جدلية العلم والمنفعة

ملخص:

هل نستطيع أن نحسم في إشكالية طبيعة العلاقة بين العلم والمنفعة بشكل نهائي في ظل سيادة التفكير النسبي؟ وهل نستطيع إنهاء النقاش في هذا الموضوع دون إعادة التفكير في كيفية تقدّم المعرفة العلمية، وفي طبيعة العلاقة بين النظرية والتجربة، والحسم فيما إذا كان العلم ذا طبيعة تأملية لكونه يطلب الحقيقة لذاتها، أم عملية لأنّ الغاية الأسمى للمعرفة العلمية تتمثل في تحسين شروط العيش، وإيجاد حلول لمشكلات الحياة والوجود؟ ألا يستلزم الفكر التركيبي، القائم على مبدأ التكامل أن يتيح لنا إمكانية القول بلا نفعية العلم ونفعيته في الوقت نفسه؟

تلك هي التساؤلات التي يحاول المقال التفكير فيها، مستحضرا تصور غاستون ميلو، باعتباره أحد رواد الإبستمولوجيا وتاريخ العلوم في فرنسا؛ الذين اتخذوا من النقد منطلقا، ومن معارضة الوضعية توجها له.

الكلمات المفاتيح: العلم، التقدم، النفعية، اللانفعية.

Abstract:

Can we, in a context where relativistic thinking dominates, definitively resolve the problematic concerning the nature of the relationship underpinning science and utility? Can we end the controversy raised about this subject matter without reconsidering the evolution of scientific knowledge and the relationship between theory and experience. We have, also, to decide on whether science is speculative in its nature when it seeks truth for the sake of truth itself, or is it practical since the ultimate goal of scientific knowledge is to improve living conditions and find Solutions to problems associated with life and existence? 

Aren’t we presupposed to state that synthetic thinking with the principle of complementarity in it’s base, confirms that science is both useless and useful?

These are some of the questions that the article sets for reflection, taking into account Gaston Milhaud’s thesis. Gaston a professor and a pioneer in epistemology and the history of science in France; He is one of those who make of criticism a starting point, and from opposing positivism a philosophical trend for it.

Keywords: Science, Progress, Interest, Disinterestedness.

 

«N’avons-nous pas décidément le droit de formuler cette loi: que La science progresse en raison dudés intéressement avec lequel elle est cultivée»

G., Milhaud «La science est à deux faces», p. 431

 

1- على سبيل البدء: العلم بين النفعية واللانفعية:

يعد موضوع العلم والمنفعة، من جملة الموضوعات التي انبرى العلماء والفلاسفة بمختلف تخصصاتهم لمقاربتها والتفكير فيها. حتى إن دارسي تاريخ العلوم وفلسفاتها سيسجّلون في كتاباتهم بعض الطرائف التي وقعت لبعض العلماء فيما يتعلق بهذا الموضوع، وسيوظفونها، لا باعتبارها أمثالا وحكما، تلهج بها ألسنتهم فحسب، في خضم حديثهم عن هذه القضية الشائكة؛ بل للدفاع عن اتصال أو انفصال العلم عن المنفعة. ومن أشهرها ما نقله لنا راسل عن أقليدس؛ لما جاءه أحد طلابه مستفسرا عما سيستفيده من دراسة الهندسة فأمر أحد جلسائه أن يعطيه مالا ويصرفه عن حلقته، إذا ما كان يطلب نفعا[1].

صحيح أننا لا نجد لدى أقليدس أبسط تلميح إلى أن الهندسة، يمكن أن تكون مفيدة عمليّا، إلاّ أنه من الخطأ الاعتقاد بأنّ الرياضيات لم تكن لها منافع عملية، ومن الخطأ أيضا الاعتقاد بأنّ المشاكل الرياضية، لا تنشأ في أحيان كثيرة من مشاكل لها صلة بالواقع[2]. وهذا ما يبين أنّ المفارقة التي يضعنا أمامها موضوع “العلم والمنفعة”، لا يمكن حلّها بشكل نهائي باستحضار كل المواقف التي عالجت هذا الموضوع، رغم ما تحمله في طيّاتها من عمق، بمعزل عن إشكالية تقدّم العلم.

ستتمّ اثارة إثارة هذا الموضوع بشكل متكرر في مختلف العصور، ومع ذلك، فإننا لن نتتبع كل المواقف التي عرضت في هذا الصدد على مرّ التاريخ، بل سنكتفي بعرض بعض معالم الجدل الذي أثاره أواخر القرن 19م، عندما أصبح موضوع “التقدم العلمي” هاجسا عند مؤرخي العلوم، وتحديدا في فرنسا، فور ظهور المدرسة الوضعية مع أوغيست كونط[3]، الذي كان تأثيره واضحا، لا على أتباعه فحسب، بل أيضا على من انتقدوا التجربة الوضعية من مؤرخي الفلسفة والعلم[4].

في هذا الإطار سيتبلور مشروع غاستون ميلو (1858-1918)[5] الذي اتخذته هذه المقالة موضوعا لها؛ باعتباره أحد أبرز النقاد الأوائل الذين عارضوا المدرسة الوضعية الفرنسية. فقد “توطدت سمعته كناقد (كذا!) علمي في الأطروحة التي قدمها لنيل شهادة الدكتوراة في الآداب “محاولة حول شروط اليقين المنطقي وحدوده[6] سنة 1894، باعتبارها “واحدة من أكثر الشهادات دلالة على ردة الفعل التي برزت في أواخر القرن التاسع عشر ضد التجريبية الوضعية التي أعطت العلم قيمة مطلقة”[7].

إن سبب الاعتماد على هذا النموذج دون سواه، يرجع إلى اعتقادنا أنّ مشروع الرجل تبلور حول فلسفة الرياضيات وأصولها، إذ حاول تمييز البحث عن أصل النظرية، ومن معالجتها في ذاتها، من خلال تفكيك العناصر المكونة لها (المبادئ، القوانين، المفاهيم…)، وتتبع آثارها العملية، وهذان الأمران لا يميز بينهما الكثير من الناس، مما يجعلهم يعتقدون خَطَأً أن العلوم النظرية – ومن ضمنها الرياضيات الخالصة- لم تكن لها فائدة عمليّة[8].

يمكن اعتبار غاستون ميلو من أبرز مؤسسي ما سيعرف بالتيار النقدي الجديد، الذي يقدّم نفسه بوصفه امتدادا للفلسفة الكانطية في فرنسا[9]. بل إنّ كثيرا من مجايليه يدرجونه ضمن روّاد “الكانطية الجديدة”، مثلما فعل إسحاق بنروبي[10] Isaak Benrubi (1876-1943). فنظرته النقدية المتشبعة بالنزعة الكانطية ستظهر ملامح جديدة على هذه الجدلية التي نروم فحصها والتفكير فيها.

بالعودة إلى مقالته الموسومة “حول الهندسة اليونانية في شرط التقدم العلمي”[11]، التي نشرت بعد ثلاث سنوات من مناقشة أطروحته في الدكتورا (1897). وبعد نشر كتاب “العقلي، دراسات تكميلية حول اليقين المنطقي” [12]بسنتين؛ سيدرك القارئ أنّ هذه المقالة تقدم تصوّر الرجل، وتعرض رؤيته لمجموعة من القضايا، بما فيها موضوع العلم والمنفعة، الذي حاول التفكير فيه في ارتباط بإشكاليتي: تقدم العلم، وطبيعته المزدوجة -التأملية والتجريبية-.

يضع ميلوفي هذه المقالة في ما سيسميه قانونا، سيعود إليه في كل لحظة؛ ينص على أنّ “العلم إنما يتقدم ويتطور بسبب اللانقعية التي تزرع فيه”[13]؛ ومعنى هذا أنّ العلم والمنفعة حسبه يسيران في طريقين، لا يقبلان التقاطع أو التداخل، غير أنّ هذا، لم يمنعه من استحضار الفرضية النقيض، القائلة بأنّ العلم لا يمكن فصله بشكل كلي عن المنفعة[14]؛ لاعتقاده أن كل معرفة، إذا لم تحقق منافع، انصرف الناس عنها، وتحوّل وجودها مع الزمن إلى عدم[15]. إنّ هذا التعارض المقلق، هو ما دفع “غاستون ميلو” إلى الاهتمام بهذا الموضوع، محاولا تشكيل موقف نقدي، استلهم فيه قيم العقلانية النقدية التي ميزت الكانطيين الجدد طيلة القرن 19م[16].

لكي يعلن غاستون ميلو عن موقفه، يعود في مستهل مقالته، التي أومأنا إليها، إلى تاريخ الرياضيات ليبيّن أنّ الهندسة، كما هو موضح عند إقليدس، هي علم غير نفعي. فشكل الكتابة التي اعتمدها يعطي للقارئ انطباعًا حيّا عن هذه اللاّنفعية. كما أنّ اعتماده على عبارات طويلة، واهتمامه بشكل دقيق وصارم بكل تفاصيل البرهان، وتأكيده، على أنّ عالم هندسة ينبغي أن يمتاز عن غيره بخاصية الصبر، من ناحية أولى، سمح له بإنهاء كل القضايا باعتبارها مشكلات/خصوما مفترضة، وأتاح له إيلاء عناية كبرى بمبدأي “الوضوح والصرامة” فقط؛ مما يبيّن إلى أيّ حدّ لا يهتمّ عالم الهندسة بالتطبيقات العملية، ولا يقلق بشأنها.

ومن ناحية أخرى، يبدو أنّ ترتيبه وتنظيمه لجميع أجزاء أي مشكلة يواجهها، بطريقة نظرية، وفق قواعد ثابتة[17]، تفوق في دقتها دقة الشاعر في قرضه لأبيات شعرية. فلغة الهندسة مع أقليدس ستغدو صارمة ودقيقة، ومفرطة في الوضوح، والاهتمام بالتفاصيل. مما يبيّن أن المعرفة العلمية عموما، والهندسة تحديدا، عملت على رسم حدود لنفسها مذ نشأتها، باعتمادها لغة أخرى، غير تلك التي دأب الناس على استخدامها في حياتهم اليومية. وهو ما يمكن أن تبرّر به تخليها عما هو نافع، لأنّ اللانفعية صارت مقياسا دالا على العلمية.

لا غرو، أنّ العودة إلى أصول النظريات (أقليدس مثلا)، من طرف المعاصرين ضرورية، لإبراز موقف القدماء من الموضوعات التي يشتغلون عليها، ومعرفة كيفية تناولهم لها بالدرس من جهة، ومحاولة تتبع التعديلات التي أدخلت عليها من جهة أخرى. فإذا كان المتقدمون يدافعون عن الطابع النظري للعلم، قصد تبرير استقلاليته عن كل ما له صلة، بما هو نفعي وعلمي، لتمثلهم النتائج الوخيمة التي يمكن أن تنجم عن ربط العلم بالمنفعة، وانزياحه عن مبدأ “طلب العلم لذات العلم”[18]، بحيث يتحول العلم إلى وسيلة وأداة في يد أصحاب المصالح، ومن يسعون إلى توظيف نتائج العلم لتحقيق منافع لحظية وآنية.

اعتنق القدماء مبدأ العلم لذات العلم في مختلف العلوم النظرية(الفلك، الموسيقى…)[19]، لكنهم جعلوا من هذا المبدأ قانونا موجها داخل علم الرياضيات منذ أقليدس -على الأقل- الذي أدرك أن ربط الهندسة بالمنفعة سينعكس على موضوعيتها؛ وسيجعلها تنفتح على امكانات لا علمية يصبح معها الخطأ صوابا، والنافع ضارا؛ والموجب سالبا ولنا في تاريخ العلم أمثلة عديدة[20]. إن هذه الإكراهات هي التي حتمت على القدماء تطبيق هذا القانون بشكل حرفي دون تأويل أو اجتهاد، معتبرين أن عدم الالتزام به سيؤدي إلى عواقب غير محمودة. فالعلم ينبغي أن يظل متعاليا عن الذوات وعن الواقع، وعن المصلحة أيضا.

لا شك أن ربط العلم بالمنفعة سيضع أصحاب التصور اللانفعي أمام مشكلات واقعية[21]، ستجعل من الأطروحتين متكافئتين، بالرغم من رجحان كفة الموقف الكلاسيكي بسبب رسوخه في الأذهان بفعل قدمه، وقدرته على حل كثير من المعضلات النظرية التي ليس في وسع أصحاب التصور النفعي سوى أن يصموا آذانهم عنها، مثلما كان يفعل القدماء في كثير من الأحيان إزاء المعضلات العملية[22].

ستسهم التصورات النفعية مع تقدم العلوم وتطورها، في إضعاف الأطروحة النقيض شيئا فشئيا، وسيظهر ذلك جليّا مع بروز التيارين الوضعي[23]والبراغماتي تحديدا[24]،اللذان منحا الفعل والعمل أهمية كبرى، وبحثا عن أثر LaTrace كل معرفة في الحياة[25]. من هنا جاء رفض الاعتراف بأن المعرفة ذات طبيعة نظرية محضة، وسيتعزز هذا الموقف مع الفلسفة الظاهراتية[26]، التي ترى أنّ المعرفة العلمية هي إنتاج لذوات تعيش في واقع تتأثر بأحداثه، وتؤثر في بناء أي تصور عنه. وهذا ما تشير إليه أغلب الدراسات المعاصرة التي تدرس كيفية تكون المعرفة العلمية، باستحضاره الدور العوامل الخارجية (الدين، التجارة، السياسة، الاقتصاد…) في بلورة النظريات[27]، محاولة بذلك توضيح العلاقة الوطيدة بين هذين البعدين –النظري والعملي- في مختلف المجالات العلمية، بما فيها تلك التي لطالما اعتقد في طابعها التجريدي[28]، وانفصالها عن الواقع التجريبي.

