الملخّص
لعبد الفتّاح إبراهيم دور فكريّ ومكانة معرفية مهمة، بوصفه أوّل من تخصّص في علم الاجتماع في العراق مطلع ثلاثينيات القرن العشرين. وهو الذي عُرف بأنشطته الفكرية والترجمية والسياسية التي كان لها صداها وأثرها في المجتمع العراقي آنذاك. وألفّ كتاباً مهماً هو الأول من نوعه في دراسة التاريخ الاستعماري الحديث وفق مفاهيم علم الاجتماع الكلي هو (على طريق الهند). وفيه قدّم منظورات اجتماعية وسياسية ذات أهمية كبيرة. وهذا الكتاب هو مدار هذه الدراسة التي نحاول عبرها الوقوف على الدّور التأسيسيّ الذي مارسه عبد الفتاح إبراهيم، وبه سبق الدكتور علي الوردي في دراسة التاريخ السياسيّ وتحليل الأحداث التاريخيّة اجتماعياً.
الكلمات المفتاحية: إبراهيم، الاجتماعيّ، التّاريخ، الهند، الورديّ.
Abstract
Abdul Fattah Ibrahim had an intellectual role and an important position as the first sociologist in Iraq in the early 1930s, who was known for his intellectual, translation and political activities that had an impact on Iraqi society at the time. He is the one who wrote an important book, the first of its kind, in the study of modern colonial history according to the concepts of holistic sociology, and the book is (On the Road to India), in which he presented social and political perspectives of great importance. This book that we will study in order to identify the founding role that Abdel Fattah Ibrahim played in the study of political history and the analysis of historical events socially, to be the Previous on Ali Al-Wardi.
Keywords: Al -wardi, history, Ibrahim, India, social
1- تمهيد:
لا يشبه البحث الاجتماعيّ أيّ بحث إنساني، من ناحية سعة أمدائه التي تبدأ من الفرد وتنتهي بالدولة، وتنطلق من التنوير الذاتي إزاء النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتغير في السلطة وأنواع الحكم، ولا تنتهي عند إدراك الفوارق بين الثقافات وتقييم آثار السياسات، بل تمتدّ إلى غيرها.
وينطوي علم الاجتماع على أقسام وميادين عدّة، وواحد من تلك الأقسام يندرج في إطار دراسة الحياة اليومية وأوضاع التفاعل الاجتماعي، منشطراً إلى فرعين مترابطين كلّ الترابط، يكمل أحدهما الآخر، الأول: علم الاجتماع المصغر أو المايكروسوسيولوجي. وفي هذا النوع من الدراسة الاجتماعية يجري التحليل على مستوى الأفراد أو الجماعات الصغيرة، ملقياً الضوء على الخطوط العريضة للأنماط المؤسسة للتفاعل الاجتماعي مهما بلغت ضخامة السياق الذي تجري فيه. والفرع الآخر هو علم الاجتماع الكلي أو الماكروسوسيولوجي، ويُعنى بدراسة الأنساق الاجتماعية والسياسية الكبرى من ناحية النظم الاقتصادية وتحليل عمليات التغيير البعيدة الأمد[1].
ومن المسائل التي يحفز على دراستها علمُ الاجتماع الكلي مسألة التنظيم الاجتماعي وتاريخ العلاقات الدولية وعلاقة الاقتصاد بالمجتمع والانقسامات الطبقية والأزمات السياسية ونمو التوترات الداخلية ومواجهة التهديدات العسكرية وفشل سلطة الدولة في الإصلاح السياسي. وكذلك يمكن للبحث الاجتماعي تقديم المساعدة في عملية تقييم المبادرات السياسية للأنظمة الاقتصادية كالرأسمالية وما فيها من صراع الطبقات التي بسببها حرص “كارل ماركس” على ربط المشكلات الاقتصادية بالمؤسسات الاجتماعية، مساهماً إسهاماً مهماً وفاعلاً في تطور علم الاجتماع.
وللمفكرين والفلاسفة مساهمات أخرى في وضع أساسات علم الاجتماع الكلي مما يتعلق بالمجتمع المدني، وما فيه من علاقات عائلية واقتصادية وعلاقات واقعة خارج البنية الشرعية السياسية للدولة التي ينبغي أن تكون غير منفصلة عن الأفراد. وتظل للسياسة – شأنها شأن الكثير من أبعاد الحياة- أهمية متزايدة في العلوم الاجتماعية الحديثة، بكل ما يتصل بها من قضايا الحكم وسيادة الدولة واستخدام القوة والسلطة التي تمثل عنصراً أساسياً في جميع العلاقات الإنسانية، بما فيها العلاقات بين المستخدَمين والمستخدِمين[2].
وما اهتمام هذا العلم بدراسة تاريخ الثورات الاجتماعية الكبرى سوى دلالة على أن ّالسياسة هي وسيلة السلطة الحاكمة في تحقيق غاياتها ضمن نطاق معين، كما يعني أنّ تلك الثورات ليست مجرّد حركات للإطاحة بتلك السلطة؛ بل هي نتيجة للتناقضات في ميدان السياسة. وتعدّ تلك التناقضات أهم العوامل المساهمة في إحداث التغيير السياسي والتنظيم الاجتماعي داخل بيئة مادية تساعد على رفض أنساق سياسية تسلطية.
ويواجه الباحثون في علم الاجتماع الكلّي صعوبات كثيرة تعترض طريقهم، في مقدمتها النهج الكلي في دراسة علوم مجاورة كالسياسة والاقتصاد وعلم النفس، وأثر تلك العلوم في برامج التنمية والإصلاحات المجتمعية من ناحية تحقيق الأهداف، وتقييم الإنجاز، وإحصاء الإخفاقات، فضلا عن حاجة البحث الاجتماعي إلى العمل خارج مواضعات السلطة في النظر إلى الوضع العام للمجتمع بسلبياته وإيجابية، سعياً إلى إشاعة الوعي، وتنمية الإحساس الجماهيري بالحاجة إلى التغيير أو التثوير.
وتعدّ المرحلة التاريخية التي سبقت الحرب العالمية الثانية والتي أعقبتها، من المراحل المهمة والمعقدة أيضاً في دراسة علم الاجتماع الكلّي. ولأن المفكر عبد الفتاح إبراهيم المدرِّس(1904ـــــــــ2003) عاصر تلك المرحلة، قام بتوظيف تخصّصه خارج الإطار المعتاد، فلم يمارس التدريس بعد عودته من الدراسة في أمريكا مطلع ثلاثينيات القرن العشرين، بل سلك طريق البحث الاجتماعي والسياسي، منطلقاً من شعوره بأهمية خلق الوعي الثوري في المجتمعات الشرقية، وتحفيز دور الشعوب في مقاومة الاستعمار والرأسمالية.
وبنشره كتبه: (مقدمة في علم الاجتماع) و(دراسات في علم الاجتماع) و(الاجتماع والماركسية) و(على طريق الهند) يكون عبد الفتاح إبراهيم قد أرسى الأساس لنشأة علم الاجتماع في العراق. وقد أفاده تخصّصه في علم الاجتماع وكذلك تأثره بالعالم الأمريكي هايس في تعزيز عمله السياسي، فأسّس جماعة الأهالي مع محمد حديد وحسين جميل ومحمد جعفر أبو التمن، ونشر العديد من المقالات التي عبّر فيها عن فكره الاشتراكي، وميوله التقدميّة إلى جانب ترجمات نُشرت في مجلة (العصر الحديث) و(جريدة الأهالي).
وبسبب أفكاره التحرّرية التي حوتها مقالاته وكتبه، عارض الحكومات الفاشية التي تلت انقلاب 1963 والذي كان إيذانا بتواري كلّ فكر تقدمي، فابتعد عبد الفتاح إبراهيم عن الواجهة الفكرية، ومُنعت كتبه وغاب عطاؤه الفكري الاجتماعي والسياسي كانعكاس لوضع عام من التضييق والملاحقة والتكميم طال العراقيين، وبخاصة فئة المثقفين والمناضلين والمفكرين الثوريين. ولم يعد مسموحاً دراسة فكره ولا إعادة طباعة كتبه أو نشر أيّ أثر من آثاره، إلى أن سقط نظام الحكم الدكتاتوري في العام 2003، فقام الأستاذ شهاب أحمد الحميد بجمع ما تناثر في الصحف والمجلات من مقالات عبد الفتاح إبراهيم ودراساته، وأصدرها في كتاب خاص كما أعاد طبع بعض كتبه، منها (حقيقة الفاشية وقصة النفط والجذور الفكرية للحركة الشعبية والمهاتما غاندي والحرب والتطور الاجتماعي 1941 ومعنى الثورة وأضواء على ثورة 14 تموز).
بيد أنّ هذا المجهود الفردي في الجمع وإعادة الطبع لم يكن ليرفع التعتيم عن عبد الفتاح إبراهيم الذي ما زال دوره إلى اليوم غير معروف، ولم يحظ بما يناسب مكانته في المشهد الثقافي والفكري، وخاصة في علم الاجتماع؛ ميدان تخصصه العلمي والأكاديمي.
2- عبد الفتاح إبراهيم ومحصّلاته الاجتماعية:
إذا كان كتاباه: (مقدمة في علم الاجتماع) و(دراسات في علم الاجتماع) كتابين تعريفيين بمفاهيم الاجتماع ونظرياته الغربية، فإنّ كتابه الذي سبقهما(على طريق الهند) هو الأول من نوعه عربياً في دراسة تاريخ الاستعمار وتأثيره في الشرقين الأوسط والأدنى وتاريخ العراق ضمناً، وفيه تناول المؤلف أنواع الحكم السياسي، كالملكية والديمقراطية والتسلطية، مبيناً كيفيات إحداث التغيير الاجتماعي بصفحات جاوزت الثلاث مئة صفحة ومعتمداً على مصادر أجنبية، بنى عليها تحليلاته ومحصّلاته التي حوت_ في جزء مهم منها_ تنبؤات بتغييرات ستثبت الأحداث اللاحقة صحتها، لاسيما ما يتعلق بتمادي الرأسمالية وتقهقر الاستعمار. وهو ما سيكون له أثره في التغيير الاجتماعي، وسيدفع بالشعوب المستعمَرة نحو الثورة، مشعلاً فتيل المقاومة وحركة التحرر الوطني.
وقد لا نجانب الصواب إذا قلنا إن عبد الفتاح إبراهيم حاول في هذا الكتاب استكمال ناحية لم يتطرق إليها لونكريك صاحب كتاب (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث) الذي لمّح بشكل عابر إليها، وهي أهمية العراق الاقتصادية بسبب موقعه على طريق الهند والأطماع الاستعمارية الناجمة عن هذا الموقع، يقول لونكريك:”(وإذا نظرنا إلى العراق من حيث السياسة العالمية نجد أنه كان ذا نصيب من الالتفات الذي كان يوليه سياسيو أوربة وتركية بوجه عام، فقد كان واقعا على الطريق المقترح إلى الهند، كما كان فيه وكيل دبلوماسي بريطاني مهم. ومن العوامل الخارجية التي تدفع بالعراق إلى حظيرة العالم الحديث اللجان الدولية التي ألّفت لحسم قضايا الحدود العراقية الإيرانية)”[3].
ولأنّ تاريخ الدول الحديثة يرتبط بالقوة الاستعمارية الرأسمالية منذ القرن الثامن عشر ومن بعده، خصص عبد الفتاح إبراهيم جزءاً مهمّاً من كتابه (على طريق الهند) لتتبع المد الاستعماري في الشرق الأوسط والأدنى، وتحليل طبيعة النظام الرأسمالي الذي نما وتميز بخصائص عديدة لم يعرفها أيّ نظام اقتصادي سابق على الإطلاق. وأثّر في تصاعد الحركات الاجتماعية وقوتها في العالم الثالث لاسيما بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية التي تصاعدت خلالها وتيرة التنافس بين الدول الاستعمارية نفسها. وتزايدت مطامعها في التوسع العسكريّ والهيمنة الاقتصادية. وكانت الشعوب ضحيتها، ومسرح النزاع لمطامح الدول الاستعمارية. ممّا أدّى إلى تنامي الوعي الثوري لدى تلك الشعوب.
وما فعله عبد الفتاح إبراهيم هو أنّه درس التاريخ المعاصر بوصفه شكلاً محدّداً ومساراً مستمراً، يُفسَر أدوار الرأسمالية[4] فيه، من خلال منطلقات ماركسية مهمة في مجال العلوم الاجتماعية، منها أن الرأسمالية تمثل نظاماً دينامياً لا حدود لنموّه واتساعه في جميع أنحاء العالم[5].
ويبدو أنّ عبد الفتاح إبراهيم من المتأثّرين بـ “ماكس فيبر” ودراسته للتاريخ الروماني وطبيعة العلاقة المعقدة بين البنى الاقتصادية وجوانب النظم الاجتماعية الأخرى، مهتماً بالمشروع الرأسمالي والخصائص النوعية للرأسمالية الأوربية الغربية[6].
من هنا ابتدأ عبد الفتاح إبراهيم كتابه بالباب الأول المعنون بـ: (على طريق الهند) ليكون الخليج هو أول نقطة جغرافية ينطلق منها في تتبع الرأسمالية. وبالعودة إلى تاريخ الطبري ومسائل جغرافية تتعلق بالمساحات وعدد السكان وحدود المدن وتواريخ إنشائها، تمكّن عبد الفتاح إبراهيم من وضع يده على ما سماه (فذلكة) ناجمة من أنّ للإنكليز في كل زاوية من زوايا هذا الخليج مركزَ نفوذٍ، حتى كانت اليد المستعمرة تقبض على رقاب معظم الشيوخ والأمراء فيه، وتجعلهم طوع إرادتها[7]. وقد تعمق المؤلف في دراسة هذه الفذلكة رابطاً التاريخ السياسي بعلم الاجتماع الكلي، متوصّلا في تحليل كثير من الأحداث التاريخية إلى محصّلات اجتماعية وسياسية، نذكر منها:
3- الانحلال في العلاقات طريق إلى التفرق السياسيّ:
سهّل أمر انشقاق العائلة الحاكمة في عُمان على الإنكليز التدخل في شؤون الإمارة والسيطرة عليها، فكانوا يؤيدون من يأنسون منه الخضوع لمشيئتهم من أفراد العائلة، ويساعدونه في توليه الحكم ويقيمون في وجه الآخرين العراقيل أو لا يعترفون بهم. وقد توسلوا بالمعاهدات لتحقيق مآربهم[8]. وبسبب سياسة التفريق أصبح العراق بعد هذه التطورات في ممالك الشرق الأوسط ذا أهمية خاصة في نظر الانكليز بالنظر إلى توسطه بين هذه الممالك ومرور وسائل المواصلات البرية والجوية إلى الهند. وعدَّ عبد الفتاح إبراهيم التعصّب العنصري أمضى أسلحة الاستعمار، لأنه يشغل الناس عن الواقع بالأوهام ويزيد الشرق ضعفاً، مشيراً إلى أن الاستعمار الانكليزي في العراق راهَنَ على القضية الكردية كسلاح ركن إليه لإثارة روح العداء والتفرقة. وصار الآشوريون والأرمن والأكراد ضحية التعصب الأهوج[9]. وما زال الاستعمار يتبع سياسة (فرِّق تسد) مثيراً النعرات الطائفية من وقت لآخر لإلهاء الشّعوب بالتنازع فيما بينها، بدلا من أن تعمل على مقاومته والتخلص منه بوصفه هو سبب كل الشرور.
وانتهى الباحث إلى حقيقة، استشرف من خلالها مستقبل الاستعمار البريطاني في العراق، وأنه سيجعل من العراق ميداناً لمعارك دامية في الحرب المقبلة يعني الحرب العالمية الثانية، وأضاف ناصحاً (حري بأهل العراق أن يفكروا في المستقبل القريب وأن ينتبهوا… وأن يستفيدوا… وأن يتذكروا دائما وأبدا أن خلاصهم من الاستعمار منوط بتعاون شعوب الشرق كافة)”[10].
4- الإقطاعية سلاح من أسلحة الرجعية:
كانت الرأسمالية الانكليزية حريصة كل الحرص على الاحتفاظ ببعض بقايا العصر الإقطاعي كسلاح تقاوم به الطبقة الوسطى الناشئة. ولهذا كلما تقدم نظام الإنتاج الرأسمالي، ازداد العمال فقراً[11]. وهو ما يتضح في الهند التي فيها السادة الأمراء مجرد عبيد للإدارة البريطانية، لأنهم يعرفون حق المعرفة أنهم مدينون لها بمركزهم، وبما يتنعمون به، وما يبتزونه من الشعب الهندي من الأموال[12].
وكانت الأموال الطائلة المبتزة من الشعب الهندي غذاءً للرأسمالية الصناعية التي نشأت في انكلترا في القرن الثامن عشر. ولأنّه لم يكن على الرأسماليين رقيب، فقد ارتكبوا مظالم تفوق حدّ التصور، فكانوا يتبعون طريقة العقود في الاستخدام، ويرهقون الفلاح والعامل الهندي، ويسترجعون قسماً كبيراً من الأجور الزهيدة كغرامات، وكانوا يفرضونها لأقلّ زلة.
3ـ الاقتصاد هو القوة المحرّكة للتغير الاجتماعي
اتبعت المجتمعات الحديثة طرقاً مختلفة من أجل تدعيم النظام الرأسمالي فيها، ومنها تنمية (أسواق جديدة) تجعل الشركات الرأسمالية تتنافس فيما بينها لبيع منتجاتها وللحصول على المواد الخام الرخيصة واستخدام الأيدي العاملة القليلة الكلفة. وكان الرأسماليون يتنافسون فيما بينهم من أجل بيع منتجاتهم للمستهلكين. ولأن العراق فيما مضى كان ملتقى الطرق التجارية بين الشرق والغرب وكانت البصرة من أهم مرافئ العالم، عمل الانجليز على تحويله إلى سوق يحافظون بها على بقائهم فكانت حملتهم العسكرية على العراق ضماناً لسلامة طريق الهند.
وكان الرأسماليون الألمان الأكثر اهتماماً بالاقتصاد بوصفه طريقاً مهمة في استعمار العراق والبلاد العثمانية. ووقف عبد الفتاح إبراهيم مطولاً عند أساليبهم الاقتصادية في التنافس مع الفرنسيين والروس والانكليز[13].
ومن المدهش تأكيد عبد الفتاح إبراهيم أنّ سكة حديد بغداد ـــ التي أمر الزعيم الوطني شعلان أبو جون بتخريبها وحرمان المحتل الانكليزي منها ـــــ كانت من أشد مشاكل الاستعمار وأقوى العوامل التي ساقت الدول إلى خوض غمار الحرب العالمية الأولى كما كانت من أهم الدوافع التي جعلت بريطانيا تستعمر العراق لضمان سلامة أقصر طرق المواصلات إلى الهند[14].
ولم تكن بريطانيا وحدها ترى في ألمانيا أعظم خطر -على حد وصف عبد الفتاح إبراهيم – بل فرنسا أيضا التي كانت تفخر أن اسماً إفرنجيّاً يطلق على كل غربي أو له علاقة بالغرب. ولذلك عزَّ عليها أنْ ترى النفوذ الجرماني يتعزّز في الدولة العثمانية، فتحلّ الروح والآداب والثقافة الجرمانية في المكان الذي كان لمدينتهم وآدابهم صلات ونفوذ وآمال كانت قد تكونت للجمهورية الفرنسية في بلاد الشرق الأدنى في عهد نابليون الأول[15]. هكذا تقرَّب الانجليز من الفرنسيين، مفيدين أيضا من مجيء الاتحاديين، أي رجال جمعية الاتحاد والترقي إلى الحكم بعد خلع السلطان عبد الحميد. وكانوا مشبّعين بالثورة الفرنسية، وشديدي النفرة من القيصر وليم الثاني[16] كما يذكر عبد الفتاح إبراهيم.
5- الدعاية طريقة ناجعة في التمهيد للاستعمار:
وجد عبد الفتاح إبراهيم أنّ الرأسماليين الاستعماريين مهدوا السبيل لحملاتهم الاستعمارية من خلال بث الدعاية الواسعة للبلاد التي أرادوا استعمارها، (ولهذا رأيناهم يسبقون حملتهم على بلدان الشرق الأدنى لاسيما العراق بدعاية واسعة النطاق لها، فيعيدون إلى الأذهان ذكر ماضيها المجيد، وما قام فيها من إمبراطوريات، ويبثون في الناس أخبار ألف ليلة وليلة وهارون الرشيد وما ورد عن هذه البلاد في الكتب المقدسة وفي تاريخ هيرودكس)[17].
6- رفع التقارير عن المشاريع الاستعمارية قبل القيام بها:
لم يألُ الاستعمار جهداً في إرسال بعثات تتقصى شؤون العراق، ومن ذلك بعثة جسني التي عدها عبد الفتاح إبراهيم من أولى البعثات التي أوفدها الانكليز إلى العراق والتي سعت إلى دراسة شؤون العراق التجارية والاقتصادية، بالإضافة إلى الأمور السياسية الأخرى التي جاءت من أجلها. فتكهّنت بمستقبل باهر للتجارة بعد أن يصبح الفرات صالحاً لسير السفن، ويكون هو طريق التجارة بين البحر الأبيض والخليج. ومما لاحظته هذه البعثة أنّ التجارة الروسية كانت تهدد التجارة الانكليزية في أسواق إيران والعراق وكردستان، لأن أسعار بضائعها كانت أقل بكثير من أسعار البضائع الانكليزية[18].
ووقف عبد الفتاح إبراهيم مليّا عند مشروع سكة حديد الفرات، مستعرضاً التقرير الذي رفعه السير جون إليوت عام 1903 عن طقس العراق وزراعة الحبوب والقطن والأتربة ونسبة الأملاح والفوسفور والبوتاس التي يحتاجها النبات[19].
7- الصلة القديمة والوثيقة بين رجال الدين والاستعمار:
اتبعت الدول الامبريالية شتى السبل في التنافس الاستعماري على الشرق. ولم يكن البعد العسكري المتنامي والتدخل الاقتصادي وحدهما المعتمدين في الهيمنة، بل كان للدين دور مهم أيضا. وهذا ما وضّحه عبد الفتاح إبراهيم، وهو أنّ مقدم أفواج المبشرين ورجال الدين المسيحيين إلى بلدان الشرق الأدنى كان القصد منه استعمارياً. فكانوا أداة دافعة في ميدان استعباد الشعوب. ولقد استخدمهم الرأسماليون لتحقيق مقاصدهم الاستغلالية في إفريقيا وفي أقاصي الشرق وأطراف البحار. ومن ذلك مثلا رعاية زوجة القيصر عدداً من مراكز التبشير في القدس، وإمداد مساعداتها لرجال الدين والمدارس والمستشفيات[20]، ومنها أيضا نشر اللغة والأدب الألماني، فلقد (تولى الدكتور هوكو كروثه في لايبزك إدارة جمعية نشرت الكثير من الكتب والكراريس والخرائط في هذا الموضوع وتولى إدارة معهد الشرق الأدنى أيضا حيث كانت تلقى المحاضرات عن شؤون الدولة العثمانية)[21].
وتحدّث عبد الفتاح إبراهيم باستفاضة عن زيارة القيصر زعيم الاستعمار الجرماني إلى بيت المقدس التي جعلت السلطان عبد الحميد يقوي صلته بروسيا، مؤكدا أنّ أغراضها كانت اقتصادية، وأنّ هذه الرحلة كانت فاتحة للحملة الرأسمالية الآتية على الدولة العثمانية.
8- في أن الاستعمار في حالة دفاع دائماً:
كان لليقظة في تركيا وإيران وافغانستان ومصر أثرها في المجتمع الدولي، فأخذت تظهر حركات تحررية تهدد الاستعمار، وتجعله في حالة دفاع، فالشعب التركي الذي (هجره رجال الحكم مثل أنور وطلعت وجمال بعد أن أوصلوه إلى هذا الدرك السحيق في أشدّ حالات اليأس والانحلال. وكانت البقية الباقية من شبان الأتراك ورجالهم في حيرة من أمرهم وقد استسلم أغلبهم إلى القنوط إلا نفر قليل فضل الموت على الحياة في ظل العبودية)[22].
وكذلك الحال في الهند التي شهدت حركة تمرد قادها أبناء الطبقة الوسطى الذين تضامنوا مع الأحرار من الانكليز لمقاومة الإقطاع وشركة الهند الشرقية. وفي مصر ظهرت حركة وطنية تجلت في حركة عرابي في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. وكذلك في ما بين الأعوام 1918 و،1924 لكنها تخاذلت. ويرجع السبب برأي عبد الفتاح إبراهيم إلى جمود الوفد وتمسكه بأساليب فات أوانها، ولم يعد يُرتجى من ورائها أيّ نفع.
وما جعل الاستعمار في حالة دفاع أيضا هو الشيوعية التي كانت تستهدف القضاء على الرأسمالية، فكان الاستعمار قلقا من هذا التعاون بين حكومة السوفييت والشعوب الشرقية القائم على اعتقاد الشيوعيين أنّ تحقيق النظام الشيوعي ودوامه يستلزم شمول هذا النظام أنحاء المعمورة كافة. ولاحظ عبد الفتاح أنّ ما اعتقدته الشيوعية من أنها ستحقّق أغراضها في المستعمرات أسهل من تحقيقها في الممالك الصناعية التي بلغت فيها الرأسمالية أوج قوتها، إنما يخالف ما جاء به ماركس وهو (أن النظام الرأسمالي سيتقوض في الممالك التي تكامل فيها النظام الصناعي قبل البلدان الزراعية المتأخرة)[23]. وكان مجيء الحرب العالمية الثانية سببا مهمّا في جعل الاستعمار في حالة دفاع وهو يرى الرأسمالية تستنزف خيرات مستعمراته، فتزيدها فقراً، وانعكست النتيجة في ما تولَّد لدى أبناء تلك المستعمرات من روح النقمة والتبرم من الأوضاع التي وجد الشيوعيون فيها أرضاً صالحة لزرع المبادئ الثورية في صفوفها.
9- شيوخ القبائل سبب التغلغل الاستعماري:
اعتقد شيوخ القبائل في العراق أنّ للمقيم الانكليزي نفوذاً يستطيع به مساعدتهم بالكتابة إلى الأستانة فـ (تقربوا إليه وخطبوا وده ظناً منهم أنّ موقف بريطانيا في القرن العشرين سيختلف عن موقفها في القرن التاسع عشر، أي أنها ستمثل في القرن العشرين دورا سياسيا خطيرا يستلزم توطيد صلات رجال القبائل معها)[24]. وتساءل عبد الفتاح: “ولا نعرف أكان هذا الشعور منبعثا من أهل العراق أنفسهم أم أنه كان من وحي الوكلاء البريطانيين في هذه البلاد؟
أما شيوخ الخليج فكانوا موضع اهتمام الانكليز الذين اعتقدوا أنّهم لن يستطيعوا أن يضبطوا الطريق إلى الهند إلا بتوطيد نفوذهم في الكويت والمحمرة وسواحل الخليج العربية. فراحوا يبحثون عن حلفاء يؤيدون نفوذ الانكليز في نجد وأطراف الصحراء العربية. والغاية جعل البلاد العربية الممتدة بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر من الغرب والخليج من الشرق تحت سيطرة الاستعمار البريطاني.
10- الاحتكارات وسياسة الهيمنة:
أكد عبد الفتاح إبراهيم أنّ الأهمية التاريخية للاحتكارات في المجتمع الحديث تدلّ دلالة قوية على أنّ الصراعات السياسية والقومية لم تعد لها أهمية أمام المصالح الاقتصادية. ولعل أبسط تعليل للاحتكار الاستعماري هي الأنانية التي حفزت على التقدم الاقتصادي، وهي نتيجة من نتائج عقلنة المشروع الرأسمالي الحديث[25].
ولأنّ القطن والحبوب والنفط من الاحتكارات التي تدفع الدول إلى الهيمنة الاستعمارية، لذا ركز عبد الفتاح إبراهيم على النفط وتتبع تاريخ اكتشافه. وبدأ بوقوع المستر صموئيل كير على منبع نفط في أثناء حفره آبارا لاستخراج الملح في أمريكا[26]، وانتهى تتبعه التاريخي عند المرحلة التي أصبح فيها النفط من أعظم محرضات الاستعمار ومن أقوى عوامل النزاع الرأسمالي في السلم والحرب. وحين اكتشِف النفط في العراق، لم يجن هذا البلد غير المفاسد والأضرار الاقتصادية، مضيفاً أنه (بالرغم من أنّ المأساة لم تنته بعد فقد كان لها أثر عظيم في تقرير مصير الشعوب والبلدان، ومن جملتها هذا البلد _يقصد العراق_ الذي أصبحت خيراته الطبيعية نقمة عليه، يزداد المستعمر بها قوة ويزداد بها الشعب شقاء)[27].
11- أسبقية عبد الفتاح إبراهيم ولاحقية علي الوردي:
إذا كانت جهود عبد الفتاح إبراهيم قد انصبت على علم الاجتماع الكلي، فإنّ جهود الدكتور علي الوردي -الذي تلا عبد الفتاح إبراهيم بالظهور في مشهد الدراسات المجتمعية بعدة عقود- قد انصبت على دراسة علم الاجتماع المصغر. فتوسع إبراهيم في دراسة العلاقات الدولية متحرياً آثارها على الطبقات الاجتماعية، واقتصر الوردي على دراسة ظواهر تخصّ المجتمع العراقي وحده، وتمسّ تقاليده وسلوكياته، من قبيل الازدواج في الطباع الأخلاقية، والتردي الاجتماعي بالتناشز والشذوذ، إلى جانب مسائل دينية ولغوية وحضارية وإيديولوجية وتربوية وأدبية. فأصاب في بعضها ولم يصب في بعضها الآخر. الأمر الذي أوقعه في خلاف مع المتخصّصين في علوم أخرى، فتخاصم مع أدباء ومفكرين ورجال دين وليبراليين. وكانت له مناظرات وجدالات مع عبد الرزاق محي الدين وعلي الشوك وعبد الجليل الطاهر ومرتضى العسكري وغيرهم.
12- خطوط التمايز واختلاف الاهتمامات:
ويمكن تقسيم مراحل المشروع البحثي للدكتور الوردي إلى مرحلتين: الأولى سار فيها على نهج واحد، فكانت نتيجته كتبه حول الشخصية والمجتمع والأحلام والعقيدة واللاشعور والمنطق، وقد شكلت ما يقارب العقد من الزمن، والمرحلة الثانية سار فيها على نهج مغاير كانت نتيجته كتابا واحدا موزعا في مجلدات، وبعمر بحثي شكّل ما يقارب العقد من الزمن أيضا.
ولا خلاف في أنّ المشوار البحثي الذي قطعه الدكتور الوردي كان كبيراً ومهماً، بيد أنّ شروعه في ذلك المشوار، لاسيما في السنوات التي تلت انقلاب 1963، كان قد طرأ عليه بعض التغير سواء في التوجهات أو المنهجيات، متأثراً بجهود باحثين عراقيين اثنين سبقاه في تدشين جوانب اجتماعية خاصة وبلورة بعض الاتجاهات في علم الاجتماع.
وأول هذين الباحثين هو مجايل للدكتور الوردي، لكن ظروف الهجرة والبعد عن الوطن جعلت اسمه غائبا عن الساحة العراقية، وهو الدكتور محسن مهدي الذي ألف أطروحة باللغة الإنجليزية، هي الأولى من نوعها في دراسة فلسفة ابن خلدون نال بها الدكتوراه وطبعها كتابا عام 1957. فتأثر بها علي الوردي وألف كتابه (منطق ابن خلدون)، وقد أشار في المقدمة إشارة عابرة وخاطفة إلى اسم محسن مهدي من دون أن يوضح أثره عليه، والمتمثل في التحول من علم النفس الاجتماعي إلى دراسة فلسفة التاريخ وتحديداً الفلسفة الإسلامية.
والباحث الآخر كان بمثابة أستاذ للوردي، لكن الملاحقة السياسية قيدت فاعليته، وحظرت فكره حتى غيبت حضوره، هو عبد الفتاح إبراهيم الذي ألف مفتتح ثلاثينيات القرن العشرين كتابه (على طريق الهند) – والذي تقدم وصف تفاصيله- قد أثّر في الدكتور علي الوردي تأثيراً توضّح في انصرافه عن علم النفس الاجتماعي وعلم اجتماع المعرفة، متّجهاً صوب دراسة التاريخ السياسي وتحليل أحداثه اجتماعيا، وذلك في كتابه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) الذي ألفه خلال سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي التي مرّ المجتمع العراقي عبرها بظروف تاريخية انتهت بخلوّ الساحة من أية معارضة بعد أن تمّت تصفية أي نشاط يؤدي إليها.
ولقد واصل الدكتور علي الوردي مشروعه البحثي أستاذا جامعيا لا منتميا، فلا يكاد علم الاجتماع أن يذكر إلا مقروناً باسمه بوصفه الرائد في تدشين هذا التخصّص، وأول باحث عراقي، وربما عربي، يحصل على شهادة عليا فيه. فصعد نجم الدكتور الوردي في علم الاجتماع العراقي والعربي، واستمر الحال حتى بعد مماته. وصار المهتمون بعلم الاجتماع يجزمون، بلا أدنى ارتياب أو تشكيك، أنّ علي الوردي هو واضع لبنات الدراسة الاجتماعية بلا منازع. وتنوسيت الإنجازات والعطاءات الاجتماعية التي سبقت الدكتور الوردي في مقابل ترسخ طروحاته التي تحولت من دراسات ذات فرضيات وتحصيلات تقبل الخطأ والصواب إلى قواعد ثابتة، وبتصميم فكري يستأثر بالتقديس والتبجيل لا التصديق والاحترام فقط، ومن ثم لا يحق لأحد – مهما كان ضليعا في علم الاجتماع – تفنيدها أو الاعتراض عليها.
وإذا كانت المدة الزمنية بين عودة عبد الفتاح من أمريكا متخصصا بعلم الاجتماع، ومغادرة الوردي إلى أمريكا لدراسة هذا العلم تقارب العقدين من الزمن، فإنه من المؤكّد أن يكون لإبراهيم بعض الأثر إن لم نقل كله في دفع بعض الجامعيين العراقيين الطامحين لإكمال دراساتهم العليا في أمريكا إلى توجيه أنظارهم نحو علم الاجتماع محفزا فيهم الرغبة على التخصّص فيه.
ولعل علي الوردي واحد من أولئك الطامحين، لاسيما إذا علمنا أنّ عبد الفتاح إبراهيم لم يكن مجرد أستاذ جامعي وباحث اجتماعي، بل كان أيضا شخصية سياسية مرموقة ومفكراً صاحب كتب اجتماعية وسياسية لها صداها وأثرها في القراء خلال أعوام الثلاثينيات إلى نهاية الخمسينيات كما كان لحزبه صدى بين العراقيين بسبب أهدافه الوطنية، ولقد ترك دوره الصحافي أثراً مهماً أيضاً في المجتمع العراقي من خلال ما كتبه من مقالات ودراسات.
وليس التوجه بالدراسة الاجتماعية نحو التاريخ الحديث بالأمر الجديد، فقد كان للدكتور عبد الفتاح إبراهيم الريادة في هذا التوجه، بيد أنّ انعطافة الوردي لم تكن على غرار ما فعله إبراهيم، أعني دراسة تاريخ الاستعمار والمستعمرات في الشرقين الأوسط والأدنى وفق علم الاجتماع الكلي، وإنّما دراسة الأحداث التاريخية منذ بداية العهد العثماني فقط وفق علم الاجتماع المصغر.
وبناء على المنهجية الاجتماعية في دراسة التاريخ السياسي، يكون كتاب عبد الفتاح إبراهيم (على طريق الهند) مندرجاً في خانة علم الاجتماع الكلي، وكتاب (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) منتمياً إلى علم الاجتماع المصغر. وقد وصفه الوردي بأنّه أشبه بكتاب تاريخ بيد أنه يختلف عن كتب التاريخ المعتادة بكونه يهتم في الدرجة الأولى بما تنطوي عليه الأحداث من دلالة فكرية واجتماعية وسايكولوجية[28]. ومن دلائل انضواء كتاب (لمحات اجتماعية من تاريخ الحديث) في خانة علم الاجتماع المصغر ما يأتي:
أولا: أنّ المؤلف أولى عناية بالفرد في علاقته بأسرته وتاريخ مجتمعه، وقد شبّه هذه العلاقة الاجتماعية والتاريخية (بشخصية الإنسان البالغ إذ هي في حاضرها تتأثر بما حدث لها في ماضيها، وهذا التأثير قد يكون لا شعوريا. أكاد اعتقد أنّ المجتمع لا يختلف عن الفرد في هذا، فكثيرا ما تخلق الأحداث في المجتمع عقدة كالعقدة النفسية، حيث نرى الناس يندفعون ببعض العادات والأفكار الموروثة اندفاعا لا شعوريا. وقد يؤدي ذلك بهم إلى المهالك بينما هم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا. وسوف نرى في هذا الكتاب نماذج واقعية من هذا الطراز)[29]. وهذا التشبيه هو تبعة من تبعات منهجه النفس -اجتماعي.
ثانيا: أنّه ابتدأ من العهد العثماني معتبرا دراسته (أشد الدراسات علاقة بواقع مجتمعنا الراهن، فنحن لا نزال نعيش في تراثه الاجتماعي، ولا يزال الكثيرون منا يفكرون على نمط ما كانوا يفكرون عليه في ذلك العهد. وقد أدركت في صباي أناسا يحنون إليه ويترنمون بأمجاده ويتمنون أن يعود إليهم)[30]. وإذا عدنا إلى ذاك التراث الاجتماعي، فإنّنا لن نجد ذكرا لبلد اسمه العراق، وإنّما هي ولايات ثلاث بغداد والموصل والبصرة و(ليس هناك من الأسماء ما هو أكثر التئاما وانطباقا على هذه الولايات في نظر جمهور أصبح متعودا لذلك الآن مثل اسم مملكة العراق)[31]. وليس غريبا أن يطلع الدكتور علي الوردي وهو المعروف بحصافته البحثية على كتاب (على طريق الهند) فيطوّر من ثمّ منهجه البحثي.
13- الانعطاف منهجيا… التضامن اجتماعيا:
كان اهتمام الدكتور علي الوردي بالغوص نفسياً واجتماعياً في الذات والمجتمع قد حقق له الابتعاد عن السلطة الحاكمة وجنّبه الاحتكاك بالسياسة والاقتصاد. ومعلوم أنّ السلطات على اختلافها وتباين قوتها لا يضيرها أن يعري الباحث الاجتماعي عيوب المجتمع، ويكشف سلبيات أفراده، لكن الذي يضيرها هو الكشف عن قدرات الأفراد والمجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكامنة والكبيرة، وهذا كان ديدن عبد الفتاح إبراهيم.
لا شكّ أنّ الطابع النوعي لكتاب (على طريق الهند) يجعله مهمّاً ومعروفاً عند باحث مثل الدكتور علي الوردي، ليس لأنّ الكتاب من تأليف شخصية عراقية مرموقة وحسب، وإنّما هي شخصية علمية سبقته وتخصصت بعلم الاجتماع. ومن يتفحّص حيثيات منجز الدكتور الوردي البحثي، لن يجد فيه أية وقفة عند المفكر عبد الفتاح إبراهيم أو أيّ ذكر لأعماله، لا في المتون ولا في الهوامش، بل ولا في أي جزء من أجزاء كتابه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث). وهو الذي اعترف _وإن بشكل عابر ومبتسر إلى أقصى حد_ بأثر محسن مهدي في تأليف كتابه (منطق ابن خلدون). وليس هذا بالغريب للأسباب الآتية:
أولا: أنّ الدّكتور الوردي ما كان ليتصادم مع السلطة الرجعية، فيثير حفيظتها بطرح أفكار عبد الفتاح إبراهيم التقدمية، أو حتى الإحالة على كتبه خشية أن يتعطّل مشروعه في تأليف هذا الكتاب أولا، والسقف الزمني الطويل الذي يحتاجه تنفيذ المشروع ثانيا، ووفق خطط وضعها الوردي في نفسه، وقرر القيام بها لوحده.
ثانيا: أنّه لم يكن مستعدا لأن يناقش طروحات عبد الفتاح إبراهيم التي تتعارض في جانب كبير أو قليل منها مع توجهاته البحثية، لاسيما تلك الطّروحات التي تراهن على يقظة الوعي وإمكانيات الفرد في الثورة واستنهاض الجماهير على التغيير والتنظيم الاجتماعيين.
ثالثا: أنّ البحث الاجتماعي بالنسبة إلى الدكتور الوردي يعني فهم الذات في علاقتها بالمجتمع، والمجتمع في علاقته بالفرد مما يدخل في باب علم الاجتماع المصغر، ما جعله يبدو كالمحلل النفسي الذي يتلفّع برداء الباحث الاجتماعي، بعكس عبد الفتاح إبراهيم الذي كان مفكرا سياسيا يتلفّع برداء الباحث الاجتماعي داخلا في باب علم الاجتماع الكلي، وهذا اختلاف في النهج والمنهج.
ولا شك في أنّنا لو حاولنا التماس الأعذار للدكتور الوردي عما تقدم، معللين الأمر بالتأثر اللاشعوري وغير المباشر بكتاب (على طريق الهند) أو بالنسيان لاسيما أنّ المسافة الزمنية بين الكتابين ليست قليلة وتكاد أن تقارب الثلاثة عقود؛ فإنه من غير الممكن أن نتجاهل السّبق الذي حازه عبد الفتاح إبراهيم وهو يطرق أبواب علم الاجتماع لأوّل مرة عراقيا، وربما عربيا مطبّقا الكلي من فرضياته على قضية الاستعمار الأوربي والرأسمالية الغربية في المجتمعات الشرقية.
ولكن إذا كانت مؤلفات الدكتور الوردي وما أثارته من ردود أفعال قد صنعت له صيتاً وشهرة بين صفوف القراء، فلماذا إذن انعطف بتوجهاته الاجتماعية انعطافة كبيرة منتصف ستينيات القرن العشرين مغيرا بوصلة مشروعه من الدّراسة السايكو-اجتماعية أو علم النفس الاجتماعي إلى الدراسة التي يتداخل فيها التاريخ السياسي بالبحث الاجتماعي؟
لعلّ الإجابة المنطقيّة لهذا التساؤل تتمثل في أنّ تلك المؤلفات لم تحقق للدكتور الوردي بصمة خاصة على الصعيد البحثي في علم الاجتماع. ولو كانت قضايا الازدواج والتناشز وما شاكلها قد حققت له مراده من دراسة المجتمع لما شعر بحاجته إلى هذا الانعطاف الذي اتجه بالبحث الاجتماعي لديه نحو محطة نهائية توقف عندها ولم يحد عنها إلى آخر حياته.
وقد عبر الدكتور الوردي عن هذه الانعطافة البحثية المهمة في مقدمة الجزء الأول من كتابه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) قائلا: (عند دراستي للمجتمع العراقي أدركت أنّي لا أستطيع أن أفهم المجتمع في وضعه الراهن ما لم أفهم الأحداث التي مرت به في عهوده الماضية فكل حدث من تلك الأحداث لا بد أن يكون له شيء من التأثير قليلا أو في سلوك الناس حاليا وفي تفكيرهم)[32].
ليكون هذا الكتاب هو كتاب العمر الذي كرّس له الوردي كل جهده، فلم يؤلف أي كتاب آخر غيره من بعده، قائلاً: (إنّ هذا الكتاب قد يجوز أن أعده كتاب العمر بالنسبة لي، فقد بذلت فيه من الجهد والوقت أكثر مما بذلت في أي كتاب آخر سابق له. والمأمول أن أتابع البحث في تاريخ العراق الحديث حتى أصل به إلى الوقت الحاضر الذي نعيش فيه. وهذا ما استمدّ العون عليه منه تعالى)[33].
ولا غرو أنّ كل ما هو نوعي يفتح الطريق كميا لمن بعده لكي يواصل ويستمر، بغض النظر عن طبيعة التمثلات والفرضيات والتحولات والتوجهات. فأما النوعي فهو كتاب (على طريق الهند) وأما الكمي الذي ساير النوعي فكتاب (لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث) بأجزائه المتعددة، وبعضها توزعت بين أقسام وملاحق.
وإذا كان عبد الفتاح إبراهيم قد درس تاريخ الاستعمار، فإنّ د. الوردي كان راغباً في أن يتوسع بدراسة التاريخ السياسي للعراق، لكنه شعر باستحالة هذا التوسع. فاقتصر على تاريخ العراق في الحقبة الممتدة بين آخر العهد العثماني وبداية تشكل الدولة العراقية، وعن ذلك يقول الوردي: “كنت أود أن أدرس ما قبل ذلك لأنّ عهود التاريخ في الواقع مترابطة ومتشابكة لكنني وجدت أنّ ذلك يشبه أن يكون مستحيلا من الناحية العملية إذ هو يضطرنا إلى استقراء الأحداث الماضية خطوة وراء خطوة حتى نصل بها إلى أبينا آدم”[34]، وهذا ما أدركه قبله عبد الفتاح، وكرس جهوده له من دون أن يصل (إلى أبينا آدم).
وبدلا من أن يحيلنا الوردي على كتاب (على طريق الهند) كأهمّ مرجع حمله على هذا الانعطاف بمنهجه النفس- اجتماعي إلى منهج تاريخي اجتماعي، فإنّه أحالنا على كتابه (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي) المنشور العام 1965 بوصفه المرجع الذي يقف وراء هذا الانعطاف، مع أنّه على شاكلة كتبه السابقة يجمع علم النفس بالاجتماع أكثر مما يجمع التاريخ السياسي بالاجتماع.
وبمقارنة كتاب (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) بكتاب (على طريق الهند) يكون المنهج البحثي في دراسة التاريخ السياسي اجتماعيا مختلفا بينهما، على النّحو الآتي:
- انحياز الدكتور الوردي إلى واحد من المنهجين الاجتماعي أو التاريخي، حال دون أن يتمكن من التوفيق بينهما، بل إنّ كفة المنهج التاريخي صارت تميل على حساب المنهج الاجتماعي في الأجزاء الأخيرة من الكتاب، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى منعه الانحياز من الإفادة من البعد السياسي للتاريخ من قبيل التركيز على العلاقات الدولية والتنظيم الاجتماعي وقوة السلطة وغيرها. ومن الأمثلة على ذلك تعليل الوردي لأسباب سيطرة العثمانيين على العراق بالمجتمع الذي هو كائن فردي مفصول عن الدولة، وبالشكل الآتي (القدر شاء للعراق أن يكون جزءا من الدولة العثمانية وبهذا صار المجتمع العراقي منشقا على نفسه لا يدري أين يتجه فحكومته كانت مرتبطة بتركيا تأخذ أوامرها منها، بينما كانت أكثرية شعبه مرتبطة بإيران)[35].
- وقوعه تحت تأثير دراسته للدكتوراه جعله يكرر كثيرا من الأفكار ويستعيرها[36]، ومنها فكرة(استفحال الصراع الطائفي) ومبدأ( الشفاعة)، وما يتصل به من مسائل التشيع والولاية التي كان قد ذكرها في الأطروحة، وأكد فيها أنّنا لن نفهم (سر الكثير من مظاهر التدين في المجتمع العراقي وغيره من المجتمعات المشابهة له ما لم نفهم مبدأ الشفاعة ومبلغ تغلغله في أعماق القلوب)[37]، فضلا عن مسائل البداوة والحضارة والمدن والعشائر وظاهرة (الشقاوات) والأوبئة، وكلّها مسائل تناولها الوردي في أطروحته وبمنهجية اجتماعية تتفق مع نظرية ابن خلدون.
- انشداده إلى العادات في فهم علاقة السياسة بالتاريخ حال دون الانتباه إلى كثير من المظاهر والصور التي فيها يتجلى فهم أكبر لعلاقة السياسة بالتاريخ. ومن أمثلة ذلك هذا الفهم المبسط لمسألة موالاة العراقيين لسياسة الأتراك ضد الانكليز بمدفع طوب أبو خزامة، (كان فريق منهم ينظر إلى الدولة التي تنتمي إلى مذهبه كأنها حامية الدين ومنقذة الرعية)[38].
- انتقاء الأحداث التاريخية على وفق ما يتوفر فيها من بعد اجتماعي، سبّب التباساً في دراسة التاريخ اجتماعياً، الأمر الذي أشعر الدكتور الوردي بصعوبة التحرّي في الكثير من المراجع لكي يعثر على حادثة لها دلالتها الاجتماعية الفكرية، وشكا كذلك من الغموض الذي يكتنف تاريخ العراق في العهد العثماني وتشابكه مع تواريخ البلاد المجاورة، وهو ما كان د. عبد الفتاح قد تجاوزه بالدراسة الاجتماعية الكلية لتاريخ العلاقات الدولية للاستعمار والرأسمالية العالمية[39].
- تركيزه على الوعي الجماعي، وأنّه أكثر شيوعاً من الوعي الطبقي ومظهر من مظاهر سيطرة المد البدوي على العراق في العهد العثماني. وهذا دليل على تغلب المنهجية النفس- اجتماعية[40].
- إطنابه في سرد الأحداث التاريخية ومحاولة عدم النظر بجزئية إليها على أساس أنّ التاريخ موضوع حساس، وهو كالهرم له عدة أوجه، ولا يمكن إهمال وجه معين منه. وهو ما جعل الكتاب متضخما كميا، وفيه بذل الوردي جهدا ووقتا أكثر ممّا بذل في أي كتاب آخر سابق له متأملا (أن أتابع البحث في تاريخ العراق الحديث حتى أصل به إلى الوقت الحاضر الذي نعيش فيه وهذا ما استمد العون عليه من الله)[41]. هذا من جانب، ومن جانب آخر أنّه جعله ينشدّ أكثر إلى فكرة أنّ المنازعات الطائفية والسياسية والقبلية هي ما يزخر به تاريخنا[42] مؤولا الأمر نفسيا بالطبيعة البشرية، وأنها تختلف شدة وضعفا في الأفراد والجماعات حسب اختلاف الظروف، ثم فجأة يربط هذه الطبيعة بالتنويم الاجتماعي معيدا ما ذكره في كتب سابقة له. إما لأنّ الذاكرة تخونه، وإما لأنّه لا يقدِّر فطنة قارئه في أن يلحظ محاولاته تكرارَ بعض الفقرات التي يقتطعها من كتبه السابقة ويضمها إلى كتابه الجديد.
- إيلاؤه الحماس الجمعي اهتماماً كبيراً، واقعاً تحت تأثير علم النفس وليس التاريخ، واجداً أن (الحماس هو الذي يحرك الشعوب… ومن الممكن القول إن الشعب البارد الذي لا يتحمس لقضاياه العامة قد يكون طعمة لكل فاتح طامع أو مستغل ظالم)[43]، ولا يقول (مستعمر)، مع العلم أنّه لا يستعمل هذه الكلمة بالمرة لا في هذا الكتاب، على تعدد أجزائه، ولا حتى في كتبه السابقة. والسؤال الأهم هنا هو: هل كان الوردي مؤمناً حقاً بوجود شعب بارد لا تهمه قضايا بلده أم أنّها فذلكة تعبيرية أراد بها تبرئة المستعمرين من أطماعهم التوسعية عبر إلقاء اللوم على كاهل الشعب (البارد)؟!!
ونجيب بالقول إنّ هذه الرؤية النابعة من فهم مصغر لعلم الاجتماع قد تفيد في تفسير سلوك الأفراد والجماعات، لكنها لا تنفع في فهم حركة الشعوب في تحولاته المجتمعية الكبرى كالثورات التي يُساء فهمها على وفق علم الاجتماع المصغر، فتُفسر على أنّها حركات غوغائيّة وتصرفات انفعالية فوضوية، بينما هي على وفق علم الاجتماع الكلي قوة مادية للتغيير وطريق نحو التنظيم الاجتماعي، تشبّه المجتمع الناجح بالقيادة وتشبه الأفراد بالجنود، وهو ما ينفع في حالة الصراعات المحدودة، لكنه لا ينفع في حالة الصراع مع الاستعمار والرأسمالية.
14- الخاتمة:
يتبين لنا من مباحث هذه الدراسة أنّ عبد الفتاح إبراهيم ربط في كتابه الموسوم(على طريق الهند) دراسة التاريخ السياسي المعاصر بالدراسة الاجتماعية، متوصّلا في تحليل كثير من الأحداث التاريخية إلى محصّلات اجتماعية وسياسية كانت تُعد في ثلاثينيات القرن العشرين فتحاً جديداً، مما يجعله مؤسس علم الاجتماع في العراق، وبالمقارنة بينه وبين كتاب الدكتور علي الوردي والموسوم(لمحات اجتماعية من تاريخ الحديث)، نجد أنّ للسابق فضلاً على اللاحق، لا بأن يتّبع اللاحق سبيل السابق حسب، وإنّما في أن يجد اللاحق في هذا السبيل سبيلاً آخر أيضاً.
وإذا كان د. عبد الفتاح إبراهيم قد اكتشف الطريق نحو دراسة اجتماعية كلية للتاريخ الاستعماري وآثاره المباشرة وغير المباشرة في المجتمعات المستعمَرة، فإن د. علي الوردي اختار طريق الدراسة الاجتماعية المصغرة للتاريخ وتحديداً تاريخ العراق، متوغلاً في حقبة زمنية محددة منه.
[1]– أنتوني غدنز، علم الاجتماع، ترجمة فايز الصباغ، (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، ط1، 2005)، ص160.
[2]– المرجع نفسه، ص467.
[3]– ستيفن هيمسلي لونكريك، أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث، نقله إلى العربية جعفر خياط، (بغداد: مطبعة التفيض الأهلية1941)، ص299. وقد ألف لونكريك هذا الكتاب عام 1925 وكان يعمل آنذاك في مناصب حكومية متعددة داخل العراق، فخبر الأمور وسبر أغوارها واطلع على ما خفي منها كما يقول المترجم مؤرخا للحقب المظلمة من 1500ـ إلى 1900.
[4]– الاستعمار هو الدور الأخير من أدوار الرأسمالية كما يرى عبد الفتاح إبراهيم.
[5]– أنتوني غدنز، علم الاجتماع، مرجع سابق، ص709.
[6]– أنطوني جيدنز، الرأسمالية والنظرية الاجتماعية الحديثة، ترجمة أديب يوسف شيش، (سورية: الهيئة العامة السورية للكتاب، د. ت)، ص286.
[7]– عبد الفتاح إبراهيم، على طريق الهند، (بغداد: مطبعة الأهالي، ط2، 1935)، ص5.
[8]– المصدر نفسه، ص9.
[9]– المصدر نفسه، ص ص332-399.
[10]– المصدر نفسه، ص 340.
[11]– أنطوني جيدنز، الرأسمالية والنظرية الاجتماعية الحديثة، مرجع سابق، ص ص34-47.
[12]– عبد الفتاح إبراهيم، على طريق الهند، مصدر سابق، ص ص20 ــــ33.
[13]– المصدر نفسه، ص ص83-97.
[14]– المصدر نفسه، ص ص98 -106.
[15]– المصدر نفسه، ص119.
[16]– المصدر نفسه، ص131.
[17]– المصدر نفسه، ص ص154-155.
[18]– المصدر نفسه، ص ص58-59.
[19]– المصدر نفسه، ص159.
[20]– المصدر نفسه، ص ص93-96.
[21]– المصدر نفسه، ص96.
[22]– المصدر نفسه، ص238.
[23]– المصدر نفسه، ص285.
[24]– المصدر نفسه، ص ص53-54.
[25]– أنطوني جيدنز، الرأسمالية والنظرية الاجتماعية، مرجع سابق، ص453.
[26]– عبد الفتاح إبراهيم، على طريق الهند، مصدر سابق، ص168.
[27]– المصدر نفسه، ص228.
[28]– الدكتور علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ الحديث، الجزء الأول (إيران: أمير قم، ط1،1413هـ)، ص4.
[29]– المرجع نفسه، ص3.
[30]– المرجع نفسه، ص3ـ4.
[31]– ستيفن هيمسلي لونكريك، أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث، مرجع سابق، المقدمة، هـ .
[32]– الدكتور علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، الجزء الأول، مرجع سابق، ص3.
[33]– المرجع نفسه، ص5.
[34]– المرجع نفسه، ص3.
[35]– المرجع نفسه، ص12.
[36]– الدكتور علي الوردي، تحليل سوسيولوجي لنظرية ابن خلدون في علم اجتماع المعرفة، ترجمة د. لاهاي عبد الحسين، (بغداد: دار المدى، ط1، 2018) الفصول 16 و17و18.
[37]– الدكتور علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، الجزء الأول، مرجع سابق، ص16.
[38]– المرجع نفسه، ص13.
[39]– عبد الفتاح إبراهيم، على طريق الهند، مصدر سابق، ص4.
[40]– وهو ما يتوضح على طول مقدمة الجزء الأول، ص ص9- 32. وكذلك في فصوله التي تناولت موضوعات (نشأة الدولة العثمانية وفتح العراق وتكوين الجيش الانكشاري والعقائد البكتاشية والسلطات والشاه وانتقال الخلافة العثمانية والسلطان سليمان القانوني وغيرها). ينظر: الدكتور علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، الجزء الأول، مرجع سابق، ص29.
[41]– المرجع نفسه، ص5.
[42]– المرجع نفسه، ص6.
[43]– المرجع نفسه، ص8.