أنثروبولوجيا الإسلام

أنثروبولوجيا الإسلام

 

ملخّص:

يرصد هذا البحث تطوّر المواضيع النظريّة التي يطرحها ما بات يُعرف بـ “أنثروبولوجيا الإسلام” التي تعالج الأسئلة الرئيسيّة المتعلّقة بالممارسة الدينيّة والأخلاقيّة اليومية في واقع المسلمين. ونخصّ بالفحص اتجاهين بارزين ضمن هذا الحقل المعرفيّ، يمثّل الاتجاه الأوّل الأنثروبولوجي كليفورد غيرتز الذي يحلّل الظاهرة الدينيّة باعتبارها نظاما ثقافيا تأويليّا تلعب فيها التمثّلات الجمعيّة للرموز دورا حاسما في تشكيل الممارسة اليوميّة، وذلك عبر إضفاء هالة واقعيّة على المفاهيم وإيجاد حالة نفسيّة تدعم ذلك الحضور الوجدانيّ. أمّا الاتجاه الثاني فيتصدّى لنقد التحليل الثقافيّ فقد قاده طلال أسد الذي يؤكّد أهمية التراث مبدعا مفهوم “التّقليد الخطابيّ” ودوره في تشكيل الممارسة الدينيّة. 

الكلمات المفاتيح: أنثروبولوجيا الإسلام- الممارسة الدينيّة-الأنظمة الرمزية-التقليد الخطابي.

Abstract:

This research monitors the evolution of theoretical themes posed by what has come to be known as “The Anthropology of Islam”, that address key questions about daily religious and ethical practice in the Muslim communities. The first trend in this discipline is represented by the anthropologist Clifford Geertz, who analyzes the religious phenomenon as an interpretive cultural system, in which collective representations of symbols play a crucial role in the shaping of everyday practice, by giving a realistic aura to concepts and creating a psychological condition that supports that emotional presence. The second trend against criticism of cultural analysis was led by Talal Asad, who emphasizes the importance of Tradition, creating the concept of “Discursive Tradition” and its role in shaping religion.

Words keys: Islamic anthropology – Religious practice – Symbolic systems – Discursive tradition.


1- مقدمة:

ممّا لاشكّ فيه أنّ اهتمام “الآخر”[1] بالإسلام كان منذ بدايات نشوئه وظهوره خاصة. فقد كان محطّ انتباهِ الدّيانات الأخرى و معتنقيها من غير العرب[2]. وفي هذا الإطار، تطوّرت الرّؤية الاستشراقية[3] من الكلاسيكيّة بمدارسها المختلفة إلى ما بات يعرف بـ “ما بعد الاستشراق”[4] ونظرية “ما بعد الكولونيالية”[5]. لقد تنوّعت المناهج المعتمدة بدءا من المنهج الفيلولوجي التاريخانيّ مع المدرسة الألمانية إلى المنهج التفكيكيّ مع المدرسة الفرنكفونيّة وصولا إلى الخطّ الأركيولوجي المادّي مع المدرسة الأنجلوسكسونيّة[6].

لقد مثّل صدور كتاب “الاستشراق”[7] لإدوارد سعيد حدثا مهمّا في سيرورة الوعي في هذا الحقل المعرفيّ الذي يتناول ثنائيّة شرق/غرب، واهتمّ سعيد -معتمدا على ما أتاحه المنهج الأركيولوجي من خلال مؤلفات رائده ميشال فوكو الذي تناول علاقات السلطة والمعرفة- بما أسماه “الفكرة الأوروبّية عن الشّرق” وكان الاهتمام الأوفر للاستشراق البريطاني والفرنسي وبعض من الأمريكي لما له من علاقات كولونياليّة مع العالم الإسلاميّ. وهنا تكمن فرادة سعيد في دراسة علاقة المؤلّف ببرنامج الدّولة وعلاقة التّصوّرات الثّقافيّة بمشروع السيطرة. وما يحسب له تحليله الاستشراق باعتباره بنية متماسكة متأثرة بسياقها الاجتماعي والسياسي. ومهما يكن من أمر، مثّل كتاب سعيد لحظة تبلور الفهم حول الإمبريالية والكولونيالية باعتبارهما موقفا معرفيا يصاحب الإرادة الغربيّة لحبّ السيطرة[8].

لم يكن الوعي بتعالق الأكاديمي مع السلطة حبيس اللّحظة السعيديّة[9]، بل ظهر حقل معرفي داخل البحث الأنثروبولوجي أُطلق عليه مسمّى “أنثروبولوجيا الإسلام” Anthropolgy of Islam، في خضمّ هذا الجدل الثقافي العلمي ومنذ أواخر القرن الماضي تحديدا. وكان الجدل قائما حول إمكانيّة وجود موضوع متماسك منهجيّ يجعلنا نتحدّث عن “أنثروبولوجيا الإسلام” بعيدا عن الجدل الكلاسيكي الذي يملأ الدراسات الاستشراقية. وطرح هذا الحقل المعرفيّ فرضية دراسة واقع الإسلام؛ بنيته الاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة. فقام سؤال منهجيّ مفاده: هل هو إسلام أم “إسلامات” متنوّعة؟ وهل التشابه في المعتقدات يجعل الممارسة واحدة ومتشابهة أم هي متعدّدة تعدّد تجاربها؟[10]. ويقدّم هذا الحقل،بحسب دعوى منظّريه ، بديلا عن الرؤى والبراديغمات التي قدّمتها الأنثروبولوجيا الغربيّة في عصر الاستعمار وبديلا عن الاستشراق الكلاسيكيّ وسائر خطاباته المهيمنة آنذاك[11]، ومن بينهم كليفورد غيرتز[12] وإرنست غلنر[13]، ثمّ برزت آراء تناقش المنطلقات النظريّة لهذا الحقل المعرفيّ عارضة إيّاها على محكّ ما يتيحه تقدّم الدرس الأنثروبولوجيّ، وقد قاد هذا التيّار النقديّ كلّ من طلال أسد[14] ودانيال مارتن فاريسكو[15] Daniel Martin Varisco.

وفي هذا الإطار، ستركّز هذه الورقة على علمين بارزين ؛ يُعتبر الأوّل من منظّري باكورة الأعمال التي تؤسّس لهذا التّوجّه وهو كليفورد غيرتز رائد “التحليل الثقافويّ” للإسلام، أمّا الثاني فهو طلال أسد الذي يُعدّ أحد أبرز مراجعي هذا التخصّص وسنعتمد على مقولة “التّقليد الخطابي” بؤرة لبيان أطروحته النّظريّة.

2- الدّين بوصفه نظاما ثقافيّا[16]:

تعدّ أبحاث الأنثروبولوجي كليفورد غيرتز Clifford Geertz[17] من الدراسات الأنجلوسكسونيّة المؤسّسة لأنثروبولوجيا الدّين التي لاقت أثرا واسعا وجدّدت في غير قطيعة أو تقليد[18]. فقد انطلق فيها ممّا يسمّيه “البعد الثّقافي للتّحليل الدّيني”[19] . ويندرج هذا المبدأ ضمن مفهوم مخصوص للثّقافة قوامه أنّها “نمط من المعاني المتجسّدة في رموز تنوقلت تاريخيا ونظام من المفهومات المتوارثة يعبّر عنها بأشكال رمزية، ويتواصل الناس بواسطة هذه الأشكال، وبها يستديمون ويطوّرون معرفتهم حول الحياة ومواقفهم منها”[20]. وهو يتقاطع هنا مع ما أسماه أرنست كاسيرار[21] “الجهاز الرمزيّ” الذي يتميّز به الإنسان عن الحيوان وبه يُشكّل معنى للعالم . “فبدلا من أن يعالج الإنسان الأشياء نفسها نراه، بمعنى من المعاني، دائما يتحدّث إلى نفسه، حيث يتلفّع بالأشكال اللغويّة والصّور الفنيّة والرّموز الأسطوريّة أو الشّعائر الدّينيّة حتى أصبح لا يرى شيئا ولا يعرف شيئا إلاّ بوساطة من هذه الوسائل المصطنعة”[22]. وقد ناقش كاسيرار ذلك فلسفيّا لينتهي إلى أنّ الإنسان حيوان ناطق ذو رموز بدلا من حيوان عاقل أو ناطق[23].

تُضحي الثّقافة عند غيرتز، بناء على ذلك، مفهوما سيميائيّا Sémiotique يُعتبر فيه التأويل حاجة أساسيّة ويتّفق مع ماكس فيبر في أنّ الإنسان حيوان عالق في شبكات رمزيّة. وتمثّل الثقافة هذه الشبكات، ولا يقوم تحليلها على قاعدة أنّها علم تجريبيّ يبحث عن قاعدة بل على أنّها علم تأويليّ يبحث عن معنى[24]. وحين تكون الثّقافة شبكة Réseaux  أو نسقا Système ،فإنّ ذلك يعني بالضّرورة أنّنا أمام عناصر وبنى تختلف من حيث طبيعة رموزها وتركيبتها لكنّها لا تشتغل في استقلال تامّ عن باقي العناصر التي تكوّن معها الحقل الدلاليّ العامّ نفسه الذي نسمّيه ثقافة[25].

يتنزّل المشروع الغيرتزيّ ضمن “الأنموذج التأويلي” أو ضمن “المقاربة الهيرمونيطيقية”، كما عنون بذلك الأنّاس روبار دلياج Robert Deliège [26] فصله في الحديث عن غيرتز ضمن تأريخه للأنثروبولوجيا[27]. وهو بذلك يتجاوز المنهج الوضعيّ في صيغته الدّوركايمية. وفي إعراضه عن هذا المنهج ، يجعل من الحسّ المشترك جوهرا Substance للتأويل الأنثروبولوجيّ[28] معارضا بكلّ وضوح التّوجّه المتجاهل للمعاني الميتافيزيقيّة والمختزل للأديان في وظائفها الاجتماعيّة أو النّفسيّة فقط[29].

تتحكّم الرّموز المقدّسة -في هذا السّياق- في روح الجماعة وخصائصها التي تشمل طبيعة حياتهم ومزاجهم وأسلوب عيشهم وتحدّد رؤيتهم للعالم ومفهومهم للأخلاق والجمال. إنّ الجماعة ضمن هذه الممارسة الدّينيّة هي “طريقة حياة متكيّفة بشكل مثاليّ مع الحالة الفعليّة للأمور الموصوفة في نظرتهم للعالم”[30]، وهو ما يجعل لهذه الرّموز دورا سابقا في تشكيل النّسق الاجتماعيّ. وتتّخذ حسب غيرتز دور الوسيط بين أسلوب حياة معيّن وميتافيزيقا محدّدة لتستديم بذلك كلا الجهتين بسلطة مستعارة على حدّ قوله.

يقترح غيرتز تعريفا للدّين بماهو: ” نظام من الرّموز يفعل لإقامة حالات نفسيّة وحوافز قويّة وشاملة ودائمة في النّاس عن طريق صياغة مفهومات عن نظام عامّ للوجود وإضفاء هالة من الواقعيّة على هذه المفهومات بحيث تبدو هذه الحالات النّفسيّة والحوافز واقعيّة بشكل فريد “[31]. وانطلاقا من هذا التّعريف نلاحظ استعماله لمفهوم ” الرّمز” للإشارة إلى أيّ شيء أو فعل أو حدث أو صفة أو علاقة تُستخدم ناقلا لتصوّر أو مفهوم فالتّصوّر يصبح “معنى” الرّمز[32]، وعليه تغدو كلّ الأفعال الثّقافيّة واستعمال الأشكال الرّمزيّة أحداثا اجتماعيّة كأيّ حدث آخر تمتاز بالعموميّة والعلنيّة ويمكن أن تكون قابلة للمراقبة، ويتميّز هذا البعد الرمزيّ بكونه قابلا للتجريد النظريّ من تلك الأحداث بوصفها كليّات إمبريقيّة تجريبيّة[33]. تمثّل هذه الرّموز خطاطات معرفية تستعمل في الوعي بالعالم ومعرفته، وهي تشبه في وظيفتها هذه، حسب غيرتز، الجينات الوراثية، فإذا كانت هذه الجينات تعمل باعتبارها مصدرا داخليّا للمعلومات، وتقدّم نفسها باعتبارها برامج وتصميمات وتعليمات تشكّل العمل العضويّ وتنظّمه، فإنّ الرّموز تقدّم نفسها بوصفها مصادر خارجيّة للمعلومات، ومخطّطات تفصيليّة للعمل[34]. تعمل الرّموز المقدّسة على دمج النّظرة إلى العالم والأخلاق في ذهن المؤمن وتعزّز الطّقوس ذلك الاندماج والتعزيز المتبادل لرؤية العالم والأخلاقيات، ويمكن أن يلاحظها المراقب الخارجيّ بشكل أفضل[35].

تتّخذ هذه النّماذج النّظريّة بعدين؛ يكون التركيز في البعد الأوّل على معالجة التراكيب الرّمزيّة لتكون في موقع مواز للنظام اللارمزيّ ونموذجا عن Model of “الواقع”، أمّا البعد الثانيّ فيركّز على معالجة الأنظمة اللارمزيّة من ضمن العلاقات المعبّر عنها في الأنظمة الرّمزيّة ويكون هنا نموذجا لــModel for  “الواقع”[36]. ولهذه الأنماط الثقافيّة جانب داخليّ مزدوج، ” فهي تؤمّن المعنى، أي الشكل المفهوميّ الموضوعيّ، للواقع الاجتماعيّ والنّفسيّ بتشكّلها بحسبه وبتشكيله بحسبهما “[37]، وهنا نتبيّن الدور المزدوج للرمز الذي يعبّر عن الواقع ويكشفه ويشكّله في آن معبّرا بذلك عن روح الجماعة.

تخلق هذه الأنظمة وضعيات نفسيّة مختلفة تدفع إلى تحمّل سلوكيّات تظهر شاقّة عند الشخص العادي، وتخلق نوعا من التمسّك بالرّأي حدّ التعصّب أحيانا، إنّها تكرّس الإحساس بالرضا تجاه سلوك ما تراه الذات معبّرا عن الرموز التي تتمثّلها، ومن ثمّ تقع تحت طائلة الإحساس بالذّنب تجاه التّقصير في أداء ذلك السلوك الذي يتحوّل في نظرها إلى “الواجب الأخلاقيّ” الذي يصون المجتمع. في هذا الإطار، تحمل هذه المحفّزات المتصوّف على سبيل المثال على ضبط نفسه وتجعل مجرّد تأمّله في شعلة المصباح ضربا من الإلهام الإلاهيّ، وتدفعه إلى اختيار نمط حياة يقوم على الزهد وتخيّر ملبسه ومأكله بما يتناسب مع تمثّلاته[38]. وتتلبّس الذات هنا بمجموعة متميّزة من الطباع على شكل “ميول، وقدرات، ونزعات، ومهارات، وعادات، وقابليّات، واستعدادات” لا نظفر بها فقط في مستوى تجسّدها في الممارسة، بل يمكن أن نتوقّع احتمال القيام بها في ظروف معيّنة وهي ما يسمّيها غيرتز بـــ “السمات العقليّة” أو “القوى النفسيّة”. وما يدفع إلى القيام بذلك هو الحافز الذي هو عبارة على ميل مستمرّ و”نزعة مزمنة” -بتعبيره- للقيام بنوع من الأعمال وتجريب أنواع ما من المشاعر في مواقف ما. ومن هذه الحوافز على سبيل المثال “الشجاعة الاستعراضيّة”، مثل إغارة المرء بمفرده على معسكرات الأعداء أو الصوم في هجير النّهار، وحافز “الاعتزاز الأخلاقي”، ويقوم على الوفاء بالالتزامات والعقود والمواثيق والعهود، وحافز “الوقار المتجرّد” ويقوم على ما يطرأ على النّفس من رباطة الجأش والتحمّل. وما يمكن أن نستنتجه أنّ هذه الحوافز ليست أفعالا ولا مشاعر، وإنّما هي قابليّات أو استعدادات نفسيّة للقيام بأنواع من الأفعال والممارسات المخصوصة[39].

قد يتبادر إلى الذهن أنّ هذه الحوافز متشابهة غير أنّها في واقع التجربة الإمبريقيّة تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى آخر، ويقول غيرتز في هذا الاتّجاه: “إنّ الحالات النّفسيّة التي تثيرها الرّموز المقدّسة، في أزمنة مختلفة وأمكنة مختلفة، تتراوح بين الابتهاج والكآبة وبين الاعتداد بالنّفس والإشفاق على الذّات وبين العبث الذي لا يرجى له إلى الفتور المعتدل”[40]. يمكن التّمييز هنا بين الحوافز باعتبارها ذات مميّزات توجهيّة Vectorial، وبين الحالات النّفسيّة التي تتّسم بأنّها عدديّة وتنبعث من ظروف معيّنة ولا تستجيب إلى نهاية أو غاية ما[41]. ويتولّد المعنى بالنّسبة إلى الحوافز من خلال الإشارة إلى الأهداف التي تتصوّر لها، وبالنّسبة إلى الحالات النفسيّة فإنّها تُعطي المعنى من خلال الإشارة إلى الظّروف التي يُتصوّر نشوؤها منها، فعمل البرّ يصبح إحسانا دينيّا عندما نؤطّره في إطار مفهوم الغايات الإلاهية والتّفاؤل يصبح تفاؤلا دينيّا عندما يكون مفهوما يتناول الطبيعة الإلاهيّة[42].