هكذا يتضح أن هذا الموضوع، يثير مفارقات عديدة تستلزم صياغة عدة تساؤلات تتعزز بمجرد الاطلاع على موقف غاستون ميلو المبثوث في مقالته المعنونة بـ «فيشروط التقدم العلمي «تحديدا، وعلى مختلف كتاباته ومقالاته الأخرى عموما. فكيف عالج إذن ميلو هذه الجدلية؟ وما موقفه منها؟ وما هي الأسباب النظرية والعوامل الخارجية التي فسر بها طبيعة العلاقة بين الطابعين النظري والعملي في النظريات العلمية؟ وكيف يمكن أن نفهم هذه الجدلية في ارتباط بموضوع تقدم المعرفة العلمية؟ وهل نستطيع أن نفهم جدلية العلم والمنفعة بمعزل عن إشكالية تقدم المعرفة العلمية؟ وهل نستطيع القول بنفعية ولا نفعية العلم ؟

2- بعض المعالم الكبرى لجدلية العلم والمنفعة عند غاستون ميلو:

للإجابة على هذه التساؤلات يلزم أن نبين أن ميلو في حديثه عن مفهوم العلم ظل يميز بين العلم النظري La science théorique الذي تعد الرياضيات أحد أهمّ مكوناته، والعلم الملموس أو التطبيقي la science concrète ou appliqué، الذي نطبقه على موضوعات الحدس والعالم الفيزيائي[29]، بالرغم من أنّه شهد بداية النقاشات الرامية إلى هدم هذا التمييز الكلاسيكي، ولعل هذا ما يفسر اتصاف موقفه حول كثير من القضايا بنوع من “الاضطراب”. ومع ذلك، سيقود هذا التمييز غاستون ميلو[30] إلى أن التفكير في موضوع طبيعة العلاقة بين “العلم والمنفعة” يضعنا أمام فرضيتين لا يمكن التحقق من مدى معقوليتهما إلا بكشف التعالقات الممكنة بين النظريات العلمية وامتداداتها العملية[31].

أكيد أنّ ترجيح إحدى الفرضيات التي يفرزها هذا الموضوع رهين مدى قدرتها على الصمود أمام الإشكالات التي واجهتها على مر التاريخ، وهذا ما سعى غاستون ميلو إلى إبرازه داخل ما يمكن أن نسميه “فلسفة الرياضيات”، مستلهما النقد الكانطي، الذي مكنه من معارضة التصورات الوضعية بفرنسا، إبان ازدهارها.

بالاطلاع على الدراسات التي قام غاستون ميلو حول تاريخ الرياضيات، منذ نشر كتابه “دروس حول أصول العلم اليوناني[32]” (1893)، وصولا إلى آخر مؤلفاته “دراسات حول كورنو[33]“(1927)؛ يمكن للقارئ أن يدرك أن الرجل في مقاربته لهذا الموضوع، حاول أن يضعنا أمام فرضيتين: تشير الأولى إلى أنّ “العلم لا ينبغي أن توجهه غايات نفعية”؛ وهي أطروحة تكاد تكون مميزة للفكر القديم في مجمله، حتى لا نقول في كليته، أما الفرضية الثانية فستظهر بدء من القرن 17م، بمجرد ما سيعرف الموقف الأول تراجعا، بعدما أصبحت الغاية من المعرفة وضع قوانين عقلية للتحكم في الطبيعة مع كل من غاليلي وديكارت تحديدا [34]؛ ستغدو هذه الأطروحة مهيمنة على الفكر الحديث برمته، وسيكون لها أثر على الفكر الغربي سيمتد لما يزبد عن قرنين من الزمن، دون أن تتمكن من إلغاء الفرضية الكلاسيكية بشكل نهائي.

يذهب ميلو إلى أنّ إبعاد العلم عما هو نفعي وزائل، كان بمثابة مبدأ موجه للفكر القديم، غير أن التعصب لهذا “الرأي” يتيح لنا اليوم إمكانية القول إنّ تعالي العلوم الكلاسيكية عن العالم المحسوس، كان من بين الأسباب المباشرة لتوقفها في كثير من اللحظات عن التطور؛ وتقهقرها في بعض الأحيان. من هنا، يمكن أن نفهم أنّ ربط العلم في الحقبة الحديثة بما هو نفعي، كان من العوامل المساهمة في تحريك عجلة التطور العلمي بلا انقطاع أو توقف، فهل هذا معناه أن العلوم التأملية ظلت مفصولة عن الواقع العملي إلى حدود القرن 17م؟ وإذا كانت كذلك، فلم حرص ميلو على الإشارة إلى أنّ من أسباب توقف العلوم النظرية عن التطور بعدها عن الواقع؟

يلمح ميلو إلى أنّ جدلية العلم والواقع كانت منذ المرحلة اليونانية، معتبرا أنّ الغاية الأولى من مقاربة هذا الموضوع بالعودة إلى أصول النظريات العلمية؛ التفكير في كيفية رفع المفارقات التي أثارها؛ وظلت حاضرة إلى أواخر القرن 19م، بعد النـتائج المبهرة التي حققتها المنهج التجريبي منذ أن وضع (كلودبرنار18131878) قواعده في كتابه “مدخل إلى الطب التجريبي”[35].

سيخلق هذا الموضوع أيضا سجالا واسعا في مجال الأبستمولوجيا، وداخل مختلف الجماعات العلمية[36]، جراء الاكتشافات التي شهدتها مختلف المجالات العلمية وعلى رأسها الرياضيات بدء من سنة1830[37] بعد ظهور إرهاصات انهيار الهندسة الأقليدية؛ التي بنيت على مبادئ خالصة وصارمة، ومسلمات وبديهيات مجردة عما هو نفعي، مع كل مع بولياي وريمان ولوباتشوفسكي الذين شككوافي صلاحيتها[38]، مدشنين بذلك معالم جديدة للفكر العلمي؛ ستفرض على العلماء إعادة قراءة تاريخ العلم، وهم يرتدون نظارات غير تلك التي نظر بها القدماء إلى العالم[39]. فما الذي جعل التصورات القديمة ترفض كل ما هو نفعي في بناء العلم؟

3- في شروط رفض الرياضيات/الهندسة اليونانية للنفعية:

يرى غاستون ميلو أن أقليدس لم يكن يهمه شيء أكثر من احترام القواعد بشكل صارم، لأن هذا وحده من شأنه أن يقود عالم الرياضيات إلى نتائج موضوعية. فالرياضي الحق حسبه لا يضع في اعتباراته الوصول إلى نتائج نافعة، بل يتبع منهجا دقيق يمكنه من الوصول إلى اليقين، لاعتقاده بوجود مسافة شاسعة بين اليقين والنفع. يقول غاستون ميلو في هذا الصدد:” هكذا يتضح أنّ الكتاب – يقصد كتاب العناصر- يحتوي على سلسلة من المقاطع/الآيات les couplets، كل جزء منها يشكل مقطعا منظمًا، وفق إيقاع إذا جاز التعبير، يٌسْتَنْبَطٌ وفقًا لقواعد معينة تحكم البناء الهندسي، تنتهي بسمفونية. من البديهي تمامًا أن رؤية هذا الكتاب لا تهدف إلى تطبيقات مألوفة، وأن التأملات الخالصة واللانفعية وحدها تتفق مع تلك الإيقاعات البطيئة التي تٌسْعِدٌ عالم الهندسة اليوناني”[40]. يتضح من خلال هذا النص أنّ مبادئ علم الهندسة كما صاغها أقليدس، لم تتأسس على ما هو نفعي أو على تطبيقات عملية كما كان الحال عند المصريين[41]. فعالم الهندسة اليوناني لا يجد سعادته إلا عند التزامه بتلك القواعد الصارمة، التي لا يرجو من وراء احترامها تحقيق أي منفعة أو ربح.

 يؤكد غاستون ميلو أنّ العلم متى ما تم فصله عن المنفعة كانت النتائج المحققة ذات طبيعة نظرية خالصة. لكنه في المقابل يستحضر الصعوبات التي واجهت هذا التصور في الحقبة المعاصرة[42]، حتى يتمكن من إعطاء نوع من المشروعية للفرضية الثانية. موضحا التصور الأقليدي كانت بفعل استبعاده للواقع، وتمسكه بشرط اللانفعية، واستغنائه عن التطبيقات العملية.

لا خلاف أن العلم اليوناني حقق قفزة غير مسبوقة، عند فصله بين التأمل الخالص والمعارف العملية[43]، وأحداث قطيعة -بالمعنى الباشلاري- مع الثقافة -الشرقية عموما والمصرية تحديدا-ذات النزوع العملي والنفعي. لهذا سيرفض علماء الإغريق إدراج ما أنتجته هذه الحضارة ضمن دائرة العلم. يقول ميلو: “نحن متأكدون أن الشهادات التي وصلتنا حول هذه النقطة، حتى الآن، من مختلف العصور قوية، وليست أقل اتساقا. فأفلاطون، الذي سافر إلى مصر، أنكر على سكان ذلك البلد الحق في تسمية أنفسهم “علماء هندسة”؛ وأعلن أنهم صالحون فقط للتجارة المربحة”[44]. فأفلاطون بإنكاره هذا حاول أن يؤرخ لبداية الهندسة من جهة، ويظهر شروط ولادتها من جهة أخرى[45].

لم يكن أفلاطون وحده، من سجل هذه الملاحظة؛ بل إن التجار، ورجال السياسة، وكل من حط الرحال بمصر أو مر بها، وقف على هذه الحقيقة. ومن بين الشهادات الدالة على هذا القول ما رواه الإمبراطور الروماني هادريان l’empereur Hadrien (73 م – 138 م)[46]، حينما كتب عن الإسكندرية: ” هي مدينة ثرية opulente، غنية، منتجة، لا يعيش فيها أحد بلا عمل! بعضهم يصنع الزجاج عن طريق النفخ، والبعض الآخر يصنع الورق، وآخرون يشتغلون في الصباغة. إنهم جميعًا حرفيون ويجيدون ممارسة مهنة معينة. فالمصابون بالنقرس Les goutteux  (مرض يصيب المفاصل بالالتهاب) يَجِدُونَ شيئًا ليفعلوه ؛ ويجب على ضعاف النظر العمل؛ والمكفوفين أن تكون لهم حرف، وحتى طيور البطريق ينبغي ألا تبقى عاطلة. إلههم الوحيد هو المال. هذا هو الإله الذي يعبده المسيحيون واليهود والناس على اختلاف أنواعهم”[47]. فالمصريون لم يعرفوا العلوم النظرية لأنهم كانوا أهل تجارة وأصحاب حرف، أما نظراؤهم اليونانيون، فقد تمكنوا من القيام بتجريد المعرفة، وهو ما مكنهم من وضع أسس علوم نظرية، ذات طبيعة تأملية خالصة، وغير نفعية.

حاول ميلو بجد أن يبين الأسباب والعوامل التي دفعت علماء اليونان إلى فصل العلم عما هو نفعي، معتبرا أن توجههم نحو التأمل الخالص هو ما أتاح للرياضيات أن تحقق قفزة غير مسبوقة، بعدما عرفت جمودا طويلا نتيجة ارتباطها بجملة من التطبيقات المحدودة. لذلك فهو يضع الثقافة اليونانية في تعارض تام مع الثقافة المصرية، ويرفض كل محاولة تروم البحث عما هو تطبيقي في المتن الأقليدي، لأن مآلها سيكون الفشل لا محالة، وقد عبر عن هذا الأمر بشكل صريح حينما قال: ” يتأكد هذا الانطباع، بما لا يدع مجالا للشك، بمجرد الاطلاع على مضمون كتاب “العناصر”. يمكن البحث عبثا عند إقليدس عن إشارة واحدة تعطي قاعدة لتقييم حجم من الأحجام أو شكل -هندسي- معين. ببساطة يوضح هذا المقطع بسرعة أن كتاب “العناصر” بعيد جدا ليس فقط عن مجموعة من القواعد العملية، ولكن حتى عما نسميه اليوم أطروحة حول الهندسة النظرية التي تكون لها غايات عملية”[48]؛ ومعنى هذا القول إن التصور الهندسي الذي وضعه إقليدس لم يقم على أي أساس تطبيقي، أو قاعدة عملية، ومع ذلك عدّ تصوره مكتملا، على خلاف التصورات المعاصرة التي تظل نسبية، بالرغم من ارتباطها بالواقع، وحرصها على تحديد كيفية قياس المساحات والأحجام والأشكال: ” فبالرغم من أن كتبنا لا تزال تشبه إلى حد بعيد كتب إقليدس، من حيث الشكل والمادة، لا يوجد كتاب واحد يعتقد أنه مكتمل، إذا لم يقدم القواعد التي يجب اتباعها لقياس مساحة المثلثtriangle ، ومتوازي الأضلاعparallélogramme ، والدائرة les cercle، والكواكب les sphères “[49]. وقد ظلت هذه الصيغة مفقودة عند أقليدس، وهي نتيجة شبه بديهية بالنظر إلى الاعتبارات النظرية، التي لا يمكن قبلوها من طرف من لا يعترف بأن مبادئ الهندسة يتم استنباطها بطريقة نظرية خالصة. فهل هذا معناه أن الهندسة الأقليدية لم تعرف البتة نزوعا نحو ما هو تطبيقي؟ وما دواعي وأسباب رفض كل محاولة تروم تطبيق الهندسة؟

بالعودة إلى التاريخ، يتبين أن الإغريق توجهوا نحو تطبيق القواعد الرياضية، للتحقق من تصوراتهم النظرية، مثلما حدث مع أبولونيوس[50]الذي قام بقياس رِجْلِ الملك أجاممنون[51] ليثبت صحة نظريته حول المخروطيات، لكنه لم يجن من عمله هذا إلاّ السخرية والاستهزاء، بل إن كثيرا من أبناء عصره اعتبر عمله هذا ضربا من الجنون؛ مما يبين أن هذه المحاولات لقيت معارضة شرسة. وهذا ما أشار إليه ماكسيمليان ماري[52]M. Marie (1819– 1891)، في مطلع كتابه المعنون ب “تاريخ العلوم الرياضية والفيزيائية[53]، لكن الأمور تغيرت اليوم، إذ إن علماء الهندسة يفكرون بطريقة أبولونيوس بنفسها. على هذا الأساس يشير ميلو إلى أنه: ” إذا امتنع إقليدس أو أبولونيوس عن جميع اعتبارات القياس العددي بصرامة أكثر مما نفعل، فمرد ذلك تقريبا إلى أنهما استشعرا عدم جدوى هذه القياسات بالنسبة لعلم يروم أن يكون خالصا، غالبا ما يرجع ذلك جزئيًا إلى أن القياسات العددية تكون تقريبية وكافية فقط في معظمها لبعض الاستخدامات العملية. ولكن في العمق، علينا، إذن، أن نرى أنّ التمييز الأساسي في عيون الإغريق، يكمن بين ما تحتويه كتب الهندسة الخاصة بهم وهذه الرسوم التي تجاهلوها (أقصوها) بشكل ممنهج/منظم/نسقي.”[54]

ميز الإغريق بين العلوم التأملية الخالصة ( الرياضيات، والموسيقى، والفلك) والعلوم العلمية بشقيها الإبداعية (الفن والشعر) والانتفاعية (الأخلاق والسياسة)، لاعتقادهم الراسخ بأنها في متناول كل النّاس، لا لشيء إلا لأنها تعود عليهم بالنفع، معتبرين أن العلوم التأملية هي علوم الخاصة من الناس. هكذا توصل ميلو إلى نتيجة يبين فيها ماهية العلم حينما يقول: “باختصار ما هو العلم المناسب، نقول، تأمليّ ولانفعي”[55]، واضعا بذلك شرطان لازمان لكل معرفة علمية، ومميزان للعلم اليوناني. فأقليدس على سبيل المثال ” لم تكن ولو حقيقة من الحقائق التي أعلنها بشكل متتال تحمل في ذاتها نفعا”[56]. وهو ما جعل هذا النموذج ce modèle الذي بناه وفق منهج صارم لم يَتْرٌكْ فيه مجالا للصدفة مثاليا/نموذجياparfait.

