ملخّص:
يهدف هذا البحث إلى تغطية النّقص الحاصل في دراسة التّقاليد السّرديّة العربيّة، بعد أن توجّه نقدنا العربيّ المعاصر وبشكل قويّ نحو الدّراسات البنيويّة وما بعد البنيويّة، فلم يولِ التّقاليد أهمّيّة لأنّ دراستها تحتاج منه تعدّدا في التّخصّصات يجمع بين الأدب والفلسفة والتّاريخ وعلوم الاجتماع ومجموعة أخرى متنوّعة من العلوم الإنسانيّة، وكذلك نزعته الاتّباعيّة للنّقد الغربيّ وما تفرضه المناهج النّقديّة من توجيه الجهد الفكريّ نحو جزئيّات إبداعيّة لا تغطّي ما في المرويّات العربيّة القديمة من كلّيّة معرفيّة.
الكلمات المفتاحيّة: التّقاليد، الرّواية، السّرد، القديم، اللّاواقعيّة.
Abstract:
This research aims to cover the deficiency in the study of Arab narrative traditions, after our contemporary Arab criticism was strongly directed towards structural and post-structural studies. It did not give importance to the traditions, because studying it requires a multiplicity of disciplines that combines literature, philosophy, history, social sciences, and a variety of other human sciences, as well as the Arab critic’s following of Western criticism and its critical approaches what require of directing intellectual effort toward creative details that do not cover the totality of knowledge in ancient Arabic narratives.
Keywords: ancient, narrative, novel, non-realism, traditions.
1- مقدّمة:
من البديهيّ القول إنّ لكلّ أمر تقاليده الّتي صنعتها جهود من أبدعوها وانتقلت منهم إلى غيرهم وشاعت عبر الأجيال، فكان كلّ جيل أو أكثر يبتدع نظاما معيّنا جرّاء عمليّة تمثّل تلك التّقاليد. وما من ابتداع لنظام سرديّ إلّا بعد استقرار تقاليده النّاجمة عن سلسلة مخاضات معقّدة وشائكة، وكلّما كان رسوخ التّقاليد أقوى، غدا التّنوّع في الأنظمة متحقّقا بفاعليّة يصعب التّحرّر منها.
والسّرد، قبل أن يكون له نظامه الخاصّ، هو فنّ أدبيّ ونشاط عقليّ، مادّته اللّغة ووسيلته الخيال. ووجود نظام سرديّ يعني أنّ هناك تراكمات من التجارب بين الّذين ابتدعوا ورسّخوا والّذين قلّدوا وابتكروا. وليست هذه التّراكمات سوى تقاليد سرديّة يستوعبها الكاتب ضمنيّا فيُخضِع موضوعه لها فنّيّا، في أشكال سرديّة لها عناصرها الّتي فيها يتمثّل النّظام السّرديّ. وبالاستناد إلى فاعليّتي الاستيعاب والتّمثيل يكون المؤلّف/ القاصّ فاعلا على مستويين: الأوّل وظيفيّ ويتمثّل في البناء التّخييليّ للعناصر السّرديّة والثّاني مرجعيّ ويتمثّل في اتّباع التّقاليد وتوظيف النّظام.
وقد اهتمّ المنظّرون الغربيّون بالمستوى الأوّل للمؤلّف، وافترضوا أنّ المستوى الثّاني ليس مهمّا نسبيّا؛ إمّا اعتدادا بالنّصّ أو بالقارئ أو خشية من أن يؤدّي البحث في المرجعيّات إلى الوقوع على تقاليد تعود أصولها وتراكمات أنظمتها إلى حضارة غير حضارتهم وإرث غير إرثهم. وقد قلّل نقّاد النّظريّة الأدبيّة من أهمّيّة التّنقيب عن المرجعيّات، ثمّ جاءت النّظريّة السّرديّة ورفضت الرّبط بين حياة الأديب وأدبه وعدّت الأدب نتاجا متحرّرا من صانعه، واهتمّت بجماليّات النّصّ. وحدّدت النّظريّات ما بعد البنيويّة موقع المؤلّف والسّارد والقارئ وميكانيزمات النّظام السّرديّ دون اهتمام مماثل بمرجعيّات هذه الميكانيزمات ومظانّها، فبدا النّظام السّرديّ عائما بإطلاقيّة لا زمان لها ولا مكان، لكنّ ذلك كلّه لم يلغ حقيقة كون الإبداع الأدبيّ نتاج تجربة فرديّة، اتّبع صاحبها في التّعبير عنها مسارات معيّنة فنّيّة وموضوعيّة ضمن مرحلة تاريخيّة ما.
وعلى الرّغم من وجود سعي إلى وضع موسوعات في كبريات الجامعات الغربيّة تجمع التّقاليد السّرديّة العالميّة عبر مراحل تاريخيّة محدّدة، معرِّفة الدّارسين والباحثين بها، فقد اقتصر ذاك السّعي على ما أنتجه الأدباء في العصور الحديثة مع النّظر إلى تقاليد الأدبين اليونانيّ والرّومانيّ وغضّ النّظر عن تقاليد آداب الشّرق القديم وحضاراته الغابرة، وما في تلك الآداب من روائع المرويّات الّتي هي نماذج لتراكمات تقاليد سرديّة تركت أثرها في الأدب الإنسانيّ سردا وشعرا وعلى اختلاف مراحله. ولقد امتلك الأدب العربيّ تقاليده الّتي كوّنها جرّاء ما انتقل إلى لغته من حكايات وأساطير أمم وحضارات قديمة محاذية وما ترجم إليه، في ما بعد، من قصص الأمم المجاورة.
ولم يوجّه منظّرو الأدب اهتماماتهم النّقديّة والمعرفيّة سواء في المحصّلات أو الكشوفات إلّا لما ينفع توجّهاتهم ويخدم طموحاتهم الّتي تصبّ بمجموعها في صالح تفوّق العقل الغربيّ وتقدّمه الحضاريّ الاستعماريّ، وما يدعم جدارته العلميّة ويعزّز هيمنته العالميّة السّياسيّة والاقتصاديّة على ميادين الحياة والمعرفة كلّها، فكان استعلاء هؤلاء المنظّرين طبيعيّا كما صار خنوع غيرهم وتبعيّته لهم طبيعيّا أيضا. لم يقرّ أغلب المنظّرين بما للآداب الشّرقيّة والأدب العربيّ من إنجازات إلّا بقولبتها في إطار نقديّ مقارن أو استشراقيّ كولونياليّ يبحث في التّأثّر والتّأثير وليس في التّأصيل والتّقليد.
وفي مقدّمة كشوفات الغربيّين النّقديّة عدّت الرّواية اختراعا أوروبيّا محضاً، نشأ في القرن الثّامن عشر وصُنعت أصوله من تلقاء نفسها، وفي نيف من العقود بدأت مع (دون كيخوته) و(روبنسون كروزو)، فلا تطوّرات حصلت ولا تحوّلات ساهمت في هذه النّشأة سوى ما كان لآداب اليونان والرّومان من تأثيرات في السّرد الأوربيّ.
وسعى منظّرو الرّواية إلى فرض أفكارهم عبر البحث عن تأصيل أدبيّ لهذا الجنس من دون تتبّع تاريخ السّرد القديم الّذي يعود إلى آلاف السّنين، وبغيتهم هي الإبقاء على فكرة أنّ الرّواية كتابة أدبيّة جديدة عرفها الأديب الأوربيّ وبلغ بها مرتبة التّجنيس دون مرور بمرحلة مخاض أو احتكاك بتقاليد السّرد العربيّ القديم الّذي كان لصيقا بأدبهم وأحد الأسباب في نهضتهم التّنويريّة الّتي أخرجتهم من ظلام العصور الوسطى. ولكن كيف يمكن لكتابة لم يمض على التّجريب في قالبها وقت كاف أن تصير فجأة، جنسا مستقلّا له أصول خاصّة وقواعد محدّدة؟!
نسعى إلى الإجابة على هذا التّساؤل متتبّعين تقاليد السّرد العربيّ القديم وما مرّ به من نشأة وتحوّل ثمّ رسوخ، محدّدين الكيفيّات الّتي انتقلت بها هذه التّقاليد إلى السّرد الأوربيّ فتغلغلت فيه، وما طرأ عليها من تحوّل بعد ظهور جنس الرّواية، ثمّ ما قام به منظّرو السّرد الرّوائيّ من تفسيرات وما قدّموه من مفاهيم، وجّهوا بها هذا التّجنيس توجيها نقديّا خاصّا بدءا من مطلع القرن العشرين وانتهاءً عند العقدين الأوّلين من القرن الحادي والعشرين، ويتوزّع هؤلاء المنظّرون بين ثلاث فئات نقديّة هي: فئة منظّري الرّواية وفئة منظّري النّظريّة السّرديّة وفئة منظّري علم السّرد.
2- التّقاليد السّرديّة وصور مشاعيّتها:
التّقاليد هي مجموعة ممارسات تحكمها قواعد ذات طابع طقسيّ أو رمزيّ، وتكون مقبولة علنا أو ضمنيّا، وتسعى إلى غرس قيم ومعايير سلوكيّة معيّنة من خلال التّكرار وهو ما يعني التّواصل مع الماضي[1]. ولا مراء في أنّ السّمة المهمّة في أيّ تقليد هي حاجته إلى زمن طويل كي يكون تكراره معتادا، دالّا على ماض نشأ فيه وحاضر هو في حالة استعادة للنّشأة باستمرار. وما بين الماضي والحاضر يفرض التّقليد ممارساته بصفة عامّة، وعلى الرّغم من تكراريّة التّقليد فإنّه يتّسم بالمرونة ممّا يسمح بالتّغيير أو التّطوير فيه. والتّقليد ليس هو العرف الّذي يتّسم بالصّلابة فيفرض في تكرار ممارسته العادة والاعتياد وبثبات ورتابة وبيروقراطية. ومن هنا لا تبقى الأعراف على كفاءتها طويلا إذ قد تتحجّر بمجرّد تبدّل الظّروف سلبا أو إيجابا فيصبح تبديلها أمرا واجبا[2].
وفي الأدب تقاليد جرت ممارستها بعد غرس وإنماء طويلين في القاعدة الّتي تنشأ من خلالها التّقاليد وتتكرّر باستمرار متكيّفة مع الظّروف، فيكون التّمسّك بها غير حائل عن إدخال التّحسين أو التّطوير عليها لكن من دون قلعها وإبدالها بغيرها حتّى وإن تغيّرت القاعدة أو تخلخلت.
واستقصاء التّقاليد والتّمسك بها هو ما يبحث عنه المؤرّخون المعاصرون، والسّبب علاقتها الوثقى بمفهوم الأمّة وما يرتبط بها من مفاهيم مثل: القوميّة والدّولة والرّموز الوطنيّة والتّاريخ[3].
وإذا طبّقنا هذا التّحديد الإبستمولوجيّ لمفهوم التّمسّك بالتّقاليد على السّرد، سنجد أنّه كان قد تحقّق من أوّل عمليّة إبداع سرديّ جرت كطقس جماعيّ ومارسها الحكّاء في العصور الغابرة. واستمرّ القصّاصون عبر الأجيال يكرّرون الطّقس ضمن المنظومة المجتمعيّة نفسها أو خارجها. وليس التّكرار سوى دليل على وجود تواصل بين مؤسّس التّقليد ومن يمارسه. وهذا التّواصل هو أمر طبيعيّ يكسب الممارسة السّرديّة شرعيّتها ويزيد في تماسكها، وكما أنّه لا قطيعة في ممارسة التّقليد فكذلك لا قطيعة في تاريخ السّرد الإنسانيّ عبر العصور وعلى اختلاف الجغرافيّات.
وإذا كانت (العقود الثّلاثون أو الأربعون الّتي سبقت الحرب العالميّة الأولى، فترة نشاط محموم ومثر في نشأة التّقاليد… الفترة الأخصب على الإطلاق في نشأة التّقاليد… كان ثمّة نشاط ملحوظ في العديد من البلدان لإرساء تقاليد جديدة لمختلف الأغراض)[4]، لذلك لن نستغرب اهتمام منظّري السّرد في الغرب[5] بتأصيل الرّواية جنسا نشأ أوروبيّا بلا مقدّمات أو صيرورات وبقالب واضح الحدود والعناصر والوظائف والسّمات وله قواعده السّرديّة الجديدة.
تأتي أهمّيّة التّقاليد من كونها خلاصة تراكمات تولّدت ونمت ونضجت حتّى صارت مولّدة لكلّ ما هو إنتاجيّ وإبداعي، ولكن من حسنات التّقاليد أنّ التّأثّر والتّأثير غير مهمّين فيها كما أنّه لا وجود لأيّة محدّدات عرقيّة أو لغويّة أو ثقافيّة يمكن أن تطبعها أو تظهر عليها نظرا لاضمحلال أيّة خصوصيّة فيها ولعموميّتها النّفعيّة وشموليّتها الإنسانيّة، ومن ثمّ لا تكون في التّقاليد أيّة موانع تاريخيّة أو حدود جغرافيّة تحول دون انتقالها وتطويرها.
فانتقلت تقاليد الأدب العربيّ القديم إلى آداب الأمم المجاورة بصورة فعّالة وبمشاعية فكريّة، وكان انتقال تقاليده قد تقيّدبالوزن والقافية ممّا اقتضى من اللّغة المنقولة إليها أن تطوّع قواعدها اللّغويّة والصّوتيّة بطريقة تتقارب إلى حدّ معقول مع تلك التّقاليد، وهو ما قام به الشّعراء الجوّالون في إسبانيا فنظّموا شعرهم الغنائيّ المسمّى “التّروبادور” باللّغة العامّيّة في شكل مقطوعات ذات طابع قصصيّ ورومانسيّ مغنّى وعلى وفق ما انتقل إليهم من تقاليد القصيدة العربيّة، بيد أنّ عمليّة انتقال تقاليد السّرد العربيّ كانت أسهل بكثير من تقاليد الشّعر، لا بسبب انتفاء الشّروط الصّوتية فحسب، بل هو أيضا ما وصلت إليه القصّة العربيّة في تمسّكها بتلك التّقاليد من اكتمال أجناسيّ من ناحيتيْ وحدة القالب وتكامل عناصر البناء.
فهل يكون غريبا بعد ذلك القول إنّ السّرد الأوربيّ الحديث وريث من ورثاء السّرد الشّرقيّ عامّة والسّرد العربيّ خاصّة؟ بالطّبع هذا القول ليس بغريب بالنّسبة إلى منظّري هذا السّرد من الغربيّين وغيرهم، فهم يعلمون أنّه في أواخر العصور الوسطى حصلت عمليّة نقل معرفيّ غير مسبوقة لكثير من مظاهر الحضارة العربيّة الفكريّة والثّقافيّة والسّرديّة من شبه الجزيرة الإييبريّة إلى حدود أوربا كلّها. وبمرور الزّمان طرأت تغييرات على هذه المنقولات ولاسيما المنقولات السّرديّة نصوصا كانت أم مظاهر أم أساليب أم أشكالا، فتحوّلت من كونها إرثا مشاعا لحضارة آفلة إلى أن تكون تقاليد خاصّة صنعتها حضارة حديثة، فرضت وما زالت تفرض هيمنتها على مختلف المجالات الحياتيّة الحديثة والمعاصرة، مطوّعة كلّ أمر تاريخيّ أو معرفيّ لصالحها. وفي ما يأتي تحديد لأهمّ صور مشاعيّة تقاليد السّرد العربيّ القديم:
3- التّأليف الجماعيّ:
التّغاضي عن نسبة القصّة إلى مؤلّفها أمر اعتاده الحكّاء القديم على الصّعيدين الشّفويّ والكتابيّ: فأمّا الشّفويّ، فلشعبيّة وظيفة القصّ الّتي كان بها الحكّاء معلّما ذا دور تعليميّ وتوجيهيّ لا يأبه لذكر اسمه بشكل مقصود أو غير مقصود، بل هو مجهول كأسلافه. وفي ذلك توكيد لصلة السّرد بالهامش التّحتيّ في حياة البشر وتدليل على مشاعيّة السّرد فلا هويّة له ولا طبقيّة ولا فرديّة، فيغدو القصّ طقسا جماعيّا مستمرّ الإبداع. وهكذا كان الحكّاؤون يسردون مرويّاتهم وهم (يشعرون أنّ بوسعهم، بل من واجبهم أن يعاملوها على أنّها منهم ولهم فلا بأس أن يضاف إليها بيت يزيد من حدّة التّوتّر الشّعريّ)[6].
وبسبب هذا التّغافل عن نسبة القصّة إلى راويها فقد احتملت القصّة الواحدة عدّة روايات، وكان عليها أن توسّع سردها بالإضافة أو الحذف أو التّكرار، وفي ذلك غنى وتحسين حتّى تترسّخ وتكون عصيّة على النّسيان كما في حكايات (ألف ليلة وليلة) الّتي ظلّت تتناقل شفويّا وشعبيّا حتّى تعدّدت حكاياتها عبر الأجيال، وكثر تخريجها دون أن تكون ممهورة بقاصّ عربيّ معيّن، ولهذا عرفها الغربيّون باسم اللّيالي العربيّة ولم يؤثّر ازدهار الحياة العربيّة في العصور الإسلاميّة في مشاعيّة السّرد الشّفويّ في مشرق البلاد ومغربها بل استمرت مشاعيّة التّأليف وغدت تقليدا يسمح بالتّحوير في الحكايات والقصص.
أمّا على مستوى كتابة القصص، فإنّ ذكر اسم المؤلّف لا يعني نسبة القصّة إليه بل هو حكّاء مهمّته النّقل بمشاعيّة عن شخصيّات يعدّها هي المؤلّفة ويعطيها أسماء عامّة غير محدّدة كتبعة من تبعات التّأثّر بمشاعيّة الحكي الشّفويّ وتماشيا مع الرّوح الجماعيّة للسّرد المعبّرة عن الإنسانيّة فلا فرديّة ولا طبقيّة ولا طوابع قوميّة.
وحين انتقلت قصص “كليلة ودمنة” و”رسالة الغفران” والسّير النّبويّة والشّعبيّة وقصص الرّحلات والقصّ الفلسفيّ كقصّة “حيّ بن يقظان” إلى الأدب الأوروبيّ كانت عمليّة تمثّلها تتبع هذا التّقليد شفويّا وكتابيّا أيضا، وهو ما سهّل عمليتي تمثّل تقاليد السّرد العربيّ ونقلها إلى الأدبين الإيطاليّ والإسبانيّ وأعطى للقاصّ الأوروبيّ حرّيّة التّصرّف في سرد القصص العربيّ.
والمفارقة أنّه مع استمرار تمثّل تقاليد السّرد بمشاعيّة، فإنّ عمليّة التّمثّل تخصّصت، فصارت للمؤلّف ملكيّته الفكريّة فلا يجوز التّصرّف في سرده وعليه أن يعبّر عن روح العصر الحضاريّة بطبقيّة وفرديّة، فغدت الرّواية معبّرة عن وجهة نظر مؤلّفها وشعوره الخاصّ ورأيه وموقفه الشّخصيّين ودوافعه وخصوصيّة وعيه.
4- النّزوع الوجدانيّ:
يعدّ السّرد العربيّ فنّا وجدانيّا ونزوعه الرّومانسيّ جزء من مشاعيّته وتقاليده، وما تبلور هذا النّزوع إلّا من جرّاء تأثّره بما في الحكاية الخرافيّة والأساطير وأخبار الماضين من عواطف وأهواء جسديّة وروحيّة، فكان القاصّ يضمِّن سرده أشعارا غزليّة أو يرسم مشاهد رومانسيّة، لا للتّشويق وإنّما لكشف الأسرار والتّنفّس عن المكبوتات الّتي لا يمكن الجهر بالتّعبير عنها علانية إلّا بالإبداع الأدبيّ سردا وشعرا. وبتمازج المشاعيّة بالوجدانيّة غدت الحكايات والقصص منتظمة في ذاكرة جمعيّة لا واعية لكنّها ثريّة ومتنوّعة وقويّة، فتخطّت حدود المحظور وتجاوزت نطاق الزّمان والمكان.
ولقد اتّبع أدباء البيكاريسكفي هذه التّقاليد في ما نظموه من قصص الشّطّار والرّعاة، ومنهم انتقلت إلى السّرد الأوروبيّ فبدت واضحة بالنّسبة إلى قصّاصي القرنين السّابع عشر والثّامن عشر، الّذين أعجبوا بما في تلك التّقاليد من صيغ وأساليب تستمدّ من القاعدة اللّاواقعيّة صورا ومشاهدات لم يعهدوها في مرويّات الأدبين اليونانيّ والرّومانيّ، وهو ما جعلهم يتلقّفون هذه النّزعة ويؤلّفون على غرارها قصصا رومانسيّة لاسيما في أواخر العصور الوسطى حين كان العرب لا يزالون يحكمون شبه الجزيرة الإيبيريّة، لكنّ الأمر اختلف مع اكتشاف الأمريكيّتين ونشاط حركة التّرجمة واختراع الطّباعة والتّطوّر العلميّ في أوروبا، لذلك تقلّصت النّزعة الوجدانيّة وحلّت محلّها النّزعة الواقعيّة والوعي الطّبقيّ فأخذت القصص تتزايد في واقعيّتها ويمتدّ طولها تدريجيّا لكنّ القاعدة الّتي هي اللّاواقعيّة ظلّت عاملة وبقوّة في السّرد الأوروبيّ بدءا من (دون كيخوته) و(روبنسون كروزو).
5- القاعدة الكلّيّة:
تجعل صلابة قاعدة (اللّاواقعيّة) تقاليد السّرد العربيّ منتقلة بمشاعيّة تتأتّى من أنّ السّرد نفسه نشاط مشاعيّ كأساس من أساسيّات الحياة، ومنذ الأزل ومبدعو المرويّات في الآداب القديمة يتفنّنون في ممارسة صيغ تستمدّ قوّتها من اللّاواقعيّة حتّى ترسّخت وصارت قاعدة سرديّة، فخرجت من السّرد اللّاواقعيّ مختلف المعارف الأوّليّة للبشر ومن بعد ذلك صارت علوما وفنونا وآدابا. ولم الواقعيّة على اختلاف صورها خليفة اللّاواقعيّة، فقط لأنّ اللّاواقعيّة أوسع من أن تكون هي التّاريخ أو الفلسفة أو اللّغة، وهي مع سعتها وصلابتها منفتحة حدّ البساطة وعميقة حدّ الوضوح تماما كالنّافذة المفتوحة الّتي نرى من خلالها كلّ الأشياء على اختلافها واختلاف تحوّلاتها بينما النّافذة مستقرّة على حالها لا تتبدّل أو تتغيّر.
وإذا كانت اللّاواقعيّة هي النّافذة، فإنّ التّقاليد هي هذه الإشعاعات البصريّة الّتي تتحوّل بالعين المبصرة إلى مشاهدات. ومهما تغيّرت تقاليد النّظر، فلن يؤثّر ذلك على النّافدة/ اللّاواقعيّة تماما كما التّقاليد الّتي -وإن تغيّرت أنظمة ممارستها لا يعني ذلك موتها أو تلاشيها.
هذا هو دور القاعدة وهذه هي فاعليّة التّقاليد، وصحيح أنّ السّرد صنيعة النّظام لكن النّظام صنيعة تقاليد لها قاعدة انطلقت منها. ومن يقف عند النّظام تحليلا وفحصا ويخصّص للنّصّ موقعا ويضع فيه نظريات فعليه أيضا أن ينظر في ما يجعل من النّشاط السّرديّ نظاما، أي الكيفيّة الّتي عليها يقوم النّظام ويرسّخ. وبوجوب اللّاواقعيّة قاعدة، يكون السّؤال عن التّقاليد ملحّا من ناحية الأسباب والنّتائج والمرجعيّات والوظائف فالنّصّ ليس صنيعة مؤلّفه فحسب، بل هو أيضا صنيعة تقاليد عليها قام النّظام، وأبدع من خلاله المؤلّف نصّه.
6- القالب التّامّ:
ما كان للقصّة العربيّة أن تملك قالبها الأجناسيّ إلّا بعد زمن طويل من عمليّة ممارسة السّرد واِتّبّاع تقاليده. وإذا كانت القاعدة لاواقعيّة، فإنّ الواقعيّة هي في تمثّل التّقاليد الّتي بها يتخلّق المستحيل واللّامعقول ويصبح ممكنا ومعقولا. وباستمرار هذه العمليّة صارت النّزعة الواقعيّة تقليدا وصارت القصّة واضحة في عناصرها وأبعاد قالبها. واتّبع السّرد الأوروبيّ تقاليد السّرد العربيّ لأكثر من قرنين، فيهما كانت القاعدة لاواقعيّة حتّى غدا للقصّة الأوروبيّة قالبها أيضا ثمّ أدخل الكتّاب بعض التّغييرات، ومنها إطالة حجم هذه القصّة فسُمّيت (رومان Roman) بعد أن اتّسع القالب لأحداث أكثر وشخصيّات تختلف في أدوارها رئيسة وثانويّة. وفي القرن الثّامن عشر بانت حدود قالب جديد من النّاحيتين الفنّيّة والموضوعيّة هو (الرّواية Novel) الّتي غدت جنسا مستقلّا.
وما كان للرّوائيّين الفرنسيّين والإنجليز والرّوس والألمان أن يحوّروا قالب القصّة العربيّة إلّا لمشاعيّة التّقاليد السّرديّة العربيّة الّتي استمرّ العمل عليها حرفيّا أو بالتّطوير حتّى بعد إعلان الرّواية جنسا أدبيّا وذلك من ناحية اتّجاهاتها الدّاخليّة وتفحص (ليس فقط المنابع الرّمزيّة والأسطوريّة للخيال الرّوائيّ ولكن تعقيدات وقلق الوعي الإبداعيّ)[7]، ويبني السّرد الغربيّ الحديث على تقاليد السّرد العربيّ أساليبا وصيغا جديدة لا اختلاف فيها على القاعدة الّتي هي لاواقعيّة.
وبالاستناد إلى قالب القصّة وتقاليد بنائها، لا يكون غريبا ظهور قالب الرّواية كجنس سرديّ وريث للقصّة العربيّة، مثلما لا غرابة في أن تكون الرّواية الأوروبيّة والقصّة العربيّة وريثتي الملحمة الّتي هي في الأساس وريثة الحكاية الخرافيّة الّتي تفرّعت منها كلّ قوالب الأدب وأجناسه لاسيما الأنواع الكبرى الثّلاثة الّتي تحدّث عنها أرسطو وهي: الدّراميّ والغنائيّ والملحميّ.
وليس لإعلان الرّواية جنسا أوروبيّا أن يقضي على رسوخ كلّ تقليد من تقاليد السّرد القديم الّتي وإن جرت عليها عمليّات التّطوير والتّغيير، فإنّها تبقى على أصالتها وفي قوّتها وثرائها. وما أن أخذ الرّوائيّون يتطلّعون إلى الواقعيّة أساسا في كتابة الرّواية وجزءا من بنيتها حتّى دخلت في أزمة[8] وعمرها لم يتجاوز المئة ونيفا من الأعوام، علما أنّ الأزمة كانت بادية منذ أن أعلنت الرّواية عن نفسها جنسا يسعى إلى أن يكون ذا قالب مختلف عن القصّة العربيّة. ويصف هنري جيمس هذا السّعي بالوعي، يقول: ( لقد وصلت الرّواية إلى وعي ذاتها متأخّرة ولكنّها بذلت كلّ ما في جهدها منذ ذلك الحين لتعويض الفرص الضّائعة)[9].
قد تتعدّد الأسباب الّتي تقصد الرّواية الأوروبيّة امتلاك قالبها الخاصّ والاهتمام بالتّركيز على النّزعة الواقعيّة فيها لكنّ ذلك تطلّب منها وقتا طويلا كي ترسّخ أجناسيّتها، ومن ثمّ تتمكّن من بناء تقاليدها بعيدا عن تقاليد سرد عمره ضارب في القدم. ولأنّ الوقت ما زال مبكّرا على ذلك كلّه، كانت النّتيجة مخيّبة للآمال وذلك بوقوع الرّواية في أزمة واقعيّتها لكنّها أيضا كانت سببا في نشاط الحركة النّقديّة في الغرب فكثر منظّرو الرّواية ونقّاد الواقعيّة بالقياس إلى منظّري القصّة القصيرة والأنواع السّرديّة الأخرى. وليس غريبا أن يكونوا غير مهتمّين، في كلّ ما كتبوه عن واقعيّة التّعبير الرّوائيّ عن الفرد والمجتمع وأساليب السّرد الرّوائيّ وفواعله وصيغه وأبنيته ووظائفه، بالسّرد العربيّ القديم وتقاليد نظامه وقالب القصّة العربيّة الّذي كان مكتملا شكلا ومضمونا منذ زمن بعيد باستثناء بعض الإشارات العابرة.
7- الغاية التّثقيفيّة:
إنّ مشاعيّة تداول الحكايات والقصص هي محصّلة “مجهوليّة” المؤلّف الّذي حكى أو “معلوميّة” المؤلّف الّذي كتب وعموميّة الغاية الّتي يراد بلوغها؛ فالحكّاء أو المؤلّف لا يبتدع قصصا من أجل أمر ذاتيّ يحقّق به مطلبا فرديّا حسب، بل هو أيضا دوره المجتمعيّ في نفع الجماعة الّتي هو فيها معلّم ومؤرّخ ومفكّر ومثقّف. من هنا تنوّعت صور السّارد وتعدّدت وظائفه عبر العصور، ومع كلّ تعدّد كانت صيغ السّرد تترسّخ أكثر ويتأكّد نظامها. والحكّاء هي أوّل صورة للسّارد وهي صورة جامعة لكلّ صوره الأخرى، ففي الوقت الّذي يروي فيه الحكّاء، فهو يحاكي دور المعلّم والحكيم ثمّ صار مؤرّخا يروي الأخبار والأشعار والسّير ثمّ صار أديبا يحاكي بتحبيك منطقيّ العالم المادّيّ ذاتيّا وموضوعيّا لكن الغاية التّعليميّة بقيت مرافقة له. وتجتمع هذه الصّور اليوم في الرّوائيّ مستمدّا منها تراكمات ماض سرديّ طويل فيه ما هو معقول وممكن وما هو غير ممكن ولا واقعيّ، وبسبب تعليميّة المهمّة السّرديّة، أخذ الرّوائيّ في العصر الحديث يحرص على كسب ثقة القارئ فيحبك الوقائعيّ بالتّخييليّ مؤدّيا دوره في تنمية الوعي اجتماعيّا وسياسيّا وأخلاقيّا من دون أن تطغى صورة على حساب أخرى كأن تكون صورة المؤرّخ بارزة أو تكون صورة الحكيم واضحة، وقد تظهر صورة في حقبة وتختفي أخرى بيد أنّ النّظام في تشكّله النّهائيّ يظلّ مجسّدا الصّورة الإنسانيّة للسّرد.
ولم تتلاش مهمة السارد التعليمية أو التثقيفية، بل هي متوارية في وجهة النظر، وهي لا تتحقق من دون وجود نظام معتاد وتقاليد راسخة. واي تطوير للنظام انما يكون على مستويين؛ مستوى الموضوع ومستوى الشكل. وهو أمر لا يتاح إلا لمن اتخذ من المخاطرة طريقا، ووجد في نفسه طاقة عليها، ولم يرضه إتباع قوانين الإبداع المعتادة لأنه فيه سائر على نظام يريد أن يتجاوزه ويتحرر منه. وما النظام سوى تقاليد صنعتها ظروف معينة فنيا على مدى تاريخي ليس بالقليل.
وهذه المهمة التطويرية في السرد الروائي لم تلغ النظام السردي القديم بل هي بنت عليه جديدا متنوعا، ولا مجال لفهم هذا التطوير إلا بالوقوف على أس التقاليد وهو اللاواقعية. فما الذي تركته هذه المهمة على القصاصين؟ وكيف ساعدتهم في أن يبنوا عليها تقاليدهم السردية التي بمرور الزمن صارت واقعية؟
إن القاص أو الروائي الحديث هو صورة كلية للحكاء والمعلم والمؤرخ والسارد، وسرده الواقعي هو خلاصة أجيال جربت وحورت وغيّرت في السرد غير الواقعي. وليس كما يتصور كثيرون من أن واقعية السرد هي وليدة نظام عقلاني، بل اللاواقعي هو أصل كل سرد معقلن وواقعي. وتبقى تعليمية السرد حاضرة لكن منظري السرد الكلاسيكي تجاهلوها حين نظروا إلى الكاتب ــ مؤلفا أو ساردا ــ كيانا ثانويا واستبعدوا أية أهمية في التنظير لمركزية مهمته التثقيفية أو تأكيد فائدة ما يبتغيه من غايات مجتمعية، بل اكتفوا بعده طرفا من أطراف البناء السردي عامة.
وتزداد فاعلية السارد معلما في السرد غير الواقعي الذي عادة ما ينظر اليه بوصفه لاحقا للسرد الواقعي. وهذا امر غير دقيق بل هو مثل ذاك الذي ينظر إلى الشعر سابقا النثر. ومن ثم لا مكانة للسرد غير الواقعي إلا إذا أتى في سياق نظيره الواقعي. وهذا النظر هو عكس الحقيقة التي فيها أصل السرد لا واقعي حيث الصور والمسارات غير ناضجة أو خرافية.
وتؤكد استعادة هذا الأصل عمومية الوظيفة السردية للمؤلف قاصا وحكاء ومؤرخا وساردا كما تدلل أيضا على أن وحدة التخييل كفاعلية هي في الأصل مشاعة وحرة وبسببها يتنوع السرد ويتفرع. وما كان للسرد الواقعي أن يكون عبارة عن مبنى حكائي، الا لان هناك سردا خياليا هو عبارة عن متن حكائي كان قد سبقه، ومن ثم يكون التخييل المعقول هو حصيلة التخييل اللامعقول، أما المثال المراد بلوغه فهو الواقع المعيش.
وما حصل لمهمة المؤلف التثقيفية من تغييب نقدي، فإنما يوضع على كاهل البنيوية والمناهج ما بعد النصية التي قصرت في فهم فاعلية وظيفة المؤلف وبنت الجدران الفاصلة بينه وبين سرده.وإلا ما الفوائد التي نجتنيها من جراء هذا الفصل النظري والمنهجي ما بين السرد وغائية السارد؟ وما تركات ذلك كله على شعور الكاتب بالانسجام والتناغم ما بين عمله السردي وهدف سردياته؟ أليس في ذلك تباعد وفوضى في الفهم؟
8- الخاتمة:
لم ينل المؤلف الروائي اهتمام المنظرين الغربيين سوى في صورته ساردا سيريا، والسبب هي تجريدية النظرة التي غدت ركيزة الفاعلية النقدية لا غير، في محاولة منهم لتأسيس تقاليد سردية جديدة ولكن الحقيقة تبقى حاضرة وهي أن التأسيس غير البناء. وما عمد إليه السارد القديم هو أنه بنى حكاياته وقصصه على نصوص تأسيسية وكانت حصيلة ما بناه تقاليد سردية وبوظائف مجتمعية وأبعاد محتملة وغير محتملة.
وإذا كانت القاعدة لا واقعية، والمبني عليها صار واقعيا، فإنه بالعموم كان متناغما مع الجذر الأساس. وعلى الرغم من كثرة ما جرى من تحوير في صيرورة هذا المبنى كاعتمالات وتقلّبات ومتغيرات، بيد أن مهمة القاص التثقيفية بقيت في العموم كما هي لم تتغير.
[1]– ينظر: إيريك هويزياوم، اختراع التّقاليد دراسة في نشأة التّقاليد، ترجمة أحمد لطفي (الإمارات: هيئة أبو ظبي للسّياحة والثّقافة، 2013)، ص7-8. وميّز المؤلّف بين نمطين في عمليّة إرساء التّقاليد: الأوّل نمط التّقاليد الرّسميّة السّياسيّة والآخر نمط التّقاليد غير الرّسميّة الاجتماعيّة.
[2]– هويزياوم (إيريك): اختراع التقاليد دراسة في نشأة التّقاليد، مصدر سابق، ص7-8.
[3]– المصدر نفسه، ص18.
[4]– المصدر نفسه، ص265.
[5]– مثل جون فليجر ومايكل فريدمان ودونالد فانغر وديفيد لوج وكلود يوغويلان وروبرت شولز.
[6]– فضل (صلاح): الرّومانث الإسبانيّ؛ دراسة ونماذج، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، مصر، د.ت، ص13.
[7]– برادبري (مالكوم): الرّواية اليوم، ترجمة أحمد عمر شاهين، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، مصر،1996، ص9.
[8]– كثيرون نظّروا لهذا الجنس الفنّيّ؛ فكتب ليفز (التّراث العظيم)، 1948. وكتب إيان وات (نشأة الرّواية)، 1957. و(لغة الرّواية)، ديفيد ديتش، 1966. و(طبيعة السّرد الرّوائيّ)، روبرت شولتز ، 1967. وفرانك كيرمود، (الإحساس بالنّهاية)، 1967.
[9]– كتابه: (مستقبل الرّواية) المنشور عام 1899، وينظر:
– James Henry (1956): The future of the novel; Essays on the art of fiction, Vintage Books, New York, P ??.