن يقظان بفطرته الفائقة وملاحظاته الفاحصة ذاته ثم الطريق إلى الله سبحانه، وعرف العالم من حوله فنال السعادة المتّصلة الغامرة التي لا ينالها إلا العارفون بالله والعالمون بحقائق الكون الفسيح (حسين، ص 14). وفي ضوء ما سبق، فإن السعادة عند الفلاسفة تتمثل في تكوين العقل المفكر الذي يستطيع أن يخطط ويتخيل، ويحلل، ويكتشف ويخترع، إذن فسعادة الإنسان تكمن في هذا العقل، وليست في الاستمتاع بالملذات … السعادة في حسن استخدام هذا العقل في التعامل مع الحياة للوصول لله (الشقيري، 2020، ص 72). يستوعب الجميع قطعيات الدين أما الغوص الفلسفي في المعاني الباطنة فقد يناسب بعض الأفهام فالناس في تحصيل العلم واستيعابه طبقات.
بدأ ابن طفيل كتاب حي بن يقظان بالحمد والثناء على الله، وهذا الاحتفاء والثناء هو تذكير للنفس بالنعم التي تحوط بنا، وتفيض علينا كما ختم كتابه على هذا النهج الإيماني المتناغم. استهلت رسالة ابن طفيل بأسماء الله الحسنى فجاءت الافتتاحية على النحو التالي “بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله العظيم الأعظم، القديم الأقدم، العليم الأعلم، الحكيم الأحكم، الرحيم الأرحم، الكريم الأكرم، الحليم الأحلم…”. بدأ ابن طفيل كتابه بالأسماء الحسنى والصفات العليا، واستمر من حين لآخر يجلي معانيها. تسهم الأسماء الحسنى في صياغة الشخصية المسلمة بشكل فعال وعميق (ملك، الكندري، 2009م)، وتمهد لطريق المتانة الذهنية، والسلامة الروحية والبناء النفسي مما يحقق نجاح الدنيا وفلاح الآخرة. إن أسماء الله الحسنى ذات مضامين مضيئة يمكننا توظيفها في تزكية النفوس لتدفعها نحو العمل النافع من جانب، وتعينها على مواجهة المصاعب من جانب آخر.
وحول دواعي تأليف الرسالة أشار ابن طفيل: “سألت أيها الكريم الأخ الصفي الحميم، منحك الله البقاء الأبدي، وأسعدك السعدَ السرمديَّ، أن أبثَّ إليك ما أمكنني بثه من أسرار الحكمة المشرقية، التي ذكرها الشيخ الإمام الرئيس أبو علي بن سينا. فاعلم أن من أراد الحق الذي لا جمجمة [خفاء] فيه فعليه بطلبها والجد في اقتنائها. لقد حرك مني سؤالك خاطرًا شريفًا، أفضى بي والحمد لله إلى مشاهدة حال لم أشهدها قبل”. ويضيف في مقدمته “وانتهى بي هذا السؤال إلى مبلغ من الغربة بحيث لا يصفه إنسان. ولا يقوم له بيان، غير أن تلك الحال لما لها من البهجة والسرور واللذة والحبور، لا يستطيع من وصل إليها، وانتهى إلى حد من حدودها أن يكتم أمرها أو يخفي سرها، بل يعتريه من الطرب والنشاط والمرح والانبساط ما يحمله على البوح بها مجملة دون تفصيل، وإن كان ممن لم تحذقه [تُحنكه وتصقله] العلوم قال فيها بغير تحصيل”. وفي موطن آخر يعبر ابن طفيل عن حالة العارف في كشفه حيث يشاهد “ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر”. وهذه المرحلة الروحية نجدها عند النصارى في الكتاب المقدس (1988م، ص 244): “الذي ما رَأَتْهُ عَينٌ، ولا سَمِعَتْ بِه أذُنٌ، ولا خطَرَ على قَلبِ، بَشَرٍ أعَدّهُ اللهُ لِلذينَ يُحبّونَهُ”، (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس؛ 2/9، غونتر، 2015م، ص 169). قال ابن طفيل “فلا تعلِّق قلبك بوصف أمر لم يخطر على قلب بشر، فإن كثيرًا من الأمور التي قد تخطر على قلوب البشر يتعذر وصفها فكيف بأمر لا سبيل إلى خطوره على القلب ولا هو من عالمه ولا من طوره؟! … ومن رام التعبير عن تلك الحال فقد رام مستحيلًا، وهو بمنزلة من يريد أن يذوق الألوان المصبوغة من حيث هي الألوان ويطلب أن يكون السواد مثلًا حلوًا أو حامضًا.”
ومن المعروف في الأدبيات الصوفية أن مشاعر العارفين جواهر مكنونة لا يذكرونها لعامة الناس فمن الصعب وصفها والتعبير عنها خاصة لممن لم “تحذقه العلوم” كما أشار إلى ذلك ابن طفيل في أكثر من مقام أو على حد تعبير النفري في كتابه المواقف والمخاطبات “كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة” (ص 14). وينقل لنا ابن طفيل في هذا السياق تجربة أحد المحنكين؛ “وأما الشيخ أبو حامد الغزالي رحمه الله فقال متمثلًا عند وصوله إلى هذه الحال:
فكان ما كان مما لست أذكره … فظن خيرًا ولا تسأل عن الخبر”
مرحلة العارف عند ابن طفيل تقوم على التذوق والكشف والمشاهدة (محمود، 2000م، ص 26)، واستكمال لوازم الولاية والصفاء والصلاح. العقل الذي طلب الإسلام من الإنسان استخدامه الغرض منه التوصل إلى معرفة الله من تأمل صنعته، كما فعل حي بن يقظان في قصة ابن طفيل (الميداني، 1992م، ص 286)، فهي قصة تربية وتثقيف؛ تؤكد سلطة العقل البشري، وأن الله هو المعلم الأسمى وهو المربي الأعلى (غونتر، 2015م، ص 194)، أو كما قال أحمد شوقي:
سُــبْــحَــانَــكَ اللَّــهُــمَّ خَــيْــرَ مُــعَـلِّـــــــــــــــــــمٍ عَــلَّــمْــتَ بِــالْــقَــلَـمِ الْـقُـرُونَ الْأُولَـى
أَخْـرَجْـتَ هَـذَا الْـعَـقْـلَ مِـنْ ظُـلُـمَـاتِـهِ وَهَــدَيْــتَــهُ الــنُّـورَ الْـمُـبِـيـنَ سَـبِـيـــــــلَا
ترشد الفلسفة التربوية الروحية من خلال القصص وغيرها إلى أهمية نشر نتاج الخبرات وغيرها لأنها “تفتح أبوابها أمام شتَّى ألوان التجارِب البشرية، من شعر وفن وتأمُّل، وترى في هذه التجارِب كلها محاولات على مستويات مختلفة لفهم الإنسان وعالمه، محاولات لها دلالتها ومعناها؛ لأن عالم المعنى والدلالة في الإنسان أوسعُ وأرحب من أن تستوعبه اللغة العلمية وحدَها” (زكريا، 2019م، ص 401). إن لطلب العلم وللعبادة والتأمل لذة، عبر عنها إبراهيم بن أدهم بقوله: “لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السرور والنعيم إذًا لجالدونا عليه بالسيوف”، وهو ما حاول ابن طفيل التعبير عنه والوصول إليه.
يطلق ابن طفيل على الله اسم الموجود الواجب الوجود، والعلة والفاعل المختار مكررا أقوال أرسطو والفارابي، وابن سينا. ويعرف الإنسان الله بطرق ثلاث: النظر العقلي، والمشاهدة، والايمان الديني (بوملحم، 2008م، ص 17، 18). الله سبحانه بعبارة ابن طفيل “متصف بأوصاف الكمال كلها ومنزه عن صفات النقص وبريء منها”. وفي نهاية قصته يختم ابن طفيل القصة: “أسأل الله التجاوز والعفو، وأن يوردنا من المعرفة به الصفو، إنه منعم كريم. والسلام عليك أيها الأخ المفترض إسعافه ورحمة الله وبركاته.” وهكذا حرص ابن طفيل في بداية ونهاية قصته الفلسفية الصوفية على أن يستشعر معية الله التي في طياتها السعادة السرمدية، وهي ثمرة التأمل والعبادة واتباع الشرع. أُعِدَّ الإنسان لأمر عظيم لأنه خُلق لغاية كبيرة شريفة فيها سعادته. ولأن الله عز وجل من صفاته العلم والحكمة والرحمة والإحسان فعلى الإنسان أن يتحلى بهذه الصفات وبما يليق بالعبد التخلق به (الكرم والرحمة والعلم والحلم الإحسان…) وعلى قدر طاقته؛ “يجب عليه أن يسعى في تحصيل صفاته لنفسه من أي وجه أمكن، وأن يتخلق بأخلاقه ويقتدي بأفعاله ويجدَّ في تنفيذ إرادته ويسلم الأمر له ويرضى بجميع حكمه رضًا من قلبه ظاهرًا وباطنًا بحيث يسر به”، وهكذا يحقق العبد السعادة بتطبيق مكارم الأخلاق كما يقول ابن طفيل.
تبدو العاطفة واضحة متميزة في قصة “حي بن يقظان” وكانت مدخلا إلى تكثيف الملاحظة العلمية. تُظهر القصة لنا “حـزن وجـزع “حـي” في مواضـع، و أنسـه في مواضـع، ثم تبـدو عاطفـة الشـفقة علـى المخلوقـات حولـه في موضـع آخـر، أمـا عاطفـة شـعوره بالـذات الإلهيـة وشـوقه لرؤيته فكانت العاطفة الأبرز” (صوالحة والنسور، 1011م، ص 1044م). ومن موت الظبية وصدمة ابن يقظان نستنتج أن “العاطفة باعث قوي على التفكير والتجربة” (محمود، 2000م، ص 114)، والتأملات الإيمانية. “يبدأ التحصيل بمشاهدة الوقائع لذاتها لا لدلالاتها، ثم يُنظَر إلى كل واقعة من حيث هي مَثلٌ لقانون عِلمي يَطْويها مع أشباهها في مجموعة واحدة، وأخيرًا يُلحَق هذا القانون مع قوانينَ أخرى تتصل به بمبدأ يَحتويها جميعًا، كأنها أفرادُ أسرة واحدة” (محمود، 2020م، الفصل الأول). قام ابن طفيل بترصيع القصة بالآيات الكريمة والأحاديث النبوية ثم أردف ذلك بالاستبصارات الفلسفية والاشارات الصوفية لتقرير صدق وجمال الإيمان المصحوب بالبرهان.
في عالمنا اليوم الإيمان دعامة للأمن النفسي ووسيلة لحماية الإنسان من الاكتئاب الشديد، ومن مخاطر الحياة المدنية التي أفرزت الكثير من العلل النفسية. ولهذا فإن بث القصة الدينية الموفقة من مظاهر التربية الدينية الفاعلة لهداية الحيارى، وتثبيت العارفين. يعتقد البعض أن “الحضارة الحديثة تربط الإنسان بالأرض وتقطعه عن السماء، وتعلق قلبه بمآرب الدنيا، وتذهله عن مطالب الآخرة، وتعمل على سوق البشر بعيدا عن الله” (الغزالي، الجانب العاطفي في الإسلام، ص 1). أكد وليم جيمس: “إن الإيمان بالله هو الذي يجعل للحياة قيمة، وهو الذي يمكننا من أن نستخرج من الحياة كل ما فيها من اللذات والسعادة” (يالجن، 2003م، ص 68). من ثمار التدين الناضج – في جميع الأديان- ترسيخ الشخصية المؤمنة؛ التي تكون فيها العواطف الروحية هي المركز الاعتيادي للطاقة الشخصية. ومن خصائص هذه الشخصية الشعور بالوجود في حياة اكثر اتساعا من الحياة المادية الضيقة. قد يكون الإحساس بتوسع الحياة ووجود قوة عليا سببا في تخطي المثبطات وتنفتح آفاق جديدة من الصبر والثبات. الطاقة الايمانية تعين في جلب الاتزان والرضا والثبات والصبر والسكينة (جيمس، 2020م، ص 319-331).
يبحث الناس عن “الراحة النفسية في حياتنا اليومية، فالتجربة الدينية تُقدِّم لكثيرين هذا الأمر” (باسترناك، 2017م). ثمة ظمأ انطولوجي بسبب غياب التربية الروحية في مناهجنا الدراسية ولهذا يطالب البعض بمناهج دراسية تستثمر الموروث الروحي والأخلاقي والجمالي للدين والتراث والفلسفات الإنسانية الحديثة (الرفاعي، 2018م، ص 60).
الذي نلحظه في طفولة ابن يقظان أن الفضائل الأخلاقية والتنعم بالنظر للمخلوقات سبقت معرفة الأوامر الدينية. وعليه ينشأ الدين وينبثق ينبوع الإيمان في قلب الطفل عبر اعتياد الأخلاق الفاضلة أولا لا عبر وسائل الترهيب والتخويف. يرى كانْط (1724-1804م) أن الدين هو الشعور بواجباتنا الأساسية من حيث كونها قائمة على أوامر إلهية. “ولكي يتعرف الطفل على المفاهيم الدينية لا بد من التحدث عن نظام الطبيعة وجمالها، ثم عن خلق العالم. وحينما تتوفر المقدمات الضرورية، يمكن حينئذ التحدث إليه عن مفهوم الله” وطاعته. الدين قانون في باطننا يؤكد على وجود تشريع والضمير هو القانون الباطني ويعبّر تأنيب الضمير عن حضور الله في قلوبنا. وهكذا تكون تربية الطفل الدينية على قاعدة القانون الفطري الموجود في قلبه أولا (ماهروزادة، 2001م، ص 271-273). ومهما يكن من أمر، فوسائل التربية متعددة، والتربية القرآنية تجعل من الترغيب والترهيب، والخوف والرجاء، والثواب والعقاب بوابات لعالم أوسع يغمره الحب والضمير الحي.
المبحث الثاني: الانفتاح على العلوم
اتصال ابن طفيل بالعلوم أفسح له المجال لرؤية بعض الحقائق العلمية التي لم يؤمن بها كثير من العلماء والعامة لعدة قرون مثل كروية الأرض. هذه الانفتاحية المنهجية على شتى نواتج العلوم العقلية والنقلية في ذلك العصر غذت فكر ابن طفيل فأخذ يتبنى الآراء الجديدة فقال “وقد ثبت في علوم التعاليم بالبراهين القطعية أن الشمس كُروية الشكل وأن الأرض كذلك”. ولا شك أن الجملة السابقة موفقة لأنها تعتمد على منطق العلم فلا يمكن أخذ الحقائق إلا بتحري البراهين القطعية. وعلوم التعاليم المشار إليها: “هي العدد والهندسة وعلم المناظر وعلم النجوم التعليمي وعلم الموسيقى وعلم الأثقال وعلم الحيل” (الجابلي، 2021م، بوملحم، 2008م، ص 17، 18)، أي العلوم المرتبطة بالملاحظة والتجربة والاختبار والبرهان. مدح ابن طفيل أَبْسال لأنه أتقن عدة لغات “تعلم أكثر الألسن ومهر فيها”. وعليه فالانفتاح على العلوم وفق منهجية علمية تجريبية طورت فكر ابن طفيل.
منذ سن السابعة ومنذ موت الظبية عرف ابن يقظان التجربة العلمية من خلال ممارسة تشريح الظبية واستخلص من تجاربه نظرية تعينه في معرفة أسباب وفاتها. وهكذا كشف ابن طفيل عن طريقته في البحث العلمي والتي تقوم أساسا على مبادئ الملاحظة والتجريب والاستفادة من علم الهيئة (الفلك)، وقدم “خطوة راسخة على درب العلم التجريبي والملاحظة المنظمة والتجريب المختبري الصحيح” (صالح، 1980م، ص 64-70).
ولقد كان ابن طفيل ملما بعلم الطب متقنا لدقائق علم التشريح واتخذ هذا العلم لفهم عظمة الخالق وجميل لطفه. ومن المناسب في هذا السياق العلمي التأكيد على أن علماء الأندلس ساهموا في دعم العلم التجريبي فالطبيب ابن زُهر: أبو مروان عبد الملك بن أبي العلاء (464 ـ 557 هـ/1072 ـ 1162 م) “اتخذ سبيل التجربة نهجاً وقانوناً يسير على هديه، وهو القائل إن التجربة تثبت الحقائق وتذهب البواطل، كما قال: إن التجربـة إمّا أن تصدّق قولي حيّاً كنت أو ميتـاً وإما أن تكذبـه” (العابد، 10/452). ونجد ابن رشد (520-595 هـ/ 1126-1198م) يؤكد على أنه “من اشتغلَ بعلمِ التَّشريح ازدادَ إيماناً بالله تعالى”. تدل قصة حي بن يقظان على شغف ابن طفيل وعلماء زمانه في وصف علم التشريح، والفلك، والجغرافيا، والتاريخ، والفلسفة، والشريعة والأدب وبيان تداخلها وترابطها.
خاطر ابن طفيل بنفسه عندما تعمق في الفلسفة في بيئة كانت الجماهير تكره الفلسفة وأحرقت فعلا كتب ابن رشد. إن حرص ابن طفيل على حفظ الإرث الفلسفي هو الذي جنح به نحو تعظيم شأن العلوم عامة، ولو كره العامة ذلك. يقول ابن المقري واصفا الرأي العام تجاه الفلسفة في بلاد الأندلس “وكل العلوم لها عندهم حظ واعتناء إلا الفلسفة والتنجيم فإن لهما حظّاً عظيماً عند خواصهم، ولا يتظاهر بهما خوف العامة فإنّه كلّما قيل فلان يقرأ الفلسفة أو يشتغل بالتنجيم أطلقت عليه العامة اسم زنديق وقيدت عليه أنفاسه فإن زلّ في شبهة رجموه بالحجارة أو حرقوه قبل أن يصل أمره للسلطان أو يقتله السلطان تقرباً لقلوب العامة وكثيراً ما يأمر ملوكهم بإحراق كتب هذا الشأن” (1/220).
وجد ابن طفيل أن فهم جوهر الدين “باطنه” مقصد عزيز لا يناله العامة بسبب “نقص الفطرة والإعراض عن أمر الله”، ولهذا لم يستجب لضغط المجتمع، وقاومه بإبداع قصة فلسفية. عندما يتقوقع الوعي المجتمعي على فهم الدين فهما قاصرا، وينساق مع عاداته البالية فإنه ينتكس ويصطدم بسنن التطور ويتخلف عن اللحاق بتعلم العلوم العصرية. النقاشات السطحية تستهوي عامة الناس، والموضوعية في الطرح قد تستفز نفوسهم، والخوف من الخوض في نقد واقعهم وتحري الصواب والايمان بالحرية العلمية من الأمور الثقيلة المحرمة في وعي الجماهير. إضافة لما سبق فإن التقليد قيّد الجماهير وحرمهم من السعي نحو التغيير، وحجبهم من تقبل نواتج العلم كلما أثمر بالجديد.
“من الخطل أن نظن العلم المحمود هو دراسة الفقه والتفسير وما شابه ذلك من الفنون فحسب، وأما ما وراءها فهو نافلة يؤديها من شاء تطوعا أو يتركها وليس عليه من حرج ..!! هذا خطأ كبير، فإن علوم الكون والحياة، ونتائج البحث المتواصل في ملكوت السماء والأرض لا تقل خطرا عن علوم الدين المحضة، بل قد يرتبط بها من النتائج ما يجعل معرفتها أولى بالتقديم من الاستبحار في علوم الشريعة. وحسبنا أن القرآن الكريم عندما نوه بفضل العلم وجلال العلماء إنما عنى العلماء الذين يعرفون عظمة الخالق من عظمة الخلق، وإنما عنى العلم الذى ينشأ من النظر في النبات والحيوان وشئون الطبيعة الأخرى” (الغزالي، خلق المسلم، ص 202). هذه المفاهيم المعرفية التأسيسية نحتاج إلى تجليتها في كل عصر نعيش فيه، ومن هنا شيد ابن طفيل صروحها في قصة رمزية تقدّر وتؤكد أن العلوم الدينية والدنيوية وسائل ضرورية لاستكشاف عظمة الله سبحانه.
المبحث الثالث: مراحل النمو والبحث عن المعرفة
قصة ابن طفيل قصة رمزية ذات مَغْزًى يُمثِّل الحيوان (الظبية) شخصيّة رئيسيّة في النصف الأول من القصّة ولكن بصفات إنسانيّة إذ تلعب دور الأم في رعاية وارضاع الطفل (حي بن يقظان) في جزيرة خالية من البشر. يمر ابن طفيل في عدة مراحل فكرية – خلال خمسين سنة تقريبا – ووفق سبع مراحل تهتم بدراسة المعرفة وطبيعتها، وطرق الحصول عليها عبر الملاحظة وتفعيل الحواس وتطهير النفس وصولا لتوحيد الله. تضمنت القصة بكل أحداثها وأزمنتها وأماكنها وحبكاتها وحواراتها ومفارقاتها مجموعة قيم أخلاقية ومعرفية ونفسحركية تعكس رؤى تعليمية تمهد للنمو العاطفي والحركي والمعرفي.
وفي هذا السياق، تقدم لنا هذه القصة بجميع محطاتها نماذج مشرقة للنمو المعرفي فهو نتيجة لتفاعل الفرد مع البيئة فترتقي مهاراته الذاتية في الاستماع والتيقظ والانتباه، والتذكر والملاحظة، والتصنيف والإدراك، والتمييز، والاستقراء، والاستنباط. ومن المؤكد أن الإنسان يمر بمراحل مختلفة كما أشار علماء النفس من مثل فرويد وبياجيه وأريكسون وغيرهم إلا أنه لا يُجمع كل المربين على تحديد تفاصيل هذه المراحل (كولينز، جون – أبراين، 2008م، ص 115) فبينها تداخل كبير. وبما أن رواية ابن طفيل رواية فلسفية دينية فإن التركيز الأكبر كان على النمو المعرفي (صادق، أبو حطب، ص 64). فيما يلي مراحل ابن طفيل للنمو الإنساني:
الأولى: من الميلاد إلى 7 سنوات
بدأت الظبية برضاعة الطفل حولين كاملين، و”أثغر” ظهرت أسنانه، وتدرج في المشي. بدأ “حي” بتقليد ومحاكاة أصوات الحيوانات والطيور وخاصة الظباء حتى ألفها وألفته. في هذه الفترة عرف حي معنى الخوف والحزن ودفء الأمومة والعاطفة.
المرحلة الثانية:من 7 – 14 سنة
في هذه المرحلة تعرف الطفل على تنوع الحيوانات والطيور والنباتات. كما تعرف على اختلاف جسده عن باقي الحيوانات فبدأ في ستر عورته بجلود الحيوانات وريش الطيور. ومن خلال الملاحظة والتجربة والتفكر بدأ حي في اكتشاف بعض الأدوات والأشياء الطبيعية التي تخدمه في التكيف والعيش فتعرف على النار واستخدمها لعدة أغراض. كما عرف كيف يبني له مسكن ومأوى من مواد الطبيعة.
المرحلة الثالثة: من 14 إلى 21 سنة
ولأن هناك تداخل بين المرحلة الثانية والثالثة (غونتر، 2015م، ص 177) نجد في هذا الطور حي يشهد موت الظبية فيحزن حزنا شديدا مما جعله يبحث عن السبب فبدأ بتشريحها. ومن خلال عملية التتشريح عرف أن موت الظبية هو توقف القلب. كما أنه توصل إلى معرفة الحواس الخمس. وفي هذه الفترة رآى غرابان يقتتلان حتى صرع أحدهما الآخر فأخذ بحفر حفرة في التراب ليواري ذلك الميت. تعلم حي من ذلك الغراب فقام بدفن جثة الظبية وقام بتشريح الحيوانات حتى اكتشف الروح الحيواني “البخار الحار” في الجسم وأصبح يمارس التشريح على نحو أوسع.
المرحلة الرابعة: من 21 – 28
بدأ حي بزيادة التفكر والنظر في اختلاف الحيوان والنبات والأجسام في الطبيعة. اكتشف حي أن الحيوان والنبات يتفقان في عاملين؛ النمو والحركة، إلا أن الحيوان يزيد على النبات بفضل الحس والإدراك والتحرك. وتوصل إلى أن الجمادات لها مميزاتها وخاصيتها في الثقل والخفة وغيرها.
الخامسة : 28- 35
انتقل حي من البحث في الأرض إلى النظر في السماء. فبحث في علم الأفلاك والنجوم والكواكب. تعرف على فكرة كروية الشمس والقمر والأرض. “فعلم أن السماء وما فيها من الكواكب أجسام؛ لأنها ممتدة في الأقطار الثلاثة: الطول والعرض والعمق، لا ينفك شيء منها عن هذه الصفة”. لا يزال حي في مرحلة الاكتشاف عن أسباب تكوين الأجرام السماوية. ووصل إلى استشعار عظمة الخالق من خلال إعمال العقل. علم أن الله سبحانه خالق لكل هذه الموجودات وأن العالم كله معلول ومخلوق لهذا الخالق.
المرحلة السادسة: 35 – 42
اهتدى ابن يقظان إلى الكثير من علم الشريعة بفطرته. وبدأ في التعمق في التجربة الفلسفية الصوفية. انشغل حي في تجربته في معرفة الخالق للوصول إلى السعادة الأبدية، ومر خلال ذلك بتجربة المشاهدة والمكاشفة والمشاعر الصوفية العرفانية. وفي هذه المرحلة أيقن أن الخالق ليس كمثله شيء.
السابعة: 42 – 50
تعرف حي على أَبْسال وتعلم منه اللغة وجميع ما ورد في الشريعة بطريقة تعليمية جيدة. كما تعلم من أبسال وصف العالم الإلهي والجنة والنار والبعث والنشور. رافق حي أَبْسال إلى قومه لتعليمهم جوهر الدين. وتعرف هناك على سلامان الذي يفهم النص الديني بظاهره. أما أبسال فكان يأخذ مذهب التأويل ويغوص في باطن المعاني. وافق حي أَبْسال في تفسيره للدين. حاول أَبْسال وحي تعليم الناس في الجزيرة باطن الدين ولكن وبعد جهد جهيد لم يوفقا في الاندماج مع أهالي الجزيرة وباءت جهودهما بالفشل الذريع، وسئما تكاليف الحياة. انفصل حي وأبسال عن سلامان وجماعته وتلطفا في العودة إلى جزيرتهما ليعبدا الله تعالى معا حتى آتاهما اليقين.
المبحث الرابع: النظرية المعرفية ومصطلحاتها
تحاول فلسفة التربية في فضاء المعاني أن تقدم رؤى متنوعة عن الطبيعة الإنسانية Human Nature)) من حيث طبيعتها وميلها للخير والشر وقدرتها على التعلم وبيان دور الوراثة والبيئة في شخصياتنا، وتتبع محركات السلوك الإنساني وكيفية تغيير السلوك. تنطوي النظريات التربوية في عمومها على تصورات شتى لمعرفة الواقع وتكوين المعرفة، وهذا بدوره يستلزم استغلال قنوات المعرفة؛ الحواس والحدس واكتساب العلم عبر التجربة وغيرها. بدأ ابن يقظان في بداية أمره بالاحتذاء والاقتداء والمحاكاة للظبية فقلد أصوات الحيوانات وصولا إلى محاكاة الطبيعة من حوله وأخذ يتطور معرفيا من خلال عالم الملاحظة والتجريب وتبنى الفضائل وصولا إلى المكاشفة والرؤية في نهاية المطاف.
وفي ضوء ما سبق تتلخص نظرية المعرفة عند ابن طفيل في أنه قدّم “نسقا كاملا لنظرية المعرفة، تتم عبر مراحل زمنية متدرجة ومراحل معرفية متتالية، تبدأ من الخبرة الحسية لترتفع إلى التجربة والممارسة العملية، ثم الاستدلال العقلي النظري، لتنتهي إلى أعلى درجة من درجات المعرفة ألا وهي المعرفة الوجدانية القائمة على الذوق والحس” (أبو زيد، 2004م، ص 561). ومن جهة أخرى اعتبر ابن طفيل “أن الغايه التي تبشر بها الأديان واحده وأنه لا مبرر ولا معنى لانقسام الناس واختلافهم حول حقائقها المتقاربه وأن التشابه كبير بين النقل [الرواية] والعقل [الدراية] وبين الوحي والنظر وهو ما يخدم في النهايه مبدأ إخاء الأديان وكرامه الإنسان” (حبش، 2021م، ص ٩٨). وهكذا جاءت الرواية الخالدة “حي بن يقظان” لتثقيف القارئ وأنسنته للرقي بعقله وتهذيب نفسه وبناء معارفه في امتدادات ومراحل واسعة.
تمثل قصة ابن طفيل في بعض تفاصيلها المنهج العلمي العملي للكشف عن الحقائق وتثبيت المذهب العقلاني التجريبي (رضا، 1997م، ص 53، 55، حنفي، 2014م، ص 3). ولأن التربية الإسلامية معنية بتقديم رؤية للكون (مدخل أنطولوجي) تأتي قصة ابن طفيل عن ذلك الطفل الذي “نشأ في جزيرة منذ طفولته الأولى وأخذ ابن طفيل يتدرج معه في تطوره الجسمي إلى أن اكتمل جسميا، وأخذ يتدرج معه في تطوره العقلي من فكرة إلى فكرة، ومن مبدأ إلى مبدأ حتى وصل الفتى إلى إثبات وجود الله بطريق العقل المحض. وكانت آمال وأماني فلاسفة الإسلام الوصول -عن طريق المحاولات العقلية المستمرة- إلى التوفيق بين الدين (النقل) والفلسفة (العقل)” (مرسي، 2005م، ص 102، 103، بتصرف، بدوي، 2019م، 1/75).
وبهذا الصنيع القصصي الجدلي قدم ابن طفيل رؤية أدبية مثالية ستلقي لاحقا بظلالها على الأدب العالمي كما أنتج تصورا فلسفيا وصوفيا للكون وهي رؤية تغمرها النشوة عبر الكلمات والأفكار. الحقيقة في هذه الحكاية يستحقها وينالها فقط الإنسان المستنير وهي ليست متاحة للجماهير غير العقلانية. هذه الرؤية في بعض قسماتها شاطر فيها ابن طفيل كل من ابن باجة وابن رشد وبعض الفلاسفة اليهود من مثل موسى بن ميمون وانتشرت آثارها في القرون الوسطى في أوربا.
ومن جهة أخرى قدم ابن طفيل مجموعة مصطلحات مفاهيمية لضبط المعاني مرتبطة بالوعي الإنساني وهي مبثوثة في أدبه وفق سياقات متنوعة. ومن أمثلة ذلك كلمة التربية والتخيل والحيوان والروح والعارف والقلب مع التركيز على أنه استخدم كلمة التربية بالمعنى الذي نتداوله مما أثرى المعاجم الفكرية المعاصرة. التربية والتعليم أساسهما التدرج، ومواصلة التمرين “التكرار”. عندما علم أَبْسال حي بن يقظان اللغة كانت تربيته مبنية على التدرج؛ “ودرَّجه قليلًا قليلًا”؛ شيئا فشيئا. انصب اهتمام ابن طفيل على مفهوم التربية في عمومه وشموله، واعتبر التعليم أداة فذة لتنفيذ مرامي التربية.
عندما نستعرض كتاب المعجم الفلسفي نجد تعريف مصطلح “تربية” وأنه في قصة حي بن يقظان اشارة إلى التربية الطبيعية ووردت كلمة التربية بسياقات متنوعة (صليبا، 1994م، 1/267). وعن مصطلح التخيل يقول ابن طفيل “التخيل ليس شيئًا إلا إحضار صور المحسوسات بعد غيبتها …”. ويذكر ابن طفيل مجموعة مصطلحات أخرى من مثل “الحيوان يزيد على النبات بفضل الحس والإدراك والتحرك.” “الروح الذي هو من أمر الله تعالى فياض أبدًا على جميع الموجودات، فمنها ما لا يظهر أثره فيه لعدم الاستعداد، وهي الجمادات التي لا حياة لها وهذه بمنزلة الهواء في المثال المتقدم، ومنها ما يظهر أثره فيه وهي أنواع النبات بحسب استعداداتها، وهذه بمنزلة الأجسام الكثيفة في المثال المتقدم، ومنها ما يظهر أثره فيه ظهورًا كثيرًا، وهي أنواع الحيوان”. وورد عن العارف؛ “أمر رباني إلهي لا يستحيل ولا يلحقه الفساد ولا يوصف بشيء مما توصف به الأجسام، ولا يُدرك بشيء من الحواس ولا يُتخيل ولا يتوصل إلى معرفته بآلة سواه، بل يُتوصَّل إليه به، فهو العارف والمعروف والمعرفة، وهو العالم والمعلوم والعلم” (انظر أيضا جهامي ودغيم، 2006، ج1/ 599، 1144، 1377، 1690، ج2/2233). وقال ابن الطفيل عن القلب “ولست أعني بالقلب جسم القلب ولا الروح التي في تجويفه، بل أعني به صورة تلك الروح الفائضة بقواها على بدن الإنسان”. وعرف ابن طفيل التغذية والنمو و…
وعلى ضوء هذه المفاهيم والمصطلحات والألفاظ الحضارية تطورت معارف ابن يقظان حتى أصبحت فلسفة “تحمل في طياتها نظرية ابن سينا في المعرفة في أسمى درجاتها، أي معرفة العلة الأولى وواجب الوجود. ومن ثم، يسهل تبين مرمى الاسم الذي أطلق على القصة، ذلك أن حي بن يقظان اسم علم للعقل الفعال “حي”، ولما كان ابن سينا يضع كمال الحياة في العقل والفعل فقال: “ابن يقظان” لأن اليقظة تنبعث من العقل الخالص الذي لا يعرف النوم أو الغفلة. ويرتبط هذا الاسم ارتباطا وثيقا بنظرية الفيض الخلاقة التي قال بها الفارابى وابن سينا. والعقل الفعال هو أيضا الذي يتوسل بالمعرفة التي تسمو فوق العالم المحسوس، إلى هداية النفس إلى العلة الأولى والخالق الذي يشرق بنوره على جميع الكائنات” (موجز دائرة المعارف الإسلامية، 1998م، 1/241، 14/4492).
تقوم فكرة التطور العقلي عند ابن طفيل على التطور الصاعد تطورا طبيعيا من حالة التحسس في الظلام إلى أعلى ذروة في التفكير الإنساني والاحاطة بما حوله من عالم المادة إلى أن يتصل عن طريق العقل بالله سبحانه (اليعقوب، 2002م، ص 363، 364، باقارش والآنسي، 1986م، ص 180). إن ابن طفيل من المؤكدين على المعرفة الحسية فهو فيلسوف حسي وتجريبي لأنه أكد دور التجربة في المعرفة وهو فيلسوف ينتمي للمذهب النقدي لأنه جمع بين الحس والعقل كمصادر رئيسة في المعرفة. وبعد أن عرف عجز الحواس والعقل عن إدراك الحقائق المتعالية لجأ إلى التصوف ليكون المرتبة الثالثة. في نهاية المطاف توصل ابن طفيل إلى التصوف دون أن يتجاوز على حدود الشريعة الإسلامية وجمع بين التصوف والمعرفة الشرعية (طاهر، 2006م).
وفي هذا الإطار المعرفي فإن الطفل يتدرج في عوالم ثلاثة: الأشياء- الأشخاص- الأفكار. الأفكار وسيلة اندماج الفرد في المجتمع لكن العوالم الثلاثة هذه تتعايش طوال حياة الإنسان جنباً إلى جنب مع تفوق أحدها تبعاً للفرد ولنموذج المجتمع الذي يندمج فيه. موضوع حي بن يقظان رؤية فِكريّة لاتخاذ الأشياء، والأفراد، وسيلة لسمو الفكر وإلا انشغل الإنسان بالمادة أو انساق نحو التمحور حول الأشخاص، وتعلق بالمحسوسات، وغفل عن دنيا الفكر. يتدرج ابن طفيل في صعود ذهنه من البيئة المادية كيما يكتشف شيئاً فشيئاً الروح) ثم) خلود الروح) وأخيراً( فكرة خالق. فحي بن يقظان لا يتغلّب على كآبة الشعور بالوحدة بصنع طاولة مثلما فعل روبنسون كروز؛ بل ببناء الأفكار واكتشافها (ابن نبي، 2002م، ص26). في قصة ديفو السابقة فإن روبنسون كروز سيد، أبيض البشرة، وقائد أما “فرايدي” عبد وتابع وأسود اللون تجمعهما المصلحة المادية (صالح، 1980م، ص 178، 194)، أما صداقة حي وأبسال الروحية فتختلف اختلافا جذريا. ثمة جوانب اختلاف وتنوع بين القصتين ومن الصعب الاتفاق على أن قصة روبنسون كروز اعتمدت بصفة مباشرة على قصة ابن يقظان في رأي عدد من الباحثين (Baeshen, 1989). القصتان لهما جوانب قوة وابداع وتأثير، وهذا مما لا شك فيه.
المبحث الخامس: نظرية التطور بين السبق والاقحام
في بداية رواية قصته الرمزية طرح ابن طفيل فرضية ذكية وجدلية تتعلق بالتولد الذاتي للطبيعة، وهي الآن يمكن أن تقترن بالمجادلات الساخنة، وربما الشرسة حول قبول أو رفض النظريات الكبرى في عالمنا بل فعلا ربطها عدد من الباحثين بنظرية التطور لدارون.
“الأحداث تبدأ في الطبيعة في هذه القصة لا بل أن الحياة تنشأ بفعل طبيعي وهذا ما يبادئنا به ابن طفيل في واحد من فرضيتين حول منشأ حي من الطين في الجزيرة وأية بداية طبيعية أكثر عمقا من هذه التي يدون لها بسبق ضمني صريح على دارون في كتابه أصل الأنواع” (وطفة، 2012م، غالب، 1991م، ص 43، أمين، 2008، ص 19). وقريب من هذا الاستنتاج يعتقد يوسف زيدان أن أول من طرح نظرية النشوء والتطور والارتقاء هو ابن طفيل وأن دارون قدم تطبيقات متأخرة للنظرية. وقد قيل أن غاية ابن طفيل “محاولة عرض كيفية بدء الخلق أو بيان أصل النوع الإنساني” (علي، 2017م). وبصفة عامة يعرض عبدالحافظ (2005م، ص 5، 162) أصالة فكرة التطور عند نخبة من فلاسفة الإسلام من مثل إخوان الصفا ومسكويه والبيروني وابن خلدون.
وحول سبق ابن الطفيل عن تولد الانسان من غير أب ولا أم فإن هذه الفرضية أو النظرية تخالف رؤية جماهير العلماء في عالمنا العربي إلا أن هناك من وضّح “كيفية تفسيرها للحياة، فأنواع الأحياء – وعلى رأسها الإنسان – لم تظهر هكذا منذ خُلقت، بل هي دائمة التغير من حال إلى حال، وبهذا تتطور من البساطة إلى التركيب المتدرج بالتغير والتطور تنشأ بعض الأنواع عن بعض، وترتقي بعمل ناموس الانتخاب الطبيعي – بقاء الأصلح للحياة وانقراض ما عداه. إن هذا الاتجاه له أصول نظرية التطور في الفكر البشري، عند الإغريق ثم عند الإسلاميين، خصوصًا مع إخوان الصفاء، وابن سينا، وابن طفيل، والقزويني (٦٨٢ﻫ)، وابن خلدون (٨١٨ﻫ). نظرية التطور الحديثة في صلبها وفقا لهذا الاتجاه لا تتناقض مع العقيدة الدينية” (الخولي، 2014م، الفصل الأول، بتصرف). “وهذا يفتح مجالا للاجتهاد البشري أن يتحرك دون حرج أو خوف من تعرض الإيمان للخطر؛ فالمساحة الدلالية في الآيات تسمح للنظريات العلمية أن تقرأ مسار تكون الخلق وظهور الإنسان بصيغته النهائية”. “هذا الإنسان الذي مر عليه حين من الدهر. والحين زمن غير محدد” (الغذامي، 2021م، ص 77).
ورد في منشورات جامعة أكسفورد عن أصول الإنسان المبكِّرة “إننا مرتبطون بكل الكائنات التي تعيش في عصرنا الحالي، وكل الكائنات التي عاشت في أي وقتٍ مضى، عبر فروع شجرة الحياة، كما أن الكائنات المنقرضة الموجودة على الفروع التي تربطنا بجذور هذه الشجرة هي أسلافنا المنقرضة. أما الكائنات المتبقية، الموجودة على فروعٍ ترتبط مباشرةً بفروعنا، فهي أنواع وثيقة الصلة بالإنسان الحديث، لكنها ليست أسلافًا للبشر” (وود، 2016م، مقدمة الكتاب). ومن المنظور الإعلامي في الفضاء السيبراني العربي يعمل عدد من الأكاديميين على نشر الوعي بنظرية دارون علميا مع التأكيد على أنها لا تتعارض مع عموميات الأديان السماوية ومن هؤلاء نضال قسوم. وهناك من يعرضها بصورة علمية حيادية من مثل محمد قاسم خضر. وهكذا فالإنسان حلقة من سلسلة سبقته حلقات أخرى إلى أن انتهت به بالإنسان والطبيعة مخلوقة، وليست خالقة (أمين، 2008م، ص 19، حنفي، 2014م، ص 6). ويظل السؤال الملح في هذ المقام المحتدم بالجدل: هل من الحكمة تدريس مثل تلك النظريات التراثية والداروينية في المناهج الدراسية ولا سيما أن الخلاف العلمي والديني حولها ليس في منتديات المسلمين فقط بل النقاش نطاقه واسع جدا؟ هل ربط ابن طفيل بنظريات حديثة فيه نوع من التعسف والغلو يحملان اسقاطات ومقاربات ذات صلة بحياتنا المعاصرة أم هو ربط شجاع بنظرية لها جذورها العلمية مهما تباينت الآراء؟
وإذا انتقلنا إلى المعسكر المضاد لنظرية دارون في المحيط التربوي فإننا نجد الإيمان بنظرية دارون “لا يقتضي من العقل أن ينفي وجود الله، ولا أن يمس عقائد المؤمنين بوجوده، وأن الإيمان بأية ديانة من الديانات لا يتوقف على الفصل في قضية التطور إلى الرفض أو إلى القبول” على حد تأكيدات دارون نفسه إلا أن نظريته تتعارض مع فلسفة التربية الإسلامية (يالجن، 2003م، ص 167، الكريباني، 2021م، ص 19). وفي هذا الاتجاه ترى الموسوعة العربية العالمية أن “العلماء المسلمين المعاصرين الذين درسوا نظرية داروين دراسة متعمقة أنكروا هذه النظرية وأشاروا إلى خطرها وفسادها من الناحية الفكرية واستدلوا على ذلك بأقوال طائفة كبيرة من علماء الغرب، وأشاروا إلى آثارها المدمرة التي ألحقت أعظم الأخطار على الحياة الفكرية والخلقية والاجتماعية وإلى معارضتها لأساس ديني مقرر وهو أن الله عز وجل هو الذي خلق المخلوقات خلقًا مباشرًا”.
ولعل من مسائل التأصيل الفلسفي في هذا الجانب التذكير بأن العلوم الإنسانية تتجدد مع الزمن على سنة التقدم، ولا “يُطلب من كتب العقيدة أن تُطابق مسائل العلم كلما ظهرت مسألة منها لجيل من أجيال البشر، ولا يطلب من معتقديها أن يستخرجوا من كتبهم تفصيلات تلك العلوم، كما تعرض عليهم في معامل التجربة والدراسة؛ لأن هذه التفصيلات تتوقف على محاولات الإنسان وجهوده، كما تتوقف على حاجاته، وأحوال زمانه… مذهب التطور والارتقاء لا يزال بعد ذلك عرضة لكثير من الشكوك والتصحيحات، بل عرضة لسنة التطور والارتقاء التي تنتقل به من تفسير إلى تفسير… وفضيلة الإسلام الكبرى أنه يفتح للمسلمين أبواب المعرفة، ويحثهم على ولوجها والتقدم فيها، وقبول كل مستحدث من العلوم على تقدم الزمن، وتجدد أدوات الكشف ووسائل التعليم… لتعمر الضمير وتطلق للعقل عنانه في سبيل الخير والمعرفة وسعادة الأرواح والأبدان” (العقاد، 2013م، ص 13، 15، 162). هل سيتوقف الجدل في هذا الباب أم أن الأمر سيشهد سجالات جديدة ذات قيمة علمية لخير البشرية في المستقبل القريب؟ قبل تمجيد أو تفنيد نظرية التطور يجب التمهيد العلمي لفهم جوانبها وأبعادها وافساح المجال لأهل الاختصاص بالتعبير عن مواقفهم بحرية علمية تامة دون ترهيب أو مزايدة.
المبحث السادس: رؤى وأفكار منبثقة من القصة
- قوة الفكرة ركيزة الحياة الذهنية المتحررة من قيود التقليد وبَراثِن الجهل والغفلة والفساد. يميل الطبع البشري إلى “دوام اﻟﻔﻜﺮة، وﻣﻼزﻣﺔ العبرة، والغوص على المعاني” على حد وصف ابن طفيل، والذي يقول أيضا: قومٌ لهم فكرةٌ تجول بهم … بين المعاني، أولئك النُّجُبُ
من أهم الكلمات المفتاحية في قصة ابن طفيل كلمة “فكر” ومشتقاتها فذكرها قرابة (38 مرة) ووردت بصيغ اسمية وفعلية متنوعة؛ يفكر، فكَّر، تفكَّر، الفكرة، يتفكر، فكرته، ففكَّر، والتفكير. إلى جانب ذلك فإن كلمات كثيرة مرادفة أو مقاربة للفكر تم حشدها في مفاصل القصة من مثل تكرار كلمة النظر (أكثر من ستين مرة)، والتأمل، يرى، الاعتبار وليعتبر، اعتبر، النظر العقلي، نظره العلمي، والغوص على المعاني، استبصار، يُنعم النظر، وأمعن النظر، وأنعم النظر، بقوة نظره وذكاء خاطره رأى، ينظرون بهذا النظر، تحرَّكت في نفسه الشهوة للبحث، يتأمل … هذه المفردات الحاشدة والمتوثبة تغري النفس على اعمال الفكر، وامعان النظر في شئون الحياة من جميع الزوايا. ومن هنا جاء دور الفكر اليقظ ليحدد المسار، ويتصفح الموجودات، ويقتنص المعاني الكلية. من أهداف قصة ابن يقظان “إظهار القدرات اللامحدودة للعقل البشري” (Abu Bakr, 2004)، وعرض دوره الرائد في بناء وازدهار الوعي الحضاري.
- ترتكز تربية الطفل عند ابن طفيل حول تقديم الرعاية الحسنة، وتلبية احتياجات الطفل، وتوفير بيئة تعينه على النمو السليم، والتكيف مع البيئة الطبيعية المحيطة، والتركيز على التعليم من أجل تحقيق التربية والصفاء الروحي. تؤكد الرؤى الفلسفية الأندلسية أن الأعمال الروحية والفكرية تجعل الإنسان فاضلاً وأكثر نبلاً (Montada, 2018).
- من أسباب الغفلة والفساد والتعاسة التعلق بالمادة والانغماس في الملذات واتباع الأهواء والحرمان من عبادة التأمل والتنوير التي تهب القلب الاطمئنان أو كما قال ابن طفيل “الأمور المحسوسة الخسيسة؛ إما مال يجمعه أو لذة ينالها أو شهوة يقضيها أو غيطًا يتشفَّى به أو جاهٍ يحرزه أو عمل من أعمال الشرع يتزين به أو يدافع عن رقبته، وهي كلها ظلمات بعضها فوق بعض”. إن هدف التأمل “والصلاة والتطبيقات التي أوصى بها المعلمون الروحانيون هو إسكات الطبيعة السفلية في الإنسان من أجل إعطاء الطبيعة العلوية دائما قدرات أكبر على التعبير. فالسكون هو إذن حالة الوعي هذه حيث يبدأ في داخلها استيقاظ شيء غامض وعميق. إن “هذا الشيء” هو الذي نطلق عليه صوت السكون. فالذي يتوصل إلى تهدئة كل شيء فيه، وحتى إيقاف تفكيره – لأنه، من خلال، حركته، يحدث الفكر أيضا ضجة- سيسمع هذا الصوت (أيفانهوف، 2020م ص 148). يمضي العقلاء شطرا كبيرا من حياتهم بالتعلم الذاتي المستمر والسعي نحو الاستكشاف الباطني والتأمل المنهجي، والتكوين الأخلاقي بينما يقضي أهل الغفلة؛ جمهور الناس جُل أوقاتهم في الأمور التافهة المتعلقة بالمحسوسات (الأشياء والأشخاص) وينحرفون عن مشكاة التوحيد والقضايا الفكرية الكبرى وهكذا ينشغل العامة بتفاصيل الحياة المادية ذات الغايات المحدودة.
- قد يبدأ التدين بين الشباب بصورة متفق عليها ثم مع مرور الزمن تختلف مسالك التدين، وتتناقض الرؤى الاصلاحية. قال ابن طفيل “وكان قد نشأ بتلك الجزيرة فتيان من أهل الفضل والرغبة في الخير يسمى أحدهما أبسال والآخر سلامان فتلقيا تلك الملة وقبلاها أحسن قبول وأخذا على أنفسهما بالتزام جميع شرائعها والمواظبة على جميع أعمالها واصطحبا على ذلك.” رغم صفاء الابتداء انتهت وتصدعت هذه الصداقة لأن أبسال تعلَّق “بطلب العزلة ورجّح القول فيها”، “وتعلق سلامان بملازمة الجماعة ورجح القول فيها”. اعتزل الأول صاحبه وفشلت فرص التعايش في الجزيرة الواحدة، وتوحدت البدايات وتأزمت النهايات. ولكن علاقة ابن يقظان بأبسال بدأت بالعكس، وبصورة غير متوقعة إذ بدأ اللقاء الأول بينهما بالخوف والتوجس والهرب حتى انتهى بهما المقام بالصداقة الدائمة واتفقا على العزلة ونبذ الحياة في المدينة.
- النزعة للبحث والنظر والاستكشاف غريزة أصيلة ولك أن تتأمل عبارات ابن طفيل: “تحرَّكت في نفسه الشهوة للبحث”، ” ومعرفة ذلك يطول، وهو مثبت في الكتب”، ” فاعلم أن من أراد الحق الذي لا جمجمة [خفاء] فيه فعليه بطلبها والجد في اقتنائها. لقد حرك مني سؤالك خاطرًا شريفًا”، ” يُنعم النظر فيها ويجيل الفكرة”؛ يديرها في ذهنه. لغة ابن طفيل الفلسفية لغة تومض بالعلم وتبرق بالحضارة وتدفع نحو التمكين والبحث الرزين القائم على ترجيح الحُجج، والبراهين القاطعة، والتساؤل الدائم اللائق بالذهنية البرهانية والعرفانية والبيانية. أما طبيعة لغته الصوفية فهي محملة بالصفاء والتشويق والترميز وربما الغموض في وصف المقامات الرفيعة. إن دور العلوم والآداب في تهذيب الإنسان وشحذ ذهنه دور عظيم، وكما قال ابن طفيل في وصف الغزالي “أدبته المعارف وحذقته العلوم”.
- خص ابن طفيل المرأة ببضعة إشارات، ولكنها كشفت عن حقائق مهمة؛ أشار ابن طفيل إلى عادة مجتمعية قديمة لم تتخلص منها كثير من الشعوب إلى اليوم: قضية عضل النساء ومنعهن من الزواج ظلما. أما الإشارة الأخرى عن المرأة عموما فكانت عن مشاعر الأم المضطرة لفراق ولدها وكيف تخصه بالدعاء الصادق. وصف ابن طفيل مأساة الرضيع ومشاعر الأم بوصف يفيض بالمشاعر والألم والخوف من المجهول فقال: “وضعته في تابوت أحكمت زمَّه بعد أن أروته من الرضاع وخرجت به في أول الليل في جملة من خدمها وثقاتها إلى ساحل البحر وقلبها يحترق صبابةً به وخوفًا عليه، ثم إنها ودَّعته وقالت: اللهم إنك خلقت هذا الطفل ولم يكن شيئًا مذكورًا، ورزقته في ظلمات الأحشاء وتكفَّلت به حتى تمَّ واستوى، وأنا قد سلَّمته إلى لطفك ورجوت له فضلك خوفًا من هذا الملك الغشوم الجبار العنيد، فكن له ولا تُسْلِمه يا أرحم الراحمين. ثم قذفتْ به في اليم.” قد صوّر ابن طفيل لنا عاطفة المرأة الجياشة في مشهد مأساوي يتدفق محبة وحرقة وألما قبل أن تلقي به باليم. الدعاء “هو العبادة” كما في الحديث النبوي، وهو في كل الأحوال يدل على الثقة بعطاء الرحمن، والاعتراف بعجز الإنسان. وحينما تعرض ابن طفيل لوصف عملية الارضاع تحدث في عدة جمل عن معنى تربية الرضيع وهي ترتكز حول الرعاية الحسنة على اعتبار تلبية احتياجات الطفل على أكمل وجه، وتوفير بيئة تعينه على البقاء والنماء.
- لأن الإنسان مولع بالغرائب المخضبة بالخيال افتتح ابن طفيل حكايته بالحديث عن جزيرة “يتولَّد بها الإنسان من غير أم ولا أب وبها شجر يثمر نساء”، وانتهت القصة بأن قام بطل الحكاية باعتزال الناس والاعتكاف في نفس الجزيرة. التشويق من أهم مداخل القصة وبث المفاهيم العميقة، وترسيخ القيم الوجودية، وجذب انتباه المتلقي عبر أجنحة المغامرات. حاول ابن طفيل في تربيته على تطعيم حكايته الشائقة بنظرات فلسفية ثاقبة ممزوجة بالعواطف الصوفية. إن ربط أحداث القصة بالحيوانات والنباتات والنجوم من المؤثرات الطبيعية التي أعطت القصة المزيد من عناصر التشويق والدهشة. الاطناب في وصف الغيبيات المتعلقة بالرؤية والفناء والمكاشفة … عكرت صفو القصة وأضعفت تدفقاتها.
- ذهب ابن طفيل “إلى أن عملية التعلّم إنما تبدأ من الحواس الخمس: السمع والبصر والشم واللمس والذوق. وهذه الحواس بلغت أوجها عند البشر ممّا ميّزهم عن الحيوانات” (غونتر، 2016م، ص 236). “ويعجب المرء من حديث ابن طفيل عن الطريقة التي تعلم بها حي من أَبْسال الكلام حيث اعتمد في تعليمه حيا على أحدث الطرق العلمية. فقد كان يأتي له بالأشياء ذاتها وينطق أسماءها ومشيرا إليها جاعل حيا يردد وراءه هذه الأصوات ونحن نعلم الآن أن المناهج الحديثة في التربية والتعليم تعتمد على استخدام الوسائل في المقام الأول” (عويضة، 1993م، ص 92).
- حرص ابن طفيل في تربية ابن يقظان على بيان أهمية الحفاظ على البيئة الطَّبيعيّة المتوازنة والاهتمام بها عبر الاقتصاد في الانتفاع من خيراتها “وألا يستأصل أصولها ولا يُفني بزرها”. “فله أن يأخذ من الحيوان أو من بيضه. والشرط عليه في الحيوان أن يأخذ من أكثره وجودًا ولا يستأصل منه نوعًا بأسره … وأما المقدار فرأى أن يكون بحسب ما يسد خلة الجوع ولا يزيد عليها”. وكان أَبْسال “إذا احتاج إلى غذاء تناول من ثمرات تلك الجزيرة وصيدها ما يسد بها جوعته”. إن توجيه القصة فلسفيا ودينيا لغرس التربية البيئية ضرورة في كل العصور. ومن أجمل إرشادات ابن طفيل في منهجيته لحفظ الخيرات الطبيعية قوله “ومتى وقع بصره على حيوان قد أرهقه سَبُعٌ أو نشب به ناشب أو تعلق به شوك أو سقط في عينيه أو أذنيه شيء يؤذيه، أو مسه ظمأ أو جوع تكفَّل بإزالة ذلك كله عنه جهده وأطعمه وسقاه. ومتى وقع بصره على ماء يسيل إلى سَقْي نبات أو حيوان وقد عاقه عن ممره ذلك عائق من حجر سقط فيه أو جُرف انهار عليه أزال ذلك كله عنه”. ويجب الاعتناء “بأمر الحيوان والنبات والرحمة لها”. لا ريب أن هذه العبارة الرائعة والممارسات الإنسانية الرحيمة والحكيمة والحضارية تجعل الإنسان اليقظ أكرم وأسعد المخلوقات حسا وعقلا وإرادة وخلقا.
- تقوم تربية ابن طفيل على احياء سنن الفطرة ومنها النظافة والتجمل فهذا ابن يقظان قد “ألزم نفسه دوام الطهارة وإزالة الدنس والرجس عن جسمه والاغتسال بالماء في أكثر الأوقات وتنظيف ما كان من أظافره وأسنانه ومغابن بدنه وتطيبها بما أمكن من طيبات النبات وصنوف الدهون العطرة وتعهد لباسه بالتنظيف والتطييب حتى كان يتلألأ حسنًا وجمالًا ونظافة وطيبًا”. ترك ابن طفيل في قصته الكثير من العبارات الخالدة التي تستحق لرقتها ودقتها أن تكون موضع تحليل وتدبر في ترغيب الفرد بقيم النظافة. إن حب حي بن يقظان للبيئة والحياة من أسباب التناغم مع هذا الكون الجميل. هذه التوجيهات الصحية الواردة في قصة حي بن يقظان نجد صداها في أرجوزته الطبية على نحو أوسع مما يدل على وعيه بأهمية تنويع الخطاب التعليمي لغرس القيم.
- ثمة العديد من التطبيقات التربوية لفكر ابن طفيل؛ “اهتم ابن طفيل بالتربية الطبيعية ويمكن اعتباره من مؤسسي المذهب الطبيعي في التربية قبل جان جاك روسو وبستالوزي وماريا منتسوري وأمثالهم. يقوم هذا المبدأ على ترك الفرد يتعلم من خلال تفاعله مع البيئة الطبيعية وهذا التفاعل سيؤدي إلى اكتساب الفرد لخبرات عميقة وطويلة الأثر لا يمكن أن ينساها أو يفقدها. توصل ابن طفيل لنظرية المعرفة وكيفية تكوينها عن طريق الحواس فيما يتعلق بالأمور المادية، وعن طريق النفس فيما يتعلق بالأمور المعنوية أو النفسية” (باقارش والآنسي، 1986م، ص 180، باختصار).
- تناولت القصة فوائد العزلة والاعتكاف الديني وخطر التقليد المجتمعي الجارف للفكر، ولكنها – في المقابل – لم تتحدث عن غوائل العزلة، وأنها ربما أدت بالمعتزل إلى الكبر والغرور والشعور بالاستعلاء والإصابة بداء الأنانية. التعبد بعيدا عن الناس لفترات طويلة ربما يكون أقرب إلى عالم الرهبنة والغرور والتكبر وعبر التاريخ كانت العزلة تجذب المتصوفين فكانت طريقة للاستنارة وربما أدت بالغلاة منهم إلى القطيعة التي توهن أوصال المجتمع كما تعيق عملية تعمير الحياة بالصناعة والفلاحة والتجارة والتعليم.
- من الواضح أن عزلة ابن يقظان الاختيارية مقيدة بدقة الملاحظة والاستنتاج والتفكر المنهجي وهذه سلسلة منطقية تمهد للإحاطة بالعلوم والترحيب بالبحث والحث على الطاعة المستنيرة والتعلم الذاتي مدى الحياة وبلا حدود؛ “من المهد إلى اللحد”. ولعل اليأس من اصلاح الجمهور والخوف منه هو المحرك الأساس للعزلة خشية الوصول إلى نقطة الصدام والشقاق. هذا المخاض الذي تولد من عجز الإصلاح وجهل الناس هو الذي يدفع الأحرار أحيانا وفي كل العصور إلى الفرار والهجرة ايثارا للسلامة، وصونا للحكمة. ولكن البلاغ وظيفة المثقف والاعتزال يصبح هروبا وتخاذلا لأنه خيار سهل يؤدي إلى التقوقع في كهف الهزيمة.
- حاول ابن طفيل توظيف منهج التعلم بالمحاكاة، أي التعلم بالملاحظة والمشاهدة، فصار يحاكي نغمة الظباء وجميع ما يسمعه من أصوات الطير وأنواع سائر الحيوان. حِسُ حي حس نقدي نابع من قوته في الملاحظة التي ستنتقل به من التكيف إلى طرح الأسئلة إلى اشتغال آليات التفكير. من خلال قراءتنا لقصة ابن يقظان، نجد العديد من القيم الإنسانية، وكذلك القيم التي يمكن استخلاصها من الطبيعة الخيّرة، كما أكد ذلك لاحقا فلاسفة الأنوار روسو لأنها عطفت على حي واستدمجته في بنيتها. ومن القيم التي ينبغي استنباطها من تعامل الظبية مع حي قيم المحبة، والتضامن، والرعاية الجيدة (بوجمعة، 2015م).
- أصبح من نافلة القول سبق علماء الإسلام وفلاسفته إلى إبداع اتجاهات نقدية في وقت مبكر، ونجدها واضحة عند كثير من الأدباء والعلماء والفلاسفة لا سيما ابن طفيل (مراد، 2002م، علي، 2017)، الذي وضع انتقاداته على ابن سينا والغزالي وابن باجة والفارابي وحاول أن يتناول في قصته الفلسفة والتصوف والتربية من منظور غير مألوف. خصص ابن طفيل النصف الأول من قصته للجانب الفلسفي، وكأنه يؤسس بحثا متماسكا له اطاره الفكري وحدوده وعناصره في ظل الاعتبارات العلمية سعيا للتميز والريادة. من شأن مثل هذه المحاورات تثري النزعة النقدية في ثقافتنا العربية.
- يرتب ابن طفيل الناس إلى أربع طبقات؛ فأعلاها مرتبة الفيلسوف، ويتلوها مرتبة عالم الدين الصوفي البصير، بالمعاني الروحانية، ويتلوها الفقيه المتعلق بالظاهر، وأدناها مرتبة الجمهور من الناس، أما الجمهور فلا يعي إلا الظاهر الحرفي ولا يدرك من معاني الدين شيئا (بدوي، 2019، ج1، ص 75). وهكذا “رتّب ابن طفيل المخَاطَبين على مراتب أربعة هي: مرتبة الفيلسوف ويمثّلها «حي»، يتلوها مرتبة عالم الدين البصير، ويمثّلها «أبسال»، يليها مرتبة رجل الدين المتعلّق بالظاهر وهو «الفقيه» ويمثّلها في القصة «سلامان»، وأدناها مرتبة الجمهور ويمثّلها «أهل جزيرة سلامان»” (علي، 2017م).
- تقوم التربية الذاتية على استثمار غريزة حب الاستكشاف والتساؤل، والتحلي بروح التطوير، والبحث عن الحكمة كي يستكمل الإنسان فضائله. إن قيمة الإنسان معرفة خالقه والعلوم المختلفة أداة غايتها تصفية النفس. “فرّق ابن طفيل بين أَبْسال وسلامان فقال “فأما أَبْسال فكان أشد غوصًا على الباطن وأكثر عثورًا على المعاني الروحانية وأطمع في التأويل. وأما سلامان صاحبه فكان أكثر احتفاظًا بالظاهر وأشد بُعدًا عن التأويل وأوقف عن التصرف والتأمل. وكلاهما مُجِدٌّ في الأعمال الظاهرة ومحاسبة النفس ومجاهدة الهوى”. الجملة الأخيرة هي الصفة المشتركة بينهما وهي تقوم على أهمية التربية الذاتية فهي مهمة للجميع في كل زمان ومكان، وابن يقظان أيضا من أجمل الأمثلة. تربية الذات: سعي الإنسان لتحقيق ذاته سواء كان معرفيا أو اجتماعيا، وأن هذا السعي لا بد وأن يستند إلى مفهوم واضح للذات، ووعي بإمكانات البيئة في المقابل، ورغبة في التغيير للأفضل”. “ولعل محاسبة النفس من أهم الأمور التي يمكن أن تدفع إلى تقويم الإنسان لذاته وارتقائه بها” (عبدالعاطي،2010م، ص 35، 23، 101). الغاية من الفلسفة العمل والتعلم الدائم لا التأمل بلا هدف.
المبحث السابع: الأثر التربوي العميق
التراث انتاج متراكم عبر الزمن كما أنه عطاء ذاتي إنساني لشخصيات – تحررت ولو نسبيا – من قيود المجتمع والتاريخ (الجابري، 2020، ص 29). يعتقد الباحثون أن أثر ابن طفيل واسع في الفكر الإنساني حيث تأثر به عدد كبير من العلماء والفلاسفة والكتاب من مثل “أبو إسحق البطروجي، ابن النفيس، ابن رشد، توماس هوبز، جون لوك، دانييل ديفو، إسحاق نيوتن، إميانويل كانت، غوتفريد لايبنتس، فولتير، جورج كيث وروبرت باركلي” (حبش، 2021م، ص 2). إن الموسوعات العالمية في الفكر التربوي من مثل موسوعة (Routledge Encyclopedia of Educational Thinkers) تعتبر ابن طفيل من أعمدة الفكر الإنساني إذ ترك أثرا عميقا في النظريات التربوية (Steitieh, 2016, p. 38.). ومنذ القرن الثامن عشر الميلادي إلى اليوم لم تتوقف الدراسات في أنحاء العالم عن ابن طفيل وقصة “حي بن يقظان” التي كانت من أوفر الكتب العربية حظا من العناية والتقدير والتأثير والطباعة (بدوي، 2019م، ج1، ص 75). وصفت الموسوعة البريطانية (Encyclopedia Britannica) قصة حي ابن يقظان بأنها قصة فلسفية محورها التعليم الذاتي، والتطور الفلسفي التدريجي (Britannica, 2020).
لم يكد يمر على وفاة ابن طفيل أكثر من قرنين من الزمن حتى قام عالم يهودي بترجمة نص ابن طفيل إلى اللغة العبرية لينكب بعد ذلك موسى النربوني اليهودي على شرحه مما جعله يثير حركة علمية قوية بين اليهود. ساهم هذا النص في تغذية كل الفلسفات التي أتت بعده. نص ابن طفيل يبدع حياة فكرية وروحية في معزل عن أي تسلط إلا سلطة العقل (بورشاشن، 2016م، ص 7، غونتر، 2015م، ص 190). تُرجمت رسالة حي بن يقظان “إلى العبرية في القرن الرابع عشر الميلادي، وإلى اللاتينية في القرن الخامس عشر الميلادي، وبتوالي السنون ظهرت ترجمات بلغات مختلفة لهذه الرسالة” (السامرائي وآخرون، 2000م، ص 482).
نقل إدوارد بوكوك (1648 – 1727) أول أستاذ للدراسات العربية في جامعة أكسفورد في القرن السابع عشر، قصة حي بن يقظان إلى الفضاء الأوربي معتمدا على مخطوطة أكسفورد لرسالة ابن طفيل وترجمها إلى اللاتينية بعنوان “الفيلسوف المعلم نفسه”. أثرت ترجمة بوكوك في عدد من قادة الفكر من مثل إسبينوزا ولايبنتز وجون لوك وديدرو وفولتير وروسو وغيرهم.. فضلا عن تأثيرها في كثير من نماذج السرد والنصوص الفلسفية (بورشاشن، 2016م، ص 11، العقيقي، ج2، ص471)، وتألقت فلسفة قوامها أن الإنسان يستطيع أن يصل بنفسه إلى حقيقة الإيمان من خلال العقل المتأمل الذي يميزه.
وفي هذا الصدد قام أحد أتباع مذهب الكويكرز “جورج كيث” بترجمة قصة ابن طفيل إلى اللغة الإنجليزية عام 1674م. تحمس الكويكرز -طائفة بروتستانتية- للقصة ووضعوها ضمن أبرز القراءات التعليمية الملهمة للجماعة لكنهم بعد قرن من الزمان تغير موقفهم تماما (صالح، 1980م، ص 150، 162). قاد الكويكرز (Quakers) حملات لتغيير العالم: إلغاء العبودية، وتحرير المرأة وغير ذلك من القضايا (درويش، 2021م). لقد وجد المؤسسون من طائفة الكويكرز رواية ابن طفيل كتابا للتربية والتهذيب يؤيد أهدافها. والجدير بالذكر أن الترجمة الهولندية لابن طفيل قد عرفت طريقها إلى الأديب والمصلح الألماني ليسنج، وبخاصة في عمله المسرحي: ناتان الحكيم”. قصة حي بن يقظان هي نص قوي وهاج للتنوير والحداثة ومن هنا اعتنى الألمان بها عناية تربوية ايكولوجية تعليمية (بورشاشن، 2016، ص 14، 18، 21، غونتر، 2015م، ص 189).
ومن أسباب انبهار اليهود والنصارى بأفكار ابن طفيل أنها جذبتهم إلى فكرة مركزية ثاوية في أعماق قصته؛ البشر قادرون على اكتشاف أسرار الكون والوصول إلى قمة الوعي من خلال عقلهم وحدسهم، بغض النظر عن تفاصيل أي دين معين. ينتقد ابن طفيل بشكل لا لبس فيه المجتمع المسلم في عصره ويرفض فهم الإسلام على ظاهره ويطالب بفهم الغايات العميقة (Guenther, 2018). “إن الأساس الفلسفي لهذه القصة هو بيان الطريق الذي كان عليه فلاسفة المسلمين من تطابق العقل والنقل، وإمكان الوصول لمشترك عرفاني بين الأديان لتأكيد القيم العليا للدين من التوحيد والعقل والنبوة والمعاد” (حبش، 2021م، ص 97، بتصرف، العقاد، 2014م، غونتر، 2015م، ص 189).
يعتقد سيباستيان غونتر – رئيس الدراسات العربية والإسلامية، جامعة غوتنغن في ألمانيا أن كثير من الروايات التي تحولت إلى أفلام سينمائية مشهورة عالميا فيها عناصر إبداعية مشتركة مع قصة ابن طفيل مثل فيلم “Life of Pi” الطفل الهندي والنمر، للكاتب يان مارتل، وقصة ديفو “روبنسون كروز”، و رواية الأدغال (1894)، كتبها روديارد كيبلينج (1865-1936) ، وهي قصة تحكي عن الطفل اللقيط ، ماوكلي، الذي نشأ في غابة هندية دون اتصال بشري. وهناك أيضًا صلة محتملة بين كتاب ابن طفيل ورواية طرزان لإدغار رايس بوروز (1875–1959) (Guenther, 2018).
لا يمكن فهم قصة ابن يقظان إلا بعدستين؛ صوفية وفلسفية (Hayy ibn Yaqzan, 2020)، إذ المعرفة الصوفية رأس المعرفة الفلسفية، وعندما نتصفح قصته نجد أنفسنا “أمام عرض للإمكانات الإنسانية التي تتيح مكانا للتجربة العرفانية وتثمنها باعتبار دورها المهم في البحث عن الحقيقة فيما وراء حدود الخطابات المنطقية. ولكن ابن طفيل يؤكد على أن بطله كان قادرا على المحاجة في مسائل الميتافيزيقا التأسيسية بإقناع، وأن تجربته الصوفية ليست إلا اكتمالا لمسعاه الفلسفي، الذي مثّل الأساس الذي انطلق منه. وهكذا، فإن هذا الإنسان الذي يوحد الله قد حقق كماله من خلال تحققه بمعنى الفلسفة، اعتمادا على عمليات القوى الطبيعية العقلانية والأبدية الحاضرة أبدا لدى الفيلسوف وهي ذات القوى التي تضافرت على رعايته ونشأته” (هودجسون، 2021م، 2/ 462، 464، بتصرف). “العِرْفانيَّة مذهب فلسفيّ صوفيّ باطنيّ قائم على العلم بأسرار الحقائق الدينيّة، وهو أرقى من العلم الحاصل لعامَّة المؤمنين”؛ “وصل إلى مرتبة العرفانيّة ببواطن الأمور” (معجم اللغة العربية المعاصرة، 2/1486).
وهكذا، ساهم ابن طفيل في تطور الفلسفة الصوفية والاجتماعية والنفسية وقدم اسهاما مرموقا وسطع نجمه في القرن السادس الهجري في غرناطة. ابن طفيل مفكر ذو عقل موسوعي وروح حرة لاحظ بعمق تفكيره قدرة العقل النقدي على تطوير ذاته وعلى اتخاذ الحس سلما للوصول إلى معاني تجريدية رفيعة، وذلك عبر العرفان والبحث والتأمل والتجربة والبرهان والانتفاع من الحواس. لا جدال في أن مساعي ابن الطفيل تصب في مصب عام وضخم يهدف إلى الارتقاء بالتربية وربطها بالمسائل الوجودية الكبرى التي تهب العقل قدرا أكبر من التأمل والتفكر وتنويع وتعميق التجربة الدينية كما قام في الوقت ذاته بتسخير الخيال لأغراض التعليم والارتقاء بالروح والفكر.
ومن جانب آخر تناول ابن الطفيل دور الطبيعة الحاسم في التعليم والنمو الإدراكي كما نجح في توظيف القصة لمعالجة القضايا الكبرى ودراسة النفس البشرية وكشف عن الأفكار في حال الائتلاف والاختلاف. قصة حي بن يقظان قصة تربوية فلسفية ذات إشارات نفسية عميقة (رضوان، 2008م، 2، /865)، ومن أعظم كتب القرون الوسطى، وفيها بيان لغرس قيم الورع والتقوى (بالنثيا، 2008، ص 398). يبتغي ابن طفيل الفلسفة المشرقية الحقة، ومضمونها أنها تنزع نزعة عقلية، أي هي طريقة أهل النظر التي ترى أن الإنسان يستطيع أن يرتقي من المحسوس إلى المعقول، ثم يصل أخيراً إلى معرفة الله سبحانه. وهي محاولة يقوم بها ابن طفيل لكي يتمثل الأفلاطونية المحدثة ممتزجةً بالتعاليم الإسلامية. وبعد البحث العقلي وتقصيه لآراء الفلاسفة توصل إلى الذوق والمشاهدة، ورأى نفسه أهلاً لوضع كلام يؤثر عنه، أي توصل إلى الفلسفة المشرقية الحقة، هذه الفلسفة يبثها ابن طفيل في قصته «حي بن يقظان» بأسلوب رمزي آسر جذاب (ديركي، 12/581). وهكذا يعلي ابن الطفيل من شأن العقل ويربطه بالذوق الصوفي (المشاهدة) أو تمارينه الفكرية وصولا إلى تصفية النفس عبر التحقق من أصول التفكير البشري والتقرب إلى الخالق. جعلت قصة ابن الطفيل بطل القصة يصل إلى اكتشاف الإسلام التوحيدي عبر آليات التفكير والصفاء الروحي. إنها محاولة جادة لربط الفكر الديني بالفلسفة من جهة، وبالفكر الصوفي من جهة أخرى (رضوان، 2008م، ج 2/865، 871).
تعتبر قصة حي بن يقظان لابن طفيل رائعة فلسفية وجمالية وتربوية لأنها عرضت مسائل فلسفية شائكة عبر قصة تعليمية شائقة. عرج ابن الطفيل في قصته إلى فهم الظاهر والباطن، والتوفيق بين الشرع والعقل، وتطرق إلى سمو الأخلاق، وأهمية الاستقراء، وحب البحث والتقصي كفطرة إنسانية، وتناول فكرة التعليم من التدريس البسيط عبر الحواس إلى الإدراك التجريدي الأعلى. أشار كل من وطفة والشريع (2011م، ص 323) الاتجاه العقلاني في التربية العربية عند ابن طفيل طفرة فكرية، ونزعة طبيعية يندر مثيلها في تاريخ الفكر الإنساني. لقد اكتشف حي بن يقظان عظمة الخالق ونزه الباري عز وجل عن الصورة والصور بمحض التفكير الذي وهبه الله سبحانه. الدين والعقل يتكاملان في الكشف عن الله سبحانه وعن خلق الوجود. تحتوي قصة حي بن يقظان على نظرية تربوية متكاملة الأنساق في مستوى المنهج والطريقة والتطبيق. تؤكد نظريته على أهمية الاستعدادات العقلية والانفعالية عند الإنسان فالإنسان يملك قابلية التعلم والإدراك بالفطرة السليمة.
إن مساهمات ابن الطفيل تمس المنهج الصحيح في تربية المفكر وصناعة مستقبله الحضاري وتوجيهه نحو الثقافة العلمية بروح الإنسان المؤمن المفكر الحر. طرح ابن الطفيل تساؤلات كثيرة تتعلق بموضوعات دينية وعلمية تتصل بالبيئة والتشريح والتفكير وطبائع الحيوان والفلك في اطار تربوي فريد أساسه بناء ثقافة واسعة فكانت محل اهتمام خاص من علماء الغرب. لقد أثرت قصة ابن طفيل بمناهج التربية الغربية لا سيما في فكر جان جاك روسو وبستالوزي حيث قاما بالتركيز على الطبيعة والتأمل والتجربة والقيام بأنشطة عملية بدلا من الاعتماد على حفظ المعلومات (الغنيم، 2020م، ص 31- 36، 134).
اتخذ ابن الطفيل منهجية عملية خاصة لشحذ الفكر (وطفة، 2012م)؛
- الانتقال من البسيط إلى المعقد.
- الانتقال من الظاهر المحسوس إلى الباطن.
- الانتقال من المحسوس إلى المعقول.
- الانتقال من الجزئي إلى الكلي.
قصة حيُّ بن يقظان تمثل شكلاً باكرًا من أشكال الفن القصصي عند العرب، وتبرز أنماط فهم الناس للدين، كما تظهر آراء صاحبها ومفهومه في قضايا العقل والشريعة. وتؤكد قصة حي بن يقظان على أهمية التجربة الذاتية في الخبرة الفكرية والدينية. وقد تركت آثارها على كثير من الجامعات والمفكرين وتُرجمت إلى اللاتينية واللغات الأوروبية الحديثة. وتتجلى براعة ابن طفيل في مزجه الأفكار الفلسفية الدقيقة بالقصص الشعبي، وفي جهده لتسويغ هذه الأفكار منطقيًا وفنيًا. وفي قصة حيّ بن يقظان جوانب من النضج القصصي، وإن كان قالب القصة ليس سوى إطار لصب الآراء الفلسفية والصوفية في النص. وقد قدَّر كثير من النقاد هذا الجهد القصصي لابن طفيل فعدوا حيَّ بن يقظان أفضل قصة عرفتها العصور الوسطى جميعًا (الموسوعة العربية العالمية).
وفي مجال قصص الأطفال قدم كيلاني في عام (1935م) طبعة مبسطة لكتاب حي بن يقظان في سلسلته حكايات عربية للأطفال. اعتمَدَ الكاتب “مَنهجًا مُتميِّزًا وأُسلوبًا عَبقريًّا في كتابتِهِ لأدبِ الأَطْفال؛ حيثُ كانَ يُصِرُّ على ضرورةِ التركيزِ على الفُصحَى لعدَمِ إحداثِ قَطيعةٍ ثَقافيةٍ معَ الذاتِ التاريخية، كما كانَ يَمزُجُ بينَ المنهجِ التربويِّ والتَّعليمِي، فكانَ حَريصًا على إبرازِ الجانبِ الأَخلاقيِّ والمِعياريِّ في أَعمالِهِ القصَصيَّة”. وامتدادا لقصة حي بن يقظان التي أعاد صياغتها كيلاني للناشئة نجده من جهة أخرى قدم قصة روبنسون كروز على نفس المنوال (انظر كيلاني، 2010). ومن جانب آخر قامت مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بعرض فيلم مدته قرابة ساعة ونصف بعنوان “ابن الغابة”؛ “أسطورة تحكي قصة شخص يدعى حي بن يقظان نشأ في جزيرة وحده، وترمز للإنسان، وعلاقته بالكون والدين”. ورغم أن بداية ونهاية هذا الفيلم الكرتوني تختلف تماما مع روح قصة ابن طفيل إلا أن الكثير من الأفكار التي تم عرضها مستوحاة من قصة ابن طفيل. وعرضت موسوعة الكويت العلمية للأطفال (1987م) شخصية ابن طفيل بطريقة تناسب عقل الناشئة (1/126). في ضوء الأدبيات التربوية المعاصرة فإن الجهود السابقة مهمة لتبسيط أساسيات الفلسفة التي تحض الطفل على فلسفة التفكير التأملي (Pritchard, 2020).
المبحث الثامن: مرئيات نقدية
إن بعض أفكار ابن طفيل يمكن أن تقدم على منصة النقد “والمحاكمة” والمراجعة (وطفة، 2012م)، وبعضها ربما تحتمل قراءات تفكيكية متضادة أساسها فكر مزْدَوِج إذ تحتوي على فكرتين مُتناقضتين.
إذا كان العزام (1983م) وعويضة (1993م، ص 143) يعتقدان أن أطروحات ابن طفيل في عمومها لا تعني السلبية والانعزال عن الناس ولا تنادي بهجر المجتمع، فإن “المعمار الفلسفي” لأفكار ابن طفيل مقترن بالوحدة والوحشة (أركون، 2021م، ص 14) مما يلحق الارتباك بجملة الخطاب الفلسفي، وجدية الحكاية الفلسفية لابن طفيل. من معتقدات ابن طفيل الشائكة “أن التربية الاجتماعية مصطنعة لا توافق طبيعة البشر”، “والعبادة العقلية أفضل من العبادة الشرعية” (غالب، 1991م، ص 21، 31). ومن القيم السلبية التي تلمح في نتاج ابن طفيل حصرية السعادة إذ تقصر على الفلاسفة وهذا فيه (استعلاء معرفي) واضح، وغياب الآخر (القطيعة مع العامة) مما يحرم المجتمع من التعدد والتنوع. اعتزال أهل النظر – بدنيا أو شعوريا – يزيد في إشكالية المجتمع (الحكيم، 2012م، ص 148، 142). لا يمكن تصور تربية جادة بلا بيئة اجتماعية تعضد مساعي التربية الطبيعية، وتتماهى مع حركتها في بناء المدنية.
المجتمع -من الناحية الرمزية- ربما كان سببا في قذف الرضيع “حي بن يقظان” في اليم، وكأن المجتمع يؤدي للشر لا سيما في مجتمع يمنع النساء من الزواج دون وجه حق، ولكن لولا الطرد لما اكتشف ابن يقظان في أعماقه الخير، ولما عثر في أعماق نفسه على الحكيم الفيلسوف، والمنافع الكبيرة التي تجلت له (بورشاشن، 2020م، ص 473-480). وهكذا فإن نمط ابن طفيل المعتمد في كتابة قصته “يفسح السبيل أمام تآويل شتى” (أركون، 2021م، ص 24). بالغت قصة ابن طفيل الخيالية في قضية القطيعة مع المجتمع وكانت نهايتها اختيار العزلة في جزيرة غير مأهولة بالسكان. الإنسان مدني بطبعه كما تشير الكتب اليونانية والعربية أو كما قال المعلم الثاني، الفارابي (2016م) في مدينته الفاضلة “وكلُّ واحدٍ من الناس مفطور على أنه محتاج، في قوامه، وفي أن يبلغ أفضل كمالاته، إلى أشياء كثيرة لا يمكنه أن يقوم بها كلِّها هو وحده، بل يحتاج إلى قوم يقوم له كلُّ واحدٍ منهم بشيء مما يحتاج إليه” (الفصل السادس والعشرون). وحول هذا المعنى أشار ابن خلدون في مقدمته إذ كتب: “النّوع الإنسانيّ لا يتمّ وجوده وبقاؤه إلّا بالتّعاون بين أبنائه على مصالحهم”.
وفي قراءة مغايرة لا يمكن أن يكون قصد ابن طفيل أن الفرد يستطيع الحياة الكريمة دون الاتصال بالجماعة، لكن غايته من الحكاية الرمزية تمرير إمكانية التوصل للحقيقة من غير الوحي. انعزال حي بن يقظان في نهاية القصة ربما يدل من طرف خفي على انحطاط الأخلاق في عصره (صليبا وعياد، 1939م، ص 50). إن المعنى الحقيقي الذي تحمله سيرة حي ين يقظان “هو التحرر التام من القيود المادية العارضة التي تكبل الإنسان” (أركون، 2021م، ص 17)، والمبالغة في التحذير من الانجراف خلف الفكر المجتمعي. ولعل ابن طفيل “كان خائفا من نقمة الناس” (أبوملحم، 2008م، ص 11) على الفلاسفة فبالغ في بعض مواقفه ومخاوفه في قصته الأسطورية. وعليه فإن استنطاق المعاني المسكوت عنها في مطاوي النص من أصعب الأمور في عملية استكشاف وتفكيك الإشارات الخفية.
ومن المنزلقات المعرفية اليوم دراسة التراث عبر إسقاط المفاهيم الحديثة، المستقاة من نتاج الفلسفة المعاصرة والعلوم الإنسانية، ونواتج التأويل الاستشراقي، على النص التراثي. هذه المزالق وغيرها بطبيعة الحال شوهت كتابات بعض الباحثين، ونتج عنها المبالغة في ابراز التراث العقلاني الفلسفي في الغرب الإسلامي، وتحديدا فلسفة ابن باجة وابن طفيل وابن رشد (بلقزيز، 2014م، ص 353- 354، السكران، 2020م، ص 71). مثل هذه القراءات والمقاربات “الاسقاطية تجنح إلى تضخيم العطاء الفلسفي لابن طفيل ومشروعه؛ فتجعل منه رائدا عبقريا استكشف ومهد الطريق لكبار الفلاسفة المحدثين جميعا” (أركون، 2021م، ص 12). إن فلاسفة الأمس لهم عقلانية تناسب عقلهم وأية محاولة لاستنساخها وتقليدها في عصرنا تفضي إلى تعطيل عقلنا بل من واجبنا أن نأخذ من الماضين انفتاحهم وجسارة عقولهم (الرفاعي، 2018م، ص 193). وعليه، فمن واجبنا نحو التراث أن نستلهم حكمة الماضي عبر اتباع منهج تشجيع الاجتهاد في أوسع نطاق، والمطالبة بالحرية الفكرية ودعم حركة العلوم، وعلينا تسجيل الثناء على قدرة السابقين الفائقة على التجديد عن طريق نبذ التقليد من جانب، وانتاج المعرفة وفقا للسقف المعرفي لعصرهم من جانب آخر.
وعلى المستوى الصوفي فثمة استدراكات يمكن الإشارة لبعضها. إن “في هـذه القصـة يتوصـل الإنسـان “حـي” إلى جملـة الأسـاليب، الـتي تسـاعده على التحرر من أثقال البدن، وتعينـه في التطهـر البـدني والروحـي، فكـان يتشـبه بالأجســام الســماوية، الــتي كــان يعتقــد أنهــا بريئــة عــن الجســمية، وأنهــا أقــرب الموجودات إلى واجب الوجود، فلم يكن (حي) يتناول من الغـذاء إلا مـا تـدعو إليـه الضـرورة في بقـاء الـروح وعلـى غــرار النجـوم، الـتي تمـنح الـدفء للأحيـاء جميعا، كان يتفقد أحوال النباتات والحيوانات ويرعاها. وكان يتشبه بالكواكب في التزام ضروب الحركة على الاسـتدارة، فتـارة يطـوف بالجزيرة، وتارة يدور حول نفسه حتى يغشى عليه” (صوالحة والنسور، 2020م، ص 1024م). وصل ابن يقظان إلى الحق عن طريق العقل والرياضة الروحية وهذا نهج جميل في عمومه أما بعض الأفكار الخاصة بالأفلاك والذوات المفارقة للمادة وربطها بالدين ربما كانت أقرب للوهم والخيال ولعلها مستمدة من المعلومات الشائعة في عصر ابن طفيل (محمود، 2000م، ص 76، 101، 203).
وقد بلغ الأمر بعدد من الكاتبين قديما وحديثا النظر لفكر ابن طفيل على أنه لا يمثل الاتجاه الإسلامي الصحيح مثله مثل فكر ابن سينا وابن النفيس وابن الهيثم والفارابي ومسكويه. كثير من المبدعين في تاريخنا تم توجيه سهام النقد لعقيدتهم (حبش، 2021م، ص 243). لا يستطيع البشر جميعا أن يصلوا إلى العلم بذات الله ومعرفة صفاته ومن هنا كانت النصوص الدينية ضرورة حتمية في الارشاد. ثمة علوم ذوقية وروحية عبر عنها خواص العلماء وحاول ابن طفيل البوح بأسرارها ولكن هل هذه المعارف ضرورة للجميع؟ من قواعد التربية الإسلامية أن العبادات المأثورة تكفي وتفي لتزكية النفس، وتذوق المعاني العالية التي تفيض على أرواح العابدين والمتأملين، والكل يتطلع لفيض فضله ولطفه. “وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” (سورة النور، 21).
هناك كلمات عويصة لدى الصوفية يرتاب منها البعض من مثل كلمة الفناء يستدل البعض على أنها سلبية في حين يصر البعض على أنها إيجابية لأن الفناء الصوفي عند الجنيد أو ابن طفيل يشير إلى تغيير شخصية الإنسان، وجعله عبدا ربانيا (القويدري، 2010، ص 101). تعرضت الحركة الصوفية عبر القرون وإلى اليوم لانتقادات لاذعة وأحيانا تم تفسير مفرداتها على نحو شديد القسوة. تستخلص الباحثة ليلي عطار (1998م، ص 511) أن ابن طفيل سلك “منهجًا تربويًا متميزًا في عرض مراحل النمو الإنساني، وما يحتاجه هذا النمو من حاجات فطرية، ونفسية، ليحقق الغاية من هذا الوجود، مستخدمًا في ذلك الطرق والوسائل والأساليب التي توصله إلى هذه الغاية، وذلك من خلال العرض القصصي الذي أعطى تصورًا مخالفًا عن النظرة الإسلامية للإنسان والغاية من وجوده في بعض الأمور، وقد أهمل ابن طفيل تأثير البيئة، ودور كل من الوالدين والمربين والمعلمين في توجيه الطفل وتقويم سلوكه وتزويده بالمعارف والمهارات المختلفة، لأنه يرى أن الإنسان عنده قدرة فكرية وعقلية يستطيع بها الوصول إلى معرفة الله، ولإبراز فكره أهمل ذلك قصدًا حتى يصل إلى ذلك من خلال مراحل نمو الإنسان وخصائص كل مرحلة”.
“تعتمد الفلسفة على المنهج العقلي والبراهين العقلية، وهو ما ذهب إليه ابن طفيل، ولكن المنهج العقلي قاصر لا يستطيع أن يتوصل إلى جميع الحقائق من تلقاء نفسه، ولو كان له القدرة المطلقة لما احتاج الإنسان إلى الشرائع، فإن غاية العقل أن يدرك بالإجمال حُسن ما أتى الشرع بتفصيله، أو قبحه، فيدركه العقل جملة ويأتي الشرع بتفصيله” (الحازمي، 2004م، 1/342، باختصار). يعتقد خصوم الصوفية أن “التصوف بدعة وضلالة، واستعلاء على الشريعة بدعوى الحقيقة، وإعلاء للباطن على حساب الظاهر، وترويجا للأفكار والمذاهب الدخيلة التى تتحدث عن الفناء والحلول، ووحدة الوجود وإسقاط التكاليف [الشرعية كالصلاة…]، ووقوعا فى أسر البطالة والتواكل والجمود والسلبية، والإعراض عن العلم بدعوى العلم اللدنى.. ويؤكد جمهور علماء التصوف أن الاتحاد الذي يفيد مرتبة القرب من الله “لا يتضمن من قريب أو بعيد أن للعبد وجودا خاصا يتحد بالوجود الإلهى، فإن ذلك محال”. وينبغى ونحن نتحدث عن التصوف ألا نغفل عما حفل به التصوف من تربية أخلاقية وتحليلات نفسية” موفقة تتواءم تماما مع الشرع (انظر: موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة، باختصار). وقد قيل: “التَّصَوُّفُ هُوَ الْخُلُقُ، فَمَنْ زَادَ عَلَيْكَ فِي الْخُلُقِ: فَقَدْ زَادَ عَلَيْكَ فِي التَّصَوُّفِ.”
هناك علاقة بين التصوف والعزلة التأملية وذكر ابن طفيل في قصته “وكان في تلك الشريعة أقوال تحمل على العزلة والانفراد وتدل على أن الفوز والنجاة فيهما، وأقوال أُخر تحمل على المعاشرة وملازمة الجماعة”. هذه رؤية ثنائية كانت تحتمل عرض رؤية ثالثة تتمحور حول التوسط والاعتدال بين الرأيين. بذل ابن يقظان وسعه في التعليم باللطف لأهل الجزيرة إلا أن مساعيه باءت بالفشل حتى يئس منهم فهل هذه نظرة واقعية أم نظرة تشاؤمية؟ إن خدمة المجتمع عبر نشر الوعي الصحيح ولو جزئيا ربما كان أفضل من الاعتزال الكامل. من الملاحظ أن يأس ابن يقظان من اصلاح أهل الجزيرة لم يدفعه إلى التخاصم معهم بل هجرهم هجرا جميلا وانسحب منهم وآثر الاعتزال بلا جدال عقيم صونا للمصلحة العامة، وهذا ربما كان فيه الخير للطرفين.
لقد حث ابن طفيل في جميع عناصر قصته على التجارب التأملية، ولكن التأمُّل العرفاني الرشيد يجب أن لا يَعني “أن نقطعَ علاقتَنا معَ العالَم، بل بالعكس، أنْ نقتربَ منه أكثرَ كي نفهمَه، ونُحبَّه ونُغيِّرَه [ونغير وعي المجتمع ولو بشكل جزئي]. إنه أيضًا وسيلةٌ يستطيعُ كلُّ شخصٍ أنْ يستخدمَها كي يزرعَ الهدوءَ داخلَه ويَتذوَّقَ طَعمَ السَّعادة” مع من حوله (أندريه، 2020م). توصل ابن طفيل إلى أن طريق الفلسفة يختلف عن طريق الدين، “لقد فشل حي بن يقظان في اقناع جمهور سلامان، جمهور المؤمنين، بأن طريقه وطريقهم واحدة، وأن العبادات والطقوس الدينية التي يمارسونها ليست مقصودة لذاتها، بل لأجل أن توصلهم إلى ما وصل إليه هو نفسه، بمجرد النظر والتأمل، وأنهم إن فعلوا مثله، “وارتفعوا” إلى مستواه صاروا في غنى عنها، أو على الأقل فهموا حقيقتها والمقصود منها” (الجابري، 2020م، ص 315).
كان على حي بن يقظان “إن هو أراد أن يكون لتعليمه صدى، أن يقولب تعليمه بحسب فطر الناس، وأن يعطي كل فئة منهم من الحقائق ما يناسب مداركهم ومعارفهم، ولكن شيئا من هذا لم يحدث لأسباب أهمها في نظر ابن طفيل أن الناس طبقات”. “لم يحاول بترقية الجمهور وتربيته التربية التي تؤهله للتواصل معه في مرحلة أولى، ثم لحماية العلم والعمل في مرحلة متقدمة بعد أن يكونوا قد استأنسوا بخطاب جديد بالنسبة لهم ويتعودا على حضوره بين جنبيهم”. وهكذا أخفقت فلسفة تربية “حي” في إيجاد التواصل بين المدينة والفلسفة (أحمد، 2007م، ص 35، 48). من معتقدات ابن طفيل عن عامة الناس أنه لا يمكن مخاطبتهم بطريق المكاشفة وأنه “لا يفوز منهم بالسعادة الأخروية إلا الشاذ النادر وهو مَن أراد حرث الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن… وأن أكثرهم بمنزلة الحيوان غير الناطق علم أن الحكمة كلها والهداية والتوفيق فيما نطقت به الرسل ووردت به الشريعة لا يمكن غير ذلك ولا يحتمل المزيد عليه، فلكل عملٍ رجالٌ وكل ميسر لما خلق له”. وهكذا اعتزل ابن يقظان وانسحب من الميدان؛ ميدان الإصلاح والصبر على أذية الناس، ورفض الاستمرار قي عملية التغيير الاجتماعي وتقريب روح الفلسفة لعامة الناس.
من الملاحظ انتشار قصة “حي بن يقظان” في عالم المطبوعات وعلى شبكة الانترنت بصورة ناقصة من مثل نسخة قواسمي (2018م). ناقصة بمعنى أنها منشورة من غير الشق الأول من الكتاب والمتضمن الإطار الفلسفي (ست صفحات على الأقل) والتي تتضمن مقدمة فلسفية بقلم ابن طفيل. تم حذف الشق الأول من الكتاب ليبدأ الكتاب من عبارة “ذكر سلفنا الصالح – رضي الله عنهم – أن جزيرة من جزائر الهند” دون المقدمة الأصلية والصفحات الأولى. هذا الحذف يخالف قواعد النشر الصحيح ويؤدي إلى تشويه أو سوء عرض الكنوز التراثية. ومن أمثلة الحذف المذكور في شبكة الإنترنت نسخة مؤسسة هنداوي، والمكتبة الشاملة، والمكتبة الشاملة الحديثة، وجامع الكتب الإسلامية وغيرها من المنصات الإلكترونية التي تقدم خدماتها المجانية على نطاق واسع. هذه النسخ من الكتاب في الفضاء السيبراني وعالم المطبوعات لا تقدم لقرائها نسخة كتاب “حي بن يقظان” كاملة، ولا ريب أن المقدمة وتوابعها بقلم ابن طفيل من الأهمية بمكان لا سيما لمن يريد الاطلاع الكامل على الرواية بنسختها الأصلية من أجل تكوين رؤى متكاملة. وعلى أقل تقدير يجب الإشارة إلى أن القصة المنشورة من غير مقدمة المؤلف الأصلية رغم أهمية تلك المقدمة (Hayy ibn Yaqzan, 2021). ما مبرر هذا الحذف؟ وفي حال حذف أي جزء من الكتاب من أجل تبسيطه أو… فإن الأصل الإشارة لهذا الأمر في مقدمة الطبعة لإزالة اللبس. وأخيرا ثمة مقولات جميلة تُنسب لابن طفيل دون إشارة لمصدرها من مثل “العقل مصباح محمول على الرأس، البعض يحمله مضيئاً والبعض الآخر يتركه مطفأً“.
أبرز النتائج والملاحظات
- لا تتعارض حقائق الدين مع النظر العقلي لدى ابن طفيل بل تعزز الاعتقاد الصحيح كما أن التربية الروحية التدبرية قادرة على تحقيق مرتبة عالية من الصفاء والفلسفة بوابة للاستنارة الصوفية.
- الانفتاح على علوم العصر يفسح المجال لاستعراض رؤى جديدة وجريئة، وسيرة ابن طفيل تشع بهذا النموذج فلقد استفاد من علوم عصره لا سيما مكتسبات علوم التعاليم. لقد طرح ابن الطفيل فلسفة التربية في اطار غير مألوف له تأثير عميق في التوجيه نحو طلب العلوم والبحث المنظم والتأمل والتجربة واستثارة عقل المتعلم والمعلم.
- خاض الباحثون ومنذ عدة قرون في الأبعاد العقدية في قصة ابن طفيل وناقشوا مدى قربها من التوحيد الخاص أو الإلحاد الفاضح مع الايغال في تفكيك ألغازها ولكن ثمة مساحات شاسعة في عالمي التصوف والفلسفة والتربية يمكن فتح مغاليقها والاسترشاد بها لبلورة مخرجات تثري ينابيع التفكير، وتعين في استنبات المواهب بعيدا عن مهاوي التكفير، ودهاليز الغموض ومزالق الرمزية.
- لازال فكر ابن طفيل حاضرا بقوة في فضاء الدراسات العربية والأجنبية المنصفة وفي أروقة الموسوعات العالمية، وفي عالم الترجمة، وكثير من الأفلام السينمائية والكرتونية فيها عناصر تشويقية تشترك مع قصة حي بن يقظان. هذا الباب من شأنه أن يعمق نقاط الالتقاء في مسيرة الوعي الإنساني، ويعزز مواطن المشتركات الفكرية بين الأمم مع الأخذ بأسباب الحضارة.
- إرث ابن طفيل مدخل جميل لفهم تطور الفكر التربوي في عصر النهضة الغربية من جهة، واستكشاف عناصر البيئة الثقافية الأندلسية، وملاحقة مساهمات الفكر العربي في رفد مسيرة القصة من منظور تربوي من جهة أخرى.
- سعى ابن طفيل نحو اعلاء شأن الفكر والفلسفة والتأمل والنظر والاعتبار والتجربة وجميع العمليات الفكرية العاملة بثبات واقتدار على ايقاظ العقل ورفض الغفلة والتقليد. قال ابن طفيل “قومٌ لهم فكرةٌ تجول بهم … بين المعاني، أولئك النُّجُبُ”.
- كتابة حكاية “حي بن يقظان” على هذا النحو البديع علامة فارقة على إتيان ابن طفيل بما لم يُسْبق إليه من توليد أفكار نقدية تمنح القصة العربية مكانة تعليمية رفيعة على خارطة الثقافة العالمية.
- ربط ابن طفيل بين محبة الدين والتوسع في العلوم الطبيعية، وهذا اتجاه حيوي لعالمنا العربي اليوم ويجب ترسيخه في تعليمنا المعاصر كي يستعيد العلم عافيته، والفكر فاعليته في تعمير الأرض بسلاحي العلم والإيمان وبما يلبي حاجات الحاضر، وتطلعات المستقبل.
- كتب ابن طفيل أكبر منظومة تعليمية (شعر تعليمي) في الطب وربما صاحب أكبر منظومة في اللغة العربية وهي ثروة لعالم الأدب والطب والتربية الصحية.
- مهما تعارضت أو توحدت الآراء حول إرث ابن طفيل فهو مجدد من طراز فريد، وجهوده محل تقدير عالمي وتحكي للدارسين من شتى المذاهب أن ابن طفيل الأندلسي نَسيج وَحْده.
- آمن ابن طفيل بقوة الفكر واللغة العربية والتصوف والطب والفلسفة والعلوم العقلية والنقلية. مرحلة الذوق والكشف والإلهام والمشاهدة والرؤية مرحلة لاحقة تسبقها تراكم الملاحظات الدقيقة المقترنة بالاستنتاجات المترابطة مع تمكن في حذق العلوم. لقد ركز ابن الطفيل في رؤاه على الخبرة الحياتية الميدانية، والسببية، وعمق التأمل، وسلامة الفطرة الإنسانية، وأهمية الحياة الدينية والبيئية والفلسفية والأدبية وكلها مسائل مفصلية في التربية المعاصرة.
الخاتمة
لقد أنجبت الحضارة الأندلسية مجموعة علماء تركوا بصمة صالحة في ميادين شتى طورت الاتجاهات الفكرية ورسمت مظاهر الثقافة الإسلامية منهم ابن حزم الأندلسي، وابن باجة، وابن عبدالبر القرطبي، وابن زُهر وابن رشد وابن طفيل الصوفي الفيلسوف القصاص. تحكي قصة ابن يقظان تشعب الأسس التربوية لدى ابن الطفيل وروحه العالية الجسورة، وفلسفته الواسعة الباحثة عن دواخل النفس، ودلالات الوجود الإنساني، والتي أعطت العقل حقه في رحلة الاستكشاف والتأمل مع بسط الأمثلة في بيان الفروق الفردية في تنمية النفس.
سعت هذه الورقة إلى تجلية ومراجعة جملة من الأفكار التربوية التأسيسية عند ابن طفيل لتحديد روح فلسفته في نظرية المعرفة وصولا إلى التعريف بغاياتها ودواعيها وتداعياتها من جهة، وتقدير تلك المساهمات الفياضة عبر الاستفادة من فضائلها واستلهام جوانب الريادة الفكرية من جهة أخرى. من خلال رائعته الخالدة وقصته البديعة؛ “حي بن يقظان” قدح ابن الطفيل زناد الابداع التربوي في تنوير الفكر وتنويعه، واستحضار المعاني الكامنة والكشف عن بواطنها لتوليد أنساق معرفية تثري السياق التعليمي وفي نفس اللحظة تعكس متانة ورحابة الفكر الإنساني المتناغم مع البيئة الطبيعية للوصول إلى السعادة عن طريق معرفة الأشياء والنفس والناس وصولا لتوحيد رب الناس واستكمال الفضائل الإنسانية.
إن اعلاء شأن الفكر والحث عليه، وتعلم مهاراته، وتسخير القصص في سبيل ايقاظه والنهوض به، والاستمتاع بثماره من أعظم وسائل التربية الراقية. إن عملية استنبات العبقريات لا تتم بمعزل عن توظيف القصص في ميدان رعاية المواهب وبناء الفكر المتعطش للاستكشاف والخيال والتساؤل للابحار بحثا عن هذه المساعي الفلسفية.
وفي هذا السياق فإن استثمار التراث لا يعني القطيعة الثقافية مع الواقع كما لا يعني التعسف في تأويل الماضي ليخدم الحاضر. تحرص الأمم الحيّة على الحفاظ على فريد أدبها، وجميل موروثاتها، وسحر أساطيرها، وغرائب حكاياتها المتناقلة عبر القرون لأنها تمثل ينابيع معرفية تشكل هويتها من جهة، ولأن في طياتها الكثير من المعاني الإنسانية المشتركة المليئة بالأمل والمشعة بالطاقة الإيجابية من جهة أخرى. وها هي التقنيات الإعلامية الحديثة أضحت صناعة عصرية تقوم على قدمٍ وساقٍ وتعمل بكامل طاقتها في انتاج القصص وعرض الأفلام المستلهمة من إرثها الثقافي القديم وتحوطها هالات المجد والخيال العلمي والأدبي والعاطفي. إن العودة الواعية لفحص تراثيات الأدب العربي في إطار المستجدات العصرية وسيلة لترسيخ هويتنا العربية العريقة، وإرساء القيم الإسلامية، وإيجاد تطبيقات تربوية أصيلة وفاعلة تتماشى مع معطيات عصرنا مع التركيز على تصفية الباطن وتنمية العقل عبر العناية بالعلوم. القراءة الصحيحة لمسيرة الإنسان طريقة لإثراء الواقع وتطوير واقعه، وبناء نظريات إنسانية أكثر تأثيرا وامتدادا.
إن من أشكال الهشاشة التربوية في عالمنا العربي ذلك العجز الذي يصيب البعض حتى لا يكاد يبصر ذخائره التراثية الثمينة بل ربما صار الدخيل من الأجانب أكثر وعيا بها، وأعظم استفادة منها. وكم من فيلم سينمائي أجنبي تصدر شباك التذاكر في دور السينما العربية وحقق أرباحا مالية وثقافية عن طريق عرض أفلام سينمائية باهرة، وأعمال كرتونية تلفزيونية مذهلة مستوحاة من قصص عربية تراثية؟ وهكذا قد ينجح غيرنا في تطعيم ثقافته وتجديد القديم عبر إعادة الانتاج الإبداعي وبث كنوز الماضي بومضات عصرية. تشير معطيات دراستنا الحالية إلى أن قصة حي بن يقظان لابن طفيل نبع ثري العطاء لا ينضب رغم تطاول القرون والدهور.
أهم المصادر والمراجع العربية:
- ابن الخطيب، محمد بن عبد الله (1424هـ). الإحاطة في أخبار غرناطة. دار الكتب العلمية، بيروت.
- ابن الزيات، يوسف بن يحي (1997م). التشوف إلى رجال التصوف. تحقيق أحمد التوفيق. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط.
- ابن المقري التلمساني (1997م). نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، دار صادر- بيروت.
- ابن طفيل، محمد بن عبد الملك (2016). حي بن يقظان. القاهرة: ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي.
- ابن عاشور، الطاهر ( 1984 م) التحرير والتنوير. تونس، الدار التونسية للنشر: تونس.
- ابن نبي، مالك (1423هـ – 2002م). مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي. المكتبة الشاملة.
- أبو زيد، منى (1425هـ-2004م). ابن الطفيل، في: موسوعة أعلام الفكر الإسلامي. القاهرة.
- أحمد، فؤاد (1428هـ-2007م). الفلسفة والفشل عند ابن طفيل. ط1، بيروت: دار الهادي.
- أركون، محمد (2021م). تقديم ابن طفيل. موقع: مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث.
- الإسكندري، ابن عطاء (1442ه- 2021م). التنوير في إسقاط التدبير. دمشق: دار التقوى.
- آمال، صادق – فؤاد أبو حطب. نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين. ط4، مكتبة الأنجلو.
- أمين، أحمد (2008م). مقدمة المحقق في: ذخائر العرب: حي بن يقظان لابن سينا وابن طفيل والسهروردي. ط4، القاهرة: دار المعارف.
- أمين، أحمد (2013م). ظهر الإسلام. مؤسسة هنداوي.
- أندريه، كريستوف (2020م). تأمَّل يومًا بعد يوم: ٢٥ درسًا للعيش بوعي كامل. ترجمة: سامح عبد الكريم صالح. مؤسسة هنداوي.
- أيفانهوف، أومرأم ميخائيل (2020م). أفكار يومية. ترجمة: كارلا أبي حنا عطا الله. ط1، بيروت: الرافدين.
- باسترناك، تشارلز (2017م). جوهر الإنسانية. ترجمة: زينب عاطف. القاهرة: مؤسسة هنداوي.
- باقارش، صالح -والآنسي، عبدالله (1306 هـ-1986م). مشاهير الفكر التربوي عبر التاريخ. ط1.
- بالنثيا، آنخل جنثالث (2008م). تاريخ الفكر الأندلسي. ط2، القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية.
- بدوي، عبدالرحمن (2019). موسوعة الفلسفة. ط2، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
- بلقزيز، عبدالإله (2014م). نقد التراث. ط1، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
- بلوط، علي الرضا قره – بلوط، أحمد طوران قره (1422هـ – 2001م). معجم تاريخ التراث الإسلامي في مكتبات العالم – المخطوطات والمطبوعات، ط1، دار العقبة، قيصري – تركيا.
- بنهار، أسامة (2017م). تحليل أعراض الجهاز الهضمي في أرجوزة ابن طفيل. كلية الطب والصيدلة، جامعة سيدي محمد بن عبدالله، فاس: المغرب.
- بوجمعة، الأعرج (2015م). آراء ابن طفيل في التربية: حي بن يقظان. موقع مركز نقد وتنوير.
- بورشاشن، إبراهيم (2016م). هل نحن في حاجة إلى ابن طفيل. موقع: مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث.
- بورشاشن، إبراهيم بن عبدالله (2020م). مشكلة الشر عند ابن طفيل. مجلة التفاهم: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية: سلطنة عمان. العدد7، السنة 18، خريف 2020م، الصفحات من 15-28.
صوالحة، محمد أحمد – النسور، تيسير رجب (2011م). قصة حي بن يقظان – دراسة تحليلية ونقدية. م7، ع27، حولية كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات: الإسكندرية. - بوملحم، علي (2008). حي بن يقظان لابن طفيل. بيروت: دار ومكتبة دار الهلال.
- بيلو، صالح آدم. حول الشعر التعليمي، ، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
- الجابري، محمد (2020). نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي. ط3، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية.
- الجابلي، سعيد (2021م). الفارابي الرائد البعيد لإبستمولوجيا العلوم الإنسانية حلال العصر الوسيط: دراسة في منزلة العلم المدني بين العلوم العقلية. موقع حكمة: hekmah.org
- الجزيرة (2020م). حي بن يقظان وروبنسون كروزو.. جدل فرنسي جديد حول قصة عربية قديمة ألهمت فلاسفة الغرب. شبكة الجزيرة الإعلامية: aljazeera.net
- الجعفري، إسماعيل إبراهيم (2010م). الفكر التربوي العربي الإسلامي في أصول التربية. الأردن: اليازوري.
- جمعة، محمد لطفي (2013م). تاريخ فلاسفة الإسلام. القاهرة: ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ.
- جهامي، جيرار ، دغيم، جيرار (2006م). الموسوعة الجامعة لمصطلحات الفكر العربي والإسلامي: تحليل ونقد. ط1، بيروت: مكتبة لبنان ناشرون.
- جيمس، ويليام (2020). تنويعات التجربة الدينية. ط1، مركز نهوض للدراسات والنشر: الكويت.
- الحازمي، خالد بن حامد (1424/2004م). مصطلح فلسفة التربية في ضوء المنهج الإسلامي (دراسة نقدية). الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. السنة 36، العدد 124.
- حبش، محمد (1442هـ-2021م). أعلام التنوير في الإسلام. ط1، الشارقة: مركز دراسات الحضارة والتنوير.
- حسين، طه (2014م). حديث الأربعاء. مؤسسة هنداوي.
- حسين، أبولبابة. السنة النبوية وحي من الله محفوظة كالقرآن الكريم. المكتبة الشاملة.
- الحكيم، سعاد (1433هـ-2012م). قيم المعرفة والسعادة بين ابن طفيل وابن جاجة. مجلة التفاهم. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية: مسقط. العدد 36، السنة 10، ربيع 2012م، ص ص 121-149.
- حمداوي، جميل (2017 م). نظريات التعلم بين الأمس واليوم. ط1. موقع جامع الكتب الإسلامية.
- حنفي، حسن (2014م). تقديم: حي بن يقظان. تحقيق وتعليق أحمد أمين. قطر: وزارة الثقافة والفنون.
- الخطيب، رشا. التعريف بالأدب الأندلسيّ في إنجلترا في القرن السَّابع عشر – ترجمات رسالة حي بن يقظان أنموذجًا. منتدى العلاقات العربية الدولية: https://fairforum.org/
- الخولي، عبد البديع (1985م). الفكر التربوي في الأندلس: 403 هـ-478. ط2، دار الفكر العربي.
- الخولي، يمنى طريف (2014م). أمين الخولي والأبعاد الفلسفية للتجديد. موقع مؤسسة هنداوي.
- الدباغ، محمد بن عبد العزيز (1404هـ-1984م). الأرجوزة الطبية لابن طفيل. مجلة دعوة الحق، العدد: 239، ذو القعدة، الرباط: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية .
- درويش، باسل (2021م). المسلمون ألهموا سبينوزا ولوك وديفو. موقع: عربي21.
- دويدري، هناء (2021م). ابن باجة. في الموسوعة العربية السورية. ج4، ص 539.
- ديركي، هيفرو. ابن طفيل: محمد بن عبدالملك. موقع الموسوعة العربية. دمشق.
- الذهبي، شمس الدين (10404هـ-1985م). سير أعلام النبلاء. ط3، بيروت: الرسالة.
- الرافعي، مصطفى صادق (2013م). تاريخ آداب العربي. القاهرة: الهنداوي.
- ربيع، محمد شحاته. التراث النفسي عند علماء المسلمين. ط3، القاهرة: دار المعرفة الجامعية.
- رضا، محمد جواد (1418هـ – 1997م). التربية الإسلامية: أصولها وأعلامها ومستقبلها، تساؤلات في جدلية الإسلام والحادثة. عمان: دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع.
- رضوان، شعبان جاب الله (1429هـ – 2008م). ابن الطفيل: حي بن يقظان قصة تربوية فلسفية. في: علم النفس في التراث الإسلامي. ط1، القاهرة: دار السلام.
- الرفاعي، عبد الجبار (2018م). الدين والظمأ الأنطولوجي. ط3، بغداد: مركز دراسات فلسفة الدين.
- ريبيرا، خوليان (1994م). التربية الإسلامية في الأندلس: أصولها المشرقية وتأثيراتها الغربية. ترجمة الطاهر أحمد مكي. ط2، دار المعارف: القاهرة.
- زاده، جواد غلام (2010م). نشأة المنظومات التعليمية في الأدب العربي. موقع رابطة أدباء الشام.
- الزركلي، خير الدين بن محمود (2002م). الأعلام. ط15، بيروت: دار العلم للملايين.
- زكريا، فؤاد (2019م). آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة. المملكة المتحدة: مؤسسة هنداوي.
- زيدان، يوسف (1419هـ- 1998م). حي بن يقظان: النصوص الأربعة ومبدعوها. ط2، مصر: دار الأمين.
- السامرائي، خليل وآخرون (2000م). تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس. ط1، دار الكتاب الجديد المتحدة.
- السكران، إبراهيم بت عمر (1441هـ-2020م). التأويل الحداثي للتراث. ط1، مصر: كتبكم.
- الشاذلي، عبدالمنعم أحمد (1443هـ-2021م). حضور في الماضي .. وغياب في الحاضر. المجلة العربية: العدد: 539، محرم-أغسطس. ص ص: 22-25، الرياض.
- الشطي، سليمان (1437هـ – 2015م). الأدب والفلسفة: الفيلسوف أديبا. مجلة الكويت: العدد: 384، أكتوبر.
- الشقيري، أحمد (1441هـ- 2020م). أربعون. ط12، بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون.
- شمس الدين، عبدالأمير. الفكر التربوي عند ابن طفيل في كتابه حي بن يقظان. ط1، بيروت: الشركة العالمية للكتاب.
- شوماخر، إيرنست فريتز (1438هـ). دليل الحائرين: خريطة معرفية لقراءة المذهب العلموي والمادي. ترجمة: مركز دلائل. مراجعة وتعليق عبدالله الشهري. الرياض: مركز دلائل.
- صالح، مدني (1400هـ-1980م). ابن طفيل قضايا ومواقف. بغداد: منشورات وزارة الثقافة والإرشاد.
- صليبا، جميل – عياد، كامل (1358 هـ-1939م). حي بن يقظان لابن طفيل الأندلسي. ط2، مكتب النشر العربي. دمشق:
- صليبا، جميل (1414هــ – 1994 م). المعجم الفلسفي. الشركة العالمية للكتاب: بيروت. موقع: جامع الكتب.
- ضيف، أحمد شوقي (1995 م). تاريخ الأدب العربي. دار المعارف. المكتبة الشاملة.
- ضيف، أحمد شوقي. الفن ومذاهبه في النثر العربي، ط13، القاهرة: دار المعارف. المكتبة الشاملة الحديثة.
- طاهر، علي هادي (2006). نظرية المعرفة عند ابن طفيل. مجلة دراسات تاريخية، مج. 2006، ع. 2. الصفحات: 125 – 169. جامعة البصرة – كلية التربية للبنات.
- العابد ، برهان ، الموسوعة العربية: ابن زهر، 10/452. دمشق. موقع الموسوعة العربية.
- عبدالحافظ، مجدي (2005م). فكرة التطور عند فلاسفة الإسلام. القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة.
- عبدالعاطي، فاطمة (1431هـ- 2010م). التربية الذاتية بين النظرية والتطبيق. ط1، القاهرة: دار الكتاب الحديث.
- العراقي، عاطف (1992م). الميتافيزيقيا في فلسفة ابن طفيل. ط5، القاهرة: دار المعارف.
- العزام، إدريس (1983م). البعد الاصلاحي في فلسفة ابن طفيل الاجتماعية. المجلة العربية للعلوم الإنسانية، مجلد 3، عدد 11، صيف 1983. جامعة الكويت.
- عطار، ليلى عبد الرشيد (1419 هـ – 1998 م). آراء ابن الجوزي التربوية «دراسة وتحليلا وتقويما ومقارنة». ط1، منشورات أمانة للنشر، ميريلاند – الولايات المتحدة الأمريكية. المكتبة الشاملة.
- العقاد، عباس محمود (2013م). الفلسفة القرآنية. ط1، مؤسسة هنداوي.
- العقاد، عباس محمود (2014م). ابن رشد. ط1، مؤسسة هنداوي.
- العقاد، عباس محمود (2014م). أثر العرب في الحضارة الأوروبية. مؤسسة هنداوي.
- العقيقي، نجيب (1964م). المستشرقون. ط3، دار المعارف القاهرة: مصر.
- علي، جمال حسين (2021م). عنقاء الكتب. القبس الثقافي. العدد 10، سبتمبر. الكويت.
- علي، غيضان السيد (2017م). ابن طفيل والدلالات الفلسفية لقصة حي بن يقظان وأثرها في الفكر الإنساني. موقع الكلمة: العدد ( 96 ) السنة الرابعة والعشرون ، صيف 2017م / 1438هـ.
- عنان، محمد عبد الله (1417هـ-1997م). دولة الإسلام في الأندلس. ط4. مكتبة الخانجي، القاهرة.
- عويضة، كامل محمد (1413هـ-1993). فيلسوف الإسلام في العصور الوسطى. ط1، بيروت: دار الكتب العلمية.
- غالب، مصطفى (1991م). في سبيل موسوعة فلسفية: ابن طفيل. بيروت: دار ومكتبة الهلال.
- الغامدي، عبدالرحمن بن عبدالخالق (1418 ه ، مدخل إلى التربية الإسلامية، الرياض، دار الخريجي.
- الغذامي، عبدالله (1442ه – 2021م) العقل المؤمن/ العقل الملحد. ط2، الرياض، العبيكان.
- غريب، عبدالكريم (2006م). المنهل التربوي. ط1، الدار البيضاء: منشورات عالم التربية.
- الغزالي، محمد (بدون تاريخ). الجانب العاطفي من الإسلام، مصر، دار نهضة مصر، الأولى.
- الغنيم، عبدالله يوسف (1441هـ-2020م). التربية والتعليم في التراث العربي: كيف علم القدماء أبناءهم. ط1، الكويت: ذات السلاسل.
- غونتر، سيباستيان (1436هـ-2015م). حي بن يقظان لابن طفيل والمعرفة والتنوير والأخلاق في الإسلام الكلاسيكي. مجلة التفاهم: مسقط، العدد 48، السنة 13م. ربيع 2015م، ص ص 169-194.
- غونتر، سيباستيان (1441ه-2020م) ، المعرفة والتُّراث العلمي في الإسلام ما قبل الحديث : إرثٌ فكريٌّ ثريٌّ في مجال التقاطع بين التعليم والدِّين. ترجمة: رضوان ضاوي، مجلة التفاهم، مسقط، شتاء 1441هـ، العدد 68، السنة 18، الصفحات: 229 – 282.
- غونتر، سيبستيان (1437هـ-2016م). آراء العلماء المسلمين القدماء في نظرية التربية. مجلة التفاهم: وزارة الأوقاف والشـــؤون الدينية، مسقط، عدد 51، شتاء. الصفحات 223-252.
- غونتر، سيبستيان (2015م). حي بن يقظان لابن طفيل و المعرفة والتنوير والأخلاق في الإسلام الكلاسيكي. مجلة التفاهم: مسقط. المجلد 13، العدد 48 (31 مارس/آذار)، ص ص. 1-35.
- الفارابي، أبو نصر محمد (2016م). آراء أهل المدينة الفاضلة ومضاداتها. ط1، مؤسسة هنداوي.
- الفرحان، محمد جلوب (1999م). الخطاب التربوي الإسلامي. ط1، بيروت: الشركة العالمية للكتاب.
- قواسمي، رنا (2018م). ابن طفيل: حي بن يقظان: قصة فلسفية. ط2، الأردن: الأهلية.
- القويدري، الأخضر (1430هـ-2010). الفكر التربوي الصوفي. تقديم :نظلة الجبوري. دمشق: دار نينوى.
- الكتاب المقدس: ترجمة تفسيرية (1988م). القاهرة.
- الكريباني، سعد (1442هـ-2021م). مجالس التأثير. ط1، الرياض: العبيكان.
- الكندري، لطيفة (1434هـ-2013م). ملامح التربية الإسلامية في الأندلس. مجلة التربية، جامعة الأزهر. العدد: 152 ج3، يناير 2013م.
- كولينز، جون – أبراين، نانسي باتريسيا (2008م). قاموس دار العلم-غرينوود للمصطلحات التربوية. ترجمة حنان كسروان. مراجعة الترجمة هالة سنو. ط1، بيروت: دار العلم للملايين.
- كولينز، راندال (2019م). علم اجتماع الفلسفات: التأثير الاجتماعي والسياسي في نشأة الفلسفات والأفكار. ترجمة فريق جسور للترجمة. مراجعة/ خليفة الميساوي. ط1، جسور للترجمة والنشر.
- كيلاني، كامل (2010م). روبنسون كروزو. مؤسسة هنداوي.
- كيلاني، كامل (2011م). حي بن يقظان. مؤسسة هنداوي.
- ماهروزادة، طيبة (1422ه-2001م). فلسفة كانط التربوية. تعريب: عبدالرحمن العلوي. ط1، بيروت: دار الهادي.
- محمد، محمود الحاج قاسم (1986م). قراءة في أرجوزة ابن طفيل في الطب. مجلة معهد المخطوطات العربية – المجلد الثلاثون: ج 1 “جمادى الأولى – شوال 1406، يناير – يونيو 1986م.
- محمود، زكي نجيب (2020م). المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري. مؤسسة هنداوي.
- محمود، عبدالحليم (2000م). فلسفة ابن طفيل وقصة حي بن يقظان. القاهرة: دار غريب.
- مراد، بركات محمد (2002م). فلسفة ابن باجة واتجاهه النقدي. حوليات الآداب و العلوم الاجتماعية – فلسفة، مجلد 22 ، رسالة 179 ، مارس 2002. جامعة الكويت: مجلس النشر العلمي.
- المراكشي، عبد الواحد بن علي التميمي (1426هـ – 2006م). المعجب في تلخيص أخبار المغرب. المحقق: صلاح الدين الهواري الناشر: المكتبة العصرية، ييروت، ط1، المكتبة الشاملة الحديثة.
- مرسي، محمد (1425هـ/ 2005م). التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية. عالم الكتب.
- معجـــــم المصطلحات التربوية والنفسية (2016م)، مكتب التربية العربي لدول الخليج.
- مقدسي، جورج (1422هـ-2021م). نشأة الإنسانيات عند المسلمين وفي الغرب المسيحي. نقله إلى العربية وقدم له وعلق عليه أحمد العدوي. ط1، القاهرة: مدارات لأبحاث والنشر.
- مكاوي، عبد الغفار (2020م). لِمَ الفلسفة: مع لوحة زمنية بمعالم تاريخ الفلسفة. ط1، هنداوي.
- ملك، بدر – الكندري، لطيفة (2009م). الجوانب التَّرْبِويَةِ لأسْماء اللَّهِ الحُسْنَى. مجلة كلية التربية، جامعة بنها، المجلد 19، العدد 80، أكتوبر. مصر.
- ملك، بدر- الكندري، لطيفة (1441هـ-2019م). تطور الفكر التربوي. ط1، مكتبة الفلاح: الكويت.
- منصور، أشرف (1443هـ-2021م). ضرورة الفلسفة في الثقافة العربية المعاصرة. المجلة العربية: العدد: 539، محرم-أغسطس. ص ص: 20-21، الرياض.
- موجز دائرة المعارف الإسلامية (1418هـ -1998م). تحرير: م.ت. هوتسما، وآخرون. المراجعة والإشراف: حسن حبشي وآخرون. ط1، مركز الشارقة للإبداع الفكري.
- الموسوعة العربية (2021م). أبان اللاحقي. موقع الموسوعة العربية: دمشق.
- موسوعة الكويت العلمية للأطفال (1407ه- 1987م). ط1، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.
- موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة (بدون تاريخ). المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – مصر.
- الميداني، عبد الرحمن (1412هـ – 1992م). صراع مع الملاحدة حتى العظم. ط5، دمشق: دار القلم.
- نشوان، حسين (1443هـ-2021م). من مساءلة الخارج إلى الحفر في الداخل. المجلة العربية: العدد: 539، محرم-أغسطس. ص ص: 14-15، الرياض.
- نصر، سيد حسين (2019م). الفكر والحياة الإسلامية. ترجمة عمر نور الدين. القاهرة: آفاق.
- هودجسون، مارشال (2021م). مغامرة الإسلام: الضمير والتاريخ في حضارة عالمية. ترجم أسامة غاوجي. ط1، الشبكة العربية للأبحاث والنشر. بيروت.
- وطفة، علي أسعد (2012م). حي بن يقظان رائعة الفلسفة والتربية عند ابن طفيل الأندلسي. موقع مركز الرافدين للبحوث والدراسات الاستراتيجية.
- وطفة، علي أسعد (2021م). مرايا حوارية: مراد غريبي يحاور المفكر والأكاديمي د. علي أسعد وطفة في مرايا فكرية (1). صحيفة المثقف: العدد 5475 (almothaqaf.com).
- وطفة، علي أسعد- سعد الشريع (2011م، 2015) التربية تاريخا والفكر التربوي تطورا. ط3. الكويت.
- وود، برنارد (2016م). تطوُّر الإنسان: مقدمة قصيرة جدًّا. ترجمة: زينب عاطف. ط1، هنداوي.
- يالجن، مقداد (1424هـ-2003م). علم الأخلاق الإسلامية. ط2، دار عالم الكتب.
المراجع الأجنبية
- Abu Bakr Muhammad ibn Tufayl. (2004). In Encyclopedia of World Biography (2nd ed., Vol. 8, p. 96). Gale. https://link.gale.com/apps/doc/CX3404703189/GVRL?u=norm94900&sid=bookmark-GVRL&xid=5a79f89a
- Baeshen,L. M. S. (1986). Robins Crusoe and “Hayy Bin Yaqzan”: A Comparative Study (Tufail, Defoe). (Doctoral Dissertation). University of Arizona. Retrieved from: http://hdl.handle.net/10150/183936
- Britannica, T. Editors of Encyclopaedia (2020, August 20). Ibn Ṭufayl. Encyclopedia Britannica. https://www.britannica.com/biography/Ibn-Tufay
- Guenther, S (2018). Ibn Tufayl on Learning and Spirituality without Prophets and Scriptures: A Glimpse of the Mystery of Mysteries. Institute for Advanced Study (https://www.ias.edu/). Accessed date: 3.8.2021.
- Hayy ibn Yaqzan .” World Literature and Its Times: Profiles of Notable Literary Works and the Historic Events That Influenced Them. . Retrieved August 16, 2021 from Encyclopedia.com: https://www.encyclopedia.com/arts/culture-magazines/hayy-ibn-yaqzan
- Montada, Josép Puig, “Ibn Bâjja [Avempace]”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Spring 2018 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/spr2018/entries/ibn-bajja/>.
- Pritchard, Michael, “Philosophy for Children”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2020 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2020/entries/children/>.
- sattari, A. (2016). An Investigation of Ibn Tufail’s Philosophical Thought in Hayy ibn Yaqdhan Novel and its Implications. The Journal of New Thoughts on Education, 11(4), 27-54. doi: 10.22051/jontoe.2016.2205
- Steitieh, D. M (2016). Ibn Tufayl (c 1106-85). In The Routledge Encyclopedia of Educational Thinkers. 1st ed, Edited by Joy A. Palmer Cooper. NY: Routledge.