يتوفّر لهذه الرموز فاعليّة من حيث أنّها تصوغ مفهوما مستقرّا في الأذهان عن الوجود، فهي “تستحثّ نزعات في الإنسان وتصوغ –وإن بشكل غير مباشر وغير مفصّل وغير منهجيّ- أفكارا عموميّة عن النّظام”[43]، تُوجِدُ هذه الفاعليّة الفروقَ الإمبريقيّةَ التجريبيّة في النّشاط الدّينيّ أو التّجربة الدّينيّة. وهنا لا يمكن أن تجد المعياريّة لها سبيلاً في التّحليل العلميّ. فما يؤكّده الدّين حول الواقع قد يكون سطحيّا أو غامضا لكن العبرة هنا “أنّ الدّين يؤكّد شيئا ما”[44]. وينقد غيرتز في هذا السّياق ما اقترحه تايلور في تعريفه للدّين أنّه “الإيمان بوجود كائنات روحيّة”، وحتّى التّعريف الذي أشار إليه جاك غودي Jack Goody [45] وصاغه سلفادور دي مادراياغا Silvador de Madariaga وقوامه أنّ الدين هو “تلك العقيدة المتواضعة نسبيّا القائلة بأنّ الله ليس مجنونا”[46].

إنّ للدين قدرة تفسيريّة يحتاجها الإنسان للقضاء على الخوف أو القلق الذي قد يصيبه من وجوده في العالم وإضفاء المعنى واستكمال لإنسانية الإنسان. فهو يعتمد اعتمادا كبيرا على الرّموز وأنظمة الرّموز إلى درجة أنّها تصبح ذات تأثير حاسم في “حيويته الإبداعيّة”، وبها يتغلّب على ذلك “المخيف” الذي يخلق القلق وهو كلّ ما لا يمكن له أن يفهمه ولذلك يحتاج إلى الرموز “لتوجّهه”[47]. إنّ للإنسان قدرة تجلب “الظّواهر المراوغة” إلى دائرة الواقع الذي يمكن صياغته ثقافيّا ليُوجّه إليها بعد ذلك تيّارا منتظما من الرّموز التّشخيصيّة [48]، ويتحصّل بعد ذلك على “ضمانة كونيّة” ليس فقط لقدرته على فهم العالم لكن يتحصّل أيضا على القدرة على إضفاء نوع من الوضوح على مشاعره وصياغة تعريف لعواطفه ممّا يمكّنه من تحمّلها سواء بحزن أو فرح[49].

يقارب غيرتز قضيّة “التّصديق” ويعتبر أنّها ليست مجرّد مشكلة نفسيّة قد يرحّلها الأنثروبولوجي إلى مجال علم النّفس لعجزه عن تحليلها. إذ لا وجود لشيء في نظره ضمن النّطاق الاجتماعيّ يتّسم “بالسّيكولوجيّة المجرّدة”[50]. ويؤكّد أنّ الإيمان الدّينيّ لا ينبع من استقراء بايكوني Biconian أي وفق طابع تجريبي ّيقوم على اليوميّ، وإنّما ينبع من تقبّل مسبق لسلطة ما نتقبّلها من مصدر خارج عن ذواتنا ولا نعبدها في حدّ ذاتها. فنحن “نتقبّل السلطة بوصفها تحديدا لشيء يستحقّ العبادة”، وقد نتقبّل هذه السلطة عبر قوّة الإقناع لدى القوّة التخييليّة التقليديّة كما في الأديان التقليديّة أو عبر التجربة غير الخاضغة للحواس كما في الأديان الروحانيّة[51].

تتولّد القناعة بأنّ المفهومات الدّينيّة في ممارسة الطقس الدينيّ ذلك “السلوك المكرّس للعبادة” مطابقة للواقع. وتلتقي تلك الحالات النّفسيّة والحوافز التي تثيرها الرّموز المقدّسة عند البشر والمفهومات العامّة لنظام الوجود التي تصوغها تلك الرّموز ويقوّي بعضها بعضا لينتهي كلّ ّذلك إلى “شكل اِحتفاليّ” حتّى ولو كان “ترتيلا لخرافة” أو “استشارة لعرّافة” أو “تزيينا لضريح”[52]. إنّها لحظة انصهار بين العالم المعيش والعالم المتخيّل ضمن ما يسمّيه سينغSinger[53] “عروضا تراثيّة”[54]. وتجدر الإشارة إلى أنّه ليس كل ما هو تراثيّ هو دينيّ بالضّرورة . وما يحدد هذا الامر هو الاعتقاد الذي يشعر به على سبيل المثال أحد قاطني جزيرة بالي [55] في أدائه لطقس يراه ضمن “تشريعات وتجسيدات وتحقّقات” لمنظوره الدينيّ بينما يراه “الزائر” مجرّد عرض مسرحيّ فيقاربه مقاربة جماليّة صرفة[56].

يؤكّد غيرتز ضرورة الانتباه إلى ذلك التذبذب جيئة وذهابا بين المنظور الدينيّ ومنظور العرف الاجتماعيّ الذي يتكرّر بشكل مستمرّ ضمن الحوادث الإمبريقيّة، وضرورة التّمييز بين نوعين من الإيمان الدّينيّ؛يكون  الأوّل يكون في خضم الطقس التعبّديّ حيث يكتنف الشخص بكليّته وينقله إلى “نموذج وجودي آخر”، ويقع الثّاني  في خضم الحياة اليوميّة  فيكون مجرّد انعكاس باهت في ذاكرة المرء لتلك التّجربة الطقسيّة[57]. ويتنقل الإنسان بين هذين المستويين بشكل مستمرّ ولا يستقرّ على واحد فقط، ويكشف التّحليل الإمبريقيّ هذا الفرق فهو يميّز بين ما يُفترض أن يكون واقعيّا بحقّ أي “الدّين بشكله الصّافي”، والتّجربة العاديّة أي “الدّين مطبّقا تطبيقا عمليّا”[58]. وتختلف “طبيعة الانحياز” التي يسبغها الدين على الحياة اليوميّة حسب الميول التي تستثيرها في نفس المتديّن التصوّرات التي آمن بها حيال النظام في الكون. وهي تصوّرات تختلف من دين إلى آخر، ومن ثمّة نظفر باختلاف التّأثيرات في الحياة اليوميّة[59]. وحتّى في المجتمع نفسه، فما يتعلّمه فرد “عن النمط الأساسي للحياة من طقس شعوذة ومن وجبة طعام مشتركة سوف يكون له آثار مختلفة على الوظيفة الاجتماعيّة والنفسيّة”[60].

يؤكّد غيرتز في “الإسلام ملاحظا “[61] أنّ دارس الدّين بحاجة إلى فحص العلاقة بين التّغيير الدّيني والاجتماعيّ، ويرى أنّ الإسلام يُقصد بالملاحظة أن يكون “تاريخا اجتماعيا للخيال”. وتتعلّق هذه العبارة بأحد أهم مساهمات غيرتز في الأنثروبولوجيا في سدّ الفجوة بين الأنثروبولوجيا والتّاريخ الاجتماعيّ، أي بوضع الدّين في سياقه التّاريخيّ الاجتماعي والاستمرار في رفض اختزال المفاهيم الدينية في مجرّد سلوك أو بنية اجتماعية[62].

إجمالا، يمكن القول مع محمد كرّو إنّ أنثربولوجيا الدين كما تصورها غيرتز تقوم على ثلاثة أقطاب كبرى، فهي تنتظم أوّلا في محاولة بناء نظريّة حول الدين بناء على معطيات الواقع أي بناء على أبحاث ميدانية، وتقوم ثانيا باعتبارها دراسة مقارنة بين تجربتين للتديّن مختلفتين من حيث الجغرافيا والتّاريخ والبنيات الاجتماعيّة والأنساق الثّقافية، وأخيرا تبحث أعمال غيرتز عن وضع برنامج علميّ للبحث في التغيّرات الدينية وتحوّلاتها[63].

3- مقولة “التّقليد الخطابيّ” أو في نقد التّحليل الثّقافويّ للدّين:

 كانت بدايات اهتمامات طلال أسد العلميّة في جامعة أكسفورد متعلّقة بالاستعمار وبناه الاجتماعيّة[64] متأثّرا في ذلك بأبحاث إدوارد إيفان يفانز بريتشارد Edward Evan Evans-Pritchard[65]حول الشرق الأوسط وإفريقيا. وقد عمّق رؤيته في ذلك من خلال كتابه حول الأنتثروبولوجيا والاستعمار[66]. ولاقت آراء طلال أسد الانتشار الواسع في النقاش الأكاديميّ الأنجلوسكسونيّ حول دراسة الظّواهر الدّينيّة إلاّ مع بداية القرن الحادي والعشرين[67].

يهتمّ أسد بقضية الخطابات والأجهزة ضمن التحليل الفوكويّ، لذلك ينبغي اعتبارها خطابات منخرطة في علاقات القوى التي تبني الواقع الاجتماعيّ من أجل فهم التصوّرات السائدة ، ويعتمد في تحليله على آثار بيار بورديو الفرنسيّ[68] ليقيم التساؤل الأنثروبولوجيّ عن كيفيّة تحوّل المفاهيم والحقائق الاجتماعيّة وتأويلاتها إلى وضعيّة مؤثّرة وشرعيّة. ويتطلب ذلك تقصّيا كاملا لنسبة المفاهيم وخطاطات التأويل التي تتبلور في العديد من الممارسات والمؤسسات[69] وينقد في هذا الإطار التحليل الثقافويّ الذي يرى وجود مجال رمزيّ يؤثر بشكل مستقلّ في الواقع الاجتماعيّ. إنّ المقولات التحليليّة، في نظره مثل “الدين” و”الطقوس” وغيرها ، هي سليلة إطار خطابيّ مخصوص، ولا يمكن النّظر إليها ضمن فكرة “لاوعي” ثقافيّ أو رمزيّ دون التّحليل الذي يأخذ بعين الاعتبار العلاقة بالواقع ضمن ثنائية المعرفة/السّلطة[70].

3- 1- نقد الطّرح الغيرتزيّ للدّين:

ينطلق أسد من فرضية مفادها عدم التّوصّل إلى تعريف شموليّ Universal للدّين، “ليس لأنّ مكوّناته وعلاقاته متعيّنة تاريخيّا فقط، بل لأنّ التّعريف ذاته منتج تاريخيّ لطرق معيّنة في الخطاب”[71]. فتعريف الدين تؤثّر فيه المفاهيم المتغيّرة عن المعرفة والمصلحة ويتصل بالحقول المؤسّسيّة، ويتشابك مع القوّة. فعلى سبيل المثال عرّفت القوى الاستعماريّة قديما الدّين من أجل تصنيف المستعمَرين وممارساتهم والسّيطرة عليهم، ويكشف التّحليل أنّ التعريف كان منضبطا لسياقه التاريخي الثقافي.

يعرّف أسد الرمز قائلا: “ليس شيئا أو حدثا ينقل المعنى بل هو مجموعة من العلاقات بين الأشياء والأحداث رُبط بينها بوصفها تشكيلات Complexes أو مفاهيم ذات مغزى فكري أو ذرائعي أو عاطفي”[72]. ويؤكد أنّ مسألة تشكيل الرموز تخضع للعلاقات الاجتماعيّة، اعتمادا على ما توصّل فيغوتسكي[73] في دراساته النّفسيّة حول الطّفل.

إنّ الإشكال الرّئيسيّ حسب أسد هو في الفصل بين مستويين متفاعلين هما المستوى الثقافيّ المتشكّل من الرموز والمستوى الاجتماعيّ والنفسيّ. وهو ما يجعل الجانب الرمزيّ في هذا السّياق ناقلا للمعاني خارج السّياق الاجتماعيّ. ويشكّك في الجانب الذي ذكره غيرتز من فعل الرّمز وتأثيره في الذّات، ويشير في الآن ذاته إلى أنّ ما يصبغ أفعال المسيحيّ ونوعيّة تجربته بصبغته المعهودة لا يقتصر على التعبّد فقط، بل على المؤسّسات الاجتماعيّة والسياسية والاقتصادية[74]. وينفي عن الرّموز شرط كونها منتجة للدّوافع والتّوجّهات الوجدانيّة لأنّها تبقى قائمة في أذهان صاحبها “صادقة” حتّى وإن لم تفعل ذلك. إنّ ما يزرع المشاعر الدينيّة ليس الرموز وحدها بل “القوّة التي تشمل القوانين (الحكومية أو الكنيسة) والعقاب والثواب (نار جهنّم، الموت، الخلاص، السّمعة الطيّبة، السّلام) وعوامل الضّبط التي تفرضها المؤسّسات الاجتماعيّة[75] (العائلة، المدرسة، المدينة، الكنيسة) وتلك التي تُفرض على الأجسام البشريّة (الصّيام، الصّلاة، الطّاعة، التّوبة) “[76]، لذلك لا غرو أن نجد مجموعة القدّيس أوغسطين[77] بـــعنوان ” الضبط “Desciplina.

إنّ العلاقة بين النظريّة الدينيّة والممارسة “هي في جوهرها مسألة تدخّل Intervention– مسألة تشكيل الدّين في العالم (وليس في الذّهن) من خلال الخطابات التّعريفيّة وتفسير المعاني الصّحيحة واستبعاد بعض الأقوال والممارسات وضمّ سواها”[78]. وفي السياق نفسه، تكون الرؤية التي تجعل المعتقد الدينيّ مستقلّا عن الظروف الدنيوية وتنتج الحيرة والألم والمفارقة الأخلاقية رؤية غير دقيقة، وهو أمر يكشفه الفحص الإمبريقيّ للمعتقدات المسيحيّة اليوم إذ لا تتطابق المعتقدات التي يتبنّاها الفرد بعد علمنة المجتمع الغربيّ واللّغة الأخلاقيّة التي يجيزها المجتمع هذه الأيّام، مع المعتقدات القديمة. لا يمكن الاقتصار في التحليل الأنثروبولوجي على أنّ الدين يحدِثُ حالة ذهنيّة واستعدادات نفسيّة مخصوصة كما ذهب إلى ذلك غيرتز كما تقدّم، إذ لابدّ من تحليل تلك المعرفة الدينيّة الخطابيّة السابقة للممارسة، والتي يكون فيها الإيمان فاعلا وموجّها للسّلوك الدينيّ عبر الممارسة والخطاب المُنتج، وهو الأمر الذي يجعل شكل تجسّد الإيمان ونسيجه الخطابي يختلف من زمان إلى آخر[79].

يفترض غيرتز أنّ وظيفة الطّقوس تكمن في توليد القناعة الدّينيّة لكنّه لا يوضّح ما الذي يضمن استجابة المشارك في العروض للأشكال الرمزيّة على النحو الذي يؤدّي إلى الإيمان، وهو ما يعني وجود إرادة سابقة للشروع في الطقس. ويؤكد أسد، هنا في إطار كشفه عن قصر التّحليل الغيرتزي، أنّ الطقوس ليست المحلّ الذي يحصل فيه الإيمان بل الطريقة التي يعرض فيها الإيمان نفسه[80]. ويرفض المنهج الظاهراتيّ Phenomenological approach الذي تتميّز فيه الرموز الدينيّة عن كلّ ما عداها فتشكّل مجالا دينيّا مستقلّا، وأنّ الدين لا يتأثر بالتجربة في عالم السليقة Common-sense world[81]. إنّ الرموز الدينيّة سواء نظر إليها أنّها أدوات تواصلية أو معرفيّة “لا يمكن فهمها فهما مستقلّا عن علاقتها التاريخيّة بالرموز غير الدينيّة أو عن تبدّيها في الحياة الاجتماعيّة وتعبيرها عن تلك الحياة حيث يحتلّ العمل والقوّة موقعا حاسما على الدوام”[82]. فلا يمكن الفصل حسب أسد في أيّ تحليل للدين بين الممارسات والخطابات وبين التمثيلات الدينيّة، فالمكانة المرجعيّة للممارسات الدينيّة والأقوال الدينية يمكن تفسيرها على أنّها نتاج قوى معيّنة في ظرفيّة معيّنة[83].

3- 2- مركزيّة ” التراث الخطابيّ ” في التحليل الأنثروبولوجيّ للإسلام:

يحاور أسد في هذا السّياق طرح آرنست غلنر  Ernest Gellner [84] في بحثه حول “مجتمع مسلم” Muslim Society[85]، ويرى أنّه “يعرض فيه أنموذجا أنثروبولوجيّا ذا أساليب مميّزة، تتفاعل فيه البنية الاجتماعيّة والمعتقد الدينيّ والسّلوك السّياسيّ في كلّ إسلاميّ واحد”[86]. ويناقش مفهوم الإسلام عند غلنر الذي تأثّر بالمعارضة القائمة –كما دأب على ذلك المستشرقون – بين الإسلام والمسيحيّة، لينتهي إلى أنّ أشكال الاهتمام بإنتاج المعرفة أمر جوهريّ في بنى السلطة المتنوعة، وهي لا تختلف تبعا للميزة الجوهريّة للإسلام أو المسيحيّة، بل تبعا لأشكال النّظام المتغيّرة تاريخيّا[87]. ولا يعني ذلك أن نطرح أوجه الاختلاف التي طرحها غلنر على سبيل المثال والمتعلّقة بالجانب السياسي في الدينين، وإنّما الإشكال يتمثّل في المصطلحات التي تحتاج إلى تدقيق لوصف أكثر ملاءمة للاختلافات القائمة. ويرفض أسد تلك التعميمات المتعلقة بالإسلام الأرثوذكسيّ والإسلام اللاأرثوذكسيّ أو التمييز السطحي بين إيمان مدنيّ نصيّ وبين إيمان ريفيّ طقوسيّ مقدّس للأولياء، ويشير إلى رفضه بالجملة ما انتهى إليه غيرتز وغلنر إلى صورة مخصوصة للإسلام المغاربيّ، ويتوافق هنا أسد مع طرح الأنثروبولوجي المغربيّ عبد الله الحمّودي[88].

ينقد أسد تيّارا واسعا عُرف بموضوع بحثه وهو “سوسيولوجيا الإسلام” واعتمد عليه بعض الأنثروبولوجيّين، يعتمد فيه أصحابه على تطوير أفكار ماكس وفيبر ودوركهايم، ومنهم غلنر الذي يكشف تعريفه للدين عن هذه المرجعيّات الثلاث، “فالدين القبليّ العادي” الذي يهتم بعلامات الزمان والمكان وبالاحتفالات الفصليّة وتمثيل الطقوس للمقدّس هو دين دوركهايميّ بامتياز[89]، أمّا المفهوم الذي وضع لوصف دين الفقراء فهو تعبير عن مفهوم ماركس المبكّر للدين باعتباره وعيا كاذبا لفقراء المدينة[90]، والبرجوازية المدينيّة التي يصفها غلنر بكونها تلتزم رؤية أخلاقيّة محدّدة وتخدم الدولة وتنخرط في التجارة تكشف صدى التحليل الفيبريّ الذي يجعل من الدين حفاظا مقدّسا على السلطة العامّة العقلانيّة[91]. إنّ هذا التحليل في نظر أسد هو تحليل يقوم على الانتقائيّة وعدم الاتساق ويقود إلى تأكيدات واهية حول الدوافع والمعاني والآثار المرتبطة بالدين[92].

يدعو أسد إلى تحليل خطابات المثقفين الفاعلين ضمن سياقاتها التاريخيّة، ولابدّ أن يراعي هذا التحليل تفاعلات خطاباتهم مع الخطابات الأخرى المتماهية معها والمضادّة، أي تحليلها في أبعادها التداوليّة وعدم حصر تحليل الخطاب في البعد الدلاليّ فحسب، وينبغي ألاّ يركّز تحليل البنية الاجتماعيّة على هؤلاء الفاعلين بل على النّماذج المتغيّرة للعلاقات والظروف المجتمعيّة خاصة ما يُسمّى بالاقتصاديات السّياسيّة. ويعتبر في هذا السياق أنّه من الخطأ تمثيل نماذج الإسلام على أنّها مترابطة مع نماذج البنية الاجتماعيّة عبر قياس ضمنيّ على البنية الفوقيّة مثل الإيديولوجيا والأساس الاجتماعيّ. وينتهي أسد إلى موجّه أخير قوامه أنّ دراسة الإسلام، باعتباره موضوعا للمعرفة الأنثروبولوجيّة، يجب أن يُدرس على أنّه تراث خطابيّ Discursive tradition[93] متعدّد الأوجه يرتبط بترسيخ الأخلاق في النفوس وبتلاؤم النّاس أو معارضتهم وبإنتاج معارف مناسبة[94].

تلعب الخطابات التي تحكم سلوك الفاعلين الاجتماعيين النموذجيّين دورا مهمّا في التّحليل الأنثروبولوجي، ففيها يقع تمثيل السّلوك أو إساءة تمثيله من قبل هؤلاء الفاعلين كلّ منهم تجاه الآخر. فالفاعلون في التحليل الغلنريّ حسب طلال أسد “لا يتكلّمون ولا يفكّرون، إنّهم يتصرّفون فقط”[95]، وعند غيرتز هو مجرد إسلام مسرحيّ و”دراما لتديّنٍ معبّر عن السلطة متحصل عن حذف الخطابات المحليّة وتحويل مجمل السلوك الإسلامي إلى إيماء مقروء”[96]. إنّ النظرة الأداتية المحض للّغة رؤية قاصرة، فالتّحليل السّليم هو الذي يتناول خطابات محدّدة تاريخيّا وكيفيّة تشكيلها للأحداث، وفي هذا الإطار نحلّل الظّروف التي يمكن للحكّام أو الرعايا المسلمين أن ينضبطوا إليها عبر السّلطة أو القوّة الماديّة أو الإقناع أو العادة. يمكن في هذا السياق أن نقرأ الحياة الاجتماعيّة باستخدام مفاهيم تحليليّة والإعراض عن ذلك إنّما هو انتهاج لسبيل قاصر في تفسير البنية التاريخيّة.

 الإسلام “ليس بنية اجتماعيّة متميّزة معدّة سلفا، ولا مجموعة متجانسة من المعتقدات والفنون والعادات والأخلاق، إنّه تراث”[97] ومفهوم التراث المتنوّع يتضمّن نصوص القرآن والسنّة الأساسيّة ويربط نفسه بهما. وعليه لا يمكن تأسيس أنثروبولوجيا للإسلام تقوم على فكرة المخطّط الاجتماعيّ النهائيّ أو فكرة الشموليّة الاجتماعيّة التي تتفاعل ضمنها البنية الاجتماعيّة والإيديولوجيا الدينيّة أي ذلك التحليل السوسيولوجي التقليديّ أو الطرح الماركسيّ في علاقة بالدين[98]، بل ينبغي إقامة الاعتبار للخطابات التي أنتجها هذا الدين.  

إنّ التراث هو مجموع الخطابات Discourses المتنزّلة في التاريخ والساعية لتعليم الممارسة الصّحيحة المفترضة، وهي ترتبط بالماضي حيث أُسّست الممارسة والشكل والمستقبل ضمن البحث عن كيفية المحافظة على فكرة تلك الممارسة، وبالحاضر حين ترتبط الممارسة بالممارسات الأخرى والمؤسّسات المختلفة[99]. وليس التراث بالضرورة محاكاة للماضي وليس “أسطورة الحاضر” أو “حيلة”[100] يتخذها بعضهم للتصدّي للثقافة الغربيّة، ويشير أسد هنا إلى اعتماده على فلسفة آليسداير ماكنتاير Alisdair MacIntyre[101] حول الفضيلة الأرسطيّة والتراث الذي يعرّفه بأنّه “مجموعة من المعطيات العقائدية أو الثقافية التي لا تتغيّر”، إنّه تلك الحجة الممتدة تاريخيّا والمتجسّدة اجتماعيّا[102]. وتتميّز الخطابات التعليميّة بأهمّيتها، فهي تلك التي يُحدّد فيها الأداء الصحيح للممارسة وهي جوهريّة في كلّ الممارسات، ويرفض أسد هنا فكرة أنّ الاستقامة الأرثوذكسيّة الشعائريّة هي الأصل في الإسلام لأنّ هناك عنصرا يغفل عنه التّحليل السوسيولوجيّ. وهو مركزيّة فكرة “النّموذج الصّحيح” الذي يوجّه الممارسة المحكومة بتقاليد الإسلام المتنوّعة سواء عن طريق الخطيب أو العالم أو الشّيخ الصّوفيّ أو الأب الأمّي. والأرثوذكسيّة ليست هي المذاهب على رأي غلنر أي ذلك الكيان المجرّد، وإنّما هي علاقة السّلطة حين يمارس المسلمون الضّبط باسم التّراث. فهناك يقع تحليل الطّرق التي تتبعها السّلطات والظّروف التي تجعلها ممكنة والمقاومات التي تواجهها[103]. إنّ تحليل الحجج والبراهين التي تعتبر جزءا جوهريّا في الممارسة الخطابيّة هو كشف لبُنى السلطة المختلفة المُدافعة والمقاومة. وأنثروبولوجيا الإسلام التي يقترحها أسد تقوم على “فهم الظّروف التّاريخيّة التي أدّت إلى إنتاج تقاليد متنوّعة معيّنة، والحفاظ عليها، ونقلها وجهود ممارسيها من أجل تحقيق الانسجام”[104].

إنّ في هذا الطّرح انزياح منهجيّ في دراسة التحوّلات الدينيّة عبر تحليل المسارات الخطابيّة المتنوّعة، وقد ساهمت هذه المنهجيّة في تحليل مسارات الحداثة وعمليّات العلمنة وتشكّلات التراثات المختلفة[105]. وقد طوّر أسد نظريّاته في هذا الاتّجاه في بحوثه اللاحقة في تشكّلات العلمانيّ (2003)[106] وغيرها من البحوث. يتنزّل أسد ضمن نقاشات متواصلة في إطار الأكاديميا الغربيّة من ضمنها التساؤل حول وجود أرثوذكسيّة إسلامية أو لا مثل بحوث مونتجومري واتMontgomery Watt وويليام كانتويل سميث William Cantwell Smith ودايل آكيلمان  Dale Eickelman والمتخصّص في الشريعة Sherman Jackson الذين يذهبون إلى غياب أرثوذكسية أو تمركز ديني في العقيدة الإسلاميةّ[107]. ويقترح أسد في هذا الإطار، لفهم الإسلام اليوم، مقارنة الشعوب الإسلامية بعضها بعضا وتعيين العناصر المشتركة والاهتمام بدراسة الخطابات التي تؤسّس أو تحاول وتتنافس على تأسيس الأرثوذكسيّة لتحليل بُنى السلطة وأهدافها[108].

4- خاتمة:

نخلص إلى القول إنّ “أنثروبولوجيا الإسلام” حقل علمي يفتح آفاق البحث في الإسلام المعيش الذي اختلفت فيه زاويا النّظر والتّحليل، ممّا يجعل النقاش المتعلّق بأنثروبولوجيا الدين أكثر ثراء وعمقا. وضمن هذا التوجه يبدو هذا النوع من الدراسات واعدا بتحويله النقاش من براديغمات الاستشراق بمدارسه المختلفة إلى واقع التجربة الإمبريقية التي تتوسّل البحث الإثنولوجي والإثنوغرافي وتدرس السلوك الدينيّ الذي تتداخل فيه الخطابات مع الممارسة مع العاطفي. ويمكن استنتاج ما يلي من خلال عرضنا لتوجّهين بارزين داخل هذا الحقل التخصّصي:

  • الإنسان كائن رمزيّ، وتتحكّم الرموز المقدّسة في روح الجماعة وخصائصها التي تشمل طبيعة حياتهم ومزاجهم وأسلوب عيشهم، بل تحدّد لهم رؤيتهم للعالم وتوجد لهم مفهوما خاصّا للأخلاق والجمال.
  • تعمل الرموز المقدسة على دمج النظرة إلى العالم والأخلاق في ذهن المؤمن وتعزّز الطقوس ذلك الاندماج والتعزيز المتبادل لرؤية العالم والأخلاقيات، ويمكن ملاحظتها بشكل أفضل من قبل المراقب الخارجي.
  • تتأثر مسألة تشكيل الرموز بالسياقات الاجتماعيّة، فالرمز ليس مجرّد ناقل للمعنى، بل هو مجموعة من العلاقات بين الأحداث رُبط بينها بوصفها تشكيلات Complexes أو مفاهيم ذات مغزى فكري أو ذرائعي أو عاطفي.
  • إنّ التراث هو مجموع الخطابات Discourses المتنزّلة في التاريخ والتي تسعى لتعليم الممارسة الصحيحة المفترضة التي تطبق كليّا أو جزئيا أو تهمّش .
  • لا ينبغي إغفال دور الخطاب في تحليلنا للمارسة السوسيولوجيّة، إذ لا بدّ من تحليل خطابات محدّدة تاريخيّا وكيفيّة تشكيلها للأحداث، ثمّ نحلّل الظروف التي يمكن للحكّام أو الرعايا المسلمين أن ينضبطوا إليها عبر السلطة أو القوّة الماديّة أو الإقناع أو العادة.

المراجع:

باللّغة العربيّة:

  • أسد (طلال)، جنيالوجيا الدين الضبط وأسباب القوّة في المسيحيّة والإسلام، ت: محمد عصفور، دار المدار الإسلاميّ، بيروت، 2017
  • بدوي (عبد الرحمان)، موسوعة المستشرقين، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط3، 1993.
  • الجبلاوي (آمنة)، الإسلام المبكّر: الاستشراق الأنجلوسكسونيّ الجديد: باتريسيا كرون ومايكل كوك أنموذجا، الدار التونسيّة للكتاب، ط3، 2020، ص 20.
  • جعيط (هشام)، أوروبا والإسلام: صدام الثقافة والحداثة، دار الطليعة، 1978.
  • الغاندي (ليلى)، “إدوارد سعيد ونقاده”، مجلة الكرمل، عدد 81، خريف 2004، ص54.
  • غيرتز (كليفورد)، تأويل الثقافات، ت: محمد بدوي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2009.
  • كاسيرار (أرنست)، مدخل إلى فلسفة الحضارة الإنسانيّة أو مقال في الإنسان، ت: إحسان عبّاس، دار الأندلس، بيروت، 1961.

باللغة الإنجليزية:

  • Anjum (Ovamir), Islam as a Discursive Tradition: Talal Asad and His Interlocuters, Comparative Studies of South Asia, Africa and the Middle East, Vol. 27, No. 3, Duke University Press, 2007, p 661.
  • Bowen, John R., and John Richard Bowen. A new anthropology of Islam. Cambridge University Press, 2012.
  • Dabashi, Hamid. Post-Orientalism: Knowledge & Power in a Time of Terror. Routledge, 2017.
  • Sawant (Datta), Perspectives on Postcolonial Theory: Said, Spivak and Bhabha, Researchgate, 2015, p2.
  • Geertz (Clifford), The Relegion of Java, free Press, 1960.
  • Geertz (Clifford), Islam Observed Religious Development in Morocco and Indonesia, University of Chicago Press, 1971.
  • Geertz (Clifford), The Interpretation of Cultures, Basic Books, Now York, 1973.
  • Gellner (Ernest), Muslim Society, Cambridge University Press, 1981
  • Gildenan (Michael), Recognizing Islam: An Anthropologist’s Introduction, London, Croom Helm, New York: Pantheon, 1983
  • Goody ( Jack), Religion and Ritual: The Definitional Problem, The British Journal of Sociology, 12, No. 2 (Jun., 1961), pp. 142-164.
  • Goulet (Nicole), Postcolonialism and the Study of Religion: Dissecting Orientalism, Nationalism, and Gender Using Postcolonial Theory, Religion Compass vol. 5, iss.10, Blackwell Publishing, 2011.
  • Hallaq, Wael B. Sharī’a: theory, practice, transformations. Cambridge University Press, 2009.
  • Hoyland, Robert. “Seeing Islam as others saw it.” In Seeing Islam as Others Saw It. Gorgias Press, 2019.
  • Munson (Henry), Geertz on Relegion: The theory and the practice, Religion, Academic Press Inc. (London) Ltd, 1986, p 20.
  • Riesebrodt (Martin), Review Talal Asad, Contemporary Sociology, Vol. 23, No. 5, )Sep. 1994(, p 736.
  • Said, Edward. “Orientalism: Western concepts of the Orient.” New York: Pantheon,
  • Schilbrack (Kevin), Religion, Models of, and Reality: Are We through with Geertz? Journal of the American Academy of Religion, Vol. 73, No. 2 (Jun., 2005),
  • Talal Asad, Anthropology and the Colonial Encounter, London: Ithaca Press, 1973.
  • Talal Asad, The Kababish Arabs: Power, Authority and Consent in a Nomadic Tribe (London: Christopher Hurst, 1970.
  • Talal Asad, Genealogies of religion: Discipline and reasons of power in Christianity and Islam. JHU Press, 1993.
  • Talal Asad, The Idea of an Anthropology of Islam, Qui Parle, 17, No. 2 (Spring/Summer 2009), pp. 1-30.
  • Talal Asad, Formations of the Secular Christianity, Islam, Modernity, Stanford University Press, 2003.
  • Tapper, R. Islamic anthropology” and the” anthropology of Islam. Anthropological Quarterly, 1995, p199.
  • Varisco DM. Islam Obscured: The Rhetoric of Anthropological Representation. W. Ross MacDonald School Resource Services Library; 2007.

[1]– جعيط (هشام)، أوروبا والإسلام: صدام الثقافة والحداثة، دار الطليعة، 1978.

[2]– Hoyland, Robert. “Seeing Islam as others saw it.” In Seeing Islam as Others Saw It. Gorgias Press, 2019.

[3]– بدوي (عبد الرحمان)، موسوعة المستشرقين، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط3، 1993.

[4]– Dabashi, Hamid. Post-Orientalism: Knowledge & Power in a Time of Terror. Routledge, 2017.

[5]– يحسن الإشارة إلى الجدل القائم حول عدّها نظريّة مستقلّة ذات بناء متّسق، وما زال النقاش متواصلا حول علاقاتها بتيّارات الماركسية من جهة وما بعد البنيوية وما بعد الحداثة من جهة أخرى. ويرى بعضهم أنّ ما بعد الكولونيالية نظرية متجذرة في التاريخ والثقافة. إنّها نظرية معنية بالطرق التي يتمّ بها إنشاء التأريخ وفرضه والأدلة الأنثروبولوجية على ذلك باستخدام النظرية الماركسية لفهم القوة المهيمنة والرأسمالية والقوة الإمبريالية ونقدها، انظر:

Goulet (Nicole), Postcolonialism and the Study of Religion: Dissecting Orientalism, Nationalism, and Gender Using Postcolonial Theory, Religion Compass vol. 5, iss.10, Blackwell Publishing, 2011, p 632.

[5]- G. Sawant (Datta), Perspectives on Postcolonial Theory: Said, Spivak and Bhabha, Researchgate, 2015, p2.

[6]– الجبلاوي (آمنة)، الإسلام المبكّر: الاستشراق الأنجلوسكسونيّ الجديد: باتريسيا كرون ومايكل كوك أنموذجا، الدار التونسيّة للكتاب، ط3، 2020، ص 20.

[7]– Said, Edward. “Orientalism: Western concepts of the Orient.” New York: Pantheon, 1978.

[8]– الغاندي (ليلى)، ” إدوارد سعيد ونقاده”، مجلة الكرمل، عدد 81، خريف 2004، ص54.

[9]– Bowen, John R., and John Richard Bowen. A new anthropology of Islam. Cambridge University Press, 2012, p6.

[10]– Tapper, R. Islamic anthropology” and the” anthropology of Islam. Anthropological Quarterly, 1995, p199.

[11]– نصر (جعفر)، “أنثروبولوجيا الإسلام: مدخل لتفكيك خطوط التفكير في المركزيّة الغربيّة”، مجلة الاستغراب، عدد26، 2022، ص44.

[12]– أنثروبولوجي أمريكيّ (1926-2006)، اهتمّ بدراسة المجتمعات المسلمة ومن مؤلفاته:

Clifford Geertz, The Relegion of Java, free Press, 1960.

Islam Observed, Religious Development in Morocco and Indonesia, University Of Chicago Press, Chicago & London, 1968

The Interpretation of Cultures, Basic Books, Now York, 1973.

[13]– ( 1929- 1995) وهو فيلسوف بريطاني تشيكي وعالم إنسانيات وأنثروبولوجيا، ومن مؤلفاته:

Gellner, Ernest. Muslim society, Cambridge University Press, 1983.

[14]– (1932- ) أستاذ في جامعة نيويورك، متخصّص في أنثروبولوجيا الدين والثقافة، له إسهامات مختلفة في علاقة بالدّينيّ والعلمانيّ. ومن مؤلفاته:

Talal Asad, Anthropology and the Colonial Encounter, London: Ithaca Press, 1973.

 Genealogies of religion: Discipline and reasons of power in Christianity and Islam. JHU Press, 1993.

The Idea of an Anthropology of Islam, Qui Parle, Vol. 17, No. 2 (Spring/Summer 2009), pp. 1-30.

[15]–  دانيال مارتن فاريسكو (1951-)، أنثروبولوجي ومؤرخ أمريكي، ومن أشهر مؤلفاته:

Varisco DM. Islam Obscured: The Rhetoric of Anthropological Representation. W. Ross Mac Donald School Resource Services Library; 2007.

[16]– والعنوان مقتبس من فصل في كتاب لكليفورد غيرتز، انظر: غيرتز (كليفورد)، تأويل الثقافات، ت: محمد بدوي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2009.

[17]– (1926- 2006) كان واحدا من أبرز علماء الأنثروبولوجيا الأمريكيين وأبعدهم أثرا خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين، ويعتبر مؤسس المدرسة التأويلية في الأنثروبولوجيا ومن أكبر الدعاة لإيلاء الأهمية لدراسة الرموز في الثقافة وللفكرة القائلة بأنّ هذه الرموز تضفي معنى ونظاما على حياة الناس. من مقدمة المترجم في: غيرتز (كليفورد)، تأويل الثقافات، مصدر سابق، ص44.

[18]– يقول زكرياء الإبراهيميّ في بحثه عن غيرتز “أما أن تكون النصوص الغيرتزية حول الدين متنا أنتربولوجيا أصيلا ومتميزا، فذلك ممّا لا يمكن الشك فيه، وأما أن تكون أفكار هذا الرجل وأعماله، بل ونظريته في الدين، مجرد امتداد لمن سبقوه إلى الأنتربولوجيا والعلم الاجتماعي، فذلك ما يجب رده ورفضه منذ البداية.” انظر: الإبراهيمي (زكرياء)، “كليفورد غيرتز والتأويل الأنثربولوجي للدين”، موقع مؤمنون بلا حدود، قسم الفلسفة والعلوم الإنسانيّة، ص14.  انظر الرابط : https://cutt.us/9zFx6 .

[19]–  المصدر نفسه، ص 224.

[20]–  المصدر نفسه، ص 225.

[21]–  فيلسوف ألماني (1874- 1945) درّس الفلسفة في جامعات برلين وهامبورغ بألمانيا ثم بالولايات المتحدة الأمريكية. طوّر كاسيرار نظرية الرمزية واستخدمها في توسيع ظواهرية المعرفة إلى فلسفة ثقافية أكثر عمومية، فالرمز عنده هو أساس الفعاليات الإنسانيّة ومن مؤلفاته “فلسفة الأشكال الرمزية” (1923) و ” مقال في الإنسان” (1944).

[22]– كاسيرار (أرنست)، مدخل إلى فلسفة الحضارة الإنسانيّة أو مقال في الإنسان، ت: إحسان عبّاس، دار الأندلس، بيروت، 1961، ص 67.

[23]– المصدر نفسه، ص 69.

[24]– غيرتز، تأويل الثقافات،  مصدر سابق، ص82.

[25]– الإبراهيمي، “كليفورد غيرتز والتأويل الأنثربولوجي للدين”، مصدر سابق، ص12.

[26]– من مواليد 1953، عالم أنثروبولوجيا بلجيكي متخصص في الهند. متخصّص في الإثنولوجيا من جامعة أكسفورد، وهو أستاذ في الجامعة الكاثوليكية في لوفان وعضو مشارك في الأكاديمية الملكية لعلوم ما وراء البحار.

[27]– انظر:

 Deliège (Robert), Une histoire de l’anthropologie, écoles, auteurs, théories, éditions Seuil, 2013, Pp170-179.

[28]  انظر: Najar (Sihem), Penser le sens commun en anthropologie, in Mohamed Karrou,  D’Islam et D’ailleurs, Cérés Editions, 2008, p96. في: المصدر نفسه، 4.

[29]– Schilbrack (Kevin), Religion, Models of, and Reality: Are We through with Geertz?  Journal of the American Academy of Religion, Vol. 73, No. 2 (Jun., 2005), p 434.

 –[30]  غيرتز، تأويل الثقافات، مصدر سابق، ص 225.

[31]  المصدر نفسه، ص227.

[32]  المصدر نفسه، ص228.

[33]  المصدر نفسه، ص229.

[34]– الإبراهيمي، “كليفورد غيرتز والتأويل الأنثربولوجي للدين”، مصدر سابق، ص 17.

[35]– Munson (Henry), Geertz on Relegion: The theory and the practice, Religion, Academic Press Inc. (London) Ltd, 1986, p 20.

[36]– غيرتز، تأويل الثقافات، مصدر سابق، ص232.

[37]-المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[38]– المصدر نفسه، ص 234.

[39]– المصدر نفسه، ص236.

[40]– المصدر نفسه، ص238.

[41]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[42]– غيرتز، تأويل الثقافات، ص239.

[43]– المصدر نفسه، ص240.

[44]– المصدر نفسه، ص241.

[45]– جون رانكين قودي (1919-2015) John Rankine Goody: أنثروبولوجي اجتماعي إنجليزي، كان محاضرا بارزا في جامعة كامبريدج، من بين مؤلفاته الرئيسية كتاب “الموت والملكية والأجداد” (1962)، والتكنولوجيا والتقليد والدولة في إفريقيا (1971)، وأسطورة باغري (1972)، وتدجين العقل المتوحش (1977).

[46]– للتوسّع انظر:

  Goody (Jack), Religion and Ritual: The Definitional Problem, The British Journal of Sociology, Vol. 12, No. 2 (jun., 1961), pp. 142-164.

[47]– غيرتز، تأويل الثقافات، مصدر سابق، ص242.

[48]– المصدر نفسه، ص247.

[49]– المصدر نفسه، ص252.

[50]– المصدر نفسه، ص260.

[51]– المصدر نفسه، ص261-262.

[52]– المصدر نفسه، ص266.

[53]– ميلتون سينغرMilton Singer ( 1912 – 1994) : أنثروبولوجي أمريكي مختص في الدراسات الهندية. وقد كان أستاذا في جامعة شيكاغو وأوّل من استخدم عبارة الأنثروبولوجيا السيميائية في عام 1978.

[54]– غيرتز، تأويل الثقافات، مصدر سابق، ص267.

[55]– جزيرة أندونيسيّة تقع في الطرف الغربي من جزيرة سوندا.

[56]– المصدر نفسه، ص268.

[57]– المصدر نفسه، ص279.

[58]– المصدر نفسه، ص280.

[59]– المصدر نفسه، ص283.

[60]– المصدر نفسه، ص284.

[61]– Geertz (Clifford), Islam Observed Religious Development in Morocco and Indonesia, University of Chicago Press, 1971.

[62]– Munson, Op. cit., p 22.

[63]– انظر:

 Kerrou (Mohamed), Geertz et L’anthropologie de la relegion, in Mohamed Kerrou, D’Islam et D’ailleurs, Hommage a Clifford Geertz, 1926-2006, Cérès éditions, 2008, p184. في: الإبراهيمي، “كليفورد غيرتز”، مصدر سابق، ص14.

[64]– أجرى بحثا ميدانيا خلال سنوات عمله في الخرطوم تحت عنوان عرب الكبابيش: القوة والسلطة والتوافق في قبيلة الرحل، ولسان العمل بالإنجليزية تحت عنوان:

Talal Asad, The Kababish Arabs: Power, Authority and Consent in a Nomadic Tribe (London: Christopher Hurst, 1970).

[65]– ولد في 1902 وتوفي في 1973، وهو أستاذ إنجليزيّ في الإناسة الاجتماعية في جامعة أكسفورد (منذ 1930) وفي جامعة القاهرة. وقد زار كلّا من السودان وليبيا وسوريا خلال فترة الاستعمار، وعُيّن في الإدارة العسكريّة في برقة، وهو ماجعله يتابع عن قرب العلاقات الاستعمارية في المنطقة، فألّف حول الطريقة السنوسيّة والمقاومة. وكانت اهتماماته لاحقا حول السحر والدين والعلم.

[66]-Talal Asad, Anthropology and the Colonial Encounter, London: Ithaca Press, 1973.

[67]– وكان ذلك مع نشره لكتاب تشكّلات العلماني (Formations of the Secular (2003 ودراستين في الأنثروبولوجيا الوصفيّة: سياسة التقوى (Politics of Piety 2005)، والمشهد الصوتي الأخلاقي (Ethical Soundscapes 2006)، من قبل طالبيْه صبا محمود وتشارلز هيرشكيند (Charles Hirschkind)، انظر : فاضل (نادية)، من الدين إلى التراث .. بعض الأفكار حول أعمال طلال أسد، ت: محمّد الحاج سالم، منصة معنى الثقافية، 23 سبتمبر 2019، الرابط : https://cutt.us/XoZVd.

[68]– Riesebrodt (Martin), Review Talal Asad, Contemporary Sociology, Vol. 23, No. 5, )Sep. 1994(, p 736.

[69] المصدر نفسه، ص739.

[70]  المصدر نفسه، ص740.

[71]– أسد (طلال)، جنيالوجيا الدين الضبط وأسباب القوّة في المسيحيّة والإسلام، ت: محمد عصفور، دار المدار الإسلاميّ، بيروت، 2017، ص 54.

[72]– المصدر نفسه، ص 55.

[73]– عالم نفس سوفييتي (ت 1934) اهتم باللسانيات والفلسفة في جامعة موسكو قبل أن ينخرط في البحث النفسي. أثناء عمله في معهد موسكو لعلم النفس (1924-1934)، أصبح شخصية بارزة في علم النفس السوفياتي بعد الثورة. درس دور العوامل الاجتماعية والثقافية في صنع الوعي البشري.

[74]– المصدر نفسه، ص 58.

[75]– تناول بالبحث هذه المؤسسات في التجربة الإسلاميّة وائل حلاق مبرزا أهمية الأسرة والقبيلة والقضاء والوقف، انظر:

Hallaq, Wael B. Sharī’a: theory, practice, transformations. Cambridge University Press, 2009.

[76]– أسد، جنيالوجيا الدين، مصدر سابق، ص 59.

[77]– القديس أغسطينوس (13 نوفمبر 354 م- 28 أغسطس 430م) كاتب وفيلسوف من أصل نوميدي-لاتيني. ولد في طاغاست (حاليا سوق أهراس، الجزائر). يعد أحد أهم الشخصيات المؤثرة في المسيحية الغربية. تعدّه الكنيستان الكاثوليكية والأنغليكانية قديسا وأحد آباء الكنيسة البارزين وشفيع المسلك الرهباني الأوغسطيني. تأثر فكره اللاهوتي والفلسفي بالرواقية والأفلاطونية والأفلاطونية المحدثة.

[78]– المصدر نفسه، ص71.

[79]– المصدر نفسه، ص75.

[80]– المصدر نفسه، ص78.

[81]– للتوسّع في نظرة غيرتز لعالم السليقة، انظر:

Geertz (Clifford), Common Sense as a Cultural System, The Antioch Review Vol. 33, No. 1 (Spring, 1975), pp. 5-26.

[82]– أسد، جنيالوجيا الدين، مصدر سابق، ص82.

[83]– المصدر نفسه، ص83.

[84]– (1929- ت 1995) وهو فيلسوف بريطاني تشيكي وعالم إنسانيات وأنثروبولوجيا .

[85]– Gellner (Ernest), Muslim Society, Cambridge University Press, 1981.

[86]– طلال (أسد)، “فكرة أنثروبولوجيا الإسلام”، ت: سامر رجواني، د.ت. وقد راجعنا النص الأصلي في:

Asad (Talal), The Idea of an Anthropology of Islam, Qui Parle, Vol. 17, No. 2 (Spring/Summer 2009), pp. 1-30.

[87]– المصدر نفسه، ص146.

[88]– (مواليد 1945) عالم أنثروبولوجي مغربي، أستاذ في جامعة برنستون في الولايات المتحدة. كان مديرا لمعهد معهد الدراسات الإقليمية في الجامعة نفسها. ومن مؤلفاته “الشيخ والمريد ” (1997).

[89]– المصدر نفسه، ص 157.

[90]– المصدر نفسه، ص 158.

[91]– المصدر نفسه، ص159.

[92]– المصدر نفسه، ص160.

[93]– لا يوجد هذا المصطلح في الترجمة العربيّة غير أنّه موجود في النص الأصليّ.

[94]– المصدر نفسه، ص149.

[95]– المصدر نفسه، ص150.

[96]–   المصدر نفسه، ص151.

[97]–  المصدر نفسه، ص162.

[98]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[99]– المصدر نفسه، ص 163.

[100]– يشير إلى ما ذكره مايكل غيلسونان Michael Gilsenan:

Gildenan (Michael), Recognizing Islam: An Anthropologist’s Introduction, London, Croom Helm, New York: Pantheon, 1983.

[101]– ‏(ولد في 1929) فيلسوف وعالم أخلاق اسكتلندي تعرف عنه إسهاماته في فلسفة الأخلاق والفلسفة السياسية كما له العديد من الأعمال في تاريخ الفلسفة واللاهوت. يشغل منصب أستاذ فخري في قسم الفلسفة في جامعة نوتردام.

[102]– Anjum ( Ovamir), Islam as a Discursive Tradition: Talal Asad and His Interlocuters, Comparative Studies of South Asia , Africa and the Middle East , Vol. 27, No. 3, Duke University Press, 2007,p 661.

[103]– غيرتز، تأويل الثقافات، مصدر سابق، ص166.

[104]– المصدر نفسه، ص168.

[105]– فاضل، من “الدين إلى التراث”، مرجع سابق.

[106]– Asad (Talal), Formations of the Secular Christianity, Islam, Modernity, Stanford University Press, 2003.

[107]–  Anjum, op. cit., p 667.

[108]–  Anjum, op. cit., p 671.

مقالات أخرى

ملامح السّرد المقاوم

التّعليم عن بعد

إشكاليّة العدالة والدّيمقراطية

1 تعليق

أ.د , بن سياع صليحة 8 ديسمبر، 2023 - 7:28 ص
ممتاز
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد