أن تصنع من الإنسان خنزيرًا ؟! ما بعد كورونا ؟

ما الذي يُمكن قوله في هذه الحالة التي يمر بها العالم؟ أسئلة كثيرة تدور في أذهان الجميع، سؤال (هل سننجو؟) هو أدناها أهمية وقيمة لأن الموت واحد في النهاية، ثم يلي هذه السؤال سؤالٌ آخر لا قيمة فعلية له لاعتبارات كثيرة وهو (ما سبب انتشار فيروس الكورونا؟ ) سؤال مُحمل بالعديد من نظيرات المؤامرة ومختلط بمعتقدات كثيرة منها الغضب الإلهي وإنذار بالعذاب ومنها أنه جند من جنود الإله وفوق كل ذلك تسيطر النظرة للطبيعة على أنها فاعل، وقد اختارت بقدرتها أن تصنع جسمًا مضادًا للبشر لتتخلص من بعضهم. فما هو السبب؟ هل بالفعل قامت بعض الدول بتصنيع أو تخليق هذا الفيروس ونشره بين الناس؟ ولما؟ أم أنه الله غضب على البشرية؟ أم أن الطبيعة قررت ضبط نفسها من جديد؟

يمكن أن يجيب كل حزب مدافعًا عن رأيه في الأسباب الثلاثة الماضية، فعلى سبيل المثال في حالة الاعتقاد بأن الدول هي التي صنعت هذه الكارثة، فبالفعل قد قامت دول كثيرة من قبل بغزو بلاد مساحتها عظيمة بإطلاق أمراض وأوبئة مُصنعة ومُخلقة، حدث ذلك في كوبا وفيتنام وغيرها من الدول، الولايات المُتحدة الأمريكية تملك ملفًا ضخمًا للحرب البيولوجية، ولقد جادل فوكو في أحد أفكاره “المُهملة” عن أن شكل السلطة الجديد هو سلطة بيولوجية، سلطة على الحياة، وتعريف هذه السلطة التي يتحدث عنها فوكو وصارت تعرف باسم Bio-Politics أو Bio- Power: وهي شكل من أشكال السلطة يتعامل مع المجتمع باعتبارهم أفراد مسيطرا على حيواتهم. وهذا تعريف بسيط لفلسفة فوكو، تلك الفلسفة التي تُرى وكأنها عبارة واحدة تقولها الدول العظمى: (إن المواطن إما أن تقتله أو تدعه يعيش).

ولكن في جهة أخرى نرى أن الدول تملك أسلحة بيولوجية (ناعمة) وتقتل ملايين كل سنة، ومن هذه الأسلحة القاتلة (النيكوتين-الكحوليات- الهيروين – المواد والعناصر الكيميائية المسببة للسرطان في الأطعمة والمشروبات) ويُخطئ العديد من الأطباء خاصة في وصف حالة انتشار فيروس كورونا بقولهم إن هذا الفيروس يقتل أكثر ما تقتل الخمور والهيروين والخمور ومسببات السرطان، والخطأ هنا أن العملية التي حدثت في ذهن هؤلاء هي عملية حسابية جامدة لمقارنة بين كل من هذه الأمراض والمُهلكات وبين الفيروس الجديد، وفي حقيقة الأمر أن السرطان والكحوليات والنيكوتين والهيروين تقتل أضعاف ما يقتل الفيروس الجديد (كورونا).

ليس ذلك فحسب بل إن معدل الانتحار السنوي العالمي في ارتفاع صارخ ومع ذلك لم تتحرك الدول تحركها لمواجهة الكورونا للحد من مسببات الوفاة الحتمية التي تزيد كل سنة، لم تتحرك الدول لمواجهة السرطان الذي صار مرض موت غالبية النساء في أواخر أعمارهن، كما يختطف الكثير من النساء في وسط أعمراهن كذلك، لم تتحرك الدول للحد من انتشار الهيروين، لم تتوقف الدول عن تصنيع الخمور والسجائر، لم تتوقف الدول عن تصنيع ما يُثبت الطب يوميًأ أنه يقتل الملايين من البشر حول العالم، ولكن الدول تتحرك الآن بكل طاقاتها الاقتصادية والسياسية والإعلامية للحد من انتشار الفيروس الجديد الذي لم نُحدد بعد ما سبب انتشاره ووجوده.

ولكن على أي حال أي من الأسباب الثلاثة السابقة في انتشار الفيروس جائزة، ويبقى سؤال أرقى وأعلى شأنًا من السؤالين الماضيين: (هل سننجو؟) و ( ما سبب انتشار فيروس الكورونا) وهذا السؤال هو (الذي سيحدث للبشرية بعد زوال هذه الحالة أو الكارثة كما يحب تسميتها الغالبية؟)

قد تنبأ عدد من الباحثين أن القادم هو أزمة اقتصادية عنيفة وعلى الجميع أن يستعدوا لها، وقد أصابوا في هذا ولكني لا أظن أن هذا اكتشاف عظيم، فهو أمر واضح للجميع، نعم ستتغير يقينًا البنية الاقتصادية وستهلك طبقات عظيمة في السنوات العديدة القادمة، ومن جهة أخرى تنبأ عدد آخر من الباحثين بأن الخريطة السياسية ستتغير وستنتقل القوى الدولية من يد دول إلى دول أخرى، فبينما تتراجع أوروبا تصعد آسيا، وهذه رؤية صحيحة أيضًا ولا باس بها ولكن كيف سيكون شكل المُجتمعات؟

هنا كل ما سأحاول أن أختصره لتوضيح ما الذي يُحضّر له منذ سنوات، ودعني أبدأ بهذا السؤال ( هل يمكن أن يُصنع من الإنسان خِنزيرًا؟ ) ثم دعني أُجيب على هذا السؤال في نهاية المقال.

أولًا: الأخ الأكبر يراقبك!

في رواية جورج أورييل 1984 كان الناس يعيشون بعد ثورة عظيمة قام بها الحزب لتغيير شكل الحياة وإزالة الأسباب التي كانت تُهلك البشر وتؤدي للحروب، ولأجل فعل ذلك كان يجب على الحزب أن يُراقب كل المواطنين، وذلك عن طريق وضع كاميرا مراقبة في كل بيت من بيوت أفراد هذا المُجتمع، كاميرا لا يتسنى للفرد أن يغيب عنها ثم إذا خرج من بيته كان كل فرد يُراقب الآخر، كل زميل في العمل يراقب زميله، هذا مع وجود كاميرات للمراقبة وأجهزة تسجيل صوت لتسجيل الهمس الممكن بين الأفراد.

اليوم وبسبب انتشار الكورونا قد تحول المجتمع إلى مجتمع مُراقب، وهذا النمط من المراقبة والضبط شهدناه في الصين وإيران وإسرائيل وعدد من الدول، وقد تجمع الدول كلها على ضرورة مراقبة المواطنين للحد من انتشار الفيروس مرة أخرى كي لا يقع العالم في كارثة مشابهة لما يحدث اليوم.

لكن ما معنى مراقبة الجميع؟ هل سيتوقف الأمر عند مراقبة الكاميرات للناس في الشارع؟

المقصود بالمراقبة هنا هو أن تكون مُتبعًا في كل حركة تقوم بها، وبحسب ليلي كيو، في مقالها بالجارديان، إن المراقبة المقصودة أن يُعرَض الفرد يوميًا حين دخوله إلى حيه أو إلى مقر وظيفته على قارئ رمز الاستجابة السريعة QR Code لتظهر بهذه القراءة هوية الفرد ودرجة حرارته وحركة تنقلاته أو سفره قبل هذه القراءة، وقد طورت الصين كذلك كاميرات تستطيع رصد التغييرات الحرارية في جسد المواطنين لرصد أي تغير ينبئ بوجود مريض بين الناس والتبليغ عن موقع ثم تتبعه بعدة طرق ومنها أجهزة الاستقبال التي قد يحملها ومنها هاتفه النقال.1

قد يُرى هذا الطرح أنه طرح راديكالي ولكنك ستذهل حين تعرف أن معهد MIT قد قطع مسافة عظيمة في إنهاء هذا الجدل الدائر حول حقن الإنسان برقاقة يُمكن أن يُحمّل عليها بيانات الفرد الكاملة، رقاقة صغيرة تحمل هوية الفرد ورقمه القومي “الإلكتروني العالمي” ثم رقمه القومي المحلي ثم ملفه الصحي الكامل، وحركة تنقلاته وأسفاره، تُمكن هذه الرقاقة أن تُقرأ من جهاز استجابة سريعة لتُظهر للجهة المسؤولة كل بيانات الشخص الواقف أمامها، بالإضافة لذلك، ستكون لهذه البيانات الخاصة للفرد رقمًا خاصًا في قاعدة بيانات ثابتة عند الحكومة موزعة للجهات المعنية كوزارة الصحة ووزارة الداخلية أو الأمن والمعلومات إن وجدت ولا يمنع أن تكون كذلك بياناتك عند وزارة السعادة إن وُجدت.

لكن معهد MIT لم يخترع رقاقة في حقيقة الأمر وإنما اخترع وشم “حيّ” يُمكن أن يقرأ الحالة الصحية والتغييرات الكيميائية التي يعاني منها حامل الوشم بجسده، وقد تمّ هذا الاختراع بإشراف كبريات المؤسسات العلمية في الولايات المتحدة الأمريكية في المجال العسكري والتقني، وعلى رأسهم معهد MIT نفسه، ولن يتوقف الباحثون هنالك عند هذه الخطوة بل يطمح الجميع أن يعززوا هذا الاختراع ليكون قادرًا على حفظ وتحميل بيانات الشخص الصحية وبقية معلومات هويته. 2

إن ما يطمح له الباحثون في MIT وهذه المسافة التي قطعوها هي خطوة ضئيلة جدًا فيما يطمح إليه السيد الملياردير إلون مسك صاحب أعظم شركات على المستوى العالمي في كل من مجالات التقنية والفضاء والطاقة، والذي يعد أحد رواد الذكاء الصناعي وتطوره في العالم، إذ ينادي إلون مسك ويسعى إلى تطوير رقاقة توضع بمخ الفرد يُمكنها من قراءة بيانات الفرد وإرسال وتلقي أوامر وبيانات من شبكة الاننترنت3، بهذه الرقاقة يمكن أن نقترب أكثر من خطوة مراقبة الفرد ومعرفة جميع بياناته، سواء كانت رقاقة أو وشم أو مادة يُحقن بها الفرد فلم يعد موضوع إيجاد “شيء” ملتصق أو داخل الإنسان لمعرفة كافة بياناته، فلم يعد ذلك الموضوع حلمًا يُداعب الأدباء في رواياتهم الخيالية، بل صار مجالًا واسعًا للبحث يشغل أكبر مراكز البحث التابعة للدول وكذلك المراكز الربحية الخاصة بل سخرت أكبر الشركات في المجال التكنولوجي مواردها وإمكاناتها لخدمة هذا الغرض الجديد.

ثانيًا:الحياة عن بعد.

يُنادي الجميع اليوم أن التعليم والعمل عن بعد هو الحل، وفي الحقيقة هذه الدعوة ليست جديدة إنما هي دعوة قديمة لمن انتبه وأول من نادى بها كان الاستثنائي والأوحد صانع هذا العالم الجديد السيد مارك زوكربغ حيث قال: أنه يريد إدخال مليار إنسان للعالم الافتراضي. 3

ثم يُجادل مارك بالقول: إن الحياة في العالم الافتراضي هي أسهل وأجمل بكثير من الحياة الواقعية، ويقول: إن ظن أحد أن هذه عزلة فهذا خطأ، إذ يمكن للفرد في العالم الافتراضي أن يلتقي بمن يشاء وقتما شاء دون قيود وحدود الواقع الحقيقي، ويزعم أن الحياة عن بعد هي الطريقة المثلى لحياة البشر، أن يتعلم الشخص ويعمل، بل، ويعرض نفسه على الطبيب عبر الواقع الافتراضي، بارتداء هذه النظارة التي انتشرت حديثًا VR يمكنك حضور المدرسة ومشاهدة المُدرس وهو يشرح المادة ويمكنك رؤية بقية الطلاب، كذلك وتتفاعل معهم وعلى هذه الرؤية يمكنك قياس بقية أنماط الحياة.

ولكن في الجهة الأخرى للمسألة فإن إلون مسك ينبه بخوف وفزع وهلع إلى كارثة إنسانية محتملة قد تُطيح بالجنس البشري وهي تفوق الذكاء الصناعي، ويرى في هذا السياق أن خطر الدمار النووي يتضاءل تماما مع خطر تفوق الذكاء الصناعي4، لكن ما الذي يدفع الون مسك لهذا الفزع من الذكاء الصناعي؟ بل ما علاقة الذكاء الصناعي بالعمل عن بعد؟ لماذا يبدو صاحب هذا المقال أنه يربط أشياء لا علاقة لها ببعضها البعض؟

دعني أجيب عليك من خبرتي الخاصة.. إن العمل عن بعد أو التعلم عن بعد أو دعنا نقل الحياة عن بعد ، مفهوم لا يحده مكان أو زمن، وليس مرتبطًا بتوقيت القاهرة أو ميامي أو طوكيو ، كما أنه غير مرتبط بحدود الدولة المكسيكية أو جزر المالديف، إنما هو مرتبط بشاشة موصولة بشكبة عملاقة تربط الأزمنة والأمكنة في إطار واحد، أنت تتحدث عن ملايين الجهات المسؤولة عن التعليم أو التوظيف في مواجهة مليارية من الأفراد الذين يبحثون عن العمل والعلم ، وفي هذه الحال لا يتصور أن يكون المُنظم لهذه الشبكة موظفون الموارد البشرية أو المدير العام بل سيكون المسؤول عن هذه العملية هو الذكاء الصناعي.

هذا الذكاء الصناعي ليس بشريًا مع أنه يشتمل على عناصر الذكاء البشري ، إذ أنه  ما زال البحث في طبيعة الذكاء الصناعي مستمرا منذ القرن التاسع عشر  وهناك بحث متواصل لتفكيك الذكاء الإنساني لمعرفة كيفية عمله، ومن هذا المنطلق يسعى الباحثون لمعرفة آليات اشتغال الذكاء الصناعي، ثم بعد إتمام هذه العملية يًمكن فصل من هذ الذكاء الجديد الصناعي العناصر غير المرغوب بها بالذكاء البشري، مثال ذلك الذكاء البشري يحمل عاطفة، تُعرف باسم الذكاء العاطفي، وهذا الذكاء العاطفي يقيد الإنسان في كثير من المواقف ويمنعه من اتخاذ قرارات صحيحة علميا ولكن إذا أُزيل هذا العنصر من الذكاء الصناعي فلن تكون هناك اختيارات مبنية على العاطفة الإنسانية، حاول أن تتصور أن الذكاء الصناعي هو ذكاء مادي محض لا ينظر لك باعتبارك كائن له عاطفة يجب أن تراعى، وهذا يشكل مفرمة كبيرة للبشر توجههم على حسب كفاياتهم.

هل تتصور سوبر مان إن لم يكن يملك عاطفة إنسانية؟ هل تصورت كيف ستكون قراراته في إنقاذ هذا الكوكب البائس؟

هذا العنصر هو مثال واحد من العناصر التي يُمكن إزالتها من الذكاء الصناعي، ومع إزالة بعض العناصر من الذكاء الصناعي يمكن إضافة عناصر كذلك ليست إنسانية، فالمتحكم فيه يعرف نسقه وطريقة عمله الخاصة، ومن هذه العناصر أن يكون الذكاء الصناعي يتعامل مع الفرد وأسرته على أنهم حيوانات رقمية لها كفاية وعليها مهام يجب أن تؤدى، شيء يشبه جنود بهيمية، ولكن ما هي هذه الكفاية؟

لقد أجاد المحب للحكمة الدكتور حسن اللحية في مقاله (المدرسة العاهرة)5 في التفصيل في مفهوم الكفايات، لك أن تتصور أسرة صغيرة مكونة من زوج وزوجة وصغير يبلغ ال15، ماذا يفعل هؤلاء في حياتهم عن بعد؟ إن الزوج يملك بطاقة تحمل مبلغ 1000 دولار، إنه مبلغ عظيم، أما الزوجة تملك 250 دولار، والصغير يحمل 100 دولار، هذه هي كفاية هؤلاء، على الأب أن يتعلم عدد من الكورسات والدورات التعليمية عن بعد تُكلفه بعد إضافة خيار “شهادة التخرج” مبلغ 400 دولار، وبالطبع “وحدات” الترفيه مثل تجديد باقة “نتفلكس” على سبيل المثال، و”وحدات” لشحن الكهرباء والمياه والإنترنت، والحياة.

أما الأم فعليها فعل المثل وعليها اقتراض 250 أو 300 دولار من الأب ليكون معها فائض يسير، ربما لوصفة طهي، أو لوحدة موسيقية من منصة Spotify، أما الصغير فإنه ينفق ما معه على تملك الألعاب الرقمية، ما يفعله الأب والأم من تعلم عن بعد هو هدف عظيم ليتمكنوا من تحويل ما تعلموه لمنتجات تصلح لتقديمها على هيئة “وحدات” وظيفية للشركات الكبرى على شبكة الانترنت للحصول على مال إضافي يملؤون به بطاقات كفايتهم.

هذه هي الكفاية ويسبق هذه الكفاية التنسيق والتنظيم للذكاء الصناعي، الذكاء الصناعي هو الذي سيختار لك أفضل دورة تدريبية، سيختار لك أفضل شركة يمكنك البدء بالعمل بها، وسيقوم كذلك بحساب مكسبك من الشركة وما ستفقده من مال ووقت ومجهود أثناء هذه العملية، كما أن الذكاء الصناعي لن ينسى الصغير ذو ال15 ربيعًا فسيختار له أفضل الموسيقى المبنية على اختياراته وبيناته الخاصة بهويته وعمره الخ.

الذكاء الصناعي هو الديانة الجديدة، لا أريد أن أكتب كلمة فيها مبالغة ولكنها حقيقة إنه سيختار لك أفضل شريك وصديق وعادة وعلم ووظيفة وحياة، سيقول لك الذكاء الصناعي:

هل ترغب في اختيار شريك حياتك عن بعد من هذه القائمة المبنية على بياناتك وعلى اختياراتك السابقة، في هذه الاختيارات سيزيل تلقائيا الذكاء الصناعي كل ما يتعلق بديانتك وعرقك وتقاليدك بل يمكن للمتحكم في بيانات الذكاء الصناعي إزالة كل ما يتعلق بالجمع بين الممنوعات أو الكلمات غير اللائقة أو المرفوضة، لا مقاومة لا ثورة لا مواجهة ولا مجال للرفض أو الكراهية أو خطابات عنصرية، بياناتك واختياراتك السابقة الموجهة من الذكاء الصناعي هي الحاكم على اختياراتك الحالية والمستقبلية، في قراءاتك التي عرضت عليك أولا من الذكاء الصناعي وفي الأفلام التي شاهدتها وفي المواضيع التي أثارت إعجابك وفي الدول التي رغبت في السفر إليها وفي الرسومات واللوحات الفنية التي شاهدتها مؤخرًا وفي الوظائف التي شغلتها من قبل وفي الوظائف التي بحثت عنها وفي الكلمات المفتاحية التي تستخدمها للبحث عن المحتويات الجنسية، فما كتبته للبحث عن جسد المرأة وما كتبته المرأة للبحث عن الجنس وما يتعلق بالرجل، وجمع نوع الجنس المبحوث عنه وبين القضايا الأخرى، كالجهاد والحرب على سبيل المثال، حينها تكون النتائج المستقبلية في الجنس تتضمن عُنفًا ودماء أو نتائج الحرب والجهاد تتضمن اغتصابًا وهكذا.

 كل هذه بيانات مرتبطة يقوم على أساسها الذكاء الصناعي الاختيار لك ولكن كيف سيعرف بياناتك السابقة؟ هل نسيت أنك مُراقب؟ بل قامت نتفلكس عام 2009 بوضع جائزة مليون دولار لمن يستطيع تحسين خوارزميتها في جمع بيانات العملاء واستخدامها كمُحسِّن لعروضها وصف الافلام، وتمكن فريق BellKor’s Pragmatic Chaos من تحسين الخوارزمية وبدأت شركات العالم في اتباعها وتحميل البيانات الكبرى للعملاء لذاكرة ومعالجة الذكاء الصناعي.

بهذه الاختيارات التي تشغلك كل يوم، والقرارات التي تُبنى على هذه الاختيارات لن يعود للإنسان معنى ولا لذكائه لأن بوضوح الاختيارات لن تكون إنسانية، “فلترة الأفكار” الإنسانية للحد الأدنى، وهذا ما يبدو جليًا في ظاهرة الMEME وهي أصغر وحدة للفكرة ممكنة لنقل المعنى.  

ثالثًا: بيان السايبورغ وما بعد الإنسان:

ما فائدة أن يكون الكائن الذي يعيش في هذا الزمان، أو زمان ما بعد الكورونا أن يكون إنسانًا؟ لم تعد هناك حدود مكانية أو زمنية أو دولية، لقد صار الإنسان عالميًا، لقد صار الفرد عالميًا في مفهومه والعالم صار فرديًا في مفهومه كذلك؟ فالمرأة المصرية على سبيل المثال بقضيتها الفردية صارت نسخة مُكررة لنساء العالم، هي قضايا واحدة، نعم بها اختلاف ولكنها قضايا واحدة، قسم عظيم “عالمي” مع النسوية وقسم أعظم ضدها، لم تعد قضايا الفرد داخل دولته أو مكانه أو زمانه خاصة.

وهل يهم حقًا أن يكون ما وراء الشاشة ذكر لو كان رجلًا او أن يكون رجلًا لو كان ذكرًا والعكس صحيح، ما الفارق إن كان رجلًا ويحمل هوية أنثى، وماذا لو كانت أنثى تحمل هوية رجل، ماذا لو اختلطت الجندرات، ماذا لو اختلطت الأجناس، ماذا لو كانت المرأة وراء الشاشة كائن فضائي؟ الن يكون للجميع أفاتاره الخاص الذي يحمل هويته؟ دعني أنقل لك هذا المقطع من على موقع (ويكي الجندر)6

“منذ وقت ليس بالقصير سرت إشاعات عن أن عصر الإنسان قد سلم مقاليده إلى عصر ما بعد الإنسان. ليس الأمر أن الإنسان قد مات، ولكن الإنسان بوصفه مفهوما قد تطور درجة أو درجات. فالإنسان ليس نهاية الطريق، إذ يبزغ من خلفه السايبورغ: الكائن الهجين المخلوق من تزاوج الكائن البيولوجي والآلية السايبرنيتيكية. وفي حين أنه من الممكن أن تنظر إلى الإنسان بوصفه ظاهرة طبيعية بلغت النضج بوصفها نوعا من خلال الانتقاء الطبيعي والتطور الجيني التلقائي، فإنه لا مكان لهذه الأوهام في السايبورغ، ذلك أنه كائن مركب منذ البداية: كائن تكنولوجي يجمع ثنائية الطبيعي واللا-طبيعي المولود والمصنوع”

إن بيان السايبورغ يعود لدونا هاراوي أستاذة تاريخ الوعي بجامعة كالفيرونا وقد كتبت كتابها (بيان السايبورغ) عام 1984، حيث ترى هاراواي أن السايبورغ (اندماج الإنسان والآلة) هو صيغة أدبية أو فكرية لهدم تلك الثنائية الهشة أو المضطربة (ذكر وأنثى) فعلى حسب هاراوي أن الأنثى إن تمكنت من الفضاء الالكتروني فلن يكون للجنس حينها أي قيمة، يمكنها أن تكون ماترغب أن تكون، لا حدود في هذا الفضاء بين الإنسان والآلة، بل لا حدود بين الإنسان والحيوان، يمكنك أن تكون قطًا جميلًا يمشي بين الناس في واقع الافتراضي يحمل بطاقة مليارية للكفايات ويعيش كنجم للمجتمع أو يمكنك أن تكون روبوتًا مريضًا مسكينًا لا تجد لك عملًا في هذ الفضاء ولا تملك بطاقة كفاية فقط حظك جيد لتكون في بلد تقدم لك خدمة مجانية للولوج للانترنت.

عام 2018 ظهر أعظم المتأثرين بهذه الرؤية لهارواي وكانت شركة غوتشي Gucci الإيطالية حيث أقامت حدث لعرض الأزياء قُدمت فيه العارضات يلبسن رؤوس غريبة ليست إنسانية وعلى ذلك صرح القائم على هذا الحدث أن هذه نظرة تحرر المرأة أو الإنسان أن يكون مقيدًا بجنس أو بهوية تعود لقاعدة إنسانية، أن تكون كائنًا بلا حدود. 7

في النهاية لم أرغب في كتابة هذه المقالة ولكن لم أستطع منع نفسي ولا أرغب هنا إلا أن أقول الأتي:

إن القضية ليست قضيتك “أنت”، القضية هي قضية الأجيال القادمة، دعك من البحث عن الشهرة والمال، وإن كنت رجلًا، شيخًا، عالمًا، مثقفًا، فيلسوفًا دعك من البحث عن النساء والشهرة بين الأقران، وإن كنتِ امرأة ألق عنك البحث عن الآمان العاطفي والاحتواء من الذكر والبيت الهادئ الواسع، نحن في أزمة كُبرى ليست بسبب الكورونا ولكننا أمام كارثة إنسانية ولنا أبناء ضعفاء ولبعضنا أتباع تائهون وأخرون يبحثون عن الحق الذي لا نملكه، فعلينا أن نبحث فيما هو أت وأن ندع عنا خرافات السينما الأمريكية والأنساق الفلسفية التي تُرى واسعة لأقوال فيتجنشتين ونيتشة وكانط لأن هذه الأنساق هي دوائر ضيقة ومغلقة بعيدة عن جوهر الدين والأخلاق البسيطة غير المركبة، إن كنت باحثًا حقًا ستعرف معنى كلمة بسيط، وستعرف معنى نبوة ونبوءة وآلهة وإله واحد ومعتقد وإنسان.

لكن ما علاقة أن يكون الإنسان خنزيرًا بهذا كله؟ العلاقة أن ما انتهى له غوتشي من مجرد عرض للأزياء وما سبقت به هارواي أن يكون تحويل لجنس الإنسان في الفضاء التكنولوجي والافتراضي صار سعي عنيف للمجال البيولوجي في إمكانية زرع وتحويل أعضاء الإنسان للحيوان والعكس بحيث أنه سيكون هناك لزامًا في العصر القادم تشوش بشع وعنيف لمفهوم وماهية (الإنسان) ستكون هناك أسئلة في مجال الفلسفة والطب تقول: ماهو الإنسان إن استطعنا في المجال العسكري من دمج هذا الكائن العضوي بأطراف مسلحة آلية معدنية وصار سايبورغ أو نصف إنسان ونصف آلة؟ ثم ما معنى الإنسان بعد أن استطاع مركز للأبحاث البيولوجية في الصين من تحويل أول إنسان لخنزير بناء على طلب العميل؟8، إنه مفهوم جديد للإنسان بل إنه مفهوم جديد تمامًا للبيولوجي إنه بداية ثورية لفهم الخلق من منظور يحكم فيه. …..الإنسان.

 إن الإنسان يريد أن يخلق شيئًا جديدًا، بالطبع فيما أرى كما يحسبني الكثير مُخطئًا أنها ليست بالطبع صناعة إنسان في مواجهة إله، وفيما أعرف وأعتقد أن الإنسان لا يحب مواجهة الإله إلا أن يكون الشيطان هو الدافع، الشيطان هو الذي عُرف بمواجهته لصناعة الإله وخلقه أما الإنسان فما عهدته وما عرفته إلا ضعيفًا مستكينًا مهما تجبر فإنه يعرف أنه لا يستطيع الخلق.

في كل الأحوال كدت أن أنسى، إن الإنسان في حياته عن بعد ستكون له ثلاثة لوازم في الواقع الافتراضي وهي الآتي:

1- هوية خاصة = أفاتار أو هوية الكترونية.

2- أملاك مادية وافتراضية = سيارة حقيقية وبيت افتراضي يسكن به في موقع ما أو ربما أحد الجزر الخ.

3- مُنتجات فكرية أو مادية أو افتراضية، كتمثال الكتروني رقمي نحته فنان أو لوحة الخ.

كيف تستطيع أن تثبت هويتك وأملاكك ومنتجاتك؟ كيف تثبت أن هذا القط أو الخنزير أو الكائن الفضائي الذي يملك “س” وأنتج “ص” هو أنت؟

الأمر يسير فقد قامت روسيا و(الصين) بتسخير جهود جبارة ووضعت اقتصاد ملياري في صناعة تقنية حديثة تقوم بحفظ الهويات الثلاثة السابقة، متى حدث هذا كله؟

حدث ذلك قبل انتشار الفيروس غير المُصنع أو المُخلق بسنوات عدة وصارت هذه الشركة تُعرف باسم (ماوراء الكون) شركة METAVERSE9.

إن كل ما سبق يخص الذين يقرؤون والمتعلمين ولو تعليم متدني فماذا عن الطبقات الشعبية؟

إن كنت أستطيع وضع ابتسامة هنا فسأفعل، J إن كل الخارجين عن هذه المنظومة الجديدة لا تخصك إن كنت تقرأ هذه المقالة، إنهم يخصون صانعي المخدرات وموزعيها ومهربين الاسلحة والذين يبنون البنية التحتية للمجتمعات، إنها تخص من يرتبط بحياة الشارع، وهؤلاء سيكونون في المستقبل يعيشون كأشباح لا حياة ممكنة لهم إلا بليل لأداء مهام مُحددة، فلن تكون هناك مصانع تحتاج لعمال ولن يكون هناك حرفيون، سيكون هناك مرضى، ومجرمون محتملون ومشردون من الشباب والفتيات الذين لا يقدر ذويهم على إعالتهم، بل سيأتي نظام جديد لا يستطيع فيه من أنجن تخطي سنين الرعاية الأولى لأبناءه وبعد تمامهم السنة ال7 لا يُسأل عنهم أحد، إما أن يدوروا في كورسات التطوير الذاتي المسؤول عنها الذكاء الصناعي وإلا فالشارع والجريمة المحتملة، والسلام.

 

مقالات أخرى

أيّ نموذج إيتيقي للإنسانيّة المعاصرة

معطّلات الفهم في الشعر العربي المعاصر

شعريّة اللّباس

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد