الملخص:
يواجه الشّباب بدول شمال أفريقيا والشّرق الأوسط اليوم تحديّات كبرى، أهمّها: التّعليم والتّوظيف والتّلاحم الاجتماعي؛ حيث لا يزال عدد كبير من الأطفال والشّباب غير ملتحقين بالمدرسة أو عرضة لخطر التّسرّب الدّراسي، في الوقت الذي تستمرّ فيه البطالة في الارتفاع دون أن تستطيع المدرسة أن توفّر لهم المهارات اللّازمة لدخول عالم العمل والنّجاح فيه، إضافة إلى احتدام العنف ومظاهر الصّراع والتّطرّف من دون أن يتملّك هؤلاء الشّباب أدوات التّخفيف من حدّتها أو التّخلّص من آثارها عليهم. وهو الأمر الذي يُسائل نظم التربية التّقليديّة السّائدة في معظم هذه البلدان، ويدعو إلى إقرار إصلاحات جوهريّة تقوم على بيداغوجيا المهارات الحياتيّة والمواطنة؛ بما ينمّي الإمكانات البشريّة للشّباب، ويزودهم بالمهارات الضّروريّة للحياة ومواجهة ما يتعرّضون له من مواقف وتحدّيات بفعاليّة واستدامة، ويعزّز قدراتهم على التّكيّف والانتقال من التّنمية غير الفعّالة إلى المشاركة المواطنيّة المسؤولة.
يسعى هذا المقال إلى تسليط الضّوء على التّجربة المغربيّة في إدماج مهارات الحياة والمواطنة في المنهاج الدراسيّ للتّعليم الإعداديّ، والتّعريف بها وبالمنهجيّات المعتمدة في ذلك، وكذا مستويات العمل ببيداغوجيا مهارات الحياة والمواطنة، ثمّ أهمّ المداخل الموجهة للتّدريس القائم على مهارات الحياة والمواطنة، إضافة إلى الصّعوبات والإكراهات التي تواجه التّجربة وسبل تطويرها.
الكلمات المفاتيح: مهارات الحياة والمواطنة- المنهاج الدّراسيّ- التّجربة المغربيّة.
Abstract:
Youth from North Africa and the Middle East countries face major challenges, the most important of which are: education, employment, and social cohesion. Many children and young people are still not enrolled in school or are at risk of dropping out. While unemployment continues to increase, the school cannot provide the youth with the skills necessary to enter and succeed in the labor world. Besides, violence, conflicts, and extremism are intensifying, whereas these young people do not possess the tools to alleviate or eliminate their impact on them. This calls into question the traditional education systems prevailing in most of these countries and calls for fundamental reforms based on the pedagogy of life skills and citizenship. The purpose is to develop the human potential of young people, equip them with the skills necessary for life to face the situations and challenges they are exposed to effectively and sustainably, and enhance their ability to adapt and move on from ineffective development to civic and responsible participation.
This research seeks to shed light on the Moroccan experience in integrating life skills into the secondary preparatory school curriculum, the methodologies adopted by experimental institutions, as well as the levels of activating the pedagogy of life skills and citizenship in the study programs. It also highlights the most important pedagogical and didactic approaches directed at teaching based on life skills and citizenship, in addition to the difficulties and constraints facing the experience and ways to develop it.
Key words: Life Skills and citizenship -The Curriculum – Moroccan Experience.
1- تقديم:
لا يختلف اثنان على أنّنا نعيش اليوم في عالم يتغيّر بسرعة نتيجة عدّة أسباب، أهمّها: مشكلات الانفجار الدّيموغرافي، ومشكلات التّغيّر المناخيّ والتّلوّث البيئيّ، وتحدّيات التّسارع التّقنيّ، والانفجار المعرفيّ، والعلاقات البشريّة المعقّدة التي أضحت من أهمّ سمات العصر. وهو الأمر الذي يمارس ضغوطا شديدة على معظم الدّول للاهتمام بقضايا التّربية ومشاكلها، باعتبارها مفتاح مواجهة مشاكل المستقبل، وما يرافق ذلك من الحاجة الملحّة لتغيير نظم التّربية التّقليديّة والبحث عن نظم جديدة تواكب العصر[1].
كما يواجه الشّباب في شمال أفريقيا والشّرق الأوسط، في هذا السّياق، ثلاثة تحدّيّات غير مسبوقة: التّعليم والتّوظيف والتّلاحم الاجتماعيّ؛ إذ لا يزال عدد كبير جدا من الأطفال غير ملتحقين بالمدرسة، فيما يبقى عدد منهم عرضة لخطر التّسرّب الدّراسيّ؛ كما أنّ البطالة آخذة في الارتفاع بشكل مطّرد في حين أن أنظمة التّربية والتّعليم لا توفّر للشّباب، لاسيّما الفتيات منهم؛ المهارات اللازمة لولج سوق الشغل والنّجاح فيه، إضافة إلى ما يواجهه هؤلاء من عنف ومظاهر الصّراع والتّطرّف دون أن يتملكوا أدوات التّخفيف من حدّته أو التّخلّص من آثاره عليهم.
ويرجع ذلك، في نظرنا، إلى أن نظم التّربية التّقليديّة السّائدة في معظم هذه البلدان تفرض على الفصول الدّراسيّة قيودا تحرم الأطفال والشّباب من التّكيّف مع واقع الحياة اليومية، كما تلقي بهم في بعض الأحيان، في أتون التّعصّب والعنف، حين يُستخدم التّعليم مجالا لنشر المعتقدات المتطرّفة وتلويث عقول النّاشئة بقيم الجمود والتّقليد والكسل والتّواكل[2].
ويستدعي الأمر التّدخّل العاجل لإقرار إصلاحات جوهريّة على الأنظمة التّربويّة، بما يُعاظم الإمكانات البشريّة لجميع الأطفال والشّباب، ويُحسن إعدادهم للحياة ومواجهة تحدّياتها بفعالية واستدامة، ويُعزز قدراتهم على التّكيّف والاستجابة لمتطلّبات القرن الواحد والعشرين[3] من مرحلة الطّفولة إلى مرحلة البلوغ، ثمّ من التّعليم إلى العمل، ومن التّنشئة غير المتبصّرة إلى المواطنة المسؤولة والنّشطة.
وقد دفع ذلك بعدد من الدّول إلى تبني ”التّعليم المستند إلى المهارات الحياتيّة”[4]، والذي يرمي إلى تنمية قدرات المتعلّمين وتزويدهم بالمهارات الضّروريّة لمواجهة ما يتعرّضون له من مواقف وتحدّيات من مرحلة الطّفولة إلى مرحلة البلوغ، ومن المدرسة إلى العمل ثم بعد ذلك إلى المشاركة المواطنة والمسؤولة.
ويرجع ذلك إلى أنّ هذا النّوع من التّعليم يُعدّ عنصراً مهمّاً في جعل المتعلّمين أكثر ثقة بأنفسهم، ويزيد من إقبالهم على العيش في هذا العالم وتقبّل تغيّراته المفاجئة، كما يرمي أيضا إلى تطوير ميول المتعلّمين وتوجّهاتهم إلى تبني الأنماط السّلوكيّة المتوازنة والمواقف الإيجابيّة تجاه الذّات والآخر والمحيط.
وقد عملت وزارة التّربية الوطنيّة المغربيّة منذ 2018، بتعاون مع منظمة اليونيسف، على تطوير برنامج إدماج مهارات الحياة والمواطنة في المناهج الدّراسيّة بسلك التّعليم الثّانوي الإعداديّ، ضمن برامج أخرى ذات المرمى نفسه، بما في ذلك نموذج الفرصة الثّانية لليافعين واليافعات ممّن هم خارج المدرسة، وبرنامج التّوجيه المدرسيّ والمهنيّ، بما يساعد المتعلّمات والمتعلمين على تطوير مهاراتهم الحياتيّة وبناء مشروعهم الشّخصيّ، وفهم خياراتهم المدرسيّة والمهنيّة، ودعم المهارات اللّازمة لذلك[5].
وارتبطت مرحلة العمل التّجريبيّة لهذا البرنامج بأربع أكاديميّات جهويّة، هي:( أكاديميّة جهة سوس ماسة، وأكاديميّة جهة طنجة تطوان الحسيمة، وأكاديميّة جهة مراكش آسفي، ثمّ أكاديميّة جهة الشّرق وجدة)، من خلال فرق تربويّة للمواد الدراسية وفريق تربويّ وطنيّ من المفتّشين التربويين تشرف عليه مديريّة المناهج، وبمواكبة خبراء دوليّين أمثال ميشل دوفلاي(Michel Develay)، ودوني باجي(Denis Paget)، وماركاريت ألتي(Marguerite Altet). وقد أوكلت لهذه الفرق مهمّة التّفكير في سبل إدماج مهارات الحياة والمواطنة في مختلف مسارات الفعل البيداغوجيّ بسلك التّعليم الثّانوي الإعداديّ، بما في ذلك مسار البرامج الدراسيّة لجميع المواد، وكذا المسار البين-تخصّصي للمواد الدّراسيّة، ثمّ مسار الحياة المدرسيّة والنّوادي التّربويّة. وذلك وفق خطّة يتوافق فيها الإطار المفاهيميّ والبرامجّي لليونيسف بالاجتهادات التّربويّة للفريق الوطني للبرنامج والفرق الجهويّة والمحليّة، بهدف إنتاج الأدوات البيداغوجيّة الملائمة لتطوير مهارات الحياة والمواطنة وتنميتها موازاة مع إرساء التّعلّمات الخاصّة بمختلف المواد الدّراسيّة، سواء على مستوى التّخطيط، أو التّدبير أو التّقويم والاستثمار، وما يتطلّبه ذلك من نحت الموجّهات العامّة لممارسة بيداغوجيّة متبصّرة تضع المتعلّم في صلب العمل التّربويّ، وتتحوّل تدريجيّا من التّعليم إلى التّعلّم، ومن التّلقين إلى البناء، ومن الذّاكرة إلى التّوظيف، ومن التّقويم الجزائيّ إلى التّقويم التّكوينيّ، ومن التّعلّم بالمدرسة إلى التّعلّم مدى الحياة.
- فما المقصود بمهارات الحياة والمواطنة؟
- كيف تمّ تطوير تجربة إدماج مهارات الحياة والمواطنة في المنهاج المغربيّ؟
- ما هي مستويات تفعيل بيداغوجيا مهارات الحياة والمواطنة في البرامج الدّراسيّة؟
- ما هي المداخل البيداغوجيّة والدّيداكتيكيّة الموجّهة للتّدريس القائم على مهارات الحياة والمواطنة؟
- ما هي الصّعوبات والإكراهات التي تواجه هذه التّجربة وسبل تطويرها؟
2- مهارات الحياة والمواطنة:
يقصد بمهارات الحياة “مجموعة من المهارات النّفسيّة والاجتماعيّة التي تساعد الفرد على اتّخاذ القرار والتّواصل بفعاليّة وإدارة الذّات بما يساعد على مواجهة متطلّبات الحياة اليوميّة بنجاح وإلى اندماج أفضل في الحياة المهنيّة، وليكون عنصرا إيجابيّا ومؤهّلا للإسهام في بناء مجتمعه”[6].
لذلك، فهي تصبو إلى إعادة تشكيل فهمنا للتّعليم عموما ولتعلّم المواطنة، من خلال التّركيز على الغرض من التّعليم ودوره في التّنمية المجتمعيّة وفي الوضع القيميّ العامّ، ودور المدرسة في إعادة تشكليه؛ خاصّة في سياق افتقار الأطفال والشّباب للمهارات الفرديّة النّفسيّة منها والاجتماعيّة والمعرفيّة اللّازمة للنّجاح في المدرسة والعمل والحياة جملة. إنّ تطوير التّربية على مهارات الحياة والمواطنة حسب هذا الفهم ليس قصرا على مرحلة تعليميّة بعينها، وإنّما يُمكن تطوير هذه المهارات مدى الحياة، وفي مختلف الأسلاك والمراحل والمستويات، المدرسيّة منها والجامعيّة وكذا المهنيّة. وذلك وفق منظور متّسق ومنسجم يتكامل فيه ما يتعلّمه الفرد في المدرسة أو الجامعة أو المركز المهنيّ، مع ما يمارسه في الحياة اليوميّة؛ حيث تتوافق مهارات الحياة والمواطنة مع المواقف والسّلوكات والقدرات التي يحتاجها الفرد/ المتعلّم بشكل يوميّ فردا له احتياجات خاصّة تحقّق فرديّته، ومواطنا معنيّا بالعيش المشترك، وبالحفاظ على مستقبل آمن، وبالقدرة على التّكيّف مع تقلّبات الحياة وتدبير الأزمات.
لذلك انتظم تطوير منظور التّربية على مهارات الحياة والمواطنة ضمن أربعة أبعاد متكاملة ومترابطة؛ هي أبعاد الشّخصيّة الإنسانيّة، وفق العلوم المعرفيّة والبيداغوجيا المعاصرة.
3- أبعاد تعلّم مهارات الحياة والمواطنة:
حدد جاك ديلور (Jacques Delors )في تقرير اليونسكو لعام 1996 “التّعلّم: ذلك الكنز المكنون” مرتكزات التّعليم مدى الحياة في أربعة دعائم، وهي ذاتها الأبعاد التي يستند إليها تعلّم مهارات الحياة والمواطنة. وهي: التّعلّم للمعرفة، والتّعلّم للعمل، والتّعلّم لنكون، ثمّ التّعلّم للعيش المشترك[7].
وتُمكّن هذه الأبعاد من بناء الشّخصيّة المتكاملة التي لا تُختزل في التّعلّم للمعرفة أو في البعد المعرفيّ الإدراكيّ فحسب، بل تتعدّاه إلى البعد التّطبيقيّ (الإجرائيّ/العمليّ) من خلال وضع التّعلّم النّظريّ موضع التّنفيذ في سياقات الحياة اليوميّة استجابة لمتطلّبات سوق العمل المتغيّرة باستمرار من جهة، ولتطور العلوم المعرفيّة من جهة ثانية، ثمّ البعد الفرديّ الذّاتيّ الموجّه لتحقيق الذّات والنّموّ الشّخصيّ والتّمكين الفرديّ للمتعلّم، إضافة إلى البعد الاجتماعيّ والقيميّ المرتبط بتعزيز التّعلّم من أجل المواطنة وقيم العدالة والدّيمقراطيّة، بما يحقّق التّماسك الاجتماعيّ والتّنمية المستدامة.
لذلك كانت نقطة التّحوّل الأساسيّة نحو الجودة في التّعلّم من منظور المهارات الحياتيّة هي توجيه التّعليم والتّعلّم إلى مختلف أبعاد شخصيّة الفرد[8]، باعتباره ذاتا معرفيّة -نفسيّة -اجتماعيّة وعمليّة، تسعى لتحقيق فَرْدِيتها. وهو ما يتقاطع مع بيداغوجيا الكفايات في حرصها على تأسيس حالات ثابتة (Etats Persistants) عند المتعلّم، تجعل إنجازاته ممكنة وملحوظة في شكل قدرات ومهارات تسمو على المعرفة وتستقلّ عنها. وتتبلور هذه المهارات أو القدرات في إطار الموادّ الدّراسيّة أو في تفاعلها فيما بينها أو في مجالات أخرى موازية لها[9].
ويمكن توضيح تفاعل أبعاد التّعلّم في بناء مهارات الحياة والمواطنة على النّحو الآتي:
3- 1- البعد المعرفيّ أو التّعلّم من أجل المعرفة(Le Savoir):
إنّ هذا النّوع من التّعلّم لا يستهدف اكتساب المعارف التي تدوّن وتقنّن، بقدر ما يسعى إلى إتقان أدوات المعرفة ذاتها. إنّه يرتبط بتطوير القدرة على التّركيز وحلّ المشكلات والتّفكير النّقديّ، وكذا تنمية الفضول المعرفيّ والرّغبة في الحصول على فهم أفضل للعالم وللبشر، إضافة إلى الإبداع والتّعامل البنّاء مع السّياقات التّكنولوجيّة والرّقميّة المعقّدة، وكذا التّكيّف مع مواقف الحياة المختلفة. ويحظى التّعلّم من أجل المعرفة باهتمام متزايد بالنّظر إلى أنّ تعلّم مهارات الحياة ذات الصّلة به، يعزّز اكتساب المتعلّم الكفايات الأكاديميّة الأساس كالقراءة والحساب والكتابة وتكنولوجيا المعلومات والاتّصال، باعتبارها قنوات لاكتساب المعرفة وأدوات إنتاجها أوّلا، ومدخلا لتطوير مهارات جديدة واكتساب معارف جديدة ثانيا.
3- 2- البعد الذّاتيّ أو التّعلمّ من أجل الكينونة(Le Savoir-être):
يتعلّق هذا التّعلّم بتحقيق الذّات والنّموّ الشّخصيّ والتّمكين الذّاتي من خلال تنمية المهارات المعرفيّة الذّاتية ومهارات التّعامل مع الآخرين، من قبيل التّواصل وإدارة الذّات والصّمود وقوّة التّحمّل…إنها تندرج تحت القدرة على إدارة العواطف والضغوط والدوافع، وكذا مجابهة اكراهات الحياة اليومية بمسؤولية وإصرار ونزاهة؛ حيث يتعلم الأطفال واليافعين» أن لا خطر يمكن أن يحذق بهم إن هم تحملوا عواقب أخطائهم، ولن يتعرضوا لأي توبيخ أو إذلال أو معاناة، خاصة حين يتعلمون التخلي عن ذهنية الضحية التي تجد في الآخر المسؤول الأول عن الاخفاقات، مثل القول: [منحني المُدرس 05 نقط]، بدل تحميل الذات هذه المسؤولية، والقول: [لقد حصلت على 05 نقط، لأني لم أعمل بما يكفي للحصول على نتيجة مرضية]« [10].
ويقترن التعلم من أجل الكينونة على المستوى المعرفي بالتعلم المضبوط ذاتيا، حيث يتخذ التعلم شكل سيرورة يثير بواسطتها المتعلم تصرفات معرفية ووجدانية موجهة نحو الهدف الذي يرمي إلى تحقيقه، وفق استراتيجيات معرفية وضبط ذاتي يُمَكّنُ من حوافز هامة للتعلم، منها[11]:
- تشكيل أحكام تقييمية ذاتية لعمليات التعلم؛
- تدبير الجهد كما وكيفا وفقا للقصديات ومواضيع التعلم؛
- تدبير القلق في مواجهة المعيقات والخوف، بما يُفسر الإقبال على التعلم من عدمه؛
- بناء استراتيجيات تحفيزية قصدية وفقا لمعالم وأهداف ذاتية.
3-3- البعد العمليّ أو التّعلّم من أجل الفعل (Le Savoir-faire):
يستند هذا البعد على مهارات: التّعاون، والتّفاوض، وصنع القرار. وهي مهارات تدعم تطبيق المتعلّمين من الأطفال والشّباب لمكتسباتهم وتعلّماتهم على أرض الواقع، إضافة إلى تكييف هذه التّعلّمات مع حاجاتهم اليوميّة ومشكلاتها. ويقود هذا البعد إلى تفعيل مبدأ الوظيفيّة (la Fonctionnalité) في التّعلّم باعتباره مبدأ أساسا من مبادئ التّعليم المتمركز حول المتعلّم، حيث يقع استعمال أنشطة تعليميّة تقارب ما يجده المتعلّمون في مجالات الحياة اليوميّة المختلفة بخلاف الأنشطة الصّيفيّة التّقليديّة، ممّا يعطي معنى للتّعلّم ويدخل التّوظيف والواقع العمليّ إلى الفصول الدّراسيّة. كما يسمح ذلك بخدمة عالم الأعمال والمقاولة المتغيّر بفعل متطلّباته المتجدّدة أو بفعل التكنولوجيا واحتياجات الشّباب خلال انتقالهم من التّعلّم إلى العمل.
3- 4- البعد الاجتماعيّ أو التّعلّم من أجل العيش المشترك (Le Savoir-vivre):
وهو تعلّم قيميّ يعزّز رؤية المتعلّم للمواطنة والعيش المشترك، بما يلائم حقوق الإنسان وقيم المواطنة ومبادئ العدالة والدّيمقراطيّة، ويشكّل هذا البعد الأساس الأخلاقيّ للأبعاد الثّلاثة الأخرى. ويتعلق الأمر بمهارات المشاركة، والتّعاطف واحترام التّنوّع.
ولا ينبغي اعتبار أبعاد التّعلّم الأربعة معزولة عن بعضها بعضا، إنّما هي متكاملة ومتفاعلة بشكل ديناميكيّ، بما ينسجم مع شخصيّة الإنسان الحديث ويعزز حاجته إلى التّعلم مدى الحياة[12].
ويعدّ التّعلّم مدى الحياة في تقرير ديلو أحد مفاتيح القرن الحادي والعشرين. ويتعلّق بتجاوز التّمييز التّقليديّ بين التّعليم الأساسيّ والتّربية المستمرة؛ ويستجيب للتّحدّي الذي يطرحه العالم المتغيّر بسرعة والتّغير العميق للأنماط التّقليديّة للحياة، والحاجة إلى فهم الآخرين على نحو أفضل وتحسين فهمنا للعالم[13]. ويعني ذلك تعلّم كيفيّة العيش معا بتنمية المعرفة بالآخرين ومعرفة تاريخهم وتقاليدهم ومعتقداتهم، ثمّ الانطلاق من ذلك في بناء تفكير جديد يدفع المرء إلى التّضامن المتزايد والتّوافق حول المستقبل بمخاطره وتحدّيّاته، وتدبير النّزاعات التي يغذّيها التّقدّم العلميّ والتّطوّر الاقتصاديّ والاجتماعيّ بشكل سلميّ.
وقد جرى حصر الاثنتي عشرة مهارة حياتيّة باستخدام أبعاد التّعلّم الأربعة، وفق الشّكل1: اعتمادا على مراجعة واسعة لأدبيّات مهارات القرن 21، وفق ثلاث خطوات، شملت الخطوة الأولى قائمة تحليليّة شاملة للمهارات الواقعة تحت كلّ بعد من أبعاد التّعلّم الأربعة، استنادا إلى القضايا الاجتماعيّة والاقتصاديّة الرّئيسة بمنطقة شمال أفريقيا والشّرق الأوسط[14]. فيما ارتبطت الخطوة الثّانية بتحديد مجموعة مكوّنة من ثلاث مهارات لكلّ بُعد استنادا إلى أهمّيتها وتأثيرها على ذلك البعد وشمولها لمهارات أخرى فرعيّة عديدة. أمّا الخطوة الثّالثة فقد تأسّست على إجراء تحليل عميق للمهارات الاثنتي عشرة بالنّظر إلى الطّبيعة المتداخلة لأبعاد التّعلّم الأربعة والمهارات ذات الصّلة بكلّ منها، وإبراز أهدافها وإسهامها في كلّ بعد، وكذا إسهاماتها في الأبعاد الأخرى.
وبذلك تقدّم كلّ مهارة من المهارات الاثنتي عشرة عند مقاربتها من منظور الأبعاد الأربعة للتّعلّم رؤية شاملة ومتماسكة للتّعلّم المستند إلى القيم، من حيث هو رؤية تحويليّة للتّعليم، لا تقتصر فقط على تحقيق الأداء النّاجح في العمل ولا تعتبر التّعليم مجرد نشاط اقتصادي يحقّق أقصى قدر من النّموّ والإنتاجيّة[15]، وإنّما هو تعليم يدعم الكرامة والإنسانيّة ويعزّز القيم الفكريّة والأخلاقيّة، ويؤدّي دورا في التّماسك الاجتماعيّ، ويتماهى مع قيم المواطنة والعيش المشترك ونبذ العنف.
4- علاقة مهارات الحياة والمواطنة بالمواد الدّراسيّة ومضامين التّعلّم:
غالبا ما يتمّ الخلط بين الموادّ الدّراسيّة أو مضامين التّعلّم ومهارات الحياة والمواطنة، بالنّظر إلى سيادة اعتقاد يرى أن تطوير مهارات الحياة والمواطنة ينبغي أن يرتبط بمواضيع ملائمة لهذه المهارات أو أن تكون هذه المهارات نفسها مواضيع ومجالات للتّعلّم. وهو ما يقوّي النّزعة التّخصّصيّة والفصل بين الموادّ الدّراسيّة والمضامين التّعليميّة، ويعزل تعلم مهارات الحياة والمواطنة عن سياقاتها المعرفيّة واليوميّة في الآن نفسه.
إنّ هذا الخلط يظلّ غير مبرّر إذا علمنا أن كلّ مادة دراسيّة ومضامينها التّعليميّة، التي يمكن أن تكون مجالات ومواضيع تخصصيّة يتمّ من خلالها العمل على تطوير مهارات حياتيّة وتحسين مستوى تعليمها وتعلّمها. كما يمكن لهذه المهارات أن تدعم تعلّم المادّة التّخصّصيّة في الآن نفسه.
لهذا كان رهان التّجربة المغربيّة على تطوير مهارات الحياة والمواطنة من داخل المناهج والبرامج الدّراسيّة مع الحفاظ على التّعلّمات المقرّرة في مختلف التّخصّصات؛ وهذا رهان لا يَركب السّهل، بل يستدعي الكثير من التّفكير والتّأمّل والتّجريب. وكان البدء بطرح سؤال الكيف، وسُبل المواءمة بين المهارات الحياتية وبين الكفايات التّخصّصيّة.
إن التّخصّصات في مقاربة مهارات الحياة والمواطنة مجالات مواضيعيّة أو أكاديميّة أو معرفيّة يتمّ فيها إدماج مهارات الحياة والمواطنة، بغرض الزّيادة في فرص الوصول إلى هذه التّخصّصات. وبذلك فهي بمثابة سياقات تربويّة تُساعد على إدماج مهارات الحياة والمواطنة، كلّما كانت هذه المجالات أو السّياقات التّعليميّة أصلية ووظيفيّة، وذات صلة وثيقة بالواقع والحياة جملة.
ولذلك تعتبر المقاربة بالكفايات والتّعليم المتمركز حول المتعلّم والبيداغوجيّات النّشطة من أهمّ المسارات السّالكة لربط الموادّ التّخصّصيّة ومضامينها بصقل مهارات الشّباب وتطوير كفاياتهم وتعزيز قابليّتهم للتّوظيف بعيدا عن الفهم النّظريّ للمواد والتّخصّصات.
ولئن ارتبطت المحتويات الدّراسيّة عادة بمواد محدّدة، فإنّ من النّادر أن تتعلّق مهارة من مهارات الحياة والمواطنة بمادّة بعينها، أو أن تكون مهارة مميّزة لتلك المادّة الدّراسيّة، وعلى الأرجح أنّ مهارة حلّ المشكلات مثلا يمكن أن ترتبط بتحديد حقبة زمنيّة معنيّة في درس التّاريخ أو بحلّ مسألة في الرّياضيّات، وكذلك الشّأن في كتابة رسالة تهنئة في درس لغة من اللّغات. لذلك، فمهارة حلّ المشكلات باعتبارها مهارة من البعد المعرفيّ ليست متعلّقة بأيّ مادّة بعينها أو بمجال مواضيعيّ معين. فبما أنّنا نتعلّم حل المشكلات عندما نكتب رسائل التّهنئة، وعندما نَحْسُب، أو عندما نفكّر في التّاريخ، فإنّنا ندرك أن هذه المهارة تتطوّر داخل جميع الموادّ الدّراسيّة. ويستوي الأمر كذلك بالنّسبة إلى مهارة التّواصل؛ إذ تحضر في جميع الموادّ، ويكفي أن ننظر فيما يقوله بعض الدّيداكتيكيّين أمثال بروسّو (Brousseau)، حين ركّز على أهمّية التّواصل في تعلّم الرّياضيّات[16].
فلا غرو بعد ذلك أن يكون التّعاون للعيش بشكل متضامن بعيدا عن كلّ أشكال التّعصّب، والتّفكير النّقدي بهدف أخذ المسافة الضّروريّة عن الأخبار الزّائفة والإشاعة، وعدم الانسياق وراءها، وكذا صنع القرار بما يعنيه من القدرة على التّمييز بين الممكن والمحتمل من جهة، وبين المؤكّد، ثمّ حلّ المشكلات المستجدّة في الفترات الصّعبة سواء على مستوى النّشاط البدنيّ، أو العيش مع أفراد الأسرة مجتمعين، أو القدرة على الصّمود أمام الظروف الضّاغطة الاقتصاديّة منها والصّحيّة، إضافة إلى الإبداع في إيجاد آليّات وطرق مجابهة المواقف والظّروف الصّعبة، وجميعها مهارات حياتيّة يمكن أن يكتسبها المتعلّم بمقدار ما يكتسبه من المهارات والمعارف التّخصّصيّة التي قد تكون مجزأة أو مفصولة عن مصدرها أو معزولة عن الفائدة المرجوّة منها، أو فاقدة للمعنى إجمالا.
5- منظورات تعلّم مهارات الحياة والمواطنة:
يقوم تعلّم مهارات الحياة والمواطنة في البرامج الدّراسيّة على تقاطع منظورات أربعة توافق التّفاعل الحيويّ للأبعاد الأربعة للتّعلّم مع أبعاد شخصيّة المتعلّم الفرد، وتوضّح كيف يكتسب الفرد ميولاته، ويطوّر اتّجاهاته، وينمّي سلوكاته، بما يمكّن من إشباع حاجاته، ورغباته، ويساعده على التّكيّف مع ذاته وبيئته ومحيطه، وتجعله قادرا على تحمّل المسؤوليّة ومواجهة التّحدّيّات التي يفرضها العصر. إنّ هذه المنظورات تسمح بالنّظر إلى مهارات الحياة والمواطنة على أنها غير منفصلة عن المعارف التّخصّصيّة، بل هي جزء منها، وتتطوّر في ضوئها بشكل نسقيّ من خلال مقاربة بيداغوجيّة تستهدف تغيير أساليب التّدريس وطرقه ومنهجيّاته، وكذلك نظرتنا إلى التّربية والتّعلّم؛ بالانتقال من منظور المادّة المعرفيّة أو المدرّس المستند على التّلقين والشّحن إلى منظور التّعليم المتمركز على المتعلّم، وتعليم التّعلّم، وتنمية شخصيّة المتعلّم الفرد في أبعادها المختلفة المعرفيّة منها والمنهجيّة التّطبيقيّة والذّاتيّة الفرديّة ثمّ الاجتماعيّة. ونذكر من ذلك:
5- 1- منظور التّعلّم الاجتماعيّ:
يقوم هذا المنظور على نموذج التّعلّم بالملاحظة ضمن حقل سوسيولوجيا التّربية، انطلاقا من افتراض أنّ الإنسان كائن اجتماعيّ يتأثّر باتّجاهات الآخرين ومشاعرهم وتصرّفاتهم وسلوكاتهم؛ أي إن باستطاعته التّعلّم منهم عن طريق ملاحظة استجاباتهم وتقليدها وإمكانيّة التّأثّر بالثّواب والعقاب على نحو غير مباشر. وهذا ما يعطي التّعليم طابعاً تربويّاً، لأنّ التّعلّم لا يتمّ في فراغ بل في محيط اجتماعيّ[17].
ويعتبر ألبرت باندورا (Albert Bandura) التّعلّم بالملاحظة مصدرا هامّا لتعلّم السّلوك من خلال التّعرّض لعدد كبير من النّماذج؛ حيث يحدث التّعلّم بالتّفاعل بين مكوّنات ثلاثة، وذلك اعتمادا على التّقليد والمحاكاة[18] :
فالمتعلّم فرد وكائن اجتماعيّ يعيش ضمن مجموعة من الأفراد يتفاعل معهم ويؤثّر فيهم ويتأثّر بهم، حين يلاحظ سلوكات الآخرين وعاداتهم اليوميّة واتّجاهاتهم ويعمل على تعلّمها من خلال الملاحظة والتّقليد. ويتمّ هذا التّعلّم اعتمادا على عمليّات ذهنيّة تبدأ بالانتباه والملاحظة ثمّ الاحتفاظ والتّركيز أو التّخزين في الذّاكرة عبر التّمثيل الرّمزيّ، ممّا يتولّد عنه بناء الدّافعيّة نحو ميول ومواقف واتّجاهات.
5- 2- منظور النّموّ والسّلوك المُشكل:
إن سلوك المراهق، بما في ذلك السّلوكات الخطرة، يمكن إرجاعها إلى تفاعلات معقّدة بين الأفراد وبيئتهم، وهو ما يقتضي خلق نظام اجتماعيّ نفسيّ يحتوي متغيّرات تعمل بمثابة مثيرات وضوابط للسّلوك المشكل، وهو الأمر الذي سينتج عنه نزوع اجتماعيّ جديد نحو سلوكات بديلة. لذلك فتطوير مهارة حياتيّة كالتّفكير النّقديّ مثلا يمكن أن يؤثّر على متغيّرات أخرى كالتّسرّب الدّراسيّ والعنف المدرسيّ.
5- 3- منظور النّظريّة المعرفيّة:
ترى هذه النّظريّة أنّ تطوير الكفاية وبناءها يتطلّب تدريس مهارات حياتيّة إيجابيّة مثل حلّ المشكلات والتّفكير النّقديّ، لأنّ ذلك يمكن أن يخفّض السّلوكات الانفعاليّة ويمنع السّلوكات المشينة، إذ تركّز هذه المهارات على أمرين:
-القدرة على توليد حلول بديلة لمشكلات علائقيّة شخصيّة؛
– القدرة على وضع إطار مفاهيميّ لعواقب السّلوكات المختلفة.
5- 4- منظور التّعلّم المتمركز حول المتّعلّم:
اختار البرنامج تبنّي نموذج التّعليم المتمركز على المتعلّم[19]، باعتباره براديغما ابستمولوجيا للمعرفة يستند إلى النّظريّة السوسيوبنائيّة[20] التي تقول بالأسبقيّة المطلقة للذات العارفة في بناء معارفها الخاصّة؛ إذ لا تستطيع الذات العارفة، وفق هذا المنظور، أن تكوّن معرفتها انطلاقا من الواقع فحسب، بل هي بالضّرورة معرفة تتمخّض عن التّجربة الخاصّة لهذه الذات، فالمعرفة لا تستقلّ أو تنفصل عن الذّات. فكلّ معرفة من وجهة نظر البنائيّة “مرتبطة بالذّوات القائمة بفعل المعرفة… ذلك أن كلّ فرد يسعى، باستمرار، إلى بناء العالم وهو يبني ذاته نفسها، بحيث يتمكن من الاندماج فيه، ويحتلّ فيه موقعا مؤتمنا”[21].
إنّ المتعلم لا يبني معارفه بالإخبار والتّلقين[22]، بل يبني معارفه بنفسه، عبر التّجارب التي يعيشها في المدرسة وفي محيطه. وانطلاقا ممّا سبق أن عاشه في هذا المحيط، ومن التّفاعلات مع الآخرين. لذلك فالمعرفة، بما في ذلك المعرفة العلميّة المرموزة في البرامج الدّراسيّة، وكذا ما يتولّد عنها من مهارات عقليّة وميول واتّجاهات، لا تقبل التّلقين، لأنّ المتعلّم يبني بنفسه معارفه ومهاراته واتّجاهاته حول المعارف المدرسيّة.
ويقوم التّعليم المتمركز على المتعلّم على أربعة مبادئ، هي:
5- 4- 1- مبدأ الأصالة (Authenticité):
ويتعلّق باستجابة الأنشطة التّربويّة لمقاييس اقترابها، بل تطابقها مع واقع الحياة، بهدف جعل التّعلّمات تسهم في تنشئة المتعلّم ومساعدته على التّفاعل الإيجابيّ مع المجتمع والمشاركة في تطويره. وهذا لا يتأتى إلّا بربط المادّة التّعليميّة بالواقع المعيش وبقضايا الثّقافة العصريّة. وذلك باعتماد أنشطة تعليميّة من صميم العصر والممارسة اليوميّة. علما أن حقل المادّة التّعليمية »لا يتحدّد فحسب بالموضوعات التي تبحث فيها، بل أيضا – وهذا هو الأساسيّ- بالأنشطة التي تمارسها الذّات العارفة على تلك الموضوعات. وهذه الأنشطة تتحدّد بدورها بالأهداف التي تروم تلك الذّات تحقيقها داخل الحقل الخاصّ بتلك المادّة العلميّة أو المدرسيّة« [23].
فلا ينبغي أن ينصبّ اهتمام المدرّس على شحن أذهان الأطفال واليافعين بمضامين الموادّ الدّراسيّة ومحتوياتها؛ وإنّما بإمداد فكرهم بأدوات لتنظيم خبراتهم الشّخصيّة على مستوى الوعي والتّفكير العقليّ والممارسة عبر وضعيّات ديداكتيكيّة يواجهون فيها الأنساق الصّورية للمواد الدّراسيّة ويكتسبون منها طرائق في التّفكير وتصنيف الظّواهر والوقائع والحكم عليها، بشكل يسمح بنقل هذا التّعلّم خارج الوضعيّات المدرسيّة الخاصّة[24].
5- 4- 2- مبدأ الوظيفيّة (Fonctionnalité):
يتمثّل مبدأ الوظيفيّة في توخّي أنشطة تقارب الممارسات الحياتيّة الحقيقيّة. وبخلاف الأنشطة التّقليديّة، فإنّ الأنشطة الوظيفيّة ترتبط بواقع الحياة، إذ تدخل إلى الفضاء المدرسيّ ما يجده المتعلّمون في مجالات الحياة اليوميّة المختلفة.
يربط البعد الوظيفيّ بإنجاز تطبيقات عمليّة لاستعمالات التّعلّمات المدرسيّة في الحياة اليوميّة؛ من خلال وضعيّات يواجهها المتعلّم مستعينا بما يتعلّمه في المدرسة. ويظهر هذا المبدأ في التّقاطع والامتداد الممكن بين التّعلّم والحياة، أو بمعنى آخر كلّ ما يحقق مبدأ ملاءمة التّعلّم لمتطلّبات الحياة. ولا يتعلّق الأمر بتطبيق مكتسبات التّعلّم فقط؛ بل باستعمال هذه المكتسبات ونقلها بكيفيّة مناسبة إلى مختلف الوضعيّات الدّالة في الحياة الشّخصيّة والاجتماعيّة[25].
ويمكن تعميق المبدأ الوظيفيّ في التّعلّم باعتماد مقاربة الملاءمة القائمة على تعلّم مهارات الحياة والمواطنة، بالاستحضار المستمرّ لتساؤل أساس في سياق تخطيط وإنجاز كلّ درس أو وحدة دراسيّة: كيف أجعل تعلّم المتعلّمين مفيدا لهم في الحياة اليوميّة ويفي بمتطلّباتها؟ إنّ السّؤال يستحضر بكيفيّة ضمنيّة كيفيّة تجسيد الملاءمة بين تنمية قدرة المتعلّمين على توظيف ما يتعلّمونه في سياق عمليّ.
- قراءة جدول بيانات قصد الحصول على معلومات؛
- فحص خرائط أو صور أو أشكال لاستخراج معلومات وظيفيّة؛
- فحص تقرير علميّ أو تقنيّ لكتابة تلخيص له أو تقرير موجز؛
- صياغة تقرير حول مناولة علميّة؛
- لعب أدوار من أجل التّدريب..؛
- حلّ المشكلات؛
- رسم استبيان أو خريطة أو تحضير جدول؛
- إنجاز مراسلات أو تقارير…
5- 4- 3- مبدأ تكييف المادّة التّعليميّة (Adaptation):
يُعرّف هذا المبدأ إجرائياً، بأنّه أحد طرق التّعلّم التي يُقدّم فيها التّعلّم وفقا لأنماط وأساليب وخصائص المتعلّمين المختلفة، وذلك بمراعاة فروقهم الفرديّة أو بيئات التّعلّم.
ويتعلّق التّكييف تحديدا بالبيئة التّعليميّة أو المحتوى التّعليميّ أو طريقة عرضه بشكل كمّيّ وكيفيّ، عبر إعداد أنشطة أكثر تلاؤما مع خصوصيّات المتعلّمين. ويشمل ذلك العديد من العمليّات، منها:
- إضافة معلومات أو أنشطة من البيئة المحلّيّة؛
- حذف معلومات قصد تبسيط المادّة وجعلها أكثر أو أقلّ صعوبة وتحديّا؛
- تغيير محتوى الأنشطة أو شكلها لجعلها أكثر تلاؤما مع خصوصيّات المتعلّمين؛
- تبسيط المفردات والتّراكيب أو كليهما لجعل النّصّوص ملائمة؛
- إضافة أنشطة لتعميق التّعلّم؛
- تقديم المادّة باستعمال مداخل ووسائط مختلفة (الذّكاءات المتعدّدة)؛
5- 4-4- تقديم المادّة باعتماد طرائق وصيغ التّنشيط المختلفة.مبدأ التّعلّم مدى الحياة:
تسعى التّربية مدى الحياة في مجملها إلى إطالة زمن التّعلّم وعمره حتى يشكّل قوة إضافيّة في يد الفرد والمجموعات البشريّة، لربح رهانات عصر العولمة ومجتمع المعرفة[26]. لذلك كان التّشديد على تحيين التّعلّم وجعله دائم التّغيّر لاكتساب المتعلّمين الكفايات والمهارات التي يتطلّبها عصرهم واندماجهم، ويتيح فرص التّنمية والتّطوير المهنيين المستمرّين. وكذا التّعليم الشّامل لحياة الفرد كاملة، بما يمكّن من تزويد أفراد المجتمع بالأدوات الضّرورية لتفتّح شخصيّاتهم واندماجهم الاجتماعيّ الفعّال، وإسهامهم في مجتمع المعرفة بشكل إيجابيّ.
إنّ المبادئ الأربعة للتّعلّم المتمركز حول المتعلّم تتآزر فيما بينها لتشكّل التّطبيق العمليّ للنّظريّة السّوسيوبنائيّة؛ إذ إنّها تتمفصل أثناء تفاعلها تمفصلا يحقّق الانسجام والتّماسك، وليس ذلك فحسب، بل إنّ كلّ واحد منها يغذّي المبادئ الأخرى على نحو مستمرّ. فالتّآزر الوظيفيّ بين هذه المبادئ الأربعة هو الذي يجعل من النّموذج منظورا ملائما لسيرورة بناء المعارف والتّعلّمات؛ غير أنّ بيت القصيد لا يكمن في استيعاب هذا التّصوّر النّظريّ فحسب، بل في القدرة على تفعيله عمليّا في الممارسة الصّفّيّة.
ومعلوم أن قدرة المدرّسين على نقل التّعلم النّشط أو التّعلم المتمركز على المتعلّم من حيز المبادئ والتّصور النّظريّ إلى حيز الممارسة العمليّة الصّفّيّة، تشكّل العامل الوحيد الأكثر أهميّة في تطبيق مقاربة فعّالة لتعليم مهارات الحياة والمواطنة؛ أي حينما يؤسّس المعلّم بيئة صفّيّة نشطة بشكل كلّي، وليس فقط بالحديث عن موضوع ذي صلة بهذه المهارات، وإنّما يتعلّق الأمر بتكييف محتوى التّعلّم، وكذلك بانتقاء وتنظيم الطّرائق الدّيداكتيكيّة والاستراتيجيّات والأساليب التّدريسيّة الملائمة، إضافة إلى تدبير محتويات الدّرس في علاقة بالمهارات الحياتيّة المستهدفة.
ويمكن التّطبيق التّدريجيّ لهذه المبادئ بالتّفويض التّدريجيّ لمسؤوليّة المتعلّم في بناء التّعلّمات، بما يجعل هذا البناء ينتقل تدريجيّا من المدرّس إلى المتعلّم لتمكينه من امتلاك مفاتيح التّعلّم واكتساب مهارات الحياة والمواطنة بدل التلقين والشّحن.
6- البيئة الآمنة لتعلّم مهارات الحياة والمواطنة:
إذا كانت مبادئ التّعليم المتمركز حول المتعلّم تقدّم الإطار النّظريّ العامّ لنموذج التّعلّم الذي يؤطّر تعلّم مهارات الحياة والمواطنة، فإنّ أجرأة إدماجها في البرامج الدّراسيّة للموادّ التّخصّصيّة لا ينفصل عن التّدريس بالوضعيّات والأنشطة، لا لشيء إلّا لأن المعارف ومهارات الحياة والمواطنة تُبنى من قبل من يتعلّمها، ثمّ يحتفظ بهذه القدرات والمهارة في شكل موارد جديدة، وإذا ما تمّ ربط هذه القدرات والمعارف والمهارات والموارد بمواد أخرى، فإنّها تتيح لمنتجها أن يظهر كفاية معيّنة في سلسلة من الوضعيّات الجديدة.
وتبعا لذلك، فإنّ تعلّم المعارف التّخصّصيّة ومهارات الحياة والمواطنة من منظور التّعلّم المتمركز حول المتعلّم ينبغي أن تكون مُوَطَّنَةً في سياق اجتماعيّ وفيزيائيّ؛ أي في وضعيّات تسمح للمتعلمين ببناء معارفهم حولها، وتنمية مهاراتهم الحياتيّة وكفاياتهم التّخصّصيّة والمستعرضة. وهو ما يتطلّب الاشتغال وفق تصوّر بيداغوجيّ وديداكتيكيّ يمتح أدواته وإجراءاته من رؤية سوسيوبنائيّة والتّعليم المتمركز حول المتعلّم، وينفتح على مختلف الاجتهادات المتراكمة في تعلّم القيم وتقييم الكفايات وتحليل السّيرورات المعرفيّة لتعليم التّعلّم. وحريّ بنا أن نركّز في هذا الباب على توضيح محددات البيئة الآمنة التي اختارها البرنامج لتعليم وتعلّم مهارات الحياة والمواطنة، ونجملها في الخطاطة الآتية:
يحتلّ التّدريس بالوضعيّات موقعا مركزيّا في منظور التّعلّم المتمركز حول المتعلّم والمقاربة بالكفايات، كما أنّه المقاربة البيداغوجيّة المثلى لتعليم مهارات الحياة والمواطنة؛ وذلك بالنّظر إلى أنّ الوضعيّة مكوّن أساس ضمن مفهوم الكفاية[27]، التي لا يمكن تصوّرها دون وضعيّة تعمل على بنائها وتقويمها. فالوضعيّة مدخل أساسيّ لعمليّة تعليميّة تعلّميّة مُتمحورة حول المتعلّم وما سيقوم به من جهد لبناء تعلّماته، سواء من خلال وضعيّات تدفعه للاستكشاف، أو وضعيّات ديداكتيكيّة تستهدف إرساء موارده من المعارف والمهارات والقدرات، أو وضعيّات هيكلة وبناء المفاهيم، أو وضعيّات إدماجية تضطلع بوظيفة جعل المتعلّمين يعبّئون مواردهم لحلّ وضعيّة مشكلة أو إنجاز مهمّة مركّبة[28]. وتحفّزه على التّعلّم عن طريق البحث عن حلول للتّمارين والمسائل والمشكلات، بحيث يصبح المتعلّم في سيرورة تعلّم يكون فيها فاعلا وفعّالا في بناء تعلّماته.
وبهذا يصبح التّدريس بالوضعيّات تدريسا يجعل من الوضعيّات منطلقا لكلّ نشاط تعليميّ، تدريسا يشترك المتعلّمين في تحمّل مسؤوليّة تعلّمهم.
6- 1- وضعيّة الانطلاق (Situation Déclenchante):
تكتسي وضعيّة الانطلاق أهميّة في بناء مهارات الحياة والمواطنة لأنّها تساعد المدرّس على تهيئة الأرضيّة لتعلّم الموارد، خاصّة أنّها تقوم على وضعيّة مشكلة ترتبط بالتّخصّص، وعلى رهان ثقافيّ حقيقيّ، أي أنّها وضعيّة تشكّل عائقا إيجابيّا وصراعا معرفيّا إيجابيّا أمام المتعلّم؛ إذ يجعل تمثّلاته موضع مساءلة، ويضعه أمام عائق معرفيّ يجعله في حالة من اللّاتوازن، يشعر معها أن مكتسباته السّابقة غير كافية لإيجاد الحلّ، فهي ملائمة لمستوى المتعلّم كما أنّها تحفّزه لتجاوز هذا العائق[29]. وترتكز هذه الوضعيّة على تقديم بعض الموارد المفاتيح، وعلى تعليمات (Consignes) تكون بمثابة أهداف تعليميّة.
ويشترط على المدرّس في وضعيّة الانطلاق أن يقترح طريقة العمل الدّيداكتيكيّة الملائمة للتّعاطي مع الوضعيّة، بتحديد المهام المطلوبة، والتي قد تختلف من متعلّم إلى آخر. وكذلك المهارات الحياتيّة المستهدفة، والتي يمكن لطريقة العمل المقترحة تحريكها، بالتّركيز على الممارسات القريبة من الحياة اليوميّة أو الحياة الخاصّة أو العامّة، أو الحياة الثّقافيّة أو الحياة الاجتماعيّة، أو المهنيّة.
وتظهر أهمّية وضعيّة الانطلاق أو الوضعيّة المشكلة في كونها تستنفر مهارات المتعلّم ومعارفة وقدراته واستثارتها لرصد الترّابطات الممكنة بين عناصر المشكل المطروح لبناء التّعلّمات، إضافة إلى أنّها تسمح بتطوير بعض المهارات الحياتيّة ومنها اتّخاذ القرار حين يواجه المتعلّم مشكلا معيّنا ويدفعه ذلك للبحث عن حلّ عبر حيثيّات اتّخاذ القرار، ومهارة التّفاوض عبر تقديم اقتراحات متعدّدة لتجاوز المشكل والتّداول حولها مع بقيّة أعضاء جماعة القسم أو مجموعة العمل قبل الانتهاء إلى فحص النّتائج المتوصّل إليها وتقويمها لبلورة قرار نهائيّ أو مراجعته.
6- 2- أنشطةالاستكشاف (Investigation):
يتعلّق الأمر بمرحلة الاستكشاف الجماعيّ التي تلي وضعيّة الانطلاق، بهدف إحداث تعلّم جديد، سواء أكان تعلّم مفهوم، أو قاعدة، أو معارف خاصّة، أو مهارات بالنّظر إلى أنّها تعلّمات جديدة ينبغي تثبيتها. وتقوم هذه الأنشطة على البحث وصياغة الفرضيّات والبناء الذي يتطلّب العودة إلى المعارف المكتسبة قبليّا، وكذا المعارف التي هي في طور الاكتساب أو تتطلّب بحثا عن معلومات جديدة. وتستدعي هذه المرحلة تحديد الصّعوبات والعراقيل التي ينبغي مواجهتها، والأخطاء التي ينبغي تحليلها ومناقشتها، وسبل معالجتها، استنادا إلى روح المبادرة، والإبداع، والتّعاون، والتّفاوض، والمشاركة…
في هذه اللّحظة يمكن إدماج المهارات الحياتيّة بقوّة، وذلك بفضل: قبول المناقشة، تعرّف الأخطاء، التّواصل مع الآخرين، الحجاج والإقناع، عدم الاستسلام أمام الصّعوبات (الصمود)، التّفكير النّاقد، القدرة على الانصات (التّعاطف)…
6- 3- أنشطة البنينة (Structuration):
يتعلّق الأمر بأنشطة التّعلم النّسقيّ التي تتوخّى تنظيم مختلف الموارد (معارف وخبرات ومهارات) التي تمّت معالجتها أثناء أنشطة الاستكشاف، وذلك لترسيخ المفاهيم وبنينة المكتسبات وممارستها.
وتعتمد هذه الأنشطة على طريقة متدرّجة ومتناسقة في بناء التّعلّمات، مع مراعاة التّرابط والاتّساق والانسجام بين الموارد الأساسيّة التي ترتبط بكفاية ما.
6- 4- أنشطة المفهمة (Conceptualisation):
تساعد هذه الأنشطة في بداية التّعلّم على موضعة التّعلّمات الجديدة بالنّسبة إلى البنية القديمة، بينما تعمل أثناء التّعلّم على تسييج مميزّات مفهوم جديد وربطه بالمفاهيم القريبة منه، بينما تفيد في نهاية التّعلّم في إقامة روابط بين مجموع التّعلّمات القديمة والتّعلّمات الجديدة. وما يميّز هذا النّوع من الأنشطة هو أنّها لا تنفصل عن الوضعيّات أي أنّها ليست مرتبطة بسياق محدّد سلفا.
إنّ أنشطة المفهمة أنشطة تأمّليّة استبصاريّة في مسار التّعلّم، غايتها المراجعة النّقديّة للمنهجيّة المعتمدة في التّعلّم وفي المهارات الحياتيّة التي كشف عنها الدّرس، وذلك من خلال لحظات ثلاث:
-اللّحظة الأولى: لحظة المعاينة اليقظة لمعطيات التّجربة أو الخبرة المعيشة والقدرة على تحليلها وتفكيك عناصرها طلبا لفهمها، بغية إعادة تشكيل موضوع التّعلّم في قالب تعبيريّ ولغويّ مع الحافظ على روح المعنى والفهم المحصل في مرحلة البنينة.
– اللّحظة الثّانية: ترتبط بالتّحرّك المجرّد؛ حين يبدي المتعلّم شجاعة في الابتعاد عن التّعلّمات المشخصة إلى التّعلّمات المدركة، بالرّغم من الصّعوبات التي قد يشعر بها المتعلّمون حينما تنفصل الحركة العقليّة عن الواقع الملموس، الذي يطمئنّون إليه في الغالب ويسكنون لوضوحه وبداهته الحدسيّة المباشرة. وفي هذا الباب يمكن أن يطوّر المتعلّمون قدرات على ممارسة بعض المهارات الحياتيّة كالتّفكير النّقديّ والإبداع، خاصّة حينما يحسن المُدرّس قيادتهم نحو فضاء التّجريد واقتحام الأمكنة المظلمة، حيث ربط المشخّصات والمتعيّنات بالمجرّدات وإيجاد مقابلات مفهوميّة وتصوّريّة لكلّ وضع معيش.
– اللّحظة الثّالثة: تمكن هذه اللّحظة من تأهيل المتعلّمين وإعدادهم لبناء التّصوّرات والمفاهيم، اعتمادا على تعلّم فنّ اكتشاف المفاهيم والقدرة على استعمالها، بالنّظر إلى أنّها أدوات للتّفكير وصور لاستعمال العقل.
6- 5- التّحويل (Transfert):
لقد جرت العادة على الجمع بين التّحويل والنّقل للدّلالة على كلّ سيرورة تقتضي إعادة استعمال معرفة أو مهارة تمّ تعلمها سابقا[30]. غير أنّ مفهوم النّقل يناسب في نظرنا تطبيق تعلّمات وتعميمها، بينما يناسب التّحويل الانتقال بهذه التّعلّمات إلى حقل جديد من أجل إعادة استثمارها.
إنّ مفهوم النّقل يقوم على عمليّة نقل معرفة أو مهارة كما هي من وضعيّة إلى أخرى دون إدخال أيّ تغيير عليها، فتصنّف بذلك ضمن التّكرار والتّطبيقات والتّعلميّات، لأنّ غايتها هي تعويد المتعلّمين على تقديم إجابات يمكن وصفها بأنّها تعيد إنتاج المعرفة المنقولة نفسها، بالنّظر إلى أنّ استعمالها يرتبط فقط بوضعيّات وسياقات قريبة من وضعيّة التّعلّم، بينما يستند التّحويل على النّقل الكلّي للمعارف والمهارات المتعلّمة من وضعيّة إلى أخرى مع إدخال تغييرات عليها للتّعامل مع وضعيّات جديدة مختلفة عن وضعيّة التّعلّم. فالتّحويل دعوة إلى الفعل والإنجاز (حلّ المشكلات، تنفيذ مهمّة)، ويختلف عن التّطبيق المحض والبسيط للمعارف، فتصريف الفعل الماضي في تمرين معين يختلف كثيرا عن استعمال هذا الفعل في إنتاج كتابيّ محدّد.
إنّ التّحويل، إذن، يمثل سيرورة تعوّد المتعلّمين لا على تقديم إجابات تعيد الإنتاج، وإنّما إجابات تفسح المجال المجدّد (Extension novatrice). حيث يتحقّق تحويل المعرفة من وضعيّة- أصل باتجّاه وضعيّة- هدف تشتمل على جزء من المجهول والجدّة والاختلاف والارتياب والانفتاح، وفي خضمّ ذلك يكتسب المتعلّم معارف وقدرات معرفيّة عديدة، إلى جانب مهارات حياتيّة مستعرضة كثيرة أهمّها التّكيّف وحلّ المشكلات باعتبارها جزءا مهمّا من القدرة على التّكيّف والتّطوير المهنيّ.
إذا كان الاشتغال الدّيداكتيكي لتعليم مهارات الحياة والمواطنة قد تطلّب من الفريق الوطنيّ للبرنامج التّفكير في بيئة آمنة تضمن للفعل الدّيداكتيكيّ سيرورة نسقيّة وبنية معماريّة متماسكة لمقاربة تطوير المهارات الحياتيّة في تعالق مع الكفايات التّخصّصيّة والمضامين الدّراسيّة. ولا تأخذ هذه البنية المعامريّة دلالتها التّامة إلّا من خلال التّدريس بالوضعيّات والأنشطة. لكنّها تفرض في وجهها الثّاني تفعيل البيداغوحيّات النّشطة بالنّظر إلى أنّها ستشكّل المناخ الصّفّيّ لهذه البيئة الآمنة للتّعلّم.
7- خاتمة:
لقد سمحت ظروف صراعنا مع فيروس كرونا وما صاحب أحداثها اليوميّة من حجر صحّيّ وبحث عن سبل الخروج من الأزمة وتداعياتها، بأن نكتشف أكثر أنّ أبناءنا من الأطفال والشّباب بحاجة إلى تعلّم كفايات ومهارات جديدة إلى جانب ما يتعلّمونه في الموادّ الدّراسيّة؛ مهارات أخرى تسهم في تطوير شخصيّاتهم وتجعلهم قادرين على مجابهة الحياة وصعابها، مهارات تبدأ بتعلّم قبول الأزمات والعيش معها، وكذا فهم النّظريّات العلميّة في ارتباط بالتّحوّلات المتسارعة لشرطنا الإنسانيّ، ثمّ مهارات تعلّم سبل تدبير العلاقات بين الفرد والمجتمع من جهة وبين الإنسان عموما ومحيطه الحيويّ من جهة ثانية بما يبعث على الاستعداد للكوارث والأزمات وتوقّع غير المتوقّع، وكذلك التّفكير والتّأمّل والتّساؤل في علاقتنا بالأشياء وبالآخر وبالطّبيعة بما يسمح بفهم حقيقة مشاعرنا وأحاسيسنا وميولاتنا ومواقفنا وضبطها والتّحكّم فيها، دون نزوع إلى التّعصّب أو الاختزال أو التّشيييء.
وهو منظور يدعونا إلى جعل القيم أولويّة وجودنا الإنسانيّ؛ فحينما تنصهر كلّ القيم التي تجعلنا رجالًا ونساءً مهتمين وسعداء بالعيش مع الآخرين المختلفين، بغضّ النّظر عن معتقداتهم أو ألوانهم أو أعراقهم أو أنسابهم أو ألسنهم، عندئذ يجب أن تذوب كلّ الأيديولوجيّات والمعتقدات في حقيقة واحدة تدور حول القيم.
ولن يتأتّى ذلك إلا بإخضاع الممارسات البيداغوجية وطرائق التدريس لإعادة التفكير في ضوء الإطار المرجعي والمفاهيمي لمهارات الحياة والمواطنة، وتغيير الممارسات الصفية داخل الفصول الدراسية في اتجاه إضفاء معنى على فعل التعليم والتعلم، وتطوير المهارات الحياتية للمتعلمات والمتعلمين في ارتباط بالبرامج الدراسية، وتفاعل بين المواد التخصصية، وتناغم مع أنشطة الحياة المدرسية والنوادي التربوية.
لذلك، كان تبني المقاربة أمبريقية صاعدة في أجرأة مشروع المهارات الحياتية والمواطنة، مدخلا ملائما لبناء نموذج بيداغوجي يُمْكنُ أن يُشكل أساس أي إصلاح مرتقب للمنهاج الدراسي بسلك التعليم الثانوي.
[1]– إنّ تحقيق أهداف التّنمية المستدامة يجعل الرّهان على التّعليم كبيرا في تنشئة أجيال متملّكة للمعارف والمهارات الضّرورية لمواجهة التّحدّيّات وقيادة التّغيير الإيجابيّ لتعزيز الوعي المجتمعيّ بالمخاطر التي تجابه وجود الإنسان على سطح الأرض، وخلق عالما ينعم فيه النّاس بالمساواة والازدهار المستدام، والإسهام في تقديم الحلول لتدارك المخاطر والتّصدّي للتّحديّات المرتبطة بالمجال البيئيّ والمجتمعيّ. ويتّسم التّعليم من أجل التّنمية المستدامة بكونه تعليما شاملا وكفيلا بإحداث التّغيير الجذريّ المنشود، كما أنه يُعنى بمضامين التّعلّم ونتائجه، وبالأساليب التّربويّة وبيئة التّعلّم. وعليه، فإنّه لا يكتفي بإدراج بعض المضامين المتّصلة بتغيّر المناخ والفقر وأنماط الاستهلاك المستدامة في المناهج الدّراسيّة فحسب، بل يوفّر أيضا بيئات تعليم وتعلم تفاعليّة تركّز على المتعلّمين. ويتطلّب هذا التّعليم الانتقال من نهج قائم على التّعليم إلى نهج قائم على التّعلّم، واتباع أساليب تربويّة تعتمد منحى عمليّا. ينظر على التّوالي:
– منظمة الأمم المتّحدة للتّربية والعلم والثّقافة، التّعليم من أجل تحقيق أهداف التّنمية المستدامة، اليونسكو، قطاع التّربية، 2017، ص5.
– محمد أمين الفتى، أهداف الأمم المتحدة للتّنمية المستدامة 2030 وعلاقتها بجودة التّعليم، مجلّة دراسات في التّعليم الجامعي، المؤتمر الثّالث عشر، أكتوبر 2020، جمهوريّة مصر العربية، العدد 49، ص167-175.
– وزارة التّربية الوطنيّة والتّكوين المهنيّ والتّعليم العالي والبحث العلميّ بالمملكة المغربيّة، المنهاج الدّراسيّ للتّعليم الابتدائي، الصّيغة النّهائيّة الكاملة، مديرية المناهج، يوليوز 2021، ص504.
[2]– ينظر: منظّمة اليونيسف، إعادة النّظر في المهارات الحياتيّة والتّعليم من أجل المواطنة في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، الإطار المفاهيمي والبرامجي، الملخّص التّنفيذي، المكتب الإقليميّ للشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، عمان، الأردن، 2015، ص2.
[3]– يضاف إلى التّحديّات الخاصّة التي يواجهها شباب منطقة شمال أفريقيا والشّرق الأوسط تحدّيّات أخرى عامة ترتبط بشباب القرن الواحد والعشرين عموما. وقد حدّدت مبادرة الشّراكة من أجل القرن الحادي والعشرين إطارا لإعداد الشّباب من أجل المجتمع الكونيّ المترابط والمتغيّر بسرعة والزّاخر بالتكنولوجيا في أربع مهارات (The 4Cs) إلى جانب القراءة والكتابة والحساب، وهي: – الابتكار والتّجديد؛ – التّفكير النّاقد وحلّ المشكلات؛ – التّواصل؛ – الّتشارك. ينظر: سيو بيرز (Sue Beers)، تدريس مهارات القرن الحادي والعشرين، أدوات عمل، ترجمة محمد بلال الجيوسي، مكتب التّربية العربيّ لدول الخليج، الرّياض، 2014، ص26-27.
[4]– إطار برنامجي أعدته منظمة اليونيسف لتعليم المهارات الحياتيّة والمواطنة في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، في إطار التّعاون المشترك بين المنظّمة وأقطار المنطقة لتحقيق الهدف الرّابع من أهداف التّنمية المستدامة، وهو:» ضمان التّعليم النّوعيّ المنصف والشّامل للجميع وتعزيز فرص التّعلّم مدى الحياة للجميع «إضافة إلى »إعادة تشكيل الفهم التّقليديّ للمهارات الحياتيّة والتّعليم من أجل المواطنة في المنطقة«، مع التّركيز على »الغرض من التّعليم ودوره في التّنمية المجتمعيّة«. ينظر: منظّمة اليونيسف، إعادة الّنظر في المهارات الحياتيّة والتّعليم من أجل المواطنة في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، مرجع سابق، ص1.
[5]– ينظر: منظّمة اليونيسف، مبادرة تعليم المهارات الحياتيّة والمواطنة، الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، المغرب، المشروع الشّخصيّ، مكتب اليونيسف في المغرب، 2018.
[6]– منظّمة اليونيسف، إعادة النّظر في المهارات الحياتيّة والتّعليم من أجل المواطنة في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، الإطار المفاهيميّ والبرامجيّ، مرجع سابق، ص3-4.
[7]– ينظر: جاك ديلور، التّعلّم: ذلك الكنز المكنون، تقرير قدمته إلى اليونسكو اللّجنة الدّوليّة المعنيّة بالتّربية للقرن الحادي والعشرين، منشورات اليونسكو، 1996، ص37.
[8]– يوضح الباحث محمد الدريج أن تركيز المنهاج الدراسي على جعل عملية التعليم والتعلم متمركزة على المتعلم ومراعاة خصوصياته الفردية يعد من معايير الجودة في إعداد المناهج الدراسية اليوم. ينظر: محمد الدريج، المعايير في التعليم: نماذج وتحارب لضمان جودة التعليم، منشورات سلسلة المعرفة للجميع، عدد خاص رقم 03، ط. 1، 2007، ص51.
[9]– construire la formation: outils pour les enseignants et les formateurs, CEPEC, sous la direction de Pierre Gillet, ESF, Paris 1991, p.30.
[10]– Jan Nelson, et autres, La discipline Positive dans la classe: Favoriser l’apprentissage en développant le respect, la coopération et la responsabilité, adaptation par Beatrice Sabaté, Traduction de l’anglais par Marie- Jeanne Acquaviva, Editions du Toucan, Paris, 2018, P.26.
[11]– كريستيان ديبويروبيرناديت نويل، تقييم الكفايات: السيرورات المعرفية، النماذج والممارسات والسياقات، ترجمة وتعريب عبد الكريم غريب، منشورات عالم التربية، مطيعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، ط.1، 2012، ص43.
1- كلّ نشاط يتمّ في أي لحظة من لحظات الحياة بهدف تطوير المعارف أو المهارات أو القدرات أو الكفايات في إطار مشروع شخصيّ أو مهنيّ أو مجتمعيّ، أخذا بعين الاعتبار أنّ من مبادئ منظومة التّربية والتّكوين المغربيّة وأهدافها تزويد المجتمع بالكفاءات والنّخب من العلماء والمفكّرين والمثقّفين والأطر والعاملين المؤهّلين للإسهام في البناء المتواصل للوطن على جميع المستويات، وتعزيز تموقعه في مصافّ البلدان الصّاعدة، لا سيّما من خلال الإسهام في تكوينهم وتأهيليهم ورعايتهم، عبر تأمين فرص التّعلم والتّكوين مدى الحياة وتيسير شروطه، لكسب رهان مجتمع المعرفة وتنمية رأس المال البشريّ وتثمينه. ينطر: قانون-إطار رقم 51.17 يتعلّق بمنظومة التّربية والتّكوين والبحث العلميّ، الجريدة الرّسميّة للمملكة المغربيّة، عدد 6805، بتاريخ 17 ذو الحجّة 1440)9 أغسطس 2019 (.
[13] -ينظر: جالك ديلور، التّعلّم: الكنز المكنون، تقرير قدّمته إلى اليونسكو اللّجنة الدّوليّة المعنية بالتّربية للقرن الحادي والعشرين، منشورات اليونسكو، 1996، ص20-21.
1 – القضايا الرّئيسة لمنطقة شمال أفريقيا والشّرق الأوسط، هي: تعزيز جودة التّعليم ونتائج التّعلّم، ثمّ تعزيز فرص الحصول على عمل وريادة الأعمال، إضافة إلى تعزيز التّمكين الفرديّ والمشاركة المدنيّة. ينطر: منظّمة اليونيسف، إعادة النّظر في المهارات الحياتيّة والتّعليم من أجل المواطنة في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، مرجع سابق، ص6.
[15] – ترى الباحثة كيري فيسر أن الرّفاه الاقتصادي ليس شيئا يمكن تحقيقه سواء بالنّسبة إلى الأفراد أو الدّول، من خلال التّفكير في الوظائف وحدها، وإنّما من خلال الاستجابات السّياسيّة والاجتماعيّة التي تشكل الاستراتيجيّة التّعليميّة جزءا منها، بالنّظر إلى أنّ عالم العمل مدفوع الأجر يتغيّر بطرق قد تزيد بشكل جذريّ من عدّة أوجه عدم المساواة القائمة. لذلك ينبغي فهم التّعليم من أجل الرّفاه الاقتصاديّ ليس فقط على أنّه معنيّ بالعمل والسّوق، ولكن أيضا بالممارسات اليوميّة المسدّدة في رعاية الأشخاص، والأسر، وتنشئتهم، وتعهّدهم. لمزيد من إيضاح العلاقة بين التّعليم والرّفاه الاقتصادي، ينظر: كيري فيسر، التّعليم من أجل تحقيق الرّفاه الاقتصاديّ، سلسلة أوراق العمل بشأن البحث والاستشراف في مجال التّعليم، ورقة 29، أبريل 2021، باريس، اليونسكو.
https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000376150_ara/PDF/376150ara.pdf.multi
[16]– voir : Brousseau, G., Théories des situations didactiques, La pensée Sauvage, Grenoble, 1998, P.45-49.
[17] – ينظر: عبد المجيد الّنشواتي، علم النفس التّربويّ، مؤسّسة الرّسالة، بيروت، 2005.
[18]– voir : Philippe Carré, Bandura : une psychologie pour XXIe siècle ? L’Harmattan, Dans Savoirs, 2004, 5 Hors-série, P.9-50.
[19]– إنّ كثيرا من المدرّسين لا يدركون أن طرق التّدريس التي يتّبعونها تندرج تحت اسم معيّن، وأنّ الاستعانة بنظريّات التّعلم هو السّبب في تفسيرها وتفضيلها على الطّرق الأخرى. كما لا يستطيعون تحديد الافتراضات التي يستندون إليها بكلّ وضوح في اختيارهم لطريقة في التّدريس مقابل أخرى. وهو ما يعرّض عمليّة التّعلّم إلى خطر السّقوط في نماذج تدريس غير فعّالة تعتمد التّلقين والشّحن وتلغي فعاليّة المتعلّم، فأغلب الممارسات المهنيّة التي لا تسند إلى خلفيّة معرفيّة ولا تحليل للممارسة المرتبطة بهذا الاختيار لا يمكن أن تجعل من التّدريس والتّعلّم فعّالين.
ينظر: – ماريلينوايمر، التّدريس المتمركز حول المتعلّم، خمس تغييرات أساسيّة في عمليّة التّدريس، ترجمة رشا صلاح الدّخاخني، مراجعة محمد فتحي خضر، مؤسّسة هنداوي، وندسور، المملكة المتّحدة، 2013، ص50.
– De Corte, E. et Autres, (1990), Les Fondements de l’action didactique, Edit De Boeck université.
[20]– يرى الباحث فيليب جونير أنّ البراديغم الابستمولوجيّ للمعرفة ليس منهجا بيداغوجيّا، ولا اتّجاها بيداغوجيّا، وما هو بمقاربة ديداكتيكيّة ولا مشروع بيداغوجي، إذ لا يمكن اختزال البراديغم الابستمولوجيّ أو ردّه إلى هذه الجوانب، فهو أشمل وأعمّ، إنّه يحدّد المعالم المرشدة balaises التي يمكن لهذه المقاربات والمناهج والاتّجاهات البيداغوجيّة أن تتّخذ وجهتها وموقعها داخلها. فإذا كان بناء المعارف في قلب كلّ تفكير في فعل التّعليم، فلا يمكن للمدرّس أن يشتغل وهو يخبط خبط عشواء دون إيضاح للبراديغم الابستمولوجيّ للمعرفة الذي يؤطّر فعله التّدريسيّ ويوجه مقارباته الدّيداكتيكيّة والبيداغوجيّة. كما أن عدم التّوافق بين المقاربات الدّيداكتيكيّة والبيداغوجيّة والبراديغم الابستمولوجيّ للمعرفة الذي يؤطّر الممارسة التّدريسيّة يؤدّي في كثير من الأحيان إلى ضروب من اللّبس وسوء الفهم لدى المتعلّمين. لذا يتعيّن في المقام الأوّل أن يتمّ الحسم، في منطلق كلّ مسألة متّصلة بالتّعليم والتّعلّم، في تبنّي موقف ابستمولوجيّ واضح حول بناء المعارف. انظر: فيليب جونير، الكفايات والسوسيوبنائية، إطار نظري، ترجمة الحسين سحبان، مكتبة المدارس، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2005، ص85-87.
[21]– المرجع نفسه، ص87-88.
[22]– إن الإلقاء لا يمكن أن يؤدّي وظيفته داخل أنشطة التّدريس ما لم يخضع لشروط بيداغوجيّة أهمّها توجيهه نحو مهامّ يكون في مقدور المتعلّم إنجازها، كما ينبغي للإخبار ونقل المعلومات أن يحترما السّجلّ المعرفيّ للمتعلّم بمعنى حصيلة الخبرات والمعارف التي تراكمت عند المتعلّم بشكل سابق وأصبحت جزءا من رصيده المعرفيّ والذّهنيّ، وينبغي أن يتلاءم هذا الإخبار مع اهتمامات المتعلّم، وحاجاته، وقدراته النّفسيّة، والذّهنيّة.
– Voir : Olivier Reboul, Qu’est-ce qu’apprendre ? Education et Formation, PUF, 1980, Coll l’éducateur, 10°edition, 2010, P.19.
[23]– إنّ القاعدة التي ينبغي اعتمادها في برمجة تدريس كل مادّة من الموادّ الدّراسيّة وتعلّمها، هي إقامة ذلك التّدريس على أساس مجموعة من الأنشطة الذّهنيّة أو الحركيّة …وهذا بالذّات ما يقصده الباحثون في مجال الدّيداكتيك بمصطلح “المهامّ”(Les tâches)، فالثّقافة المدرسيّة ليست مدرسيّة إلّا لأنّها تقوم على فكرة المهامّ، أي على عمليّات وتمارين تخضع لمبادئ وموضوعات هي المرجع الأساس لتدريس تلك المواد وتقييم ذلك التّدريس. عبد الحقّ منصف، رهانات البيداغوجيا المعاصرة، دراسة في قضايا التّعلّم والثّقافة المدرسيّة، دار أفريقيا الشّرق، الدار البيضاء، 2007، ص197.
[24]– المرجع نفسه، ص. 195.
[25]– ينظر: وزارة التّربية الوطنيّة المغربيّة، إنماء الكفايات القابلة للتّكييف والنّقل، المجزوءة المستعرضة لدعم التّكوين من أجل تعلّم فعّال، الوحدة المركزيّة لتكوين الأطر، نونبر 2021، ص21.
[26]– أحمد أوزي، التّعليم والتّعلّم الفعّال، نحو بيداغوجيا منفتحة على الاكتشافات العلميّة الحديثة حول الدّماغ، منشورات علوم التّربية، العدد 39، الدّار البيضاء، الطّبعة الأولى، 2015، ص206.
[27]– يشير مفهوم الكفاية إلى القدرة على تشغيل مجموعة منتظمة من المعارف، والمهارات العمليّة، والمواقف، من أجل إنجاز عدد من المهامّ. لذلك فتركيز الكفاية على تعبئة موارد ما ينبغي أن يكون مقرونا باستعمالها، أي أنّها لا تكون كذلك إلّا بقدر ما يستطيع المتعلّم تعبئتها في وضعيّات يتبيّن فيها أن استعمالها مناسب. ينظر: فيليب جونير، الكفايات والسّوسيوبنائيّة، مرجع سابق، ص48.
[28]– ينظر: لحسن توبي، بيداغوجيا الإدماج وديداكتيك التّواصل الشّفهيّ، دار أفريقيا الشّرق، الدّار البيضاء، 2021، ص66-68.
[29]– وزارة التّربية الوطنيّة والتّكوين المهنيّ، الدليل البيداغوجيّ للتّعليم الابتدائيّ، مديريّة المناهج، الرّباط، ص29.
[30]– ينظر: كريستيان ديورو بيرناديت نويل، تقييم الكفايات: السّيرورات المعرفية، النّماذج والممارسات والسّياقات، ترجمة عبد الكريم غريب، منشورات عالم التّربية، الدّار البيضاء، ط. 1، 2012، ص100-102.