ينبغي الاعتراف أن ما ستحققه النتائج الدقيقة التي توصل إليها أقليدس من منافع عملية، عند تطبيقها مع كل من أرخميدس وأبولونيوس في جملة من المجالات مثل “الفلك”، ما كان ليكون لولا الجهد الذي بذله صاحب كتاب العناصر: ” فأعمال أرخميدس وأبولونيوس ستكون نتيجة طبيعية سيجد فيها العلماء أداة مناسبة لضبط وتنظيم التطبيقات الفلكية (كذا!)”[57]. وهذا معناه أن العلم يبدأ نظريّا تأمليا وغير نفعي، وقد نتوصل عند تطبيقه إلى نتائج عملية مفيدة. صحيح أن القدماء أدركوا هذا الأمر، لكنه لم يدفعهم إلى التخلي عن شرطي: التجريد واللانفعية.

 إن ما يثير الدهشة، هو الجمع بين هاتين الحقيقتين؛ المعرفة النظرية وتطبيقاتها العملية؛ خلال فترة زمنية وجيزة نسبيا، دون أن تتخلى عن طابعها التأملي، وبُعْدِهٌا عما هو نفعي. وهنا ينبغي أن نفهم أنّ العلم التأملي لا يروم تفسير الواقع وإنما فهمه، وإن في انفصال عنه، وقد كان هذا سبب تقدمه في مراحله نشأته. فهل كان بعد العلم عن النفعية سببا في تطوره وتقدمه، أم ضعفه وتقهقره؟

4- أسباب وعوامل تقدم العلوم في العصر الإغريقي:

يمكن أن نميز في الحديث عن كيفية تقدم العلوم اليونانية بين الأسباب النظرية (العلمية) والعوامل الخارجية.

4- 1- الأسباب النظرية لتطور المعرفة العلمية:

يشير ميلو في مختلف دراساته إلى أن تقدم العلم محكوم بثلاثة شروط نظرية هي: أن يكون لا نفعيا، وتأمليّا، وخالصا. فهو يرى أن هذه الشروط التي وسمت الهندسة منذ أقليدس ستكون أحد الأسباب الجذرية المساهمة في تقدم الرياضيات. لكن إذا كانت اللانفعية سببا في تطور العلم وتقدمه، فكيف نفسر تراجعه وتوقفه عن التطور في بعض الأحيان؟

إن تباطؤ تقدم العلم حسب ميلو، راجع إلى اختفاء عنصر أساسي وحيوي، هو اللانفعية التي نشأ عليها العلم منذ بدايته.  صحيح أنه لا أحد يستطيع أن يشكك في قوة هذا الموقف ووضوحه، غير أن المشكلة التي تعترضه، تتمثل في أنه يجعل قوة العلم ثاوية في ماضيه لا في حاضره، ويرسم لنا تصورا نكوصيا (سلفيا) عن تاريخ العلم، وهذا ما فطن إليه هو نفسه حينما قال متسائلا: ” هل يجب أن نتوقف أولاً عند هذا التقليد الخاص بالفلاسفة القدماء ومعظم الأديان التي تضع، بطريقة أو بأخرى، العصر الذهبي في الماضي، وتعلن أن البشرية تتجه نحو فنائها من الآن فصاعدا -أي كلما تقدمت نحو المستقبل-“[58]. مما يفتح الباب أمام تأويلات تجعل للتصورات الميثولوجية والدينية دورا في تقدم التاريخ، وتحديد شروط بناء المعرفة. وقد تأثر بهذا الموقف الحكماء الأوائل: “فبالنسبة لأفلاطون، كان الرجال القدامى قريبين من الآلهة (مالكي الحقيقة). أما أرسطو فاعتبر أن الفنون والعلوم كانت موجودة سلفا ولكنها ضاعت على الأرجح”[59]. مما جعله يعلق بالقول: ” لن يكون قانون التقدم -بهذا المعنى- متصلا، ولن يكون أيضا، عملا أو فعلا انسانيا”[60]. مبينا أن النتيجة التي تسفر عنها مثل هاته التصورات، لا تقود إلا إلى موقف وضعي يحتم على الإنسان ان أن يقدم استقالته، وأن يتخلى عن التساؤل، وبذل أي جهد لتفسير العالم.

وقد يقول قائل آخر، إن ضعف انتشار المعرفة العلمية التي بناها القدماء، بسبب افتقار معرفتهم تارة للصلابة La solidité، والصرامة، أو بسبب عدم وجود تنظيم كاف بين العلماء أنداك تارة أخرى. فجهودهم كانت معزولة ومتفرقة، ووسائل بحثهم بسيطة إن لم نقل بدائية، ولم تكن لهم القدرة على الإنتاج بشكل دائم، بسبب عدة عوامل من بينها على سبيل المثال لا الحصر ندرة الكتب المطبوعة، والمكتبات، والمذكرات، والمراسلات، والدراسات،[61] والأعمال الكاملة، والمجلات، والدوريات، على خلاف ما هو عليه الحال اليوم، حيث يتم تدوين العلم ونشره بشكل فوري، كما أنهم لم يعرفوا الأكاديميات والمعاهد والجامعات مثلنا، وهذا أمر واضح جدا…

وقد يعترض آخر بالقول، إننا لا يجب أن نغالي في المبالغة، لدرجة تجعلنا ننكر وجود الكتب والمكتبات قبل زماننا، ووجود مراكز البحث العلمية، حتى قبل تأسيس مدرسة الإسكندرية. فأفلاطون، وأرسطو، وفيثاغوراس، وتيودوروس القيرواني جمعوا الناس حولهم، بغية تطوير آليات البحث والاكتشاف، وقد نجازف بالقول إن مجتمعاتنا تعجز عن فعل ما فعله هؤلاء الأوائل، لأننا لم نشكل مجتمعات علمية مماثلة للمجتمعات العلمية القديمة، رغم توفرنا في العصر الراهن على جملة من الشروط التي افتقروا لها.

إن هذا الوضع المفارق يحثنا على إعادة التساؤل عن كيفية تقدم المعرفة العلمية أولا، و إحداث مقارنة بين العصور القديمة والراهنة لمعرفة درجة تشتت الجهود الفردية في كلا العصرين (القديم والمعاصر)[62]؟

بالعودة إلى المرحلة ما قبل السقراطية نلاحظ أنّ طاليس Thalès في آسيا الصغرى، وفيثاغورس  Pythagoreفي إيطاليا، وديمقريطس Démocriteعلى شواطئ تراقيا، وأبقراط Hippocrate في خيسوس[63]، كل من جهته، ساهم في تطوير العمل الرياضي، لكننا لا نستطيع أن نتحدث معهم عما يشبه منظمة متناسقة (جماعة علمية)[64]، فالجهود التي بذلوها ظلت معزولة عن بعضها البعض إلى حد ما، ومع ذلك فنحن نعلم اليوم أن هذه الفترة الأولى من فيثاغورس إلى أفلاطون شكلت الجزء الأكبر من العلم، الذي سيبلغ أوجه مع أرخميدس وأبولونيوس، اللذين ما كان لأعمالهما الخالدة أن تبلغ كمالها لولا الإشراقات الحيوية[65]un vif éclat، الفردية، التأسيسية، التي قام بها من قبلهم. لكن العمل الفردي، والإشراقات الحيوية، ستصبح مع تقدم العلم عوائق أمام تطوره؛ إلى جانب عوائق أخرى من بينها عدم قدرة القدماء على إنشاء طريق تجريبي، ويرجع عجزهم عن إيجاد هذا الطريق، إلى الكيفية التي نظروا بها إلى العلم. لقد كانوا مفرطين في التأمل العقلاني، لدرجة أنهم لم يكونوا يقبلون الحقائق التي لم يكن بإمكانهم فهمها، لهذا” بقي علمهم النظري كما لو كان معلقًا في الهواء، بعيدًا جدًا عن الاتصال بحقائق وأشياء العالم المحسوس”[66]. مما حدّ من قدرة العلم اليوناني على خلق تفاعل فعال ومثير بين العالمين المحسوس والمعقول بلغة أفلاطون.

سيتمكن الفكر اليوناني مع تقدم المعرفة من التغلب على هذه العوائق “البسيطة” تباعا[67]. إذ بعد تشييد مدرسة الإسكندرية، سيتم التخلص تدريجيا من الإشراقات الحيوية الفردانية، والتأسيس للعمل الجماعي. وأسهم انفتاح علماء اليونان على الثقافة الرومانية في جعل التوجه التجريبي يجد موطئ قدم له.

وأيّا ما كان الأمر فقد عرف العقل الإغريقي تحولا جذريا، تحت تأثير الإيمان الديني في العصور الوسطى، فمجيء الدين كان ضروريا ومطلوبا لدفع العلماء لتقبل إمكانية عدم فهمهم كل شيء – ولو عن طريق التأمل -. مما سمح بنشوء جملة من العلوم التجريبية وتطورها (مثل: العلوم الطبية، والعلوم الطبيعية، والبيولوجية…الخ)،سيتعزز معها دور الملاحظة العينية، للقيام بتعديلات على ما توصل إليه العلماء جيلا عن جيل ما بين أبقراط (460 ق م / 370 ق م) وأرسطو (384- 322 ق م)، وصولا إلى مينودوت النيقومندي Ménodote de Nicomédie[68]، الذي حاول صياغة قواعد رئيسية للمنهج الاستقرائي في القرن الأول بعد الميلاد. مما مهد الطريق للملاحظة التجريبية لكي تصير بمثابة تقليد، تتوارثه المدارس عبر الزمن.

يتضح، إذن، من هذا القول، أنّ الإغريق عرفوا المنهج التجريبي، ومن الأمثلة الطريفة والواضحة على أن اليونانيين برعوا في اعتماد هذا المنهج، قيام أرسطو بدارسة الكتاكيت في البيض، قبل أن تفقس– ألم تكن هذه التجربة فريدة في زمانه؟-.  ومع ذلك يمكن أن نجزم أن مختلف الدراسات التجريبية، بما فيها تلك التي قام بها أرسطو نفسه لم تخل من بعض العناصر الخرافية والسيكولوجية مثلما يظهر ذلك بجلاء، من خلال، تصوره لمفهوم السقوط[69]، لكن هذا لم يمنع المنهج التجريبي من التطور. فالدراسات الفلكية القيمة، مثلا، وإن اعتمدت، على افتراضات متخيلة لرسم تصور حول كيفية حركة الأفلاك والكواكب، إلاّ أنها لم تتخل أبدا عن عملية الرصد القائمة على الملاحظة.

صحيح أن علم الفلك سلك طريقين( التأمل والتجربة)ظل يٌعْتَقَدٌ في تعارضهما، لكن لا يمكن أن ننكر وجود بعض معالم دالة على أن القدماء عرفوا طريقا ثالثا يؤلف بين الملاحظات التجريبية، والتأويلات التأملية، لاعتقاد أصحاب هذا التوجه أن التأمل يتقوى بفعل تراكم الخبرات والتجارب، التي تظل في حاجة إلى توجيه “العقل”.

فعملية الرصد عند كل من هبارخوس Hipparque وبطليموس Ptolémée على سبيل المثال لا الحصر، لم تكن تجريبية ولا تأملية بشكل كلي؛ لأنهما عملا على ترتيب ملاحظاتهما، من خلال، ربطها بالرياضيات الخالصة. يقول ميلو:” كان هذان الرجلان فلكيان عظيمان، لكن يبدو أنهما لم يستخدما سوى المفاهيم الرياضية السابقة، ولم تعرف الرياضيات الخالصة، بعد عملهما التطبيقي، أي اشراق احيائي (كذا)”[70].ومعنى هذا القول إن علماء الفلك منذ القدم استكانوا إلى جملة من الأفكار والمبادئ النظرية المسبقة، الـمٌنَظِّمَةٌ والـمٌوَجِّهَةِ لعمليات الرصد والملاحظة.

 لم يكن هيبارخوس وبطليموس وحدهما من رفضا استخدام الطريقة التجريبية بشكل محدود، واستخدم الحقائق الرياضية لترتيب الأفكار الجاهزة وفق نظام خالص، للرفع من درجة فعالية دراساتهم ودقتها. مما يبين أن اتباع هذا الطريق لم يكن حدثا صدفويا. فهل تمكن العقل الإغريقي مع هذه المحاولات من حسم الجدل القائم بين التوجهين الحسي/التجريبي والتأملي/النظري؟

إن هيمنة التوجه الأرسطي، لم تمنع العقل الإغريقي من الانقسام، بل ظل الصراع بين الاتجاه العقلاني الرافض لمعطيات الحس، والاتجاه “التجريبي” قائما، حتى بعد مجيء الديانات التوحيدية التي بشرت بجملة من القضايا (الجنة، النار، الدار الآخرة، البعث…) العصية عن الإدراك الحسي. لكن التفاعل الذي حدث بين هذين الاتجاهين على مدى قرون أسهم في خلق حركية داخل العلم، ومهد الطريق لمراجعة شروط علمية المعرفة (التأمل واللانفعية).

صحيح أن الإغريق اعتمدوا الملاحظة، لكن لا ينبغي أن ننسى أن هناك مسافة شاسعة بين الملاحظة والتجربة كما نفهمها اليوم، استنادا إلى كتاب كلود برنار “مقدمة في الطب التجريبي[71]، إذ ” لا يجب البحث بقوة -كما نقول- للعثور على ما يثبت عدم التوافق الحاصل بين الخصائص الأساس (كذا) للمنهج التجريبي والتوجه الطبيعي للفكر الهيليني”[72]، فاليونانيون لم يعتمدوا إلا على وسائل بسيطة لم تسعفهم في إدراك كثير من الأشياء[73]، لذلك سمحوا للعقل بأن يخاطر بكل حرية في تقديراته (كما وقع في مسألة تصورهم للأثير، وشكل دوران الكواكب، ومسألة سقوط الأجسام)، لاعتقادهم الراسخ بأن العلم إما أن يكون مكتملا أو لا يكون[74].ومع ذلك، فإن مثال أرسطو لا يسمح لنا بالقول إن اليونانيين لم يعرفوا كيف يجمعون الملاحظات، كما لا يتيح لنا إمكانية الحكم بعدم علمية الطرق التي اعتمدوها. فهل يمكن أن ننكر الطابع العلمي للتصورات اليونانية؟

استند أغلب الذين أنكروا الطابع العلمي عن التصورات الإغريقية، إلى غياب ما يسمونه “الروح النقدية”، وسيادة “الدوغمائية”[75] و”الوثوق الأعمى” في القوانين التي تم التوصل إليها. لكن هذا الإنكار تلغيه عدة اثباتات، من بينها أننا نعثر عند القدماء على ما يثبت أنهم كانوا يخضعون ما يتوصلون إليه للنقاش، ويسمحون بإمكانية تعديله باستمرار. فالتصور الفلكي الأرسطي مثلا، لن يتم التسليم به، بل سيعرف بعده مع بطليموس وأودوكس جملة من التعديلات. وهنا يتساءل ميلو: “ألا يوجد في التصحيحات والتعديلات والتحولات الجذرية التي كان على النظرية أن تخضع لها أحيانا في بعض المجالات، الدليل الواضح على أن القدماء كانوا قادرين على بناء تصورات قابلة للتغير لتتلاءم بشكل أفضل مع تفسير الحقائق المرصودة؟ ألم نر أفكارا ورموزا كانت تقترب أكثر فأكثر من رؤية الحقيقة التي حلت محل[76]substituantالخطأ، ومن تحقيق نتائج مختلفة تمامًا؟”[77]

علينا ألا ننكر أن توظيف الرياضيات الخالصة في قراءة معطيات العالم المحسوس، كان أحد أهم الابتكارات الإغريقية الشديدة الذكاء؛ حتى قبل أن يعرف هذا العلم أزهى فتراته مع تأسيس مدرسة الإسكندرية، حيث سيظهر تفوق الاتجاه الرياضي بعد تقعيد الهندسة مع أقليدس، وسيمتد تأثير هذا التوجه إلى حدود ق 17م، حتى بعد أعمال فييت وديكارت[78]، اللذين عملا على إحياء التقليد القديم (أعمال فيثاعورس، وأقليدس، وأبولونيوس، وأرخميدس..). فكيف يمكن تفسير هذا الأمر؟ هل كان التجاء القدماء للرياضيات ناتج عن ضعف المنهج التجريبي، أم لحظة تحول منطقية لغايات العقل الإغريقي؟ وكيف يمكن أن نفسر الميل لتمثيل الواقع والظواهر الطبيعية هندسيا من أبولونيوس إلى ديكارت، مع اختلاف طفيف يرجع إلى ظهور الهندسة التحليلية؟

4- 2- عوامل تطور المعرفة العلمية في المرحلتين الهيلبنية والهيلنستية:

لعبت عدة أحداث تاريخية دورا هاما في الرجة التي عرفها العقل الغربي، يمكن أن نحصرها في ثلاثة أحداث كانت بمثابة عوامل مؤثرة هي: الغزو المقدوني لمصر (332 ق م)، والسيطرة الرومانية، وظهور الديانة المسيحية. فالغزو المقدوني لليونان جعل الإغريق في اتصال مباشر مع الشرق وتحديدا مصر، وإن لم يساعدهم هذا الاتصال في نقل كل الدرر والكنوز العلمية التي جمعوها إلاّ أنه مكنهم من الاطلاع على ما راكموه من تجارب، أما السيطرة الرومانية فقد وضعت حدا للصراعات السياسية، وجعلت اليونانيين ينعمون بالسلام الذي حرموا منه لزمن طويل بفعل الحروب التي كان لها تأثير سلبي على الثقافة والفكر، أما الدين المسيحي فجلب معه سلاما روحيا، وأخلاقيا ودينيا، سيريح الفكر من البحث عن إيجاد حلول للمشكلات “الروحية” التي عصفت به.

متى نظرنا في هذه العوامل أمكننا القول إنّ هذه الفترة كانت ملائمة للبحث العلمي، لكن القيام بعملية إحصائية لمختلف العوامل التي شهدها هذا العصر، لا تسعف الباحث في إدراك كنه هذا التحول، ما لم يتم الوقوف على الأسباب والعلل الفكرية والنظرية، التي أومأنا إليها لتحقيق فهم عميق بالتحولات التي حصلت في البنية الذهنية، لأن هذه العوامل، بالرغم من أنها أسهمت في الحفاظ على الإرث الفكري والثقافي اليوناني، إلاّ أنه يمكن النظر إليها من زاوية أخرى، باعتبارها عوائق أدت إلى اندحار العلم اليوناني وتراجعه. يقول غاستون ميلو: “..بالرغم من أن هذه الأحداث عظيمة، إلاّ أنها على العكس من ذلك، ساعدت في اندحار وانقراض العلم اليوناني، وهي تشترك فيما بينهما من هذه الناحية، وهذا أمر يسهل فهمه، لأنها ساهمت جميعها في إبعاد الفكر الهيليني عن التأمل الخالص البعيد عن النفع”[79]. يمكن القول إن ظهور هذه العوامل والأحداث خلقت توازنا بين الثقافتين اليونانية الموسومة بالتأمل النظري، والشرقية (المصرية تحديدا) المعروفة بميلها نحو ما هو عملي- تطبيقي، لكنها وجهت الفكر نحو مسارات أخرى مثل: السياسة، الحروب، التدين…الخ.

لا نستطيع انكار تأثر الفكر الروماني واليوناني بالفكر الشرقي من جهة، وبروح العقيدة المسيحية من جهة ثانية. فالثقافة اليونانية، لم تكن في حد ذاتها مناقضة للتأملات المنزهة عن المنفعة، لمجرد أنها وجهت نظرها صوب “الأخلاق المثالية”. لذلك فالمعرفة اليونانية ظلت تتجه مع تقدمها نحو القضايا العملية لردم الهوة الحاصلة بين النظر والعمل. وهو ما تبدى في مجال الأخلاق على الخصوص، بعدما لم يعد هناك تعارض بين الفلسفة اليونانية والفلسفة الرومانية: “وبهذه الطريقة اتخذت الفلسفة اليونانية والفلسفة الإغريق-رومانيةgrécoromaine لاحقًا موقفًا كان بالكاد متوافقًا من (كذا!) التأملات اللانفعية حقا”[80]. وهو ما أظهره السيد هافيت M. Havet في كتابه أصول المسيحية origine du christianisme[81]، حينما أبرز الطابع العملي لفلسفة لوكريس وسينيكا[82].

ساهمت هذه العوامل في التحول الذي سيعرفه الفكر الإغريقي، ابتداء من القرن الثالث الميلادي وما بعده: “فقد حاول المؤرخون شرح كيف غير الفكر التأملي فجأة الاتجاه بعد أفلاطون وأرسطو، من التأمل في الحقائق الأبدية. حيث يممت المدارس منذ تلك اللحظة صوب دراسة هذه المشكلة الأخرى، والنظر مباشرة في السلوك العملي للحياة، والبحث عن الخير الأسمى souverain bien (في نفس الوقت)”[83]، وعن أثره، وتجلياته في الحياة العملية.

لا شك، أن دراسة التاريخ تستوجب العودة إلى الأسس الخاصة بالنظريات العلمية باستمرار، لكن العودة إليه ينبغي أن تكون حذرة، وإلاّ تنظر إلى ماضي العلم بقداسة. لتفادي المواقف والأحكام البعيدة عن قيم العقلانية، وأن تميز بين الأسباب النظرية لتقدم المعرفة العلمية، وعوامل حركتها؛ لأن هناك فرقا بين التقدم والحركة.

5- في طبيعة العلاقة بين العلم والمنفعة حسب غاستون ميلو:

بعدما أسهب ميلو في عرض شروط تقدم العلم اليوناني وأسبابه ، يقف ليشرح الموقف الذي يدعي أن سبب موت العلم اليوناني وضعفه هو بعده عن الواقع وانفصاله عما هو نافع من خلال قوله: ” لقد قلنا ما يكفي لنستنتج أنه إذا مات العلم القديم، فذلك لأن الفكر المنزه عن المنفعة مات هو الآخر”[84]، فأغلب الذين عايشوا الثورات العلمية الجديدة في القرن 19م، ومن بينهم ميلو، قد يفترضون هذا الافتراض لإدراكهم أن المنافع التي يحققها العلم تسهم في نشاطه وقوته. فكل علم حسبهم يبقي نفسه بمنأى عن الحياة مآله الزوال والاندثار، وهذا ما حدث لكثير من الفنون والصنائع القديمة التي لم تعد تذكر.

في مقابل هذا الافتراض، يتساءل ميلو قائلا: ” باختصار، أليس من حقنا صياغة هذا القانون: يتقدم العلم بسبب اللانفع (استقلاله عن النفع)، الذي يزرع فيه؟” إن هذا التساؤل وإن كان يحمل في ثناياه طابعا استنكاريا إلاّ انه على خلاف كل الأسئلة الاستنكارية يحتاج إلى تفسير وشرح، فهو لا ينفي ولا يثبت بأن هناك علاقة انفصال أو اتصال بين العلم والمنفعة، ويترك الباب مشرعا أمام كل التأويلات والإجابات، إن هذا اللاموقف هو موقف في حد ذاته، لأنه يعبر عن روح الفكر العلمي المعاصر القائم على مبدأ التقريب[85] والنسبية[86]، والتركيب بين “النقائض”[87].

بالرغم من أن ميلو لا يعلن موقفا صريحا، إلاّ أننا يمكن أن نستنبط من خلال استنتاجاته المباشرة وغير المباشرة، أنه يميل إلى القول بأن العلم في جوهره ليس نفعيا، وأن هذه اللانفعية تمثل كلمة السر في كل مراحل تقدمه وتطوره. فاللانفعية هي التي خولت له الاستمرار والنمو، فهو يؤمن أن كل ما هو منفعي زائل؛ لتشبعه بالفكر الكانطي الرافض لكل ما هو نفعي، لا في مجال المعرفة فحسب، وإنما في مجال العلاقات الإنسانية أيضا[88].

 ظل العلم في كثير من محطات تطوره يتخبط في إشكالات تبدو فارغة، لكن التفكير فيها كان ضروريّا لتقدم الإنسانية، لأن تقدمه مشروط بمواجهة العوائق التي تتولد مع كل خطوة يخطوها بكل صرامة وموضوعية. إن هذا هو ما حفظ للعلم مكانته وجعله يحقق نتائج مبهرة؛ لأن العلم وإن عثرنا على ما يبرر تخليه عن طبيعته الخالصة – في بعض محطات تطوره- إلا أنه ظل يفكر في قضاياه بتجرد عن كل ما هو ذاتي، وظل يطلب الموضوعية وينشدها ويحرص على تحققها[89]. لهذا انشغل العلماء في مختلف العصور بإعادة طرح سؤال: ما العلم؟ وما غايته؟

إن العلم وإن ظل مرادفا للمعارف الخالصة والحقائق المجردة، إلا أنه ارتبط بجملة من التفسيرات التي مكنت الإنسان من فهم ذاته والعالم. فالعلم وإن ارتكز في بنائه على جملة من البراهين التي حرص الرياضيون منذ اقليدس ” بشكل صارم على إظهار كل تفاصيلها “[90]، إلاّ أنه لم يتخل عن التفسير L’Explication،الذي تعزز دوره مع التوجه التجريبي الذي أعقبه، بعدما كان يستعمل للتمييز بين العلم والعرافةdivination القائمة على التوقع[91].

إن الاعتماد على البراهين الاستنباطية، والتفسيرات الاستقرائية، ليس جديدا في الفكر، بل هو قديم قدم الثقافة العلمية، والعودة إلى تاريخ العلوم تبين لنا بوضوح أن المعارف التأملية لم تكن تتفوق على الحقائق الحسية المشتركة، لأن هناك خيطا ناظما بينهما لا يظهر إلا في التفسيرات التجريبية الموجهة باستدلالات تأملية عقلية خالصة. يقول غاستون ميلو في هذا السياق:” أٌدْخًلْ دون إعداد إلى مختبر عالم الفيزياء، وشاهد بعض التجارب المهمة. من بين ما ستراه، وما ستلاحظه، وما سيلاحظه العَالِم وما سيقوله هو نفسه لتفسير التجربة، أن هناك مسافة هائلة لا يمكن ردمها إلا من خلال اطلاع نظري طويل عن المنهج التجريبي، حيث نصل حقًا إلى أن كمال هذا الطريق ونتائجه العجائبية، مشبعة وممزوجة  بعمق بآراء تأملية؛ ويمكن أن يكون  هذا بالضبط وسيلة للحكم على أن درجة تقدم العلم القائم على ملاحظة، تقاس بحجم التقديرات النظرية الخالصة التي يتم تقديمها في تفسير التجارب عامة”[92]، وهذا أمر يوضحه أيضا بيير دوهيم في مقاليه ” بعض التأملات في موضوع الفيزياء التجريبية” و” العلم العقلاني[93]؛ ومعنى هذا أن محاولة وصف طريق التجربة تظهر بجلاء التداخل الحاصل بين البعدين النظري والتطبيقي في بناء العلم منذ القدم. لكن هذا لم يمنع ميلو من التساؤل عما إذا كان الكثير ممن يستشهدون بالمنهج التجريبي، كما ظهر مع كلود برنار، يدركون أصوله وجذوره الحقيقية[94]، التي تمتد إلى الحضارة اليونانية كما أوضحنا في أغلب مقاطع هذا المقال؟

لا شك أن ميلو، أدرك جيدا أن العلم ذو طبيعة مزدوجة، فهو كما يسميه “ذو وجهين“، ولا يمكن لمن ينطلقون من التجربة العملية في بناء معارفهم، أو يبحثون عن تحقيق منافع لذواتهم وللإنسانية (أمثال اديسون) أن نمنع عنهم صفة العلمية. ستترتب آثار سلبية وخطيرة، عن أي تبرير يرفض إدراج ما هو نافع ضمن العلوم، مهما كان واضحا. فالعلم لا يمكن أن يبنى إلا من طرف من يحبونه ويتعلقون به، لذلك موضوعية العلم، لا تتحقق بمعزل عن الذوات التي تنتجه.

يظهر مما سبق، أن ميلو لا يقدم موقفا مؤيدا أو معارضا لمسألة النفعية في العلم من خلال قوله: “دعونا لا ننسى أن العلم ذو وجهين. إذا كان من ناحية يبدو، في جوهره، نظريًا وتأمليًا، فإنه من ناحية أخرى يهدف إلى التطبيق. ففي أيامنا هذه، شارل هرميت (1822 – 1901) Hermite وجون غاستون دابرو (1842 – 1917) Darboux والسيد هنري بوانكاري (1854 – 1912) Poincaré هم علماء، لكن إيفل (1832 – 1923)[95]Eiffel،أو إديسون (1847 – 1931) Edison هم كذلك علماء. تحدث إلى شخص ما عن علم ق 19م وعن تطوره، فربما يفكر اعتمادًا على التعليم الذي تلقاه، في النظرية العامة للوظائف، أو نظرية الأسطح؛ لكن ألن نجد من سيراهن وسيفكر بالأحرى في السكك الحديدية أو التلغراف أو الهواتف، وعلوم المهندسين؟ التأمل والتطبيق لا ينفصلان، ولم يكن الإغريق استثناءً في هذا الصدد..”[96]؛ يبين ميلو من خلال هذا النص العميق أن العلم على مر تاريخه أقام حوارا جدليا بين النظرية والتجربة، وبين التأمل والتطبيق. غير أن التطور السريع الذي عرفه العلم في القرنين الأخيرين سيجعل العلاقة بين هذين البعدين بارزين للعيان، وهو ما أدى إلى إعادة التفكير في القضايا الجدلية، ومن ضمنها إشكالية نفعية أو لا نفعية العلم، التي لا يمكن أن نفهمها إلا في ظل استحضار قضيتي تقدم المعرفة العلمية، وعلاقة النظرية بالتجربة.

إذا كان العلم في أحد جوانبه يحقق لنا بشكل طبيعي إشباع الحاجات المادية، ويحسن من الظروف المعيشية والمحيطة بوجودنا المادي، فهل يحق لنا أن نعتبر أن سبب تقدم البشرية يكمن في التخلي عن هذه المنافع، والنأي عن الآثار العملية للعلوم؟

قد يعتقد عامة الناس أن العلم يحقق غاياته بشكل أفضل، كلما اهتم بالمشكلات العملية (الأمراض المزمنة، الشيخوخة، العقم….)؛وسيعتبرون أن توقف العلم عن التطور في أغلب مراحله، يرجع أساسا إلى عدم اكتراثه بالهوة الحاصلة بين النظرية والتجربة لإيمانهم أنه لا يمكن أن نتصوّر أي إصلاح للنظريات العلمية اليوم بمعزل عن التطبيقات التقنية. لكن غاستون ميلو يعود ليزعزع هذا الاعتقاد بقوله:”وعليه فإن القانون الذي صغناه بعيد كل البعد عن كونه بديهيا حد السذاجة؛ فهو يعود ليعتبر أن تقدم العلوم التطبيقية نفسها يكون أكثر وضوحًا كلما كان الإنسان قادرًا على التأمل الخالص؛ لأن هذا القانون يٌخضع الممارسة إلى النظرية، المنفصلة تمامًا عن أي اهتمام نفعي؛ يبدو أن هذا القانون يقول إن الذكاء البشري يجب أن يتخلى بنفسه وبكل حرية عما يرضيه، ويغويه، وهذا الشرط ضروري لحدوث الاكتشافات النافعة، كنتيجة طبيعية للجهود الخالية من كل غاية نفعية”[97]، لا جرم أنّ هذا الموقف يشبه إلى حد بعيد التصور الأخلاقي الكانطي، الذي يلزم الذات الإنسانية بالتصرف وفق مبدأ تكون فيه الإرادة مستقله عن أي غايات نفعية[98]. فهل يمكن إذن الإقرار بأن العلم اليوم يتطور وفق مسار يتعارض مع منطق هذا القانون. فالاكتشافات الجديدة، والتعديلات التي تعرفها النظريات العلمية بشكل مستمر، تراعي المنافع التي تحققها للإنسانية، لاعتقادها أنها تمثل ضمانة كافية لاستمرار العلم وتقدمه؟

صحيح أن العلم على مر تاريخه لم يعرف وفرة في الإنتاجات والاكتشافات العلمية، مثلما هو الحال اليوم. وهذا المشهد وحده يمنح العلم المعاصر صورة مغايرة – لما عهدناه- بفعل النشاط والحيوية التي يعرفها. فهل هذه الحيوية التي شهدها العلم على المستويين النظري والتجريبي يمكن إرجاعها إلى استقلاله عن كل ما هو نفعي، أم إلى ارتباطه به؟ الا يمكن ان يكون ظهور العلوم الاجتماعية دليل على أن العلوم الكلاسيكية عليها أن تظل مفصولة عما هو عملي ونافع؟

سينشغل كثير من العلماء في الحقبة المعاصرة بالتفكير في الأسئلة التي تطرحها المجتمعات، وسيحاولون إدراكها، ومفهمتها، من خلال جملة من “العلوم الاجتماعية”، مثلما فعلت الاشتراكية العلمية في كل من فرنسا وألمانيا، عندما عملت على تشكيل علم – يدرس- الوقائع الاجتماعية، وقد جسد هذا الأمر أوغيست كونط الذي رأى في ظهور علم الاجتماع مبدأ لتنظيم العلوم منهجيّا. وسيسير على نهجه أغلب علماء الاجتماع الشباب أنذاك، الذين اعتبروا أن الفصل بين العلم والأبحاث الاجتماعية سيؤدي إلى نتائج غير محسوبة العواقب، ويعد مارسيل برنيس  M. Bernès (1865-1946) من بين الذين بينوا أن علم الاجتماع سيوسع من دائرة معقولية العلم، من حيث معناه ودلالته. وهنا يمكن القول إن الجهود التي بذلها علماء الاجتماع لتأسيس هذا العلم، لا تقل عن الجهد الذي بذله سقراط لتأسيس علم الأخلاق، وتعريف مفاهيمه والبحث عن الشروط الأساسية لإقامته كعلم. هكذا يخلص ميلو إلى القول:” باختصار، يبدو أن هذا القرن، في توجهاته العامة، ليس بعيدًا، كما نريد أحيانًا، عن التأملات غير النافعة، وأنه إذا كانت اللانفعية شرطًا للتقدم العلمي، فهو -أي هذا الشرط- لا يزال كذلك بالنسبة لنا، لأنه أتاح له -أي للعلم- النظر إلى المستقبل بثقة”[99]  وهذا ينسحب أيضا على الفلسفات الأشد ارتباطا بالواقع وما يتصل به.

قد يعتقد عامة الناس أن الفلسفة الوضعية، فلسفة عملية مناهضة للتأملات الخالصة، ولكل ما ليس نفعيّا، لكل غاستون ميلو، يبين بالملموس أن الفلسفة الوضعية، هي فلسفية علمية، لكن قدرها المحتوم هو أن تدافع عن الموضوعية المستقلة عن الذوات، وعن الدوافع والميولات والأهواء النفعية، وهذا ما عبر عنه عند قوله: “يجب علينا بكل ما أوتينا من قوة أن نكافح ضد اكتساح الميولات النفعية والعملية تحديدا، كما يجب علينا أن نغرس بكل الوسائل الممكنة في أذهان الناس الاحترام ، ولم لا الإعجاب، بأولئك الذين نميل أحيانًا إلى تسميتهم بالحالمين غير النفعيين ، وبكل الدراسات التأملية”[100].

إن القانون الذي صاغه غاستون ميلو، سيقوده إلى عدة نتائج فلسفية، بخصوص تطبيقات العلم، والاكتشافات العظيمة، والآليات المعتمدة من طرف الفكر النظري للتحكم في الطبيعة؛ لأن المعرفة اليوم أكثر من أي وقت مضى صارت مرادفة للتنبؤ، باعتباره عملية تأملية تٌظهر قدرة الإنسان على بناء وتشكيل معرفته بالظواهر الطبيعة، وإدراك حقيقتها. فمن أفلاطون إلى كانط ظلت الأفكار تنشد الاقتراب من الحقيقة في ذاتها، وهو ما نجده حتى عند أرسطو نفسه، على الرغم من أنه عبر عن ذلك بعبارات وطرق مختلفة نوعا ما، من خلال بحثه عن كيفية إيجاد تماثل بين المفاهيم والواقع.

اما فلسفة أوغيست كونط ، فتعد من أكثر الفلسفات اكتمالا، لأن العلوم النظرية مثل الفيزياء-حسبه – تقوم بتجريد خصائص العالم الحسي، لكن بنسبة أقل من التجريد الذي نجده داخل الرياضيات الخالصة. فكونط بعد أن بنى تصوره العلمي عن طريق العقل، حاول تطبيقه في العالم الواقعي. لأنه “امتلك إحساسا رفيعا جدًا بأن هناك تفاصيل لها أهمية كبرى في تقدم العلم؛ إذ ما فتئ يؤكد مرارًا وتكرارًا على خاصيتي الدقة والعقلانية الضروريتان، كما يقول، من أجل تقدمه”[101] فهو يرى أنّ تأملات الفكر النظري قريبة جدّا من أحوال الواقع نفسه، وعلى الفكر أن يتقيد بحدود الواقع، إذا ما أراد أن يسلم من الوقوع في الخيال غير الضروري. لذلك فهو يعتبر أن : ” مفاهيم العلم العقلاني تحتاج إلى شروط محددة للوضعية حتى لا تصبح ككائنات الكمير[102]chimères”[103]المتخيلة، والتي لا يمكن أن نجد لها مثيلا في الواقع.

يعبر أوغيست كونط في كتابه “دروس في الفلسفة الوضعية[104]، عن إدراكه العميق للحدود التي تحد من حيوية العلم وتطوره. وبالرغم من تواضع معارفه المتعلقة بتاريخ تطور الرياضيات، إلا أنه كان يمتلك قناعة راسخة بأن العلوم التأملية من جميع الجوانب ستواجه صعوبة في رسم حدودها بعيدا عن الواقع[105]. لهذا يرى أنه سيكون من الضروري العودة في كل لحظة لقراءة كونط، إذا ما أردنا الابتعاد عن الإنتاجات الخيالية. على هذا الأساس لم يتوان في تحذير علماء الفيزياء من علماء الرياضيات الخالصة، الذين لا يهتمون “بالوضعية” الأساسية لموضوع عملهم، وتطبيقاتها العملية (تطبيق الميكانيكا، دراسة الضوء، ظواهر الحركة..)[106].

يدرك ميلو أننا لن نتمكن من القطع مع المعرفة التأملية، لهذا قال: ” دعونا نقرأ مرة أخرى هذه التأملات حول دراسة الكواكب، نحن نتصور إمكانية تحديد أشكالها، ومسافاتها، وأحجامها وحركاتها – واقعيا- ؛ بينما لا يمكننا أبدًا دراسة تركيبتها الكيميائية أو المعدنية بأي وسيلة[107]، والأهم من ذلك، طبيعة الأجسام الموجودة على سطحها، إلخ. باختصار، لاستخدام التعبيرات العلمية الأكثر دقة على الفور، فإن معرفتنا الوضعية فيما يتعلق بالكواكب تقتصر بالضرورة على ظواهرها الهندسية والميكانيكية وحدها، دون أن نكون قادرين بأي شكل من الأشكال القيام ببحوث فيزيائية وكيميائية وفسيولوجية عنها..”[108]،ومعنى هذا القول إن الدراسات العلمية، يصعب ربطها بما هو تطبيقي، أو نفعي على الدوام. فالوضعية تمثل تصورا يمزج بين البعدين التجريبي والنظري دون اقصاء أحدهما، أو تغليبه على الآخر. معتبرة أنه لولا هذين المذهبين لما ظهرت الوضعية[109]. التي ما كان لها أن تنشأ قبل أوغيست كونط.

وعليه يخلص ميلو إلى أنه: “في ظل وجود قانون يُخضع تقدم المعرفة إلى مبدأ اللانفعية في مختلف عمليات التأمل النظري، فإن هذا هو الموقف الوحيد المسموح به لأي فلسفة وضعية، وكلما زاد عدد التصورات الخاضعة للتجربة، زادت أيضا نسبة فرص استيفاء شخص ما لشروط الفلسفة الوضعية المطلوبة…”[110]فالفلسفة الوضعية تحاول أن تخلق مواجهة سعيدة بين المفاهيم والتصورات والعالم الواقعي؛ لأن ولادة المفاهيم تحكمها ظروف واقعية لا يمكن إلغاءها.

في هذا السياق نفهم سبب دفاع ميلو عن ضرورة ربط التصورين التجريبي والعقلاني، مع تنبيهه إلى أن عملية الربط لا تعني البتة أن هناك رابطة بين العلم والمنفعة. فالعلم يتطور في استقلال عن الذوات. يقول ميلو:”ربما ينتهي بنا الأمر – في عملية شرح الرابط الذي يربط الفكر الخالص بالواقع- إلى عدم الاعتقاد بأنه حكم علينا بأحد هذين الحلين: إما ان أن يتلبس الفكر بخصائص لا يمكنها، في الجوهر، بوعي أو بغير وعي أن تحرر نفسها من شروط موضوعية الظواهر، أو أن نقبل بأن الفكرة وحدها، فقط يمكن أن تكون فعالة وعلميّة، بحكم هدفها المحدد أو ظروفها الموضوعية أو الذاتية الخاصة، بحيث يصادف حقّا أن تكون الفكرة وجهة نظر حول الواقع..”[111].

