الملخّص:
يتناول هذا البحث قضيّة اختلاف الفقهاء في الإسلام من خلال مسألة فقهيّة انتخبناها من دائرة الجنايات، هي قتل المسلم بالذمّيّ. سمحت لنا هذه المسألة بالحفر في الأسباب العميقة للاختلاف الفقهيّ بين مدرستي الحجاز والعراق، وبالوقوف عند تصوّر الفقهاء للعلاقة بين المسلمين وغيرهم. وبوّبنا عملنا في ضوء هذه الأسباب، فقمنا أوّلا بتمحيص المدوّنة النصيّة الّتي استند إليها الشّافعيّة والحنفيّة في سجالهم الفقهيّ والأصوليّ، ونظرنا ثانيا في موجّهات العمليّة التّأويليّة لكلّ مذهب ورهاناتها، وانتهينا إلى تجلية العمق الحضاريّ للاختلاف مستفيدين من تاريخ الأديان المقارن. فجاء العمل في ثلاثة محاور:
الكلمات المفاتيح: صراع النّصوص– صراع التّأويلات– صراع الحضارات
Abstract:
This article consists to study the differences between Muslim jurists, based on a specific criminal question: when a Muslim kills an unbeliever or precisely a “dhemmy” will he undergoes the punishment appropriate to his crime.
The Chafiite and Hanafite fuqaha held two widely different opinions; which requires asking three questions:
– The first concerns the conflict between the supporting texts of each doctrine.
– The second concerns the conflict between interpretations.
– The third seeks to explain the implicit sources of the differences between “fatawa” in Islam.
Key words: Diversity in fiqh – conflict of interpretations – relations between Muslim and “other” (no-Muslim).
1- مقدّمة:
يجد دارس الفقه الإسلاميّ في قضيّة “قتل المسلم بالذّمّيّ[1]مدخلا تمثيليّا جيّدا إلى أصول التّشريع الإسلاميّ وتاريخه. إذ ترشده إلى ضوابط العقل الفقهيّ في صيغتيه الشّافعيّة والحنفيّة، ولم نذكر هذين المذهبين لاستئثارهما بالسّجال في المسألة فقط بل لأنّهما مثّلا ذروة الاختلاف الفقهيّ في التّراث[2]، بين مدرستي الحجاز والعراق، أو “أهل الحديث” و”أهل الرّأي”. يرتبط ذلك رأسا بمسألة “الانتماء المذهبيّ” ودوره في توجيه تاريخ التّشريع الإسلاميّ، وبـــ “السّلطة” الفكريّة داخل كلّ مذهب: ما هي أسسها ومحدّداتها؟
لعلّ السّؤال الّذي يعيد الباحث المعاصر طرحه دوما هو: لماذا يختلف الفقهاء؟ ويمرّ الجواب وجوبا عبر تمحيص “مرجعيّات الفتوى” المعلنة وموجّهاتها الضّمنيّة، وغاياتها التّنظيميّة الّتي قد تتجاوز المستوى العقديّ الإيمانيّ إلى المستويين المجتمعيّ الدّاخليّ والحضاريّ الخارجيّ، وقد تعمل –في المقابل- على تلوين العلاقات بين الأمم بتفاضل دينيّ يعكس مدى التّفوّق الميدانيّ ويترجمه إلى قوانين. فيتخلّى اختلاف الفقهاء بذلك عن طابعه الفرديّ العفويّ ليعبّر عن توجّهات “النّظام” الفكريّ أو المجتمعيّ أو السّياسيّ الرّسميّ، وقد سلك في هذه المسألة “الجنائيّة” رحلة بدأت بــ “صراع النّصوص” ثمّ قامت بعركها وتأويلها لتنتهي ضمنيّا إلى خضمّ “صراع الحضارات”.
فما هي أبعاد اختلاف الآثار في هذه النّازلة؟ وما حقيقته؟
وما هي رهانات الفعل التّأويليّ وموجّهاته؟
وكيف ارتأى المسلمون تنظيم علاقاتهم مع غيرهم من خلال هذا النّموذج العمليّ؟
2- صراع النّصوص:
تقع مسألة “قتل المسلم بالذّمّيّ” بين دائرتين تشريعيّتين متداخلتين: دائرة الجنايات المقتضية للقصاص ودائرة علاقة المسلم بغير المسلم. وضبط الفقهاء أربع جنايات حسب “المحلّ”: أوّلها ما يقع على الأبدان والنّفوس والأعضاء من قتل وجرح، وثانيها ما يقع على الفروج من زنا وسفاح، وثالثها ما يقع على الأموال من بغي وحرابة وسرقة وغصب، ورابعها ما يقع على الأعراض من قذف[3]. ثمّ قيّدوا إقامة الحدّ في إتلاف النّفس بضوابط، ذلك أنّ “لوجوب القصاص شرائط، بعضها يرجع إلى القاتل، وبعضها يرجع إلى المقتول، وبعضها يرجع إلى نفس القتل، وبعضها يرجع إلى وليّ القتيل”[4]. ولم يخل أيّ شرط من هذه الأربعة من اختلافات عميقة سندرس تجلّياتها وأبعادها وحدودها من خلال ما يرجع إلى المقتول. “وأمّا الشّرط الّذي يجب به القصاص في المقتول فهو أن يكون مكافئا لدم القاتل، والّذي به تختلف النّفوس هو الإسلام والكفر والحريّة والعبوديّة والذّكوريّة والأنوثيّة والواحد والكثير”[5]. فإذا قتل مسلم كافرا أو حرّ عبدا أو رجل امرأة أو جماعة واحدا اختلف الفقهاء هل يقام الحدّ على القاتل وهو “أعلى” من المقتول، وأجمعوا على وجوب القصاص متى كان القاتل “أدنى”. ولئن قارب جمهور الفقهاء شروط القصاص بمنظار تحكمه تراتبيّة دينيّة واجتماعيّة وجنسيّة وعدديّة فإنّ المذهب الحنفيّ استعاض عنه بثلاث صفات، وهي: ألاّ يكون المقتول جزء القاتل، فلا يقاد الوالِد بولده، وألاّ يكون ملك القاتل، فلا يقتل الحرّ بعبده، “وأن يكون معصوم الدّم مطلقا”[6]. وبذلك يحتكم القصاص عمليّا إلى مفهومي “التّكافؤ” و”العصمة” اللّذين سنحلّل أبعادهما في المذهبين الشّافعيّ والحنفيّ.
يحيلنا مفهوم العصمة إلى حدودها الدّينيّة في الفقه الإسلاميّ عند تقنين العلاقة بين المسلم وغير المسلم. وقد جعل هذا الفقهُ غيرَ المسلمين أصنافا وربط كلّ صنف بأحكام. فهم إمّا حربيّون ليس بينهم وبين المسلمين عهد، وإمّا معاهَدون، وهؤلاء أقسام أربعة:
- الذّميّون: لهم عهد مؤبّد مع المسلمين، يعيشون بين ظهرانيهم ويدفعون إليهم الجزية.
- المستأمنون: هم الّذين أعطوا أمانا للإقامة المؤقّتة في دار الإسلام.
- أهل الهدنة: هم الّذين وقّعوا مع المسلمين عقد هدنة على إيقاف الحرب.
- أهل الصّلح: هم الّذين يصطلح معهم المسلمون ليبقوا في أرضهم مع دفع الخراج، سواء أكانت الأرض لهم أم للمسلمين[7].
إنّ هذه التّقسيمات فقهيّة لا قرآنيّة، لأنّ القرآن يكتفي بتحريض المسلمين على قتال الحربيّين والجنوح إلى السّلم مع المسالمين وعدم إكراه أحد على الدّين فلا يُقاتل مادام يدفع الجزية[8]. بل “لا ذكر لنظام الذمّة في القرآن، ولا ذكر له في الصّحيفة الّتي أصدرها الرّسول عليه الصّلاة والسّلام عندما دخل المدينة”[9]، فهل كان هذا الإحداث الاصطلاحيّ الفقهيّ طريقا إلى التّضييق على غير المسلمين الّذين يعيشون في “دار الإسلام” أي داخل الدّولة الإسلاميّة أم بابا مشروعا للتّعايش بين الأديان؟
لا يستقيم أن نفرد السّؤال بجواب واحد، لأنّ الفقهاء اختلفوا في حكم المسلم إذا قتل ذميّا دون وجه حقّ، فأفتى الشّافعي والثّوري وأحمد بن حنبل وداود وجمهور الفقهاء أنّه لا يقاد المسلم بالذمّي لأنّه كافر[10]، بينما قضى أبو حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى بضرورة إقامة الحدّ عليه والاقتصاص منه بالقتل[11]. بلغ الاختلاف الفقهيّ في التّراث إذن حدّ الدّماء، فدم المسلم القاتل مهدور في العراق معصوم في الحجاز، وعلى النّقيض، دم الذميّ القتيل حلال هنا حرام هناك، ولا شكّ في أنّ عبد الله بن المقفّع قد وعى منذ بداية القرن الهجريّ الثّاني بفداحة هذه الاختلافات وتهديدها لوحدة الدّولة الإسلاميّة فكتب رسالة الصّحابة منبّها الخليفة العبّاسيّ المنصور إلى ضرورة توحيد التّشريع لتوحيد الدّولة، فقال: “وممّا ينظر أمير المؤمنين فيه من أمر هذين المصرين وغيرهما من الأمصار والنّواحي اختلاف هذه الأحكام المتناقضة الّتي قد بلغ اختلافها أمرا عظيما في الدّماء والفروج والأموال، فيستحلّ الدّم والفرج بالحيرة وهما يحرمان بالكوفة ويكون مثل ذلك الاختلاف في ناحية أخرى، غير أنّه على كثرة ألوانه نافذ المسلمين في دمائهم وحرمهم يقضي به قضاة جائز أمرهم وحكمهم مع أنّه ليس ممّا ينظر في ذلك من أهل العراق وأهل الحجاز”[12].
لعلّ أكثر ما يثير انتباه الدّارس لمسألتنا تردّد طبقات الفقهاء المتأخّرين والمؤرّخين للتّشريع الإسلاميّ في تعليل هذا الاختلاف ال قتل المسلم بالذّمّيّ “أساس العصمة عند الحنفيّة: هو الوجود في دار الإسلام، فيُعدّ المسلم والذمّيّ والمستأمن معصوم الدّم بسبب وجوده في دار الإسلام. أمّا الحربيّ أو المسلم في دار الحرب فليس معصوما ولا عقاب على قاتله، لكونه في دار الحرب”[13]. بناء على ذلك فإنّ كلّ من يعيش في إطار الدّولة الإسلاميّة محقون الدّم بقطع النّظر عن دينه، ولا شكّ في أنّ هذه الفتوى ترشح بمفهوم “المواطنة” بملامح ابستيميّة قديمة لم تتخلّص من محوري “دار الكفر” و”دار الإسلام”، بل إنّ التّراث الفقهيّ الحنفيّ ألغى العامل الدّينيّ تماما في مجال القصاص بين المسلمين وغيرهم، فمن أسس الإفتاء بقتل المسلم بالذميّ عندهم أنّ انعدام المساواة في الدّين بينهما لا يستتبع نفي كلّ مساواة حسب الكاساني الّذي ينقل رأي المذهب بوضوح: “قلنا: المساواة في الدّين ليس بشرط”[14]. يحمل هذا القول الجمعيّ بوادر الفهم العَلمانيّ للقانون ونظام الدّولة في مجال الجنايات.
“أمّا عند الجمهور غير الحنفيّة: فأساس العصمة هو الإسلام أو الأمان. فيُعدّ المسلم والذمّيّ والمستأمن والمهادَن معصوما، إمّا بسبب الإسلام بالنّسبة للمسلم ولو كان في دار الحرب، أو بسبب الأمان بالنّسبة لغير المسلم المعاهَد، فلا تباح دماؤهم ولا أموالهم، ويعاقب قاتلهم على القتل العمد، إلاّ أنّه لا يُقتل المسلم بالكافر عندهم”[15]. لا تتوفّر مقالة الجمهور على انسجام داخليّ، فالاستثناء الأخير افتيات على حرمة دماء المعاهَدين وأموالهم، وبذلك جمعت هذه المقالة بين ما لا يجتمع: الأمان من جهة، والتّعدّي دون عقاب في قيمة الجناية من جهة أخرى. تكتسب العصمة عند الحنفيّة إذن عمقا مدنيّا يسوّي بين الأديان بينما أساسها عند الشّافعيّة والجمهور عقديّ يفاضل بين الأديان.
سيحاول الشّافعي ثمّ أتباعه دعم مقاربتهم للقصاص بين المسلم والكافر بثلاث آليّات: الحكم بتعزير القاتل، ودعوى شبهة العدم في عصمة دم المقتول، وتجميع عدد كبير من المرويّات عن النّبيّ والصّحابة. لقد كان الحكم بالتّعزير الموكول إلى القاضي وسيلة لمنع القول بترك القاتل دون عقاب، والتّعزير في الأصل إبداع فقهيّ يكرّس التّفاضل بين الطّبقات أمام القانون، فلا يقام الحدّ على الأشراف كما يقام على العوامّ[16]، وهو فاقد للشّرعيّة القرآنيّة أو النّبويّة، وإنّما كان حيلة لمراعاة الحظوة الاجتماعيّة من جهة وتخفيف العقاب بدل إبطاله من جهة ثانية.
ولكن بأيّ وجه شرعيّ تتمّ حماية المسلم المعتدي على نفس بشريّة دون وجه حقّ لا سيما أنّ المعتدى عليه ذميّ يعيش بأمان الذميّة في إطار الدّولة الإسلاميّة؟ ظلّ هذا السّؤال محرجا للفقه الرّسميّ ومحوجا للبحث عن مسوّغات “اللاّعدالة” الجنائيّة بين الأديان. فوجد في “شبهة العدم” حلاّ عمليّا يحدّ من عصمة دم غير المسلمين بمختلف وضعيّاتهم القانونيّة مع المسلمين. وقرّر أنّ القتل العمد الموجب للقصاص هو الحادث اعتداء على آدميّ حيّ معصوم الدّم على التّأبيد، فـــ “لا قصاص بالاعتداء على غير الإنسان أو على الميّت الّذي فارق الحياة أو على معصوم الدّم عصمة مؤقّتة غير دائمة كالمرتدّ أو الحربيّ أو المستأمن في دار الإسلام، لأنّ المستأمن لم تثبت له عصمة مطلقة دائمة، وإنّما عصمته مؤقّتة أثناء إقامته في دار الإسلام لحاجة عارضة، ثمّ يعود إلى وطنه الأصليّ”[17]. تقضي هذه المعادلة الفقهيّة على مفهوم الأمان أو الاستئمان قضاء تامّا، وتؤبّد حالة الحرب الفرديّة مع غير المسلمين، وهي حرب فوضويّة غير رسميّة، وتجعل كلّ من هو غير مسلم مهدور الدّم يجوز قتله، ممّا يغذّي أطروحات السّلفيّة الجهاديّة الّتي لا تفرّق بين “غير المسلمين” وتستبيح دماءهم مطلقا. وبعمليّة قياس تمّت تعدية حكم المستأمن إلى الذميّ الّذي يعيش بين المسلمين في سلام مبنيّ على معاهدة رسميّة تمضي عليها الدّولة، لأنّ “في عصمة دمه شبهة الإباحة بالعود إلى دار الحرب، فلا يُقتصّ من قاتله عمدا، وإنّما يعزّر، لافتئاته على مصلحة الحاكم”[18]. فليس التّعزير عقابا على التّعدّي على النّفس البشريّة وإنّما على التّجرّؤ على وظيفة القضاء.
لا تبدو هذه الشّبهة قويّة بحيث تمنع القصاص، ولكنّها معبّرة عن اشتراط التّكافؤ الدّينيّ والاجتماعيّ في المجال الجنائيّ، فقد “قال الشّافعي –رحمه الله- كون المقتول مثل القاتل في شرف الإسلام والحريّة شرط وجوب القصاص، ونقصان الكفر والرقّ يمنع من الوجوب، فلا يُقتل المسلم بالذمّيّ، ولا الحرّ بالعبد”[19]. كانت هذه الشّبهة حدّا فاصلا بين الشّافعيّة وجمهور الفقهاء من جهة والأحناف من جهة ثانية، فلئن بنى عليها الأوائل حكما شرعيّا ملزما فقد رأى العراقيّون أنّها مرجوحة بعمومات القصاص في القرآن ومصلحة حفظ الحياة والتّوازن المجتمعيّ، إذ يردّ الكاساني على مذهب الشّافعي: “وأمّا قوله “في عصمته شبهة العدم” ممنوع، بل دمه حرام لا يحتمل الإباحة بحال مع قيام الذمّة بمنزلة دم المسلم مع قيام الإسلام”[20]. إذن، ينظر أصحاب أبي حنيفة إلى القتل باعتباره جناية على النّفس الإنسانيّة بقطع النّظر عن دين المقتول ومرتبته الاجتماعيّة، ويبنون ذلك على مبدأ ثابت في التّشريع الإسلاميّ، مقصد حفظ الحياة المشتقّ من آيات كثيرة منها البقرة2: 179 “ولكم في القصاص حياة”، “وتحقيق معنى الحياة في قتل المسلم بالذميّ أبلغ منه في قتل المسلم بالمسلم، لأنّ العداوة الدّينيّة تحمله على القتل، خصوصا عند الغضب، ويجب عليه قتله لغرمائه، فكانت الحاجة إلى الزّاجر أمسّ، فكان في شرع القصاص فيه تحقيق معنى الحياة أبلغ”[21]. تتضمّن مقالة الكاساني الأخيرة مبادئ منهجيّة وتشريعيّة حنفيّة متعدّدة، إذ يقام التّشريع وجوبا على عمومات القرآن لا روايات الآحاد الخاصّة، والعامّ القطعيّ مقدّم على الخاصّ الظنيّ، لأنّه أقرب إلى اليقين، وقد وُجد التّشريع أساسا لحفظ المصلحة، يدور معها أينما كانت، وعلى الفقيه أن يراعي مآل الحكم ومقصد الشّارع معا، وعليه بالتّالي أن يمنع إهدار دم الذميّ لأنّ ذلك سيستتبع فوضى اجتماعيّة وعداوة دينيّة، بينما تكمن وظيفة الفقيه في حفظ النّظام المجتمعيّ ومراعاة الضّرورات الخمس الكبرى وهي حفظ النّفس والدّين والمال والعرض والعقل[22]. وتتحقّق المصلحة بالزّجر المعادل الأصوليّ لــ “سدّ الذّريعة” أي غلق الباب أمام كلّ تعدّ على “حدود الله” و”حقوق البشر”. وإنّ كلّ مقاربة للفقه الجنائيّ يجب أن تقام على معادلة تجمع بين هذه الحقوق وتلك الحدود.
تتوفّر المقالة الحنفيّة إذن على قدر كبير من الانسجام مع مبادئ الدّين الإسلاميّ، ومن “العدالة الإنسانيّة” الّتي تظهر في القول بقتل الحرّ بالعبد، فقد قضى الشّافعي بمنع قتل الحرّ بالعبد لأنّ الحرّ آدميّ من كلّ وجه، والعبد آدميّ من وجه، مال من وجه، وعصمة الحرّ تكون له، وعصمة المال تكون للمالك[23]، وهو ما رفضه الأحناف بناء على آدميّة القتيل و “عمومات القصاص من غير فصل بين الحرّ والعبد، ولأنّ ما شرّع له القصاص وهو الحياة لا يحصل إلاّ بإيجاب القصاص على الحرّ بقتل العبد… وقوله: “العبد آدميّ من وجه مال من وجه” قلنا: لا، بل آدميّ من كلّ وجه. وأمّا قوله: “الحرّ أفضل من العبد” فنعم، لكنّ التّفاوت في الشّرف والفضيلة لا يمنع وجوب القصاص”[24].
إنّ المبدأ الثّابت في الفقه الحنفيّ أنّ التّباين الدّينيّ والتّفاضل الاجتماعيّ لا اعتبار لهما أمام العدالة الجنائيّة سبيلا إلى النّظام المجتمعيّ، وتربط هذه الفتوى بين مصلحة الجماعة وحياة الأفراد، لذا قال العراقيّون بقتل الجماعة بالواحد، وهي الصّورة الغالبة على القتل على سبيل التّعاون والاجتماع، “فلو لم يجعل فيه القصاص لانسدّ باب القصاص: إذ كلّ من رام قتل غيره استعان بغير يضمّه إلى نفسه، لِيُبطلَ القصاصَ عن نفسه، وفيه تفويت ما شرع له القصاص، وهو الحياة”[25].
وفي المقابل، تعتمد المنهجيّة الشّافعيّة على جرّ الخلاف الفقهيّ إلى حلبة النّصوص، ومن المثير جدّا أنّه يندر أن تخلو مسألة فقهيّة مهما كانت جزئيّة أو جوهريّة من تعارض الأحاديث النّبويّة خاصّة، ولم تشذّ مسألتنا عن هذه القاعدة، إذ اعتمد أهل الحديث مرويّات عديدة جدّا بعضها مرفوع إلى النّبيّ وبعضها موقوف عند جيل الصّحابة[26]، أهمّها حديثان يمكن أن نصطلح على الأوّل بــ “حديث الوصيّة” والثّاني بــ “حديث يوم الفتح”:
- حديث الوصيّة: “روي عن عليّ أنّه سأله قيس بن عبادة والأشتر هل عهد إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهدا لم يعهده إلى النّاس، قال: لا، إلاّ ما في كتابي هذا، وأخرج كتابا من قراب سيفه فإذا فيه: المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمّتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، ألا لا يُقتل مؤمنٌ بكافر ولا ذو عهد في عهده، من أحدث حدثا أو آوى محدِثا فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين”[27]. لم يخل هذا المضمون النّبويّ من اضطراب في الرّواية لأنّه نقل بألفاظ أخرى مختلفة كثيرا عن هذه الصّيغة، لعلّ مركز التقائها حكم لا يُقتل مسلمٌ بكافر[28]. هناك إذن حرص على تحصين هذا الحكم بتكثيف روايته، ولكنّ “اختلاف” الرّوايات قد يدلّ على “اختلاقها”. لقد رام أهل السنّة بهذا الحديث تحقيق غايتين مختلفتين: الأولى دحض المقالة الشّيعيّة بوجود وصيّة نبويّة تنصّ على استخلاف عليّ على الحكم بعد وفاة النّبيّ، والثّانية تحصين منع قتل المسلم بالذميّ عبر النّقل بعد أن فشلوا في الإقناع بوجاهة المنع وبانسجامه مع فلسفة الإسلام في التّعامل مع “الآخر الدّينيّ”. لكنّ هذا الحديث أوقعهم مع ذلك في القول بــ “اختصاص عليّ بشيء من الأسرار دون غيره”[29]، ثمّ إنّه يتحدّث عن “الكافر” عامّة لا “الذّميّ” خاصّة وبينهما فرق جوهريّ يتمثّل في عهد الأمان، فعلى فرض صحّة الحديث فإنّ تعلّقه بالمسألة غير دقيق.
ويتضاعف الإشكال في متن الحديث من خلال عبارتين، أولاهما “المؤمنون تتكافأ دماؤهم”، وهو ما يقتضي قتل الحرّ بالعبد متى كانا “مؤمنين”، وتتدعّم التّسوية بحديث “من قتل عبده قتلناه”[30]، لكنّ أهل الحديث انقلبوا على مضمونه وأفرغوه من محتواه، إذ يقول الشّوكاني: “أكثر أهل العلم على أنّه لا يُقتل السيّد بعبده، وتأوّلوا الخبر على أنّه أراد من كان عبده”[31]. وفي إضافة النّاسخ “كان” نسخ للحديث وتعطيل لمضمونه بشكل دالّ على أنّ سلطة المحدّثين كانت دوما تربو على سلطة الحديث نفسه. أمّا العبارة الثّانية فهي “يسعى بذمّتهم أدناهم” وتنصّ على أنّه إذا أعطى أحد أفراد الأمّة أمانا للعدوّ جاز ذلك على جميع المسلمين وليس لهم أن ينقضوا عليه عهده، فإذا كان عهد الفرد ملزما للجميع فكيف يخرق عهد رسميّ تعطيه الدّولة للمستأمنين أو “الذمّيين”؟ متن الحديث إذن مشكل لأنّه لا يتوفّر على انسجام داخليّ ويناقض أحكاما فقهيّة وأخلاقا إسلاميّة ومبادئ عامّة كثيرة. هناك أسئلة أخرى كثيرة تتعلّق بشكل الحديث/الوصيّة: فلماذا خصّ النّبيّ عليّا بهذه الوصايا؟ ولماذا نصّ على هذه الوصايا بذاتها رغم أنّها لا تمثّل جوانب مركزيّة في الإسلام؟ ولماذا أخفى عليّ الوصيّة في كتاب جعله في قراب سيفه وانتظر سؤالا من الصّحابة ليكشفها؟ إنّ الطّابع المسرحيّ المتخيّل جليّ في قصّة الحديث.
- حديث يوم الفتح: نقرأ في “نيل الأوطار”: “روى الشّافعي من حديث عطاء وطاوس ومجاهد والحسن مرسَلا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوم الفتح: لا يُقتل مؤمن بكافر”[32]. لم يحظ هذا الحديث بثقة روّاة أهل السنّة ولا نجده في المجامع الرّئيسيّة، بل هناك اتّفاق على ضعف سنده من جهة إرساله، ولكن تمّ اللّجوء إليه لتأخّره الزّمنيّ ممّا سيسمح للشّافعيّة باعتباره ناسخا لمرويّات الأحناف.
لقد وجد جمهور الفقهاء أنفسهم في مأزق، فكيف تُهدر دماء بمرويّات لا تحظى بإجماع المسلمين؟ بل إنّ النّقد الّذي طال أحاديث الباب وآثاره صدر من داخل الدّائرة السنيّة نفسها، حين كثّفت المرويّات عن النّبيّ والصّحابة لمنع الاقتصاص من المسلم المعتدي على الذميّ، لكنّها اصطدمت بما قاله الحافظ في “الفتح” بعد أن ذكر حديث عليّ الآخر وحديث عمرو بن شعيب وحديث عائشة وابن عبّاس: إنّ طرقها كلّها ضعيفة إلاّ الطّريق الأولى والثّانية، فإنّ سند كلّ منهما حسن”[33]. قد يُقال إنّ عمليّة الفرز الّتي مارسها المحدّثون جعلتهم يطرحون ما ضعف ويقبلون ما حسن، ممّا يقوّي عمليّة التّحرّي في نقد السّند، لكنّ هذا القول يتهاوى عندما نقرأ مقالة الشّوكاني في شأن حديث منسوب إلى النّبيّ مضمونه: “الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه”[34]، فقد قال: “وهو وإن كان فيه مقال لكنّه قد علّقه البخاري في صحيحه”[35].
تمكّن أهل الحديث إذن من المسك بزمام سلطة النّقل، فاحتكروا حقّ الجرح والتّعديل والقبول والرّفض، وطعنوا في ما رواه العراقيّون مؤيّدا لمذهبهم، فقد “اعتمدوا في ذلك آثارا منها حديث يرويه ربيعة بن أبي عبد الرّحمان عن عبد الرّحمان البيلماني قال: قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا من أهل القبلة برجل من أهل الذمّة، وقال: أنا أحقّ من وفى بعهده”[36]. فشنّ المحدّثون حملة شعواء على الحديث معتمدين على إرساله، وركّزوا الجرح على ابن البيلماني راويه، يقول البيهقي: “وهذا حديث ليس بمسند، فلا يُجعل مثله إماما يُسفك به دماء المسلمين”[37]، ويضيف الشّوكاني معلّلا رفض الحديث: “وأجيبَ عنه بأنّه مرسل، ولا تثبت بمثله حجّة، وبأنّ ابن البيلماني المذكور ضعيف لا تقوم به حجّة إذا وصل الحديث فكيف إذا أرسله”[38]. وإجمالا، رفض المحدّثون جميع مرويّات العراقيّين في الباب، سواء أكانت أخبارا عن النّبيّ أو آثارا عن صحابته، فأسقطوا الاحتجاج بها دون أن يقدّموا دليل تهافتها، وهو ما لخّصه البيهقي بقوله: “هذه أحاديث منقطعات أو ضعاف، أو تجمع الانقطاع والضّعف جميعا”[39].
بيد أنّ الحديث السّابق لم يحتلّ في المسار الحجاجيّ الحنفيّ إلاّ منزلة هامشيّة متأخّرة[40]، إذ تمّ الاعتماد أساسا على عمومات القصاص في القرآن[41]، ولا فصل فيها بين قتيل وقتيل، وإنّما ترنو نحو “الحقّ” و”العدالة” و”المساواة” و”الحياة”. وتعتبر هذه العمومات قطعيّة في الفكر الأصوليّ الحنفيّ[42] تُقدّم على الحديث الخاصّ لظنيّته. وقد اشتقّ فقهاء المذهب الحنفيّ من مجموع هذه الآيات مقصد حفظ الحياة في الإسلام، وقرؤوا في ضوئها المرويّات عن النّبيّ المتواترة في العراق أو الحجاز، وربطوا هذا المقصد بمصلحة الأمّة وضرورة حفظ النّظام المجتمعيّ. وارتكزوا على أنّ عصمة دم الذميّ لا شبهة فيها لأنّ المبيح للقتل ليس الكفر مطلقا بل الكفر الباعث على الحراب، فإذا اجتمع عهد الذميّة والإقامة في “دار الإسلام” صارت حرمة دم الذميّ مساوية لحرمة دم المسلم دون أيّ اعتبار للجانب العقديّ. “وأمّا من طريق القياس فإنّهم اعتمدوا على إجماع المسلمين في أنّ يد المسلم تُقطع إذا سرق من مال الذميّ، وقالوا: فإذا كانت حرمة ماله كحرمة مال المسلم فحرمة دمه كحرمة دمه”[43].
ينطوي القياس الأخير على قوّة استدلاليّة كبيرة ويقتضي الاحتراز من ترديد رفض الأحناف “القياس في الحدود”. ويدلّنا مجموع ما سبق إلى أنّ “صراع النّصوص” كان صراعا وهميّا أريد منه أن يحجب “صراع التأويلات”.
3- صراع التأويلات:
مارس التيّاران الشّافعيّ والحنفيّ ضروبا من التّأويل انبنت أحيانا على حفر في طبقات المعنى وعدول عن المعاني الأول، وتمسّكت أحيانا أخرى بشرعيّة التّفسير الحرفيّ القائم على الفهم اللّغويّ المطابق لشروط الوضع والتّركيب. وقد تداخلت في هذه العمليّات عناصر مقام التّلفّظ والجوار النصيّ وأطروحات المذهب. ويمكن التّمثيل على صراع التّأويلات الحنفيّة والشّافعيّة من خلال عبارة نبويّة وأخرى قرآنيّة.
3- 1- “ذو عهد في عهده”: من العدالة الجنائيّة إلى الجناية على العدالة:
أثارت العبارة النّبويّة السّابقة “لا يُقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده” خطّا فاصلا بين الأطروحتين الشّافعيّة الحنفيّة، إذ قرئت قراءتين مختلفتين تماما، وأبانت عن أهميّة التّحليل اللّغويّ البنيويّ في التّراث التّشريعيّ الإسلاميّ. فهل يعني ذلك أنّ الفريقين سلّما بصحّة الحديث أي سلامة نسبته إلى النّبيّ؟ لا تمثّل هذه “الصّحّة” مسألة جوهريّة في التّشريع، لأنّ المحدّثين فرضوا الاعتماد على “الصّحيح” و”الحسن” وحتّى “الضّعيف”، ولأنّ التّأويل الفقهيّ وإن كان ينطلق من اللّغة فقد كان قادرا على تطويعها، فــــ “اللّغة تتنافس في مكانتها ومكانها من المنهج مع أداة ثانية هي المعرفة النّقليّة… وبحسب أن تكون الغلبة للّغة أو للمنقول[44] يكون المنهج”[45]. الاعتبار الثّالث الّذي يجعل سلامة الحديث ثانويّة يتعلّق بالباحث المعاصر، فسواء أكان مصدر الحديث النّبيّ نفسه أو الفقهاء اللاّحقين فإنّه معبّر عن الفلسفة التّشريعيّة في الإسلام باتّجاهاتها، وهو مصدر “شرعيّ” للأحكام تهدر به دماء وتصان به أخرى. احتلّت اللّغة إذن مكانة بارزة في المناهج الفقهيّة والمقاربات الأصوليّة[46]، وحافظت على هذه المكانة ضمن فلسفة اللّغة الحديثة، فرغم تنامي الاهتمام بالعوامل الخارجيّة يلحّ بول ريكور مثلا على أهميّة التّحليل اللّغويّ البنيويّ ضامنا لعلميّة المنهج، ذلك أنّ “البحث من وجهة نظر بنيويّة هو بالأساس بحث عن العلميّة”[47]. لكنّ ما يهدّد هذه “العلميّة” أنّ التّحليل اللّغويّ “استبطانيّ” يحفر في طبقات المعنى فتتصارع التّأويلات، يقول: “إنّ التّأويل… نشاط ذهنيّ يكمن في فكّ شفرة المعنى الخفيّ داخل المعنى الظّاهر ونشر مستويات الدّلالة الكامنة في الدّلالة الحرفيّة”[48]. ولئن كان المنهج النّقليّ في السّياق الإسلاميّ حريصا على التّشبّث بالمعنى الظّاهر فقد تخلّى عنه نحو المعنى الباطن وهو يؤوّل العبارة النّبويّة السّابقة.
وقد شمل اختلاف التّأويل المستويين التّركيبيّ والمعجميّ، إذ رأى الأحناف أنّ “ذو عهد في عهده” معطوف على مؤمن بدلالة الرّفع، فيكون معنى الحديث: لا يُقتل مؤمن بكافر، ولا يُقتل ذو عهد في عهده بكافر، وأوّلوا الكافر على أنّه الحربيّ خاصّة بدليل الحديث، فـــــ “المراد بالكافر المذكور في المعطوف: هو الحربيّ فقط، بدليل جعله مقابلا للمعاهَد، لأنّ المعاهد يقتل بمن كان معاهَدا مثله من الذميّين إجماعا، فيلزم أن يقيّد الكافر في المعطوف عليه بالحربيّ، كما قيّد في المعطوف، لأنّ الصّفة بعد متعدّد ترجع إلى الجميع اتّفاقا، فيكون التّقدير: لا يُقتل مؤمن بكافر حربيّ، ولا ذو عهد في عهده بكافر حربيّ، وهو يدلّ بمفهومه على أنّ المسلم يقتل بالكافر الذمّيّ”[49]. أمّا الشّافعيّة فلا يسلّمون أنّ هذه الواو للعطف، بل هي للاستئناف، فيحصل معنى مستقلّ يقتضي أنّ ذا العهد لا يُقتل، لكنّ هذا المقتضى يُبطل حكم الشّطر السّابق من الحديث متى كان الكافر معاهَدا، فيمنع قتل الذميّ، لذلك قال الأحناف إنّ هذا الحديث على الشّافعيّة وليس لهم، لأنّ المعاهَد أدنى مرتبة من الذميّ ودونهما الحربيّ، ولأنّ الأدنى يقتل بالأعلى إجماعا، ولأنّ العطف يقتضي التّسوية[50].
ينقل الرّبيع تأويل الشّافعي لعبارة “ولا ذو عهد في عهده”، وهو تأويل يبدأ بالظنّ وينتهي بالجمع بين متناقضين، قال الشّافعي: “يشبه أن يكون لمّا أعلمهم أنّه لا قَوَدَ بينهم وبين الكفّار، أعلمهم أنّ دماءَ أهل العهد محرّمة عليهم، فقال: لا يقتل مؤمن بكافر، ولا يقتل ذو عهد في عهده”[51]. فإذا كان دم ذي العهد محرّما وكان الذميّ يعيش مع المسلمين بعهد دائم فكيف لا يُقاد المؤمن متى قتل ذميّا؟
يقضي التّأويل الشّافعيّ على انسجام الحديث النّبويّ ويتعسّف مبقيا “الكافر” في دلالته الشّموليّة رغم أنّ بنية الحديث ترجّح أنّه الحربيّ خاصّة، ويستبطن قصد المشرّع الضّمنيّ، “وهو متظاهر بخدمة صاحب النصّ وبيان مقاصده واعتبار شريعته، ولكنّه في الحقيقة خادم لنفسه معبّر عن ذاته ومشاغلها وتصوّراتها للدّنيا والآخرة في قراءة تطوّع إرادة الكاتب إلى ما تصبو إليه إرادة القارئ”[52].
لكنّ ما سبق لا يعني أنّ “الإسلام كما نزل” تتضمّن أحكامه مساواة بين جميع الطّوائف أو بين الأجناس، فقد نبّه عبد الله أحمد النّعيم إلى أنّ مبادئ الشّريعة الإسلاميّة الموروثة لا تتوافق مع القانون الدّوليّ العلمانيّ في معايير حقوق الإنسان، لاسيما في ما يتعلّق بوضعيّة الطّوائف غير المسلمة في الأقطار الإسلاميّة ووضع النّساء وحقوق الاعتقاد والتّعبير والاجتماع واستخدام العنف في سبيل نشر الإسلام. وممّا يضاعف الإشكال حسب هذا المفكّر السّودانيّ أنّ التّنافر بين القانون الدّوليّ العامّ والتّشريع الموروث حادّ جدّا بحيث يمتنع التّوفيق، ويصبح “الاجتهاد في إطار الشّريعة غير كاف لأنّ معظم مبادئ وقواعد الشّريعة محلّ الخلاف والمتعلّقة بالقانون الدّستوريّ والعدالة الجنائيّة والقانون الدّوليّ وحقوق الإنسان تقوم على نصوص واضحة قاطعة من القرآن والسنّة”[53]. كيف يمكن الخروج من المأزق إذن؟ لا يرى النّعيم وجاهة في تبنّي القانون العلمانيّ دون أساس إسلاميّ[54]، ويضطرب موقفه في هذا المستوى لأنّه يدعو إلى إصلاح حقيقيّ للقانون العامّ في الإسلام بعد أن قرّر استحالة التّوفيق في المستوى الجنائيّ على الأقلّ[55].
في الحقيقة هناك معطيان رئيسيّان لا بدّ من استحضارهما عند مناقشة فرص التّجديد في التّشريع الجنائيّ، أوّلهما أنّ أغلب القوانين المنظّمة للعلاقات بين الجماعات والأقليّات والطّوائف داخل الدّولة خاضعة لموازين القوى واحتياجات المرحلة، بما فيها استقطاب أنصار للدّين الجديد وضمان منزلة تميّزهم عن غيرهم في الدّنيا والآخرة، فتلك الأحكام من قبيل “الاجتماع المنصوص”[56]. المعطى الثّاني يبدو أكثر أهميّة، ويتعلّق بمنهج الفقهاء والمفسّرين في التّعاطي مع النصّ الدّينيّ. فقد ضخّمت الآلة التّأويليّة مظاهر الحيف تجاه الآخر الدّينيّ ولم تطوّر المبادئ القرآنيّة والنّبويّة الّتي تحلم بمجتمع يقوم على التّعايش واحترام العقائد. يقول محمّد الشّرفي في ذلك: “لئن بقي المسيحيّون ينتظرون التئام مجمع الفاتيكان الثّاني ليتخلّوا عن المقالة الّتي مفادها أنّ “لا نجاة لمن هو خارج الكنيسة” فإنّ المسلمين كان يمكنهم أن يسبقوهم في ذلك بأربعة عشر قرنا لو ائتمروا بما أمرهم الله، واعتبروا أنّ الوحدانيّين لا خوف عليهم”[57]، معتمده في ذلك المائدة5: 69 “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ”. لكنّ المفسّرين المسلمين حرّفوا دلالة الآية واعتبروا أنّ المقصود من سبق الإسلام فقط.
ويتكرّر المنهج “الرّسميّ” نفسه في التّعامل مع الإرث النّبويّ، ففي مثالنا “لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده” نزوع نحو المساواة القانونيّة بين المسلم والكافر المعاهد، أي الارتقاء بكلّ “الكفّار” غير الحربيّين إلى مرتبة قانونيّة تخوّل لهم التّعامل الجنائيّ العادل تماما مع المسلمين. وبذلك لا يكون مقصد النّبيّ من “الكافر” المذكور في الشّطر الأوّل من الحديث إلاّ الحربيّ كما قرّر علماء المذهب الخنفيّ، ولعلّه لهذا السّبب بالذّات غيّب صفة الكافر عن المعاهد بشكل كامل، وعبّر عنه بذي العهد. لكنّ القراءة الشّافعيّة الغالبة -بدليل تبنّي الجمهور لها- جعلت حكم ذي العهد معطوفا على الكافر لا المسلم، فبدل منع قتل المعاهد بالحربيّ منعت قتل المسلم بالذميّ. وستجد هذه “المساواة المفقودة” تعبيرها في النصّ القرآنيّ أيضا.
3- 2- نفي المساواة في القرآن بين العموم والخصوص:
لئن مثّلت العبارة النّبويّة “لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده” محور صراع التّأويلات الفقهيّة، فإنّ الجدل الأصوليّ انطلق أساسا من الحشر59: 20 ” لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ، أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ”. ذلك أنّ الشّافعيّة استدلّوا بهذه الآية “على المنع من قتل المسلم بالذّميّ، لأنّه لو قتل به، كما يُقتل الذميّ بالمسلم، وكما يُقتل المسلمُ بالمسلم، كنّا قد سوّينا بين المسلم والذميّ”[58]. يدور الاختلاف بين الشّافعيّة والحنفيّة في فلكي اللّغة والأصول المتداخلين، فهل يتمّ التّقيّد بمقتضى اللّفظ أم بالاستعمال، أي بحقيقة الوضع أم سلطة المساقات؟ وهل يقصد الله المعنى الحرفيّ الظّاهر أم معنى “خفيّا” في غير غموض؟ هل بقي اللّفظ على عمومه أم خصّ كما يخصّ الكلم غالبا؟ ستقودنا هذه الأسئلة إلى العمق الأصوليّ للاختلاف وصولا إلى مسألة القياس في الحدود.
يرى الشّافعي وأنصاره إذن أنّه يكفي في إطلاق لفظ المساواة التّساوي من بعض الوجوه، فلا تنتفي المساواة إلاّ بانتفاء كلّ الوجوه، لأنّ نقيض الكلّيّ السّالب (لا يستوي) جزئيّ موجب (استواء في وجه)، يقول الآمدي المنتصر للمقالة الرّسميّة[59]: “نفي المساواة بين الشّيئين، كما في قوله تعالى (لا يستوي أصحاب النّار وأصحاب الجنّة) يقتضي نفي الاستواء في جميع الأمور عند أصحابنا القائلين بالعموم خلافا لأبي حنيفة، فإنّه قال: إذا وقع التّفاوت ولو من وجه واحد فقد وفى بالعمل بدلالة اللّفظ… حجّة أصحابنا أنّه إذا قال القائل: “لا مساواة بين زيد وعمرو” فالنّفي داخل على مسمّى المساواة، فلو وجدت المساواة من وجه لما كان مسمّى المساواة منتفيا، وهو خلاف مقتضى اللّفظ”[60]. قيّد القولُ بالعموم أصحابه فاضطرّهم إلى تعميم الآية، وإذا كان هذا التّعميم منسجما فعلا مع اللّغة فإنّه متعارض مع قاعدة أصوليّة ثابتة مفادها ندرة الحفاظ على مقتضى الوضع وترجيح الاستعمال عليه[61]. حافظ المخالفون على المنطلقات اللّغويّة والمنطقيّة وأضافوا إليها قاعدة الاستعمال الّتي ستدعّمها المقالة التّفسيريّة حين تربط الآية بسياقيها النصيّ والتّاريخيّ، فتخصّص مداها الدّلاليّ. إذ رأوا أنّ الاستواء ينقسم إلى الاستواء من كلّ وجه والاستواء من بعض الوجوه، وما من شيئين إلاّ ولا بدّ من استوائهما في أمر مّا ولو في نفي ما سواهما عنهما، وبالتّالي “لا بدّ في اعتبار المساواة من التّساوي من كلّ وجه، وعند ذلك، فيكفي في نفي المساواة نفي الاستواء من بعض الوجوه، لأنّ نقيض الكلّيّ الموجب جزئيّ سالب، فثبت أنّ نفي المساواة لا يقتضي نفي المساواة من كلّ وجه”[62]. قام المخالفون لقراءة الجمهور بما يمكن وسمه بــ “عكس” البناء المنطقيّ على تلك القراءة، فبان عدم اطّرادها. واللاّفت أنّ تلك القراءة لم تقنع عددا كبيرا من الأصوليّين، فلم يكن الأحناف وحدهم في معارضتها وإنّما وجدنا الرّازي الشّافعيّ يذهب إلى أنّه لو كان إطلاق لفظ المساواة يتحقّق من بعض الوجوه “لوجب إطلاق لفظ المتساويين على جميع الأشياء، لأنّ كلّ شيئين فلا بدّ وأن يستويا في بعض الأمور، من كونهما معلومين ومذكورين وموجوديْن وفي سلب ما عداهما عنهما”[63]، فيستنتج من تقليب منطقيّ “يُعتبر في المساواة المساواة من كلّ الوجوه، وحينئذ: يكفي في نفي المساواة نفي الاستواء من بعض الوجوه، لأنّ نقيض الكليّ هو الجزئيّ”[64]. واعتمدت القراءة الاعتزاليّة على علمي الكلام والتّفسير لدحض التّأويل الشّافعيّ، يقول البصري: “قد علمنا استواءهم في صفات الذّات، فعلمنا أنّه أراد: لا يستويان في بعض الصّفات… وقد ذكرنا في الآية الافتراق في الفوز، فيجب حمل الآية عليه”[65]. إنّه يحيل بذلك على الجانب المغيّب من الآية في التّأويل الأصوليّ الشّافعيّ، وهو عبارة “أصحاب الجنّة هم الفائزون”.
وقد عدنا إلى كتب التّفسير فوجدنا أنّها تخصّص الآية عندما تربطها بأسباب نزولها وبجوارها من الآيات، بل حتّى عندما تقرؤها كاملة في غير تجزيئ، وتضعها في إطارها الأخرويّ تمييزا من الله، وتبعدها عن السّياق الجنائيّ تمييزا بين البشر.
وتتّفق كتب التّفسير على أنّ سورة الحشر ارتبط نزولها بقصّة إجلاء يهود بني النّضير من المدينة بعد أُحد[66]، وتقوم الآيات الأولى من السّورة على تناظر دلاليّ يمدح الفقراء المهاجرين ومن ناصرهم ويتوعّد المنافقين الّذين أغووا بني النّضير، وتمثّل الآية 20 تتويجا لهذه المقابلة، يقول الرّازي: “اعلم أنّه تعالى لمّا أرشد المؤمنين إلى ما هو مصلحتهم يوم القيامة بقوله (ولتنظر نفس ما قدّمت لغد) وهدّد الكافرين بقوله (الّذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم) بيّن الفرق بين الفريقين فقال (لا يستوي أصحاب النّار وأصحاب الجنّة، أصحاب الجنّة هم الفائزون)”[67]. فإذا ربطنا الآية بجوارها النصيّ وسياقها التّاريخيّ بان مقدار العسف التّأويليّ الّذي مارسه عليها أصحاب الشّافعي ليطوّعوها مانعة لقتل المسلم بالذميّ، بل لو قرأنا الآية كاملة وجدنا شطرها الثّاني موجّها شطرها الأوّل إلى تعلّقه بالمآل الأخرويّ المبيّن في الآية السّابقة عليها في التّرتيب. ولعلّ هذه الحمولة الفقهيّة المضافة إلى الآية 20 كانت لملء الفراغ المرجعيّ المقنّن لعدم المساواة بين المسلمين وغيرهم في القصاص. “وقد استدلّ أصحاب الشّافعي رضي الله عنه بهذه الآية على أنّ المسلم لا يقتل بالكافر وأنّ الكفّار لا يملكون أموال المسلمين بالقهر”[68]. بيد أنّ هذا الاستدلال انبنى على “ترحيل” “اللاّمساواة” من العقيدة إلى الاجتماع مجالا، ومن السّماء إلى الأرض مكانا، ومن الآخرة إلى الدّنيا زمانا، ومن الاختصاص الربّانيّ إلى الحكم الإنسانيّ جهة ومحلاّ.
أمّا السّرخسي –الحنفيّ- فقد أسّس نقده اللاّذع للمقالة الشّافعيّة على فكرة “المحلّ”، ففي تقديره أنّ الآية 20 من سورة الحشر وما شابهها[69] لا تحتمل القراءة الشّموليّة، “فإنّ نفي المساواة بينهما على العموم غير محتمل لعلمنا بالمساواة بينهما في حكم الوجود والإنسانيّة والبشريّة والصّورة”[70]. وقد أخطأ الشّافعي في تقديره، لأنّه “سوّى فيما أثبته من حكم العموم بين ما يحتمل العموم وبين ما لا يحتمله لعدم محلّه فيما هو المحتمل”[71].تبدو فكرتا “الاحتمال” و “المحلّ” على درجة كبيرة من الأهميّة، لأنّهما تقيّدان عموم اللّفظ وتحرصان على القيمة الإجرائيّة للقاعدة الفقهيّة، لذلك كان الفكر الأصوليّ يردّد “ما من عامّ إلاّ خصّص”[72] دليلا على ندرة بقاء العمومات في شمولها، وبقاء اللّفظ أسير المواضعة.
وإذا كان الشّافعي يسوّي بين محتمل الحال ومحتمل اللّفظ فإنّ السّرخسي يستنجد بقاعدة مفادها أنّنا لا نُكلَّف حرج الإحاطة بإرادة المتكلّم وقصده، “ونحن نقول: فيما ذهب إليه تحقّق الحرج الّذي هو مدفوع وهو الوقوف على مراد المتكلّم ليعمل به فيما يحتمل العموم، واعتبار الإرادة المغيّرة للعموم عن حقيقتها”[73].
وهكذا أبانت المناظرة الأصوليّة بين الشّافعيّة والحنفيّة عن تكافؤ التّعليلين المنطقيّ واللّغويّ اللّذين تسلّح بهما كلّ مذهب، وترحيل الخلاف الفقهيّ العمليّ إلى صور مغرقة في الصّوريّة والشّكلانيّة، وهو استدلال معكوس، لأنّ الفكر الأصوليّ وإن كان تقعيديّا فإنّ وظيفته مدّ الفقيه بنظريّات يعالج بها الوضعيّات التّشريعيّة المعقّدة، وقد انبثقت هذه المناظرة من تفسير الآية 20 من سورة الحشر، ثمّ خرجت عن التّفسير إلى التّأويل والتّأصيل، بحثا في شمول اللاّمساواة وحدودها، وامتدادا لثنائيّة الخاصّ والعامّ ضمن مسالك الدّلالة.
وخرجت المقالتان الشّافعيّة والحنفيّة هنا عن كثير من القواعد المقرّرة في مظانّ أخرى من كتب المذهبين، منها ترجيح الاستعمال على الوضع في ضبط دلالة الألفاظ، وهي قاعدة قرّرها غير عالم من تلاميذ الشّافعي[74]، ومنها منع القياس في الحدود عند العراقيّين، إذ يردّد السّرخسي “الحدّ بالقياس لا يثبت”[75]، وهو ما يتعارض مع قياسهم قتل المسلم بالذميّ على القصاص في الأطراف كما وضّح ابن رشد. مع ذلك أشاد كريستيان لانغ بمبدأ منع القياس في الحدود في التّراث الحنفيّ واعتبره منسجما مع القانون الحديث منهجيّا، يقول: “إنّ حظر القياس يمثّل مبدأ من المبادئ الجوهريّة في القانون الجنائيّ الغربيّ الحديث”[76]، فلا عقوبة شرعيّة إلاّ بقانون. ومنذ القديم “طوّر [أبو حنيفة] حظر القياس في المسائل الجنائيّة لحماية حريّة الأفراد من السّلطة القمعيّة لأجهزة الدّولة”[77]. يقترب التيّار الحنفيّ إذن من “الحداثة” القانونيّة منهجيّا من خلال رفض القياس في الحدود، ومضمونيّا من خلال إقرار المساواة في العقاب بقطع النّظر عن الدّين والمنزلة الاجتماعيّة. ولكن، لِمَ لَمْ يقع تطوير هذين المبدأين “الحداثيّين” في التّراث الفقهيّ الإسلاميّ وكانت السّيادة للمقالة الشّافعيّة؟ يمرّ الجواب عبر النّظر في الأبعاد الحضاريّة لمسألة قتل المسلم بالذميّ.
4- صراع الحضارات/الأديان:
حشد البيهقي عددا ضخما من الأخبار عن النّبيّ والآثار عن الصّحابة للاستدلال على شرعيّة منع قتل المسلم بالذمّيّ في التّاريخ التّأسيسيّ للإسلام. ونقل خبرا مكرّرا مفاده أنّ عمر بن الخطّاب همّ بقتْل مسلم كان قد قتَل ذميّا فراجعه بعض الصّحابة. ومّما له دلالة تعليل الصّحابيّ تلك المراجعة بعدم تساوي المسلم وغير المسلم، فالثّاني كالعبد للأوّل، “قال أبو عبيدة بن الجرّاح: ليس ذلك لك. فصلّى ثمّ دعا أبا عبيدة فقال: لمَ زعمْتَ لا أقتُله به؟ فقال أبو عبيدة: أرأيت لو قَتل عبدا له أكنتَ قاتله به؟ فصمت عمر رضي الله عنه، ثمّ قضى عليه بألف دينار مغلّظا عليه”[78]. يوفّر لنا الخبر فرصة للوقوف على شكل استدلال الصّحابيّ أصوليّا على الفتوى، إذ لم يستحضر عمر ولا أبو عبيدة واحدا من تلك الأحاديث الكثيرة الّتي تمتلئ بها المدوّنات الفقهيّة والّتي تَنسب إلى النّبيّ الحكم ونقيضه كما رأينا، بل إنّ عمرا همّ بقتل المعتدي ممّا يشكّك في صحّة كلّ تلك المرويّات ويرجّح أنّها ظهرت بعديّا لملء فراغ تشريعيّ أو توجيهه بما يخدم متخيّلا شعبيّا أو توجّها رسميّا للدّولة. وممّا يضاعف الشكّ في صحّة الخبر نفسه أنّه صيغ بنفس المراحل السّابقة مع تغيير الفواعل، ليلعب عثمان بن عفّان دور عمر[79]: همّ بقتل المعتدي فراجعه صحابيّ أو أكثر فتراجع. وتحيلنا هذه البنية القصصيّة المتخيّلة إلى أنّ الفاعل في التّشريع ليس النصّ بقدر ما هو حاجة “الفاعلين المركزيّين” في الحضارة الإسلاميّة إلى قانون يضمن للمتفوّق تفوّقه ويحافظ عليه ويكرّسه، ويتدعّم هذا التّعليل بما ذهب إليه قولدزيهر حين ربط منسوب التّسامح بقوّة الدّولة، فأشار إلى تحوّل المسلمين منذ عمر بن عبد العزيز عن التّسامح الدّينيّ إزاء اليهود والنصارى[80]،”والمحاربون المنتشرون في أصقاع بعيدة (أي الحاكمون الجدد) كانوا في حاجة إلى قوانين تنظّم اجتماعهم الدّاخلي وعلاقاتهم مع السكّان الأصليّين للمناطق المفتوحة. ولم يكن المرجعُ الفقهيّ تعاليمَ السّابقين بقدر ما كان الذّكاء والحاجة”[81]: يقصد عدولهم عن النّهج القرآنيّ والسّلفيّ نحو ما أسماه “السيف من أجل الجنس العربيّ”.
وإذا عدنا إلى تاريخ الأقليّات في الإسلام وجدنا إجماع الدّارسين على تراوحه فعلا بين التّعايش واحترام المعتقد من جهة، والتّهميش والازدراء من جهة ثانية[82]، “فلئن تمتّعت هذه الأقليّات بضمانات تتّصل بأمنها وممتلكاتها وبحريّتها في ممارسة طقوسها وعباداتها، فقد كانت في نفس الوقت عرضة لممارسات تمييزيّة شبه عدوانيّة على الأصعدة الاجتماعيّة والسّياسيّة والقانونيّة”[83]. ولكن هل كانت تلك “الضّمانات” تصل حدّ المساواة؟ ثمّ كيف نعلّل الممارسات العدوانيّة وفي أيّ إطار تتنزّل؟
يربط محمّد الطّالبي احتقار غير المسلم بالإسلام التّاريخيّ معتبرا أنّ “ما يُسمّى بأحكام أهل الذمّة كانت، في كثير من أشكالها الاحتقاريّة والاستفزازيّة، انحرافا عن مقاصد الشّارع”[84].وقد دفعه هذا الحكم إلى “تنقية” الإسلام من كلّ مفاضلة بين الأديان، وإلى إسقاط مفاهيم التّعدّديّة والمساواة والنّظم الفدراليّة على “مقاصد الشّارع”، استشفّها من صحيفة المدينة “الّتي يمكن أن نعتبرها دستور أوّل دولة أقيمت في الإسلام على النّمط التّعدّديّ… هدف الصّحيفة… هو إنشاء مجتمع واحد، تعدّدي الأديان والهويّات، على أساس التّضامن والعدل والمساواة، وهذا نظام شبيه تماما بالنّظم “الفدراليّة” اليوم”[85]. ودفعه هذا التّصوّر إلى تأويل الجزية باعتبارها “تعني التّعويض ولا تحتوي على أيّ استنقاص”[86]، وإلى اختزال منهجيّة القرآن في التّعامل مع غير المسلم في الحوار، يقول: “إنّ الحوار بالنّسبة للإسلام هو عودة إلى سنّة من سننه الشّرعيّة”[87]. ويضيف في مقال “الإسلام والحوار الدّينيّ”: “القرآن… يعتبر نفسه امتدادا للكتابات المقدّسة السّابقة”[88]. غير أنّ اعتبار القرآن حوارا من أوّله إلى آخره لا يصمد بعمليّة استقراء بسيطة لهذا النصّ، ويضيف المحاوِر في هذا المقال أنّه يصعب الاعتراف للقرآن بحوار حقيقيّ، لأنّ كلّ حوار يفترض وجود طرفين قادرين على التّخاطب فيما بينهما، بينما القرآن لا يفعل أكثر من الإقرار بالفروقات الموجودة بين البشر، وخاصّة في المستوى العقائديّ، فخطاب القرآن قائم على الأمر، وما أسّسه من علاقات سلميّة مع الآخرين ليس حوارا بل ولاء الضّعيف للأقوى، فلا حوار في غياب التّكافؤ، لذا يتساءل هذا المحاور في صيغة النّفي: “هل استطاع هذا “الحوار” أن يجد تعبيره في التّاريخ؟”[89].
بعد كلّ هذا التّمجيد لمنهجيّة الحوار في القرآن راح الطّالبي يدعو إلى التّعلّق بالحداثة بما هي “بوتقة صهر”[90] ويربط بين حقيقة أنّ الله لم يخاطب بشرا دون بشر وحتميّة الانخراط في “الأخلاقيّة الشّاملة” الّتي أفرزتها منظومة غريبة عنّا. وهو يقصد ببوتقة الصّهر والأخلاقيّة الشّاملة أنّ الحداثة العالميّة انبنت على حقوق الإنسان في صيغة كونيّة، فراح يتحدّث في لهجة غنائيّة عن أنّ التّنزيل تواصُل لا يقبل الفصل، وأنّ الدّيانات الثّلاث، أي اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام[91] يكمّل اللاّحق منها السّابق ولا يلغيه، “فاللّه إلاه كلّ النّاس، لا يحقّ لأحد أن يحتكره ويستأثر به”[92]، وهنا يقع المفكّر في خلط بين الحداثة والأديان، لأنّ الحداثة نظام فكريّ لا دينيّ، وهو لا ينكر وجود نعرة استعماريّة أوروبيّة احتقاريّة دون أن يحدّد -عمليّا- كيفيّة التّعامل معها لمنع “بوتقة الصّهر” من أن تتحوّل إلى “بوتقة قهر” الشّعوب الضّعيفة، وهو أجلى ما يكون في النّظام العالميّ الحديث.
يجب الإقرار بأنّ سيادة الفتوى الشّافعيّة القاضية بتحاشي تطبيق الحدّ على المسلم المعتدي على غير المسلم تعبّر عن الرّضا الرّسميّ والشّعبيّ بفقه يضمن للمسلم/الفرد حصانة دينيّة وللجماعة فخرا حضاريّا أو ثقافيّا، فهي تعبّر إذن عن نوع من “النّرجسيّة الحضاريّة” أو شكل من أشكال “تضخّم الأنا الحضاريّ”، وليس هذا التّضخّم حكرا على الحضارة الإسلاميّة ولا على أحكام شريعتها، إذ نقرأ في “التّلمود” ما يتجاوز النّرجسيّة إلى العصبيّة للعنصر اليهوديّ، ونكتفي بالإصحاحات التّالية:
- “إذا ضرب وثنيّ يهوديّا، توجّب قتل الوثنيّ”. (سنهدرين: 58)
- “لا يتوجّب على اليهوديّ أن يدفع لوثنيّ أجور عمل” (سنهدرين، 58)
- عندما يقتل اليهوديّ وثنيّا لا تتوجّب عليه عقوبة الموت (سنهدرين، 57)
ولا يمكن إنكار إمكان تسرّب مثل هذه الأحكام العدوانيّة تجاه الآخر من الثّقافة اليهوديّة إلى ثقافة الإسلام، فثقافة المجتمعات الدّينيّة هي جماع مختلف تأويلات النصّ المقدّس وما أضيف إليه من أخبار. ويشير بندكت أندرسن في هذا المستوى إلى أنّ “الجماعات الكلاسيكيّة الكبرى جميعها كانت تتصوّر أنّها في مركز الكون، عبر وسيط لغة مقدّسة مرتبطة بنظام قوّة فوق أرضيّ”[93]. ويؤكّد في دراسته للجماعات الدّينيّة الكبرى –وهي أمّة الإسلام والعالم المسيحيّ والعالم البوذيّ- على “الطّابع شبه المَرَضيّ الّذي تتّسم به القوميّة، وعلى جذورها الضّاربة في تربة الخوف من الآخر وكراهيّته”[94]. إذن يظلّ كلّ حوار بين الأديان عقيما وعبثيّا دون استحضار هذا “المتخيّل الرّاديكاليّ”، والاستفادة من تاريخ الأديان المقارن. على أنّ إذابة جليد الكراهيّة يتوقّف على شروط من أهمّها إقصاء كلّ القوانين المنطوية على احتقار ذي أسس دينيّة أو عرقيّة أو جنسيّة، ولن يكون ذلك كافيا لكنّه سيمثّل لبنة أولى أساسيّة. وفي المجال الإسلاميّ، يمكن اعتبار الإفتاء بعدم قتل المسلم بالذميّ انعكاسا لتصوّر المسلم نفسَه في مركز الكون ومتخيّل “شبه مرضيّ” تتّسم به القوميّة القائمة على العداء.
وبناء على ما تقدّم لا يمكن أن يكون النصّ الدّينيّ وراء اختلاف الفقهاء في المسألة[95]، بل في كلّ مسألة، لأنّه من السّخف أن نعتقد أنّ الله والرّسول يقولان القول ونقيضه في كلّ جزئيّة تشريعيّة. وإنّما وراء هذا الظّاهر النّقليّ المصطنع أنظمة اجتماعيّة تتصارع[96]، ورؤى تبحث عن النّجاعة التّشريعيّة وتختلف تقديراتها للأصلح. فمحكّ الاختلاف الحقيقيّ بين المقاربتين الشّافعيّة والحنفيّة في مسألتنا تباين تصوّرهما لوجه المصلحة الحضاريّة للأمّة، فرأى الشّافعيّ ضرورة تحصين الذّات الإسلاميّة أو الهويّة القائمة على الدّين والعروبة[97]، في حين آمن أبو حنيفة بفائدة استقطاب الآخر في مجتمع عراقيّ متداخل الأعراق.
5- الخاتمة:
كشفت مسألة “قتل المسلم بالذمّيّ” عمق الاختلاف الفقهيّ في التّراث الإسلاميّ، وهو اختلاف دالّ على تاريخيّة التّشريع بوضوح، بمعنى خضوعه لجملة من المتغيّرات العمرانيّة والدّيمغرافيّة والجغرافيّة والسّياسيّة وغيرها. ويُعزى هذا الاختلاف أساسا إلى تباين وجهات نظر الفاعلين المركزيّين إلى ما هو “أصلح” للأمّة أو للحضارة، ولئن كان هؤلاء الفاعلون في البدء أفرادا يفتون بشكل عفويّ، فقد استبدلوا بعد تشكّل المذاهب وانغلاقها بمؤسّسات رسميّة تعبّر عن توجّهات الجماعة أو الدّولة، ولا تقبل قراراتها النّقض. فلا معنى إذن لوسم كلّ تفصيلات العمليّة الفقهيّة بالقداسة، ولا وجاهة في تعليل الاختلاف الفقهيّ تعليلا لغويّا جافّا يربط الفتوى ونقيضها بنصّ نبويّ أو أثر عن وجوه الصّحابة، إنّ مختلف الحديث والآثار معبّر عن متخيّل جمعيّ سائد ينفر من تعليل الأحكام وتعقّل الشّريعة، فالرّداء النصيّ الّذي غلّف به الاختلاف الفقهيّ هو في الواقع غطاء وهميّ يعبّر عن حاجة الجماعة إلى الاعتصام بحبل الوحدة.
في البدء، كان الفعل التّأويليّ في المجال التّشريعيّ قويّا، استبطن المعاني باستحضار مقاصد المتكلّم الرّاجحة وعناصر السّياق المشكّلة للمعنى المقصود، وهو غير المعنى الحرفيّ المباشر غالبا، واستنبط الأحكام وفق ثنائيّات الحقيقة والمجاز والخاصّ والعامّ والوضع والاستعمال… لم يسلم هذا الفعل التّأويليّ طبعا من توجيه أدبيّات المذهب وطبيعة المجتمع و”النّرجسيّة الحضاريّة”، لكنّه صهر كلّ العناصر المقاميّة الخارجيّة داخل خطاب فقهيّ نجح قرونا في توجيه الحياة القانونيّة في المجال الإسلاميّ، بل امتدّت فاعليّته إلى الوعي الفرديّ للمؤمن والوعي الجمعيّ ذاته. وقد يُنظر إلى هذا الإرث الفقهيّ باعتباره أدّى دورا في القديم ثمّ تهاوى تحت ضربات الحداثة والعقلانيّة. وقد يكون من الإجحاف تصوّر وجود جدار عازل بين التّراث والحداثة في المسألة الجنائيّة. إذ كان الأحناف سابقين عصرهم حين نفروا من القياس في الحدود رغم أنّهم أهل القياس، وحين ألغوا الاعتبارات الدّينيّة والاجتماعيّة والجنسيّة في إقامة الحدود، كان النّفور والإلغاء نسبيّين كما وضّحنا في عملنا، لكنّه كان يمكن أن يكون أرضيّة جيّدة للتّجديد القانونيّ من الدّاخل، بيد أنّ ما وقع عمليّا هو أنّ أطروحات العراقيّين همّشت على التّدريج واكتست المقالة الشّافعيّة طابعا رسميّا باعتبارها مقالة “الجمهور”.
وتنطوي سيادة حكم منع القصاص بين المسلم وغيره على قدر كبير من التّفاضل الدّينيّ، ويبدو أنّ كلّ المجتمعات الدّينيّة تحصّن ذاتها بأمثال هذه الأحكام، الحداثة نفسُها أنتجت نظاما عالميّا يبالغ في إخضاع الضّعيف للقويّ. هل يعني ذلك أنّ التّحديث القانونيّ يجب أن يسير جنبا إلى جنب مع التّحديث الأخلاقيّ؟ أم إنّ “التّدافع” بين الأمم كونيّ أبديّ؟
[1]– صورة المسألة أن يقتلَ مسلم ذميّا دون وجه حقّ: هل يقام على الجاني حدّ القتل أم يُعطَّل القصاص لأفضليّة المسلم على غيره.
[2] – لا نشكّ أيضا في الدّور الّذي لعبه المذهب المالكيّ في هذا الخلاف، وهو ما وضّحناه في كتابنا “أثر الأصول التّكميليّة في فقه السنّة”. طبعة أولى، مؤسّسة مؤمنون بلا حدود، الرّباط-المغرب، بيروت- لبنان، 2019.ص15-18.
[3]– أبو الوليد بن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد. طبعة سادسة، دار المعرفة، بيروت- لبنان، 1982. ج2. ص330.
[4]– علاء الدّين الكاساني، بدائع الصّنائع في ترتيب الشّرائع. طبعة ثانية، دار الكتب العلميّة، بيروت- لبنان، 2003. ج10. ص236.
[5]– ابن رشد، بداية المجتهد. مصدر سابق. ج2. ص333.
[6]– الكاساني، بدائع الصّنائع. مصدر سابق. ج10. ص246.
[7]– راجع تفصيل هذه الأقسام ضمن: ابن النقّاش محمّد بن علي، كتاب المذمّة في استعمال أهل الذمّة. طبعة دار المسلم للنّشر والتّوزيع، الرّياض- المملكة العربيّة السّعوديّة، 1995. ص ص7-8.
[8]– راجع الشّريف الفرجاني، السّياسيّ والدّينيّ في المجال الإسلاميّ. ترجمة محمّد الصغيّر جنجار. منشورات مقدّمات، الدّار البيضاء، 2008.ص193.
[9]– محمّد الطّالبي، عيال الله. طبعة دار سراس للنّشر، تونس، 2002. ص176.
[10]– يتعارض موقف جمهور الفقهاء مع الثّقافة العربيّة الّتي تبالغ أعرافها في تقديس العهود وتذمّ الإخلال بها، وهو سبب تسمية المعاهدين بالذمّيين، فقد ورد في كتاب التّعريفات: “الذمّة لغة: العهد، لأنّ نقضه يوجب الذمّ”. محمّد بن علي الجرجاني، كتاب التّعريفات. طبعة أولى، دار المعرفة، بيروت- لبنان، 2007. ص101.
[11]– راجع تفصيل المواقف ضمن: ابن رشد، بداية المجتهد. مصدر سابق. ج2. ص333-334.
[12]– عبد الله بن المقفّع، رسالة الصّحابة. ضمن آثار ابن المقفّع. طبعة أولى، دار الكتب العلميّة، بيروت- لبنان، 1989. صص316-317.
[13]– وهبة الزّحيلي، الفقه الإسلاميّ وأدلّته. طبعة ثانية، دار الفكر، دمشق- سوريا، 1985. ج6. ص225.
[14]– الكاساني، بدائع الصّنائع. مصدر سابق. ج10. ص260.
[15]– وهبة الزّحيلي، الفقه الإسلاميّ وأدلّته. مرجع سابق. ج6. ص226.
[16]– سمحت طبيعة التّعزير بهذا التّفاضل لأنّه عقوبة اجتهاديّة لم يحدّدها الشّرع. راجع كريستيان لانغ، العدالة والعقاب في المتخيّل الإسلاميّ خلال العصر الوسيط. ترجمة رياض الميلادي، طبعة أولى، دار المدار الإسلاميّ، بيروت- لبنان، 2016. ص353-354.
[17]– وهبة الزّحيلي، الفقه الإسلاميّ وأدلّته. ج6. ص225.
[18] – المرجع نفسه. ج6. ص225.
[19]– الكاساني، بدائع الصّنائع. مصدر سابق. ج10. ص257. راجع أيضا: محي الدّين النّووي، منهاج الطّالبين وعمدة المفتين. طبعة أولى، دار المنهاج، بيروت- لبنان، 2005. ص471-472.
[20]– الكاساني، بدائع الصّنائع. مصدر سابق. ج10. ص260.
[21]– المصدر نفسه. ص258.
[22]– يتّفق فقهاء مختلف المذاهب في أنّ الشّريعة وضعت للمحافظة على هذه الضّرورات. راجع مثلا: أبو حامد الغزالي، المستصفى من علم الأصول. طبعة دار الفكر، دمشق-سوريا. د.ت. صص293-294. لكنّ المقالة الشافعية تهدر ضرورة حفظ النفس هنا.
[23]– راجع: ابن رشد، بداية المجتهد. مصدر سابق. ج2. ص333، ومنهاج الطّالبين. مصدر سابق. ص472.
[24]– الكاساني، بدائع الصّنائع. مصدر سابق. ج10. ص260-261. يجب التّنبيه مع ذلك إلى أنّ المذهب الحنفيّ يمنع القصاص على الحرّ إذا قتل عبدَ نفسه، راجع بداية المجتهد. مصدر سابق. ج2. ص333. ولكنّه حاسم مع من قتل عبد غيره. راجع: الشّيخ نظام وجماعة من علماء الهند: الفتاوى الهنديّة. طبعة ثالثة، بيروت- لبنان، دار إحياء التّراث العربيّ، 1980. ج6. ص3.
[25]– الكاساني، بدائع الصّنائع. مصدر سابق. ج10. ص261-262.
[26]– راجع تفصيلها ضمن: أبو بكر البيهقي، الخلافيّات. طبعة أولى، الرّوضة للنّشر والتّوزيع، القاهرة- مصر، 2015.المجلّد6. صص502-512، ومحمّد علي الشّوكاني، نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار. طبعة أولى، دار ابن الجوزي، المملكة العربيّة السّعوديّة، 2005. ج13. صص16-32.
[27]– أخرجه أحمد في مسنده. ج1. ص119، والنّسائي في سننه، الحديث عدد 4734، وأبو داود في سننه، الحديث عدد 4530.
[28]– راجع مثلا صحيح البخاري، الحديث عدد 111، وسنن التّرمذي، الحديث عدد 1412. وفي هذه الرّواية يجيب عليّ عن سؤال: وما في الصّحيفة؟ بقوله: العقلُ وفكاكُ الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر.
[29]– الشّوكاني، نيل الأوطار. مصدر سابق. ج13. ص20.
[30]– رواه أحمد في مسنده. ج1. ص10 و19، وأبو داود، الحديث عدد 4515، والتّرمذي، الحديث عدد 1414، والنّسائي، الحديث عدد 4738، وابن ماجه، الحديث عدد 2663.
[31]– الشّوكاني، نيل الأوطار. مصدر سابق. ج13. ص32.
[32]– المصدر نفسه. ج13. ص18. والحديث رواه أحمد في مسنده، ج2. ص348، والبيهقي في السّنن الكبرى. ج8. ص29. واللاّفت أنّ محقّق “نيل الأوطار” يعتبر سند البيهقي مرسلا ضعيفا. وممّا يُضعف الحديث أنّه روي بلفظ مختلف تماما عن الصّيغة الّتي أثبتها الشّوكاني رغم أنّه قيل –افتراضا- يوم الفتح أمام عدد كبير من الشّهود ممّا يمنع اضطراب اللّفظ. راجع البيهقي، كتاب الخلافيّات. مصدر سابق. المجلّد6. ص507.
[33]– الشّوكاني، نيل الأوطار. مصدر سابق. ج13. ص18-19.
[34]– أخرجه البخاري. ج3. الباب79. ص218.
[35]– الشّوكاني، نيل الأوطار. مصدر سابق. ج13. ص28.
[36]– ابن رشد، بداية المجتهد. مصدر سابق. ج2. ص334. والحديث أخرجه الدّارقطني في سننه، ج4. ص156، والبيهقي في السّنن الكبرى. ج8. ص31.
[37]– البيهقي، الخلافيّات. مصدر سابق. المجلّد6. ص514.
[38]– الشّوكاني، نيل الأوطار. مصدر سابق. ج13. ص24.
[39]– البيهقي، الخلافيّات. مصدر سابق. المجلّد6. ص520.
[40]– عدّد الكاساني سبع حجج انطلق منها الأحناف في فتواهم، ولم يذكر هذا الحديث إلاّ في المرتبة الثّالثة. راجع بدائع الصّنائع. مصدر سابق. ج10. صص258-262. راجع أيضا: عبد الغني الغنيمي، اللّباب في شرح الكتاب. طبعة المكتبة العلميّة، بيروت- لبنان، [د.ت.] ج3. ص144، نقرأ في هذه الصّفحة تعليل الحكم بأنّ “المساواة في العصمة ثابتة بالدّار، والمبيح كفر المحارب دون المسالم”.
[41]– البقرة2: 178، المائدة5: 45، الإسراء17: 33.
[42]– يعتبر الأحناف العامّ قطعيّا بينما يعتبره الجمهور ظنيّا مرجوحا بالخاصّ عند التّعارض. يقول البزدوي: “العامّ عندنا يوجب الحكم فيما تناوله قطعا ويقينا بمنزلة الخاصّ فيما يتناوله” راجع علاء الدّين البخاري، كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي، طبعة دار الكتاب الإسلاميّ، القاهرة- مصر، [د.ت.]. ج1. ص291.
[43]– أبو الوليد بن رشد، بداية المجتهد. مصدر سابق. ج2. ص334.
[44]– لا نرى أنّ “منافس” اللّغة هو النّقل وحده، وإنّما هناك مبادئ مذهبيّة وأصوليّة كثيرة قد تتفاعل معها بأشكال مختلفة.
[45]– الهادي الجطلاوي، قضايا اللّغة في كتب التّفسير. طبعة أولى، دار محمّد علي للنّشر والتّوزيع، صفاقس، وكليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، سوسة- تونس، 1998. ص11.
[46]– يشير سامي الدّيب إلى هذه الأهميّة بقوله: “خصّص الفقهاء المسلمون حوالي ربع كتاباتهم التأصيليّة للمباحث اللّغويّة”. راجع:
Sami A. Aldeeb Abu-Sahlieh, introduction toislamiclaw: foundation, sources, and principles. Ed. Eyrolles, Paris, 2006. ص219.
[47] – Paul Ricoeur, le conflit des interprétatios: essais d’herméneutique. Ed du seuil, paris, 1969ص84.
[48] المرجع نفسه. ص16.
[49]– الشّوكاني، نيل الأوطار. مصدر سابق. ج13. ص22.
[50]– راجع شهاب الدّين القرافي، العقد المنظوم في الخصوص والعموم. طبعة أولى، دار الكتب، مصر، 1999. ج2. ص394. ويجمع القرافي في الصّفحات الموالية أدلّة الفريقين النّحويّة.
[51]– البيهقي، الخلافيّات. مصدر سابق. المجلّد6. ص504.
[52]– الهادي الجطلاوي، قضايا اللّغة في كتب التّفسير. مرجع سابق. ص132.
[53]-عبد الله أحمد النّعيم، نحو تطوير التّشريع الإسلاميّ. طبعة أولى، سينا للنّشر، القاهرة- مصر، 1994. ص82.
[54]– يقول بوضوح: “رغم اعترافي بأنّ الكثير من مظاهر الشّريعة لا يمكن الأخذ به اليوم، فإنّي لا أحسب العلمانيّة حلاّ”. المرجع السّابق. ص81.
[55]– راجع كتابه المذكور، ص34-76-99. راجع في المقابل ص135 حيث يقرّر استحالة التّوفيق بين الشّريعة والدّستوريّة.
[56] – يقول عبد الجواد ياسين: “التّشريع القرآنيّ اجتماع منصوص”راجع كتابه الدّين والتّديّن. طبعة أولى، دار التّنوير، بيروت- لبنان، 2012. ص124.
[57]– محمّد الشّرفي، الإسلام والحريّة: سوء التّفاهم التّاريخيّ. طبعة ثانية، دار بترا للنّشر والتّوزيع، سوريا- دمشق، 2008. ص57.
[58]– أبو الحسين البصري، المعتمد في أصول الفقه. طبعة المعهد العلميّ الفرنسيّ للدّراسات العربيّة، دمشق، 1964. ج1. ص249.
[59]– رغم أنّه في الأصل يقول بالوقف لا بالعموم ولا بالخصوص. راجع: سيف الدّين الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام. طبعة أولى، دار الصّميعي للنّشر والتّوزيع، المملكة العربيّة السّعوديّة، 2003. ج2. ص259.
[60]– المصدر نفسه. ج2. ص303.
[61]– راجع مثلا: سيّد مرتضى، الذّريعة إلى أصول الشّريعة. طبعة مؤسّسة انتشارات وجاب دانشكاه، طهران- إيران، 1960. ج1. ص208.
[62]– الآمدي، الإحكام. مصدر سابق. ج2. ص304.
[63]– فخر الدّين الرّازي، المحصول في علم أصول الفقه. طبعة مصر، مؤسّسة الرّسالة [د.ت.]. ج2. ص378.
[64]– المصدر نفسه. ص378.
[65]– أبو الحسين البصري، المعتمد في أصول الفقه. مصدر سابق. ج1. ص250.
[66]– راجع: الزّمخشري، الكشّاف. طبعة ثالثة، دار المعرفة، بيروت- لبنان، 2009. ج28. ص1092.
[67]– فخر الدّين الرّازي، مفاتيح الغيب. طبعة دار الفكر، بيروت- لبنان. [د.ت.]. ج29. ص292-293.
[68]– الزّمخشري، الكشّاف. مصدر سابق. ج28. ص1096.
[69]– السّجدة32: 18- الزّمر39: 9.
[70]– أبو بكر محمّد السّرخسي، أصول الفقه. مطابع دار الكتاب العربيّ، القاهرة- مصر، 1954. ج1. ص143.
[71]– المصدر نفسه. ص143.
[72]– راجع: جلال الدّين السّيوطي، الإتقان في علوم القرآن. طبعة وزارة الشّؤون الإسلاميّة، المملكة العربيّة السّعوديّة، 2005. مج3. ص44.
[73]– السّرخسي، أصول الفقه. مصدر سابق. ج1. ص143.
[74]– راجع مثلا جلال الدّين السّيوطي، المزهر في علوم اللّغة وأنواعها. منشورات المكتبة العصريّة، صيدا- بيروت، 1986. ج1. ص367.
[75]– السّرخسي، المبسوط. ج9. ص78.
[76]– كريستيان لانغ، العدالة والعقاب في المتخيّل الإسلاميّ خلال العصر الوسيط. مرجع سابق. ص293-294.
[77]– المرجع نفسه. ص294-295.
[78]– البيهقي، الخلافيّات. مصدر سابق. المجلّد6. ص520.
[79]– المصدر نفسه. المجلّد6. ص523.
[80]– تحقق التّسامح في حريّة إقامة شعائرهم وتحليل المعاملات المدنيّة والاقتصاديّة معهم.
[81]– ايجناس قولدزيهر، العقيدة والشّريعة. ترجمة محمّد يوسف موسى وعلي حسن عبد القادر وعبد العزيز عبد الحقّ. المركز القوميّ للتّرجمة، القاهرة- مصر، 2013. ص48.
[82]– راجع Antoine Fattal, le statut légal des non-musulmans en pays de l’islam. Ed de Beyrouth, 1958. ص24-75. راجع أيضا مقال dhimma ضمن دائرة المعرف الإسلاميّة بالفرنسيّة. ج2.
[83]– محمّد الشّرفي، الإسلام والحريّة. مرجع سابق. ص59.
[84]– محمّد الطّالبي، عيال الله. مرجع سابق. ص177.
[85]– المرجع نفسه. ص176-177.
[86]– محمّد الطّالبي، الإسلام والحوار الدّينيّ. ضمن مجلّة قضايا إسلاميّة معاصرة، السّنة11، العددان33 و34، 2006. ص37. راجع أيضا عيال الله ص175، حيث يقوم بـ “شرعنة” الذمّة ابستيميّا وتاريخيّا ويعتبره نظاما مقبولا وطبيعيّا.
[87]– محمّد الطّالبي، عيال الله. مرجع سابق. ص152.
[88]– محمّد الطّالبي، الإسلام والحوار الدّينيّ. مرجع سابق. ص30.
[89]– المرجع نفسه. ص34.
[90]– محمّد الطّالبي، عيال الله. مرجع سابق. ص155.
[91]– هذا المشروع لا يستوعب إذن من هو خارج عن هذه الدّيانات أو غير متديّن، ممّا يجعله إقصائيّا دون أن يدري.
[92]– محمّد الطّالبي، عيال الله. مرجع سابق. ص154.
[93]– بندكت أندرسن، الجماعات المتخيّلة: تأمّلات في أصل القوميّة وانتشارها. ترجمة ثائر ديب. طبعة أولى، شركة قدمش للنّشر والتّوزيع، بيروت- لبنان، 2009. ص57.
[94]– المرجع نفسه. ص143.
[95]– يحرص المؤرّخون التّقليديّون للتّشريع الإسلاميّ على تعليل اختلاف الفقهاء تعليلا نصيّا يحجب الأسباب الاجتماعيّة والحضاريّة وتدافع الأدلّة. يقول ابن خلدون معللّا الاختلاف الفقهيّ الحتميّ: “إنّ الأدلّة غالبها من النّصوص، وهي بلغة العرب، وفي اقتضاءات ألفاظها لكثير من معانيها وخصوصا الأحكام الشّرعيّة اختلاف بينهم معروف”. المقدّمة. طبعة دار الجيل، بيروت- لبنان، [د.ت.]. ص494.
[96]– قام محمّد خالد مسعود بدراسة عميقة لأسباب اختلاف الفقهاء في الإسلام وانتهى إلى أنّ الفقه بناء اجتماعيّ للشّريعة، فقد “استنبط الفقهاء الشّريعة بالعود إلى سياقهم الاجتماعيّ”. راجع Ikhtilaf al-fuqaha: La diversité dans le fiqh en tant que construction sociale. https://arabic.musawah.org/sites/default/files/Wanted-MKM-FR.pdf. ص85.
[97]– يقول نصر حامد أبو زيد معلّقا على إصرار الشّافعي على عروبة القرآن الخالصة: “هكذا تتداخل العروبة بالقرشيّة وتتوحّد كلتاهما بالمنحى الفكريّ المحافظ الّذي يرفض العقلانيّة، وينفر من التّفكير المنطقيّ الاعتزاليّ”. راجع: الإمام الشّافعي وتأسيس الايديولوجيّة الوسطيّة. طبعة ثانية، مكتبة مدبولي، القاهرة- مصر، 1996. ص64.
المصار والمراجع:
المصادر:
- الآمدي سيف الدّين، الإحكام في أصول الأحكام. طبعة أولى، دار الصّميعي للنّشر والتّوزيع، المملكة العربيّة السّعوديّة، 2003.
- ابن رشد أبو الوليد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد. طبعة سادسة، دار المعرفة، بيروت- لبنان، 1982.
- ابن المقفّع عبد الله، رسالة الصّحابة. ضمن آثار ابن المقفّع. طبعة أولى، دار الكتب العلميّة، بيروت- لبنان، 1989.
- ابن النقّاش محمّد بن علي، المذمّة في استعمال أهل الذمّة. طبعة دار المسلم للنّشر والتّوزيع، الرّياض- المملكة العربيّة السّعوديّة، 1995.
- البخاري علاء الدّين، كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي، طبعة دار الكتاب الإسلاميّ، القاهرة- مصر، [د.ت.].
- البصري أبو الحسين، المعتمد في أصول الفقه. طبعة المعهد العلميّ الفرنسيّ للدّراسات العربيّة، دمشق- سوريا، 1964.
- البيهقي أبو بكر، الخلافيّات. طبعة أولى، الرّوضة للنّشر والتّوزيع، القاهرة- مصر، 2015.
- الجرجاني محمّد بن علي، كتاب التّعريفات. طبعة أولى، دار المعرفة، بيروت- لبنان، 2007.
- الرّازي فخر الدّين، مفاتيح الغيب. طبعة دار الفكر، بيروت- لبنان. [د.ت.].
- الرّازي فخر الدّين، المحصول في علم أصول الفقه. طبعة مصر، مؤسّسة الرّسالة [د.ت.].
- الزّمخشري أبو القاسم، الكشّاف. طبعة ثالثة، دار المعرفة، بيروت- لبنان، 2009.
- السّرخسي أبو بكر محمّد، أصول الفقه. مطابع دار الكتاب العربيّ، القاهرة- مصر، 1954.
- السّيوطي جلال الدّين، الإتقان في علوم القرآن. طبعة وزارة الشّؤون الإسلاميّة، المملكة العربيّة السّعوديّة، 2005.
- السّيوطي جلال الدّين، المزهر في علوم اللّغة وأنواعها. منشورات المكتبة العصريّة، صيدا- بيروت، 1986.
- الشّوكاني محمّد علي، نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار. طبعة أولى، دار ابن الجوزي، المملكة العربيّة السّعوديّة، 2005.
- الشّيخ نظام وجماعة من علماء الهند: الفتاوى الهنديّة. طبعة ثالثة، بيروت- لبنان، دار إحياء التّراث العربيّ، 1980.
- الغزالي أبو حامد، المستصفى من علم الأصول. طبعة دار الفكر، دمشق- سوريا. [د.ت.].
- الغنيمي عبد الغني، اللّباب في شرح الكتاب. طبعة المكتبة العلميّة، بيروت- لبنان، [د.ت.].
- القرافي شهاب الدّين، العقد المنظوم في الخصوص والعموم. طبعة أولى، دار الكتب، مصر، 1999.
- الكاساني علاء الدّين، بدائع الصّنائع في ترتيب الشّرائع. طبعة ثانية، دار الكتب العلميّة، بيروت- لبنان، 2003.
- مرتضى سيّد، الذّريعة إلى أصول الشّريعة. طبعة مؤسّسة انتشارات وجاب دانشكاه، طهران- إيران، 1960.
- النّووي محي الدّين، منهاج الطّالبين وعمدة المفتين. طبعة أولى، دار المنهاج، بيروت- لبنان، 2005.
المراجع:
العربيّة:
- ابن خلدون عبد الرّحمان، المقدّمة. طبعة دار الجيل، بيروت- لبنان، [د.ت.].
- أبو زيد نصر حامد، الإمام الشّافعي وتأسيس الايديولوجيّة الوسطيّة. طبعة ثانية، مكتبة مدبولي، القاهرة- مصر، 1996.
- أندرسن بندكت، الجماعات المتخيّلة: تأمّلات في أصل القوميّة وانتشارها. ترجمة ثائر ديب. طبعة أولى، شركة قدمش للنّشر والتّوزيع، بيروت- لبنان، 2009.
- الجطلاوي الهادي، قضايا اللّغة في كتب التّفسير. طبعة أولى، دار محمّد علي للنّشر والتّوزيع، صفاقس، وكليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، سوسة- تونس، 1998.
- دمّق رؤوف، أثر الأصول التّكميليّة في فقه السنّة. طبعة أولى، مؤسّسة مؤمنون بلا حدود، الرّباط-المغرب، بيروت- لبنان، 2019.
- الزّحيلي وهبة، الفقه الإسلاميّ وأدلّته. طبعة ثانية، دار الفكر، دمشق- سوريا، 1985.
- الشّرفي محمّد، الإسلام والحريّة: سوء التّفاهم التّاريخيّ. طبعة ثانية، دار بترا للنّشر والتّوزيع، سوريا- دمشق، 2008.
- الطّالبي محمّد، عيال الله. طبعة دار سراس للنّشر، تونس، 2002.
- الطّالبي محمّد، الإسلام والحوار الدّينيّ. ضمن مجلّة قضايا إسلاميّة معاصرة، السّنة11، العددان33 و34، 2006.
- الفرجاني الشّريف، السّياسيّ والدّينيّ في المجال الإسلاميّ. ترجمة محمّد الصغيّر جنجار. منشورات مقدّمات، الدّار البيضاء، 2008.
- لانغ كريستيان، العدالة والعقاب في المتخيّل الإسلاميّ خلال العصر الوسيط. ترجمة رياض الميلادي، طبعة أولى، دار المدار الإسلاميّ، بيروت- لبنان، 2016.
- النّعيم عبد الله أحمد، نحو تطوير التّشريع الإسلاميّ. طبعة أولى، سينا للنّشر، القاهرة- مصر، 1994.
- ياسين عبد الجواد، الدّين والتّديّن. طبعة أولى، دار التّنوير، بيروت- لبنان، 2012.
الأجنبية:
- Aldeeb Abu-Sahlieh Sami, introduction to Islamic law: foundation, sources, and principles. Ed. Eyrolles, Paris, 2006.
- Fattal Antoine, le statut légal des non-musulmans en pays de l’islam. Ed de Beyrouth, 1958.
- Masoud Mohammed Khaled, Ikhtilaf al-fuqaha : La diversité dans le fiqh en tant que construction sociale. https://arabic.musawah.org/sites/defaultfiles/Wanted-MKM-FR.pdf.
- Ricoeur Paul, le conflit des interprétatios: essais d’herméneutique. Ed du seuil, paris, 1969.