“ستخسر الحضارة المادّيّة كلّ شيء إذا فقدت روحها، وستصبح البشريّة مهدّدة بالفناء في ظلّ جسد بلا روح، ويقيناً أنّه عندما تصبح الحضارة بلا قلب، فإنّها ستفقد أهمّ مقوّمات الحياة” (طاغور)
1- مقدّمة:
يعدّ إريك فروم (Erich Fromm) [1] أحد أبرز روّاد الجيل الأوّل في مدرسة فرانكفورت ومن أكثرهم إثارة للدهشة فيما يطرحه من تصوّرات وأفكار إبداعيّة. وقد عرف عنه أيضا بأنّه من أكثر روّاد فرانكفورت عمقاً في التفكير وسعة في الأفق الثقافي والمعرفي. وقد نهل من عدّة مصادر فكريّة دينيّة سيكولوجيّة فلسفيّة وسياسيّة، وتجلّى تأثير هذه المناهل الفكريّة في عطاءاته المبتكرة الّتي تخصَّبَ فيها علم النفس بعلم الاجتماع وتضافر الدين بالأخلاق وازدهرا بالفكر النقدي الفلسفيّ. ومن أبرز مزايا فكر فروم وفلسفته أن استطاع أن يولّد نمطاً متطوّراً من التفكير الّذي آلف فيه بين نظريّتي ماركس وفرويد لتوليد نمط ثوريّ مبتكر من الإبداع الفكريّ الّذي اعتمده في تحليل مختلف ظواهر المجتمعات الرأسماليّة في القرن العشرين واستكشافها. ولا يخفى أيضاً أنّ فروم كان يمتلك ثقافة دينيّة عميقة وواسعة وظّفها في ترسيخ رؤية فلسفية عميقة ترتكز إلى الفلسفة وعلمي النفس والاجتماع.
ويرى النقّاد أنّ مؤلّفات فرّوم فرضت حضورها المظفّر على مدى القرن العشرين، وتجاوزت في تأثيرها معظم الكتب الّتي أنتجت في القرن الماضي. هذا، وتبيّن الإحصائيّات أنّ عدد النسخ الّتي بيعت من كتابه “فنّ الحبّ” بلغت 25 مليون نسخة، وهو رقم قياسيّ ربّما يفوق مبيعات أيّ كتاب في عصره. وبلغت مبيعات كتابه “الخوف من الحرّيّة” حوالي 10 ملايين نسخة. وقد ترجمت كتبه الثلاثون إلى أغلب اللغات الأوروبّيّة والعالميّة، وإلى اليابانيّة والكوريّة وفي دول المعسكر الشرقيّ القديم [2]. وقد ترجمت معظم أعماله إلى العربيّة. ومن اللافت أنّ أفكار فروم وتصوّراته الثوريّة قد استقرّت في عقول الشباب، وأخذت مكانها في أوساط المفكّرين في مختلف أنحاء العالم.
2- مفهوم الاغتراب عند فروم:
وقد بدأ اهتمام إريك فروم بمفهوم الاغتراب منذ عام في كتابه الخوف من الحرّيّة في عام 1941. وهو الكتّاب الّذي يرى فيه أنّ الاغتراب يأخذ يتجلّى على صورة شكل من أشكال الخبرة الّتي تضع الإنسان ضمن دائرة الشعور بالغربة عن ذاته، وهي اللحظة ذاتها الّتي يتحوّل فيها الفرد إلى عبد لأفعاله، فيقع تحت هيمنة ما ينتجه من سلوك ونشاط وأعمال([3]).
ويشكّل مفهوم الاغتراب أحد أهمّ المفاهيم المركزيّة الّتي تتواتر في تجربته المعرفيّة، وتغطّي مختلف أعماله الفكريّة الّتي تدور فعليّاً حول مفاهيم الاغتراب والاستلاب والضياع. ومن الواضح تماماً أنّ فروم يتناول مفهوم الاغتراب في معظم كتبه ولا سيّما في كتابه المشهور “الإنسان المستلب”(The alienated human) [4]، وفي كتبه المعروفة : الخوف من الحرّيّة ” (Escape from Freedom) [5]، ” و “المجتمع السوي ” (The sane society) [6]، و” و”ثورة الأمل” (The revolution of the hop) [7]، و”الإنسان لنفسه” (Man for himself)[8]، و” فنّ الحبّ (The Art of loving) ” [9]، و”كينونة الإنسان” (On being Human) [10]، و “الإنسان بين الجوهر والمظهر” (To have or to be) [11] و ” جوهر الإنسان” (The essence of man) [12].
يعرف إريك فروم الاغتراب (Alienation) في البداية بأنّه ” نمط من التجربة يعيش فيها الإنسان غريباً عن نفسه، حيث يفقد دوره بوصفه غاية إنسانيّة للعالم ” [13]. فالإنسان وفقاً لفروم يبدع أوثاناً يسجد لها وأصناماً يعبدها، وهنا يكمن جوهر الاغتراب. ففي عمليّة الاغتراب، كما يرى فروم، يتنازل المرء عن نفسه إزاء استسلامه لقيم المجتمع السائدة خاصّة في المجتمع الصناعيّ الحديث، ويؤكّد هذه الرؤية في كتابه الخوف من الحرّيّة إذ يقول: “إنّ الفرد يكفّ عن أن يصبح نفسه عندما يعتنق نوعاً من الشخصيّة المقدّم له من جانب النماذج الحضاريّة؛ ولهذا فإنّه يصبح تماماً شأن الآخرين وكما يتوقّعون منه أن يكون” [14].
والإنسان في منظور فروم كينونة جوهرها الروح والعقل، وكلّ ما من شأنه أن يمسّ هذه الأبعاد الأساسيّة لجوهر الشخصيّة يدفع الشخصيّة إلى حالة اغتراب واستلاب. فالاغتراب هو الوضعيّة الّتي ينال فيها القهر والتسلّط والعبوديّة من جوهر الإنسان، وهو الحالة الّتي تتعرّض فيها إرادة الإنسان أو عقله أو نفسه للاغتصاب والاعتداء والتشويه. ومن ثم فإنّ أدوات الاغتراب تتمثّل في مختلف أدوات القهر والتسلّط والحصار والاستغلال، وكلّ ما من شأنه أن يعيق نموّ الشخصيّة الإنسانيّة وازدهارها وتفتّحها. وتتبدّى مظاهر الاغتراب في أشكال أحاسيس مفرطة بالدونيّة، واللامبالاة، والقهر، والضعف، والقصور والسلبيّة، والانهزاميّة[15]. وعلى هذا الأساس يرى فروم أنّ تغييب الجانب الذاتيّ الحرّ في الإنسان (عقله وحرّيّته ووجدانه) يدفع بالإنسان إلى دائرة الاغتراب والتشيّؤ، وعلى خلاف ذلك كلّما تقدّم الجانب الحرّ الذاتيّ في الإنسان تقدّمت الثقافة وازدهر الإنسان.
ويؤكّد فروم في معظم أعماله على أهمّيّة الجوانب الاجتماعيّة ودورها في تشكيل الظاهرة الاغترابيّة، إذ يقول في كتابه الإنسان المستلب:” في القرن التاسع عشر كان بإمكان المرء أن يقول: مات اللّه. ويجب على المرء أن يقول في القرن العشرين: مات الإنسان. وما وصلنا إليه اليوم هو: لقد مات الإنسان، لتحيا الأشياء، لقد مات الإنسان، ليحيا منتوجه. وليس هناك أحسن مثال على اللاإنسانيّة الجديدة خير من فكرة القنبلة النيترونيّة. ماذا سيعمله السلاح النيترونيّ؟ سيقضي على كلّ ما هو حيّ، وسيبقى على ما هو غير حيّ: الأشياء، المنازل، الطرقات” [16].
وتجدر الإشارة في هذا المقام أنّ فروم وظف مفهوم الاغتراب – كما فعل ماركس من قبل – كأداة لنقد الواقع الاجتماعيّ في المجتمعات الرأسماليّة والبحث في عوامل اغتراب الإنسان الّذي تمّت محاصرته وإعادة تشكليه نفسيّاً في المعاصر الّذي أعيد قولبة وجوده ضمن سرديّة الاستهلاك والتملّك الوحشيّ في ظلّ النظام الرأسماليّ [17].
3- الهروب من الحرّيّة:
والحقّ يقال في هذا المسار إنّ مفهوم الاغتراب اكتسب نفوذه الفكريّ في كتابه “الهروب من الحرّيّة” الّذي يشكّل نقطة البداية في تناول فروم لمفهوم الاغتراب. يرى فروم في هذا الكتاب أن الفرد قد تحوّل في ظلّ الأنظمة السياسيّة الوحشيّة (الستالينيّة والنازيّة والفاشيّة) إلى كائن ساديّ مغترب مستلب وذلك تحت مطارق القهر السياسي – الاجتماعي والاستبداد الثقافي الوحشي لوسائل الإعلام والبروباغندا السياسيّة (Political propaganda) والأيديولوجيّة الّتي تعمل على قولبة الإنسان وتشكيله على الذوبان في نمط الوجود الرأسماليّ القائم على الاغتراب الاستهلاكيّ وتشيؤ الإنسان. وهذا كلّه لا يستثني دور العائلة الّتي تمارس أشكالاً من القمع الفكر، وتعمل على تأصيل الأيديولوجيا الثقافيّة الرأسماليّة المهيمنة. وهذه الضغوط الجبّارة الّتي تمارسها المؤسّسات الاجتماعية والإعلامية أدّت إلى تجريد الفرد من حرّيّته، وحرمانه من هويّته الذاتيّة ووضعه في دائرة العزلة والجمود والإحساس بالعجز عن مواجهة المصير ،وقد فرضت على الإنسان وضعية التماهي مع كلّ القيم والنماذج الثقافيّة الاستبدادية القاتمة المدمّرة الّتي تحيط به وتعمل على تدمير كيانه الذاتي الحرّ [18]. لقد أوضح فروم في كتابه هذا ” الهروب من الحرية” الكيفية التي تحوّلت فيها «الشخصيّة الإنسانيّة إلى شخصيّة ساديّة ماسوشيّة تحت تأثير الأفيون الثقافيّ الإعلاميّ الجديد للمؤسّسات الرأسماليّة الّتي استطاعت أن تدمّر مختلف وسائل المقاومة الحرّة عند الإنسان ولاسيما تلك الّتي تتمثّل في المنظومات القيميّة والأخلاقيّة للمجتمعات التقليديّة، وهو الأمر الّذي أدّى إلى عزلة الفرد أو تشرذمه واغترابه على نحو كلي[19].
4- مفهوم الإنسان:
ونجد أيضاً تناولاً منظّماً لمفهوم الاغتراب في كتابه الشهير «مفهوم الإنسان عند ماركس» [20]، وهو الكتّاب الّذي ألهم جيلاً من الراديكاليّين الأمريكيّين. وفي هذا الكتاب يشير فروم إلى القوّة القاهرة للرأسماليّة الّتي تدمّر الروح الفرديّة، وتغلق منافذ الحرّيّة، وتجعل من الأفراد عبيداً للسلعة والاستهلاك واللاعقلانيّة. ويحدّد في هذا الكتاب أيضاً الحالات السلبيّة الّتي فرضها النظام الرأسماليّ الجديد الّتي تتمثّل في البلادة والبلاهة والسفاهة والسطحيّة الاستهلاكيّة عند الأفراد، ويحدّثنا عن الحالة الّتي أصبح فيها الأفراد تحت سطوة المؤسّسات الرأسماليّة إلى كائنات “زومبيّة” تحرّكها نوازع الشهوة والرغبة والتملّك والجنون الاستهلاكيّ. وهو في مواجهة هذه الوضعيّات يحاول أن يرسّخ القيم المناهضة للرأسماليّة، ويضع الاستراتيجيّات الثقافيّة والأخلاقيّة الّتي يمكنها أن تواجه طغيان المال والربح والثرة والجشع والطمع في المجتمعات الرأسماليّة [21].
5- ثورة الأمل:
ويتجلّى مفهوم الاغتراب في كتابه «ثورة الأمل» [22] الّذي يؤكّد فيه تآكل الطبيعة الإنسانيّة تحت تأثير الظروف الاجتماعيّة القاسية الّتي تحيط بالفرد والمجتمع، ويبيّن أنّ الإكراه الاجتماعيّ يؤدّي إلى نسق من التداعيات الّتي تستلبّ الإنسان وتضعه بين مخالب العبوديّة الّتي تبدأ بوضعيّة القلق الوجوديّ بداية الّذي يدفع إلى السقوط في منزلقات الشعور بالعجز والخضوع الصاغر لكلّ القيم والمعايير والأيديولوجيّات والتصوّرات البيروقراطيّة الأداتيّة الّتي تفرضها القوى المهيمنة في المجتمع. وهنا يتجلّى الخضوع والانصياع بوصفهما الطريقة الأمثل للهروب من الحرّيّة تحت طائلة الشعور بالعجز الكامل عن مواجهة مطالب المصير. فالأثر الّذي “يتركه الاغتراب على الإنسان يتجاوز الجانب الفكريّ لديه ليطال وجدانه ومشاعره والأمل بحاضره ومستقبله. وهذا ما يسمّيه فروم بـ “اغتراب الأمل”. وهو الحال الّذي يتحوّل فيه المستقبل إلى معبود” [23]. وعند هذه النقطة بالذات يبلغ التصعيد الفكريّ عند فروم درجته القصوى، وخصوصاً عندما يعالج قضيّة الحضور الإنسانيّ في الحياة وتأرجحه بين التملّك والكينونة [24].
6- المجتمع العاقل :
ولا يتردّد فروم في أن يسبر أغوار مفهوم الاغتراب في كتابه المعروف “المجتمع العاقل” وأن يحلّل هذه القضيّة وتداعياته في مختلف التجلّيات المتأزّمة للمجتمع الرأسماليّ الصناعيّ الجديد. فالمجتمعات الأوروبية الّتي استطاعت أن تحقّق إنجازات كبيرة في مختلف الميادين، وأن تنجز تدفّقاً هائلاً في مستوى الحرّيّات المدنيّة والديمقراطيّة الّتي دُمِّرَت تحت تأثير القهر الرأسماليّ الجديد الّذي يتمثّل في الإكراهات الّتي فرضتها أنماط الاستهلاك الرأسماليّ الجديد ووسائل الضغط الإعلاميّ والأيديولوجيّ المدمّر، وهكذا وجد الإنسان نفسه تحت سطوة نظم بيروقراطيّة وإعلاميّة وأيديولوجيّة جبّارة دمّرت كلّ أشكال الحرّيّات المعهودة، وسحقت كلّ مظاهر الحرّيّات الفرديّة واجتافت كلّ الذهنيّات الحرّة النقديّة، ومن ثمّ حوّلت الجماهير إلى حشود عمياء خاضعة تخضع خضوعاً مطلقاً لكلّ تمثّلات المجتمع الرأسماليّ الصناعيّ وتتمثّل لكلّ معطياته الاستهلاكيّة بطريقة مأساويّة. ومن أكثر مظاهر هذا الخضوع خطورة أنّ الاستبداد الّذي تمارسه القوى الرأسماليّة لقيادة الحشود وتوجيهها تأخذ طابعاً خفيّاً غير مرئيّ بل يأخذ طابعاً داخليّاً لا خارجيّاً وكأنّ هذه القوّة الجارفة تنبع من أعماق الفرد وليس من خارجه، لأنّ وسائل الإعلام الجبّارة والبيروقراطيّات الهدّامة تتغلغل في داخل الأفراد وتبرمجهم في الخفاء وتجعلهم أشبه بالدمى الّتي تحرّكها خيوط خفيّة لا ترى بالعين المجرّدة وهنا يفقد الفرد قدرته على ممارسة الحرّيّة ويتحوّل إلى كيان جامد لا حراك فيه يمتثل ويسير تلقائيّاً إلى مصيره الاستلابيّ، وذلك يمثّل منتهى وضعيّة التشيّؤ والاغتراب.
ويتجلّى هذا الاغتراب في عمليّة تحويل الإنسان إلى كائن استهلاكيّ يسعى لإشباع حاجاته الجديدة الّتي يتمّ تشكيلها وتوليدها تحت تأثير الإعلام والميديا والضغط الاستهلاكيّ، وعلى هذا النحو يُحَوَّل الفرد إلى كائن لا يمكن إشباع رغباته وحاجاته المتزايدة، وهو الإنسان الّذي يجد نفسه وبصورة لا شعوريّة يقضّي حياته بالكامل سعياً إلى تحقّق حاجات جديدة متجددة لا يمكن تلبيتها أبدا، وهو في سعيه إلى تحقيق هذا الإشباع يفقد حرّيّته، ويتنازل عنها، وقد يتخلّى عن مبادئه وقيمه الأصيلة تحت ضغط الخضوع لمطالب هذا الاشباع المتوحش للرغبات السلعية التي تتدفق في متاجر المجتمعات الصناعية. وهذا يؤدّي في نهاية المطاف إلى شعور صميميّ لدى الفرد بالغربة والاغتراب كما بالتشيّؤ والاستلاب، إذ لم يعد هو ذاته، فالاستهلاك ونموّ الاحتياجات الاستهلاكيّة المتجدّدة، والتخلّي المستمرّ عن ذاته المستلبة يجعله عاجزاً، ويشعر بأنّه قد فقد كرامته، وتشوّهت مشاعره ودمّرت أحاسيسه وفقد السيطرة على مصيره، لأنّ القوى الخارجيّة المستبطنة هي الّتي توجّه مساره وحياته لتضعه في دائرة اغترابية قاتمة موصدة. وهذا النمط الاغترابي يدمّر أكثر المشاعر الإنسانيّة حيويّة وأصالة، إذ يدمّر مشاعر الحبّ والاحترام والوفاء عند الإنسان، كما يدمّر عواطفه النبيلة وأحاسيسه الإنسانية السامية، وعلى هذه الصورة تتحوّل العواطف الإنسانية والميول الأخلاقية السامية إلى مجرد أدوات لتحقيق الرغبات النزوية البدائيّة عند الفرد، وهو الأمر الّذي يدفعه للتواصل الأناني مع أقرب المقرّبين إليه وذلك بطريقة أنانيّة تملكيّة نفعيّة أداتية تغيب فيها المشاعر الحقيقيّة السامية للفرد الذي يتحول إلى كائن نزويّ أنانيّ مفرغ من الشحنة الإنسانيّة والعاطفيّة الّتي يتميّز بها الإنسان بوصفه كائناً خلّاقاً نبيلاً.
7-الإنسان بين الجوهر والمظهر:
وفي كتابه الخلّاق «الإنسان بين المظهر والجوهر» يتناول فروم مفهوم الاغتراب في سياق فلسفيّ وسيكولوجيّ جديد، إذ يميّز بين مظهر الإنسان النزوي التملكي وجوهره الإنساني، فالجوهر يتجلى في الإنسان بوصفه كياناً خلاقاً تنطوي فيه ذاته كلّ المشاعر الإنسانيّة النبيلة. ويعني فروم بالجوهر الإنسان المجبول بالمشاعر الإنسانية الخلّاقة، كالحبّ الإنسانيّ والتضحية والإيثار والحرّيّة والكرامة، ويقابل الجوهر المظهر الذي يمثل الجانب التملكي الاستهلاكي الرديء في الإنسان إذ يرمز إلى الأوضاع الساديّة الّتي طرأت على الإنسان في المجتمعات الصناعيّة، وهي الأوضاع التي فرضها تأثير الطغيان الإعلامي البيروقراطي والضغط الأيديولوجيّ والإكراه البيروقراطي وهي الإكراهات التي حول الإنسان إلى كائن وحشي مغترب، بل إلى كائن استهلاكي أنوي لا يرتوي ولا يشبع، ولا يتوقّف عن السعي لإشباع حاجاته الصنعيّة المتجدّدة .
وقد وصلت الإنسانية في المجتمعات الرأسمالية إلى الزمن الذي أصبح الإنسان يشعر بوجوده وهويته بقدر ما يملك ويستهلك وليس بقدر ما يشعر بإنسانيّته الضائعة. وعلى هذا النحو يطغى المظهر على الجوهر، ويتحوّل الإنسان إلى وضعيّته الوحشيّة الاغترابيّة الّتي يفقد فيها كرامته الإنسانيّة وسماته الأخلاقية الأصيلة ليتحوّل إلى كائن وحشيّ مغترب مستلب[25]. ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺢ اﻹﻧﺴﺎن – كما يرى فروم – “ﻛﺎﺋﻨﺎ أﻋﻠﻰ ﺳﻮﺑﺮﻣﺎن… وﻟﻜﻦّ ﻫﺬا اﻹﻧﺴﺎن اﻷﻋﻠﻰ اﻟّﺬي يمتلك قوّة ﺗﻔﻮّق ﻗﻮّة اﻹﻧﺴﺎن، ﻟﻢ ﻳﺮﺗﻔﻊ إﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮى ﻋﻘﻼﻧﻲّ أﻋﻠﻰ، ﺑـﻞ إﻧّـﻪ ﻟﻴﺰداد ﻓﻘﺮاً ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳﺰداد ﻗﻮّة… وأﺣﺮى ﺑﻀﻤﻴﺮﻧﺎ أن ﻳﻨﺘﺎﺑﻪ اﻟﻘﻠـﻖ وﻧـﺤـﻦ ﻧﺸﻬﺪ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻧﺰداد تجرّداً ﻣﻦ إﻧـﺴـﺎﻧـﻴّـﺘـﻨـﺎ ﻛـﻠّـﻤـﺎ ازددﻧـﺎ اﻗـﺘـﺮاﺑـﺎ ﻣـﻦ ﺣـﺎﻟـﺔ السوبرمان الأعلى” [26].
وتقوم المؤسسات الرأسمالية البيروقراطية والإعلامية بوضع الإنسان في صنمية السلعة والاغتراب عبر عمليّة هدم القيم وتدمير الميتافيزيقا وإطلاق مبدأ اللذّة منهجاً في الوجود؛ إذ أصبح التملّك غاية وهدفاً، وأصبحت المتعة تتصدّر القيم والمبادئ الإنسانيّة وتحوّل الإنسان إلى كائن متوحّش لا يرتوي ولا يشبع، والإنسان في هذه الوضعيّة يشعر بأنّ كيانه الذاتيّ قد تقلّص وانطوى إلى الدرجة الّتي أصبحت فيها هويّته تساوي قدرته على الاستهلاك والتملّك. وقد تجاوز الأمر هذا الحدّ إلى الدرجة التي يتحول فيها الإنسان نفسه إلى سلعة تباع وتشرى وتستهلك في أسواق النخاسة الرأسماليّة. وهنا يؤكد لنا فروم الخطورة المدمرة لهيمنة الإنتاج الصناعيّ الذي يفرض سطوته وبطشه على النظم الأخلاقيّة ويعمل على فرض نظام فكريّ جديد يزدري الطبيعة ويحتقر الجانب الإنساني في الإنسان، ويمجّد كلّ هو صنعيّ واستهلاكيّ ولذوي على حساب كلّ ما هو طبيعيّ وأصيل جوهريّ [27].
فالمجتمعات الرأسماليّة مجتمعات مظهريّة استهلاكية مضادة للكينونة والأصالة الإنسانية، بل هي مجتمعات يسودها مبدأ التملّك والاستهلاك والمتعة والجشع، ويغيب فيها مبدأ الكينونة الذي يتمثل في الأخلاق والقيم والهوية الإنسانية الأصيلة. وهناك فرق كبير بين مجتمع يرفع من إنسانيّة الإنسان مبدأً للوجود وبين مجتمع تدور فيه الحياة حول مبدأ التملّك تحت شعار: نكون لكي نمتلك وليس تحت شعار نمتلك لنكون. فالمعادلة تكون معكوسة بين مجتمع التملّك ومجتمع الكينونة. ففي المجتمع الأوّل يكون التملّك هو الغاية والإنسان وسيلة، وذلك على خلاف مجتمع الكينونة الّتي يكون فيها الإنسان هو الغاية والتملّك هو الوسيلة. ويرى فرّوم في هذا السياق أنّ معنى الحياة الحقيقيّ هو المعنى الكينونيّ، وهذا المعنى لا يتحقّق في مظاهر التملّك وإشباع الغرائز والميول الشبقيّة، بل في الخروج من الذات نحو الآخرين، والانتقال من التملّك إلى الكينونة، إنها الوضعية التي يتم فيها الانتقال من الوضعيّة البهائميّة للإنسان إلى وضعيّته الإنسانيّة، أي: الانتقال من الحيوان إلى الإنسان، من الوضعية البهائمية للإنسان إلى وضعيته الإنسانية الخلاقة، وهذا لا يكون إلّا بالسيطرة على شبقيّة التملّك والنزوع إلى إشباع الغرائز المفرط بالاستهلاك المزيّف [28].
ويرى فروم ” أنّ العالم اليوم أي: في القرن العشرين يعيش أومته الوجودية، وتتمثل هذه الأزمة في الراع الأبدي بين الخير والشر بين التملك والكينونة بين الجوهر والمظهر. ومع قدوم المجتمعات الرأسمالية الصناعية رجحت كفة المظاهر التملكية وهيمنت مطالب الاستهلاك الوحشي الذي يقوم على الجشع والحسد والعدوان. وهنا يحدثنا فروم عن الكينونة والجوهر الإنساني الذي يتميز بالمطالب الحيوية العليا للروح والعقل والمنطق الأخلاقي والإحساس بالجمال. ” ويتأصّل هذا الجوهر في الحبّ، وفي سموّ القيم الإنسانيّة وهيمنتها على القيم المادّيّة ” [29].
ويحذّر فروم من هيمنة النمط التملّكيّ، ويرى بأنّ “النمط التملّكيّ سوف يدفع العالم إلى حافّة الهاوية من الناحية البيئيّة والنفسيّة، منبّهاً إلى أنّ نمط الكينونة هو البديل، وهو السبيل الوحيد لتجنيب الإنسانيّة الوقوع في الكارثة. نتملّك أو نكون؟ هذا هو السؤال الّذي يجيب عنه المؤلّف في تحليل شامل لأزمة الحضارة الحديثة وهو بذلك يقدّم برنامجاً مفصّلاً ومزيداً من أجل ثورة نفسيّة واجتماعيّة لإنقاذ كوكبنا المهدّد بالدمار” [30].
وبعبارة أخرى يبيّن فروم لنا فروم أنّ “التملّك” يسجن الإنسان في عالم نزويّ استهلاكيّ، وهو النمط الّذي يسود ويهيمن في المجتمعات الرأسماليّة المعاصرة. وعلى خلاف هذا النمط فإنّ “الكينونة” تشكّل نمطاً من الوجود الّذي يعبّر عن البعد الإنسانيّ في الإنسان أو ما يمكن أن نطلق الجوهر الإنسانيّ الّذي يشكّل كتلة من العواطف والميول الإنسانيّة الخلّاقة الّتي تقاوم النزعة إلى التملّك والذوبان في متاهات الحياة المادّيّة.
وبناء على التصوّر للكينونة يرى فروم ” أنّ الكائن الإنسانيّ هو المخلوق الوحيد في عالم الموجودات الّذي يمتلك القدرة على تحديد مصيره، فإمّا أن ينزع إلى التملّك، ويستغرق في مباذله لينغمس في فتنة المتعة والرغبة والشهوة أو أن ينزع إلى البحث عن معنى وجوده الإنسانيّ في الحياة بوصفه كياناً أخلاقيّاً إنسانيّاً يتدفّق بالعطاء الروحيّ والأخلاقيّ الأصيل في الإنسان، وهنا يقرّ فروم بأنّ النزوع إلى التملّك يشكّل جزءاً من طبيعة الإنسان وجبلته وفطرته الإنسانيّة، ويرى بأنّ حياة الإنسان لا يمكن أن تتحقّق وتأخذ مسارها الطبيعيّ إلّا بالتملّك الّذي يحقّق بها هويّته ووجوده بل. وهو يريد أن يقول لنا بأنّ “التملّك ليس بالشيء المذموم إلّا عندما يصبح هو الأسلوب الّذي يشكّل الحياة؛ أي حين يصبح الإنسان عبداً للأشياء والمقتنيات الّتي من حوله، ورغم أنّه أمر طبيعيّ بل وضروريّ؛ إلّا أنّ السعادة الحقّة مرتبطة بجوانب أخرى في حياة الإنسان تحتاج إلى تأكيد وتغليب أكثر من الجانب التملّكيّ، خصوصاً الجانب الروحيّ الباطنيّ” [31].
وفي هذا السياق يلاحظ فروم أنّ النزوع إلى التملّك يشكّل النموذج الّذي يهيمن ويسود في المجتمعات الإنسانيّة الرأسماليّة المعاصرة، ويتجلّى هذا النزوع على صورة استغراق مفرط في الاستهلاك الصناعيّ والتجاريّ الّذي يدمّر مقوّمات الأصالة الإنسانيّة. ويجد هذا النمط تعزيزاً له في الأنظمة التربويّة والتعليميّة، ويتجلّى في أساليب التلقين الاغترابيّ الّذي يجرّد الطالب من حرّيّته، ويحرمه من القدرة على المبادرة الإبداعيّة بالتركيز على مجرد الحفظ والاستظهار والخضوع والانصياع لمعطيات الثقافة الرأسماليّة السائدة. ويرى فروم أنّه عندما تكون عمليّة امتلاك المعلومات وحفظها هدفاً للنظام التعليميّ، فإنّ هذا التعليم يعزّز النمط الاغترابيّ الاستلابيّ ليأخذ صورة نمط تملكيّ، وهذا الأمر يتباين كلّيّاً مع الطريقة التربويّة الّتي تهدف إلى تحقيق الجوهر الإنسانيّ تعزيزاً لمطالب الحوار الحرّ الأصيل بين أطراف العمليّة التربويّة الّتي تركّز على الجوهر الإنسانيّ الأخلاقيّ. ويرى فروم في هذا السياق أنّ التباين بين التملّك والكينونة يتمثّل في منهجيّات التفاعل بين الناس فالإنسان الّذي يعبّر عن مكنوناته الحرّة على نحو عقلانيّ يعبّر عن ذاته وأصالته الإنسانيّة، أي عن كينونته الّتي تشكّل جوهر وجوده، وعلى خلاف ذلك فإنّ الإنسان الّذي يتحرّك بموجب الإيحاءات الاجتماعيّة دون تأمّل أو تفكير أي: الإنسان الّذي يمتثل بموجب الطاعة القطيعيّة امتثالاً لما هو قائم وسائد دون تأمّل أو تفكير، هو الإنسان التملّكيّ الّذي يتخلّى عن ذاته، ويتجاوز كيانه الإنسانيّ الأصيل القائم على التفكير والتأمّل الّذي يجعل من الإنسان ملكاً لذاته وليس لغيره، وهذا هو الأمر الّذي يمثّل جوهر الكينونة عند الإنسان الّذي يدفع الإنسان خارج حدود اغترابه واستلابه.
8- الإنسان المستلب:
ونجد تعزيزاً مستمرّاً لمفهوم الاغتراب في كتاب فروم “الإنسان المستلب” الّذي يقدّم فيه، على غرار كتابه ” الإنسان بين الجوهر والمظهر”، نسّقا من التصوّرات الإبداعيّة في وصف الاغتراب وتحليل مستوياته كما نجد فيه تحليلاً رشيقاً ونقداً فائقاً لطبيعة المجتمع الاستهلاكيّ في المجتمعات الرأسماليّة الّذي يتحوّل فيه الإنسان إلى كيان غائر في نزعته التملّكيّة الاستهلاكيّة .
يركّز فروم في هذا الكتاب على خطورة الاستلاب الذهنيّ للإنسان في المجتمعات الاستهلاكيّة الرأسماليّة. وهو استلاب يمارس ضدّ وعي الإنسان، إذ يركّز على تشويه هذا الوعي وتخديره بقناعات العوالم الاستهلاكيّة القائمة على مداهمة الوعي ومناشدة الخيال، وهذا العالم الاستهلاكي يمثل الحالة الّتي ” لا يكون فيها الفرد مطالباً باستعمال ذكائه وخياله وعبقريّته وعقله، بقدر ما يكون مرغماً على الاستهلاك الأعمى لكل المنتجات السعية الصنمية في المجتمع .
وفي مسار آخر يبين لنا فروم الكيفية التي توظف فيها السيكولوجيا أدواتها النفسيّة لوضع الإنسان في أصفاد غير مرئيّة والكيفيات التي يتم فيها استلاب الوعي عند الفرد بطريقة تسحره من الداخل وتملي عليه فروض الانصياع لما هو قائم بطريقة البرمجة الداخلية التي تتم على نحو سيكولوجي أعماق النفس الإنسانية؛ وعلى هذا الأساس يأخذ الاغتراب صورته الناعمة المتغلغلة في الأعماق والتي تتمثل في أكثر مظاهر استلاب الوعي الداخلي للإنسان وحشية وخبثاً. فالرأسمالية توظف السيكولوجيا المتقدمة في عملية استلاب روح الإنسان وتدمير كينونته الإنسانية من الداخل؛ وعلى هذا النحو يتحول الاغتراب من قوة خارجية تفرض على الإنسان من الخارج إلى قوة داخلية مدمرة للوعي والروح والأعماق. وعلى هذا النحو يصعب اعلى المرء أن يقاوم هذا المدّ الاستلابي إذ يصبح الاغتراب صميمياً في الكيان الداخلي للإنسان[32]. ويرى فروم في هذا السياق: أنّ عمليّة استلاب الوعي وتدميره تتمّ في المختبرات السيكولوجية الجبارة للشركات الرأسماليّة الكبرى العابرة للقارات الّتي توظّف هذا النمط من الاستلاب للوعي في مجال زيادة مستويات الاستهلاك الرأسماليّ الّذي يدرّ عليها أرباحاً طائلة[33]. وفي هذا الداخل الإنساني تتم برمجة الإنسان على الاستهلاك اللاشعوري العفوي اللاواعي الذي يقود المرء إلى ” إلى السقوط في فخّ النزوع إلى نزوية الجشع والامتلاك، وهو الأمر الّذي يقلّص الحياة الإنسانيّة في الأشياء والموادّ الّتي تقدّم له، ليصبح الإنسان نفسه بضاعة تباع وتشترى، تماماً كباقي البضائع الأخرى” [34]. وهو “أمر نعيشه حاليّاً ونجده في الأقطار كلها، لأنّ الحبّ مثلاً تحوّل إلى جنس، وإلى إشباع شهويّ للغرائز الإنسانيّة مفرغ من مضمونه الإنسانيّ والأخلاقيّ، سواء أمورس هذا الإفراغ من طرف شبكات الدعارة العالميّة، أو من طرف شركات أفلام الفيديو ومواقع الإنترنيت” [35].
9-القيصر عارياً:
ومن المهمّ في هذا المسار أنّ فروم يسلّط الضوء على التأثير المضخّم الصاعق لوسائل الإعلام وتوظيفه في عمليّة غسل الأدمغة وتشويه الوعي الإنسانيّ. لقد أصبحت الحقيقة الإعلاميّة في عالم الميديا والاستهلاك هي الحقيقة الّتي تفرض نفسها على الناس، وقد اُسْتُبْدِلَت الحقيقة الواقعيّة بالحقيقة الإعلاميّة، فعندما نرى شيئاً في الواقع نقول إنّه هذا يشبه ما رأيناه في التلفزيون وليس العكس، فالصورة الّتي يغذّي فيها التلفزيون أدمغتنا قد أصبحت الحقيقة المطلقة، بينما تحوّلت الحقيقة الواقعيّة إلى حقيقة ظلّيه نسبيّة تقاس بما كنّا قد شاهدناه ورأيناه على شاشات التلفزة ووسائل الميديا والإعلام.
يستكشف فروم أبعاد التدمير الممنهج للوعي الّذي شُوِّهَت طبيعته في ظلّ النظام الإعلاميّ الجديد. لقد استطاع الإعلام التدميريّ الممنهج أن يهشّم طبيعة الوعي وأن يحدث تغييراً في بنيته وتشويهاً في تكوينه فالحقائق أصبحت تنعكس مشوّهة ومقلوبة في الوعي الإنسانيّ الجديد. وبعبارة أخرى فإنّ وعي الواقع للإنسان العصريّ يختلف جذريّاً عن ذلك الّذي نجده عند الإنسان التقليديّ القديم. ويلجأ فروم في هذا السياق إلى القصّة القصيرة لهانس كريستيان أندرسن (Hans Christian Andersen) ” ملابس الإمبراطور الجديدة” [36]. في الحقيقة يظهر القيصر في القصّة عارياً، باستثناء طفل صغير، عندما ظهر القيصر عاريا، لم يستطع الناظرين إليه أن يروه إلا في حلة قيصرية جميلة، فالكلّ يعتقد أو أراد أن يعتقد بأنّه يرى لباساً جميلاً ملبوساً من طرف القيصر، كان الناس كلّهم مقتنعين مسبقاً بأنّ للقيصر لباساً عجيباً إلا طفل صغير صرخ القيصر عارٍ ، وهكذا فإنّ الإنسان فقد قدرته على إدراك الواقع الحقيقيّ – رؤية القيصر عارياً – وامتلكه وعي وهميّ يتمثّل في الصورة الّتي رسّخت عن ثوب القيصر، إذ نرى القيصر مكتسياً بأجمل حلّة ولباس كما يوهمنا الوعي المزيف في أعماقنا . ففي حكاية اللباس الجديد للقيصر كان القيصر موجوداً بالفعل، والمشكّل هو أنّه كان عارياً في الوقت الّذي كان الكلّ يعتقد بأنّه يرتدي بذلة سحريّة [37].
10- العقل الأداتي في المشهد الاغترابي :
ومن أبرز مظاهر الاغتراب والاستلاب في نظريّة فروم هيمنة العقل الأداتيّ في الزمن الرأسماليّ الجديد. فالعقل الأداتي يجرد الحقيقة من أبعادها الإنسانيّة، والوعي وفق معطيات العقل الأداتي أصبح محكوماً بالأدوات الإحصائيّة والمقاييس الهندسيّة والترسيمات المنطقية، وذلك دون أن يأخذ بعين الاعتبار المشاعر والقيم والجماليّات الأخلاقيّة والأبعاد الإنسانيّة العاطفيّة الّتي تشكّل جوهر البعد الإنسانيّ. وفي هذا السياق يتناول فروم هذا البعد الأداتيّ للاغتراب وهو في تقديمه لهذا البعد الاغترابيّ يضرب الأمثلة والحكايات السرديّة في شرح هذا الجانب الخطير من جوانب الاغتراب.
يسرد لنا فروم حكاية النازيّ الشهير أدولف آيخمان (Adolf Eichmann) – أحد أخطر المسؤولين عن إبادة اليهود في الزمن النازيّ [38]، ويبيّن لنا بأنّ إيخمان ليس شرّيراً بالمعنى الأداتيّ للكلمة، بل هو موظّف بيروقراطيّ أصمّ يمارس فعل القتل والتعذيب بالطريقة نفسها الّتي يعنى بها الإنسان بطفل، أو يطعم كلباً، أو يفرغ سلّة المهملات. فهذه الأمور بالنسبة له سيّان، إذ هي عمل بيروقراطيّ لا يأخذ بعين الاعتبار الجوانب الإنسانيّة. فالإنسان الأداتيّ أي إيخمان كما يقول فروم “توقّفت الحياة بالنسبة له لكي يعيش حيّاً بعض الشيء، إنّه ينظّم فقط، وهذا التنظيم هو هدف في حدّ ذاته، سواء تعلّق الأمر بأسنان الذهب أو بشعر المقتولين أو بعربات القاطرات وأطنان الفحم. إنّه غير مبال بكلّ هذا أو ذاك، وعندما دافع أيخمان عن نفسه، ونبّه إلى أنّه لم يكن إلّا بيروقراطيّاً، لم يعمل في الواقع أكثر من تنظيم مواعيد القطارات، فإنّه لم يكن كاذباً. وأعتقد أنّ جزءاً من أيخمان يسكن في كلّ واحد منّا اليوم. وبراهين أيخمان لا تختلف كثيراً عن الأفكار الّتي يقدّمها استراتيجيو النوويّ” [39].
ولكي يوضّح هذا البعد الاستراتيجيّ الأداتيّ للاغتراب، يستعرض فروم قولا أحد أهمّ العاملين في استراتيجيّات النوويّ الأمريكيّ هيرمان كان (Herman Kahn)، الّذي قال:” بأنّه إذا مات مليون أمريكيّ في الأيّام الثلاثة الأولى لحرب نوويّة، فإنّه بالإمكان تحمّل هذا، لكن إذا مات 90 مليوناً، فإنّ ذلك سيكون كثيراً “. ويقول هيرمان كان في كتابه ” حول الحرب النوويّة الحراريّة (On Thermonuclear War) في عام 1960:” صحيح أنّ الحرب شيء مهول، لكنّ السلام مهول كذلك، وكون الحرب النوويّة أهول من هول السلام ما هي إلّا مسألة حسابيّة” [40]. وعندما سأله أحد الصحفيّين عن مغزى ما قاله؟ أجاب بما لا يمكن للكثير من الناس أن يقولوه: “ماذا تريدون؟ في العمق ليس هناك أحد سعيد. أين هو الفرق إذن؟ والمخيف هو أنّ هذا الإنسان ليس استثناء، بل إنّ هناك الملايين من الناس ممّن يفكّرون هكذا إنّ هذا السلوك للإنسان الّذي أصبح لا إنسانيّاً، الإنسان الّذي لا يهتمّ الإنسان الّذي لا يسهر ليس فقط على أخيه، بل وأيضاً على نفسه، هو سلوك يميّز الإنسان المعاصر”[41]، وهذا هو الأمر الذي يمثّل بذاته جوهر الاغتراب الإنسانيّ المعاصر.
11-المظهر الاستهلاكيّ للاغتراب في المجتمعات الصناعية:
يركّز فروم في كتابه “الإنسان المستلب” على الطابع الاغترابيّ للاستهلاك، ويرى بأنّ الاستغراق في الاستهلاك يدفع إلى مستنقع الاغتراب والاستلاب. وقد وجد أنّ ظاهرة الاستهلاك تطغى بجبروتها في المجتمعات الغربيّة الّتي أصبحت مجتمعات استهلاكيّة بامتياز. فالإنسان المعاصر “هو في غالب الأحيان خامل في أوقات فراغه. إنّه مستهلك أبديّ: إنّه يتناول: مشروبات، أكل، سجائر، مقروءات زيارات كتب أفلام. كلّ شيء يستهلك، يبلغ. والعالم حقل كبير لشهواته: قارورة كبيرة، تفّاحة كبيرة، صدر كبير. إنّ الإنسان قد أصبح رضيعاً ينتظر على الدوام، ويخيب ظنّه على الدوام” [42]. ويعمل هذا النمط الاستهلاكيّ المفرط في المجتمعات الرأسماليّة على تجريد الأفراد من كينونتهم الإنسانيّة، ويدفعهم إلى مهاوي الضياع الإنسانيّ والاغتراب الوجوديّ.
ويقوم فروم في هذا المسار بتحليل المجتمع الاستهلاكيّ الرأسماليّ إذ يقول: “في نظامنا الاقتصاديّ يدور كلّ شيء حول وظيفة السوق الّذي يحدّد قيمة البضائع كلها، وينظّم الحصّة الّتي لكلّ واحد في المنتوج الاجتماعيّ الخام” [43]. وفي العالم الرأسمالي تحول كلّ شيء إلى بضاعة، فالإنسان نفسه تحوّل إلى بضاعة تباع بنفس شروط المنافسة في سوق العمل [44]. وهذا الأمر يعطي مؤشّراً على فعاليّة السوق الاغترابيّة؛ لأنّ الإنسان نفسه قد تحوّل إلى شيء أو بضاعة تشرى وتباع في العلن. والإنسان كما يقول فروم :” يعيش حياته كرأس مال يجب استثمار من أجل الربح. إذا نجح في ذلك، ستكون حياته ناجحة، وإذا لم ينجح في ذلك فإنّه سيكون راسباً. تتأسّس قيمته على إمكانيّة بيعه، وليس على قيمته الإنسانيّة العقل، الحبّ، أو على قيمته الفنّيّة. فقيمة حياته الذاتيّة موقوفة على عوامل خارجيّة: نجاحه وحكم الآخرين عليه. ولهذا السبب فإنّه تابع للآخرين، ولا يمكنه أن يحسّ بالثقة بنفسه إلّا إذا سلك سلوكاً لائقاً مع الآخرين، ولا يبتعد عن القطيع بأكثر من نصف متر” [45].
وعندما يتحدّث فروم عن الأبعاد السيكولوجيّة للاستهلاك، فإنّه يميّز بين الاستهلاك الطبيعيّ الّذي يحفظ الوجود الإنسانيّ والاستهلاك الترفيهيّ المفرط الّذي يأتي لتدمير الطاقة الخلّاقة للإنسان وهو الاستهلاك الّذي يتميّز بشهوة التملّك (السيّارات، الهواتف، المجوهرات، وكلّ المنتجات الصناعيّة وغيرها)، وهذا النمط الاستهلاكيّ المفرط يدمّر شخصيّة الإنسان بالطريقة الّتي يتحوّل فيها الكوجيتو الديكارتي من مبدأ ” أنا أفكّر إذن أنا موجود إلى أنا أملك أنا موجود. فالتملّك الاستهلاكيّ يجعل من الرفاه المادّيّ عنوان الحياة وغايتها ذاته بعد أن كان التملّك هو وسيلة للحياة[46]. ومثل هذا التملكّ الاستهلاكيّ يشيّء الإنسان، ويدمر أعماقه دون رحمة، وعندما يصبح الإنسان شيئاً يفقدّ روحه وذاته وكينونته الإنسانيّة، أي يموت وإن كان حيّاً مرئيّاً، وهذه هي الحالة الّتي يصبح فيها الإنسان ضدّ ذاته ضدّ كينونته، أي: أنّ وجوده يشكّل خطراً على هويّته الإنسانة ووبالاً على الآخرين من حوله [47].
يرى فروم في هذا السياق، بأنّ حركة التصنيع الجبّارة أدّت إلى اغتراب الإنسان واستلابه ووضعته في مواجهة استلابيّة ضدّ ذاته وكينونته الإنسانيّة، والإنسان في هذا المجتمع الصناعيّ يجد نفسه في دوّامة يخضع فيها لنزواته ورغباته وميوله الاستهلاكيّة، وعلى هذه الصورة أصبح سلوكه مضادّاً لوجوده الإنسانيّ محكوماً بالرغبة وهوس السلعة والاستهلاك المرضيّ المتضخّم. وعلى هذه الصورة، فقد جوهره الإنسانيّ الخلّاق، وتحوّل إلى وثنيّة الأشياء إذ أصبح عبداً للأشياء، وأصبحت المؤسّسات والموادّ الاستهلاكيّة أوثاناً وأصنام ينحني لها يقدّسها ثمّ يعبدها. وهذا يعني أنّ الإنسان المستلب في المجتمعات الرأسماليّة يخضع لما ينتجه المجتمع الصناعيّ من أدوات وأشياء ومستهلكات الأمر الّذي يؤدّي إلى ضياع الإنسان وفقدانه لجوهره لا يعيش ذاته أو لذاته، بل يعيش بوصفه كياناً مشيئاً فاقداً لذاته مضادّاً لجوهره الإنسانيّ.
ويتطرّق فروم في كتابه “الإنسان المستلب” إلى الأوضاع الاغترابيّة للعمّال في المعامل والمصانع ويرى بأنّ العامل أصبح جزءاً ذرّيّاً جدّاً في المصنع، وهو في تناوله لهذه القضيّة يقتبس عن ماركس ويعزّز تصوّراته عن الوضع الاغترابيّ للعمّال في المعامل وفي المصانع. فالعامل كما يقول ” الّذي يرقص لصفير المدير الآليّ ليس له تأثير في صيرورة الإنتاج ولا على ما يتبع ذلك، وقليلاً ما يكون على علاقة مع المنتوج النهائيّ” [48]. وكذلك هو حال المدير الّذي غدا موظّفاً ” لا يرى في الأشياء والأشكال والوجود الإنسانيّ إلّا مواضيع نشاطه يسمّي تعامله مع العمّال بعلاقات إنسانيّة، لكن ليس في ممارسته الفعليّة إلّا العلاقات اللاإنسانيّة، لأنّه ينطلق من العلاقة مع الآلة الّتي أصبحت تجريداً. وقد أصبح سلوكنا الاستهلاكيّ غريباً كذلك. لقد أصبح محكوماً من طرف النشرات الإشهاريّة عوض حاجيّاتنا الحقيقيّة، وما يعجبنا وما نراه أو نسمعه” [49].
ويرى فروم أنّ المجتمعات الرأسمالية المعاصرة تعاني اغتراب شامل في مختلف ميادين العمل والحياة. فالعمل جوهر الإنسان كما يرى ماركس، ولكنّ الرأسماليّة تعتقل هذا النشاط الخلّاق وتدفع الإنسان إلى وضعيّة الكسل الاغترابيّ، وقد أصبح “المثال الأعلى للإنسان الحاليّ هو الكسل المطلق، حيث لا حركة، مطبقاً في ذلك الشعار الإشهاريّ لشركة كوداك: اضغطوا على الزرّ، ونقوم نحن بالباقي ! [50]. ويتعزّز هذا الكسل اللامتناهي عن طريق تعزيز نمط الوجود الاستهلاكيّ الذي يتمثل في قول ألدوس هوكسلي (Aldous Huxley): “لا تؤجّل متعة يمكنك الحصول عليها اليوم إلى الغد”، وبناء وعلى هذا المشهد، يتحوّل الإنسان إلى مجرّد كائن مستهلك بل إلى طاقة استهلاكيّة لا تنفكّ تتجدّد باستمرار، وهذا الشبق الاستهلاكيّ يؤدّي في النهاية إلى تدمير الوعي؛ لأنّ الفرد مستغرق في الاستهلاك مشغول بمتعته وإشباع رغباته البدائية، وعلى هذه الصورة يتحوّل الإنسان إلى كائن رغبويّ بل إلى نسق من الرغبات والميول الّتي تسعى إلى أن تحقّق نفسها وتفرض مشيئتها على الإنسان في المجتمع الصناعيّ. وإذا كان على الإنسان أن يعمل في هذا المجتمع فإنّه يعمل لغاية تحقيق الرغبات وإشباع الميول لا أكثر، وعلى هذا النحو يفقد العمل الإنسانيّ قيمته كطاقة خلّاقة إبداعيّة فاعلة في الوجود.
12- البعد السيكولوجي للاغتراب :
ويتطرّق فروم إلى الجوانب السيكولوجيّة للاغتراب فالإنسان المغترب يتملّكه إحساس مهول بالخوف والرعب لأنّ النظام الاجتماعيّ القائم بمؤسّساته البيروقراطيّة الجبّارة تشعره بضعفه وهزاله، وتولّد فيه الشعور بالخطر الدائم وانعدام الأمن وهذا يؤدّي إلى الخوف الشديد الّذي يضرب في أعماق الفرد ويشلّه تماماً. فأغلبيّة الناس موظّفون، ومن ثمّ فإنّهم يخضعون لرؤسائهم البيروقراطيّين، وينصاعون مكرهين لجبروت مؤسّساتهم البيروقراطيّة، وهم أثناء العمل ” لا يبيعون قوّة عملهم فحسب، بل يبيعون جوهر إنسانيتهم وشخصيّتهم في المزاد العلنيّ وهذا يشمل (ابتساماتهم، أذواقهم وصداقاتهم). وهم على هذه الصورة يخونون أصالتهم وكينونتهم الإنسانية ، دون أن يكونوا على يقين ما إذا كان بإمكانهم الصعود أو النزول، أي هل سيصعدون في السلّم الاجتماعيّ أم سيتعرّضون للفقر للعار والفضيحة ؟ “[51]. وباختصار يمكن القول: إنّهم يبيعون أرواحهم، ويتحلّون عن كرامتهم، وذلك كلّه في سبيل الحصول على قليل من الرفاهية وكثير من المتعة الاستهلاكية . وعلى هذا النحو يصوّر فروم المجتمع الصناعيّ البيروقراطيّ على صورة مجتمع سيكولوجي يتكوّن من الجبناء والخائفين والمستهلكين والمغتربين والمستلبين أيضاً. وفي هذه المجتمعات يكون الخوف من النجاح أو الفشل كبيراً جدّاً عند الأفراد. وفي هذه المجتمعات يتشيّأ الإنسان أي يصبح أشبه بالشيء أو أقلّ منه، ويفقد الإنسان قيمته، ويتحوّل إلى كائن منبهر بالأشياء بالموادّ الاستهلاكيّة بالمنتجات إلى الدرجة الّتي تكون فيها سيّارة رياضيّة أو هاتف جوّال أحسن من امرأة جميلة [52]. وعلى هذا النحو يكون الاهتمام بالحياة وبما هو إنساني قد استبدل بما هو تقنيّ ومادي. وهكذا فإنّ إنسان اليوم” يشعر بالزهو باكتشاف الصواريخ والسلاح النوويّ أكثر من شعوره بالحزن عندما يكتشف أنّ هذا الاكتشاف خطر على الحياة” [53].
ويحاول فروم أن يستكشف الأبعاد السيكولوجيّة الاغترابيّة لتشيؤ الإنسان فيقول:” إنّ الإنسان الّذي أصبح شيئاً هو إنسان جبان، ليس له أيّ إيمان ولا أيّة قناعة، ولم يعد باستطاعته أن يحبّ حتّى. إنّه يهرب في وجود فارغ: في الإدمان على الكحول في الجنس وفي كلّ الأعراض المرضيّة النفسيّة، الّتي يمكن شرحها أحسن عن طريق نظريّة الإرهاق. وهنا نصل إلى نتيجة متناقضة، تكمن في كون المجتمعات الأكثر غنى هي في الطريق لكي تصبح الأكثر مرضاً، وسيقضى على كلّ تطوّرات الطبّ عن طريق التنامي القويّ للأمراض النفسيّة والنفس جسديّة” [54].
13- خاتمة:
يغطّي فروم مفهوم الاغتراب في مختلف مستوياته وتجلّياته الإنسانيّة، ويتجلّى هذا التناول في مختلف الكتب والأعمال الّتي قدّمها، ومن الواضح أنّ معظم كتبه تتناول الظاهرة الاغترابيّة من وجوه متعدّدة وفي آفاق مختلفة . ومن جماليّات التناول لظاهرة الاغتراب أنّ فروم يعتمد منهجاً يتميّز بالخصوبة الفكرية العالية، إذ يعتمد في تحليله لهذه الظاهرة على خصوبة التفاعل بين السيكولوجيا والسوسيولوجيا والتاريخ والأدب وعلم الأديان. وهو في الأحوال كلها يقدّم لنا منهجاً فكريّاً يتميّز بالثراء والقوّة والقدرة على تحليل مختلف الظواهر السيكولوجيّة والسوسيولوجيّة في المجتمعات الرأسماليّة . وقد عرف عن فروم أنّه استطاع تحقيق التزاوج الصعب بين معطيات التحليل النفسيّ ومعطيات النظريّة الماركسيّة وخصبهما بعلم الأديان كي يقدّم فكراً خصيباً مثيراً في تحليله لمختلف الظواهر الاجتماعيّة في المجتمعات الرأسماليّة في القرن العشرين. ويمكن القول في هذا السياق أنّ الأعمال الفكريّة لفروم تمثّل طاقة فكريّة نقديّة للمجتمعات الرأسماليّة في أنظمة عملها وحركتها وقوانينها اجتماعيّاً وسيكولوجيّاً.
ولا يقف فروم عند حدود تحليل الظاهرة الاغترابيّة ونقدّها، بل يقدّم لنا بعض التصوّرات المضيئة حول منهجيّة تجاوزها، مع أنّه يبدو متشائماً إلى حدّ كبير من إمكانيّة هذا التجاوز؛ نظراً لما يتمتّع به النظام الرأسماليّ بصورته الحاليّة على الاستمرار ضمن الشروط الاغترابيّة ضدّ الإنسانيّة والإنسان. وتبقى التصوّرات الّتي يقدّمها حول التجاوز نوعاً من التفكير الطوباويّ الّذي لا يمكن أن يتحقّق في أرض الواقع والوقائع. ولم يطالب فروم كما فعل ماركوز باعتماد الثورة منهجاً لتجاوز الاغتراب وتحرير الإنسان من ظلمات القهر والعبوديّة، وعلى عكس “هربرت ماركوز ونزعته الثوريّة إلى تغيير النظام الاجتماعيّ القائم، أكّد فروم أولويّة الحلول الإنسانيّة الّتي يمكنها أن تحرّر الإنسان وتحقّق له التوازن الوجودي[55].
ففي كتابه “الإنسان المستلب” يركّز فروم على مفهوم الحرّيّة والحاجة إلى” أناس يشعرون بأنّهم أحرار وغير تابعين، غير خاضعين لأيّة سلطة ولأيّة مبادئ ولأيّ ضمير، لكنّهم يكونون على استعداد للخضوع والانصياع إلى ما يطلب منهم ، وهم في كل الأحوال يندمجون دون مشاكل في الآليّة المجتمعيّة “(…) إنّنا اليوم في حاجة إلى أناس يمكن قيادتهم دون عنف ودون قائد، يمكن تحريكهم دون أن يكون لهم هدف بين أعينهم سوى الحركة، أن يعملوا ويتقدّموا”[56].
والسؤال الّذي لا يستطيع فروم أن يقدّم له إجابة هو كيف يمكن إيجاد هؤلاء الرجال الأحرار الّذي يستطيعون العمل بجدية وما هي الكيفيّة الّتي يستطيعون فيها تجاوز مراكز القهر والضغط الّتي يمارسها النظام الرأسماليّ بقوّته وجبروته. وعلى هذا الأساس يرى فروم” أنّ العالم لن يتوحّد ولن يتخلّص من آفات الرأسماليّة من غير بعث للإيمان ومناهضة الصنميّة فضلاً عن تفعيل وتجذير” نزعة إنسانيّة جديدة” كشرط أساس في إنقاذ البشريّة من مصيرها المرتقب [57].
وفي كتابه “الإنسان بين الجوهر والمظهر” نراه يلحّ على أهمّيّة انتصار الكينونة على التملّك في مواجهة الاغتراب الإنسانيّ، وهنا يطالب الإنسان أن يكون إنساناً حقيقيّاً، يجمع بين العقل والعاطفة كجوهرين، ويتغلّب على الجانب التملّكيّ، أي أن يغلب جوهره الإنسانيّ على معطيات وجوده المادّيّ والسؤال أيضاً هو كيف يمكن للإنسان أن يتغلّب على مظاهر الوجود، وأن يحقّق هويّته الإنسانيّة الأصيلة في مجتمع غارق في نزويّته ومادّيّته في مجتمع استهلاكيّ بيروقراطيّ يتميّز بقدرته الطاغية على القهر والاستلاب والاغتراب[58]. وهنا يؤكّد فروم أهمّيّة العقلنة الّتي يجب أن تفرض نفسها على مبدأي الامتلاك والاستهلاك، وتتمثّل هذه العقلنة بتحقيق التوازن بين المبدأين من أجل حياة متوازنة. ويتمثّل هذا التوازن بعقلنة الاستهلاك الفرديّ الّذي يجب أن يقتصر على الضروريّ والاستغناء عن الثانويّ وعدم الخضوع لإغراءات العوالم المصنّعة ( ماكدونالد، عالم الديزني إلخ). ” ولا يمكن أن يتأتّى ذلك إلّا إذا وعي المرء بأنّ إغراءات السوق تتأسّس قبل كلّ شيء على سذاجة المستهلك، وليس على ذكاء مهندسي هذه السوق” [59].
وتتجلّى هذه الحلول الّتي تأخذ طابعاً طوباويّاً في مختلف أعمال فروم وكتاباته، ومع أنّه بعض الوصفات في مواجهة الاغتراب الإنسانيّ الّتي تعتمد على مفاهيم مثل الإرادة والحرّيّة والكرامة والعمل الحرّ. وجميع هذه الوصفات المعنويّة لا يمكنها أن تصمد في وجه نظام صناعيّ رأسماليّ تحكمه قوانين بيروقراطيّة جبّارة تطحن كل شيء وتدمر كل القوى التي تقف في طريقها اليوم.. ورغم كل هذه المعطيات آمن فروم بقدرة الإنسان على صنع حياته ومصيره وتغيير مجتمعه، وذلك عن طريق الوعي بالذات والتسامي والتحوّل إلى الإنتاج غير الاستهلاكيّ، الّذي يوفّر إمكانيات الانتصار على الاغتراب، مع التأكيد على الجانب النفسيّ، ذلك أن وعي الأزمة هو جزء من حلّها [60] ، ومهما يكن الأمر فإنه يمكننا القول: إن الاغتراب يشكّل ظاهرة صميمة في النظام الرأسماليّ، وهو يضرب جذوره في أعماق حركته ونشاطه الوجوديّ، ويبنى على ذلك أنّ النظام الرأسماليّ القائم لا يعدو أن يكون نظاماً اغترابياً بالمطلق، وأنّ القضاء على الاغتراب في هذا النظام مرهون عمليّاً بإحداث تغيّرات جوهريّة في بنيته، ومثل هذا التغيير لا يمكن أن يحدث بالإرادات الطيّبة والنوايا الحسنة. فالتغيير لا يتمّ إلّا وفق قوانين اجتماعيّة متجذّرة في الزمان والمكان، وقد سقطت حتّى اليوم كلّ التصوّرات والأفكار الّتي تقول بسقوط النظام الرأسماليّ الّذي تجلّى بأشكل مختلفة، وتميز بقدرته اللامتناهية على التكيف والاستمرار. وهذا كلّه لا يمنع من أهمّيّة النداء والعمل والأمل في تغيير البؤس الناجم عن هذا النظام ثقافيّاً وفكريّاً وإنسانيّاً. فهناك اليوم الكثير من المنظّمات الاجتماعيّة والمؤسّسات الفكريّة والإنسانيّة الّتي تعمل بشكل متواصل على تحرير الإنسان والارتقاء بالإنسانيّة إلى أفضل مستويات الحضارة الإنسانيّة الخلّاقة. وتجدر الإشارة هنا إلى أهمّيّة الطرح الماركسيّ الّذي يرى أنه سيأتي اليوم الّذي تؤدّي فيه تناقضات المجتمع الرأسماليّ إلى سقوطه وتغييره نحو نظام اجتماعيّ أكثر كفاءة وعدلاً. وقد شهد الفكر الإنسانيّ كثيراً من الجدل حول إمكانيّة إحداث تغيرات جوهرية في بنية النظام الرأسماليّ القائم ليكون أكثر أنسنة وعدلاً وأقلّ تصلّباً واغتراباً.
مراجع الدراسة وهوامشها:
[1] – إريك فروم (1900-1980) عالم نفس وفيلسوف ومحلّل نفسيّ ألمانيّ-أمريكيّ. يعدّ من أبرز مفكّري الجيل الأوّل في مدرسة فرانكفورت، وقد ساهم بشكل كبير في تطوير نظريّة التحليل النفسيّ الاجتماعيّ. وقد كرّس جهوده في مجال تحليل الحياة الإنسانيّة، وعمل على إبداع نظريّة سيكولوجيّة اعتمدها للوصول إلى فهم أعمق للطبيعة البشريّة والعلاقات الاجتماعيّة. استطاع فروم أن يخصّب بين عديد من التخصّصات الفكريّة والثقافيّة الدينيّة والفلسفيّة والسيكولوجيّة والاجتماعيّة ليقدّم رؤى عميقة حول التفاعل الأشمل بين النفس البشريّة والمجتمع. ويمكن القول بعبارة أخرى إنّ فروم كان باحثاً ومفكّراً متعدّد الأبعاد، ساهم في تطوير الفهم البشريّ من خلال دمج التحليل النفسيّ مع النظريّة الاجتماعيّة والفلسفة، ممّا جعل أفكاره ذات تأثير واسع ومستمرّ حتّى اليوم. ولد إريك فروم في 23 مارس 1900 في فرانكفورت، ألمانيا، في عائلة يهوديّة. بدأ دراسته في علم الاجتماع والفلسفة في جامعة فرانكفورت، ثمّ انتقل إلى دراسة التحليل النفسيّ في معهد التحليل النفسيّ في برلين. تأثّر بأعمال سيغموند فرويد وكارل ماركس، ما قاده إلى تطوير منهج يجمع بين التحليل النفسيّ والنظريّة الاجتماعيّة. وقد وقع لديه أنّ التحليل النفسيّ الفرويدي يحتاج إلى البعد الاجتماعيّ لفهم أعمق للنفس البشريّة، وبالمقابل وجد أنّ الماركسيّة تحتاج إلى فهم أعمق للنفسيّة الفرديّة وتأثيراتها على المجتمع. بعد هروبه من النازيّة في أوائل الثلاثينيّات، استقرّ فروم في الولايات المتّحدة حيث عمل في عدّة جامعات ومعاهد بحثيّة، منها جامعة كولومبيا وجامعة ييل ومعهد ويليام ألينسون وايت للتحليل النفسيّ. وقام بتدريس الفلسفة وعلم النفس الاجتماعيّ، وأصبح عضواً بارزاً في مدرسة فرانكفورت. كان فروم ناشطاً في القضايا الاجتماعيّة والسياسيّة. كان من المدافعين عن حقوق الإنسان والديمقراطيّة، وانتقد بشدّة الفاشيّة والستالينيّة. توفّي إريك فروم في 18 مارس 1980 في لوكارنو، سويسرا تاركا وراءه إرثاً فكريّاً هائلاً أثّر في عصره في العديد من المجالات الأكاديميّة والفكريّة على امتداد القرن العشرين.
[2]– راينر فوك، مدخل إلى فكر وأعمال إريك فروم، ضمن إريك فروم: الإنسان المستلب وآفاق تحرّره، ترجمة وتعليق حميد الأشهب، الرباط: فيديبرانت، 2003. ص 28.
[3] – إريك فروم، فن الحب، مرجع سابق، ص 119.
[4] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرّره، ترجمة وتعليق حميد الأشهب، الرباط: فيديبرانت، 2003.
[5] – إريك فروم، الخوف من الحرّيّة، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، دمشق، 1972 .
– [6] إريك فروم، المجتمع السويّ، ترجمة محمود منقذ الهاشمي، اللاذقيّة، دار الحوار للنشر والتوزيع، 2015.
[7] – إريك فروم، ثورة الأمل: نحو تكنولوجيّة مؤنسة، ترجمة، مجاهد عبد المنعم مجتهد، القاهرة: دار الكلمة.2010.
[8] – إريك فروم، الإنسان لنفسه، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد، القاهرة، مكتبة دار الكلمة، 2009.
[9] – اريك فروم، فن الحب، بحث في طبيعة الحب وأشكاله، ترجمة: مجاهد عبد المنعم، دار العودة، بيروت، 2000.
[10] – إريك فروم، كينونة الإنسان. ترجمة: محمد حبيب. سوريا: دار الحوار للنشر والتوزيع، 2013.
[11] – إريك فروم، الإنسان بين الجوهر والمظهر. ترجمة: سعد زهران، مراجعة وتقديم: لطفي فطيم. الكويت: المجلس الأعلى للثقافة والعلوم والفنون، عالم المعرفة، العدد 140، أغسطس 198.
[12] – إريك فروم، جوهر الإنسان، ترجمة: سلام خيربك، اللاذقية، دار الحوار، 2011.
[13] – مجاهد عبد المنعم، في الفلسفة المعاصرة، سعد الدين للطباعة والنشر، ط1، بيروت، 1984، ص14. انظر أيضا: إريك فروم، فن الحب: بحث في طبيعة الحب وأشكاله، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد، دار العودة، بيروت، 2000، ص 119 .
[14] أريك فروم، الخوف من الحرية، مرجع سابق. ص151.
[15] – علي أسعد وطفة، المظاهر الاجتماعية للاغتراب الإنساني، مجلة المعلومات مركز المعلومات القومي، العدد 43، نيسان 1996.
[16] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، ترجمة وتعليق حميد الأشهب، الرباط: فيديبرانت، 2003. ص 52.
[17] – فاطمة الموسوي، الذات المغتربة في فكر إريك فروم، المعارف الحكيمة، معهد الدراسات الدينية والفلسفية، 16/3/2024.
https://maarefhekmiya.org/14985/erichfromm/
[18] – ستيفن إريك برونر، النظرية النقدية: مقدمة قصيرة جدًّا، ترجمة سارة عادل ، مراجعة مصطفى محمد فؤاد، مؤسسة هنداوي، 2016. ص 49.
[19] – ستيفن إريك برونر، النظرية النقدية، مرجع سابق، ص 49.
[20] – إريك فروم، مفهوم الإنسان عند ماركس، ترجمة محمد سيد رصاص، دار الحصاد، دمشق 1998.
[21] – ستيفن إريك برونر، النظرية النقدية: مرجع سابق، ص 52.
[22] – اريك فروم ،ثورة الأمل: نحو تكنولوجية مؤنسة، مرجع سابق.
[23] – أحمد الفقيه، إريك فروم: الشاهد الأخلاقيُّ على اغتراب الغرب، الأكاديمية الدولية للدراسات الصوفية، 5-10-2022. https://sufirfan.org/?p=4942
[24] – أحمد الفقيه، إريك فروم: الشاهد الأخلاقيُّ على اغتراب الغرب، مرجع سابق.
[25] – فاطمة الموسوي، الذات المغتربة في فكر إريك فروم، مرجع سابق .
https://maarefhekmiya.org/14985/erichfromm/
[26] – إريك فروم، الإنسان بين الجوهر والمظهر، مرجع سابق. ص 17.
[27] – إريك فروم، الإنسان بين الجوهر والمظهر، المرجع السابق. ص22.
[28] – إريك فروم، الإنسان بين الجوهر والمظهر، المرجع السابق. ص 93.
[29] – إريك فروم، الإنسان بين الجوهر والمظهر، المرجع السابق. غلاف الكتاب.
[30] – إريك فروم، الإنسان بين الجوهر والمظهر، المرجع السابق. غلاف الكتاب.
[31] – أحمد الفقيه، إريك فروم: الشاهد الأخلاقيُّ على اغتراب الغرب، مرجع سابق .
[32] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، ترجمة حميد الأشهب، الرباط: فيديبرانت، 2003. ص 12.
[33] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، المرجع السابق. ص 52.
[34] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، المرجع السابق ،ص 12-13.
[35] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، المرجع السابق ،ص 12-13.
[36] – ملابس الإمبراطور الجديدة هي قصة قصيرة للكاتب الدنماركي هانس كريستيان أندرسن من نشرت لأول مرة في كوبنهاغن في 7 إبريل 1837 ضمن الجزء الثالث والأخير من حكايات أندرسن الخيالية للأطفال. تدور القصة حول ملك يقنعه خياطان بأن يصنعوا له بدلة خفية لا يراها الذي لا يصلح لمنصبه أو الأحمق وعديم الكفاءة. وعندما يخرج الملك أمام رعيته بملابسه الجديدة، لا يتجرأ أحد على قول أنه لا يرى أي ملابس على الملك، باستثناء طفل يصرخ «لكنه لا يرتدي أي ملابس على الإطلاق”.
[37] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، مرجع سابق، ص 51.
[38] – أدولف أيخمان أحد أشهر النازيين المسؤولين عن ترحيل اليهود إلى معسكرات الموت في بولندا، نشأ في النمسا وتوفيت أمه في طفولته، مارس مهنا مختلفة قبل أن يلتحق بالحزب النازي وبالفيلق النمساوي للحزب في بافاريا. حاول زيارة فلسطين لدراسة ترحيل اليهود إليها قبل أن يكلف بوضع خطة لإبادة يهود أوروبا، وانتهت حياته بالإعدام شنقا عام 1962 بعدما خطفته الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية الموساد وحاكمته في إسرائيل.
[39] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، مرجع سابق، ص 53.
[40] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، مرجع سابق، ص 53.
[41] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، مرجع سابق ،ص 53.
[42] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، مرجع سابق، ص 108.
[43] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، مرجع سابق ،ص 108-109.
[44] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، مرجع سابق، ص 109.
[45] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، مرجع سابق، ص 109.
[46] – فاطمة الموسوي، الذات المغتربة في فكر إريك فروم، مرجع سابق.
https://maarefhekmiya.org/14985/erichfromm/
[47] – إريك فروم، كينونة الإنسان. ترجمة: محمد حبيب. سوريا: دار الحوار للنشر والتوزيع، 2013، الصفحة 24.
[48] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، مرجع سابق، ص 110-111.
[49] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره ،مرجع سابق، ص 111.
[50] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، مرجع سابق، ص 111.
[51] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، مرجع سابق ،ص 112.
[52] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، مرجع سابق، ص 112.
[53] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، مرجع سابق، ص 113.
[54] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، ص 113.
[55] – صلاح سالم، إيريك فروم والجوهر الإنساني، الأهرام، 27 فبراير 2024. https://gate.ahram.org.eg/daily/NewsPrint/933551.aspx
[56] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، مرجع سابق، ص 109-110.
[57] – فاطمة الموسوي، الذات المغتربة في فكر إريك فروم، مرجع سابق.
[58] – صلاح سالم، إيريك فروم والجوهر الإنساني، مرجع سابق.
[59] – إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، المرجع السابق، ص 13.
[60] – إبراهيم الحيدري، الاغتراب عند اريش فروم، إيلاف، 18- يناير – 2012. https://elaph.com/Web/opinion/2012/1/709753.html
1 تعليق
مبحث مهم في معركة الإنسان الوجودية وسبر اغوار الطبيعة البشرية تطبعا اوفطرة