تأليف – علي أسعد وطفة – علي جاسم الشهاب
كانت المدرسة وما تزال البوتقة التي يتشكل فيها الإنسان ويتكون تربويًا. وتعد المؤسسة المدرسية الركيزة الأساسية التي يستند إليها المجتمع في تكوين الأفراد وفي بناء المنظومات الحضارية ذات الطابع الإنساني. وانطلاقا من هذه الأهمية الكبرى التي تلعبها المدرسة في الحياة الاجتماعية في اتجاهات بناء الإنسان والحضار ة، طورت المجتمعات الإنسانية وأبدعت منظومات تربوية مدرسية أكثر قدرة على بناء الإنسان بمواصفات حضارية متجددة. وغدت المدرسة تحت تأثير هذه العطاءات المتجددة تكثيفا مركزا للحضارة الإنسانية بما تنطوي عليه هذه الحضارة من اندفاعات عبقرية خلاقة.
فالمدرسة ليست مجرد مكان يجتمع فيه الأطفال أو الناشئة من أجل اكتساب المعرفة، بل هي تكوين معقد وبالغ التعقيد من تكثيفات رمزية ذات طابع اجتماعي، وهي كينونة من الإبداعات التاريخية للإنسان والإنسانية في مجال العطاء وفنون الإبداع الإنساني. لقد تطورت المدرسة من مكان بسيط يتلقى فيه الفرد معرفة إلى كينونة رمزية معقدة، ومن ثم تحول دورها الوظيفي من عملية تعليم الإنسان إلى تشكيل الإنسان وبناء المجتمع وإعادة إنتاجه حضاريًا وأيديولوجيًا. وتجاوزت هذه المؤسسة في آليات عملها واشتغالها حدود الاتجاه الواحد في بناء الإنسان إلى دوائر الاتجاهات المتعددة، وبدأت تنغلق على دائرة الفهم العفوي البسيط، وتنفتح بالمقابل على احتمالات وعي علمي بالغ التنظيم معقد في تكويناته ووظائفه. لقد تحولت المدرسة باختصار من ظاهرة تربوية بسيطة إلى ظاهرة اجتماعية بالغة التعقيد، وبدأت تتحول في دائرة علاقاتها التكوينية مع المجتمع إلى مؤسسة التكثيفات الرمزية المثقلة بوشائج علاقات عضوية مع مختلف التكوينات الاجتماعية والثقافية والروحية في المجتمع.
18 تعليقات