إن هذيْن الاختياريْن معا، يؤكدان وجود علاقة وطيدة بين إبداعات الفكر وحقائق الواقع، دون أن تكون هناك حاجة إلى ربط العلم بالمنفعة، لأننا في المقابل لا يمكن أن ننكر أنّ العلم ينبني على مفاهيم “خيالية لا متوهمة”… استعملت في كل من النظرية والتجريبية على حد سواء.

6- على سبيل الختم:

إن مجمل التساؤلات التي تطرقنا إليها، وإن كانت تبدو بديهية، إلاّ أنّ إعادة طرحها تعتبر ضرورية، لإثبات أنّ ما يطور العلم هو البعد اللانفعي الذي يضمن تطوره، فالنفعية تتعارض والحقيقة الخالصة التي ظل العلم ينشدها، ويرنو إلى بلوغها. لقد كانت مواقف الفلاسفة، منذ العصر اليوناني على طرف نقيض مع التوجه السفسطائي الذي جعل من العلم وسيلة، لتحقيق منافع ربحية، مما دفع أفلاطون في مختلف محاوراته إلى معارضة هذا التوجه[112]، لاعتقاده أنّ العلم، إذا ما ارتبط بالمنفعة، أصبحت غايته الغلط والتغليط لا الحقيقة، ولن يغدو حب العلم والمعرفة هو ما يحرك العلماء، بل سيحل حب المال والجاه، والسلطة، وحياة الرفاهية محله، وسيصبح الدفاع عن الفكرة ونقيضها أمرا مألوفا. لهذا وقف سقراط في وجه السفسطائيين ليقول لهم “لا للمتاجرة بالعلم والمعرفة”. وهذا من بين الأسباب التي قادته إلى حتفه[113]. يحفل تاريخ الفلسفة والعلم بأسماء ضحت بنفسها في سبيل الحقيقة، سيرا على درب سقراط الذي استطاع أن يتنبأ أنه لا تقدم للمعرفة، إذا ما أصبحت سلعة يتم المتاجرة بها. لأن التجارة لا تصبو إلى اليقين والحقيقة لذات الحقيقة، بقدر ما تصبو إلى الربح، وهذا هو ما تلقفه أرسطو من بعده، حينما اعتبر في كتاب الأخلاق إلى نيقوماخوس أن العلم لا يكون علما إلاّ إذا تعلق بما هو ضروري وواجب وأزلي[114].

سيفرض هذا الموقف نفسه إلى مرحلة أوغيست كونط الذي اعتبر أيضا أنّ العلم يجب أن يكون خاليا من النفع، حتى يتمكن من التقدم. لكن بأي معنى يمكن اعتبار اللانفع سببا في تقدم العلم؟ وهل يمكن للعلم إذا صار نفعيا أن يتوقف عن التطور والتقدم؟ وهل فعلا من الممكن أن يكون العلم خاليا من النفع، لاسيما أننا عندما نتحدث عن النفع وعن كل المفردات التي تشتق منه فإننا نطرح سؤالا لقيمة، وهنا، يحق لنا، أن نقول ما قيمة المعرفة العلمية إن لم تكن نفعية؟ وما أهمية اليقن الذي نصل إليه؟ وما حاجتنا إلى يقين لا يفيد؟ كما يحسن بنا أن نتساءل عما إذا كان من الممكن لمنطق العلم أن يلتقي ومنطق المنفعة؟ وما نوع المنفعة الذي يمكن أن يطلبه العلم؟

إذا كان كانط قد ميز في حديثه عن السعادة بين السعادة الحسية والعقلية[115]، فإننا يمكن أن نقيم التمييز نفسه في موضوع المنفعة، إذ بإمكاننا أن نميز بين المنفعة المادية التي يمكن أن تتجلى في: جني الأموال، أو الوصول إلى سلطة ما، أو تحقيق الشهرة…الخ. وبين المنفعة النظرية التي يمكن أن ينالها العالم جراء حله لمشكلة معرفية مثلما حدث مع بوليغان (1889-1979)G. Bouligand[116]،فيستشعر حلاوة ما وصل إليه دون أن يطمع في شيء مادي جزاء ما بذله من وقت وجهد في سبيل الوصول إلى اليقين كما وقع مع أرخميدس[117]، وغيره الكثير ممن لعبوا دورا هاما في تقدم العلم.

منحنا مفهوم التقدم حق التساؤل عن الغاية تطور المعرفة العلمي، وأتاح لنا إمكانية التشكيك في تصور غاستون ميليو Gaston Milhaud،الذي جعل تطور العلم مشروطا بلا نفعيته، والفلسفة البراغماتية أيضا التي اعتبرت أن المنفعة العملية هي مقياس صحة أي شيء، داعية بذلك إلى الكف عن النظر إلى العقل باعتباره مجرد أداة للمعرفة؛ والنظر إليه باعتباره أداة لتطور الحياة وتنميتها، فليس من وظيفة العقل أن يعرف، وإنما أن يقوم ببناء ما ييسر الحياة. إن هذا التصور البديل الذي أعلنته الفلسفة الأمريكية، وإن صار في لحظة من اللحظات في نفس قوة التصور الكلاسيكي قبل أن تظهر عيوبه، إلا أنّه لن يسلم من الانتقادات، وسيتم تجاوز هذين التصورين، حينما سيتم الاستدلال على أنّ تقدم العلم، لا علاقة له بما هو نفعي أو غير نفعي، لأن العلم لا يتطور وفق منطق ثابت، أو صوب نقطة محددة سلفا… وما يعزز هذا القول أن تاريخ العلم يظهر لنا أن المعرفة، تنبني على شرط الحرية، لا الربح والخسارة الذان اللذين يٌفقدان العلم طابعه الإنساني المحض، ويحولانه إلى أداة في يد المستثمرين ورجال الأعمال، ويصيّر العلماء آلات صماء في خدمة عباد المال الذين لا يعترفون إلاّ بالإنتاج المربح. لذلك فإن العلماء متى ما عجزوا عن العطاء يقذف بهم خارج دائرة العلم، فهل بمقدور العالِم أن يتخلى عن سلطته الرمزية الأبدية والخالدة، لصالح منافع مؤقتة وزائلة تستهدف شرط الحرية. وهنا يوضع العلماء أمام خيارين: إما أن يكسبوا حريتهم بتخليهم عن المنافع المادية، وإما أن يرهنوا أنفسهم لأصحاب المال كما فعل السفسطائيون، مسلوبي الحرية والإرادة. وحتى، وإن افترضنا، أنّ العلم يمكن أن يكون نفعيا ولا نفعيا في الوقت نفسه، وفق منظور تركيبي بين القضيتين، فإنّه ليس بمقدور الاختيارين أن يجتمعا معا.

صفوة القول إنّ العلم يمكن أن يكون خاليا من النفع، وهذا هو جوهره، بحيث يكون القصد الأول منه، هو بلوغ الحقيقة في ذاتها، كما يمكن أن يطلب ما هو نافع على أن يكون طلبه دون قصد؛ وهذا معناه أن تقدم العلم قد يرتبط بما هو نافع شريطة أن يكون ارتباطه به بالعرض لا بالجوهر، في إطار التجاذب الحادث بين الجواهر والأعراض…

قائمة المصادر والمراجع:

مراجع ومقالات بالعربية:

  • ابن رشد، الضروري في السياسة، مختصر كتاب السياسة لأفلاطون، ترجمة وتحقيق أحمد شحلان، مركز دراسات الوحدة العربية، ط. 1، بيروت، 1997. أرسطو، الأخلاق إلى نيقوماخوس، الجزء 2، ترجمة، أحمد لطفي السيد، دار الكتب المصرية، 1924، القاهرة، ص، 131.
  • الجابري محمد عابد، مدخل إلى فلسفة العلوم، العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي، مركز دراسات الوحدة العربية، ط،8، بيروت، 2014.
  • راسل برتراند ، تاريخ الفلسفة الغربية، الكتاب الأول، ترجمة، نجيب محمود، مراجعة، أحمد أمين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2010.
  • راسل برتراند، حكمة الغرب (الجزء الأول)، ترجمة، فؤاد زكرياء، منشورات عالم المعرفة، العدد:62، الكويت، 1983.
  • راسل برتراند، :حكمة الغرب (الجزء الثاني)، الفلسفة الحديثة والمعاصرة، ترجمة، فؤاد زكرياء، منشورات عالم المعرفة، العدد: 72، الكويت،1983.
  • جورج كانغيلام، دراسات في تاريخ العلوم وفلسفتها، ترجمة، محمد بن ساسي، المنظمة العربية للترجمة، ط.1، بيروت، 2007.
  • إسماعيل مصدق، هوسرل وأزمة الثقافة الأوروبية، مجلة مدارات فلسفية، الهلال العربية للطباعة والنشر، العدد: 1، الرباط، 1998.
  • المعاجم والموسوعات
  • André Bernand, «L’Égypte romaine et byzantine», Encyclopédie Universalis, DVD, 2007.
  • جورج طرابيشي، معجم الفلاسفة، دار الطليعة، ط. 3، بيروت، 2006.

مصادر ومقالات بغير العربية:

  • Auguste comte, cours de philosophie positive, T. 3, Ed, Bachelier, Paris, 1838.
  • Bachelard, Gaston, Essais sur la connaissance approchée, Librairie philosophique J. Vrin, paris, 1969.
  • Bachelard, la philosophie de non, essais d’une philosophie du nouvel esprit scientifique, classiques des sciences sociales, 4ème édition, 2012.
  • Bachelard, le rationalisme Appliqué, PUF, 3e édition, Paris, 1966.
  • Bachelard, la formation de l’esprit scientifique, contribution à une psychanalyse de la connaissance objective, les classiques des sciences sociales, 2012
  • Bernard, Claude,Introduction à l’étude de la médecine expérimentale, J. B. Baillière, Paris, 1865.
  • Colin Ronan, Histoire mondiale des sciences, Traduit de l’anglais par Claude Bonnafont, Editions du seuil , 1988.
  • Descartes, R., la géométrie, Des problèmes qu’on peut construire sans y employer que des cercles et des lignes droites, 1637.
  • Descartes, R.,Discours de la méthode, livre de poche, commentaire et notes : Jean-Marie Beyssad, Paris, 1973.
  • Duhem, Quelques réflexions au sujet de la Physique expérimentale, Revue des questions scientifiques, juillet 1894, et notrearticle « la science rationnelle », revue de métaphysique, mais, 1896.
  • Einstein, Albert, comment je vois le monde, trad. Grosse, Flammarion, Paris, 1934.
  • Havet, Ernest, Christianisme et ses origines, T 3, Ed, CALMANN Lévy, Paris, 1878.
  • Kant, E. critique de la raison pratique, présentation et traduction par, Jean- Pierre Fussler, collection GF, Paris, 2007
  • Kant, fondements de la métaphysique des mœurs, trad, V. Delbos, Edition la Echos du maquis, Paris, 2013.
  • Kuhn, Th, la structure des révolutions scientifiques, ouvrage traduit de l’américain par Laure Meyer, Flammarion, 1983.
  • Lecourt, GEORGE Canguilhem, PUF- Que Sais-je, 2ème édition, Paris, 2008.
  • Maximilien Marie, Histoire des science mathématique et physique, Tome 1, Gauthier-Villars, Paris, 1883,
  • Milhaud, Gaston, Essai sur les conditions et les limites de ls certitude logique, thèse proposée des lettres de paris, Ed, Félix ALCAN, Paris, 1894,
  • Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès scientifique, in revue de métaphysique et de morale, Maison des Missionnaire, Bibliothèque 42 Rue de Grenelle, Paris , 1897.
  • Milhaud, G., le Rationnel complémentaires à l’essai sur la certitude logique, Félex Alcan, Paris, 1898.
  • Milhaud, G., Une Condition Du Progrès Scientifique. Revue. Meta. T. V. – 1897, 28, in, Revue de métaphysique et de morale, 1897
  • Milhaud, G., Etudes sur Cournot, Librairie Philosophique, J. Vrin, Paris, 1927.
  • Milhaud, G., Leçons sur les origines de la science grecque, F. Alcan, Paris, 1893.
  • Milhaud, , La philosophie – géomètres de la Grèce : Platon et ses Prédécesseurs, FELIX ALCAN, Pais, 1990.
  • Tiles Mary, Bachelard, science and objectivity, Cambridge University Presse, Cambridge, 2006.

* أستاذ الابستمولوجيا وتاريخ العلوم بالكلية متعددة التخصصات بالرشيدية التابعة لجامعة المولى إسماعيل بمكناس.

[1]- من بين الطرائف التي نقلها لنا راسل في الجزء الأول من كتابه “تاريخ الفلسفة الغربية”، أنّ تلميذا لأقليدس سأله بعد سماعه برهانا هندسيّا، ماذا عسى أن يجني الدارس من دراسة الهندسة؟ وعندئذ نادى أقليدس عبدا، وقال له: ” أعط لهذا الشاب قشا، مادام يتطلب الكسب مما يدرسه”. انظر:

– راسل، تاريخ الفلسفة الغربية، الكتاب الأول، ترجمة، نجيب محمود، مراجعة، أحمد أمين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2010، ص321.

[2]– إن هذا الموقف هو ما تدافع عنه الفلسفة الفينومينولوجية، حينما جعلت من عالم العيش منطلقا وغاية. انظر في هذا الصدد:

إسماعيل مصدق، هوسرل وأزمة الثقافة الأوروبية، مدارات فلسفية، الهلال العربية للطباعة والنشر، العدد ،1الرباط، .1

راسل برتراند، حكمة الغرب (الجزء الأول)، ترجمة، فؤاد زكرياء، منشورات عالم المعرفة، العدد62، الكويت، 1983، ص151- 152.

[3]– Auguste comte, cours de philosophie positive, T. 3, Ed, Bachelier, Paris, 1838.

[4]– يحدثنا راسل في كتاب حكمة الغرب الجزء الثاني عن الذين اهتموا بالمسائل المتعلقة بالرياضيات وأسسها منذ أيام بيانو الإيطالي (يشير إليه باشلار في كتاب الفكر العلمي الجديد)، موضحا أنهم ينتمون، إما لمدرسة الشكلانيّين Formalists، الذين اهتموا بالأنساق، وإما إلى مدرسة الحدسيين، الذين يسيرون في طريق وضعيّ إلى حدّ ما، ويطالبون المرء بأن يكون قادرا على الإشارة إلى ما يتحدث عنه. ونحن نعتقد أنّ ميلو، رغم معارضته للوضعية ، فهو مدرج ضمن المدرسة الحدسية. ص185-186.

[5]– لماذا غاستون ميلو بالتحديد؟ لأنه أحد أشهر فلاسفة العلم في القرنين 19م و20م. ولد سنة 1858، وتوفي سنة 1918م، متخصص في الرياضيات (بحيث درس الرياضيات بالمدرسة العليا للأساتذة رفقة  Gaston Darboux)، وتاريخ العلوم. كان آبل ري (الذي أشرف على أطروحة الدكتوراه التي تقدم بها باشلار في موضوع: دراسة حول المعرفة التقريبية في الفيزياء المعاصرة) هو من خلف ميلو في كرسي السوربون الخاص بتدريس تاريخ العلوم.

[6]– تتكون أطروحة الدكتوراه التي تقدم بها ميلو من مقدمة وخاتمة وثلاثة أجزاء؛ خصص الجزء الأول للحديث عن شروط التناقض المنطقي، وأفرد الثاني لمعالجة قضية شروط اليقين المنطقي في الرياضيات، وذلك بالحديث عن الرياضيات الخالصة ودورها في العلم، أما الجزء الثالث والأخير فأشار فيه إلى ثلاث قضايا رئيسية هي: الميكانيكا والحرية، والنتائج الفلسفية للهندسة اللاّ أو قليدية، وأخيرا عن الحل المزعوم للنقائض الكسمولوجية لكانط. انظر:

– Milhaud, G., Essai sur les conditions et les limites de ls certitude logique, thèse proposée des lettres de paris, Ed, Félix ALCAN, Paris, 1894.

[7]– جورج طرابيشي، معجم الفلاسفة، دار الطليعة، ط. 3، بيروت، 2006، ص664.

[8]– راسل برتراند، حكمة الغرب (الجزء الثاني)، الفلسفة الحديثة والمعاصرة، ترجمة، فؤاد زكرياء، منشورات عالم المعرفة، العدد: 72، الكويت،1983.، ص151-152.

[9]– لا شك أن أغلب أستاذة الفلسفة في الجامعة الفرنسية في هذه المرحلة كانوا إما كانطيين أو ديكارتيين. لقد انقسم فلاسفة فرنسا في هذا العصر، إما إلى تبني النموذج الفرنسي (الذي وضعه ديكارت)، أو النموذج الألماني كما صاغه كانط.

[10]– فيلسوف يهودي ينتمي إلى نفس الطائفة التي كان ينتمي إليها سبينوزا،  أعدّ أطروحته في الدكتوراه بالألمانية حول: “النموذج الأخلاقي لروسو” تحت إشراف الفيلسوف رودولف يوكينR. Eucken (1846- 1926)، الذي حصل على جائزة نوبل في الآداب سنة 1908. دافع بنروبي على فلسفة روسو. واعتبرها مصدر كل الفلسفة الألمانية من كانط إلى نيتشه، والأب الروحي للشعراء العظام جوته وشيلر وهولدرلين. التقى اينشتابن وبرغسون سنة 1904 لما شارك في المؤتمر الثاني للفلسفة بجنيف. من أجمل ما قاله إسحاق نيروبي :” لا أستطيع أن أوجد بدون الكون، ولا الكون أن يوجد بدونيI can’t exist without the universe neither can the universe exist without me”، ويمكن اعتبار هذه القولة ملخصا لفلسفته.

[11]– Milhaud,G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès scientifique, in revue de métaphysique et de morale, Maison des Missionnaire, Bibliothèque 42 Rue de Grenelle, Paris, 1897, 420.

[12]– Milhaud,G.,Le Rationnel : études complémentaires à l’«Essai sur la certitude logique, Félex Alcan, Paris, 1898.

[13]– Milhaud,G., Une Condition Du Progrès Scientifique. Rev. Meta. T. V. – 1897, 28, in, Revue de métaphysique et de morale, 1897.djvu, P, 431.

[14]– إن التطور الذي عرفه الواقع على كافة الأصعدة، دليل على أن التطور الذي حققه العلم، انعكس على عالم الحياة/العيش، وهذا ما أشار إليه هيدغير، وجل فلاسفة المدرسة الظاهراتية (هوسرل، ميرلوبونتي …)

[15]– على خلاف النظرة الكلاسيكية ذات الطابع الأخلاقي، يرى الكثير من الإبستيمولوجيين والفلاسفة أن إلغاء البعد البراغماتي النفعي في المجالات العلمية، جعلها تسقط في أوهام نظريّة، ومثال ذلك اعتقادهم أن الكواكب لا يمكن أن تكون حركتها إلا دائريّة مدفوعين بحبهم – وعلينا أن نركز على الحب باعتباره دافعا سيكولوحيا، أو ميولا عاطفيا إيجابيا- الخالص للتفكير النظري، جعلهم يلغون ويقصون كل احتمال خارج هذا التصور. ( راسل، تاريخ الفلسفة الغربية، م س ن،  ص331-332.) وهو ما يدفعنا إلى التساؤل: ألا يمكن أن يكون محرّك الدعوة إلى اللانفعية سيكولوجيّا؟

[16]– يحدثنا جورج كانغيلام عن غاستون ميلو في كتابه “دراسات في تاريخ العلوم وفلسفتها” في خضم حديثه عن باشلار. على لسان أستاذه آبل ري قائلا: ” في الفترة التي كان يعيش فيها في فرنسا بول تانوري ودوهيم كان كرسي تاريخ العلوم قد أوكل إلى رجال، آثارهم في ما يتعلق بهذا التاريخ مندثرة، وقد أعيد بعد انقطاع دام بضع سنوات، لصالح بيار بوترو الذي توقف عمله بصورة مفاجئة بموته موتا مبكرا” وفي أثناء ذلك، كانت كلية الآداب في السوربون قد أنشأت كرسيّا لتاريخ الفلسفة في علاقتها بالعلوم. وقد شغل هذا الكرسي في البداية غاستون ميلو، ثم آبل ري وأصبح عنوان الدراسة حينئذ: تاريخ العلوم وفلسفتها”، ص، 264.

[17]– Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès scientifique,Op.cit., p, 425.

[18]– Lecourt, D., George Canguilhem, PUF- Que Sais-je, 2ème édition, Paris, 2008, p, 52

[19]– ابن رشد، الضروري في السياسة، مختصر كتاب السياسة لأفلاطون، ترجمة وتحقيق أحمد شحلان، مركز دراسات الوحدة العربية، ط.1، بيروت، 1997،ص، 72.

[20]– فجعل الغاية من العلم تحقيق منافع عملية، سيدفع العلماء أنفهم إلى الصمت عن الحقائق التي قد تعود عليهم بالضرر، وهنا لن يصبح البحث عن الحقيقة غاية كل معرفة. وسيصبح لأصحاب المال ورجال الأعمال دور بارز في تحديد غايات العلم.

[21]– لمعرفة أكثر حول جدور المذهب النفعي، يمكن الرجوع إلى الفصل الذي أفرده راسل في كتابه حكمة الغرب الجزء الثاني الموسوم ب ” مذهب المنفعة والفلسفات المعاصرة”، م س ن، ص153.

[22]– إن ما قام به أقليدس مع تلميذه لم يكن عبارة عن ردة فعل سيكولوجية، بقدر ما كان فعلا/جوابا يترجم لنا موقفه من ربط العلم بالمنفعة.

[23]– يقول أوغيست كونط في كتابه دروس في الفلسفة الوضعية:” بدون شك، عندما نتصور أعمال النوع البشري في كليتها، علينا أ، نعتبر دراسة الطبيعة كمسار يقدم لنا القاعدة العقلية والعلمية للنشاط الإنساني في الطبيعة. فمادامت معرفة قوانين الظواهر تسمح لنا بالتنبؤ، فكذلك بمكنها بشكل واضح أن تقودنا في الحياة العملية الى تغيير هذه القوانين، الواحدة تلو الأخرى، لما فيه مصلحتنا”. انظر:

– Auguste Compte, Cours de philosophie positive, Herman, Paris, 1975, p. 44-45.

[24]– تأسست الفلسفة البراغماتية مع وليام جيمس (1842 – 1910) في نهايات القرن التاسع عشر، ويعد كتابه الموسوم ب “البراغماتية Le Pragmatisme”، الذي نشر سنة 1907، من أهم كتبه التي يوضح من خلالها معالم فلسفته عبر جملة من المقالات المكونة له.

[25]– إن هذا الامر هو ما حاول أن يكشفه جورج كانغيلام عندما خصص كتاب La connaissance de la vie (1952). بكامله للحديث عن هذا الموضوع.

[26]– أنظر مثلا في هذا الصدد موقف هوسرل حول ما يسميه “عالم العيش” وموقف تلميذه ميرلوبونتي، في كتابه “فينومينولوجيا الإدراك” حيث يدافع عن أطروحة مفادها أن العلم كلما كان مفصولا عن الذات الإنسانية صار أجوفا، وهذا ديدن أغلب التصورات المعاصرة. انظر في هذا الصدد.

– إسماعيل مصدق، هوسرل وأزمة الثقافة الأوروبية، مدارات فلسفية، الهلال العربية للطباعة والنشر، العدد 1، الرباط، 1998، ص8-24.

– M. Merleau-Ponty, Phénoménologie de la perception, Galimard, Paris, 1977, p, 2-7.

[27]– Milhaud, G., Le Rationnel: études complémentaires à l’ «Essai sur la certitude logique», Félix ALCAN, Paris, 1898, P. 2.

شفيق منير، في الحداثة والخطاب الحداثي، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، لبنان – المغرب، 1999، ص21.

[28]– يبين هذا أن ارتباط مختلف العلوم بالعمل قديم قدم المعرفة الرياضية، ويرجع هذا إلى تأثير النموذج المصري على الثقافات التي تلتها، لكنه عرف أفولا بعد عمل المدرسة الفيثاغورية التي حرصت على جعل الرياضيات ذات طابع نظري. انظر:

– Roman Colin, Histoire mondiale des sciences, Traduit de l’anglais par Claude Bonnafont, Editions du seuil, 1988, p. 155.

[29]– Milhaud, G. Essais sur les conditions et les limites de la certitude logique, Félix ALCAN, Paris, 1894, p, 53.

[30]– لا يغفل ميلو ما يسميه العلم الإلهي، لاعتقاده أن العلم متى ما تم تكوينه على مبدأ الوضوح، تشكل نوع من التماهي بين الفهم الإنساني وفهم الإله. انظر كتاب: Le Rationnel, p, 2.

[31]– وهذا ما يشير إليه عند قوله: ” فالرياضيات، التي تعتبر بالنسبة لنا العلم العقلاني بامتياز، تستمد من الفاهمة أكثر بكثير مما تستمده من الحساسية la sensibilité، حسب وجهة نظر كانط؛ لأنها تنبني، رغم تطورها، على مقولتي المكان والزمان الحدسيتان”. انظر:  Milhaud, G., Le Rationnel, P,7.

[32]– Milhaud, Gaston, Leçons sur les origines de la science grecque, F. Alcan, Paris, 1893.

[33]– أنطوان أوغستين كورنو (1801 – 1877) فيلسوف وعالم رياضيات فرنسي، ساهم أيضًا في تطوير علم الاقتصاد. نشرت الدراسة التي انجزها ميلو عنه بعد وفاته بتسع سنوات. انظر:

– Milhaud, Gaston, Etudes sur Cournot, Librairie Philosophique, J. Vrin, Paris, 1927.

[34]– لم يكن ديكارت وحده من اعتبر أن الغاية من المعرفة هي السيادة والسيطرة على الطبيعة، بل أيضا فرانسيس بيكون. الذي اعتبر أن: ” الغاية من الفلسفة هي المعرفة، والغاية من المعرفة هي السيادة على الطبيعة. ذلك هو الجديد عند فرنسيس بيكون والجديد على التفكير الفلسفي في مستهل العصور الحديثة”. انظر:

– الحبيب الشاروني، فلسفة فرنسيس بيكون، دار الثقافة، الدار البيضاء، 1981، ص28.

– Descartes, R, Discours de la méthode, livre de poche, commentaire et notes : Jean-Marie Beyssad, Paris, 1973, p, 163.

[35]– Bernard, C., Introduction à l’étude de la médecine expérimentale, J. B. Baillière, Paris, 1865. Voir aussi:

– Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès scientifique, Op.cit., P, 427.

[36]– Tiles Mary, Bachelard, science and objectivity, Cambridge University Presse, Cambridge, 2006, p. 100.

[37]– ولعل هذا ما عبر عنه باشلار بقوله:”وقد قال هالستد Halsted :”إن اكتشاف الهندسة اللاأوقليدية سنة 1830، كان أمرا محتوما”، بعدما توفرت جملة من الشروط النظرية. انظر: Bachelard, le nouvel esprit scientifique, PUF, 8e édition, 3e tirage, Paris, 2012, p, 21-22.

[38]– معلوم أن لوباتشوفسكي لم يكن يحاول في البداية سوى إثبات المسلمة الخامسة بالاعتماد على البرهان بالخلف لكن، هذا الأمر قاده إلى نتائج تشكك في صحة هذه المسلمة. انظر: الجابري محمد عابد، مدخل إلى فلسفة العلوم، العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي، مركز دراسات الوحدة العربية، ط،8، بيروت، 2014، ص، 85 – 86.

[39]– يشير توماس كوهن إلى هذا الأمر بشكل جلي في كتاب “بنية الثورات العلمية”، عندما يقول إننا لو غيرنا لون النظارات التي ننظر بها إلى العالم، فسنكون أمام عالم مغاير لذلك يرى أن العلماء “عقب كل ثورة، يصبحون أمام ضرورة التعامل مع عالم مغاير”، لأن كل براديغم جديد يزودنا بنظارات تمكننا من رؤية العالم بشكل مختلف عما ألفناه، ورؤية ما لم يكن يتيح البراديغم القديم رؤيته. أنظر:

– Kuhn, Thomas, la structure des révolutions scientifiques, Op.cit., p.157

[40]– Milhaud, G.,A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès, Op.cit., p, 420.

[41]– Ibid., P, 429- 430.

– Voir aussi: Milhaud, G., Leçons sur les origines de la science Grecque, Felex Alcan, Paris, 1893,P,69.

[42]– لا ينبغي أن يغيب عن ذهننا أن غاستون ميلو عاصر ظهور الهندسات اللاّ أوقليدية. وخصص لهذا الموضوع فصلا كاملا في أطروحته التي أشرنا إليها سالفا، عنونه ب: “النتائج الفلسفية للهندسة اللا أوقليدية”. انظر:

– Milhaud, G., Essais sur les conditions et les limites de la certitude logique, Op.cit., p, 184 à 196.

[43]– Milhaud, G., Les philosophies – géomètres de la Grèce : Platon, et ses prédécesseurs, Op.cit., 157.

[44]– Milhaud, G, Revue de Métaphysique et de morale, Op.cit., p. 429.

[45]– فأفلاطون يبين لنا أنه لا يمكن الحديث عن علم الهندسة مع المصريين، وهذا عمل تأريخي، كما أنه يظهر لنا أن ما جعل من علماء اليونان يدشنون التفكير رياضيا بطريقة علمية، هو قدرتهم على تجريد القضايا الهندسية من خلال التمييز بين النظر والعمل.

[46]– من المعروف أن هذا الإمبراطور الروماني كان محبا لعلوم اليونان حتى سمي باليوناني الصغير، وقد بنى مدينة سميت باسمه لا زالت آثارها شاهدة عليه، بها ساحة شبيه بالأغورا، ومكتبة… أما في مصر فقد عمل على إحياء التراث اليوناني أكثر من التقاليد المصرية، كان يتردد كثيرا على مكتبة الإسكندرية، وينظم الملتقيات، ويزور المتاحف. انظر:

– André Bernard, «L’Égypte romaine et byzantine» , Encyclopédie Universalis, DVD, 2007.

[47]– Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès, Op.cit., p, 429-430. Voir aussi :

– Lettre à Servien, citée par Renan, l’Église chrétienne, p.189

[48] – Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès, Op.cit., p. 420.

[49]– ibid.

[50]– ولد سنة 262 ق م – أي بعد وفاة أقليدس بثلاث سنوات- وتوفي سنة 190 ق م، فلكي وعالم رياضيات يوناني، من أشهر أعماله كانت حول الأشكال/القطع المخروطية.

[51]– أحد الشخصيات الرئيسة في الميثولوجيا الإغريقية، وفي ملحمة الإلياذة، كان قائد الجيوش اليونانية في الحرب ضد طروادة، بعدما هربت هلين زوجة أخيه مينلاوس مع حاكم طروادة.  وقد كتب اسخيلوس مسرحية حوله. انظر: اسخيلوس، اجاممنون، تر: لويس عوض، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، د س ن،

[52]– يوضح شارلز فرانسوا ماري مكسيملسان – وهو عالم ومؤرخ رياضيات –  في كتابه هذا أن أبولنيوسس بدا كإنسان مجنون، عندما توجه لقياس رجل أجاممنونلكي يتحقق من صحة نظريته حول المخروطيات.

[53]– Maximilien Marie, Histoire des science mathématique et physique, Tome 1, Gauthier-Villars, Paris, 1883, p.4-5.

[54] – Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès,Op.cit., p. 422.

[55] – ibid.

[56] – ibid.

[57] – ibid., p. 423.

[58]– Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès, Op.cit., p, 424.

[59]– Ibid.

[60]– Ibid.

[61]– إن مسألة تدورين ونشر الكتب، ستقضي على كل فكرة تقول بأفضلية السابقين على اللاحقين.

[62]– شغل هذا السؤال بال الكثير من المفكرين والفلاسفة المعاصرين نذكر من بيهم على سبيل المقال لا العصر، برغسون الذي بين في كتابه الفكر والواقع المتحرك، أنّ الحقائق العظيمة يتم التوصل إليها عن طريق أفراد تميزوا عن غيرهم. فأغلب الثورات قام بها الأفراد أمثال اينشتين في الفيزياء، وداروين في البيولوجيا، وفرويد في التحليل النفسي، وماركس في علم الاقتصاد…الخ.

[63]– يقول أرسطو: ” إن الحكمة هي اقتران العلم بالفهم مصروفا إلى كل ما هو بطبعه أعجب وأسمى. من أجل ذلك يسمى أنقزاغور (انكساغور) وطاليس وأشباههم حكماء لا مدبرين فقط لأنهم يٌرون على وجه العموم جهلاء كل الجهل بمنفعتهم الخاصة”. انظر:

أرسطو، الأخلاق إلى نيقوماخوس، الجزء 2، ترجمة، أحمد لطفي السيد، دار الكتب المصرية،1924، القاهرة،ص131.

[64]– قد يذهب البعض إلى القول إن الاختلاف بين هؤلاء الحكماء، كان من بين أسباب تطور المعرفة العلمية في بدايتها، فلو اجتمعوا ما عرف علم الرياضيات تقدما.

[65]– يسمي الفلاسفة هذه الإشراقات حدوسا مباشرة، فورية، وعفوية. (أنظر: ديكارت في كتاب التأملات، ونيتشه في مطلع كتابه ميلاد الفلسفة المأساوية في العصر الإغريقي).

[66]– Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès, Op.cit., p. 425.

[67]– إن الوعي بضرورة تضافر الجهود قضى على الجهود الفردية، والإشراقات الحيوية، وسيظهر هذا الأمر بجلاء في العصر الوسيط، مع أن تلاقح الثقافتين اليونانية والرومانية سيفتح الباب أمام جملة من التطبيقات العملية في مجال الطب والفلك والموسيقى وغيرها من العلوم النظرية. لكن النقاش حول هذه العوائق لن يتوقف البتة على مر التاريخ، وسيظل الجدل حول جدوى الجماعات العلمية في بعض العلوم، ومختلف الفنون الإبداعية مطروحا إلى عصرنا هذا.

[68]– لا نعرف سنة ولادته أو وفاته على وجه الدقة، لكن هناك ما يفيد أنه عاش ما بين نهاية القرن الأول إلى نصف القرن الثاني بعد الميلاد.

[69] – Bachelard, la formation de l’esprit scientifique, contribution à une psychanalyse de la connaissance objective, les classiques des sciences sociales, 2012, p. 65. 

[70]– Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès, Op. cit.,p, 426.

[71]– Bernard, Claude, Introduction à l’étude da la médecine expérimentale, Garnier-Flammarion, Paris, 1966.

[72]– Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès, p, 426.

[73]– يشير أغلب الفلاسفة المعاصرون إلى هذا الأمر، حتى إن نيتشه في كتاب ميلاد الفلسفة في العصر التراجيدي الإغريقي، بين أن ما توصل إليه طاليس كان عن طريق الحدس، لأن الأدوات التي كانت متوفرة في عصره ما كان لها أن توصله إلى مبدأ أن “الكل واحد”.

[74]– إن غاستون ميلو بتسجيله لهذه الملاحظة، يحاول أن يبين لنا أن الربط بين التوجهين التجريبي والعقلاني في العصر الإغريقي كان ضروريا ولازما، بفعل ضعف الآليات التجريبية. لذلك ليس علينا أن نفهم عملية التركيب التي وقعت في القديم كما نفهمها اليوم، لأنه ليس ثمة مقياس مشترك بين المرحليتين.

[75]– Milhaud, G., La philosophie – géomètres de la Grèce : Platon et ses Prédécesseurs, Felix Alcan, Pais, 1990, P.201.

[76]– كان باشلار يستعمل هذا اللفظ قبل استخدام مفهوم القطيعة؛ لدلالة على استبدال نظرية بنظرية أخرى. انظر في هذا الصدد:

– Jean-Claude Pariente, Le Vocabulaire de Bachelard, Ellipses, Paris, 2016. Voir aussi :

– Gaston Bachelard, Essais sur la connaissance approchée, Librairie philosophique J. Vrin, Paris,1969.

[77]– Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès, Op.cit.,P, 428.

[78]– Descartes, la géométrie, Des problèmes qu’on peut construire sans y employer que des cercles et des lignes droites, 1637.

[79]– Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès, Op.cit., P.429.

[80]– Ibid., p.431.

[81]– Ernest, Havet, Christianisme et ses origines, T 3, Ed, CALMANN Lévy, Paris, 1878.

[82]– سينقل لنا راسل بعض القصص ليبرز لنا تعلق الفلسفة الرومانية بما هو عملي، انظر: تاريخ الفلسفة الغربية، ج. 1، م س ن، ص417.

[83]– Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès, Op.cit., p. 431.

[84]– Ibid.

[85]– Bachelard, Gaston, Essais sur la connaissance approchée, Librairie philosophique J. Vrin, paris, 1969.

[86]– Einstein, Albert,Comment je vois le monde, trad. Grosse, Flammarion, Paris, 1934.

[87]– لم يكن ليفهم هذا الأمر في ظل سيادة المنطق الأٍرسطي القائم على مبدأ عدم التناقض، لكن انهيار هذا التصور، سيفتح الباب أمام إمكانية أن يكون العلم نفعيّا ولا نفعيا، لكننا لا نميل إلى القول بأن هذه الفكرة انقدحت في ذهن ميلو بالرغم من توفر كل الشروط في عصره التي تتيح له القيام بعملية التركيب هذه. انظر:

– Bachelard, La philosophie du non, essais d’une philosophie du nouvel esprit scientifique, classiques des sciences sociales, 4ème édition, 2012, p, 110.

[88]– Kant, E. Critique de la raison pratique, présentation et traduction par, Jean- Pierre Fussler, collection GF, Paris, 2007.

[89]– Mary TILES, Bachelard: science and objectivity, Op. cit., p. 66.

[90]– Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès, Op.cit., p, 419.

[91]– Ibid., p.433.

[92]– Ibid., p.434.

[93]– Duhem, Quelques réflexions au sujet de la Physique expérimentale, Revue des questions scientifiques, juillet 1894, et notre article « la science rationnelle », revue de métaphysique, Mai, 1896.

[94]– Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès, Op.cit., P. 433.

[95]– ألكسندر غوستاف ايفل، مهندس فرنسي، تخرج من المدرسة المركزية للفنون والتصنيع، ساهم في بناء شبكة السكك الحديدية الفرنسية، وبعض المعالم التاريخية مثل:برج ايفل بباريس، وبرج الحرية بنيويورك. ركز أبحاثه في علم الأٍرصاد الجوية والديناميكا الهوائية.

[96]– Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès, Op.cit., p. 431.

[97]– Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès, Op.cit., p. 432.

[98]– Kant, E., Fondements de la métaphysique des mœurs, trad, V. Delbos, Edition la Echos du maquis, Paris, 2013, p. 59.

[99]– Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès, Op.cit., p. 434-435.

[100]– Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès, Op.cit., p.435.

[101]– ibid. p. 436.

[102]– حيوان الكمير الأسطوري، كائن متخيل، مركب من أجزاء حيوانات مختلفة، فهو حيوان برأس وصدر أسد وبطن ماعز وذيل ثعبان.

[103]– Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès, Op.cit., p.437.

[104]– Auguste comte, cours de philosophie positive, T. 3, Ed, Bachelier, Paris, 1838.

[105]– نبه إلى هذا الأمر كل من ديكارت (في كتاب التأملات) وكانط (في نقد العقل الخالص). فالعقل من بين خصائصه أنّ له القدرة على التفكير في كل شيء.

[106]– Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès, Op.cit., p. 437- 439.

[107]– يجب أن نفهم هذا القول ضمن سياقه التاريخي، فالتطور العلمي في مختلف المجالات بما في ذلك الصناعات التكنولوجية، مكن العلماء مع مرور الزمن من تجاوز هذه المعضلة. يعدما تمكنوا من ارسال مركبات فضائية بها روبوتات متطورة لبعض الكواكب لأخذ عينات من العناصر المكونة لها لدراستها. انظر:

Erica Jawin, Apollo’s Bounty: The Science of the Moon Rocks, scientific American July 2019, voir le lien suivent: https://www.scientificamerican.com/article/apollos-bounty-the-science-of-the-moon-rocks/

[108]– ibidem. A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès, Op.cit., p. 439.

[109]– عندما نقرأ هذا الموقف، ونلاحظ الخطاطة التي وضعها باشلار في كتاب العقلانية المطبقةسنة 1949، يتضح لنا أننا مع ميلو كنا نتوجه نحو ظهور هذه العقلانية، فما يعرضه حول الفلسفة الوضعية، قريب إلى حد بعيد من الوقف الباشلاري. انظر:

– Bachelard, le rationalisme Appliqué, PUF, 3e édition, Paris, 1966, p. 16.

[110]– Milhaud, G., A Propos de la géométrie Grecque Une condition du progrès, Op.cit., p. 440.

[111]– Ibid. p. 441.

[112]– Gaston Milhaud, 1990, P.185.

[113]– أفلاطون، محاورة المحاكمة، مرجع سابق.

[114]– يقول أرسطو: “… أما العلم فقد قلنا إنه إدراك الأشياء الكلية والأشياء واجبة الوجود..”. انظر: الأخلاق إلى نيقوماخوس، م س ن، ص127.

[115]– Kant, E., Fondements de la métaphysique des mœurs, trad. Victor Delbos, Ed. Ceres, 1994, Pp. 94-99

[116]– Bachelard, G., le rationalisme appliqué, Op.cit., p. 95.

[117]– ولنا أمثلة كثيرة يحفظها لنا تاريخ العلم. فأرشميد ما إن وصل إلى ما كان يشغل باله، حتى صاح ” أوريكا أوريكا”، كتعبير عن الشعور بالسعادة نتيجة ما توصل إليه. ونفس الأمر نفسه ينطبق على جورح بولغان الذي أحس بالسعادة فور توصله إلى ما به يستطيع التشكيك في صحة مبرهنة فيثاغوراس.

مقالات أخرى

ملامح السّرد المقاوم

التّعليم عن بعد

إشكاليّة العدالة والدّيمقراطية

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد