شعريّة الأعلام في “مخطوط تمبكتو”  للمنصف الوهايبي

مخطوط تمبكتو

 

ملخّص:

يعنى هذا البحث بدراسة الأسماء الأعلام وشعريّتها في مجموعة شعريّة للمنصف الوهايبي ممهورة بـ”مخطوط تمبكتو”، ويناقش في افتتاحيّته حضور الأسماء الأعلام في الدّراسات اللّسانيّة والنّقديّة، باعتبارها قسما مهملا لم يحظ بالعناية الواجبة ولم يلتفت إليه إلّا قليلا في تقصّي ما به تكون الشّعريّة في النّصوص الأدبيّة، رغم ما له من حضورٍ جدير بالاهتمام، وبالبحث عن أدواره الإنشائيّة. وقد تمّ الاختيار على الأثر المدروس لما فيه من حضور قابل للدّراسة، لشاعر له تجربته الأصيلة، تواترت فيها الأسماء الأعلام، تواترًا دافعًا للبحث عن طاقاتها الرّافدة لشعريّة النّصّ، لا يمكن إغفالها، وذلك أنّها لم تحضر ضمن الأدوار التّقليديّة للتّعيين وللدّلالة الإخباريّة عن الإنسان والمكان، وإنّما مثّلت غاية في حدّ ذاتها ونواةً دلاليّة يمكننا من خلالها التّأكيد على شعريّة الجزئيّ. وقد سارت دراستنا على نهج نظرنا عبره في إحضار الظّاهرة كمّا وكيفا، وتعقّبناها في مجمل الأثر وفي مواطن كثيرة من عناوين وتصديرات وإهداءات، وفي نصٍّ بعينه مثّل قطب الرّحى في عملٍ انتظم سياقيّا في ما يشبه الرّحلة في الزّمان وفي المكان بتنويعات شعريّةٍ تمثّل الكون الشّعريّ للمنصف الوهايبي، جمعت بين التّاريخيّ والثّقافي وبين الذّاتيّ والكونيّ وبين التّراثيّ والحداثيّ.

الكلمات المفاتيح: الأسمائيّة، الشّعريّة، العتبات، الرّمز، القناع الفنّيّ.

Abstract:

This article aims to study proper names and their poet city as represented in a poetry collection by Moncef Al-Ouhaibi entitled The Tombouctou Manuscript. In its introduction, this article discusses the presence of proper names in linguistic and critical studies which have paid little attention to the importance of these names and their role in achieving poet city. The choice of this particular work of art has been made owing to the unique presence of this phenomenon in this collection by a great poet of inimitable experience, who pays great attention to proper names and believes in their artistic power. Proper names in poetic texts do not only play their traditional role but they also represent an end in themselves and an artistic stake, since they embody what is described as Micro-level poet city. This study is based on a statistical approach that seeks to study the recurrence of proper names and their placement and function in the whole collection and particularity in one major text. Our ultimate goal is to examine the dimensions of this presence which has historical, cultural, personal and modernist implications. All these dimensions combined eventually constitute the poetic universe of Moncef Al-Ouhaibi.

Key words: Proper name, poetic, symbol, The persona, threshold.


1- مقدمة:

رغم ما نجده من فائض الاهتمام بالأعلام ونحن نتصفّح آثارًا تراثيّةٍ[1]، إلّا أنّ العناية بهذا القسم الأساسيّ من أقسام الكلِم في العربيّة لم تتجاوز نطاق المعاجم والقواميس ليظلّ البحث في الأسمائيّة مُرتهنًا بسياق مخصوصٍ، عكف خلاله الدّارسون على تقديم قوائم من أسماء الأعلام الدّالّة على الأشخاص ومن أسماء الأعلام الدّالّة على الأماكن والبلدان بطريقةٍ حكمها الحيادُ ووسمها الثّبتُ والاستعراضُ، فلم تتجاوز غايتهم الحصرَ والتّعريف من باب الإحاطة بالأمر. وليس يُنكر على المعجميّين ما أضافوا وما كان لهم من فضلٍ في تحقيق رافدٍ ثقافيٍّ عزّز وعي القرّاء بشبكة أسمائيّةٍ لها ثقلها ورصيدُها الرّمزيُّ، حيث ضمّت طائفةً من العلماء والأدباء المؤثّرين والمتمركزين صلب الثّقافة العربيّة ممّن تميّز منجزهم بخصائص ساهمت في بروزهم وأحلّتهم مواقعَ في الوعي الجمعيِّ وفي التّأريخ للمسارات العلميّة والأدبيّة بما أهّل تلك الآثار أن تكون مراجع لا غنى عنها لكلّ باحثٍ، فالحاجة تظلّ قائمةً رغم الاعتقاد في بنائيّة النّصِّ باعتبارها غاية كلّ مقبلٍ على ما في النّصوص الأدبيّة من معالم وجماليّاتٍ خاصّةٍ تكشف عنها اللُغة، وأوجه التّعامل بين عناصرها البانية إلى إطلالةٍ سيريّةٍ بها يستأنسُ الدّارسُ في تقصّيه عن فنّيّة المنجز أيّا كان جنسه. ثمّ إنّ التّعرّف إلى البلدان يشكّل في حدّ ذاته سياحةً ثقافيّة في تواريخها واقترابًا على ما في الزّمان من بعد من بعض مظاهرها وخصائصها العمرانيّة والبشريّة وأنسجتها الثّقافيّة، ولا شكّ أنّ هذا الفصل يظلّ إجرائيًّا لما في الصّلة بين الإنسان والمكان من تواشجٍ.

لم يشهد الالتفات إلى الأسماء الأعلام اهتماما في الآثار اللّغويّة مثل ما وجدناه لدى القاموسيّين، ولم يلق الحظوة ولم نجد عنه من الشّواهد ما يكشف عن تنبّه النّحاة الأوائل ولا اللّاحقين لهذا القسم على جسامته ليكون الانشغال في أغلب المتون منصبّا على الأسماء العامّة، وهو ما أفضى إلى ندرة المساحات النّصّيّة المخصصة لهذا القطاع وضيقها فالأسماء الأعلام لم تُدرس لذاتها ولم يكن التّوقّف عندها إلّا بصفتها قسمًا تابعًا يُشارُ إليه على عجلٍ أو يكون نصيبه النّسيانُ، ولم ترتفع العناية به إلى مستوى المعالجة والمقايسة والبحث في ما يتجاوز دلالته على التّعيين الّذي يمثّل نقطة الالتقاء بين النّحويّ والمنطقيّ إذ “يذهب بعض النّحاة مثل ابن يعيش، وبعض المناطقة مثل ميل، إلى أنّ اسم العلم لا يفيد معنى فهو خالٍ من كلّ دلالةٍ. ولا محتوى له من حيث الأوصاف. وتنحصر وظيفته في الإحالة على شخصٍ ما”[2]، ومثل هذا الموقف يثير العديد من الاعتراضات من منطلق أنّ الاسم العلم شأنه شأن غيره من الكلم، يحمل “تاريخه من الاستعمالات”[3] الّتي تُشبع حضوره بقائمة من الدّلالات وتوسّع دوائره الإحاليّة بما يمنحه القدرة في وضعيّاتٍ محدّدةٍ على تجاوز التّعيين إلى استجماع شبكةٍ من الصّفات، وتملّك رصيدٍ مرجعيٍّ يقترن بمجرّد ذكره لاسيّما مع أسماء الأشخاص وأسماء الأماكن ذات الحضور المميّز في نطاقات مختلفةٍ تاريخيّة وأدبيّة ودينيّة.

ولم يكن إهمال الاسم العلم خاصّا بالنّحو العربيّ والمشتغلين على أقسامه ومعانيه، وإنّما وجدنا له قسيمًا في الأنحاء الغربيّة القديمة الّتي لم تنظر في هذا المعطى بما يوازي أهمّيّته إذ اعتبرته ثانويًّا وعرضيّ الحضور، لا يُثير من حوله تلك الإشكالات الّتي من شأنها أن تفرّق الدّارسين وأن تمثّل مدارًا لاختلافاتهم ولتعارضاتهم وتفاوت تأويلاتهم. ولم يمثّل المبحث الأسمائيّ مدارًا للعناية إلّا في مرحلةٍ متأخّرةٍ لـ”يصبح مبحثًا لسانيًّأ معجميًّا ذا منزلةٍ في الدّراسات المعجميّة الحديثة بما له من أسسٍ نظريّةٍ يقوم عليها”[4]. ولم يكن هذا الاهتمام متحقّقًا بما يتطلّبه الاهتمام العلميّ من دوافع، الأصل فيها أن تكون وليدة المبحث، ونتيجةً طبيعيّة لأنساقه ومساراته ولكنّه جاء مقترنًا بعوامل خارجيّةٍ، فاهتمام اللّسانيّين بالأسمائيّة تمّ عبر الفلسفة الّتي حفّزت المبحث اللّسانيّ على النّظر في الاسم العلم بعد ما ناله من الإهمال. وكان خوض المناطقة -تحديدًا في دلالة الاسم العلم من عدمها- المثير الإبستيمولوجيّ لدارسي اللّسان، وتمّت إعادة الاعتبار لهذا المعطى النّحويّ بتعزيز المباحث اللّغويّة بهذا الرّافد المنطقيّ ولم يكتف اللّسانيّون باستعارة الإشكال من المناطقة بل أمدّوه بما يختصّ به علم اللّغة من سماتٍ أفادت المبحث وأفضت إلى نتائج تقاطعوا فيها مع المناطقة في أمورٍ واختصّوا بما يمثّل علمهم الّذي يعتبر الحاضنة الأولى للأسمائيّة، و “خصّ الموضوع ببحوثٍ نظريّةٍ كثيرةٍ وألّفت فيه الكتب، وكُتبت فيه الرّسائل الجامعيّة ونُظّمت من أجله النّدوات العلميّة وتوسّعت مجالات البحث فيه فكان منها الصّرفيّ الّذي يُعنى بمسألة الاشتقاق، وكان منها الدّلاليّ الّذي يُعنى بقضايا التّسمية (dénomination) والتّعيين (désignation) والإحالة (référence) والتّحوّل (transformation) من العلميّة إلى التّعميم أو من التّعميم إلى العلميّة”[5].

ولئن كان للمباحث اللّسانيّة الحديثة ما يحمل على القول بإنصاف الاسم العلم بما أثرى حضوره ووسّع في مساحة البحث في ما يقترحه من إشكالات وما يتضمّنه من قضايا، فإنّنا لا نجد ما ينبئ عن الاهتمام بهذا المعطى الّذي يسجّل حضوره صلب المنجز الأدبيّ بقوّة في مختلف أجناسه شعرًا ونثرًا ، وفي ما نتصفّح من نقدٍ ومباحث سرديّةٍ أو شعريّةٍ، فقد عنيت هذه الدّراسات بالبحث في المتكرّر من المسائل ولم يثر مثل ذلك الحضور للاسم العلم ما يتوجّب صلبها من مساءلة للظّاهرة ومن عكوفٍ على أشكال حضورها ووظائفه بما يوازيه، لتظلّ المباحث الأسمائيّة اللّسانيّة مطبوعة ببعدها النّظريّ منقطعةً عن المنجز. ولئن مثّلت الأسمائيّة الأدبيّة، باعتبارها “مجالًا لتطبيق ما توصّلت إليه الأسمائيّة اللّسانيّة من نتائج”[6]، انفتاحًا على ارتسامات الاسم العلم في نماذج من الإبداع الأدبيّ فإنّ ذلك لم يحفّز الدّارسين على التّوسّع في الأمر ليظلّ البحث خلاله دون ما تستحقّه الظّاهرة من العناية، وقد قصر فيها النّظر على الأعمال السّرديّة وقلّما تصدّى الدّارسون لهذا الحضور في الأعمال الشّعريّة وذلك لاقتران الأسماء الأعلام بأسماء الشّخصيّات من منطلق أنّها ليست أسماء اعتباطيّة، وإنّما الغاية منها الإيحاء والرّمز فالتّسمية في السّرد لها دلالتها في علاقة بما تضطلع به الشّخصيّة من أدوارٍ وما توحي به من أفكارٍ، ويكون ذلك أبين في السّرد الّذي يتّخذ من الرّمز غايةً تتحوّل معها الشّخصيّات إلى رموزٍ وأفكارٍ. ولعلّ مردّ ذلك أنّ أسماء الأعلام في الكتابات السّرديّة تخييليّةٌ بالأساس، وهي من صميم إنشاء الكاتب بما يجعلها متّسقةً مع غايات العمل وموضوعة للتّشابك مع موقعها من سيرورة الأحداث وما يمكن أن تحيل عليه من أبعادٍ، ولكنّ إحضارها في الشّعر يظلّ في الغالب الأعمّ وطيد الصّلة بالواقع لأنّها أسماء تمثّل أصحابها وتمثّل إخبارًا عنهم وإحالة مباشرة عليهم، ليكون الإصرار أكبر على اعتبار الأسماء الأعلام في النّصّ الشّعريّ أسماء تعيينيّة. ولم يتمّ الانتباه في هذا الصّدد إلى أنّ طريقة الشّاعر في إحضار الأعلام تختلف من تجربة إلى أخرى ومن نصّ إلى آخر ومن سياق إلى آخر، بما يجعل حضورها متفاوتًا “فلا تُوظّف في النّصّ الأدبيّ لذاتها، بل لصفاتها ولما توحي به من صورٍ ورموزٍ”[7]. إنّ دخول الاسم العلم في نسيج النّصّ الأدبيّ ينأى به عن وضعيّته الواقعيّة لخضوعه حينها إلى تحوّلاتٍ، يصبح معها موحيًا وقابلًا للتّأويل ويكتسب”مدلولًا يصبح به علامةً قادرةً على الدّلالة وإفادة المعنى، ولا يبقى مجرّد علامةٍ تلصق بصاحبها لتعيينه وتشير إليه، كما هو الحال في علاقة الاسم العلم بالمرجع خارج السّياق”[8].

2- تجربة الوهايبي، المراكمة والتّنوّع:

يُعدّ المنصف الوهايبي واحدًا من الشّعراء المراكمين، لا، في الشّعرية التّونسيّة وحدها وإنّما في الشّعريّة العربيّة الحديثة وذلك لاِستمراره خلال عقودٍ في نحتٍ أصيلٍ لمشروعه الإبداعيّ، يُجلي عن نفسه في ما أثرى به المكتبة العربيّة على مستوياتٍ متعدّدةٍ. ومتى سبرنا سيرته في عالم الكتابة وجدناها مفتوحة على أكثر من منحى يكشف عن رغبته في التّنويع وفي خوض غمار الكتابة بالتّنقّل بين أجناسها المتاحةِ شعرًا ونثرًا. وهو فضلًا عمّا أثّثه في مجال الشّعر، عبر مجاميع لم تنقطع، سمتها فضلًا عن تعدّدها من جهة المناخات الفنّيّة والثّباتُ على التّفعيلة شكلًا، كاتبُ روايةٍ وبحّاثةٌ في الشّعر قديمه وحديثه، صادحٌ في أكثر من مقامٍ بأفكارٍ ورؤى يتمازج فيها المبدع بالمثقّف الحصيف النّاظر في الاجتماع والسّياسة من موقعه الخاصّ والمتميّز. ولا شكّ أنّ هذا التّصادي بين فنونٍ من الكتابة مختلفةٍ دافعٌ لإثراء مدوّنته الشّعريّة الهاجسة في عمقها بتمثّلاته النّقديّة وبرؤيته للعالم وللأشياء. ورغم هذا التّعدّد فإنّنا من وجهة نظرٍ كمّيّة ونوعيّةٍ في آنٍ، نعتبر الوهايبي شاعرًا قبل كلّ شيء فهو يصدر عن هذه الصّفة باعتبارها نواةً، ونرى ملامحها جليّة في أغلب إنتاجاته فرؤيته النّقديّة رغم ما يسمها من تقيّد بالضّوابط العلميّة، باعتباره الأستاذ المختصّ والأكاديميّ صاحب الخبرة، لا تنفصل عن الشّاعر، وإنّما تلتبس به في مواطن كثيرةٍ على مستوى الرّؤية والخطاب وهو التباسٌ نراه جليّا كاشفًا عن نفسه في منجزه السّرديّ الّذي يمثّل مدارًا يمكن للدّارس أن ينظر من خلاله لما ينشأ بين الأجناس من تداخلٍ، فاللّغة في مسرود الوهايبي لا تُغيّب الشّعر وإنّما تحتفي به، وهو من وجهة نظرٍ فنّيّةٍ يدخل في خانة التّجريب الهادم للسّنن التّقليديّة في ابتناء الحكي وفي تصوّر الأحداث. ويصدر الوهايبي في كتابته عن هذا الوعي الجامع الّذي تتقاطع في تكوينه عناصر متعدّدة وإن كنّا نراها في محصّل أمرها منذورةً للحداثة فإنّ الشّاعر يفترض وجود حداثات خاصّة بكلّ شاعرٍ يتكفّل بها النّصّ ويعبّر من خلالها عن الاستقلاليّة المميّزة لكلّ مبدعٍ، إذ يصرّح بأنّه “لا توجد حداثةٌ واحدةٌ. كلّ شاعرٍ له حداثته. ما هي حداثته؟ هو الشّاعر الّذي يكتب من خلال عصره بعبارةٍ بسيطةٍ دون أن يتوغّل في إبراز مواصفات الحداثة. وفي الحقيقة لا توجد مواصفاتٌ للحداثة”[9]، وفضلًا عن هذا الموقف الّذي أعرب فيه الشّاعر عن اعتراضه الثّقافي بخصوص الفهم السّائد للحداثة وذهابه إلى ضرورة عدم تقييدها بمواصفاتٍ، من شأنها أن تحدّ من تدفّقها وأن توقعها في التّناقض بين ما تدعو إليه من تحرّرٍ وما تلزم به المؤمنين بها من شروطٍ.

نجد للوهايبي موقفه الأصيل من التّراث ومن الذّاكرة الثّقافيّة للمبدع، حيث أنّه لا يعتقد “أنّ الشّاعر يمكن أن يكتب شعرًا، أو غير شعرٍ، دون ذاكرةٍ ثقافيّةٍ”[10]، ومن هذا المنطلق فإنّ فهم المنصف الوهايبي للحداثة فهمٌ منشقٌّ يتمتّع بضربٍ من الخصوصيّة الّتي لا نشكّ في تشكّلها نتيجة لما للشّاعر من عناصر بانيةٍ لشخصيّته الأدبيّة، وتتفاعل في أفقها الأكاديميّ المطّلع مع الذّات المبدعة، فالحداثة عنده لا تعني الانقلاب على القديم والدّعاية لكلّ جديدٍ بمنطق الحفاوة والحماسة، وإنّما هي موازنةٌ فذّةٌ بين ما كسبنا وما اكتسبنا، بين عمقنا وذاكرتنا الّتي لا تعدم مناطق حيّةً يمكن توظيفها والنّهل منها وتطويعها لمقتضيات العصر، وبين ما أمكن لنا أخذه عن الآخر باعتباره إنسانًا نتقاطع معه في الوجود ونشاركه محنته وحرقة سؤاله. ونجد في تجربة الوهايبي مثل هذه الموازنة متجسّدةً بطابعه الشّخصيّ، وبرؤيته الّتي طالما دافع عنها في ما نقرأ له من نصوصٍ نقديّة أو من تصريحاتٍ، ففي شعره وقع مزدوجٌ يكشف عن اغترافه من التّراثيّ عربيّا وإنسانيًّا ومن العصر بمفرداته المجلية عن تركيبته المعقّدة، وهو شعرٌ لا يعدم مكاشفة الذّات الشّاعرة لأناها من وجهاتٍ متعدّدةٍ سيريّةٍ وثقافيّةٍ ويوميّة غارقةٍ في التّفاصيل ومستدعية لنبضها. ولعلّنا نقرّ لمنجز الوهايبي في مجال الشّعر بكونه تجربةً واعيةً تروم المشروع وتبتغي لوجودها الفنّيّ الخصوصيّة بما يجعلها واحدةً من التّجارب الدّالّة في مسارات الشّعر العربيّ الحديث الّتي شهدت ميلادها في سبعينات القرن الماضي زمن الطّفرة الحداثيّة والانقلابات الفنّيّة، واتّخذت مسارها في ما طرأ على الكتابة الشّعريّة من تبدّلاتٍ وما طاف بها من إشكالاتٍ تأثّرت بها وحافظت في آنٍ على ميسمها الّذي يفردها.

3- العلميّة في مخطوط تمبكتو، خصائصها الكمّيّة والدّلاليّة:

إنّ أوّل ما يُطالعنا في هذا الأثر ونحن نتصفّحه، افتتاحه على غير المعهود بما أراد له الشّاعر أن يكون “مفاتيح” سلّمها عن وعيٍ لقارئه، يقينًا منه أنّه سيحتاجها ليكون فعل القراءة آمنًا وميسّرًا، وقد امتدّت على مدى ثلاث صفحاتٍ، مثّلت ما يشبه الشّرح المعجميّ لقائمةٍ من الأسماء، متى تملّيناها، وجدنا أنّها متمحّضةٌ للعلميّة بنوعيها؛ إذ تفرّقت بين أسماء لأشخاصٍ وأسماء لأماكن. وفي هذه الفاتحة ما يؤكّد تمثّل الشّاعر للحضور الكمّيّ لتلك الأعلام، بما أوجب عليه أن يُخص ص لها من أقسام الكتاب قسمًا مفردًا، وتمثّله في آنٍ لحضورها الكيفيّ الّذي سيجب على القارئ أن يتدبّره غير مكتفٍ بالإحالات المعجميّة لأنّها مجرّد واجهةٍ تعريفيّةٍ سيهبها السّياق ما يكون به أداؤها أوفر وذلك بمجرّد دخولها في علاقات تفاعليّةٍ ستعزّز أدوارها. فالمفاتيح بما تحمله من دلالةٍ تشير إلى المستغلق والموصد، وقد جُعِلَت لتكون أداةً أثناء القراءة للغوص في المعنى واجتلابه، وإذا كان حضورها في الصّفحات الأول من العمل يؤدّي وظيفةً ثقافيّةً نكاشف بها حقائق الأعلام ونطّلع على بعض ما يسمها من صفاتٍ ومن أطرٍ تاريخيّةٍ أو جغرافيّةٍ، فإنّها ستتحوّل عن تلك الوظيفة الصّامتة إلى وظيفةٍ صائتةٍ دالّة على ما يتجاوزها.

لقد اصطفينا هذا الأثر من منجز الوهايبي الطّافح بعناية لا نرى لها مثيلًا في الشّعر التّونسيّ وحتّى العربيّ بأسماء الأعلام باعتباره أثرًا مؤسّسًا ومؤثّثًا لهذا النّوع من الشّعريّة، تصدّى فيه الشّاعر في بواكيره لظاهرةٍ لم ينصفها الدّارسون ولم يتنبّه المبدعون إلى ما لها من طاقاتٍ. ونجد في معرض حديثٍ له حول المجموعة ما يكشف عن احتفائيّةٍ خاصّة يقرّ بها الوهايبي ويثبت من خلالها ما يصله بأثرنا المدروس من وشائج إبداعيّة وعاطفيّةٍ، فقد عكف بشكلٍ استثنائيٍّ على نشر قصائد من المجموعة في صفحته الاجتماعيّة وعقّب بقوله: “وأنا أعيد هنا نشر بعض هذا الكتاب الّذي يعزّ عليّ كثيرًا، لمسوّغين اثنين في الأقلّ، أوّلهما أنّي لم أكتب هذه المدن، إلّا بعد أن زرتها أكثر من مرّةٍ، ووقفت على معالمها، ومعيشها، وبعد قراءةٍ مستفيضةٍ للجغرافيا التّونسيّة والمغاربيّة، وتاريخ بلادنا، بما في ذلك أجزاء من تاريخ ابن خلدون، وثانيهما أنّ الكتاب، لم يُطبع طبعةً مستقلّةً، منذ حوالي عشرين سنة، وغير موجودٍ في المكتبات”[11]، ثمّ إنّ هذا الأثر لم ينل حظّه من الدّراسة إلّا في جمعٍ ممّا ألّف الوهايبي ولم تحظ فيه الأسماء الأعلام بدراسة تفردها وتميّز مياسمها وأدوارها في إنشائيّته.

3- 1- الحضور الكمّيّ للأسماء الأعلام:

نبادر بحصر الأسماء الأعلام في المجموعة المضمّنة ضمن “ديوان الوهايبي” الصّادر عن دار محمّد علي للنّشر على مدى الصّفحات149 و 235، وقد اشتمل على خمسة عشر نصّا جاء بعضها متشكّلًا من نصوصٍ فروعٍ.

القصيدة

الاسم العلم للأعيان

الاسم العلم للبلدان

مسكيلياني

منصف الوهايبي، محيي الدّين، شهاب الدّين، الحلّاج، رابعة

أوتيكا، ترشيش، إفريقيّة، مسكيلياني، تمبكتو

تكاباس

فاطمة، ميدانا

تسّاديت، تمبكتو، قيروان، إفريقيّة، تكاباس، هيْبواكْرا

هيبواكرا

ميدانا، سيدي سالم

هيْبواكْرا، تمبكتو، أوتيكا، إيجه، ترشيش

رسبينا… يا ربيع الماء

ميدانا، يوغرطة

رسبينا، تمبكتو

حضرموت

 

حضرموت،

سيكافنيريا

صليحة

سيكافنيريا

بيت أيموهاغ

أيموهاغ

تمبكتو، إفريقيّة

أوتيكا

 

أوتيكا، مدغشقر، إيجه، إفريقيّة

تطاوين

المتنبّي، ميدانا، التّنّوخيّ

تطاوين، ماطوس، بوماري، تزاغادنت

حلم في تمبكتو

التّنّوخيّ، عبد القادر الجيلاني

تمبكتو، ترشيش، تكاباس

مثل حمار خمينيث

خيمينيث

 

على ضوء يديه

 

 

ماء

 

 

مالك الحزين

يانيس ريتسوس

 

منازل سان جيرمان

منصف الوهايبي

سان جيرمان

إنّ ما تمّ رصده من أسماء للأعلام في “مخطوط تمبكتو”، يوقفنا على حرصٍ من لدن الشّاعر على إحضار هذا المعطى بشكلٍ يكاد يمسح الأثر جليّ للعيان، فقد أُحضر بنوعيه دالّا على الأعيان والبلدان، فمن جملة خمسة عشر نصّا شعريّاً ممّا اشتملت عليه المجموعة حضرت الأسماء الأعلام في اثني عشر نصّا، وهي نسبة تُجيز القول باطّراده وامتداده على أغلب الأثر، وليس الامتداد كمّيّا فحسب وإنّما نجد له حظّا من التّنوّع سواء تعلّق الأمر بالأعيان أو بالبلدان، وقد حضر النّوعان بشكلٍ شبه متكافئٍ وذلك بحاصل خمسة عشر اسم علمٍ للأعيان، وهي تباعًا: (منصف الوهايبي، محيي الدّين، شهاب الدّين، الحلّاج، رابعة، فاطمة، ميدانا، سيدي سالم، يوغرطة، صليحة، إيموهاغ، المتنبّي، عبد القادر الجيلاني، خيمينيث، يانيس ريتسوس)، وبحاصل تسعة عشر للبلدان: (مسكيلياني، تمبكتو، سان جيرمان، ترشيش، تكاباس، تزاغاديت، تطاوين، ماطوس، بوماري، أوتيكا، مدغشقر، إيجه، إيقيّة، سيكافنيريا، هيبواكرا، تساديت، قيروان، رسبينا، حضرموت). ويُفضي هذا الثّبت إلى أنّ اشتغال الشّاعر على الاسم العلم في متن قصائده، لا يمكن أن يعدّ عرضيّا، وإنّما هو مقصودٌ لذاته إذ لا شكّ أنّ الكمّ معيارًا يعدّ منبّهًا أسلوبيًّا للظّواهر اللّغويّة الّتي يتقوّم عليها النّصّ وليس على الدّارس إغفالها أو المرور عليها بصفتها طارئًا.

ولعلّنا نتساءل في هذه المرحلة الإحصائيّة عن أمرٍ يتعلّق بوظيفيّة الاسم العلم داخل نسيج النصّ، فقد يذهب بنا الظّنّ من منطلق علويّة الكلّ على الجزء إلى أنّ الأسماء الأعلام موظّفة لخدمة ما يتوجّب في النّصوص من أفق يروم الشّعريّة، ولكنّه باطّراده وبالحرص الدّائم على إحضاره، ملازمًا، قد يحملنا على الاعتقاد بأنّ النّصّ في كلّيّته منذورٌ لخدمة الاسم العلم والإبانة عن شعريّته الخاصّة، فهو غاية لا وسيلة. تتضافر العناصر التّقليديّة المشكّلة لهويّة النّصّ للإبانة عن مخزونه والكشف عن طاقاته الّتي تتجاوزه إلى وعينا الشّامل بالنّصّ.

ثمّ إنّ الأسماء الأعلام في المجموعة قيد الدّرس تتمتّع بخاصّيّتين تجعلان من الإجابة عن تساؤلنا مائلةً إلى الافتراض الثّاني ومحيلةً عليه بقوّةٍ: فأمّا الخاصّيّة الأولى فهي تقع ضمن المعيار الكمّيّ وتتمثّل في التّكرار بمعنى أنّ الاسم العلم الواحد بمعيار النّصّ يتكرّر أكثر من مرّةٍ في مواطن كثيرةٍ منه، ومن ذلك أنّ “مسكيلياني” يتكرّر حضورها في النّصّ الموسوم بـ”مسكيلياني” أربع عشرة مرّةً باحتساب العنوان، ومثل هذا التّكرار يجري على أسماء كثيرةٍ من قبيل “تمبكتو” و”مادينا”…

وأمّا الخاصّيّة الثّانية فلئن كانت كمّيّة في ظاهرها، فهي نوعيّة في واقع أمرها وذلك أنّ أسماء الأعلام نفسها يطّرد حضورها في أكثر من نصٍّ بأشكال متبدّلةٍ أحيانًا ومتماثلةٍ أخرى، ومن بين الأمثلة عن الأسماء الأعلام المتعاودة في أكثر من نصٍّ نثبت ما يلي:

الاسم العلم

النّصّ

تمبكتو

مسكيلياني، تكاباس، هيبواكرا، رسبينا يا ربيع الماء، بيت أيموهاغ، حلم في تمبكتو

ترشيش

مسكيلياني، هيبواكرا، حلم في تمبكتو

تكاباس

تكاباس، حلم في تمبكتو، تطاوين

أوتيكا

مسكيلياني، هيبواكرا، أوتيكا، إفريقيّة

إيجه

هيبواكرا، أوتيكا

إفريقيّة

مسكيلياني، أوتيكا، في بيت إيموهاغ

تساديت

تكاباس، في بيت إيموهاغ

منصف الوهايبي

مسكيلياني، منازل سان جيرمان

ميدانا

مسكيلياني، تكاباس، هيبواكرا، أوتيكا

وما من شكٍّ أنّ في هذا الحضور المرافق لأكثر من نصٍّ للأسماء الأعلام نفسها ما يذكّي الاعتقاد في وجود سلكٍ ناظمٍ وخطّة مسبقةٍ وهدفٍ مرجوٍّ يصل القصائد بعضها ببعضٍ ويحقّق في ما بينها أوجها للتّواصل وللتّفاعل وأسبابًا للمحاورة، وعلى القارئ أن يتّخذ منها متّكأ لقراءته فالصّلات تفرض نفسها وتتحوّل إلى عنصرٍ أساسيّ على أساسه يتقوّم التّلقّي بما يدفع إلى البحث عن أنماط حدوثها وعن الغاية من ذلك في نصّ جامعٍ يفترض بقصائده أن تكون مستقلّة من وجهة نظرٍ بنائيّةٍ ودلاليّةٍ، بيد أنّ مثل هذا الإحضار المخصوص للأسماء الأعلام في أنسجة الخطاب حمّالٌ على عدم الرّكون إلى شرط الاستقلاليّة وعدم الاطمئنان إليه لأنّه مخترقٌ بهذا المعطى اللّغويّ على صعيد الكمّ والكيف، فالشّاعر ينسخ الأسماء الأعلام ويعيد طرحها على غير هيآتها الأول لتتبدّل أحوالها وأدوارها من نصٍّ إلى آخر، أو لتحافظ بشكلٍ كلّيّ أو جزئيّ على بعض ما تعلّق بها من دلالات مستقرّةٍ أو حافّةٍ.

إنّ في ترصّدنا لإحضار الاسم العلم في مجموعة “مخطوط تمبكتو” إنباءات أوّليّة تصدح في غير التباسٍ بأهمّيّة الاسم العلم وبشديد عناية صاحب الأثر به معطًى تكرّس في الخطاب وانتشر فلم يكن عرضًا أو طارئًا أو ضرورةً يقتضيها مقام القول من جهة أنّه إمكانيّة من إمكانات التّدليل على الإنسان أو المكان، وهي إمكانات متعدّدةٌ عادةً ما تستقيم على التّنويع في الإحالة وعدم الاكتفاء بإيراد الاسم العلم ليشار إليه في هيئاتٍ متعدّدةٍ، منها: الصّفة أو الضّمير، ولكنّ الشّاعر أحرص ما يكون على إثباته وتكراره في ثنايا الخطاب وترديده والاحتفاء به في مواقع متعدّدةٍ ليكون عنوانًا أو جزءً من بعض العناوين ونواةً مركزيّةً تتقوّم عليها أغلب النّصوص وتدور حولها مطوّفةً بما تمثّله من وجهاتٍ متعدّدة تتجاوز مجرّد الإخبار إلى الإيحاء ومجرّد التّأطير إلى التّبئير، ثمّ إنّها أسماء في الغالب الأعمّ مختصّة بجرسيّتها الخاصّةِ مقيمةٌ في ذاكرتها الجغرافيّة والتّاريخيّة أمازيغيّة، استغنى بها الشّاعر واستعاض عن التّسميات الجارية قيد الاستعمال في الرّاهن التّونسيّ لتكون منسجمةً مع زمنيّة المخطوط وتاريخيّته.

3- 2- موقع الاسم العلم:

اللّافت للنّظر في “مخطوط تمبكتو” للمنصف الوهايبي، هو أنّ الأسماء الأعلام لا تكتفي بالحضور في متن العمل والإقامة في قصائده مثلما أبنّا عن ذلك في مستوى مبحثنا الكمّيّ، وإنّما نجد لها حضورًا في مواقع يسمها التّعدّد بما أثرى وخلّق ضربًا من الحيويّة. ونصوّب النّظر في هذا القسم من بحثنا تجاه المواقع الّتي احتلّها الاسم العلم من المجموعة، وهي مواقع يحكمها التّعدّد بما يتيح دراستها من جوانب متعدّدةٍ تتعلّق بالأثر ونصوصه الفروع. ووجبت الإشارة في هذا الصّدد إلى ما تتملّكه العتبات من الأهمّيّة فهي ليست عنصرًا محايدًا، وإنّما هي “مداخل مؤطّرةٌ لاشتغال النّصّ وتداوله لأنّها تحدّد القراءة بما لها من تأثيرٍ مباشرٍ على القرّاء، بمعنى منحهم تصوّرًا يكون له تأثيرٌ على نوعيّة إدراكهم له”[12]، ومن هذا المنطلق نتّخذ من دراستنا لمواقع الأسماء الأعلام سندًا كاشفًا عن التّنوّع الدّالّ فتحوّلات الاسم العلم موقعيّا من شأنها -فضلا عمّا له من مكانة دلّلنا عليها في قسم سابق- أن تفضي إلى ما له من أدوارٍ لا تنحصر في حدود الإخبار عن الإنسان والمكان وإنّما تتجاوزها لتمثّل حلقةً أساسيّة من حلقات الكتابة والقراءة.

أ-الاسم العلم عنوانًا:

لا شكّ أنّ العنونة في النّصوص الحديثة صارت تمثّل فعلًا فنّيّا واعيًا أوجب على المبدعين إمالة عنايتهم إليه وحسن انتقائه بما يعبّر عن النّصّ وييسّر لقاءه الأوّل بالقارئ، فهو حلقة التّعارف المركزيّة الّتي من شأنها أن تقرّبه إليه وتغريه به أو أن تنفّره، فالنّصوص من هذه الجهة بعناوينها مسمّى لها ودليلًا عليها، “فمن أهمّ مميّزات العنوان الاقتصاد اللّغويّ والاتّساع الدّلاليّ… لذلك يعمل المبدع على اختيار وحداته اللّغويّة بعناية حتّى يستطيع أن يحقّق ذلك التّرابط الموضوعاتيّ الخاصّ بينه وبين المضمون النّصّيّ المتشعّب، ليتحوّل العنوان إلى نقطة ارتكازٍ تُبنى عليها شبكةُ النّصّ الدّلاليّة، فيصبح بذلك معادلًا موضوعيّا له”[13]، ولا يكتفي الوهايبي بإيراد الاسم العلم في العنوان الجامع للأثر وإنّما يُجريه على النّصوص الفروع ليمسح منها اثني عشر عنوانًا من جملة خمسة عشرتمحّض منها ثمانية للبلدان وأربعة للأعيان، وفي مثل هذا الثّقل ما يحمل على القول بأنّ المجموعة تمثّل احتفاءً بالأعلام مقصود لذاته ولا يمكن أن نعدّه طارئًا وإنّما هو من صميم هندستها ومن صميم غاياتها الفنّيّة والدّلاليّة.

  • الاسم العلم في العنوان الأكبر:

مخطوط تمبكتو:

تحيل عبارة “مخطوطٍ” إلى ما هو تاريخيّ وتقحم النّصّ في التّراث، من جهة أنّ المخطوطات تتعلّق بآثاره المنسوخة في زمنٍ لا طباعيّ وهي مادّةٌ مكتشفةٌ أو محفوظةٌ، تشكّل بما فيها عمقًا ما يدور بمواضيعه حول مسائل شتّى ممّا يخوضه الإنسان أو ممّا يمثّل عيّنةً عن تفكّره في العالم ورؤيته له وقد يكون من جنس النّثر أو الشّعر. وكلّ مخطوطٍ يظلّ لتقادمه محتاجًا إلى التّحقيق حتّى يستوي بمادّته وموضوعه كتابًا مقروءًا،وليس الحرص على “مخطوط” مضافًا إلى الاسم العلم “تمبكتو” إلّا من قبيل الإحالة على الخصوصيّة الّتي يتمتّع بها الأثر من جهة أنّه أثرٌ جامعٌ بين التّاريخ والجغرافية فهو رحلة في المكان.

تمثّل “تمبكتو” هذه المدينة الإسلاميّة الشّهيرة في جنوب مالي مبتدأها، وهي المدينة الّتي مثّلت انفتاحًا إفريقيّا على شمال القارّة وبلاد العرب إجمالًا، فقد كانت واقعةً في حلقةٍ من التّفاعل التّجاريّ والثّقافيّ مع هذا المحيط العربيّ الإسلاميّ تهبه وتأخذ عنه في عصرٍ وسيطٍ وكانت فيه تلك المدن من أمثال: فاس والقيروان ومرّاكش وطرابلس، تمثّل عمق العالم فهي بوّابةٌ على العالم الغربيّ واقعةٌ في جنوب المتوسّط وبوّابةٌ على العمقين الإفريقيّ والمشرقيّ لوقوعها في الشّمال. وللمدينة في متخيّل الوهايبي ما يرفعها إلى مرتبة الرّمز والقناع، فدلالتها تتجاوز حيّزها الجغرافيّ وأدوارها التّجاريّة والثّقافيّة إلى الدّلالة المتوسّعة والمحوريّة الجامعة حيث تنصهر الحضارات ويتحقّق الأفق الإنسانيّ بتعدّديّة الألوان والأديان واللّغات. والرّحلة من هذه الجهة تتجاوز الجغرافية إلى التّاريخ ولكنّه تاريخٌ ذو صلة تجمعه بالواقع، بل إنّها تشدّه إلى المستقبل فـ”تمبكتو” تحضر ضمن العناوين الفروع لتؤدّي الدّورين وذلك في مقطعٍ من قصيدة “هيب وأكرا”، وسمه الشّاعر بـ”حاشية من مخطوط تمبكتو” بما يوطّد الصّلة مع ما مضى وتحضر في عنوان فرعيّ لقصيدة “حلم في تمبكتو” لتكون بذلك منبئة عن القادم ومفتوحةً على التّأويل فهي رؤيا ستضطلع القصيدة بسرد أطوارها وتفسيرها. وإذا عرفنا أنّ “تمبكتو” اسم علم متحوّل عن الإنسان إلى المكان، ذهبنا في قراءة العنوان الأكبر من وجهة مغايرة تتحوّل فيها “تمبكتو” إلى المرأة الطّارقيّة “حافظة الأمانات” وهي صاحبة المخطوط، وقد تكفّل الشّاعر من هذا المنطلق بتحقيقه أو إعادة كتابته.

  • الاسم العلم فيالعناوين الفروع:

نميّز في هذا الموقع بين أسماء علميّة اختصّت بها البلدان وهي الأكثر حضورًا وأسماء تحيل على الأعيان: فأمّا أسماء الأعيان فقد شملت كلّا من “يوغرطة” في مقطعٍ عنوانه “مقبرة يوغرطة” من قصيدة “رسبينا يا ربيع الماء” و”خيمينيث” في إحالةٍ على خوان رامون خيمينيث صاحب رواية “أنا وحماري”، كما اشتملت على مقطعٍ متفرّعٍ عن قصيدة ” مالك الحزين” عنوانه “خزّاف يانيس ريتسوس”، وقد ركّز الوهايبي بهذا الإحضار لعلم الإناسة الاهتمام على العلم الثّقافيّ وذلك لأنّ الاسمين الماثلين من أرباب الكتابة النّثريّة والشّعريّة في الثّقافة الغربيّة، ولهما رصيدهما المشعّ في دائرة المتلقّين ورسوخهما في الذّاكرة القرائيّة بما من شأنه أن يشبع الدّلالة ويضيف إليها لأنّهما لا يحيلان فحسب على المستوى العلميّ وإنّما يتجاوزانه إلى ما هو إبداعيّ.

إنّ الشّاعر بذلك يفتح نصّه على أفق آخر يقيم به أواصر الصّلة بين الثّقافتين العربيّة والغربيّة، فالشّاعر العربيّ إنسانيٌّ في محصّل أمره وفي هذا الاسترفاد ما يكشف عن خصب الثّقافة وتوسّع أنحائها، ولا شكّ أنّ في إحضار العلمين واجتلابهما من غير الثّقافة الّتي كُتب النّصّ في دائرتها يحفّز بشكلٍ غير مباشر كلّ قارئٍ للاطّلاع على المخزون المرجعيّ الّذي يواريه الاسمان بما يختصّان به فنّيًّا، وما في منجزهما من مادّةٍ إنسانيّة لها خصوصيّاتها ولكنّها تتقاطع في كلّيّاتها مع الآخر وتتفاعل ذلك التّفاعل الأخّاذ والولود. وأمّا يوغرطة فله إحالته التّاريخيّة المتناغمة مع مرامي العمل والمحيط الثّقافيّ الأوّل له باعتباره نصّا تونسيًّا له وشائج تصله بالذّاكرة الوطنيّة، فهو رمزٌ تاريخيٌّ يشي بالبدايات وبلحظة التّأسيس الحقيقيّة لتاريخ تونس. هكذا إذن ينسجم الثّقافيّ والتّاريخيّ وينتظمان في خيطٍ واحدٍ من خلال عناوين خصّ بها الشّاعر ثلاثة من نصوص المجموعة، ورغم ضآلة الأسماء الإناسيّة فإنّ حضورها يكتسب عمقه وخصوصيّته بما للأسماء الموظّفة من دلالاتٍ قصيّةٍ، لا شكّ أنّ إحضارها في العناوين الفرعيّة من شأنه أن يشي بانتشارهما في النّصوص المعنيّة، ويإمكاناتٍ تظلّ مفتوحة لاستثمارها.

وأمّا الأسماء الأعلام للبلدان فهي الطّاغية، وقد شملت من جملة نصوص المجموعة وعناوينها الفروع عشرةً، وهي على التّوالي: مسكيلياني، تكاباس، هيبوأكرا، رسبينا، حضرموت، سيكافتيريا، أوتيكا، تطاوين، تمبكتو، سان جيرمان، وهي أسماء تمحّضت لها النّصوص ومثّلت بحضورها البيّن ركيزة العمل الّذي جاء خلافًا لما يمكن أن نجده في المجاميع من عناوين متعدّدة الأنحاء ومتباعدة النّطاقات، مختصّا بالأسماء الأعلام اختصاصًا مقصودًا لذاته ضمن خطّةٍ وفي حدود غاية ارتسمها الشّاعر وأراد تصديرها إلى وعي القرّاء لتكون قراءتهم من هذه النّاحية موجّهةً إلى أفقٍ محدّد وصريح في الفهم ولا يمكن إغفاله أو التّعاطي معه بصفته أمرًا اعتباطيًّا، فمثل هذا الإحضار له يقينه الفنّيّ ومحرّكاته ودوافعه الأصول الّتي تتحوّل إلى نواةٍ متحكّمةٍ بفعل القراءة ومديرةٍ لأقطابها. وهي فضلًا عن ذلك أسماء في غالبها الأعمّ تنحدر من سجلٍّ واحدٍ وتؤوب إليه فهي تونسيّة صميمٌ تحيل على مدنٍ على مدار الخارطة من شمالها إلى جنوبها مرورًا بوسطها.

ولئن كانت من هذه الجهة سياحة جغرافيّةً بمغازي شعريّةٍ فإنّها أكثر من ذلك سياحة تاريخيّة لأنّها تسميات قديمةٌ لمدنٍ تونسيّة لم تعد قيد الاستعمال والتّداول وذلك لأنّها ذات أصولٍ أمازيغيّةٍ، وهي من الوجهة التّاريخيّة الأسماء الأول أو الأصول لتلك المدن في متون كتب التّاريخ، وقد قاوم بعضها ما يطرأ على مسمّيات المدن من تحوّلاتٍ لأسبابٍ تتعلّق بالأطوار والحقب والتّنوّع السّياسيّ والثّقافيّ الّذي من شأنه أن يغيّر وينحت من الأسماء ما يوافق الثّقافة الحاكمة ويعبّر عن عمقها الهوويّ وقد طال بعضها مثل هذا التّحوّل كلّيّا أو نسبيّا. والنّصّ من هذه الجهة عمليّة إحياءٍ لهذا العمق وتجذير يكشف عن احتفاء الشّاعر بهذا الانتماء الّذي غيّبته العوامل الخارجيّة، ولكنّه ظلّ ماكثًا في العمق. إنّه يعيد للأمكنة وجوهها وليس الاسم العلم إلّا وجهًا به تعرف الأماكن وهو في المقابل يسقط الأقنعة، إنّه يعمل عمل المنقّب والأركيولوجيّ إذ ينزع عن الأمكنة غبار الأزمنة ويؤصّلها فيكشف عن هويّتها المفقودة. ولعلّنا نكاشف هذه الغاية من خلال ما أثبته الشّاعر من قومسة الأمكنة وأعلامها في مفتتح هذا العمل حيث نجد حرصًا من لدنه على القبليّة ظرفًا وعلى القدم مفاضلةً ويؤكّد من خلاله هذا الأصل، فنجدُ:

أوتيكا: ميناءٌ أقدم من قرطاج بثلاثة قرونٍ.

تاكاباس: اسم قابس، قبل الفتح العربيّ.

هيبوأكرا: اسم بنزرت قبل الفتح العربيّ أو هيبوقرة.

حضرموت: اسم سوسة قبل الفتح العربيّ.

روسبينا: اسم المنستير (مدينة تونسيّة) قبل الفتح العربيّ.

سيكافنيريا: اسم مدينة الكاف (مدينة تونسيّة) القديم.

إنّها تسمياتٌ سابقةٌ للوافدين على تونس أو “ترشيش” اسمها القديم من قرطاجنّيّين ورومانٍ وعربٍ، بها تكتسب الأماكن حقيقتها وتحقّق نوعًا من العود على صفائها الأسمائيّ وكيانها الأمثل، ولا نشكّ أنّ في هذا الأمر ما يشبه ردّ الاعتبار للمؤسّسين الأوائل والمنابت الأول للحضارة التّونسيّة، وفي احتفاء الشّاعر بهذه الأسماء يقينٌ بما للأسماء الأصول من رصيدٍ رمزيّ وقوّة في العمق تهب المكان دلالاته القصوى لينبض ويمتدّ ويستعيد وجوده، ثمّ إنّها أسماء بما لها من خصائص صوتيّةٍ تركب الغريب المعجب والطّريف المبهر ويكون له بفضلٍ من ذلك قدرةٌ أكبر على إثراء العوامل الإيقاعيّة في النّصّ بما من شأنه أن يحبل المعنى بطاقات جددٍ لم تكن لتكون له في ظلّ الأسماء الجديدة الّتي أرهقها التّداول.

إنّ تغييب الاسم العلم للبلدان يفضي إلى ندرة استعماله إلّا في السّياقات المختصّة ونقصد منها التّاريخيّ، ومثل هذه النّدرة مفضية إلى توفير طاقات كامنة للاسم العلم حال دخوله في نطاق الاستعمال إذ تنشأ عن غرابته وخصوصيّاته الصّوتيّة، وفي المقابل فإنّ تداول الأسماء يفقدها حرارة الاستعمال ليخبو مع ذلك بريقها في الألسن والأذهان.

إنّ حضور الاسم العلم عنوانًا، لم يقتصر على العنوان الأكبر للمجموعة وإنّما تجاوزه ليكون ماثلًا في العناوين الفروع بشكل ملحوظٍ ورافق أغلب نصوصها الّتي مثّلت بمكوّنها الدّلاليّ توسّعًا في الاسم العلم واكتناهًا شعريّا لما يحيل عليه أو يوحي به، فالنّصوص إقامةٌ حقيقيّة في الأماكن الّتي حوّلها الشّاعر عن أرض الواقع إلى أرض القصيدة لتكون الرّؤية أنفذ إلى ما تدّخره الأسماء، إنّه تحوّل عن مكانيّة الاسم العلم ببعدها المادّيّ والفضائيّ إلى أسمائيّته لتتحوّل الجولة من جولة في حدود معلومةٍ من المكان إلى زمان القصيدة وفضائها المخصوص بنزعته الجماليّة، فالشّاعر لا يوثّق وإنّما يولّد ويمنحنا عبر القراءة إمكانيّة للحلول في الاسم العلم الّذي أطاح بالمكان، فهو ليس أكثر من مؤشّرٍ خارجيّ لنا أن نحلّ به أجسادًا ونخرج منه بانطباعات معيّنة تختلف من شخصٍ إلى آخر أو نتقاطع فيها. ولكنّ القصيدة، إذن، تحوّل مجال الرّؤية عن الحجارة إلى العبارة وهي بتركيزها على الاسم العلم في العنونة أو في مسالك النّصّ الكثيرة لا تحتفي بالسّياحة في الأرض ولا تقدّم صورة فوتوغرافيّة أو مشهدًا مرئيًّا، بقدر ما تقدّم اسم علمٍ يتجاوز الجغرافية إلى التّاريخ والمرجعيّ إلى المتخيّل والإخبار إلى الإيحاء وإيقاع المشهد إلى إيقاع الكلمات.

ب -الاسم العلم إهداءً:

ليس الإهداء مجرّد امتنانٍ أو إحلالٍ لأسماء بعضهم من منطلقٍ معيّنٍ، قد يتّصل بالرّابطة الاجتماعيّة أو العاطفيّة أو بالصّلة ذات المنحى الثّقافيّ والإبداعيّ أو الفكريّ، متى كان المُهدى له علمًا في صناعةٍ من الصّناعات أو في باب من أبواب الكتابة وكان بينه والشّاعر وشائج وانسجامٌ في الرّؤية، بل هو فضلًا عن ذلك عنصرٌ من العناصر المسهمة في الخطاب والمنتجة للدّلالة وله سلطته التّوجيهيّة الّتي من شأنها أن تُضيف إلى المعنى وتبثّ فيه من مكوّناتها ورصيدها المرجعيّ.

من هذا المنطلق نرى أنّ الوهايبي على مستوى ما نظفر به صلب العمل من إهداءات قد جمع بين المحصّلين، إذ توجّه الإهداء إلى أربعة أسماء تتقاطع كلّها في الشّعر والكتابة الأدبيّة، إنجازًا فنّيّا ومشغلًا نقديّا، وفي أنّها أسماء معاصرةٌ ارتبط بها الشّاعر ارتباطًا اجتماعيّا ثقافيّا وهي على التّوالي: لكلّ من فتحي النّصري وهو شاعرٌ وأكاديميّ مختصّ بالشّعريّة العربيّة الحديثة وله منجزه المهمّ والمميّز في ما هو إبداعيٌّ ونقديٌّ، وعبد العزيز الحاجّي وهو شاعرٌ وأكاديميّ معنيّ بالشّعر كتابةً ونقدًا[14]، وأمّا الاسم الثّالث فلواحد من أعمدة الشّعريّة العربيّة الحديثة هو سعدي يوسف[15] بما له من رصيدٍ في كتابة الشّعر والتّرجمة، وأمّا الرّابع فهو اسم علم غربيّ لشاعرةٍ إسبانيّةٍ من أصولٍ عربيّة هي جانين ألكراز[16]. ويكون الوهايبي بهذا القصر الّذي محّض الإهداءات لأسماء معنيّة بالقصيدة، إنجازًا ومشغلًا قد اصطفى وخص ص، ولا نحسب أنّ هذا التّخصيص محض صدفةٍ بل هو مقصودٌ لذاته، وذلك لأنّ إرفاد العناوين الفروع بهذه الإهداءات المخصوصة يضيف إليها ويعزّز من مداراتها ويوسّع من آفاق تأويلها وتلقّيها.

3-3- الخصائص العامّة لكامل الأثر:

تمثّل المجموعة بنصوصها الّتي تعاقدت مع الاسم العلم -تعاقدا بنائيّا ودلاليّا واتّخذته دليلًا عليها ومشيرًا سيميائيّا، تدور حوله المعاني وتتولّد عنه- تسلسلًا سرديّا يرصد رحلة التّمبوكتيّ في أرض “ترشيش” أو إفريقيّة جوّابًا لمدنها رحّالةً وعابرًا ومقيمًا في تفاصيلها ومخبرًا عنها وموحيا بما تحمله في الطّيّات من أبعادٍ تتجاوزها معطى جغرافيّا إلى ما يراه الشّاعر وإلى ما يمكن أن تحيل عليه ذاتيّا وتاريخيّا. وهي من هذه الجهة تكسر مع السّائد وتنتظم على تعدّدها في مسلك واحد وخيطٍ واحدٍ. إنّ الوهايبي بذلك يشرع نصّه على ما عرفه الشّعر العربيّ الحديث من تفاعليّة خلّاقةٍ مع السّرد -نمطًا في الكتابة مقترن بالنّثر جنسًا وبالقصّ مسلكًا في الكتابة-وجد في الشّعر الحاضنة الأمثل لتعزيز طاقاته وإحبالها، مثلما أنّ الشعر قد رفد به خصائصه الأول وزكّاها، بما به تكون الحيويّة وبثّ عناصر دراميّة، سبيلًا إلى تجاوز الغنائيّة وأفقا للكتابة الشّعريّة تحتاجه من أجل الاستمراريّة والحضور.

إنّنا في “مخطوط تمبكتو” إزاء قصّةٍ هي أقرب ما تكون إلى ما يختصّ به أدب الرّحلة من مضايفة بين التّسجيل والتّخييل وبين المرجعيّ والواقعيّ، وهي فضلًا عن ذلك رحلة تتجاوز أطر المكان إلى الزّمان ويتداخل فيها الماضي بالحاضر تداخلًا لطيفًا وعجائبيّا، يسافر بنا في حقب ماضيةٍ وينفتح على الواقع بكلّ عناصره البانية. وفضلًا عن هذه الممازجة بين الأزمنة والأجناس الكتابيّة وعن هذا التّجاور مع أدب الانتقال في الأمكنة، فإنّ النّصّ ينفتح وهو يصدح بكثيرٍ من متعلّقات الشّاعر -في حاضره المجاور لزمن الكتابة وفي ماضيه بكلّ ملامحه الطّفوليّة- على أدب الذّات ليتحوّل في مواطن كثيرة إلى سيرةٍ ذاتيّةٍ خالصةٍ نطلّ من خلالها على “المنصف الوهايبي” الذّات الاجتماعيّة في مفاصل كثيرة وفي أطوارٍ عُرف بها.

هكذا إذن، يتشكّل النّصّ من الجمع الهائل بين العوالم والأزمنة والأشكال الكتابيّة والأجناس الأدبيّة، ليكون الواحد وقد تعدّد في غير نشازٍ محقّقًا لكينونته الانسجام باعتباره وحدةً كلّيّة لا تنفصل عناصرها عن بعضها البعض، وإنّما يجاري بعضها بعضًا ويكمّله ويكون مقوّمها الأساس هو الاسم العلم، راتق الصّدع بين الشّقوق ومؤلّف الفقرات. وقد اخترنا أن ندرس من جُملة العمل نصّا بعينه هو الأوّل في التّرتيب -وله فضلًا عن هذه الأسبقيّة الشّكليّة- أهمّيّته باعتباره نصّا منطلقًا في مجموعة هي أشبه ما تكون بالرّحلة. والنّصّ من هذه الجهة وضعُ بدايةٍ ستتحدّد عبرها المآلات السّرديّة، جعله الشّاعر على مقاطع كان الأساس فيها الاسم العلم للمكان، وقد تعدّد في رؤيا الشّاعر ونشأت بينه وبين عوالم كثيرة صلاتٌ ووشائج أفضت إلى حيويّة في بناء النّصّ ومرجعيّاته والتّقنيّات الفنّيّة المعتمدة في إجراء العبارة وتحقيق المعنى.

4- مسكيلياني: العلم الواحد المتعدّد، رمزيّته وأبعادها:

4- 1- مسكيلياني: دهشة الطّفل وعذريّة المكان:

تكفّ “مسكيلياني”[17]عن كونها مكانًا تلقّى الشّاعر فكان لرأسه مسقطًا ولطفولته مرتعًا، وتتحوّل في فضاء القصيدة إلى موقع رؤيةٍ من خلالها يرصد الشّاعر العالم ويؤوّله، فتصبح نقطة الارتكاز في كامل العمل ونقطة البداية لرحلته إذ اتّخذها منطلقًا أثّث من خلاله مجموع العلاقات الّتي ستجمعه بأمكنة وأسماء وتواريخ. وتمتدّ الذّاكرة لتُحضر بضربٍ من التّحديد الزّمانيّ المدقّق: “1955، ذات فجرٍ”، الشّاعر في طفولته الأولى ويومه الأوّل بالمدرسة وهو ابن السّادسة، يشقّ طريقه في المكان الّذي تحوّل عن صمته ليكون شريكًا مؤذنًا ومبشّرًا بطبيعته العذراء وبمعطياته القرويّة، حيث التّناغم بين الإنسان والحيوان في أعتى تجلّيّاته والتباس الأصوات بين الحاضر والماضي وبين القطار وخيل الأمازيغ.

إنّها بداية الأشياء، الّتي تستوقف الزّمن عند لحظةٍ تتكافأ فيها طفولة الشّاعر مع طفولة المكان وترتسم اللّوحة بمكوّناتها دالّةً على الانتماء حدّ التّماهي، فليس الشّاعر من يسكن المكان وإنّما العكس فالشّاعر مسكون بالمكان وقد أوقعته الذّاكرة في شركه، ولم يستطع منه فكاكًا وظلّ معه رفيقًا ومعيارًا يقايس به الأمكنة، فكأنّه الأرض وقد اختُزلت في “مسكيلياني” وكأنّه العمر وقد اختزل في لحظةٍ من سنة 1955، ذات فجرٍ بعيدٍ لم يبرحه:

“1955 ذات فجرٍ

جرسٌ يقرع -في مدرسةٍ نائيةٍ- مسكيلياني

هبة القمح الّذي ينسج ذكرى الصّيف

إرث الماء

ظلالٌ تنحني

مثل حمير الوحش في صمت الينابيع

حصانٌ ناصبٌ أذنيه في الرّيح

بيوتٌ تسكن الآجرّ والأحجار

(هل مرّ قطار الفجر، أم خيل الأمازيغ؟)

لقد دوّى جناحٌ في حرير العشب والتمّت فراشه”[18]

لا تتحدّد صلة الشّاعر بالمكان، باعتباره فضاءً للحدث أو مقوّمًا من مقوّمات الحكاية وإنّما باعتباره ذاتًا موازية، ويتعلّق حضور الأنا في العالم بحضورها وبما يمثّلها من مكوّناتٍ هي نفسها المكوّنات البانية لذات الشّاعر، فمسكيلياني -الاسم العلم- إحالةٌ ذاتيّةٌ على الشّاعر في طفولته الّتي هي اللّحظة الأشدّ عمقًا من حياته وجوهرها الشّفّاف الّذي سيتحوّل إلى مرآةٍ تتراءى عبرها الأشياء وتتحدّد هويّاتها. ولا شكّ أنّ النّصّ المؤسّس للمجموعة عمليّة تسريدٍ للذّات وتشقيق لوجودها طفوليّ النّزعة، حملنا إلى المنصف تلميذًا في أوّل عهده بالدّرس وبالمعرفة في فضاءٍ مفتوحٍ على المعنى وتؤثّثه عناصر قرويّة شدّته إليها بموجب الحنين.

إنّ صلة الوهايبي بالمكان عمومًا، بيّنةٌ في شعره وفي ما نقرأ له من أقوالٍ كتبها أو صرّح بها، ومن ذلك قوله: “كلّ ما يُلهمني هو المكان أساسا، والحياة مع النّاس، أنا مع الشّعر الحيّ، أنا دائمًا أقول وأردّد هذه العبارة، الشّعر هو فنّ ملامسة المكان باللّغة، الشّعر الّذي عندما نكتبه نشمّ فيه رائحة المكان، رائحة الأسلاف، رائحة الطّبيعة. لهذا حاولت دائمًا أن يكون عالمي الشّعريّ هو عالم هذا الشّمال الإفريقيّ بدرجةٍ أولى”[19]، وإن كان الوهايبي بعبارته “شاعر أمكنة بامتيازٍ” فإنّ مكانه الأوّل سيكون بالضّرورة سيّد الأمكنة وملخّصها، وسيكون المحور الّذي يُحدّد صلة الشّاعر بالعالم ومفرداته وبجغرافيّاته وتواريخها، إنّه مركز النّظر ومدار التّأويل. وقد جعله الشّاعر مرمًى لقصيدته تطوّف به الدّلالات. ولئن كان المقطع الأوّل محدّدًا زمانيّا ومكانيًّا هو أقرب إلى المشهد الصّامت فإنّ الصّوت فيه داخليّ قابعٌ في قاع الذّاكرة متردّد في أنحاء الذّات، يستوقف الزّمن عند الطّفولة باعتبارها معينًا لا ينضب وحقيقة لا تصدأ.

4- 2- مسكيلياني: ذكرى الموت وسيرة الألم:

يمضي الشّاعر في المقطع الثّاني من النّصّ سابرًا من تلك اللّحظة بعض مياسمها المتجذّرة في قاع الذّاكرة والمشكّلة لنواة الرّؤية. تحملنا الذّاكرة وقد تغذّت بالحنين إلى أنين الذّات وإلى الفقد معنى يسوّر الدّلالة ويقيم بين عروشها، وقد تمثّل في موت الأخ والأخت ليكون الطّفل في مواجهة مبكرة مع سؤال الموت:

“لوّحي أيّتها الرّيح بأقباسي

على مفترقٍ…

ضيّعني فيه أخٌ (مات) وأختٌ

وأعرني أيّها اللّيلُ مصابيحك أو

إن شئت سقط النّار”[20]

لقد ظلّ الموت بأشباحه يطوّق مسيرة الشّاعر ويفسد عليه لذّة الأشياء، لننتقل من لحظة الاسترجاع إلى الحاضر ومن زمن الأحداث إلى زمن الكتابة: من الشّاعر طفلًا إلى الشّاعر وقد استوى واعيًا ومستدركًا بصوته الّذي اخترق خطّيّة الزّمن وكسر أنساقه:

“غير أنّي من نبيذ البارحة

لم يزل فيّ وريدٌ هادرٌ من شجنٍ

أو ربّما بعض فرح

وطريقي سالكٌ لكنّه

يُفضي إلى ذاكرةٍ تعمرها الأشباح”[21]

إنّها رحلة الذّهاب والعود بين زمنين: زمن حدثيٌّ وزمنٌ فنّيّ، زمنٌ للذّكرى وآخر للتّذكّر، زمنٌ للحزن وآخر لفرح مبتورٍ لا يكتمل تتهاطل فيه الصّور والجثامين والأصوات وتنفتح فيه طاقات النّصّ الشّعريّ على السّرديّ وعلى الحوار، ولكنّه ليس حوارًا مباشرًا بل هو حوارٌ شبحيّ الملامح تغوص فيه الملامح وتعلو الأصوات مدوّية في الدّاخل مستحضرةً اسم الشّاعر وكأنّه آخره الّذي طوته السّنون:

“أختٌ في حرير اللّيل تصطاد الفراشات

تناديني: “تعال الآن يا منصف وانظر

سلّتي الملأى بأقواس قزح”[22]

هكذا تُجلي مسكيلياني، النّصّ المنطلق من “مخطوط تمبكتو” عن حضورٍ مميّزٍ وسمها في المقطعين الأوّلين، وخلص فيه المعنى لسيرة الأنا في المكان من خلال عمليّة استرجاع مضنيةٍ طبعت بالدّهشة وبالألم، رأينا عبرها المنصف الوهايبي الذّات المرجعيّة في طقوسيّة طفوليّة، وقد أفضت إلى استرسالٍ بالذّاكرة مع مكوّنات المكان وحدث الموت وتردّداته، لتكون مسكيلياني قابعة بين معقّفي الحياة والموت والبداية والنّهاية والفرح والحزن.

4- 3- مسكيلياني: توظيف التّاريخ وتقنية القناع:

أمام هذا الاستغلاق تنحو الذّاتُ جهة العمق وتوسّع من دوائرها لتظفر بالسّلوى، وقد مثّل العمق التّاريخيّ طوق النّجاة الأوّل من كابوسيّة الذّاكرة ليكون الانفتاح على العمق البربريّ الّذي حمل معه شخصيّة ميدانا، هذه الذّات الرّفيقة الّتي ستكون الصّاحب في الرّحلة والبعد الآخر من التّمبكتيأو من المنصف الوهايبي وقد وجد في تقنّعه بابن تمبكتو ما به سيستنفر التّاريخ واللّغة وسيوسّع من أطواق الرّحلة ليكون لها معناها المتجدّل بأبعادٍ جددٍ. ويمكن اعتبار المقطعين السّابقين تمهيدًا للرّحلة، إذ أحال على شخصيّة الشّاعر الحقيقيّة ليفارقها عبر حيلة القناع الّتي تعتبر تقنية أجراها الشّاعر ليبعث في المسيرة ما به تتجاوز لحظتها المرجعيّة إلى متخيّلها ناهضة بدلالاتٍ بدائلَ.

وفي هذا التّوظيف للقناع باعتباره تقنية فنّيّة، يُحافظُ الوهايبي على صوته الشّخصيّ الّذي يتخفّى وراء صوت المُرتحل التّمبكتيّ لنتحصّل على قناعٍ من ضربٍ جديدٍ، يتعلّق بالانتماء المكانيّ لكلّ من الشّاعر وللتّمبكتيّ، تتحوّل معه تمبكتو إلى قناعٍ للقيروان المدينة الأمّ وحاضنة مسكيلياني. ويكشف الوهايبي عن وعيٍ مكينٍ بهذه التّقنية، أفضت إلى استدعائها وتطويعها لمراميه الفنّيّة. وإذا كان الرّمز بعبارة كريستيفا “استحضارًا لشيءٍ ما أو لحدثٍ ما في متصوّر أحدهم، في غياب ذلك الشّيء أو ذلك الحدث”[23]، فإنّ القناع يُعدّ أحد تمظهراته الأعلى والأكثر كثافةً واتّساعًا بل إنّه يُعدّ الحلقة الواصلة بين الرّمز وبين الأسطورة[24]. ولا شكّ أنّ القناع بما يدّخره من طاقات فنّيّة تتعلّق بالتّسريد وبالتّحويل وبوصل الأزمنة، قد مثّل في الشّعر العربيّ الحديث نزعة تخلّى بها “عن ضبابيّته الرّومنسيّة، وتخلّص من الخطابيّة والتّقريريّة الّتي سادت القصيدة العربيّة… فقد استهدف شعراء الحداثة، تحقيق قدرٍ من الموضوعيّة في قصائدهم الشّعريّة، وحاولوا إضفاء نوعٍ من التّوتّر الدراميّ عليها، بحيث تسهم في نقل التّوتّر الّذي يعانيه الشّاعر أو يعمل على إحداثه”[25]. وبالعودة إلى معجم المصطلحات الأدبيّة، نجد أنّ القناع في الأدب امتدادٌ لتجلّيّاته في المسرح الإغريقيّ “ليستعمل عادةً للدّلالة على الفرق بين الشّخص الّذي ينتبذ له مقعدًا ليكتب، وبين ذلك الّذي تحمله الكلمات بين طيّات الصّفحة، هذا القناع أو الذّات الثّانية للكاتب يجب تفرقته عن المضطلع بالرّواية عبر ضمير المتكلّم وتختلف نسب التّطابق بين السّارد والقناع من أثرٍ إلى آخر”[26]، والبيّاتيّ بقوله: “القناع هو الاسم الّذي يتحدّث من خلاله الشّاعر نفسه متجرّدًا من ذاتيّته أي أنّ الشّاعر يعمد إلى خلق وجودٍ مستقلٍّ عن ذاته”[27] والملحوظ أنّ الوهايبي يعمد أحيانًا إلى إسقاط قناع التّمبكتيّ ليخترق اسمه الشّخصيّ فضاء الجملة وقد يعمد أحيانًا إلى التّماهي الكلّيّ معه.

إنّ صوت “ميدانا” المشتقّ في واقع أمره من صوت التّمبكتيّ، صوتٌ رامزٌ من وجهة نظرٍ فنّيّة، فميدانا بما لاسمه من عمقٍ بربريٍّ موظّفٌ لتدريم الحكاية وبثّ الحيويّة في مفاصلها، وقد حمل صوته طوق النّجاة الثّاني عندما استحضر معطًى أسطوريّا:

“قال ميدانا:

ولكنّ زهرة اللّوتس أين؟

لم أعد أسمع إلّا جرسًا منها يناديني

أنا السّاكن في البيت الّذي تسكن فيه”[28]

وبهذا الانفتاح يتعزّز المنحى الدراميّ للنّصّ وتتوسّع الدّوائر باندغام الصّوت التّاريخيّ بمعطًى أسطوريّله قداسته ورمزيّته العالية عند الفراعنة أساسا، متمثّلا في زهرة اللّوتس وما لها من دلالةٍ على الخصب وعلى غضاضة الحياة ومنشئها البكر، إنّها زهرة الولادة المتجدّدة والبعث المستمرّ وقد كان لها رمزيّاتها المماثلة في حضارات متاخمة أو بعيدةٍ. ولعلّ غيابها عن ناظري “ميدانا” وتردّد صوتها يحيل على موت الأخت الّتي لم يبق منها غير شبحها يطارد ذاكرة الشّاعر وصوتها يناديه.

لقد بُني المقطع الثّالث من نصّ “مسكيلياني” على استرفاد الماضي وتوظيفه بغاية تعزيز المنحى الدراميّ للنّصّ فكان ميدانا بهويّته البربريّة وكان القناع سبيلًا فنّيّا أعلن عن مبتدأ رحلة التّمبكتيّ رفقة “ميدانا” في ذاكرة الأرض أو هي رحلة المنصف في ذاكرة النّصّ.

4-4- مسكيلياني: اتّساع الرّؤيا وضيق العبارة:

لئن استطاع الوهايبي في المقطعين السّابقين أن يكسر زمنيّة المشهد لينطلق في رحلته عبر الرّمز والأسطورة، فإنّ الحلم في المقطع الرّابع سيمنح هذا الخروج عمقه. ولئن كان الحلم في متن المقطع رؤيا خالصة لها حظّها من الكشف وهتك الحجب، فإنّه بالنّظر إلى البنية السّرديّة للنّصّ تقنيةٌ ستنقلنا من الواقعيّ إلى العجائبيّ نقلًا سيصبح معه اللّامعقول ممكنًا، إنّه يهيّئنا كقرّاء لنتلقّى الأشياء ضمن منطق الألفة لا النّفور من خلال تهيئة فنّيّة ونفسيّةً وتهيئة روحيّة، سنسري عبرها مع الشّاعر ونعرّج:

“وحلمتُ بأنّي في بستان أبي

في مسكيلياني”[29]

هذا حلمٌ قدّه الشّاعر من مكوّناتٍ عجائبيّة تداخلت فيها المرجعيّات وتفاعل بعضها ببعضٍ، إذ يصوّر  الشّاعر التّمبكتيّ موته ويدقّق سرديّا في تفصيل القول بشأنه، كما يصوّر بعثه فينهض من الرّيم ليرى الأشياء بوعي الميّت وبأحاسيسه وليتلقّى ما يحدث حوله ساعة تجهيزه للدّفن بعين العارف، فيكاشف غيبه عبر توظيف للقرآن مرجعًا حمل المعنى إلى تخوم روحانيّة وإلى فيضٍ ستوقّعه اللّغة وتحيطه بما أفضى إلى فتح المقطع على أفقٍ صوفيٍّ تتراءى فيه الأشياء للشّاعر من منطوق الحالة في زمن آخر وفضاء غمرته الألوان الّتي تنحدر من مشكاةٍ:

“لكأنّك يا تمبكتيّ

في مشكاةٍ

تتدلّى فيها أنوارٌ

سوداء

وبيضاء

وزرقاء

وخضراء

وحمراء

وصفراء:

وقلت:

متى يفد الأصحابُ ويبتدئ الحفل؟”[30].

هكذا يتحقّق الانفصال وقد وفّر له الشّاعر الأسباب وأعدّ له العدّة، فكان البعثُ والتأم الشّمل لتتّحد الذّات مع خلّانها وقد لبّوا نداءها، فجاؤوا من أنحاء متباعدة وفي حللٍ شتّى ليبتدئ الحفل وليكون الشّطح. وقد مثّلت هذه الاستجابة انفتاحًا بالمقطع على أعلام الصّوفيّة ذكورًا من أمثال: محيي الدّين بن عربيّ وشهابُ الدّين والحلّاج، وإناثًا من أمثال: رابعة العدويّة، ولم يكتف الشّاعر بإحضار الأسماء وإنّما جهّز لكلّ واحد منها موكبه فأحياها وأعاد إنتاجها في رؤيته لتضطلع بأدوارها فتستقبله وتتلقّاه ببهجتها المطلقة، ولم يكتف في غضون ذلك بإحضارها صامتة بل فتح معها مجرًى للسّرديّ يتنافذ والشّعريّ فحاورها وجعل من إحضارها ما به تغذّى المقطع فنّيّا فتعدّدت الأصوات، ولكنّ اللّافت في هذا الإحضار لأعلام الصّوفيّة ما أنبأ عنه مقول الحلّاج وهو يستوقف صاحبنا المنصف/ التّمبكتيّ ليعلن عن حجّه وجماعته إلى مسكيلياني الّتي تتحوّل إلى غاية يتوق لها أهل الغيب ويحجّون إليها في ما يشبه استبدال المواقع والأدوار. إنّها رحلةٌ منجنسٍ آخر، علائيّة بامتياز تهتك حجب الغيب إذ توشّت فيها “اللّحظة الشّعريّة ببعد ميتافيزيقيّ”[31] وأفردها الشّاعر بقدرته على صهر العوالم والمقاربة بينها وكسر الأزمنة ومماهاتها بعضها ببعض:

“وأتى أصحابي

رابعةٌ

جاءت في وشيٍ من صنعاء

محي الدّين

بهرّ شاميّ ينظر من بلّورٍ أزرق

المقتول شهاب الدّين

على فرسٍ خضراء

مولانا

في جلباب الصّوف يطوف بأكواب الفضّة

حتّى ثملوا وتخافت ضوءٌ في مشكاتي

وابتدؤوا ينفضّون

فهممتُ

ولكنّ الحلّاج الواقف بالباب

أشار… أن ابق هنا يا تمبكتيّ

قلت: وأنتم يا حلّاج إلى أين؟

قال: إلى مسكيلياني”[32]

4- 5- مسكيلياني: ما لا يأتي وما لا يُسمّى:

من مسكيلياني المقيمة في قاع الذّاكرة والمتمكّنة من وعي الشّاعر ومن لا وعيه، ومن مسكسلياني الواقع المحيّن والمؤطّر بما يدّخره من مكوّنات، ومن مسكيلياني الرّؤيا المشرعة على الكشف الصّوفيّ، إلى مسكيلياني المتأبّية عن التّسمية، إنّها لحظة الصّمت النّاجمة عن اتّساع الرّؤيا، ثمّ إنّ العبارة في هذا الطّور من تشقيق المكان تتلاشى. وتتّشح عودة الشّاعر الأربعينيّ إلى المكان الأمّ بكلّ حرارته الرّمزيّة النّفي على مستوى بنية الجمل، فقد أبدلت مسكيلياني جبّتها وتلوّنت بالزّمان فلم تعد هي نفسها ولم يعد منها إلّا ما مكث في ذاكرة الشّاعر من أطيافٍ ورؤى:

“أيّها الظّلّ الّذي أسميته صوت الشّجر

أيّها الظّلّ الّذي ينشر أيّامي ويطويها

لماذا لم تعد تشبهني مسكيلياني؟

لم تعد تشبه إلّا حجرًا يحفظ كبريت المطر؟

أنت يا صوتي المعمّى

أيّها الظّلّ

… لماذا

كلّما أسميتها مسكيلياني

اشتقّت اسمًا من بساتين أبيها

وأبت أن تتسمّى؟”[33]

4- 6- مسكيلياني: أنوثة المكان والتباس الرّؤيا على الرّائي:

لقد حملنا الوهايبي في محاولة بحثه عن مسكيلياني بين مراتع كثيرةٍ تحوّل عبرها المكان عن واقعه الملموس إلى رؤيا طافحة بالوجد ليكون الفقد منتهى الرّحلة، وقد تبدّت مسكيلياني ونالها ما ينال الأمكنة الحميمة من تحوّلٍ عن الأصل إلى ما لا يشبهها وما لا يشبهنا، وقد مثّلت هذه الرّحلة على ما فيها من تطواحٍ ومن أسئلة ومن بنية نفسيّة يحكمها التّضادّ إلى مساحة لإجراء عمليّات فنّيّة تحقّقت من مقطع إلى آخرٍ بسياسة محبوكة نهضت بالعمق السّرديّ لنصّ شعريّ على غير المألوف، فنقلتنا من الواقعيّ إلى المتخيّل ومن الدّنيويّ إلى الأخرويّ، وأفضت إلى رفد النّصّ بمرجعيّاتٍ متعدّدةٍ أسطوريّة وتاريخيّة وصوفيّةٍ، انتظمت في خيطٍ قويمٍ تعزّز بتقنيات منها القناع والحلم وإدارة الحوار. ولمّا كان قدر المكان أن يتلاشى وأن يخون مكامن الحنين، فإنّ الوهايبي في المقطع الأخير من نصّه قد استعاض عنه بالأنثى فأقام الصّلة بينه ومسكسلياني عبر معطى أنثويّ تمثّل في راعية الماعز بكلّ ما تحمله من عناصر قرويّةٍ مكثّفة يحتاجها الشّاعر مثلما احتاجها التّمبكتيّ في يقظته الملتبسة بالحلم أو في حلمه المشرع على اليقظة ليكون الانتظار فضاء لتشكيل صورتها بمنطق إيروسيٍّ مسكون بالرّغبة في الاستدفاء بجسدها أو في التّفيّؤ بظلاله. إنّ المرأة هي الأقدر على أن تختزل المكان، ومن هنا كان النّسيب بمختلف بواعثه وأدواره في الشّعريّة القديمة، ومن هنا كانت الممازجة بين الهي والهو في الشّعريّة الحديثة بين الحبيبة والوطن.

يتّخذ الانتظار بُعدًا أسطوريّا يكسر مع الزّمنيّة وينحو جهة التّعجيب، إنّه انتظارٌ ممتدّ في الحقب ولا يخضع إلى منطق الوقت بمعايير الواقع، إنّه انتظارٌ معتّقٌ بأبعادٍ مختلفةٍ لكائنٍ يحمل عبق المكان وقد صمّمه الشّاعر ونحته نحت شغوفٍ كلفٍ من مستوياتٍ تداخل فيها الشّبقيّ بوعيٍ تاريخيّ، فأفضى إلى أنوثةٍ من ضربٍ مخصوصٍ تجاوزت بها راعية الماعز معطاها الأنثويّ لتكون اختزالًا للمكان بكلّ ما يحمله من عناصر دالّة على الحياة، يقول:

“مُنتظِرًا..

منذ الألف الأولى قبل الميلاد

أن تأتي

راعية الماعز في مسكيلياني

في زينتها الملكيّة

أن أتشمّم

في سرّتها

رائحة السّمك النّهريّ

ووعثاء الغابات.

منتظرا أن تأتي جسدًا في اللّيل خُلاسيًّا

غسلته أمطار الصّيف

وأنضحه ماء الوردةِ

أن تُدفئ قبوي البارد في تمبكتو”[34].

ويمضي الوهايبي في نسج أنثاه مستدعيًا تاريخ البلاد لتتحوّل الصّلة عن بعدها العاطفيّ إلى مجال الرّؤيا الّتي قُدّت أركانها من عمقٍ تداخل فيه الرّومانيّ بالفينيقيّ وإلى صلةٍ بين المتعدّدة في هيآتها، يقول:

“كم كنت أراها في نومي

تتنزّه بين الرّدهات

وأقواس النّصر الرّومانيّة

أو تركب قاربها في “أوتيكا”

وتُطوّح بالمجداف إلى “ترشيش””[35]

وبين المتعدّد في أحواله، يقول:

“وأنا أتبعها في نومي

أحيانًا

في هيئة بحّارٍ فينيقيّ

أحيانًا

في خرقة صوفيٍّ مسكين

أحيانًا بلباسٍ كنسيّ

أحيانًا

برداء رجالٍ زرقٍ وأمازيغ”[36]

وينتهي هذا الحفل المتلبّس بأطياف الرّؤيا إلى التباسٍ أكبر بين الصّحو والغفوة وبين إمكانيّة أنّ راعية الماعز قد جاءت دون أن يتنبّه لمجيئها تمبكتيّ في قبوه وهو يغفو بين المخطوطات الثّلثيّة، إنّه التباس الرّؤيا على الرّائي وتداخل مستوياتها في ذهنه إذ تراوح في غدوها ورواحها بين الوعي المتجذّر واللّاوعي المطلق بين الحلم والإحلام.

إنّ راعية الماعز مشتقّة من الطّبيعة الملتبسة لمسكيلياني، فهي أخذت عن المكان ما اختص به من أبعادٍ وليس حنين التّمبكتيّ إليها إلّا حنينًا إلى نفسه فهو يريد أن ينتشلها ويعيد لها لحظة توازنٍ تأبّت ولم يعد من سبيلٍ إلى إدراكها إلّا في الحلم واللّغة.

5- خاتمة:

أردنا بهذا البحث الوقوف على شعريّة الاسم العلم في عملٍ له أهمّيّته من منجز المنصف الوهايبي، وهو مُنجزٌ يكتسبُ عن جدارةٍ صفة التّجربة المميّزة كمّا وكيفًا، وإذا كان له من الخصائص ما يفرده على مستوياتٍ متعدّدةٍ فإنّ من أوكد خصائصه العناية بالأسماء الأعلام عناية يقف عليها الدّارس في أغلب إنتاجات الشّاعر. فالظّاهرة العلميّة تمسح مجاميع الوهايبي أو تكاد، إذ نجد لها من ثقل الحضور في “أشياء السّيّدة الّتي نسيت أن تكبر” و”ديوان الصّيد البحريّ” و”من البحر تأتي الجبال” وهي مجاميع قديمةٌ بمعيار الزّمان.

كما أنّنا نجد للظّاهرة حضورها اللّافت في “السّوريّون، و”بالكأس ما قبل الأخيرة” وهي مجاميع راهنيّةٌ بما ينبئ عن سمة لازمة وملازمة لتجربة الشّاعر جديرة بالدّرس من منطلق أنّها قد أُحضرت بطرائق متعدّدة وشاكلت الخطاب في عتباته وفي المتون وتلوّنت بما عرفته التّجربة من أطوارٍ ومناحي.

وليست الأسماء الأعلام مجرّد احتفاء بالإنسان والمكان في منجز الوهايبي، وإنّما هي غايةٌ في حدّ ذاتها صبغت شعريّته ووُظّفت بأشكال فنّيّة متفاوتةٍ ومتباينةٍ فلم تكن مجرّد إخبارٍ أو إحلالٍ بل عنصرًا مركزيّا تتقوّم عليه النّصوص وتدور حوله المعاني وتتولّد منه الدّلالات. وقد شملت أصنافًا متعدّدة صدحت بالتّراث في بعديه الكونيّ والعربيّ الإسلاميّ، وبالحداثة يتجاور فيها التّاريخ والرّاهن بما يكشف عن رحلة المنصف بين المتون قديمها وحديثها وعربيّها وغربيّها، وعن رحلته بين الأمصار وما جمعه بأسماء دالّة في الشّعريّة العربيّة والغربيّة قراءةً وتفاعلًا اجتماعيّا وثقافيّا.

ولم يكن تخيّرنا لمخطوط تمبكتو إلّا من جهة تميّزه وتمثيله للأسمائيّة الشّعريّة تمثيلًا مخصوصًا، أبنّا عن بعض متعلّقاته في كامل الأثر وفي نصّ بعينه تعلّق بمسكيلياني. وقد بان لنا أنّ الاسم العلم ليس مجرّد معطى تعيينيّ وإنّما هو فاعلٌ تتعلّق به أدوارٌ ووظائف تمثّل مرتكزًا للوقوف على شعريّة الخطاب، بل لعلّها غاية الشّعريّة ومدارها. وإنّ الوهايبي في هذا السّياق يلتقي بما نجده لدى شعراء مؤسّسين في الثّقافة العربيّة، أحضروا الأسماء الأعلام كلّ بطريقته ومنهم: درويش[37] وسعدي يوسف وصلاح عبد الصّبور. ولئن كان للاسم العلم حضوره في الشّعر القديم[38] فإنّ المساحات النّصّيّة قد أجازت له الحضور بشكل أدلّ وأثرى في الشّعريّة العربيّة الحديثة، سواء ما تعلّق منها بقصيدة التّفعيلة أو بقصيدة النّثر الّتي نحسب أنّ حركة الاسم العلم فيها أوسع بالنّظر إلى ما يميّزها من استرسالٍ في الخطاب خارج القيود الإيقاعيّة.

قائمةٌ في مصادر البحث ومراجعه:

المصدر:

  • الوهايبي (المنصف): مخطوط تمبكتو، الوارد ضمن ديوان الوهايبي، دار محمّد علي للنّشر، ط1، تونس، 2010.

المراجع العربيّة:

الكتب:

  • خليل (سمير): علامات الحضور والغياب في شعريّة النّصّ الأدبيّ، دار شؤون ثقافيّة، بغداد، د.ط، 2007.
  • السّائح دحماني (زكيّة): الأسمائيّة في اللّسانيّات الحديثة بين النّظريّة والتّطبيق، منشورات كبّيّة الآداب والفنون والإنسانيّات، بمنّوبة، تونس 2014.
  • صولة (عبد الله): الحجاج في القرآن من خلال أهمّ خصائصه الأسلوبيّة، دار الفارابي، بيروت. لبنان، 2007.
  • الطرابلسي (محمّد الهادي): خصائص الأسلوب في الشّوقيّات، ط1، المجلس الأعلى للثّقافة، 1981.
  • فاضل (جهاد): أسئلة الشّعر؛ حوارات مع الشّعراء العرب، الدّار العربيّة للكتاب، د.ط، د.ت.
  • الكندي (محمّد علي): الرّمز والقناع في الشّعر العربيّ الحديث (السّيّاب ونازك والبيّاتي)، دار الكتاب الجديدة المتّحدة، ط1، بيروت، 2007.
  • اليافي (نعيم): تطوّر الصّورة الفنّيّة في الشّعر العربيّ الحديث، صفحات للدّراسة والنّشر، دمشق، 2008.

البحوث المرقونة:

  • شرايطي (سليم): دور الاسم العلم في إنشائيّة الشّعر العربيّ القديم؛ من الأصول إلى نهاية القرن الثّالث للهجرة، بحث لنيل شهادة الدّكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها، كلّيّة الآداب، منّوبة، إشراف: أ.د، مبروك المنّاعي، السّنة الجامعيّة: 2015- 2016.
  • الطّارقي (شفيق): الاسم العلم وشعريّته في مدوّنة محمود درويش، بحث لنيل شهادة الدّكتوراه، في اللّغة العربيّة وآدابها، كلّيّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة 9 أفريل، إشراف: أ.د، فتحي النّصري، السّنة الجامعيّة: 2018- 2019.

المجلّات:

  • الحميداني (حميد): عتبات النّصّ الأدبيّ، مجلّة علامات في النّقد، مج 12، ع46، سبتمبر 2002.

المراجع الأجنبيّة:

  • -Bachlard (Gaston) : L’intuition de l’instant, éd, Stock, Paris, 1923.
  • Kristeva (Julia) : Le langagecet inconnu, une initiation à la linguistique, éd, du Seuil, Paris, 1981.
  • Ricoeur (Paul) : Les conflits des interprétations: essais d’herméneutique, éditions duSeuil, Paris, 1969.

[1]– زكيّة السّائح دحماني: الأسمائيّة في اللّسانيّات الحديثة بين النّظريّة والتّطبيق، منشورات كلّيّة الآداب والفنون والإنسانيّات بمنّوبة، تونس، 2014. انظر تقديم الكتاب، للأستاذ إبراهيم بن مراد، ص7. “الأسمائيّة مبحث لغويّ قديم عني به العربُ في ما ألّفوه من معاجم، في أسماء أعلام الأشخاص مثل كتبهم في طبقات الرّجال، وأسماء أعلام الأماكن، ومنها كتبهم في أسماء الأماكن والمواضع”.

[2]– عبد الله صولة: الحجاج في القرآن، من خلال أهمّ خصائصه الأسلوبيّة، دار الفارابي، بيروت، ص175.

[3] – Paul Ricoeur, Le conflit des interprétations – essais d’herméneutique, éditions du Seuil, Paris, 1969, p 93.

[4]– عبد الله صولة: مرجع سابق، ص8.

[5]– المرجع نفسه، ص8.

[6]– المرجع نفسه، ص20.

[7]– محمّد الهادي الطّرابلسي:خصائص الأسلوب في الشّوقيّات، ط1، المجلس الأعلى للثّقافة،  ص390.

[8]– زكيّة السّائح الدّحماني، مرجع سابق، ص201.

[9]– جهاد فاضل: أسئلة الشّعر، حوارات مع الشّعراء العرب، الدّار العربيّة للكتاب، ص36.

[10]– المرجع نفسه،ص38.

[11] الشّاهدُ مأخوذٌ عن صفحة التّواصل الاجتماعيّ للشّاعر المنصف الوهايبي، خصّ فيه المجموعة بتنويهٍ عن أهمّيّتها، وبنشرنماذج منها.

[12]– حميد الحميداني: عتبات النّصّ الأدبيّ، مجلّة علامات في النّقد، مج 12، ع 46، سبتمبر 2002، ص23.

[13]– سمير خليل: علامات الحضور والغياب في شعريّة النّصّ الأدبيّ، دار شؤون ثقافيّة، بغداد، دط، 2007، ص106.

[14]– تمّ الإهداء على مستوى نصّ كان عنوانه “بيت أيموهاغ”، وجاء الإهداء مشتركا وجامعًا بين الاسمين، وقد انتقل الخطاب في متن القصيدة من الجمع إلى المفرد ليعود إلى الجمع، وكأنّنا بالشّاعرين يتّخذان من رحلة الشّاعر محلّ الصّاحبين في القصيدة العربيّة القديمة، في ما يشبه الوقفة الاستذكاريّة الّتي أفادت مرور الصّحب بالبيت مرارًا دون التّفكير في دخوله ومكاشفة ما فيه ليكون الفعلُ متحقّقا في الأربعين من عمر الشّاعر، سنّ النّبوّة والكشف.

[15]– تمّ الإهداء على مستوى نصّ “سيراميك”، في الصّفحة 228.

[16]– تمّ الإهداء على مستوى نصّ كان عنوانه “مثل حمار خيمينيث”، على امتداد الصّفحتين 222 و223.

[17]– مسكيلياني: مسقط رأس الشّاعر الّذي شهد مولده ونشأته الأولى، وهي التّسمية الرّومانيّة لمدينة حاجب العيون الواقعة في دائرة القيروان.

[18]– المنصف الوهايبي: مخطوط تمبكتو، ديوان الوهايبي، دار محمّد علي للنّشر، ط1، تونس، 2010، ص152.

[19]– من لقاء للشّاعر مع الإعلاميّ زاهي وهبة، انظر almayadeen.Net

[20]– المنصف الوهايبي: مصدر سابق، ص153.

[21]– المنصف الوهايبي: مصدر سابق، ص153.

[22]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[23]– Julia Kristeva: Le langage cet inconnu, une initiation à la linguistique, éd du seuil, 1981, p17.

[24]– انظر، نعيم اليافي: تطوّر الصّورة الفنّيّة في الشّعر العربيّ الحديث، صفحات للدّراسة والنّشر، دمشق، 2008، الفصل الثّاني، “الرّمز والأسطورة في الشّعر الحرّ”، ويمتدّ هذا المبحث، بين الصّفحات 225 و257.

[25]– محمّد علي الكنديّ: الرّمز والقناع في الشّعر العربيّ الحديث، (السّيّاب ونازك والبيّاتي)، دار الكتاب الجديدة المتّحدة، ط1، بيروت، 2003.مقدّمة الكتاب.

[26]– Peter Childs and Roger Flower : The Routeledge Dictionary of Literary terms, 1978, p.170.

[27]– عبد الوهاب البيّاتي: تجربتي الشّعريّة، ص39.

[28]– المنصف الوهايبي: مصدر سابق، ص155.

[29]– المنصف الوهايبي: مصدر سابق، ص157.

[30]– المنصف الوهايبي: مصدر سابق، ص 158.

[31]– Gaston Bachlard : L’intuition de l’instant, éd, Stock, Paris, 1932, p103.

[32]– المنصف الوهايبي: مصدر سابق، ص.158.

[33]– المصدر نفسه، ص162،163.

[34]– المنصف الوهايبي: م مصدر سابق، ص164.

[35]– المنصف الوهايبي: مصدر سابق، ص164.

[36]– المصدر نفسه، ص165.

[37]– أنجزنا في سياق الدّكنوراه، أطروحة حول شعريّة الاسم العلم في مدوّنة محمود درويش، انظر: شفيق الطّارقي: الاسم العلم وشعريّته في مدوّنة محمود درويش، بحث لنيل شهادة الدّكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها. إشراف: أ.د، فتحي النّصري. السّنة الجامعيّة: 2018- 2019.

[38]– انظر في هذا الصّدد، سليم شرايطي: دور الاسم العلم في إنشائيّة الشّعر العربيّ القديم، من الأصول إلى نهاية القرن الثّالث للهجرة، بحث لنيل شهادة الدّكتوراه، في اللّغة العربيّة وآدابها. إشراف، أ.د، مبروك المنّاعي. السّنة الجامعيّة: 2015- 2016.

مقالات أخرى

أيّ نموذج إيتيقي للإنسانيّة المعاصرة

معطّلات الفهم في الشعر العربي المعاصر

شعريّة اللّباس

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد