الملخّص
شكّل رهان تحرير الإنسان العربي إشكالية أساسية في فكر تيزيني. فقد كان وعي الرجل راسخا في استحالة استئناف مشروع النهضة العربية ومباشرة عصر تنوير عربي جديد دون تحرير الفرد العربي من القيود المتنوّعة التي تأسر طاقاته وتطمس مواهبه. وبهذا المعنى توجّه تيزيني إلى البحث في قضايا التراث العربي خلال العصر الوسيط وعيا منه بأنّ تحصين الذات لا يمكن أن يتمّ دون عملية تصحيح ذاتي.
ولمّا كان الإسلام قد اختطفته تيارات متعدّدة فصيّرته “أيديولوجيا قتالية” ضمن مقاربة سلفويّة أساسا، فإنّ تيزيني عمل على تحرير الوعي العربي من سطوة الأيديولوجيا الدينية والسياسوية.
بيد أنّه عمل في نفس الوقت على إبراز ما سمّاه بالتيارات العصروية الدائرة في فلك المركزية الأوروبية باعتبارها تعيد اجترار مقولات استشراقية غربية فتنتهي إلى مزيد تعميق التخلّف العربي وتأبيده.
يؤشّر ذلك الموقف الذي صاغه تيزيني على موقف نقدي تجاه التصوّرات الرائجة في مسائل التراث والديمقراطية والعلمانية التي برع الخطاب الإعلامي العربي في ترويجها بدعم داخلي وخارجي من الأيديولوجيا المهيمنة ودوائر صنع القرار العالمي.. وقد أثمر ذلك نتائج عكسية إذ استفادت التيارات السلفوية والإسلاموية، فعزّزت تمثّلاتها الهوياتية. وأسهم كلّ ذلك في نشر أشكال من الوعي الزائف ما عمّق إخفاق الفكر العربي وأجهض عمليات تحرير الإنسان العربي.
اعتمدنا منهجا تحليليا نقديا في طرحنا لإشكاليتنا المدروسة بالانطلاق من نصوص محدّدة تمثّل عيّنات متنوّعة لفكر تيزيني. فربطنا التحليل المعمّق لتمثّلات تيزيني وأفكاره بتقييم جاد لها كلّما كان ذلك ضروريا لتصحيح موقف ما أو تعديلها. وقد تدرّجنا في الورقة البحثية من المستوى التأطيري إلى المستوى التقييمي مرورا بالمستوى التحليلي. ومن ثمة لم يكن تنزيلنا لقضية تحرير الإنسان في الثقافة العربية فضلة أو حشوا بقدر ما كان مهادا ضروريا استثمرناه في المراحل اللاحقة من عملنا…
ولقد تميّزت مقاربة تيزيني لمسألة تحرير الإنسان بالثراء والتنوّع سواء في مستوى الآليات المعتمدة أو المواضيع المطروحة أو البدائل المقترحة. وقد كانت النزعة النقدية السمة البارزة لمشروع تيزيني في ما يخصّ تحرير الإنسان العربي. إذ تخلّلت جميع تمثّلاته ومواقفه من التراث العربي والمركزية الثقافية الغربية بأذرعها المتعدّدة داخليا وخارجيا، بل حتّى في مستوى تعامله مع مشروعه الفكري. وهي ما يشي بأنّ شروط تحرير الإنسان العربي تظلّ في جوهرها نواظم منهجية ومعرفية أساسا دون الذهول عن بقية المتعلّقات السياسية والاجتماعية…
الكلمات المفاتيح: إنسان-مراجعة-قصور-منهج جدلي-تيزيني.
Abstract
The bet to liberate the Arab man is a fundamental problem in Tizini’s thought. Histhought was firmly established about the impossibility of resuming the Arab renaissance project and starting a new Arab enlightenment era without liberating the Arab individual from the various restrictions that capture his/her energy and obliterate his/her talents. In this sense, Tizini turned to research issues of the Arab heritage during the medieval era, being aware that self-immunization cannot take place without a process of self-correction.
Since Islam was employed by multiple currents and was interpreted as a “militant ideology” within an essentially past approach, Tizini worked to liberate Arab consciousness from the hegemony of religious and political ideology. However, at the same time, he tried to highlight what he called the modernist currents circulating in the context of European centralism, as they restore Western Orientalist sayings and end up further deepening and perpetuating the Arab backwardness.
This position, formulated by Tizini, indicates a critical view about popular perceptions in issues of heritage, democracy and secularism, which the Arab media discourse excelled in promotion with internal and external support from the dominant ideology and global decision-makers. This resulted in adverse results as radical currents benefited and strengthened their identity representations. All this contributed to spreading forms of false consciousness that deepened the failure of the Arab thought and aborted the processes of liberating Arab people.
We adopted a critical analytical approach in presenting our study’s problematic issues by starting from specific texts that represent various samples of Tizini thought. We linked the in-depth analysis of Tizini’s representations and ideas to a serious evaluation of them whenever necessary to correct or amend a situation. We have graduated in our article from the framing level to the evaluative level.
مقدمة:
يتطلّب إعادة رسم حدود الثقافة العربية المعاصرة والراهنة عملية مسح شاملة لمختلف العناصر التي أثّثت المشهد الفكري والثقافي. ولئن بدا هذا الغرض وثيق الصلة بمجال تاريخ الأفكار وأهمّ التيارات المسهمة فيه، فإنّه يرسم معالم صورة الإنسان العربي بصفته ذاتا مفكّرة في واقعها ومستقبلها سعت إلى تجاوز مفاسد التخلّف إلى مصالح الترقّي أو بصفتها موضوعا للتفكير والنظر والتدبير.
يعدّ التساؤل عن سبل تحرير الإنسان العربي إشكالية محورية في فكر الراحل طيّب تيزيني لعوامل متعدّدة منها ما هو معرفي ومنهجي متّصل بنوعية مشروعه الطامح إلى تصحيح التصنيفات النمطية الاستشراقية التي وضعت الثقافة العربية الإسلامية في مرتبة دونية. وكذلك ما يهمّ الظرفية التاريخية التي مرّ بها العالم العربي بعد نكسة حزيران 1967 وإلى اليوم. وقد سبّبت ما يمكن تسميته ب ـ”التقدّم القهقرى” أو حالة النكوص و”الردّة”.
تفضي بنا تلك الإشكالية المحورية إلى سؤال مركزي يهمّ نوعية المجالات التي تطرّق إليها تيزيني في بحثه عن أسباب تعطّل فعالية الإنسان العربي. ومن ثمّة فإنّ صياغة البدائل الممكنة يمرّ حتما عبر عملية تغيير جذريّ لتلك المجالات. وهذا لا يمكن حصوله دون ثورة معرفية ومنهجية تصحّح ثورات الإنسان العربي لذاته ولغيره.
تقوم خطّتنا المنهجية في هذه الورقة البحثية على التدرّج من العام إلى الخاص فالأخصّ انطلاقا من تأطير الإشكالية المطروحة في سياقيها التاريخي والحضاري المناسبين، ثم استقراء مجالات تحرير الإنسان العربي مثلما تمثّلها تيزيني بعد تحديد تشخيصه لعوامل إهدار طاقة العربي وانتكاساته. فحدود تصوّرات تيزيني ومداها.
-
منزلة الإنسان في الثقافة العربية:
لا يعدّ البحث في جذور مكانة الإنسان العربي ترفا فكريا أو فضلة وحشوا بل يؤشّر على رواسب الإشكالية المطروحة ويضمن مكاسب نظرية وإجرائية ذات بال.
ولئن كان سياق هذه الورقة البحثية لا يتّسع لتفصيل جملة تلك المكاسب بما أنّها لا تمثّل رهانا أساسيا في عملنا، فإنّه من الممكن الإشارة إلى أهمّها. فعلى الصعيد النظري يتيح صياغة مهاد تاريخي إمكانيات وفيرة للمقارنة ورسم مسارات تطوّر الأفكار وتغيّرها بالنسبة إلى القضية المطروحة.
أمّا على الصعيد المنهجي والإجرائي فإنّ فرص تفهّم العوامل المسهمة في تبلور سؤال الإنسان عند تيزيني تتكاثر. وهو ما يسمح بضبط مدارها المناسب في مستوى تاريخ الفكر العربي الإسلامي في مرحلة أولى، وفي مستوى تحوّلات تيزيني الفكرية في مرحلة ثانية.
بهذا المعني فإنّ عملنا في هذا المضمار لا يمكن تصنيفه ضمن منطق التحيّزات الثقافية النمطية التي تدفع إلى جعل ثقافة ما تستبدّ بالفضل دون غيرها في مجال النزعة الإنسانية أو الإنسية. ذلك أنّه لا يخامرنا الشكّ في أنّ الاهتمام بالإنسان أعدل الأشياء قسمة بين مختلف الثقافات والحضارات رغم تباين مستويات ذلك الاهتمام وتفاوت حدوده. ولعلّ مقولة بروثغوراس Protagoras الشهيرة “الإنسان مقياس الأشياء جميعا”[1] اختزال لذلك الاهتمام وتأثيراته.
تكشف العودة إلى النصوص المؤسّسة للثقافة العربية الإسلامية عن اهتمام متفاوت بالإنسان. فإذا كان الشعر والأمثال العربية قد عكسا صراع الإنسان العربي مع الزمن[2] والتوق إلى استعادة اللحظات الهاربة وتخليد التجارب المتعاقبة سواء كانت وجدانية ممثّلة في الوقفة الطللية أو اجتماعية في علاقة الفرد بالمجتمع(القبيلة) والسلطة والمال[3]، فإنّ المرجعية الدينية الإسلامية سعت في أبعادها الكبرى إلى تأكيد التكريم الذي كسبه الإنسان بإرادته حين قبل أمانة التكليف دون سائر المخلوقات[4].
وإذا ما رمنا الاستئناس بالسنّة النبويّة وتجارب الصّحابة والتّابعين التي تثير عادة جملة من الإشكاليات المعرفية والمنهجية تصل إلى حدّ التشكيك في صحّة وجودها التاريخي[5]، نجد أصداء تثبت اقتران النظر بالعمل في النظر للإنسان، بل قد تقدّم قيمة العمل على ما سواها. ويمكن أن نذكّر بالحديث التالي المنسوب إلى أبي الدرداء: “إنّما لا تقدّس الأرض ولكن يقدّس الإنسان عمله”[6].
بيد أنّ كلّ ذلك لا يعني أنّنا أمام نزعة إنسانية مستوفية الشروط لها اتّجاهاتها وتيّاراتها المتنازعة في تمثّلها، ذلك أنّ البحث المعمّق قاد بعض الباحثين الذين اشتغلوا على هذا الموضوع إلى الإقرار بأنّ نزعة الأنسنة في الثقافة العربية لم تخرج من دائرة “الأدب” و”أدب الأب” و”الرحمة” ومرادفاتها[7]….
ولئن كانت قد برزت من حين لآخر بعض الأصوات المفردة التي حرصت على تغذية نزعة الأنسنة في الثقافة العربية أمثال التوحيدي ومسكويه وابن رشد الحفيد وغيرهم، فإنّها سرعان ما وُئدت وانتهت بنهاية أصحابها البائسة بفعل عوامل بنيوية عميقة متصّلة بنوعية التوجّهات الثقافية السائدة وخيارات السلطات المتعاقبة في المنطقة العربية منذ القرن الخامس هجريّا/ العاشر ميلاديّا الذي يعدّ مرحلة مفصلية في تاريخ الثقافة الإسلامية حينما ركنت إلى الاجترار والتقليد وأغلقت باب الاجتهاد والتجديد[8]. وهو ما لخّصه طرابيشي في مفهوم “سبات العقل في الإسلام”[9].
لم يكن السؤال الشهير الذي طرحه الأمير شكيب أرسلان في عصر النهضة “لماذا تأخّر المسلمون وتقدّم غيرهم؟”[10] إلاّ تعبيرا عن الإشكالية الحقيقية التي شهدتها وضعية الإنسان العربي في العصر الحديث حين أفاق من غيبوبته الحضارية على أصوات مدافع نابليون بونابرت Bonaparte والبوارج البحرية الانجليزية[11]، فاستبدّت به الحيرة والشكّ في ذاته وفي المنظومة الحضارية التي ينتمي إليها بكلّ أبعادها الرمزية والمادية.
ولا شكّ أنّ إعادة قراءة الفكر العربي من عصر النهضة إلى أعقاب هزيمة حزيران وتداعياتها تؤيّد اتّساع دائرة الشكّ والحيرة والتخبّط. لذا تضاربت حلول النّخبة وتباعدت بين سلفية تعتقد أنّ جذور التمدّن مبثوثة في ديار الإسلام ولا سبل إلى صلاح الحال إلاّ بما صلح به أوّلها[12]، وتيّار ليبراليّ في ظاهره لكنّه توفيقيّ في عمقه[13]. وقد تدعّم في ما بعد بأصوات أخرى تروم النّسج على المنوال الغربي[14].
وبقدر ما كانت هزيمة حزيران مريرة في الوجدان العربي، فإنّ صدمتها أثّرت إيجابيا في الفكر العربي، وأيقظت العقل من سباته. ويمكن الوقوف على ذلك التحوّل في عدّة مستويات منها ما يتّصل بالتوجّه نحو نزعة التدقيق في تشخيص التدهور المتلاحق لمكانة الإنسان العربي وتقهقر حال الأمة العربية من السيّئ إلى الأسوأ. لذا شهدنا في هذه المرحلة الراهنة تخلّصا من القوالب المنهجية والأطر المدرسية الجامدة وتغيير الخيارات الأيديولوجية لدى النخبة الفكرية بالتحوّل مثلا من الماركسية المادية إلى القومية العربية فالنزعة الإنسانية[15].
لم يعد الغرض الأساسي منعقدا على انتصار أيديولوجيا معيّنة، وإنّما أصبح رهان تحرير الإنسان الشغل الشاغل. إضافة إلى ذلك نمت أشكال ما يمكن تسميته بـ “النقد الذاتي”[16]، فغدت الناصرية –على سبيل الذكر- موضع نقد وتساؤل. كما لم تسلم “الأصنام الذهنية”[17] والرمزية من تلك النزعة النقدية.
في هذا المنعطف التاريخي الحاسم الذي مرّ به الفكر العربي إجمالا، برزت جدلية الطيّب تيزيني باعتبارها امتدادا لتيار له حضور في الثقافة العربية المعاصرة والراهنة، وله أعلام آخرون أمثال حسين مروة ومهدي عامل وسمير أمين وصادق جلال العظم. وقد تزامن هذا التيار الجدليّ مع تيارات أخرى لها مجالاتها المعرفية ومراجعها المنهجية المغايرة مثل وضعانية فؤاد زكرياء ووجودية عبد الرحمن بدوي وجينيالوجيا جمال حمدان وأنثربولوجيا علي الوردي وفوكوية محمد عابد الجابري وسيميائية محمد أركون ونقدية حسن حنفي التاريخية وتاريخية هشام جعيط الاجتماعية السياسية والتحقيق المقارن لرضوان السيّد ومقاربات الأيديولوجيا السياسية والاقتصادية والتاريخية لجورج قرم[18]….
ولا جدال في أنّه سيكون لهذا التنوّع في المقاربات المشتغلة على تمثّل قضايا الإنسان العربي واقعا ومصيرا تداعياته المختلفة في فكر تيزيني ليس أقلّها تعدّد مساجلاته ومناقشاته لأهمّ رموز تلك الاتّجاهات الفكرية والأيديولوجية وتفاوت مجالات تحرير الإنسان العربي وتباين مستواياتها.
-
عوامل إهدار إمكانيات الإنسان العربي وأفوله الحضاري:
لا يمكن الحديث عن عوامل انتكاسة الإنسان العربي دون البرهنة على صحّة وجود علاقة مفترضة بين تلك العوامل ومشروع تحرير الإنسان في فكر تيزيني. وهو ما يقودنا وجوبا إلى تحديد مقصودنا بالتحرير والتحرّر.
لئن بدا من الممكن إرجاء تحديد معنى التحرّر إلى القسم الأخير من هذه الورقة البحثية بما أنّنا سنخلص في خواتمها إلى ضبط أهمّ شروط التحرّر في تصوّر تيزيني، فإنّنا معنيون في هذا المستوى التحليلي باستخلاص عوامل سقوط الإنسان العربي حضاريا. ومن ثمّة فإنّه لا مناص من الإشارة إلى أنّ ما نقصده بالتحرّر يتعدّى الجانب السياسيّ الذي غالبا ما تقترن به هذه العبارة منذ كتب الكواكبي “طبائع الاستبداد”[19] واستمرّ إلى وقتنا الراهن.
ترتبط الحرية في هذا السياق بالتحرّر من كلّ أشكال الإكراه التي كبّلت الإنسان العربي وسجنته في دائرة ما يُعرف بالعبودية “الطوعية”[20]. وتراكمت مختلف العوامل التاريخية لرسم صورة نمطية للإنسان العربي سواء في علاقته بالسّلطة أو حتّى في علاقته بذاته وبالآخر[21]. وبهذا المعنى تتّخذ مسألة التحرّر بعدا حضاريا عميقا يشمل مختلف المجالات التي تتطوّر بها الحضارة، ويرتقي بها الإنسان في مدارج الرقيّ والتمدّن.
ولمّا كانت مسألة التحرّر على هذا النحو فإنّ مقاربة تيزيني لها اقترنت اقترانا بيّنا بالبحث عن عوامل التخلّف العربي وتعطّل فعالية الإنسان العربي قبل أن يعمد في مرحلة لاحقة إلى ضبط شروط التحرّر وضوابطه.
يمكن القول إنّ عوامل إهدار إمكانيات الإنسان العربي وأفوله الحضاري من منظور تيزيني مركّبة وإن تباينت بعض مستواياتها، فمنها ما يظهر على السطح ومنها ما يظلّ قابعا في العمق[22] لا تدركه إلاّ الأفهام الحادة من أصحاب البصيرة النافذة.
بيد أنّه من الممكن تبويب تلك العوامل ضمن إطارين ناظمين محدّدين هما الإطار الداخلي والإطار الخارجي. فهذا المعيار النوعي من شأنه توضيح تمثّلات تيزيني بصورة أكثر من غيرها، كما يساعدنا على تنويع زوايا النظر التي انتهجها ومدى موضوعيتها ودقّتها.
أ-العوامل الداخلية:
تشكّل مجموعة من العناصر البنيوية المتداخلة أدرجها تيزيني ضمن ما سماه بـ “المعاول والحراب الداخلية والخارجية”[23]. وبقدر ما ركّز المفكّر السوري على دور هذه العوامل الوظيفي في ما آلت إليه أوضاع الإنسان العربي من انسداد الآفاق وحالة الانسداد والإخفاق التاريخيّين، فإنّه حرص في عديد المواضع على تفصيل مجمل تلك العوامل ولو على سبيل الإشارة الخاطفة السريعة مثلما هو الشأن بالنسبة إلى عامل الدولة الأمنية.
ويمكن اختزال العوامل الداخلية في المنظومة الثقافية والسياسات الثقافية والتّربوية وأزمة النخبة العربية وسطوة الدولة الأمنية.
- أزمة المنظومة الثقافية: لما كانت الثقافة مجموعة من النظم اللغوية والرمزية والقانونية والجمالية والاجتماعية المتداخلة[24]، فإنّها تؤثّر تأثيرا بيّنا في سلوكيات الإنسان وتوجّهاته، بل تعد آلية توجيه وضبط”[25] على حدّ تعبير كليفورد غيرتز Clifford Geertz.
ومما لا شك فيه أنّ تيزيني كان يعي تمام الوعي بمحورية الثقافة ودورها في تشكّل الإنسان ونحت شخصيته الأساسية[26]، إذ ليست قضايا التراث والفكر الديني والنهضة وتمثّلات النّخب إلا تمظهرات لبنى الثقافة العميقة وارتداداتها.
عدّد تيزيني أسبابا كثيرة يمكن أن تتسبّب في “استقالة الفكر وانغلاق الثقافة”[27] يتقاطع فيها الجانبان المعرفيّ والأيديولوجي تقاطعا غير مجد ولا مخصب. وتبرز هذه النقطة خطورة الأيديولوجيا الدينية في التلاعب بالوعي الفردي والجمعي والتضليل الذي تمارسه باعتبارها تستهدف قطاعا واسعا من الجماهير. إضافة إلى أهمّية الدّين ومحوريته في الدائرة الثقافية الإسلامية[28].
ينتقي تيزيني أمثلة متعدّدة لتلك التلاعبات في سياق مناظراته الفكرية مع مخالفيه الأيديولوجيين مثل الشيخ محمد سعيد البوطي. وقد وُفّق إلى حدّ كبير في كشف تهافت الأيديولوجيا الدينية ومفارقاتها المتعدّدة انطلاقا من توجيه أسئلة منهجية دقيقة فهو مثلا يردّ على التمييز الذي أقامه سعيد البوطي بين جوهر الإسلام وتجلّياته بطرح السؤالين الهامين التاليين:
-“كيف يمكن لنا حصر عملية تجلّي الجوهر في إمكانية إجابة واحدة، مقصيا بذلك تعدّدية هذه الإمكانية من موقع من ينتجها من البشر المتعدّدين في أفهامهم ومصالحهم؟”[29].
-“من هو في هذه الحال ذلك الذي ينتج مثل تلك التجلّيات الإيجابية؟”[30].
لا تخفى أهميّة الأرضية المنهجية والفكرية التي انطلق منها تيزيني في سؤاليه المذكورين آنفا، إذ هي بلا شك أرضيّة معرفية رهانها الأساسي البحث عن الحقائق العلمية والتاريخية وتخليصها ممّا تراكم حولها من اعتقادات خاطئة، ومن ثمّة فهي تستهدف تغيير التصوّرات والتّمثّلات الفرديّة والجماعية.
يدعم هذا الاستنتاج الذي توصّلنا إليه الموقف الجسور الذي أفصح عنه تيزيني في ما يخصّ تصوّرات المؤسّسة الدينية السورية ممثّلة بما عبّر عنه البوطي بخصوص الاعتقاد في “الإمام الأعظم”[31] و”الإخلاص لله”[32] بصفتهما حلّين كفيلين بتجاوز التحدّيات الراهنة التي تعدّ من منظوره تحدّيات واهية أو على الأصحّ زائفة مصطنعة…
يعمد تيزيني إلى آلية التدرّج في مناقشة تلك التصوّرات وغيرها بالتحوّل من المقاربة النظرية المنهجية إلى المقاربة المضمونية دون التخلّي عن التّساؤل والمساءلة باعتبار السؤال عنصرا أساسيّا في طريق معرفة أمراض الثقافة العربية وتهافت الخطاب الدّيني الذي يكتسح فضاءات واسعة منها. فهو يردّ على تصوّرات البوطي في ما يهمّ حلّ الإخلاص الإلهي لتجاوز التحدّيات بالقول: “هل يكفي أن ندعو إلى الإخلاص لله وحده دون ضبط الموقف المأساوي المشخّص الذي بعيش فيه بؤساء المسلمين والعرب؟ ألا يتعيّن علينا في هذه الحال أن نستخدم أدوات معرفية سوسيولوجية تتيح لنا تقصّي واقع الحال العربي والإسلامي الراهن القائم ببنياته الاجتماعية والفئوية والطبقية وكذلك بمستوياته السياسية والثقافية والأخلاقية وغيرها؟ إنّ البحث العلمي هو الذي يحدّد ذلك. يبدأ فيه من تقاطع الروح الكفاحية في أوساط الناس، هذا مع ضرورة القول بأنّ الإخلاص لله وحده لا يمثّل مقولة مجرّدة بقدر ما ينصاع عمليا إلى التوزّع البشري وفق تلك البنيات والمستويات. فهل إخلاص الآن من يمتلك مليارات الليرات في الوضع العربي لله هو الإخلاص ذاته لله لدى من يلهث وراء حرّيته وكرامته ولقمته؟”[33].
إذا علمنا أنّ الثقافة لا يمكن أنّ تتجدّد وتتطوّر إلا إذا تطوّرت منظومتها عبر خطاب تاريخي يثير الدهشة وثقافة “التسآل” ببلاغته وتماسكه الدلالي والمنطقي[34] ندرك حجم خطورة “الوعي المزيّف أو المشوّه”[35] الذي تروّجه الأيديولوجيا الدينية لا سيما في ظلّ حيازتها لمجالات واسعة في الفضاء العمومي في مختلف المؤسّسات الإعلامية والدينية والسياسية.
وقد تحوّل التراث في ضوء ذلك من حافز إنساني قابل للإسهام في ارتقاء الإنسان العربي وأمته في مدارج الترقّي إلى عبء يشلّ حركته الحضارية. فقد أصبح أيديولوجيا تستخدم ضدّ قوى الحرية والتحرّر والديمقراطية. وهو ما حدث لتيزيني شخصيّا في أشدّ مواقفه انفتاحا على التيار الديني والتراثي مثلما يشهد به “العنف المادي والرمزي[36]” الذي تعرّض له خلال مناظرته الشهيرة مع الشيخ البوطي سنة 1997 إثر تلبيته لدعوة صادق جلال العظم رئيس قسم الفلسفة بجامعة دمشق حيث اكتسح أنصار الشيخ البوطي ومريديه قاعة المحاضرات والحديقة المحيطة بها لمنع تيزيني من الدخول للقاعة وإجراء المحاضرة[37].
تلتقي الأيديولوجيا الدينية مع نمط آخر من الأيديولوجيا المغتربة عن الواقع العربي الإسلامي ومجاله التّداولي في رهن الثقافة العربية وإدامة أزمتها، إذ يقصي ما يمكن تسميته بالاتّجاه العدمي من مجال اهتمامه ونظره فيحرم الأمة العربية والإسلامية عامة من إمكانية الاستفادة من موروثها مثلما خلص إلى ذلك تيزيني[38].
يتضاءل أفق تغيير واقع الإنسان العربي حضاريا كلّما تعمّقت أزمة الثقافة العربة. ذلك أنّ العلاقة جدلية بين أزمة المجتمع وتأزّم ثقافته[39]. ولا أدلّ على ذلك من شيوع “الخطابات القصووية” التي تدّعي وحدها امتلاك الحقيقة والنّطق باسمها[40]. وهو ما يحيلنا على أزمة النخبة المنتجة للأفكار والأنساق المعرفية فما دور هذه النخبة في انتكاسة الإنسان العربي ووأد أحلامه وآماله؟
ب-أزمة النخبة العربية المفكّرة:
يعدّ هذا العامل المعرفي والسوسيو ثقافي امتدادا للعنصر السابق بما أنّ المنظومة الثقافية لا يمكن أن تتطوّر أو تتآكل إلاّ بفعل نوعية فاعليها الاجتماعيين أو “الثقافيين”. فكلّما كانت النخبة ناضجة فكريا، واعية بمستجدّات اللحظة التاريخية وشروطها نجحت في صياغة خطاب عقلاني متماسك واجتناب مأزق المفارقات مثل القصور المعرفي والفجوة بين القول والفعل والنظر والعمل والواجب والحاصل والظاهر والباطن….
بيد أنّ مفهوم النخبة يطرح إشكاليات عدّة –بما أنّه كغيره من المفاهيم- قابل لتأويلات متعدّدة ليس أقلّها تقاطع دلالة نوعية المجال الذي ترتبط به من ذلك أنّه يمكن الحديث عن نخبة سياسية ونخبة اقتصادية ونخبة أمنية وعسكرية ونخبة مثقفة. وفي كلّ هذه الحالات تبقى الدلالة غير دقيقة. إذ تطرح أسئلة متّصلة بمعايير اختيار تلك النخبة ومسوّغاتها. فلو قلنا مثلا درجة التأثير فمن هو الذي سيحدّد ذلك الـتأثير ومداه؟ ومن يمكن أن يضمن موضوعية ذلك التأثير وجدّيته؟ ثم إلى أيّ حدّ تحافظ دلالة نخبة ما مثل النخبة المثقفة على شروط دلالتها وضوابطها[41]؟
نرى أنّه من الأنسب في ضوء تلك الافتراضات وغيرها أن نقيّد حديثنا عن النخبة بوظيفة التفكير فنتحدّث عن النخبة المفكّرة التي نجحت في صياغة مشاريع فكرية رهانها ترقية الإنسان العربي في مدارج الترقّي والتمدّن وتخليص الأمة العربية من مفاسد التخلّف والتيه الحضاري. وبحكم أنّنا ملتزمون بمدوّنة تيزيني الفكرية فإنّنا سنتّبع أهمّ المشاريع الفكرية التي اشتغل عليها تحليلا وتمحيصا ونقدا.
أثبتت عملية المسح الشامل التي أنجزها تيزيني للفكر العربي منذ عصر محمد علي باشا إلى الوقت الراهن مرورا بمرحلة التحرّر الوطني أنّ الإخفاق[42] مثّل قاسما مشتركا بين مختلف التيارات الأيديولوجية والفكرية العربية التي نظرت في قضايا تحرير الإنسان العربي والنهضة وبقية مرادفاتها مثل الثورة والاشتراكية والديمقراطية والحداثة…
ولئن بدا هذا الحكم مغرقا في التعميم نظرا إلى تفاوت مستويات إخفاق المشاريع والتحوّلات التي قد يشهدها مشروع أو فكر ما، والمثال على ذلك تحوّل سلامة موسى من الوجودية إلى الماركسية[43] مثلما نبّه إلى ذلك تيزيني بنفسه، وكذلك استنادا إلى تباين طرق التقييم ودرجاته، من ذلك أنّ طرابيشي تحدّث عن انتكاسة في الفكر العربي وجعلها عنوانا جامعا شاملا لواحد من أهمّ مؤلّفاته، وهو: “من النهضة إلى الردّة”[44]، فإنّ حكم تيزيني يجد في الواقع العربي ما يدعمه سواء في مستوى الأفراد حيث أضحى الناس في العالم العربي إلى “غبار من الأفراد” وأرقام تخضع للتجارب المستمرّة: تجارب تنموية وسياسية وتربوية وتعليمية بل حتّى طبيّة. ولم تستطع الكيانات العربية الموروثة عن اتفاقية سايكس بيكو الصمود أمام التحوّلات الجيوستراتيجية. وهو ما طرح أسئلة حول مدى قدرة الدولة لقطرية الاستمرار في وجودها؟[45].
أرجع تيزيني هذا الإخفاق الفكري الذي هو في محصلته إخفاق الذات العربية المفكّرة إلى خلل جوهري يتّصل بإشكاليات تطبيق المنهج المناسب في تفهّم المسائل والظواهر المدروسة ما خلق مفارقات بين “المنهج المطبّق وتطبيق المنهج”[46].
ولا مراء في أنّ هذه النقطة المنهجية التي أبداها تيزيني على غاية من الأهميّة، إذ لم يسبق لمفكّر عربي ما أن نبّه إليها بهذه الطريقة[47] من العمق والوضوح. ذلك أنّ الفجوة التي تفصل التصوّرات المنهجية النظرية المنقولة عن تطبيقاتها العملية في الفكر العربي سحيقة. فما أكثر المشاريع التي تتغنّى بأحدث النظريات المنهجية ومدارسها الفكرية. لكن ما أهزل تطبيقاتها وأوهن نتائجها….
بقدر ما تعكس هذه الأزمة المنهجية العميقة خللا بنيويا فادحا يشمل البنى والأنساق المعرفية والثقافية التي أنتجتها والسياسات التربوية والثقافية التي وضعتها، فإنّها تستند بلا جدال إلى سطحيات الفكر العربي وثقافته. وهو ما يتجلّى في نوعية السمات التي اصطبغ بها الفكر العربي وأبرز اتّجاهاته الكبرى انطلاقا من ثلاثة أمثلة محدّدة.
يحدّد تيزيني ثلاث سمات كبرى اتّسم بها الفكر العربي في تاريخه الحديث والمعاصر والراهن. تتمثّل تلك السمات في ما اصطلح على تسميتهم ب “الإصلاحية والهجانة والقصور”[48].
وبقدر ما تشتمل هذه السمات على جانب كبير من الصحّة، (فمن ذلك أنّ القصور حقيقة علمية ثابتة يمكن أن يستخلصها من له دراية واسعة بآليات اشتغال الفكر العربي والمضامين التي طرحها)، فإنّ الحديث عن الإصلاحية لا يخلو من لبس باعتبار أنّ تيزيني نفسه قد انتهى إصلاحيا عندما قام بمراجعة ذاتية لفكره. فخلص إلى الاستعاضة عن كلمة “الثورة” ومفهومها بكلمة “النهضة”[49]. إضافة إلى كون الإصلاحية جزءا لا يتجزّأ من طبيعة الدولة الوطنية العربية[50]. إذ لا ننسى أنّ الدولة الوطنية ليست في جوهرها إلاّ دولة تنظيمات[51] قامت بإصلاحات قسرية في نطاق الاستعمار، ثم ببعض التحسينات في مرحلة التحرّر الوطني وما بعد الاستعمار غير المباشر دون تغيير جذري في وظائفها وجوهرها، وهو ما جعلها في قطيعة كبيرة مع تطلّعات النخب الحقيقية واحتياجات مجتمعاتها الفعلية.
ولا يمكن كذلك التغاضي عن سمة الانتقائية[52]، فهي سمة ثابتة في الفكر العربي اليوم، على الرغم ممّا قد يثيره هذا المصطلح من اعتراضات عدّة، كالقول بأنّ الانتقائية ضرورة لا يخلو منها أيّ عمل إنساني بما أنّه لا ينهض إلاّ باختيار عيّنات محدّدة هي بشكل من الأشكال عملية انتقاء.
اقترن تحديد تيزيني لتلك السمات بتحديد آخر استوعب ضبط أهمّ التوجّهات الكبرى للفكر العربي. وقد انتهى إلى ضبطها في ثلاث اتّجاهات أساسية، برع في تسميتها الفكرية والأيديولوجية بأن أضاف إلى مصادرها الصناعية حرف “الواو” الذي يستعمل عادة للإيحاء بالمفارقات التي يختزنها مفهوم ما لدى تيّار معيّن. تتلخّص تلك التوجّهات في السلفوية والعصروية والتلفيقوية[53].
ولئن كان لا يتّسع هذا السياق لتفصيل كيفية اقتران تلك السمات الثلاث بنزعاتها الأيديولوجية والفكرية المذكورة آنفا، فإنّه من الممكن الإشارة إلى أنّ تيزيني قد قدّم عديد الأمثلة لمشاريع فكرية محدّدة تثبت تهافت النخبة الفكرية العربية، وقصورها المعرفي مثل الربيعو وباروت والجابري بصفة خاصّة[54].
إذا استعرنا العبارة الماركسية الشهيرة التي تنصّ على أنّ الفلاسفة لا ينبتون من الأرض كالفطر، فإنّ سؤالا مركزيا يطرح في هذا السياق يهمّ أسباب قصور النخبة الفكرية العربية وهجانتها؟ وبعبارة أخرى ألا توجد سياسات تربوية وتعليمية عملت على إنتاج هذه النوعية من النخبة بما أنّ التعليم في محصلته ليس إلاّ عملية إعادة إنتاج[55] بتعبير بورديو P. Bourdieu؟
يقودنا هذا التساؤل إلى ضرورة البحث عن دور السياسات التربوية والتعليمية في نكسة الإنسان العربي كما ألمح إلى ذلك تيزيني.
ج-السياسات التربوية والتعليمية:
لا يمكن النظر إلى أزمتي المنظومة الثقافية والنخبة الفكرية بصفة ميكانيكية معزولة عن السلطة والدولة نظرا للعلاقة الجدلية الرابطة بين السلطة والمجتمع، إذ يثبت تاريخ تطوّر الأفكار وتجارب الإبداع الحضاري أنّ ازدهار الثقافة والحضارة التي تنتجها غالبا في ظلّ أنظمة رشيدة تشجّع حركة الفكر وتعمل على دعم التيارات الاجتهادية والإبداعية وتحرّرهما من كلّ أشكال الوصاية السياسية والغيبية.
وقد أصبح هذا المعطى أكثر وضوحا في العصر الحديث والمعاصر بتشكّل الدولة الحديثة التي تقوم على سياسات عامّة تعمل على توجيه الأفراد والمجتمع ضمن ما يعرف بـ “دولنة المجتمع”[56] والسيطرة عليه والتحكّم فيه.
بهذا المعنى نفهم بحث تيزيني في العلاقة بين الثقافة والعلم. فلئن اتّخذ بحثه صبغة تجريدية بيّنة، فإنّه لم يغفل، كعادته دائما، استدعاء الواقع العربي. ولم يكن ذلك الربط ناجما عن أيديولوجيته القومية فقط، وإنّما كذلك بفعل خياراته المنهجية التي احتكم إليها فهو من أنصار المنهج المادي الجدلي الذي يدرس الظواهر في إطار جدلية الواقع والفكر، وجدل الراهن والماضي والمستقبل وجدل الدّال والمدلول.
يشير تيزيني في هذا السّياق إلى انفصام العلاقة بين العلم والثقافة في العالم العربي. وقدّم مثالا على ذلك يخصّ عدم ارتباط ظهور الجامعات العربية ونشاطها العلمي بحركية اقتصادية وفكرية نشيطة مثلما حدث في الغرب[57]. لذلك لا عجب أن تكون الجامعات العربية غريبة عن محيطها، فتكثر مصاعبها وتزداد الهوة اتّساعا بين النخبة الجامعية والمجتمع[58].
ليس هذا الخلل البنيوي عفويا، وإنّما هو خلل مبرمج مقنّن، ذلك أنّ نشأة جلّ الجامعات العربية قد حصل تحت إشراف المركزية الغربية وبتأثير منها[59]. فحتّى عندما استقلّت الدول العربية، فإنّها ظلّت رهينة النظرة الضيّقة للدولة العربية القطرية في إطار سعيها إلى دولنة المجتمع.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ تلك الجامعات العربية لم تبرز ضمن استراتيجيات عمل طويلة المدى بقدر ما خضعت لسياسات لاهمّ لها إلاّ إحكام رقابة تلك الدول على مجتمعاتها والنسج على المنوال الغربي مجال نقل تطبيقات الحداثة الغربية دون إدراك حقيقي لشروط إنتاج المعرفة وتطوّر المنظومات الثقافية وإمكانيات تلاقح الثقافة بالعلم وأثرهما في تطوّر المجتمع والحضارة، فإنّنا نفهم حالة الركود والجمود التي أصابت الإنسان العربي ووضعية “الانسداد التاريخي”[60] التي تعيشها الأمة العربية.
د-الدولة الأمنية ومخلّفاتها:
لقد وشت مستويات التحليل السابقة، سواء في ما يخصّ وضعية الثقافة والنخبة العربية أو نوعية السياسات العامة والسياسات التربوية والتعليمية خاصّة، بصنف الدولة التي يعيش في كنفها الإنسان العربي. وهي دولة كليانية تسلّطية رؤيتها لا تتجاوز خدمة المصالح الشخصية لسدنتها، ولا إطالة أمد حكمهم أكثر ما يمكن، والاستفادة مما توفّره السلطة من غنائم، لضمان مستقبل أبناء تلك الطبقة الحاكمة وتوريثهم الجاه والمناصب[61].
تجرّأ تيزيني مبكّرا على اقتحام هذا المجال الخطير الذي قد يعرّض صاحبه إلى مخاطر جمّة، فأشار بلغته الدقيقة وأسلوبه المبسّط إلى معضلة الدولة الأمنية “بآليتها السياسية القائمة على إفساد من لم يفسد بعد على صعيد الأدنيين. ومن ثمّة تحويل الجميع وفق الأولويات إلى مدانين تحت الطلب. وأخيرا تصاعد تبعية المجتمع العربي اقتصاديا وسياسيا للامبريالية الرأسمالية تبعية تكاد تكون تامّة”[62].
هكذا تتقاطع مجالات الأمن والسياسة والاقتصاد والثقافة والمعرفة والتربية والتعليم تقاطعا جدليا، فيتمّ تنميط الفرد والمجتمع. وقد أثبتت الدراسات الأنثربولوجية في ميدان ما يطلق عليه بـ “علم اجتماع الشرطة”[63] صحّة ذلك الرّبط الجدلي الذي أقامه تيزيني بين السلطة والمعرفة بمعناهما الواسع.
مضى تيزيني بعيدا في كشف مخاطر الدولة الأمنية، إذ بيّن أنّه، حتّى في صورة تجاوبها مع الضغوط المطالبة بالديمقراطية مثلا، فإنّها لا يمكن أن تطبّقها إلاّ تطبيقا سيّئا مفرغا من جوهر الديمقراطية[64] بحكم سيادة ثقافة الفساد على نطاق واسع. تلك الثقافة التي تهدّد باستباحة بقية المجتمع وإفساده[65].
ولعلّ في إلماح تيزيني إلى علاقة الاستبداد والدولة التسلّطية بالامبريالية وتعميق تبعية العالم العربي إثباتا لصحّة فرضيتنا التي انطلقنا منها في مستهل هذا العنصر القائمة على تصوّر اقتران انتكاسة الإنسان العربي ونكوصه بعوامل داخلية وخارجية. وهو ما سيدفعنا إلى اختتام هذا العنصر من ورقتنا البحثية بعنصر العوامل الخارجية.
ه-العوامل الخارجية:
لن نطيل كثيرا في تفصيل هذه العوامل لأسباب متعدّدة، من أهمّها أنّ مستويات التحليل السابقة تضمّنت إلماحات متعدّدة إلى تقاطع العوامل الداخلية والعوامل الخارجية في أزمة الإنسان العربي، كما أنّه، ومثلما نبّه إلى ذلك تيزيني فإنّ فقدان المناعة الذاتية وتأزّم الدولة العربية التي بدل أن تنشئ مواطنين صالحين تقوم بإفساد المجتمع وإفساد من لم يفسد بعد. وكلّها عوامل تسهّل تغلغل النفوذ الخارجي والتبعية للآخر.
بيد أنّه علينا التوقّف في أهمّ نقطة تندرج ضمن العوامل الخارجية تخصّ التأثير الخطير للمركزية الثقافية الغربية بمختلف أذرعها لا سيما الاستشراق، فقد حدّد تيزيني الخطر الأكبر الذي يمثّله الاستشراق على الثقافة العربية التي تروم النهضة، مبيّنا أنّ تداعياته لم تقتصر على بعث “نخبة موالية” له، بل تجاوز ذلك إلى تكريس خطاب ثقافيّ استعرابيّ “يعلن ما لا يضمر ويضمر ما لا يعلن، أي بكلمة خطاب مراوغ”[66].
لئن قصد تيزيني بكلامه المباشر المشروع الذي صاغه الجابري[67]، فإنّه استهدف في حقيقته قطاعا واسعا من النخبة العربية. وهي النخبة المقرّبة من السلطة، والتي تتعامل بازدواج مع قضايا الإنسان العربي. فإذا كانت في ظاهرها تدعو إلى إحياء الثقافة العربية وتجديدها ونهضة العرب ككلّ، فإنّها في الواقع تعمل على خلاف ذلك بوعي منها أو دون وعي. من ذلك أنّ الجابري لا يرى حرجا في التخلّي عن اللغة العربية وتعويضها باللغات الأوروبية[68].
ولا شكّ أنّ هذا الموقف التيزيني يذكّر بالبحث المرجعي الذي قام به إدوارد سعيد حول الاستشراق وأبنيته المعرفية ووظائفه الاستراتيجية[69]. وكلّه يندرج ضمن ما يعرف بنظرية ما بعد الاستعمار التي تفترض تواصل الاستعمار القديم بطرق ناعمة، وعبر وكلاء تنفيذيين من أبناء البلدان المستعمرة.
نخلص في خاتمة هذا القسم المخصّص لعوامل إعاقة الإنسان العربي حضاريا إلى أنّ تيزيني تجاوز مرحلة التشخيص الظّاهر إلى النّفاذ إلى البنى العميقة التي أفشلت نهوض الإنسان العربي ونهضة الأمة العربية. وسنحاول في القسم الموالي من هذا العمل تحديد الشروط التي صاغها تيزيني لتحرير الإنسان العربي.
-
شروط تحرير الإنسان العربي:
لقد سبق لنا الإشارة في ما تقدّم من هذه الورقة البحثية إلى بداهة اقتران التحرّر الإنساني بالحرية السياسية في مجالنا التداولي العربي الإسلامي بصفة خاصّة. ولئن كان هذا يعني أنّ مجالات التحرّر تستدعي استكمال بقية الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، فإنّ التكوين الفلسفي لتيزيني قد قاده إ للنفاذ إلى النواة التي تجتمع حولها بقية الجوانب أو المجالات. وتتمثّل تلك النواة في الفكر أو المعرفة بمعناها الواسع الشامل.
وإذا كان قد سبق لأفلاطون Platon في أمثولته الشهيرة حول أهل الكهف الذين حبسوا في وضع معيّن فلا يستطيعون إدراك العالم وتقييمه إلاّ من منطلق المعرفة المشوّهة[70] التي تصلهم وهم في الأغلال لإثبات تأثير نوعية المعرفة والواقع في إدراك البشر وتصوّراتهم، فإنّ ماركس Marx قد وسّع النظر في مكانة الإنسان وقيمته انطلاقا من مبدئه الأساسي الذي صاغه في عبارته الشهيرة “الإنسان أوّلا”[71].
خيّرنا التذكير بالمقاربتين الأفلاطونية والماركسية في مستهلّ هذا القسم للبرهنة على صحّة تصوّرنا في تقديم الشرط المعرفي والمنهجي في تحرير الإنسان العربي من المنظور التيزيني، إذ أنّ الحفر في روافد تكوين تيزيني العلمي وتشكّل مواقفه يساعد على استكناه نتائج موضوعية.
بيد أنّه حريّ بنا الإشارة إلى أنّه بالإضافة إلى الشرط المعرفي والمنهجي سنحلّل بعض الأشراط الأخرى المتّصلة بالمراجعات الفكرية والتاريخية ومداخل العقلانية والديمقراطية والعلمانية وتجاوز التزييف الأيديولوجي.
أ- الشرط المعرفي والمنهجي:
تفطّن تيزيني مبكّرا إلى أهمّية الآليات المنهجية والمعرفية في تحرير الإنسان العربي وإعادة اكتشافه لذاته وللعالم. وإذا كان بعض المفكّرين العرب قد انبهروا بالثورة المنهجية في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية خاصّة، ونعني بها تلك التي شهدها الغرب، فإنّ تيزيني قد اكتشف أهمّية الآلية المنهجية بعد عملية رصد لخارطة الفكر العربي[72]. إذ ثبت لديه أنّ إخفاق الفكر العربي الإسلامي منذ عصر محمد علي إلى اليوم ناجم أساسا عن قصور معرفي ومنهجي.
وإذا كان قد شاع القول بأنّ “الأسلوب هو الرجل نفسه”، فإنّ المنهج هو الفكر في أوضح تجلّياته، ذلك أنّه يستحيل الوصول إلى نتائج سليمة دون رؤية منهجية واضحة. وهو ما يفترض توفّر زاد معرفي متين وقدرات نظرية وتجريدية تيسّر افتراض مختلف التصوّرات والفرضيات المحتملة وكيفية الاستدلال عليها ومختلف المراحل والدرجات التي يتوجّب قطعها في المساجلة والمحاجّة والإقناع.
لئن كان من الصعب الإحاطة بمختلف تصوّرات تيزيني للمسألة المنهجية، نظرا لتوزّعها على مختلف أعماله وخشية الوقوع في سلخ أفكاره عند فصل الجوانب النظرية والتطبيقية عن بعضها بعض، فإنّنا سنجتهد في ضبط أهمّ عناصر رؤيته المنهجية في ما له صلة بتحرير الإنسان وتقاطعات ثنائية التراث والنّهضة.
يؤكّد تيزيني أنّ الجدل قانون يحكم العالم بكلّ ظواهره. ويقدّم على ذلك أمثلة مثل “جدلية التواصل التراثي والتفاصل التاريخي وجدلية الداخل والخارج وجدلية الدال والمدلل واللفظ والمعنى وجدلية النقد الداخلي والخارجي وجدلية السابق واللاحق وجدلية الموضوعية والذاتية وجدلية الخصوصي والكلّي وجدلية المعرفي والأيديولوجي[73]….
إذا كان تيزيني بهذا القانون الجدلي قد حرص على نفي النظرة الأحادية والسكونية التي تحصر المجال المدروس غالبا في زاوية واحدة ما يتسبّب في ادّعاء باطل بامتلاك الحقيقة الواحدة، فإنّه قد اتّجه إلى المميّزات التي من الممكن أن يتّصف بها مجال ما عن بقية المجالات، من ذلك أنّ العلوم الإنسانية والاجتماعية تتّصف نتائجها عادة بكونها تقريبية، على خلاف ما هو معروف في مجال العلوم الطبيعية مثلا[74].
يشير تيزيني إلى أنّ سلسلة الجدليات القائمة في دراسة الظواهر تنبثق في جوهرها من حدث اجتماعي ما، تكون له تداعياته البيّنة في انتظام الأنساق المعرفية وتشكّلها. يقول في ذلك صراحة: “الحدث الاجتماعي هو المعطى الأوّل في الوجود الإنساني ومنطلق جميع الفعاليات البشرية. لذلك فإنّ علم الاجتماع هو المعطى الأوّل ضمن الأنساق المعرفية النظرية”[75].
يقدّم تيزيني ضمن منهجه المادي الجدلي التاريخي الموعود ثلاث مقولات نظرية مهمّة متمثّلة في “الوعي الاجتماعي والوعي التاريخي والوعي التراثي”[76].
ينبّه تيزيني إلى نوعية العلاقة القائمة بين هذه المحدّدات النظرية الثلاثة، فيعدّها علاقة “تضايفية”[77] أي جدلية بما أنّها جميعها وجه من وجوه الانتظام المعرفي. فالوعي الاجتماعي والوعي التراثي يمثّلان نسيجا اجتماعيا وينطويان على هوية اجتماعية، بينما الوعي الاجتماعي يفصح عن الوجود الاجتماعي”[78].
تنبئ تلك المعطيات النظرية الثلاث والعلاقات التضايفية القائمة بينها باستحالة تفهّم الظواهر الإنسانية سواء كانت منتمية إلى مجال التراث أو إلى مجال النهضة والحداثة دون ربطها بمحيطها الاجتماعي والثقافي الذي تبلورت فيه. وبهذا المعنى فإنّ البيئة الاجتماعية صبغة من الصبغ التاريخية الممكنة بما أنّ الحدث الاجتماعي في منطلقاته ومآلاته مقترن بنوعية العمل الإنساني ومداه.
يقدّم تيزيني توضيحات مهمّة لتعليل خياراته المنهجية التي التزم بمقتضاها في اعتماد المنهج التاريخي في دراسة الفكر العربي وتقديم رؤية جديدة عنه بدل النظريات اللاتاريخية شأن البنيوية والوظيفية[79]. إذ نبّه صراحة إلى أنّ البناء المنطقي غير كاف لتحليل النظريات والفرضيات والمقولات والمفاهيم بالدقّة العلمية المطلوبة ما لم ينظر في تاريخية تلك الركائز وعلاقتها في ما بينها. وهو ما يمكن اختزاله في ضرورة تقاطع تاريخية المنطق الذي تحكّم في تلك الركائز مع منطق ذلك التاريخ نفسه. وهو تقاطع عضوي وثيق[80].
يطلق تيزيني تسمية “اللحظة المنطقية الجدلية”[81] على الحقائق التي يمكن الظفر بها عند البحث في المقولات العلمية ومفاهيمها ضمن تاريخيتها وبنيتها العميقة أي مع “تاريخ المفهوم نفسه”[82].
يتابع تيزيني توضيح رؤيته المنهجية بخصوص تكامل المنطق والتاريخ بالقول: “إن تشكيل وتطوير نظريات وفرضيات ومقولات ومفاهيم علمية لا يمكن أن يستجيب لمستلزمات الدقة العلمية، انطلاقاً من البناء المنطقي لهذه النظريات والفرضيات والمقولات والمفاهيم فقط. إن عملية التشكيل والتطوير تلك ينبغي، استجابة لذلك المبدأ العلمي، أن تردف وتعمق من خلال بحث تلك الركائز العلمية في تاريخيتها. بكلمة أخرى، إن المنطق ينبغي أن يرى ويمارس في تاريخه، والتاريخ في منطقه، وذلك بشكل عضوي وثيق. فاللحظة المنطقية الجدلية في مفهوم ما يمكن استنطاقها واستخراجها بشكل أدقّ وأكثر شمولية، حين تبحث في وحدتها العميقة مع تاريخها؛ أي مع تاريخ المفهوم نفسه”[83].
لئن كان الرهان المباشر لتيزيني من ضبط هذه المقوّمات المنهجية التي أعقبها تحديد لعدد من المفاهيم المحورية في مشروعه مثل مفاهيم “التراث”[84] و”الصبغة التاريخية” و”البنية” “الإنسان” و”العالم”[85] منعقدا حول الخصائص المميّزة للفكر العربي الإسلامي ودورها في مجال الحضارة الإنسانية تفنيدا للتصوّرات النمطية التي تبخس قيمته، فإنّ رهانه الأكبر هو الإسهام في “مشروع مستقبلي بآليات أكثر تقدّما وعمقا بعد الدخول في نهوض عربي جديد”[86].
لم يكن حديث تيزيني عن مشروع مستقبلي يروم تقديم رؤية جديدة للفكر العربي بتاريخيته وآفاقه المستقبلية موقفا انطباعيا أو طوباويا ليس له ما يسنده في الواقع بقدر ما كان موقفا مؤسّسا على مراجعاته الفكرية وتصوّراته المنهجية. إضافة إلى أنّ جهود تيزيني تزامنت مع المشروع الذي باشره حسين مروة[87] حول النّزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية[88] دون نسيان مساهمات مهدي عامل في تمرحل التاريخ ونقد معيقات تطوّره مثل الطائفية والبرجوازية غير الوطنية[89].
وإذا كان تيزيني لم يخف تحيّزه للديالكتيك الماركسي ومنهجه الجدلي التاريخي، فإنّه لم يغفل الجانب القيمي الإنساني في قراءته للتراث الإسلامي والفلسفة العربية [90]حرصا منه على عدم حرمان الثقافة الإنسانية والعربية من إمكانياتها المادية وغير المادية، ولكي لا تتعمّق الهوة بين شروط النهضة وخصوصيات المجال التداولي العربي الإسلامي.
يمكن أن ندرج ضمن الشرط المعرفي والمنهجي كذلك دعوة تيزيني إلى تأسيس مرصد دولي للأبحاث المقارنة له فروع في مختلف دول العالم[91] لتنمية الوعي بالمشترك الإنساني، وتجاوز التصوّرات النمطية والثقافوية التي يتمّ ترويجها عبر أقنعة معرفية ورأسمالية تحرّرية ووسائط إعلامية واتّصالية متطوّرة.
لئن بدت مقاربة تيزيني المنهجية والمعرفية رائدة سواء بالنظر إلى تاريخ التبشير بها ونشرها أو بالنسبة إلى دقّتها ووضوحها، فإنّ هذه المسألة استمرّ طرحها في الفكر العربي المعاصر والراهن. ويمكن أن نشير –على سبيل المثال- إلى ما قام به المفكّر المغربي طه عبد الرحمن في عمله حول تجديد المنهج في تقويم التراث[92]. إذ نبّه إلى خطورة النظرة التجزيئية والتفاضلية التي اعتمدها الجابري في تقييم التراث[93]. ودعا مقابل ذلك إلى انتهاج المنهج التداولي والنظرة التكاملية في قراءة التراث العربي الإسلامي[94]. فقد انتبه طه عبد الرحمن إلى تشبّع التراث الإسلامي بالآلة المنطقية وإلى الطابع الموسوعي والاستيساعي للمعرفة والثقافة العربية. لذلك لا يمكن تفهّم التراث الإسلامي إلاّ انطلاقا من تلك المداخل. وكلّ قراءة “تعسّفية” للتراث الإسلامي تعتمد آليات استهلاكية منقولة ليست إلاّ قراءة حداثية مقلّدة[95].
وبقدر ما اشترك تيزيني وعبد الرحمن في الاهتمام بالمحور المنهجي في نقدهما لتصوّرات الجابري وإبرازهما لمواطن القصور فيها، فإنّ نقاط التباين بينهما كانت عميقة. فتيزيني ينطلق من المنهج الجدلي التاريخي وينتهي إليه، بينما ظلّ طه عبد الرحمن معتمدا على النقد الأخلاقي أساسا مع الاستئناس بالمقاربة التأثيلية وبعض المؤثّرات التراثية، وما وفّرته مدارس الحداثة النقدية ضمن ما يعرف بتيارات ما بعد الحداثة.
نخلص من كلّ ما تقدّم إلى أنّ المقاربة المنهجية والمعرفية شرط أساسيّ لا غنى عنه لتحرير الإنسان العربي من الأوهام والإكراهات المحيطة به داخليا وخارجيا.
ب-المراجعات الفكرية والذاتية:
إذا كان تاريخ تطوّر العلم يثبت أنّ التطوّرات الحضارية الكبرى منذ عصر النهضة إلى اليوم تقترن غالبا بتطوّرات علمية ومكتشفات جديدة[96]، فإنّ تحسّن الوضعية الإنسانية يخضع أيضا لهذا الناموس الحضاري.
لا جدال في أنّ تيزيني كان على وعي تام بقيمة هذه الخلاصة التاريخية والنظرية، لذلك أقام ربطا ضمنيا بين التّحصيل المنهجيّ والمعرفيّ واكتساب قدرات نقدية تتيح للعقل العربي سبل المراجعات العميقة. وقد تنوّعت المراجعات التي أنجزها تيزيني ويمكن اختزالها في مراجعات امتدّت للمصادر الأساسية للثقافة الإسلامية مثل الإسلام والقرآن الكريم، ومراجعات فكرية من خلال بعض الأمثلة للفكر العربي المعاصر والراهن. إلى جانب مراجعات ذاتية تهمّ فكر تيزيني ومواقفه الخاصّة.
ج- مراجعات المصادر الأساسية للثقافة الإسلامية:
لقد كان من السهل على تيزيني مجاراة التيار الذي يزدري الدين عامة والإسلام خاصّة باعتباره لا يعدو أن يكون في نظرهم “أفيونا للشعوب” مثلما ترسّخ في المدوّنة الماركسية. غير أنّه خيّر مغالبة هذا التيار يقينا منه بأنّ حرمان أمّة ما أو ثقافة معيّنة من فرص الاستفادة من تراثها جناية خطيرة لا تقلّ عدمية أو عبثية عن التصوّرات الوثوقية الدغمائية.
أعاد تيزيني قراءة تاريخ الإسلام ضمن تلك الحدود المنهجية التي رسمها من أجل أن يتصالج الإنسان العربي مع تاريخه فخلص إلى أنّ الإسلام المحمدي لم يخض صراعه مع الواقع السائد في عصره على أساس صراع الطبقات أو المصالح بقدر ما كان صراعا على القيم وأوجه تشكيل الوعي وصياغته[97]. وهذا يتطابق مع قناعات تيزيني في استحالة تحقيق تغيّر في منزلة الإنسان العربي حضارته دون إعادة تشكيل وعيه. ومن ثمّة فإنّ مسألة تغيير الوعي مسألة ذات أولوية قصوى في سلم إعادة بناء الإنسان العربي[98].
وقد أثبتت بعض الدراسات الحديثة التي اعتمدت مقاربات أخرى في دراسة الإسلام مثل المقاربة اللسانية والدلالية التي أنجزها الباحث الياباني ايزوتسو أنّ الإسلام قد بذل جهدا نظريا كبيرا لإضفاء معان جديدة على ما كان سائدا في مرحلة ما قبل الإسلام. وهو ما ساعده على إحداث تحوّل عميق في الجزيرة العربية وفي تاريخ الأديان السماوية ككلّ[99].
لقد ساعد التحليل الاجتماعي الذي أنتهجه تيزيني في قراءة الإسلام من التوّصل إلى قراءة جدلية تاريخية أكثر دقّة للنصّ القرآني، وهو ما مكّنه من النفاذ إلى بنيته العميقة وأغراضه البعيدة[100]. فقد دعا إلى اعتماد تلك النوعية من القراءة في تدبّر النصّ القرآني لتجاوز مخاطر التلاعبات التأويلية والتوجّهات التحريفية التي تروم أدلجة الدين واحتكار تأويله من أجل إحكام سيطرتها على مجال حيوي خطير مثل المجال الديني الذي لم تنجح مؤسّساته الدينية المتكاثرة في إنتاج خطاب إنساني يقطع مع كلّ أشكال التنميط والوصاية.
ولا يبحث تيزيني عن مبرّرات في اعتماده للقراءة الجدلية التاريخية للنصّ القرآني. وإنّما ينبّه إلى أنّ القرآن الكريم قد أعطى إشارات انطلاق ذلك النقد من خلال إقراره بوجود محكمات ومتشابهات وناسخ ومنسوخ… وقد اشتغلّ علماء الأصول على هذه المسائل ضمن أبواب العام والخاص والمطلق والمقيّد والمجاز والحقيقة، وابتداع آلية الجرح التعديل استنادا إلى القاعدة الأصولية الشهيرة “لا ينكر تغيّر الأصول بتغيّر الزمان”[101].
لقد كان غرض تيزيني الأساسي من هذه المراجعات التي شملت الإسلام وتاريخه ونصّه المؤسّس لحضارته إيجاد “أرضية مشتركة تجمع بين فكر النهضة العربية المبنية على المنطق وتلك المبنية على التراث الإسلامي”[102].
شملت المراجعات التي دعا إليها تيزيني وباشرها مستويين آخرين:
- مراجعة أهمّ المشاريع الفكرية في الساحة الثقافية العربية: حاز مشروع الجابري نصيبا غالبا من اهتمامات تيزيني سواء ضمن سجاله الفكري المبثوث في عديد المؤلّفات أو بتخصيصه كتابا كاملا لمناقشته أبعاد مشروع الجابري ضمن ما سماه تيزيني “من الاستشراق الغربي إلى الاستعراب المغربي”[103].
ولعلّ من الطريف في هذا السياق أنّ تيزيني لم ينقطع عن الاهتمام بالجابري حتّى بعد مماته. إذ فاجأ تيزيني قرّاءه، في حوار أجري معه سنة 2017، بتغيير موقفه من الجابري وفكره. إذ أشار تيزيني إلى أنّ الجابري راوغه ورواغ كلّ المطّلعين على مشروعه بما أنّه كان يخفي “إسلاميته” –على خلاف ما كان يظهره- من ميولات للمدرسة الاستشراقية[104].
لئن كنّا غير معنيين في هذا السياق بمناقشة مدى وجاهة هذه المراجعة العجيبة التي أنجزها تيزيني بخصوص موقفه من فكر الجابري، فإنّه يجدر بنا الإشارة إلى أنّ تيزيني لم يبرّر أو يبرهن على أسباب هذا التغيير الجذري أو الاتقلاب الكلّي في موقفه من الجابري. إذ اكتفى بعموميات تخصّ ميل أغلب المفكّرين العرب في آخر مسيرتهم الفكرية إلى توقير الجانب الغيبي والانغماس فيه إلى حدّ يشبه “التوبة”.
- مستوى المراجعات الذاتية: أنجز تيزيني مراجعات لمشروعه الفكري. وهي مراجعات هامّة ومتنوّعة شملت تحوير المفاهيم والرؤية الموجّهة لها. ففي هذا الصدد اكتشف تيزيني أنّ مفهوم الثورة الذي اعتمده في قراءته للتراث[105] مفهوم مضلّل وخطير ولا يناسب الحالة العربية التي تحتاج إلى تظافر جهود كلّ الطبقات بما فيها البرجوازية العربية لتجاوز مفاسد التخلّف. لذلك غير ذلك المفهوم بمفهوم النهضة[106] الذي يعدّ قاسما مشتركا بين جميع الاتّجاهات العربية باعتبار النهضة رهانا أساسيا ينبغي تحقيقه.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ تيزيني لم ينقطع عن مراجعاته رغم تقدّمه في السنّ والظروف العصيبة التي مرّت بها سوريا عقب ما يعرف بالربيع العربي، فإنّه يمكن القول أنّ تيزيني قدّم مثالا حيّا على قدرة الإنسان العربي على التحرّر من الوصاية والانخراط الجاد في مسيرة حياة فاعلة حافلة بالعطاء والتجدّد والحيوية.
ج-العقلانية والعلمانية والديمقراطية: يمكّن اكتساب الفكر النقدي من توفير بيئة ملائمة لازدهار الحركة التنويرية والنزعة العقلانية ما يسهم في نشأة مواطن حقيقي فاعل في محيطه الاجتماعي فيعمل على ترسيخ دولة القانون والمؤسّسات.
ولئن بدا تأثر تيزيني واضحا بمسيرة الغرب الحضارية التي انطلقت من الإصلاح الديني[107] وتواصلت مع حركة التنوير والنهضة والثورات العلمية والصناعية[108]، فإنّ ما هو ثابت كذلك أنّ رؤيته المنهجية الواضحة قادته إلى تبيّن مسالك تحرير الإنسان العربي وتحقيق النهضة المأمولة.
أشار تيزيني في هذا المضمار إلى وجود ثلاثة مداخل أساسية لتحقيق الرهانات المأمولة. وهي العقلانية وما تعنيه من حركة تنوير نشيطة، والعلمانية بصفتها توجّها فكريا له تجاربه التاريخية التي تثبته، والديمقراطية بصفتها “ضرورة أخلاقية” آلية حكم قادرة على إيقاف مسار الاستبداد الذي طال كثيرا واستنفد طاقات الإنسان العربي وقدراته[109].
لقد سبق لنا في العنصر المخصّص لعوامل إعاقة الإنسان العربي ونكوصه من هذه الورقة البحثية الإشارة إلى أنّ تيزيني تحدّث عن الديمقراطية المنقوصة أو المشوّهة في بعض البلدان العربية التي ادّعت بتحوّلها من دولة شمولية إلى تجربه ديمقراطية. لذا فإنّ ربط تيزيني بين التنوير والعقلانية والعلمانية والديمقراطية يعدّ ربطا محكما. يثبت من خلاله أنّ الديمقراطية ليست صناديق اقتراع أو انتخابات نزيهة فقط، وإنّما سيرورة تحوّل عميق على حدّ سواء. فدون هذه الشروط تتحوّل الديمقراطية إلى استعراض شكلي فارغ بلا محتوى أو مضامين.
يلتقي تيزيني في تفريقه بين الديمقراطية الشكلانية أو الأداتية والديمقراطية الحقيقية[110] مع تصوّرات جورج طرابيشي الذي لخّص بعبارته الوجيزة هذا الموقف حين بيّن أنّ “الديمقراطية في جمجمة الرأس وليس في صندوق الاقتراع”.
يعتقد تيزيني أنّ تحصين المجتمع العربي من الفتن الطائفية لا يمكن أن يحدث إلاّ بترسيخ العلمانية بصفتها خيارا استراتيجيا لا يجب تأجيله أو التغاضي عنه.
ينبّه في هذا الصدّد إلى المغالطات التي لحقت مفهوم العلمانية في الخطاب العربي. إذ يسود اعتقاد تبسيطي يحصرها في فصل الدين عن الدولة أو يعدّها بديلا عن الدين في ظلّ شيوع عبارات من قبيل “الدين العلماني”[111]. لذلك حرص تيزيني على تبديد هذه الخيالات المعرفية الزائفة بتوضيحه المتمثّل في عدّ العلمانية بديلا لما سماه بـ “الدين السياسي أو الدين المسيّس”[112].
ولا شكّ في أنّ تيزيني يعني بذلك مقاربات بعض الحركات الإسلاموية التي حوّلت الدين إلى أيديولوجيا سياسية، بل أحيانا أيديولوجيا جهادية قتالية[113].
عمل تيزيني على تدقيق معنى العلمانية وكشفها بالقول: “إنّ العلمانية أكثر من أن تختزل وتلخّص بفصل الدين عن الدولة. فهي منظومة من الأفكار والقيم التي تجمع على النظر إلى العالم دنيويا ومن منظور تداولي تغيّري إنساني. ومن ثمة فهي رؤية فكرية تنطلق من الإنسان المتفرّد والمجتمع وتفضي إليه ضمن علاقة حميمة تفاعلية وفاعلة مع الكون برمته[114].
لئن أحكم تيزيني في الشاهد المذكور آنفا صياغة تعريف دقيق للعلمانية جنّبها آفة التحديدات التبسيطية الشائعة، فإنّ المسألة أكبر من أن تنحصر في تحديد مفهومها. إذ ثبت تاريخيا أنّ الدعوة إلى العلمانية ومرادفاتها لم تنقطع في الفكر العربي منذ جهود شبلي شميل وفرح أنطون وسلامة موسى وغيرهم. بيد أنّ أسباب انتكاستها واتّساع رقعة نفوذ الأصولية و”التمامية”[115] تكمن في أنّ الثقافة العربية لم “تعقلن” تعاملها مع تراثها وهويّتها. إضافة إلى التطبيقات المشوّهة التي قامت بها بعض الأنظمة المحسوبة على العلمانية سواء أكانت أنظمة قومية أم أنظمة قطرية، إذ تواصلت قبضة الدولة الأمنية والممارسات الاستبدادية مثل الرئاسة مدى الحياة بتونس في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وتذرية المجتمع المدني بخلق كيانات موالية للسلطة من جمعيات ونقابات وغيرها مثلما حدث بتونس ومصر في عهدي الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وحسني مبارك أو بمحاولة توريث الحكم للأبناء ضمن ما بات يعرف بالنظام “الجملوكي”[116] مثلما حصل في سوريا في عهد الرئيس حافظ الأسد…
يثبت هذا كلّه أنّ العالم العربي مازال لم يدخل في مراجعات عميقة جادّة تعدّ شرطا أوّل لتحرير الإنسان وبناء الحضارة ونماء العمران[117]…
د-تجاوز التزييف الأيديولوجي: يعدّ هذا الشرط امتدادا لبقية الشروط المذكورة سابقا، إذ أنّ التفطّن للتلاعبات الأيديولوجية لا يمكن أن يتمّ إلاّ في ظلّ أرضية معرفية صلبة متينة وفي إطار عقلاني ديمقراطي يكفل حقّ الاختلاف والمعارضة.
إنّ الايديولوجيا سواء كانت هوياتية أو برامجية أو جزئية أو كلّية[118] تظلّ خطرا يعيق اكتشاف الحقائق وفرزها عن الأباطيل لأنّها بطبيعتها تهدف إلى توجيه الخصوم والمتقبّلين بصفة عامة إلى وجهة محدّدة تتوافق مع مصالح الطبقة أو المجموعة التي تدافع عنها وتروّج لها. ومن ثمّة فهي قد تلتبس بالمعرفة إلى حدّ يصعب معه الفصل بينهما فصلا واضحا لا مرية فيه.
ينبّه تيزيني إلى مخاطر الأيديولوجيا المغلّفة في قوالب معرفية أو إنسانوية على تشكّل الوعي الفردي والذائقة الجماعية والرأي العام. ويقدّم على ذلك عديد الأمثلة التي تثبت كلّها حجم الاختراق الثقافي والتنويم الأيديولوجي الذي تقوم به جهات متعدّدة متوزّعة بين الداخل والخارج، ويجمعها هدف واحد يتمثّل في إرادة السيطرة وإحكام الهيمنة على مقدرات العالم العربي. وقد برزت في هذا الصدد المركزية الثقافية الغربية بأذرعها الطويلة ووسائلها الكثيرة، ومنها الاستشراق والوسائط الإعلامية والإخبارية المتعدّدة.
يشير تيزيني إلى أنّ كثيرا ممّا يروّجه الخطاب العربي المعاصر يحتوي على مغالطات وأضاليل. فقد شاع، مثلا، في فترة ما الحديث عمّا يعرف بفلسفة الأمل بصفتها طريقا لخلاص الإنسان العربي من الأزمة التي يعيشها جرّاء توالي النكسات. فيعمد تيزيني إلى فضح هشاشة ذلك التصوّر وزيفه باعتبار أنّ تلك الفلسفة المنسوبة إلى الألماني أرنست بلوخ E. Bloch بعد صياغته لفكرتها في كتابه “المبدأ الأمل” في ثلاث مجلّدات بين سنوات 1954-1959 تشكّلت في واقع أوروبي خاصّ بها ومغاير تماما للواقع العربي[119].
إنّ جوهر فكرة التحرّر في فلسفة الأمل تقوم على الخلاص: خلاص “الإنسان الكلّي”[120]. إذ تصنّف التاريخ الإنساني إلى مرحلتين كبيرتين: مرحلة أولى تحيل على ما قبل التاريخ التي تشمل جميع النظم الاجتماعية والاستغلالية. ومرحلة التاريخ الإنساني الحقيقي الذي ينطلق من المجتمع الاشتراكي حسب زعمها[121].
وبهذا المعنى فإنّ الثورة تعني أساسا التمرّد على علاقات الإنتاج الاجتماعية القائمة في المجتمع، وذلك باستبدالها بعلاقات أخرى جديدة “نوعيا”، تختزن إمكانية تحقيق المثل الأعلى أو الأمل المطروح في مرحلة الانتقال من القديم إلى الجديد[122].
تكشف مناقشات تيزيني لفلسفة الأمل قدراته النقدية التي طوّع فيها إتقانه للغة الألمانية واطّلاعه العميق على الثقافة الغربية والواقع الذي صاغها للنفاذ إلى جوهر المسائل ولبّها بدل الانبهار بسطحيتها وأغلفتها. وقد مكّنته هذه الميّزة من تجاوز التلاعبات الأيديولوجية والجرأة على تقديم رؤية جديدة للفكر العربي[123].
يدعو تيزيني في هذا المضمار إلى العودة إلى صوفية الغزالي بدل الافتتان بإنسانوية أرنست بلوخ، ذلك أنّ فلسفة الغزالي وتجربته الصّوفية أكثر استجابة لاحتياجات الإنسان العربي، ولواقعه بحكم انسجامها مع المجال التداولي العربي الإسلامي ومنظومته المعرفية[124].
أعاد تيزيني اكتشاف الذات العربية من خلال إعادة قراءة التراث رفضا للتصنيفات النمطية التي صاغتها الأيديولوجيا الامبريالية بآليتها الاستشراقية، فنظر مثلا إلى التصوّف الإسلامي بصفته استجابة لأشواق الحرية والعشق. وملأ الفراغات التي لم يستطع الخطاب الديني التقليدي الذي يحتكره الفقهاء والقضاة والأئمة وما شاكلهم[125].
يذكّر تيزيني بنقطة مهمّة في سبيل إعادة تفهّم الفكر العربي وتجاوز التضليل الأيديولوجي، نعني ظرفية نشأة الفلسفة العربية، إذ نشأت في “تواصل” مع الدين وليس في قطيعة معه مثلما هو شأن الفلسفة الاغريقية[126].
بحث تيزيني عن مميّزات الثقافة العربية في العصر الوسيط، فخلص إلى أنّ ما يميّز الفكر العربي في تلك الحقبة هو انصهار صفة العالم والفيلسوف في شخصيات العديد من حملة الثقافة العربية مثل ابن خلدون وجابر بن حيان والبيروني وابن سينا والرازي والجاحظ والزمخشري وإخوان الصفا وابن باجة وابن طفيل وابن رشد[127].
يؤكّد تيزيني أنّ أولئك العلماء وغيرهم حاولوا فهم المجتمع الإنساني والطبيعة ضمن وجودهما الخاص فبحثوا عن معقوليتهما ضمن نواميسهما الخاصّة بهما[128]. فمثلا ذهب ابن رشد وابن سينا إلى أنّ العالم الطبيعي خالد تماما كالإله، وأنّ الإله يمثّل عقل العالم. فهو يوجد في العالم وليس خارجه[129]. بينما تجاوز ابن خلدون الاتّجاهين السائدين في عصره. وهما الاتّجاه المادي الميكانيكي والاتّجاه المادي الغيبي بإثباته أنّ العمل الإنساني أساس الحياة الاجتماعية. لذا فإنّ التاريخ من صنع الناس الاجتماعيين[130]. في حين ذهب ابن رشد إلى القول بالعقل “الفعّال” الذي هو أعدل الأشياء قسمة بين الناس[131].
نخلص من كلّ ما تقدّم، إلى أنّ تيزيني يدعو الإنسان العربي إلى تحصين نفسه بتخليص وعيه من الأيديولوجيات التضليلية، والدخول في حوار مع الذات بغية تصحيح مساراتها والاستفادة من خيبات الماضي القريب والبعيد قبل الدخول في حوار خارجي غير متكافئ مع الآخر[132].
كان وعي تيزيني كبيرا بأنّ العيش في عالم متغيّر تتفاوت أممه وشعوبه في حجم قواها يفرز حتما علاقات غالب بمغلوب أو مركز بهامش. وهو التفاوت توسّع مع العولمة[133] في ظلّ تطوّر الوسائل الإعلامية والاتّصالية المذهل. لذا فإنّ التصدّي للتزييف الأيديولوجي والتلاعب بالعقول لا يمكن أن يحصل إلاّ بتحصين الذات واكتساب آليات نقدية تمكّن الفكر العربي الإسلامي من التفاعل الخلاّق مع الحضارة الإنسانية الراهنة.
وصفوة القول، يجوز الاطمئنان إلى خلاصة مفادها أنّه مهما يكنْ من تعدّد ضوابط تحرير الإنسان العربي في فكر تيزيني، فإنّها ظلّت كلّها متجمّعة حول نواة أساسية متمثّلة في الشرط المعرفي والمنهجي. فدون تجاوز ذلك القصور المعرفي والمنهجي لا يمكن إنجاز مراجعات ذاتية وفكرية. ومن ثمة، لا يمكن أن ينشأ تيار عقلاني قادر على ترسيخ الديمقراطية وانتهاج العلمانية والتصدّي للتزييف الأيديولوجي والغزو الثقافي…
وسنحاول في ختام هذه الورقة البحثية إنجاز قراءة نقدية لمجمل تصوّرات تيزيني في ما يخصّ مسألة تحرير الإنسان مستفيدين ممّا وفرته عناصر التحليل السابقة من نتائج جزئية.
-
حدود تصوّرات تيزيني في ما يخصّ تحرير الإنسان العربي:
سبق لنا في ما تقدّم من تحليل إبداء رأينا في تصوّرات تيزيني كلّما كان ذلك مفيدا، سواء بتدعيم فكرة أو مراجعتها. ولما كان سياق التّحليل والتفكيك أضيق من أن لا يتّسع لتفصيل تلك الملاحظات التقييمية وإعادة ترتيبها بما يضفي عليها قدرا مقبولا من الدقّة، فقد اخترنا ختم عملنا بتقديم رؤية نقدية لمشروع تيزيني في ما يهمّ إشكالية تحرير الإنسان العربي.
انطلاقا من ذلك سنسعى إلى تبويب أهمّ الملاحظات التقييمية ضمن مستويين: مستوى نظريّ ومستوى ممارساتي.
أ-في مستوى النظرية:
لا جدال في أنّ تيزيني من المفكّرين العرب القلائل الذين أولوا الجانب النظري في أعمالهم قيمة كبرى. وقد تجاوز في ذلك تخصّصه الفلسفي باطّلاعه على مناهج العلوم التجريبية والصحيحة مثل الفيزياء[134]، لأجل إثبات العلاقة “التضايفية” أي الجدلية بين مختلف العلوم[135].
وقد بحث في تلك العلاقة من منطلق أنّ علم المناهج العام(الميتودولوجيا) والمناهج الخاصّة بكلّ علم على حدّة تتقاطع جدليا في ما بينها، وهو ما يؤكّد وجود علاقات تأثّر وتأثير بينهما.
ويقدّم تيزيني على ذلك مثالين يهمّان علم الاجتماع والفيزياء. فعالم الاجتماع أو عالم الفيزياء ينطلق من “الافتراضات البنّاءة” والملاحظات العلمية وغيرهما. وهو نفس التمشّي المعتمد في بقية العلوم والفلسفة[136].
ويخلص تيزيني من ذلك إلى الإقرار بأنّ “كلّ نشاط معرفي يرى موضوع بحثه في الوجود المادي وما ينحدر منه ويتداخل فيه وينعكس عنه من عوالم نفسية وفكرية لا بدّ أن ينطلق من استخدام عناصر وحلقات كبرى مشتركة على صعيد عملية التنهيج التاريخي”[137].
لا يمكن عدّ طرح تيزيني للمسألة المنهجية ترفا فكريا أو لغوا يراد به إشباع غرور أكاديمي بقدر ما كان منزّلا ضمن صميم القضايا الحيوية الخطيرة بالنسبة إلى الفكر العربي[138]. فلا شكّ أن تجاوز القصور المعرفي والمنهجي أساس كلّ تحوّل جذري عميق. وإذا كان التساؤل مشروعا في هذا الصدد عن مدى صلة هذا الأمر بإشكالية تحرير الإنسان العربي، فإنّ الإجابة عن ذلك ليست صعبة إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ الإنسان/ العالم المنتمي للنخبة الفكرية معنيّ أكثر من غيره بالسّعي إلى تحقيق النهضة العربية المأمولة. فإذا لم يتحرّر المثقف العربي من الوصاية الأيديولوجية التي يعيشها بفعل قصوره المعرفي والمنهجي، فإنّ بقية المجتمع أعجز من أن يفكّ قيد الجهل والخرافة.
لئن اهتمّ تيزيني بجلّ المجالات التي يتحرّك في مدارها الإنسان العربي داخليا وخارجيا من الفكر والثقافة إلى الاقتصاد والسياسة[139]، فإنّه لم ينجح في صياغة نظرية تضبط بدقّة محدّدات النزعة الإنسانية في المجال التداولي العربي الإسلامي. ويعود هذا في نظرنا إلى عديد الأسباب المركّبة. ومنها مثلا أنّ تيزيني قصّر في نحت مفاهيم خاصّة بتصوّراته الفكرية، إذ ظلّ يردّد في جلّ أعماله مفاهيم مستهلكة في الخطاب العربي المعاصر، وتكاد تكون منقولة نقلا حرفيا من الثقافة الغربية والمدوّنة الماركسية تحديدا. ويمكن أن نذكر على سبيل التّمثيل مفاهيم الجدلية والمادية التاريخية والمنهج الجدلي والتاريخانية والصبغة التاريخية والعمل الاجتماعي…إلخ. بينما كان من المفروض أن ينتهج مقاربة تأثيلية لاستنباط مفاهيم منسجمة مع رؤيته المنهجية وتجد في المجال التداولي العربي الإسلامي ما يسوّغها مثلما فعل المفكّر المغربي طه عبد الرحمن[140] الذي ابتكر في هذا المجال ما يمكن وصفه بالمعجم “الطاهائي” الذي يتساوق مع النسق المعرفي الذي يتحرّك فيه اعتمادا على مفاهيم “التكوثر العقلي”[141] و”الائتمانية”[142] و”الدهرانية” و”العقل المؤيّد”[143]….
كما لا يجب الذهول عن تأثير غياب الفكر المؤسّساتي الذي يعدّ في نظرنا من عناصر تهافت مشروع تيزيني. فعلى الرغم من تأثير تيزيني البيّن في شريحة واسعة من الباحثين العرب، فإنّ مشروعه ظلّ اجتهادا فرديا ولم يتطوّر إلى عمل جماعي ضمن مؤسّسات بحثية فاعلة مؤثّرة في محيطها الثقافي والاجتماعي مثلما هو معمول به في المراكز البحثية والاستراتيجية الغربية التي تعمل بنظام التقارير العلمية التي يعدّها مختصون ينتمون إلى تخصّصات علمية متكاملة في ما بينها. وهو ما يمكّنها من مراكمة الخبرات وتنميتها.
ولا مراء في أنّ غياب السلطة المستنيرة في عالمنا العربي وارتباط المساعدات المادية والهبات المخصّصة للثقافة والبحث العلمي بالولاء السياسي كانت من أسباب انحصار مشروع تيزيني في زاوية الاجتهاد الفردي. فقد مرّت بنا دعوة الرجل إلى تأسيس مرصد دولي للبحوث المقارنة تتوزّع فروعه على مختلف بلدان العالم. وهذا يعني أنّ تيزيني كان ينظر إلى إشكاليات الإنسان العربي ضمن قضايا الإنسان ومصيره بصفة كونية. فقد أدرك ما سبّبته الامبريالية والرأسمالية “المتوحّشة” من ويلات للإنسان لدرجة أنّها ظلمت استعداداته المعنوية والروحية وحصرتها في بعد واحد مثلما أشار إلى ذلك ماركيز Marcuse في ما سمّاه بـ”الإنسان ذو البعد الواحد”[144] وصاغه زيغمونت باومان Bauman في مفهوم “السيولة”[145].
ولعلّه لتلك الأسباب وغيرها لم يرتق تنظير تيزيني لمسألة تحرير الإنسان إلى مستوى التنظيرات الغربية التي ألمحنا إليها في القسم التأطيري من هذه الورقة العلمية حين أشرنا إلى تجارب عديد المفكّرين والفلاسفة الغربيين وإسهامهم في تطوير النزعة الإنسانية في الثقافة العربية أمثال إرازم وسادولي وفيفس وغيرهم[146].
ب-في مستوى الممارسة:
لا نبالغ إذا ما قلنا إنّ اختيار مؤسّسة كونكورديا الفلسفية الألمانية الفرنسية لتيزيني سنة 1998 ضمن قائمة أفضل مفكّري العالم[147]… قد ارتكز أساسا على التأثير الذي تركه فكر تيزيني في العالم سواء من خلال مؤلّفاته المتتالية أو المؤتمرات والملتقيات الدولية التي كان يؤمّها[148].
يمكن تتبّع صدى ممارسات تيزيني انطلاقا من زاويتين مهمّتين: تتعلّق الزاوية الأولى بما سجلناه في القسم الثالث من هذه الورقة البحثية حينما كشفنا ممارسة تيزيني للنقد البنّاء سواء ما تعلّق منه بالتاريخ الإسلامي أو بالعلامات المؤسّسة للثقافة الإسلامية، بل أكثر من ذلك، فقد باشر مراجعات ذاتية عميقة لفكره قادته إلى الاستعاضة عن مفهوم الثورة بمفهوم النهضة. كما غيّر موقفه من الجابري تغييرا كلّيا لدرجة أنّه أعاد تصنيفه ضمن دائرة الباحثين الإسلاميين بدل الباحثين الواقعين في شرك الاستشراق الغربي والمركزية الغربية[149]. وهذه المراجعات وغيرها إنّما تقع في دائرة الممارسات النقدية الجادّة التي لا يمكن أن يقدم عليها إلاّ مفكّر متشبّع بالروح العلمية، فلا يخشى التصحيحات والاعتراف بأخطائه التقييمية، من منطلق الإيمان بأنّ “الحقيقة لا يمكن أن تتحقّق على يد نظرية أو منهجية على نحو كلّي ومطلق أوّلا”[150]، مثلما خلص إلى ذلك تيزيني في توضيحاته المنهجية.
أمّا الزاوية الثانية فتهمّ النشاط الحقوقي لتيزيني. فقد انتخب عام 1997 ضمن لجنة الدفاع عن الحريات في الوطن العربي. وساهم منذ عام 2004 في تأسيس المنظّمة السورية لحقوق الإنسان(سواسية). وشغل منصب مجلس إدارتها[151].
وعندما اندلعت الثورة السورية كان تيزيني في مقدّمة المتظاهرين أمام وزارة الداخلية السورية يوم 16 أذار 2011 مطالبا بإطلاق سراح المعتقلين فتمّت إهانته، من قبل القوات الأمنية السورية. ولم يقع احترام فكره ولا شيخوخته[152]…
كما عرف تيزيني في تلك الأحداث الدامية السورية بترديد عبارته الشهيرة التي مفادها أنّه “في العالم يوجد فساد في الدولة. أمّا في سوريا فتوجد دولة فساد”[153].
كان من الممكن أن تتخذ ممارسات تيزيني حجما أكبر خاصّة بعد اندلاع الثورة السورية، إلاّ أنّ أسبابا متعدّدة أشرنا إلى بعضها في عنصر التقييم النظري، إضافة إلى “عسكرة” الثورة السورية وتمدّد الحركات الأصولية وبروز ما يعرف بـتنظيم “داعش”، قد حكم على تيزيني بالانحصار في دائرة ضيّقة لدرجة أنّ عدد مشيّعي جنازته لم يتجاوز الخمسين نفرا. وهي حالة ليست معزولة عن السياق العربي باعتبارها تعكس معاناة المفكّرين العرب في دول متخلّفة أشبه ما تكون بالمستعمرات التي تدار من وراء البحار عبر وكلاء محلّيين. وزاد جهل النخبة المركّب وغوغائية المجتمع الطين بلة. وهي كلّها مؤشّرات سلبية ترسم سيناريوهات مخيفة لمستقبل العالم العربي مثلما أشار إلى ذلك طرابيشي أيضا حينما حذّر من عصور مظلمة جديدة ستغرق العالم العربي في ظلام الجهل المقدّس والتعصّب[154].
خاتمة:
تميّزت مقاربة تيزيني لمسألة تحرير الإنسان بالثراء والتنوّع سواء في مستوى الآليات المعتمدة أو المواضيع المطروحة أو البدائل المقترحة. وقد كانت النزعة النقدية السمة البارزة لمشروع تيزيني في ما يخصّ تحرير الإنسان العربي، إذ تخلّلت جميع تمثّلاته ومواقفه من التراث العربي والمركزية الثقافية الغربية بمجالاتها المتعددة داخليا وخارجيا، بل في مستوى تعامله مع مشروعه الفكري نفسه.
وقد أثبت كلّ ذلك القيمة المضافة لفكر تيزيني ورؤيته الاستشرافية لمستقبل العالم العربي حينما جذّر مبكّرا من “الانفجار القادم”. فدعا إلى تأسيس مرصد دوليّ للأبحاث المقارنة له فروع بمختلف دول العالم لتجاوز التصوّرات النمطيّة، ومأسسة التفاعل الثقافي، وترسيخ ميثاق للتعايش المشترك والاحترام المتبادل بين مختلف شعوب العالم وثقافاته. وهي دعوة قابلة للمتابعة والتنفيذ حتّى بعد رحيل تيزيني عن هذا العالم، إذ تكتسب راهنيتها ومشروعيتها من تصاعد الكراهية ونزعات العنف الطائفي والمذهبي والأيديولوجي وانخرام السّلم الدولي.
[1] – جلال الدين سعيد، معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية ط1، (تونس، دار الجنوب للنشر، 1994).
[2]– علي الغيضاوي، الإحساس بالزمان في الشعر العربي من الأصول حتّى نهاية القرن الثاني للهجرة، ط1، (منشورات كلية الآداب بمنوبة، 2001)، ص352.
[3]– مبروك المناعي، الشعر والمال بحث في آليات الإبداع الشعري عند العرب من الجاهلية إلى نهاية القرن الثالث للهجرة، (بيروت/تونس، دار الغرب الإسلامي/ كلية الآداب بمنوبة، 1998)، 775ص.
[4]-راجع الآية 72 من سورة الأحزاب:”إنا عرضنا الأمانة…”.
[5] -راجع جورج طرابيشي، من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث النشأة المستأنفة، ط1، (دار الساقي، 2010)، ص183.
[6] -عبد الوهاب بوحديبة، الإنسان في الإسلام، ط1، (دار الجنوب للنشر، 2007)، ص42.
[7] -محمد أركون، نزعة الأنسنة في الفكر العربي جيل التوحيدي ومسكوية، (بيروت، دار الساقي، 1997)، ص17.
[8] -كمال عمران، الإبرام والنقض في الثقافة الإسلامية، ط1، (الدار التونسية للنشر، 1992)، ص48.
[9] – جورج طرابيشي، المعجزة أو سبات العقل في الإسلام، ط1، (ببروت، دار الساقي/ رابطة العقلانيين العرب، 2008)، ص183.
[10]– شكيب أرسلان، لماذا تأخّر المسلمون ولماذا تقدّم غيرهم؟، مراجعة حسن تميم، (بيروت، دار مكتبة الحياة)، 167ص.
[11]-Tlili Béchir : Les rapports culturels et téologiques entre l’orient et l’occident en Tunisie au XIX siècle (1830-1880), (publication de l’université de Tunis,1974).
[12] – نجد في ما حبره الأفغاني وعبده خير أمثلة.
[13] – يعدّ الطهطاوي وخير الدن التونسي من ممثّلي هذا التيار.
[14] -مثلا سلامة موسى وطه حسين.
[15] -وهو ما جسده جورج طرابيشي وحتى تيزيني إلى حدّ ما.
[16] -صادق جلال العظم، النقد الذاتي بعد الهزيمة، ط1، (دمشق، دار ممدوح عدوان للنشر، 1968)، ص10.
[17] – داريوش شايغان، أوهام الهوية، ترجمة محمد علي مقلّد، ط2، (بيروت، دار الساقي، 1993)، 152ص.
[18] – عبد الإله بلقزيز، العرب والحداثة دراسة في مقالات الحداثيين، ط1، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2008)، ص56.
[19] – عبد الرحمان الكواكبي، الأعمال الكاملة، تحقيق محمد جمال طحّان، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1995)، ص579.
[20] – إتيان دو لا بويسي، مفالة العبودية الطوعية، ترجمة عبود كاسوحة، ط1، (بيروت، المنظّمة العربية للترجمة، 2008)، ص189.
[21] – عبد الله العروي، مفهوم الحرية، ط5، (بيروت/الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 1998)، ص100.
[22] – طيّب تيزيني، على طريق الوضوح المنهجي كتابات في الفلسفة والفكر العربي، ط1، (بيروت، دار الفارابي، 1989)، ص5.
[23] – طيّب تيزيني، في السجال الفكري الراهن حول بعض قضايا التراث العربي منهحا وتطبيقا، ط1، (بيروت، دار الفكر العربي، 1989)، ص25.
[24] – هارلمبس وهولبورن، سوسيولوجيا الثقافة والهوية، ترجمة حاتم حميد محسن، ط1، (دمشق، دار كيوان، 2010)، ص8-9.
[25] – كليفورد غيرتز، تأويل الثقافات، ترجمة محمد بدوي، ط1، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2009)، ص51.
[26]-Raleph Linton, Le fondement culturel de la personnalité, (édition Larousse, Paris, 1953), p:25.
[27] – عبد الباسط الغابري، صوت الطالب الزيتوني حركة ثقافية سياسية، ط1، (تونس، مركز النشر الجامعي، 2011)، ص64.
[28] – كمال عمران، مظاهر من التجريب والتجريد في الثقافة الإسلامية، ط1، (تونس، الدار التونسية للنشر، 1996)، ص15.
[29] – طيّب تيزيني، الإسلام والعصر تحدّيات وآفاق (حوارات مع محمد سعيد البوطي)، ط2، (دمشق، دار الفكر، 1999)، ص79.
[30] – تيزيني، الإسلام…، ص ن.
[31] – تيزيني، الإسلام…، ص 90.
[32] – تيزيني، الإسلام…، ص 88.
[33] – تيزيني، الإسلام…، صص 88-90.
[34] – راجع: سيد الحمداني وآخرون، بلاغة الخطاب التاريخي، ط1، (عمان، دار كنوز، 2018).
[35] –Cabel Joseph , Idéologie, Encyclopédia Universalis, (France, S/A, 1998).
[36] – تيزيني، في السجال الفكري، ص 5.
[37] -“الطيّب تيزيني المفكّر الذي حذر مبكّرا من الانفجار”، جريدة الشرق الأوسط، عدد 14782، 19/5/2019.
[38] – تيزيني، في السجال الفكري، ص21.
[39] – أوليفيه روا، الجهل المقدّس زمن دين بلا ثقافة، ترجمة صالح الأشتر، ط1، (بيروت، دار الساقي، 2012)، ص75.
[40] –تيزيني، على طريق الوضوح المنهجي، ص6.
[41] – اقترنت تاريخيا كلمة المثقف بقضية دريفوس Dreyfus الشهيرة. فارتبطت بمعنى الأصوات أو الجهات المعارضة للمألوف والسائد فهل المثقف العربي اليوم مازال خاضعا لهذا المعنى؟ راجع علي الصالح مولى، “هل من حاجة اليوم إلى مثقف هووي؟ مجلّة تبيّن، العدد13.
[42] – تيزيني، الوضوح المنهجي…، صص189-197.
[43] – م ن، صن.
[44] — جورج طرابيشي، من النهضة إلى الردّة تمزّقات الثقافة العربية في عصر العولمة، (بيروت، دار الساقي، 2000)، ص78.
[45] – انظر مراجعات نزيه الأيوبي، العرب ومشكلة الدولة، (بيروت، دار الساقي، 1992)، 158ص.
[46] – تيزيني، الوضوح المنهجي…، ص197.
[47] – أشار طه عبد الرحمن إلى أنّ المشكلة المنهجية من المشاكل العميقة عند الحركات الإسلامية ومن يسمون ب”العقلانيين العرب” كذلك. راجع طه عبد الرحمن، الحوار أفقا للفكر، ط1، (بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2013)، ص 120.
[48] – تيزيني، في السجال الفكري الراهن، ص69.
[49] – سنتعمّق في تحليل هذه النقطة في القسم المخصّص لتحرير الإنسان من هذه الورقة البحثية.
[50] – راجع على أوميل، الإصلاحية العربية والدولة الوطنية، (بيروت، دار التنوير، 1995)، 215ص
[51] – عبد الله العروي، مفهوم الدولة، ط7، (بيروت، المركز الثقافي العربي، 2001)، 173ص.
[52] -كمال عبد اللطيف، التأويل والمفارقة نحو تأصيل فلسفي للنظر السياسي العربي، (بيروت، المركز الثقافي العربي، 1987)، ص103.
[53] – تيزيني، في السجال الفكري الراهن، ص79.
[54] -م ن، صص185-190.
[55] -بيير بورديو وجون كلود باسرون، إعادة الإنتاج في سياق نظرية عامة لنسق التعليم، ترجمة ماهر تريمش، ط1، (مركز دراسات الوحدة العربية، 2007)، ص321.
[56] -عبد الباقي الهرماسي، المجتمع والدولة في المغرب العربي، ط1، (بيروت، مركظ دراسات الوحدة العربية، 1992)، ص 198.
[57] -تيزيني، الوضوح المنهجي…، ص35.
[58] -وهو ما يستنتج من إقرار تيزيني بعدم استفادة الثقافة العربية وتطوّرها من وجود الجامعات بالعالم العربي، م ن، ص35 وما يليها.
[59] -نذكر مثلا بالجامعة المصرية وما يمثّله لطفي السيّد وطه حسين من رمزية تأثير الفكر الغربي.
[60] -هاشم صالح، الانسداد التاريخي لماذا فشل مشروع التنوير في العالم العربي، ط1، (بيروت، دار الساقي، 2007)، 304ص.
[61] -راجع نقيب خلدون حسن، الدولة التسلّطية في المشرق العربي المعاصر، ط1، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1991).
[62] -تيزيني، من الاستشراق الغربي إلى الاستعراب المغربي، ص 69. وللإشارة فقد غيّرنا كلمة “بالتالي” بكلمة “ومن ثمّة” في هذا الشاهد انسجاما مع ضوابط التعبير في اللغة العربية.
[63] -عادل بلكحلة، الاعتداء على مناضلي حقوق الإنسان بالبلاد التونسية بحث في علم اجتماع الشرطة، (تونس، مجمع الأطرش، 2017)، ص11.
[64] -تيزيني، من الاستشراق الغربي، ص269.
[65] -م ن، ص270.
[66] –تيزيني، من الاستشراق الغربي، ص312.
[67] -م ن، ص314.
[68] -م ن، ص ن.
[69] -إدوارد سعيد، الاستشراق: المعرفة-السلطة-الإنشاء، تعريب كمال أبو ديب، (بيروت، مؤسّسة الأبحاث العربية، 1984)، 366ص
[70]-أفلاطون، الجمهورية، تعريب حنا خباز، (بيروت، جار القلم، د-ت).
[71]-سامر إسماعيل، “الطيّب تيزيني القاتل الذي أنتج داعش هو الغرب وتبعه الشرق”، حوار مع تيزيني، مجلة الفيصل، 1مارس 2017. راجع: www.alfaisal.mag.com
[72] -السيّد ولد آباه، أعلاك العقل العربي مدخل إلى خارطة الفكر العربي الراهنة، ط1، (بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2010)، 200ص.
[73] -تيزيني، الوضوح المنهجي، ص252.
[74] -م ن، ص181.
[75] -تيزيني، في السجال الفكري، ص28
[76] -م ن، ص30.
[77] -م ن، ص37.
[78] -م ن، ص ن.
[79] -عيسى جابلي، “طيّب تيزيني من التراث إلى النهضة”، مجلّة ذوات. نشر بموقع بيارق https//byariq.com بتاريخ 7/12/2018.
[80] -طيّب تيزيني، مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط، (دمشق، دار دمشق، 1971)، ص6.
[81] -م ن، ص ن.
[82] -م ن، ص ن.
[83]-م ن، ص ن.
[84] -م ن، ص30.
[85] -إسماعيل، م س.
[86] -تيزيني، في السجال الفكري، ص25.
[87] -عقد تيزيني فصلا كاملا في كتابه “في السجال الفكري الراهن” بعنوان “حسين مروة رائدا ومؤسّسا في البحث التراثي العربي”. راجع: في السجال الفكري، صص125-18-68.
[88] -م ن، ص6.
[89] -راجع مهدي عامل، الأعمال الكاملة، ط4، (بيروت، دار الفارابي)، 4أجزاء.
[90] – حول محمد حبش، “تيزيني مجدّدا وفقيها”، شبكة جيرون، httpsgeireon.net
[91] – حوار تيزيني. م س.
[92] -طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث، (بيروت، المركز الثقافي العربي، 2007)، ص34.
[93] -م ن، ص
[94]-م ن، ص
[95] -طه عبد الرحمن: روح الحداثة المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية، ط1، (بيروت، المركز الثقافي العربي، 2006)، ص168.
[96]-Bruno Belchiste, Histoire de la science moderne de la renaissance aux lumière, Armond Colin, Paris, 2016.
[97] -طيّب تيزيني، مقدّمات أوّلية في الإسلام المحمّدي المبكّر نشأة وتأسيسا، ط1، (دار دمشق، 1994)، 4/45-66.
[98] -عبد الباسط الغابري، مسألة تغيير الوعي في الفكر الإسلامي المعاصر والراهن قراءة في نصوص جودت سعيد وطه عبد الرحمن وعبد الكريم سروش وعزمي بشارة، ط1، (تونس، مجمع الأطرش للكتاب المختصّ مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان، 2018)، ص17.
[99] -ايزوتسو توشيهيكو، الله والإنسان في القرآن علم دلالة الرؤية القرآنية للعالم، ترجمة هلال محمد الجهاد، (بيروت، المنظمة العربية للترجمة، 2007)، 406س
[100] -طيّب تيزيني، النصّ القرآني بين إشكالية البنية القراءة، (دمشق، دار الينابيع،1997)، 5/11-50.
[101] – حبش، “تيزيني مجدّدا وفقيها”، م س.
[102] -حسام الحداد، “الطيّب تيزيني ونقد الفكر العربي الإسلامي”، بوابة الحركات الإسلامية www.islamist-mouvement.com بتاريخ 19/5/2019.
[103] -تيزيني، من الاستشراق الغربي…، صص 274-279.
[104] -إسماعيل، حوار، م س.
[105] -طيّب تيزيني، من التراث إلى الثورة حول نظرة مفتوحة في التراث العربي، (دمشق، دار دمشق/دار الجيل)، ص213.
[106] -نبيل علي صالح، طيّب تيزيني من التراث إلى النهضة، ط1، (بيروت، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي)، ص99.-111.
[107] – كوينتن سكنر، عصر الإصلاح الديني، ترجمة حيدر حاج إسماعيل، (بيروت، المنظمة العربية للترجمة)، 2/654.
[108] -هاشم صالح، مدخل إلى التنوير الأوروبي، (بيروت، دار الطليعة/ رابطة العقلانيين العرب، 2005)، 264ص.
[109]– تيزيني، من الاستشراق الغربي…، ص10.
[110] –Burdeau (Georges), Démocratie, Encyclopédie Universalis, (France, S.A, 1985) p : 1082.
[111] -راجع مثلا عبد الكريم سروش، الدين العلماني، رغم أنّ سروش في سياقات أخرى اجتهد كثيرا في توضيح معنى العلمانية. انظر كتابه، التراث والعلمانية الدين والمرتكزات، الخلفيات والمعطيات، ترجمة أحمد القبانجي، (بيروت، دار الانتشار العربي، 2009)، ص 62.
[112] -تيزيني، من الاستشراق الغربي…، ص276.
[113] -محمد شحرور، تجفيف منابع الإرهاب، (مؤسّسة الدراسات الفكرية المعاصرة، 2008)، 306ص.
[114]– تيزيني، من الاستشراق الغربي…، ص285.
[115] -عبد المجيد البدوي، مواقف المفكّرين العرب من قضايا النهضة في العالم العربي من مطلع القرن إلى موفّى الستينات بحث في الثوابت والمتغيّرات، ط1، (منوبة، منشورات كلية الآداب بمنوبة، 1996)، ص 236.
[116] -تسمية أطلقها سعد الدين إبراهيم للدلالة على المفارقة التي اصطبغت بها عدد من النظم الجمهورية العربية حين انزاحت عن قيم النظام الجمهورية وركنت إلى التوريث والأبوية.
[117] -عزيز العظمة، دنيا الدين في حاضر العرب، ط2، (بيروت، دار الطليعة، 2002)، 253ص.
[118] -كارل ما نهايم، الأيديولوجيا واليوتوبيا مقدّمة في سوسيولوجيا المعرفة، ترجمة محمد الدريني، ط1، (الكويت، شركة المكتبات الكويتية، 1980)، ص35.
[119] – تيزيني، الوضوح المنهجي…، ص227.
[120] -تيزيني، الوضوح المنهجي…، صص227-232.
[121] -م ن، ص227.
[122] -م ن، ص231.
[123] -تيزيني، مشروع رؤية جديدة، ص364.
[124]– تيزيني، الوضوح المنهجي…، ص232.
[125] -طيّب تيزيني، التصوّف العربي الإسلامي قراءة في الحضور الوجودي والاستحقاق القيمي، (دمشق، منشورات الهيىة العامة السورية للكتاب، 2011)، ص112.
[126] -الحداد، م س.
[127] -تيزيني، في السجال الفكري… ص171.،
[128] -م ن، ص173.
[129] -م ن، ص183.
[130] -م ن، ص ن.
[131] -م ن، ص174.
[132] -تيزيني، الوضح المنهجي…، ص8.
[133] -Nicolas Baboresques Daniel Ostes, La mondialisation contemporaine rapports de force et enjeux, (Nathen, Paris, 2013).
[134] -تيزيني، الوضح المنهجي…، ص248.
[135] -وهو ما ذهب إليه كذلك رائد الفلسفة التواصلية هابرماس.
[136] -تيزيني، الوضح المنهجي…، ص248
[137] -م ن، ص ن.
[138] -راجع: كمال عبد اللطيف، إشكالية المنهاج في الفكر العربي والعلوم الإنسانية، ط1، (الدار البيضاء، دار توبقال، 2018).
[139] -راجع القسم الثاني المتعلّق بعوامل إعاقة الإنسان العربي وانتكاسته.
[140] -طه عبد الرحمن، القول الفلسفي: كتاب المفهوم والتأثيل، ط2، (بيروت/الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 2005)، 450ص.
[141] -طه عبد الرحمن، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، ط1، (بيروت، المركز الثقافي العربي، 2008)، ص283.
[142] -طه عبد الرحمن، روح الدين من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية، ط1، (بيروت، المركز الثقافي العربي، 2012)، ص85.
[143] -طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية، ط1، (بيروت، المركز الثقافي العربي، 2000)، ص21.
[144]– هربارت -ماركيز، الإنسان ذو البعد الواحد، ترجمة جورج طرابيشي، (بيروت، دار الآداب، 2000).
[145] -يعرّف باومان “السيولة” بأنّها انفصال القدرة أي ما يمكن فصله عن السياسة باعتبارها ما يجب القيام به. يعني هذا تخلّي الدولة عن وظيفة المحافظة على المصلحة الجماعية وفتح السوق أمام الرأسمال الحر والاستهلاك والتحديث الشكلي الذي لا غاية له إلاّ مزيد الاستهلاك والإشباع المؤقّت للرغبات دون قيد أو شرط ما يحوّله إلى ظاهرة مرضية…راجع زيغمونت باومان، الحداثة السائلة، ترجمة حجاج أبو جبر، (بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر)، ص 6.
[146] -راجع:( France. S/. A, Paris 1993), corpus11. Margolin Jean Claude, Humanisme, Encyclopédia Universalis
[147] – م ن.
[148] -من المعلوم أنّ بداية تعرّف تيزيني على فكر الجابري كانت خلال إحدى الملتقيات حينما ناقش تيزني محاضرة الجابري. راجع: تيزيني، من الاستشراق الغربي…
[149] -راجع عنصر المراجعات ضمن القسم الثالث من هذه الورقة البحثية.
[150] -تيزيني، الوضوح المنهجي، ص25.
[151] -راجع تيزيني المفكّر الذي حذر مبكّرا من الانفجار، مس.
[152] -إبراهيم العلوش، “الطيّب تيزيني والدولة الأمنية التي فكّكتنا”. راجع الموقع التالي www.enabbaladi.net بتاريخ 26/5/2019.
[153] -م ن.
[154] – طرابيشي، من النهضة…، ص87.
قائمة المصادر والمراجع
1-المصادر والمراجع العربية:
أ-مدوّنة تيزيني:
- طيّب تيزيني، الإسلام والعصر تحدّيات وآفاق (حوارات مع محمد سعيد البوطي)، ط2،(دمشق، دار الفكر، 1999).
- طيّب تيزيني، التصوّف العربي الإسلامي قراءة في الحضور الوجودي والاستحقاق القيمي،(دمشق، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، 2011).
- طيّب تيزيني، على طريق الوضوح المنهجي كتابات في الفلسفة والفكر العربي، ط1،(بيروت، دار الفارابي، 1989).
- طيّب تيزيني، في السجال الفكري الراهن حول بعض قضايا التراث العربي منهجا وتطبيقا، ط1، (بيروت، دار الفكر العربي، 1989).
- طيّب تيزيني، النصّ القرآني بين إشكالية البنية القراءة، دمشق، دار الينابيع،1997).
- طيّب تيزيني، مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط،(دمشق، دار دمشق، 1971).
- طيّب تيزيني، مقدّمات أوّلية في الإسلام المحمّدي المبكّر نشأة وتأسيسا، ط1،(دار دمشق، 1994).
- طيّب تيزيني، من التراث إلى الثورة حول نظرة مفتوحة في التراث العربي،(دمشق، دار دمشق/دار الجيل).
ب-المراجع:
- السيّد ولد آباه، أعلاك العقل العربي مدخل إلى خارطة الفكر العربي الراهنة، ط1، (بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2010).
- شكيب أرسلان، لماذا تأخّر المسلمون ولماذا تقدّم غيرهم؟، مراجعة حسن تميم، (بيروت، دار مكتبة الحياة).
- -محمد أركون، نزعة الأنسنة في الفكر العربي جيل التوحيدي ومسكوية، (بيروت، دار الساقي، 1997).
- علي أوميل، الإصلاحية العربية والدولة الوطنية، (بيروت، دار التنوير، 1995).
- نزيه الأيوبي، العرب ومشكلة الدولة، (بيروت، دار الساقي، 1992).
- زيغمونت باومان، الحداثة السائلة، ترجمة حجاج أبو جبر، (بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر).
- عبد المجيد البدوي، مواقف المفكّرين العرب من قضايا النهضة في العالم العربي من مطلع القرن إلى موفّى الستينات بحث في الثوابت والمتغيّرات، ط1، (منوبة، منشورات كلية الآداب بمنوبة، 1996).
- -عبد الإله بلقزيز، العرب والحداثة دراسة في مقالات الحداثيين، ط1، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2008).
- -عادل بلكحلة، الاعتداء على مناضلي حقوق الإنسان بالبلاد التونسية بحث في علم اجتماع الشرطة، (تونس، مجمع الأطرش، 2017).
- ايزوتسو توشيهيكو، الله والإنسان في القرآن علم دلالة الرؤية القرآنية للعالم، ترجمة هلال محمد الجهاد، (بيروت، المنظمة العربية للترجمة، 2007).
- مهدي عامل، الأعمال الكاملة، ط4، (بيروت، دار الفارابي)، 4أجزاء.
- -عبد الوهاب بوحديبة، الإنسان في الإسلام، ط1، (دار الجنوب للنشر، 2007).
- بيير بورديو وجون كلود باسرون، إعادة الإنتاج في سياق نظرية عامة لنسق التعليم، ترجمة ماهر تريمش، ط1، (مركز دراسات الوحدة العربية، 2007).
- نقيب خلدون حسن، الدولة التسلّطية في المشرق العربي المعاصر، ط1، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1991).
- سيد الحمداني وآخرون، بلاغة الخطاب التاريخي، ط1، (عمان، دار كنوز، 2018).
- -إتيان دو لابويسي، مقالة العبودية الطوعية، ترجمة عبود كاسوحة، ط1، (بيروت، المنظّمة العربية للترجمة، 2008).
- أوليفيه روا، الجهل المقدّس زمن دين بلا ثقافة، ترجمة صالح الأشتر، ط1، (بيروت، دار الساقي، 2012).
- -عبد الكريم سروش، التراث والعلمانية الدين والمرتكزات، الخلفيات والمعطيات، ترجمة أحمد القبانجي، (بيروت، دار الانتشار العربي، 2009).
- إدوارد سعيد، الاستشراق: المعرفة-السلطة-الإنشاء، تعريب كمال أبو ديب،(بيروت، مؤسّسة الأبحاث العربية، 1984).
- -جلال الدين سعيد، معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية ط1، (تونس، دار الجنوب للنشر، 1994).
- كوينتن سكنر، عصر الإصلاح الديني، ترجمة حيدر حاج إسماعيل، (بيروت، المنظمة العربية للترجمة).
- داريوش شايغان، أوهام الهوية، ترجمة محمد علي مقلّد، ط2، (بيروت، دار الساقي، 1993).
- –محمد شحرور، تجفيف منابع الإرهاب، (مؤسّسة الدراسات الفكرية المعاصرة، 2008).
- هاشم صالح، مدخل إلى التنوير الأوروبي، (بيروت، دار الطليعة/ رابطة العقلانيين العرب، 2005).
- هاشم صالح، الانسداد التاريخي لماذا فشل مشروع التنوير في العالم العربي، ط1، (بيروت، دار الساقي، 2007).
- –نبيل علي صالح، طيّب تيزيني من التراث إلى النهضة، ط1، (بيروت، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي).
- -جورج طرابيشي، المعجزة أو سبات العقل في الإسلام، ط1، (ببروت، دار الساقي/ رابطة العقلانيين العرب، 2008).
- جورج طرابيشي، من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث النشأة المستأنفة، ط1،(دار الساقي، 2010).
- جورج طرابيشي، من النهضة إلى الردّة تمزّقات الثقافة العربية في عصر العولمة،(بيروت، دار الساقي، 2000).
- طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث، (بيروت، المركز الثقافي العربي، 2007).
- –طه عبد الرحمن، الحوار أفقا للفكر، ط1، (بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2013).
- –طه عبد الرحمن: روح الحداثة المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية، ط1، (بيروت، المركز الثقافي العربي، 2006).
- طه عبد الرحمن، روح الدين من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية، ط1، (بيروت، المركز الثقافي العربي، 2012.
- طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية، ط1، (بيروت، المركز الثقافي العربي، 2000).
- طه عبد الرحمن، القول الفلسفي: كتاب المفهوم والتأثيل، ط2، (بيروت/الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 2005).
- طه عبد الرحمن، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، ط1، (بيروت، المركز الثقافي العربي، 2008).
- عبد الله العروي، مفهوم الحرية، ط5، (بيروت/الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 1998).
- عبد الله العروي، مفهوم الدولة، ط7، (بيروت، المركز الثقافي العربي، 2001).
- صادق جلال العظم، النقد الذاتي بعد الهزيمة، ط1، (دمشق، دار ممدوح عدوان للنشر، 1968.
- عزيز العظمة، دنيا الدين في حاضر العرب، ط2، (بيروت، دار الطليعة، 2002).
- كمال عبد اللطيف، إشكالية المنهاج في الفكر العربي والعلوم الإنسانية، ط1، (الدار البيضاء، دار توبقال، 2018).
- كمال عبد اللطيف، التأويل والمفارقة نحو تأصيل فلسفي للنظر السياسي العربي، (بيروت، المركز الثقافي العربي، 1987).
- -كمال عمران، الإبرام والنقض في الثقافة الإسلامية، ط1، (الدار التونسية للنشر، 1992).
- -كمال عمران، مظاهر من التجريب والتجريد في الثقافة الإسلامية، ط1، (تونس، الدار التونسية للنشر، 1996).
- عبد الباسط الغابري، صوت الطالب الزيتوني حركة ثقافية سياسية، ط1، (تونس، مركز النشر الجامعي، 2011).
- عبد الباسط الغابري، مسألة تغيير الوعي في الفكر الإسلامي المعاصر والراهن قراءة في نصوص جودت سعيد وطه عبد الرحمن وعبد الكريم سروش وعزمي بشارة، ط1، (تونس، مجمع الأطرش للكتاب المختصّ مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان، 2018).
- علي الغيضاوي، الإحساس بالزمان في الشعر العربي من الأصول حتّى نهاية القرن الثاني للهجرة، ط1،(منشورات كلية الآداب بمنوبة، 2001).
- كليفورد غيرتز، تأويل الثقافات، ترجمة محمد بدوي، ط1، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2009).
- -عبد الرحمان الكواكبي، الأعمال الكاملة، تحقيق محمد جمال طحّان، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1995).
- -هربارت -ماركيز، الإنسان ذو البعد الواحد، ترجمة جورج طرابيشي، (بيروت، دار الآداب، 2000).
- –كارل ما نهايم، الأيديولوجيا واليوتوبيا مقدّمة في سوسيولوجيا المعرفة، ترجمة محمد الدريني، ط1، (الكويت، شركة المكتبات الكويتية، 1980).
- مبروك المناعي، الشعر والمال بحث في آليات الإبداع الشعري عند العرب من الجاهلية إلى نهاية القرن الثالث للهجرة،(بيروت/تونس، دار الغرب الإسلامي/ كلية الآداب بمنوبة، 1998).
- عبد الباقي الهرماسي، المجتمع والدولة في المغرب العربي، ط1، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1992).
- هارلمبس وهولبورن، سوسيولوجيا الثقافة والهوية، ترجمة حاتم حميد محسن، ط1، (دمشق، دار كيوان، 2010).
ج-المقالات:
- علي الصالح مولى، “هل من حاجة اليوم إلى مثقف هووي؟ مجلّة تبيّن، العدد13.
2-المصادر والمراجع الأعجمية:
أ-الكتب:
- Baboresques Nicolas, Daniel Ostes, La mondialisation contemporaine rapports de force et enjeux, (Nathen, Paris, 2013).
- Bruno Belchiste, Histoire de la science moderne de la renaissance aux lumière, Armond Colin, Paris, 2016.
- Linton Raleph, Le fondement culturel de la personnalité, (édition Larousse, Paris, 1953).
- -Tlili Béchir: Les rapports culturels et téologiques entre l’orient et l’occident en Tunisie au XIX siècle (1830-1880), (publication de l’université de Tunis,1974).
ب-المقالات:
- Burdeau (Georges), Démocratie, Encyclopédie Universalis, (France, S.A, 1985).
- Cabel Joseph, Idéologie, Encyclopédia Universalis, (France, S/A, 1998).
- Margolin Jean Claude, Humanisme, Encyclopedia universalis (France, S/A, Paris 1993).