التّرجمة والمترجمون في البلاد التّونسيّة في القرن التّاسع عشر

التّرجمة والمترجمون في البلاد التّونسيّة

 

ملخّص:

يتّصل الحديث عن مسألة الترجمة في تونس في القرن التاسع عشر في اعتقادنا بموضوع أشمل وهو التّطوّر الحاصل في طبيعة الصّلات بين الشرق الغرب التي شهدت تقلبات كبرى في مستوى الصور والتمثّلات المتبادلة بتطوّر الأحداث والمستجدات بين الطرفين عبر العصور والأزمنة. وقد كان من نتائجه حصول انزياح تدريجي من اعتماد اللغة التركية لغة رسميّة إلى استخدام اللغة الفرنسية. نحاول في بحثنا هذا تناول مقاربة إشكالية الاعتناء التّونسي باللغات الأجنبية في القرن التاسع عشر معتمدين على مادة مصدريّة متنوّعة جمعت بين الوثائق الأرشيفية وما دوّنه أحمد فارس الشدياق من تفاصيل عن زياراته إلى تونس في كتابه “السّاق على السّاق فيما هو الفارياق”، وما جمعه الباحث كرو من نصوص وفتاوى منسوبة إلى المترجم التونسي سليمان الحرايري.

الكلمات المفاتيح: الترجمة – الفرنسية – التركية – الحداثة – استكشاف – الآخر.

Abstract:

Speaking about translation in Tunisia in the 19th century has a close relation in my view with a wider issue which is the progress in the relations between the East and the West. These relations knew great change at the level of the images and the representations exchanged in relation with progress in events and relations between the two sides via generations. Accordingly, the use of the Turkish language as an official language in administration and foreign affairs has declined gradually and replaced by French.

In this article, we undertake the issue relevant to the concern given by the Tunisian state in the 19th c. to foreign languages drawing on namely the correspondence by Ahmed Fares Echidiak to first minister Mustapha Khaznadar, as well as notes by the writer on details as to his visits to, Tunisia which appeared in his book:” essak ala essak”. It is also worth mentioning the literature and advising opinions compiled by researcher kru attributed to Tunisian translator, Suleiman Hrairy. 

key words: Translation – French language – Turkish language – modernity – the Other – exploration.


1- مقدّمة:

يتصل موضوع الانشغال التونسي بالترجمة في القرن التاسع عشر في اعتقادنا بمبحث أشمل وهو التّطوّر الحاصل في طبيعة الصّلات والعلاقات بين الشّرق الغرب الذي شهد تقلّبات كبرى في مستوى إنتاج الصّور والتّمثلات المتبادلة. ونظرا إلى طول المدّة الزّمنيّة التي يمكن أن يغطّيها هذا المبحث، سنركّز في مقالنا على تطوّر نظرة الشّرق إلى الغرب خلال القرن التّاسع عشر وتبعات الاهتمام العربيّ بتعلّم لغات أوروبا والانشغال أكثر بأمر التّرجمة. فقد أطلّت نهاية الثّلث الأوّل من القرن التّاسع عشر باشتراك المركزات السياسية العربية في تغيير بوصلة الاهتمام نحو أوروبا،  و قصرت أدوار الشّرق في تأمين الخلاص الرّوحي، فقد فرضت السّياقات الإقليمية منذ حملة نابليون أو ربما قبلها بقليل – باختلاف القراءات والتصوّرات –إعادة النظر في الرؤى القديمة ومراجعتها بعد أن ترسّبت في الذهنية الجماعيّة لقرون، إذ ظهرت رغبة جامحة في “إقحام الآخر في الذّات[1]“، وإعادة قراءته قراءة آنية ومنسجمة مع الواقع الجديد، الذي أضحى فيه الغرب منشأ المعرفة والعلم والقوة.

لقد عمّ هذا التّحول عددا من الفضاءات العربية التي آمنت بضرورة الإصلاح والانفتاح على الغرب، ومنها إيالة تونس التي بدأت في الانفصال عن سلطة الباب العالي منذ بدايات القرن التاسع عشر والاتجاه نحو البحث عن خلاص فردي في مواجهة تخلفها والسقوط في براثن الاستعمار الأوروبي. ورغم غياب مؤسّسة مختصّة في الترجمة في إيالة تونس، فإنّ ذلك لم يكن يعني البتة إهمال الطّبقة الحاكمة لأهمية الاطلاع على اللغات الأوروبية ودورها في تعبيد الطريق نحو المعرفة الجديدة، فقد عوّلت السّلطة، وبتشجيع من زعماء الحركة الإصلاحية، على أساتذة المعهد الحربي بباردو وطلبته للإقبال على تعلّم اللغات الأجنبية وترجمة مؤلفاتها. أمّا بخصوص تتبع الأخبار الدولية والإقليمية من خلال ما يُكتب من مقالات صحفية باللغات الأوروبية والتركية، فقد وظّفت الدولة التونسية من يقوم بهذه المهمة بكل اقتدار، بعد انتداب الشّامي أحمد فارس الشدياق بسبب مؤهّلاته في مجالي الصحافة وحذقه الإنجليزية والفرنسية والإيطالية. ونظرا إلى اشتداد الحاجة إلى العارفين باللّغات الأجنبية، برزت بعض المبادرات الفردية المؤمنة بترجمة علوم أوروبا وبالأخص العلوم الفرنسية وفق ما دعا إليه المترجم والزيتوني سليمان الحرايري التونسي، الذي تطوّع “خدمة لبلده” ليكون الوسيط بين اللسانين العربي والأوروبي، مع دعوة صريحة لتجاوز الحواجز الثقافية والدخول في محاورة جدّية مع الطرف الأوروبي من منظور جديد يقوم على الاقتباس والاستئناس بتجاربه.

 نحاول في نصنا هذا تناول إشكالية الانشغال التونسي باللغات الأجنبية في القرن التاسع عشر بالاعتماد على مادة مصدرية متنوعة جمعت بين الوثائق الأرشيفية والمتمثلة في مراسلات أحمد فارس الشدياق إلى الوزير الأكبر مصطفى خزندار خلال الفترة المتراوحة من 16 ديسمبر 1847 إلى 25 ماي 1869، بالإضافة إلى ما دوّنه الكاتب من تفاصيل عن زياراته إلى تونس في كتابه “الساق على الساق فيما هو الفارياق”. وأيضا ما جمعه الباحث كرّو من نصوص وفتاوى منسوبة للمترجم التونسي سليمان الحرايري. ولقد انشغلنا في هذا البحث بالسؤالين التاليين:

  • كيف توجّهت كلّ من تونس ومصر وتركيا نحو استعمال اللغات الأجنبية وخصوصا الفرنسية ؟
  • كيف ساهمت الترجمة في تجسير الصلات مع أوروبا من خلال ما عرّبه أحمد فارس الشدياق من مقالات لفائدة الدولة التونسية وما أسس له سليمان الحرايري من خطابات حول أهمية معرفة الآخر عبر معرفة لغته؟

2- معرفة اللغات الأوروبية والعبور نحو الرقي الغربي:

يدعونا الحديث عن الإقبال على   اللّغات الأوروبّيّة والسّعي إلى ترجمة ما كتب في الممالك العربية في النّصف الأوّل من القرن التّاسع عشر، – باستثناء ولاية الشام التي كانت سباّقة في تنويع المشهد اللغوي باللغات الأوروبية والشرقية القديمة لعوامل تاريخية ومذهبية وثقافية -، إلى النظر في التّجارب التّركيّة والمصريّة والتّونسيّة،  باعتبارها تجارب رائدة ومثمرة في العالم العربي

2- 1- التّجربة التركية والمصرية في مجال الترجمة:

أ – الدولة العليّة والترجمة: “الترجمان ضرر لا بدّ منه”:

لم تولِ الدّولة العثمانيّة قبل موفّى القرن الخامس عشر أهمّية بالغة للّغات الأوروبيّة لكونها لغة الخصم الدّيني والجغرافي، و لضعف الاتصالات بين الجانبين حينها. وكانت الدولة العلية تلجأ عند الضرورة إلى خدمات مترجمين من رعاياها المنحدرين من أصول أوروبية: كإيطاليا والمجر واليونان والمقاطعات الجرمانية وبولونيا. ولم تتأسس دائرة الترجمة في الديوان الهمايوني بصورة فعلية إلاّ في عهد السّلطان محمد الفاتح سنة 1481، مقتصرة على عدد ضئيل، بقي إلى حدود القرن السّابع عشر في حدود ثمانية موظفين تحت إشراف الترجمان الأكبر. وقد أوكلت إلى هذا الفريق ترجمة نصوص المعاهدات والاتفاقيات والمراسلات الدبلوماسية، وفي بعض الأحيان ترجمة عدد من المؤلفات الأدبية والعلمية والتاريخية التي كانت تستميل السّلاطين العثمانيين[2].

أطلّ النصف الثاني من القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن الذي يليه بسياقات جيو – سياسية جديدة، محفوفة بالمواجهة بين الجانب العثماني والقوى الغربية. فقد تتالت الهزائم العثمانية وأعقبها إبرام معاهدات واتفاقيات، واعترافات بانفصال بعض الأقاليم. وأسهم ذلك في تزايد الحاجة إلى خبرات مختصّين في اللغات لتدوين ما يتم الاتفاق عليه بلغتي طرفي المعاهدة أو الاتفاق. ففرضت المستجدّات الجديدة على الدّولة العليّة تطوير فريق الترجمة من حيث عدد أعضائه أو من حيث تكوينهم، فتمّ العمل على تكوين مترجمين أتراك قدر عددهم في عهد التنظيمات بزهاء 33 مترجما، وتحول اسم “الديوان الهمايوني” سنة 1821 إلى “غرفة التّرجمة بالباب العالي”. وقد تركّز نشاط موظفي غرفة التّرجمة على تدعيم تكوينهم في  اللغة الفرنسية والإنجليزية وترجمة الصحف والمؤلفات في تخصصّات شتى كالقانونية والسياسية والجغرافية والعلمية. وفي خضم هذا السياق المستجد، تكثّف نشاط غرفة الترجمة فتضاعف عدد أعضائها ليقدر بحوالي 75 مترجما في نهاية القرن التاسع عشر، وبرز فيهم نخبة من المترجمين والأدباء ذائعي الصيت مثل: علي باشا، فؤاد باشا، أحمد وفيق باشا وغيرهم[3]. وقد كانت مهمّتهم ترجمة المراسلات الواردة على السلطان من البلاطات غير الناطقة باللغة التركية، وحضور مراسم استقبال السّفراء الأجانب، وترجمة المعاهدات الثّنائية والمراسلات مع الدّول الأوروبية، ومتابعة أخبار الدول الخارجية، وما ينشر فيها من مقالات صحفية تمس الدولة العليّة، ليقوم رئيس التحريرات بعرضها لاحقا على الباب العالي[4].

لم تكن وظيفة المترجم في الباب العالي آمنة ومضمونة العواقب، لقد ساد تمثل في الأوساط الحاكمة والمتنفذّة يقول “بعدم الاطمئنان إلى المترجم، فالترجمان خوّان،”  ما يستوجب مراقبة أعماله التي قد تفضي إلى تأويلات غير محمودة[5]. وإلى جانب مترجمي الإدارة المركزية، ركّزت الدولة العليّة عددا من المترجمين في الولايات غير الناطقة باللّغة التركية مثل مترجم والي سنجق طرابلس ومترجم صوباشي القدس وأطلقت عليهم صفة ترجمان العرب. واضطلع المترجمون في الولايات المحاذية للممالك الأوروبية بدور نشيط في الدبلوماسية العثمانية، فكانوا يشاركون في اللّجان المُكلفة بحلّ القضايا الحدودية تحت إمرة والي الإيالة[6]. وعيّنت مترجمين في محاكم عاصمة الخلافة التي كانت بمثابة المدينة العالمية، لترجمة مداولات المحاكمات لفائدة الأجانب وغير النّاطقين باللغة التركية.  وانتدبت أيضا بعض المترجمين لفائدة القنصليّات الأوروبيّة الدّائمة في إسطنبول على غرار القنصلية الإنجليزية والفرنسية والدنماركية لتسهيل التّواصل بين البعثات الدبلوماسية وأعوان الدّولة العلية.

خلاصة القول، لقد تدرجت الدولة العثمانية عبر القرون في التّعامل مع اللّغات الأجنبيّة فقد تعالت في البداية عن اللغات الأجنبية وخاصة اللغات الأوروبية لدواعي ثقافية تتمثل في كونها كانت تمثل لغة الشعوب المهزومة، وأيضا لدواعي دينية تتّصل تكفير لغة أصحابها، ولكن سياقات القرن التّاسع عشر ولّدت الحاجة إلى ضرورة  انتداب مترجمين أجانب في مرحلة أولى ثم أتراك في مرحلة ثانية لتأمين التواصل بين العثمانيين ومخاطبيهم من الأوروبيين.

ب – التّرجمة ورهان الإصلاح في مشروع محمد علي:

شكّل التدّخل الفرنسي المباشر في مصر في نهاية القرن الثامن عشر، ثم هزيمة جيش محمد علي في معركة نافارين باليونان سنة 1827، فاتحة مرحلة تاريخية جديدة في تاريخ مصر والشرق. فقد تأكد محمد علي من التّفوق الحضاري الغربي، وتكونت لديه قناعة بألاّ سبيل لردم الفجوة بين الضفتين والحفاظ على دولته وتحقيق مشروعه، إلا بتحديث القوة الاقتصاديّة والعسكريّة. لقد فرضت الظرفية الجديدة على محمد علي الركون للمهادنة وفض النزاعات مع القوى الغربية عبر التفاوض ما تطلب تطوير علم الترجمة للتمكن من المناورة وعدم الرضوخ إلى مطبات سوء التأويل.

فرغم تعلمه القراءة والكتابة في سن متأخرة، فقد كان محمد علي مقبلا على قراءة المؤلفات الغربية خاصة في مواضيع الإدارة والفلسفة وأنظمة الحكم والحرب، وكان يحث المترجمين على ترجمة بعض من تلك المؤلفات في مدة زمنية وجيزة، و توضع نسخ منها في المكتبات لتصل إلى القراء المصريين. وللرفع من مكانة المترجمين، قرّب إليه بعضهم، واضطلعوا بمكانة رفيعة في مجلسه على غرار المترجم الأرمنيّ الأصل يوسف بوغوص الذي تجاوز مكانته كمترجم ليصبح أحد مستشاريه. وفيهم من ترقى ليحتلّ منصب أمير البحر كالمترجم عثمان نور الدين باشا الذي أرسله الخديوي إلى فرنسا لتعميق معارفه في اللّغة الفرنسية[7]. وقد كان محمد علي على قناعة راسخة بأهمية تمرير معارف أوروبا المتنوعة وخاصة منها التّقنيّة والعلميّة إلى جمهور طلبة مصر ومثقّفيها، فاستدعى للغرض عدد من المدرسين الأوروبيين، كانوا في البداية من إيطاليا ثمّ من فرنسا وأنجلترا للتدريس في المؤسسات التعليمية المصرية المستحدثة، على غرار مدرسة الطب في مستشفى “أبو زعبل” سنة 1827. وجعل الخديوي لكل مدرس أوروبي مترجما شاميا أو من المستعربين الأوروبيين يتكفل بدور الوساطة بين المدرس الأجنبي وطلبته حتى يتسنى لهم فهم المادة المعرفية المقدمة لهم.

ونظرا إلى الحاجة المتزايدة للمترجمين أمر محمد علي في موفي سنة 1829 بتأسيس “مدرسة اللغات” وفتحها أمام جمهور الطلبة لتعلّم اللغتين الفرنسية والإيطالية. كما أوفد عددا منهم إلى عواصم أوروبا لتعلّم اللغات والشّروع في ترجمة ما يرونه مفيدا من كتب أجنبية وهم بأرض أوروبا. وحرصا منه على الارتقاء بمستوى الترجمة – من خلال ما أورده الطهطاوي في مؤلفه تخليص الإبريز – كان يتابع بنفسه ملاحظات أساتذتهم، و يلوم المقصرين منهم.

اقتنع محمد علي بقدرة الطهطاوي ونجابته في مجال اللّغات والترجمة، فعينه سنة 1835 ناظر “مدرسة الألسن” المختصّىة في تعريب النّصوص الفرنسية ، وحدّدت طاقة الاستيعاب فيها في مرحلة بحوالي خمسين طالبا، على أن يرتفع عددهم إلى مائة وخمسين طالبا سنة 1841.  وهي توفّر الكفاءات الضّرورية للمصالح الإدارية والتعليمية والمؤسسات الحكومية. وتدوم مدة الدراسة بمدرسة الألسن ما بين خمس أو ستة سنوات، وأوكلت لطلبة المؤسسة ترجمة المؤلفات العلمية في شتى التخصصات وخاصة الأدب والتاريخ والجغرافيا[8]. وقد ترافق الانشغال المصري بالترجمة مع تأسيس صحيفة “الوقائع” التي حرص فيها محمد علي على أن يحرّر كل مقال باللّغتين التركية والعربية، ما استدعى انتداب عدد من المترجمين ممن يتقنون اللغة العربية والتركية واللغات الأوروبية، و بهدة الطريقة كانت تصل أخبار أوروبا إلى المصريين.

ولتجنب كل لبس في الترجمة أو السقوط في الترجمات الركيكة سعت إدارة الوقائع المصرية التعاون مع مدرسة الألسن منذ سنة 1841 وذلك بإحالة نصوص الصحيفة قبل نشرها على أنظار إدارة المدرسة للتّحقّق في مستوى التّرجمة[9]. ولقد سلك خديوي مصر مسلكا منفردا في تجربته الإصلاحيّة المبكرة، فقد كان على دراية بأهمية الانفتاح على الغرب وعلى علومه والذي لا يمكن تحقيقه فقط بالاقتصار على إرسال البعثات التعليمية إليه، وإنّما بتكوين فئة من المترجمين حتى يتمكّنوا من نقل علوم أوروبا وآدابها إلى النّخبة المثقفة المصرية والمؤمنة بمشروع محمد علي في الإصلاح، وتحوّل زمن محمد علي إلى:” عصر التّرجمة والتّعريب.[10]“. 

ومهما يكن من أمر، فقد عمل محمد علي بكل السّبل على جلب علوم فرنسا وترجمتها إلى لغة يفهمها طلبة مصر، وقد وجد هذا الجهد سندا ودعما ،  فقد نجح حاكم مصر في تشكيل نخبة مثقفة واسعة العدد متكونة من مترجمين ومهندسين ومستشارين ، انبرت في تنفيذ المشروع المصري الحداثي. واللافت هنا حدوث ذلك الانزياح الواضح في الذهنية المصرية التي كانت قد رفضت فيما مضى دعوات نابليون ومن رافقه من العلماء لتحديث التعليم، ومرد هذا الرفض أن المعرفة المعروضة كانت معرفة مشوبة بطموحات استعمارية ذكّرت المصريين بسفن الصلبيين ومشهد رسوّها في ميناء الإسكندرية وموانئ الشرق، وما خلفته من دمار ظل راسخا في نفوس أهل الشّرق وأذهانهم لقرون.

2-2- الانشغال التّونسي باللّغات الأوروبية:

خلافا للتجربة التركية والمصرية، تميزت التجربة التونسية بالتشابك التاريخي والحضاري الراسخ للتونسيين مع شعوب جنوب أوروبا. حيث لم تنتظر البلاد التونسية الثلث الثاني من القرن التاسع عشر حتى تتنبه إلى أهمية معرفة اللغات الأوروبية. فقد سبق أن تكلم طيف من التونسيين بلغة تداولها تجّار المتوسط، منذ القرون الوسطى وسمت باللغة الافرنجية lingua franca، والتي شهدت انتشارا لافتا مع ازدهار المبادلات التجارية بين الجانبين التونسي والجمهوريات الإيطالية. وفيما بعد، ذكرت المصادر المهتمة بتاريخ تونس الحديث عن انشغال حمودة باشا الحسيني باللغة الإيطالية وانجذابه إليها وإلى آدابها. وهي شهادة كان قد أيّدها الكاتب الفرنسي شاتوبريون chateaubriand عند مروره بتونس في رحلة قادته إلى الشرق، مبديا إعجابه بطلاقة اللسان الإيطالي لحمودة باشا بعد أن زاره في بلاطه سنة 1807، منوّها بحرصه على متابعة أصداء أوروبا وأخبارها.

أمّا على المستوى الشعبي، فقد   تعوّد سكان الحاضرة وبعض المدن الساحلية على اللهجات الإيطالية والمالطية في القرن التاسع عشر، تزامنا مع توافد أعداد كبيرة للمهاجرين منهم، قُدر عددهم في نهاية ذلك القرن بحوالي اثني عشر ألف، استقر معظمهم في أحياء غير بعيدة عن أحياء سكن التونسيين. ولقد أسهمت القاعدة البشرية الوافدة في إدخال معالم الحضارة الغربية واللغة الإيطالية في البلاد، نتيجة التواصل اليومي والمباشر مع التونسيين وأيضا مع مكونات الإدارة القاعدية والمركزية. ولم تقتصر نتائج الاحتكاك اليومي على نمط عيش شرائح المجتمع التونسي وحسب، بل وصل مداها إلى الفئات الارستقراطية. فوفق رؤية الباحث الهادي التيمومي، بادر أحمد باي بالأخذ بمباهج الحياة العصرية معطيا بذلك المثل، حيث أصبح تقليد الموضات والعادات الأوروبية في البلاط مظهرا من مظاهر الظرف حتى أضحى لكل أعيان القصر تقريبا نمط العيش البرجوازي الأوروبي[11].

ورغم شيوع استخدام اللغة الإيطالية والمالطية في صفوف بعض الفئات الاجتماعية التونسية، فرضت المتغيرات السياسية والدبلوماسية للقرن التاسع عشر على السلطة البحث عن عارفين باللغة الفرنسية، بسبب تسرّب النفوذ الفرنسي وتعمقه في تونس. فقد تمتع التّجار الفرنسيون منذ سنة 1780 بنوع من التفاضلية مقارنة بنظرائهم الأوروبيين، وتدعم ذلك إبان احتلال فرنسا للجزائر وكذلك بعد إمضاء معاهدة 1830 التي اعترف فيها باي تونس بوضع حدّ للقرصنة ضد المصالح الأوروبية ومنع “عادة الهدية” واستعباد المسيحيين ووضع حد لاحتكار الباي للتصدير. وأمام هذه التقلبات الاجتماعية والثقافية والتحوّلات السياسية والدبلوماسية يتبادر في الأذهان التساؤل التالي: هل كان بإمكان الطبقة السياسية والطبقة المثقفة التي كانت تدور في فلك السلطة بما تحمله من مكتسبات لغوية الإيفاء بالتزامات الدولة والاستجابة لمتطلبات المرحلة في الحوار مع القوى الأوروبية وخصوصا مع فرنسا؟

من الواضح أن النخبة المحلية والتي كانت تدور في فلك السلطة الحاكمة والتي كانت أصلا محدودة العدد تعاني، من قصور لغوي وذلك راجع إلى طبيعة التكوين التعليمي الذي كان سائدا منذ قرون في المملكة. فما عدا بعض المماليك والمترجمين الذين تلقوا نصيبا من تعليمهم بالمدرسة الحربية بباردو مثل الجنرال حسين وخير الدين، أو أولئك الذين وجدوا من يساعدهم على تعلّم اللغات الأوروبية مثل سليمان الحرايري. فقد تشبّع أغلب علماء الحاضرة بمعارف وفرتها الثقافة الزيتونية المحافظة. ورغم ضعف امتلاك تلك النخبة للغات الأوروبية، فإن سلطة البايات لم تجد خيارا سوى الاعتماد عليها في تأمين السفارات و إدارة البعثات الدبلوماسية داخل المحيط الثقافي الإسلامي. ومن تلك السفارات نستحضر على سبيل المثال سفارة إبراهيم الرياحي سنة 1838 نحو اسطنبول، والذي أوفده المشير أحمد باي إلى السلطان العثماني محمود الثاني لإعفاء الإيالة من دفع الضريبة السنوية. ويعود هذا الاختيار إلى قناعة الباي في قوة تأثير إبراهيم الرياحي الديني ما قد يحمل الحكّام العثمانيين على أن يصرفوا النظر عن هذه المطالب أو التخفيف منها[12]. كما بعث أحمد باي سنة 1841 وفدا يترأسه ابن أبي الضياف إلى إسطنبول لشرح الموقف التونسي حول تأجيل تطبيق مخرجات التنظيمات الخيرية مصحوبا بمكتوب من إبراهيم الرياحي إلى شيخ الإسلام أحمد عارف يوصيه بالمبعوث خيرا وطالبا إعانته في مهامه[13].

لقد أبانت حركة الإصلاحات التي اتخذها البايات – ومن المرجح أنها كانت محل تأييد الطبقة السياسية المحيطة بهم مثل الوزير الأكبر مصطفى خزندار وأيضا خير الدين – الاتجاه نحو الاقتداء بالغرب، واتخاذ جملة من القرارات التي تبرز انفتاح الطغمة الحاكمة على المشروع الأوروبي الحداثي، ومنها دعم مسألة اللغات الأوروبية في المدرسة الحربية بباردو إسوة بالتجربة المصرية. فقد تكفل المكتب الحربي بباردو بتكليف ثلة من أنجب طلبته، وتحت إشراف معلمهم محمود قابادو وبمتابعة خير الدين وآخرين بتعريب عديد المؤلفات في اختصاصات شتى[14].

ورغم ذلك الجهد في الاطلاع على علوم أوروبا المتطوّرة، فإن نتائجها في هذا الغرض كانت محدودة وفق ما  أشار إليه الباحث محمود عبد المولى استنادا إلى ما دونه مدير مدرسة باردو الحربية دو تافرن  De Taverne عبّر فيه عن أسفه لضعف اطّلاع تلامذة المدرسة الحربية على اللغة الفرنسية بقوله :” اللغة الفرنسية التي لا يمكن بلوغ المقصود من تعليم الفنون والصناعات المتقدمة لتلاميذ مكتب الحرب إلا بمعرفتها، وجميع الكتب المحتاج إليها التلاميذ في مدة إقامتهم بالمكتب وبعد خروجهم منه محررة باللغة الفرنساوية، فإذا لم تكن للتلاميذ معرفة بهذه اللغة، فلا بدّ من معرفة المعلّمين المذكورين حينئذ للغة العربية، ووجود معلّم عارف باللغة العربية صعب جدّا. وعلى فرض وجود ها في المعلّمين العارفين باللغة العربية فلا بد حينئذ من تعريب الكتب المذكورة، وهو أصعب بكثير من وجود المعلمين. والدليل على ذلك أنّه كان نحو ثلاثين سنة منذ إنشاء العسكر التونسي لم أر أحدا عرّب الكتب العسكرية المختصة بالتعريفات الحربية على أصل، وإنّمّا عربّها على تحريف وتغيير في المعنى، ذلك لعدم وجود من تعلّم اللغة الفرنسية على أصل في المملكة التونسية…”[15].

لقد كشفت هذه الوضعية لدى الوزير الأكبر مصطفى خزندار حاجة البايليك الملحة إلى من يتقن اللغة العربية واللغات الأوروبية وبخاصة الإيطالية والفرنسية والإنجليزية. وهذه الحاجة هي كفيلة بتفسير سبب وفود أو دعوة عدد من الشاميين للحلول في تونس. وخصوصا أولئك الذين تتقاطع أصولهم العربية مع الأصول المسيحية، وكانوا مطّلعين على الثقافة الأوروبية، بل وفيهم من كان يعتبر ها رافدا في شخصيتهم الثقافية. فكانت هذه الطائفة من منظور الإدارة التونسية وسيلة ضرورية لتأمين التواصل والوساطة والتفاوض بين تونس والقوى الغربية.

ففي هذا السياق المحلي والإقليمي حلّ مجموعة من المثقفين الشّوام الذين عدّد الباحث حفناوي عمايرية أهمهم متوقفا عند سيرة كل واحد منهم والأدوار التي لعبها كل واحد فيهم في صلب الإدارة التونسية و نذكر منهم : إلياس مصلي ورشيد الدحداح ومنصور كرليتي وسليم الشدياق ومن قبله والده أحمد فارس الشدياق الذي سيكون محور اهتمامنا في القسم الثاني من عملنا . ثمّ تدعم نشاط الترجمة ببعض المبادرات التونسية الفردية وخصوصا التونسيين الذين أتيحت لهم فرصة تعلّم اللغة الفرنسية والسفر إلى فرنسا للاشتغال في مجال الصحافة والترجمة.

3- أحمد فارس الشّدياق وسليمان الحرايري وإسهامهما في التواصل الثقافيّ بين تونس والفضاء المتوسطيّ:

 نتطرّق في هذا القسم إلى تتبع مسارات رجلين من روّاد حركة الترجمة التونسية والمؤثرين فيها منذ منتصف القرن التاسع عشر، هما: أحمد فارس الشدياق، ذاك المهاجر الشامي الذي غادر موطنه جبل لبنان باكرا واتجه إلى مصر ثم انتقل في أسفاره بين مالطا وإنجلترا وفرنسا واستقر به المقام في نهاية حياته بإسطنبول. أما الثاني فهو سليمان الحرايري كمترجم تونسي، زيتوني التكوين لم يضيع فرصة تعلّم اللغة الفرنسية، وساقته الأقدار إلى الاشتغال بالترجمة والصحافة والتّدريس في فرنسا. 

3- 1- أحمد فارس الشّدياق “عين” الدولة التونسية في الخارج:

  أبرزت الوثائق الأرشيفية المحفوظة بالأرشيف الوطني التونسي و المصادر الأدبية بما فيها مؤلفات الشدياق نفسه، على دور هذا الشامي في ترجمة المؤلفات والمقالات الصحفية إلى اللغة العربية، وتوجيه بعض من نصوصها لفائدة الدولة التونسية، بعد أن انتدبه مصطفى خزندار ليكون عين تونس في الخارج. وهي وظيفة غير مستبعدة من مترجم في حاجة ماسة للمال، يسعى بكل السبل لأجل تحسين وضعه الاجتماعي. وفي هذا الصدد نحاول الإجابة عن السؤالين التاليين: ماهي مؤهلات الشدياق التي دعت مصطفى خزندار يصطفيه دون غيره من الأجانب، للقيام بمأمورية الترجمة وتقصي الأخبار المنشورة في الصحف الأجنبية حول تونس؟ وفي المقابل ماهي الخدمات التي وفرها مصطفى خزندار لمترجمه لقاء اجتهاده ومثابرته في القيام بما عُهد إليه؟

يعد أحمد فارس الشدياق (1804 – 1887) أحد روّاد النهضة العربية الكبار، ويعترف له بعلو كعبه في الأدب العربي، الذي اعتنى بجمعه ونشره وفق ما هو مثبت في انتاجه الأدبي الغزير. ولقد أسعفه ترحاله بين مصر وأوروبا وتونس من الاطلاع على بيئات ثقافية وحضارية مختلفة، ومن مخالطة أساطين المعرفة هنا وهناك، وتطوير زاده اللغوي والأدبي والفكري ما أتاح له توسيع أفاقه المعرفية. كتب الشدياق في أغراض أدبية عديدة ومنها كتابة السير الذاتية والمناهج التعليمية وترجمة النصوص الدينية القديمة، وألّف في المباحث اللغوية. إضافة إلى تحريره عديد المقالات الصحفية ونشر الأخبار وترجمة عدد من المؤلفات الفرنسية المعروفة، مثل كتاب فولتير “تاريخ بريطانيا العظمى” وبعض الدراسات العلمية والفنية واللغوية. ولقد تزامن نشاط الشدياق في مجالي الأدب والترجمة مع سياق ثقافي عربي نشيط ازدهرت فيه حركة النقل من اللغات الأوروبية، وبخاصة من الإيطالية والفرنسية والإنجليزية إلى اللغة العربية في كل من مصر وبلاد الشام وتونس[16]. والطريف أن الشدياق كان عصامياً في مجال الترجمة، شأنه شأن رفاعة الطهطاوي، فهما لم يتلقّيا أيّ تكوين مخصوص في الغرض، لأن كلّيات الترجمة ومدارسَها العُليا لم تكن موجودة وقتها.

انغمس الشدياق أكثر في تجربة الترجمة من الإنجليزية إلى العربية خلال إقامته الثانية في مالطا والتي انطلقت سنة 1834 حيث عهدت له ضمن نشاطه في الجمعية المسيحية ترجمة المطبوعات وتصحيحها. ثم اتجه إلى إنجلترا للمساهمة في ترجمة الآناجيل إلى اللغة العربية عام 1848 بالتعاون مع ىالمستشرق صاموييل لي في مدينة كامبريدج. ولقد أتاح له

 تردّده بين إنجلترا وسكوتلاند وفرنسا تعلّم لغات أهل تلك البلاد، وأيضا معاينة الخصوصيات الحضارية فيها ما يجعله أن يكون الأقدر على فهم النصوص بلغة أصحابها من داخل بيئتها الثقافية. هذا علاوة على قدرته في ربط الصلات مع كتّاب عصره ومفكريه من العرب والأوروبيين ما ساهم في توسيع دائرة معارفه واطّلاعاته[17].

 أمّا عن علاقته بتونس والإدارة التونسية، فإنه يجدر بنا الوقوف عند ثلاث محطات أساسية في حياته تزامنت مع زياراته الثلاثة إلى تونس. إذ ثبت أنها من أكثر العلاقات تميزا مقارنة بنظرائه الشاميين الذين حلوا بالإيالة، والذين انحصر عملهم على الوساطة بين تونس والجهات الأوروبية، محافظين في غالبيتهم على انعزاليتهم ولم يندمجوا في الأوساط التونسية. أما الشدياق فقد ارتبط بصلات أوسع دون أن ننكر الروابط النفعية والذاتية. ولقد تزامن مقدمه في المرة الأولى سنة 1841 مع بحث خزندار عن شخصية عارفة باللغات الأوروبية، ولها دراية بالعمل الصحفي والقدرة على الترجمة، لتتبع أخبار تونس في الخارج هذا فضلا عن صفات الوفاء الراصف والتأييد المطلق لولي نعمته. ولقد توجت تلك الزيارة بنظمه لقصيدة مطولة عن محاسن تونس وخصال حاكمها المشير الأول. فقد أثارت تائية الشدياق إعجاب باي تونس الذي أهداه في مقابل ذلك “هدية من الألماس تضن بها الملوك على ندمائهم، ومعها كتاب من ناموسه المعظم ووزيره المفخم مصطفى خزندار”[18]. ولقد مكنت هذه القصيدة من فتح الأبواب أمام الشدياق للتواصل لا فقط مع الطبقة السياسية الحاكمة في تونس بل وأيضا مع الطبقة المثقفة والعلماء. ثم أردف الشدياق زيارته الأولى بزيارة ثانية سنة 1847 وكانت هذه المرة بصفته ضيفا رسميا إثر دعوته من أحمد باي، وتعرّف فيها على رجال الدولة، وجالس فيها الوزير الأكبر مصطفى خزندار.

أُعجب الوزير التونسي بشخصية الشدياق وسعة ثقافته وتبحره في المعرفة، وبدأ يتراءى له إمكانية توظيفه كمترجم وفق ما أورده الشدياق في كتابه “الساق على الساق” عندما سأله:” هل تعرف اللغة الفرنساوية؟ قال لا يا سيدي ما عنيت بها. فإني ما كدت أتعلم لسان الانكليز حتى نسيت من لغتي قدر ما تعلمته منه…فلما أخبر زوجته بذلك قالت له ألم أقل لك غير مرة عد عن الغزل بالنساء وتعلم هذه اللغة المفيدة[19].  ثم غادر الشدياق في نفس السنة إلى مالطا لمواصلة مهمته في الترجمة، ومباشرة عمله في تزويد مصطفى خزندار بمقالات صحفية مُعربة من أخبار الصحف الناطقة الإنجليزية في كل من مالطا وأنجلترا ووجدها الكاتب مفيدة ومهمة للوزير الأكبر التونسي[20].

فمن خلال الرسائل بين الطرفين يمكننا النظر إلى مكوّن آخر من شخصية مصطفى خزندار الذي تحفظ له الذاكرة التونسية بانغماسها في السلب والنهب والإفساد.  لقد أبانت بعض تلك المراسلات شخصية الوزير الأكبر المنفتحة على رجالات المعرفة والثقافة في عصره، والعاملة على توظيف الكفاءات على اختلاف جنسياتها[21]. وأيضا الرجل السياسي العارف بأمور الدولة، وبضرورة تقصي الأخبار لاستباق الأحداث، من خلال ما ينشر حول تونس من أنباء في سياق تنامي مكانة القوى الغربية في العالم وتزايد نفوذها في مواقع القرار المحلية، ما زاد من مخاوف رموز الحكم في تونس الذين اقتنعوا أكثر من أي وقت مضى ببداية أفول الحكم العثماني، وأضحى البحث عن وساطات مع الأطراف الأوروبية ضرورة لا سيّما فرنسا أو إنجلترا على اعتبار مكانتها في توجيه الأحداث العالمية. وأيضا لدرء خطر الاحتلال المباشر بعد أن شرعت فرنسا في سياساتها التوسعية في جنوب المتوسط، ولضمان دائنين لميزانية الدولة التونسية التي كانت قادمة على جملة من الإصلاحات المُكلفة.

فعند مباشرته لمهمة ترجمة النصوص الصحفية، لم يكتف الشدياق بتتبع الأخبار المهمة عن تونس، حيث كشفت الرسالة الثانية من مجموع الرسائل العشرة التي وجهها الكاتب إلى مصطفى خزندار، بتجاوز مجرد تتبع المواضيع السياسية والأخبار العامة، إلى رصد أخبار شخصيات مهمة أو مراسلي الصحف الأجانب الذين يرسلون تقاريرهم حول ما يدور في إيالة تونس، فيذكر فيها:” بعثت لرفيع جنابكم بما رأيت تعريبه لا يخلو من الفائدة، مع تذكرة فيها اسم أحد تجار مالطا. وإني هذه المرة واجهت طبّاع الجرنال المسمى مديترانيو واستعلمت منه عن الرجل الذي يكتب له من محروسة تونس طعنا في سياستها وأحوالها. فغاية ما علمت منه أنه رجل مالطي، فلم استغرب من لؤمه فيما يطعن به على كل بلاد يأكل من خبزها ويعيش من نعمتها، فإن ذلك دأب المالطيين حتى في الطعن على حكامهم وملكهم[22]“. ويضيف في الرسالة ذاتها إرشادات أخرى عن الرجل أو المراسل الصحفي الذي يراسل الصحيفة المالطية فيطلب من مصطفى خزندار إلى مراجعة السنيور داويد طنطيان وهو أحد المالطيين المقيمين بتونس ومحب لسيادة مصطفى خزندار ليدلهم عن ذلك الشخص[23].

ولقد ازداد تعلق الشدياق بإيفاء الوزير الأكبر بكل الأخبار المتعلقة بالبلد خاصة بعد تسلّمه مرسوم تعيينه من قبل الدولة التونسية بصفة رسمية وفق ما دلت عليه الرسالة الثالثة المؤرخة في مارس 1848 معتذرا عن تأخر إرسال تقاريره بسبب تأخر خروج المركب، متعهدا بالمواظبة على إرسال تقاريره الصحفية[24]. وهو الأمر الذي أكده في رسالته الرابعة المقتضبة مشيرا إلى إرساله بعض المقالات المُعرّبة، على أن نسجل انقطاعا تاما للتراسل بين الطرفين في الفترة الممتدة بين 1848 و1852 أي مدة اقامته بإنجلترا[25].

وعند استقرار الشدياق في آخر حياته بإسطنبول، واصل الكاتب في تعقب الأخبار الواردة في الصحف التركية والغربية والتي تبيّن له أهميتها لصالح الدولة التونسية، حيث تنبئ الرسالة السابعة والتي يعود تاريخ تدوينها تقريبا إلى سنة 1865 موعد تعبئة روسيا للهجوم على إسطنبول، وكذلك سريان وباء الكوليرا في المدينة ونشوب حريق هائل دمّر بيوتات السكان في عدة أحياء، وتقاعس الدولة في إنجادهم بتعلة أن أغلب المتضررين هم من النصارى. كما حملت ذات الرسالة بعض الأخبار عن اليونان ومملكتي سردانيا ونابولي والنزاع الفرنسي – الإنجليزي حول دعم ملك نابولي[26].

ما يمكن استنتاجه من خلال هذه المراسلات والتي من المرجح وجود مراسلات أخرى وفق عديد التحليلات لكن لم تصل إلينا، فإن الشدياق كان مترجما جادا في عمله وجمع بين وظيفتي الترجمة واستطلاع الإخبار، وهي ثنائية كانت لازمت وظيفة المترجم على مرّ التاريخ. ومن الغريب أن نجد الشدياق يراسل مصطفى خزندار بأخبار إسطنبول والحال أنه قد تكرّم عليه السلطان العثماني بإرساء صحيفة الجوائب بإسطنبول منذ سنة 1860. فلا يمكننا أن نفهم سبب مخاطرة الشدياق وقيامه بمهمة استطلاع أخبار الدولة العثمانية لفائدة الدولة التونسية إلا بالعودة والنظر في الوضعية الاجتماعية والمادية للرجل منذ أن كان في أوروبا.

لقد كانت الوضعية المالية للشدياق في غالب أيامه سيئة وخصوصا مدة وجوده في أوروبا. فقد أبرزت الرسالة الخامسة المؤرخة في السادس من ماي 1853 حالة فقر الشدياق المادي وهو بباريس، بسبب انقطاع مصادر رزقه المتأتية من الترجمة والتدريس، ما جعله في حاجة ماسة إلى المال مبررا ذلك بارتفاع تكاليف علاج زوجته التي اضطرت للمغادرة إلى إسطنبول رفقة ولده. كما تعلل بضيق الحال إلى حد عجزه عن تعلم اللغة الفرنسية والاستجابة لطلب مصطفى خزندار عند حلوله بتونس في المرة الثانية. كما أعلم الوزير الأكبر بعدم تسلمه المساعدة المادية للدولة التونسية بسبب جهل إلياس مصلي لعنوان الشدياق بباريس. وبالغ الشدياق في التوسل لقبول توظيفه كمترجم في اللغة الفرنسية لفائدة الدولة التونسية معبرا عن استعداده للسكن بمرسيليا ليكون قريبا إلى تونس[27]. ولم تكن الوضعية المادية غير المريحة للشدياق السبب الوحيد في اجتهاده لإرضاء مصطفى خزندار وتحمل مشاق الترجمة ومغامرة الإخبار، إذ تبرز الرسالة السادسة تذلل الكاتب للوزير الأكبر وامتنانه لأجل توظيف ابنه سليم في الإدارة التونسية والذي سبق له أن غادر عمله ثم العودة مرة أخرى على إثر تدخل السوري رُشيد الدحداح.

ويناء على ما تم ذكره، فقد أجزلت الدولة التونسية العطاء للشدياق والذي لم ينحسر عند المساعدات المالية والخدمات المذكورة آنفا، بل قدمت أيضا خدمات كبرى لكل ما يتمناه أديب أو شاعر في ذلك القرن، والتي تتمثل في طباعة مؤلفاته ونشرها على حساب الدولة التونسية في زمن كانت فيه الطباعة في العالم العربي في بداياتها. فقد بعث الشدياق مخطوط الكتابين “كشف المخبا عن فنون أوروبا” و”الواسطة في معرفة أحوال مالطا” إلى خير الدين راجيا منه أن ينظر فيهما بهدف طبعهما في المطبعة الرسمية التونسية، فأجابه خير الدين في شكل تقريظ محرّر بأسلوب التقاريظ التقليدية التي يطغى عليها السجع والمحسنات البديعية الأخرى متضمنا لقبوله بنشر كتبه[28]: كما ورد في الرسالة التاسعة خبر  مساعدة مصطفى خزندار للشدياق على طباعة كتاب سر الليال – بعد أن أشار عليه مساعده رشيد الدحداح – بإسطنبول ومنحه مبلغ 10 آلاف فرنك لطباعة الجزء الثاني وكذلك طلب استعجال تحويل المبلغ إما مُقسّطا او دفعة واحدة[29]. ومن الواضح أن الشدياق كان يستعجل تسلم منحة خزندار إلى حد أنه راسل في نفس اليوم محمد العزيز بوعتور وزير المالية ليذكّره بما وافق عليه مصطفى خزندار[30].

3- 2- سليمان الحرايري، من مدرس زيتوني إلى مترجم حداثي:

من المعلوم أن اهتمام الغرب باللغة العربية وبمنتجات حضارات الشرق قد بدأت بواكيره منذ ظهور الاحتكاك الأولي بين المسلمين والأوروبيين لحظة الإنتشار الإسلامي بإسبانيا، قبل أن يتم إدراج اللغة العربية في منتصف القرن الثاني عشر كأحد موضوعات الدراسات الشرقية بالكليات الأوروبية، على غرار العبرانية واللغات السامية القديمة. ولقد تأّكد هذا الإنشغال بتدريس اللغة العربية في القرن السابع عشر عند تكثّف المبادلات التجارية وتدعيم الحركة التبشيرية في الشرق، فضلا عن تحول الحواضر الغربية منذ مفتتح القرن التاسع عشر – وفق شهادات روّاد الرحلة العربية إلى أوروبا – إلى مدن كسموبوليتية، إذ أضحت تخالطها الأجناس من قارات العالم بما فيها الشعوب العربية والإسلامية. عندها تعمقت العناية بأقسام العربية بأشهر الجامعات على غرار جامعة أكسفورد بأنقلترا وجامعة ليدن بهولندا والمعهد الفرنسي collège de France، وتعمقت معها الرغبة في حضور مترجمين وأساتذة عارفين باللغة العربية، بغاية بناء جسور التواصل مع الجاليات العربية المهاجرة.

لم يكن سلوك الفرنسيين مسلك مخاطبة العرب بلغتهم مسلكا فريدا وبدعة من بدع القرن التاسع عشر، فالطبقة الحاكمة الفرنسية منذ زمن نابليون كانت واعية بضرورة مخاطبة القوم بما يفهمون. فقد عمل الإمبراطور الفرنسي أثناء توجهه إلى مصر على تحرير نصه بالعربية– اعتمادا على مترجمين فرنسيين وسوريين – لمخاطبة المصريين عن “نواياه الحسنة” في تخليصهم من استبداد المماليك قبل أن تطأ قدميه ميناء الإسكندرية، ووزع منه أكثر من أربعة آلاف نسخة على الأعيان ورجال الدين[31]. وعليه فقد كانت السياقات العامة الفرنسية لحظة وصول الحرايري إلى باريس مشجعة ليحتل الرجل مكانة مريحة في الأوساط الثقافية. فمن هو سليمان الحرايري؟

رغم تناسي المهتمين بتدوين سير علماء تونس في القرن التاسع عشر له بسبب التقاريظ المسيئة له من قبل مجايليه، والذي عدّه محقق المدونة أبو القاسم محمد كرو إلى مواقفه التي عدت جريئة في زمنه[32]. فقد عادت إن عديد الدراسات مؤخرا إلى تناول شخصية الحرايري عاملة على فهم مقاصده من الترجمة واستصدار الفتاوى لطالبيها. فقد ولد سليمان بن علي الحرايري بمدينة تونس سنة 1824 وتعلم بجامع الزيتونة ثم انتدب للتدريس فيه فيما بعد، علوم الحساب والفلك[33]. عُرف عن الرجل إلمامه باللغة الفرنسية وسهولة مروره بين اللغتين العربية والفرنسية، ما أهّله للعمل بالقنصلية الفرنسية في مرحلة أولى من سنة 1845 إلى سنة 1856، ثم التعاون معرفيا مع الراهب الفرنسي فرنسوا بورقاد[34]. وينسب للحرايري ترجمة كتاب الراهب الفرنسي سهرات قرطاج les soirées de Carthage بُعيد صدور النص الفرنسي في نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر، وقد احترز شيوخ الزيتونة على الأمر .

 ويذكر الباحث محمد كرو ما كابده الحرايري من مضايقات النخبة العالمة المحافظة نتيجة مواقفه المتحرّرة والصادمة، ما دعاه إلى مغادرة أرض الوطن نحو باريس حيث جدّد علاقته مع فرنسوا بورقاد الذي عيّنه للإشراف على تحرير صحيفة “برجيس باريس أنيس الجليس” لمدة ثمانية سنوات.  وقد اتخذت هذه المجلّة خطا تحريريّا مضادا للخط التحريري لصحيفة “الجوائب” المتمسّك بوحدة الإمبراطورية العثمانية. فكانتا تتنافسان من حيث الإشعاع وشدّ المتابعين. و كان الحرايري خلال نشاطه الصحفي في صحيفة برجيس بريس أوّل صحفي تونسي يباشر عمله في فرنسا، ويكتب المقالة الصّحفية في شتّى أنواعها: العلمية والأدبيّة واللّغوية[35]. وبعد وفاة بورقاد، انصرف إلى التّدريس في معهد اللّغات الشّرقية إلى حدود سنة 1877 تاريخ وفاته.

عُرف الكاتب بغزارة إنتاجه الفكري الإصلاحي ما دعا أبو القاسم كرو إلى وسمه بأحد أبرز “روّاد الإصلاح الديني والعلمي والاجتماعي”[36]. فقد حملت مؤلفاته فكرا جديدا ومثلت مصدر إلهام لعدد من دعاة الإصلاح والتجديد الذين ظهروا بعده من أمثال الأفغاني ومحمد عبده وغيرهم[37]. فقد كتب في تخصّصات معرفية مختلفة كالطب والفلك والطبيعيات والجغرافيا الطبيعية والاقتصاد والشعر، وكانت الغاية من ذلك وفق رأيه نفع أهل بلاده بعلوم فرنسا المتطوّرة[38]. ولا يفوتنا التنويه بأمارات الإصلاح والتجديد وحثّ المسلمين على التّعامل مع الآخر من خلال ما كتبه في ثلاثة رسائل ألّفها سنة 1862. تعلقت الأولى “بفتوى إباحة ذكاة النصارى”، والثانية بإباحة لبس البرنيطة أو القبعة والتي وسمها الكاتب ب”أجوبة الحيارى عن قلنسوة النصارى”، و”القول المحقق في البن المحرق”[39].

كان لسليمان الحرايري موقفا متقدما مقارنة بنظرائه وفي عصره حول ضرورة الإقبال على تعلّم اللغات الأوروبية وخاصة اللغة الفرنسية، حيث أورد الكاتب وجهة نظره كاملة في موضوع تعلّم اللغة الفرنسية وسعى إلى تأسيس خطاب متماسك في مقدمة ترجمته لكتاب “نحو لومون La grammaire de Lhomond” الصادر سنة 1857، أبرز فيه استنادا إلى مستندات شرعيّة المنافع الدنيوية التي يمكن أن يجنيها العرب وخصوصا التّونسيين من حذق اللّغة الفرنسية.  فذكر أنّه ” لا يخفى على كلّ ذي بصيرة في هذا الزمان شدّة الحاجة على تعلّم اللّغة الفرنساوية الشّهيرة بين اللغات، والمعتمد عليها في جلّ المهمات. لكثرة خلطة أهلها معنا في سائر البلاد لاسيما إفريقيّة وأرض الجزائر وعدم معرفتنا بلغتهم، صار الحجاب الحاجز بيننا وبينهم، وهو سبب جهلنا بحقيقتهم وعلومهم وفنونهم النافعة[40].”

وتوقف الكاتب عند إبراز تقدّم الفرنسيين في مجال العلوم العصريّة التي صنعت سرديّة نجاح الفرنسيين وجعلتهم من أقوى أمم العالم بقوله:” وقد منّ الله تعالى بالعلوم والمعارف النّافعة على هذه الأمّة الفرنساوية كما هو مشاهد بالعيان، لا ينكره إنسان…فغالب الأمم الأخرى تترجم كتبها وتنتفع بها لأنها فاقت غيرها في الإيضاح والترتيب. طالعت كثيرا منها فوجدتها مشحونة بكثير من العلوم والحكم النافعة وتهذيب الأخلاق والحث على فعل الخير مما يفوق كثيرا كتب اليونان وغيرهم[41]“. ولقد توجه الحرايري بالنقد اللاذع لمواقف الزيتونيين المحافظين الرافضين لمعرفة لغة آخرهم المنخرط وفق التصنيف الكلاسيكي الموروث ضمن “دار الحرب” على اعتبار ما ترسّب في الأذهان والذاكرة الجمعية من عدوات قديمة عادت لتتأجّج إبّان الاحتلال الفرنسيّ للجزائر بقوله: “ويظنّون أنّ شريعتنا أمرت به كما يقول لهم العامة مع أنّ الواقع خلافه، وإنّما نهينا عن الذين يقاتلوننا في الدّين… والناس اليوم لجهلهم يلبسون هذا بذلك[42] ” .

لقد استنجد الحرايري بالتّجربة الإسلاميّة على أيّام العباسيين في الترجمة والانفتاح على الشّعوب الأخرى التي تحولت تحت وصايتها ” وكانت ملوك بني العباس معتنية بتعريب كتبهم (يقصد اليونان) والتعلّم عليهم، ومنهم أخذنا المنطق والفلسفة وعلم النجوم والطب والهندسة وغير ذلك كما هو مشهور في التواريخ، وهي إن كانت لا تخلو من كفريات واعتقادات فاسدة يجوز تعلمها إذ يجوز للإنسان أن يتعلّم كتب عبدة الأوثان والنار على سبيل الإطّلاع لا على سبيل الاعتقاد كما يتعلم ذلك النصارى.[43]“.  وأشار الكاتب إلى تخلّف الموقف التّونسي المحافظ أمام التّجارب العربية الأخرى في المشرق التي انبرت لبعث الوفود إلى فرنسا لتلقّي اللّغة والعلوم الفرنسية وكان هو أحد الشّهود على ذلك، حيث:” يأتي إلى حاضرتهم باريس كثير من أهل المشرق وغيرهم يتعلمون العلوم والفنون ويمكثون العشر سنيين وأكثر ثم يرجعون إلى بلادهم فايزين (كذا) بالمعارف والكمالات لنفع بلادهم ودولهم.[44]“. ونبّه الحرايري إلى سبب رسوخ صورة مشروخة – وفق رأيه – تحمل عداء مزمن للفرنسيين بداعي قلة الاتصال بين الجانبين، “ولو أن بعضهم يعرف لغتنا فذلك لا يكفي بل لا بدّ أن يعرف كل من الفريقين لغة الآخر ليعلم حقيقته وخلقه فيعامله بمقتضى ذلك، وإلا استمر النزاع والانحراف بينهما[45].”

لقد خلص الكاتب في نهاية تحليله إلى أنّه لا يمكن الاستمرار في اعتماد مناويل تدريس وبرامج تعليمية قديمة عفّى عليها الزّمن لأنّها لن تقدم شيئا للمجتمع، بل ستسهم في ركود النّشاط المعرفيّ والثقافيّ ما تسبب في انقطاع:” تأليف الكتب اليوم إلاّ نادرا لأنّ علماء زماننا لا يشتغلون إلاّ بالقليل من العربيّة والفقه يتعلمونه في الجوامع ويقولون لا فايدة (كذا) في تعلّم الحساب والجغرافيا والتاريخ والهندسة والطب ونحوها، وينبذون كتبها وراء ظهورهم وينهون عنها من يريد أن يتعاطاها. والناس اليوم لجهلهم يبيحون أمورا محرّمة ويحرمون أمورا مباحة أو واجبة بعقولهم من غير اعتماد على الشريعة.[46]“.

 نستنتج ممّا أسلفنا قوله أهمية مزيد توجيه العناية باللغة الفرنسية وحث التونسيين على الإقبال عليها، هو نابع من تصوره الحداثي الذي لم يكن قانعا باستخدام اللغتين التركية والعربية، على اعتبار ظهور تآليف جمة حاملة لمعارف جديدة ومكتوبة باللغات الأجنبية. ولقد قاسمته هذه القناعة جملة الوفود والبعثات الطلابية العربية والإسلامية الوافدة على باريس وكانت قد طلبت منه استصدار فتاويه تجعلهم في حلّ من تتبع الشرع الإسلامي عند إتيان أو ممارسة جملة من السلوكات النابعة من الثقافة الغربية. كما ترسخت للكاتب قناعة في حدوث تحوّلات عميقة في مستوى استخدام اللغات الأوروبية بعلاقة بالتحولات الجيو- سياسية التي يعرفها العالم.

4-    الخاتمة

سعت المركزات السياسية في الممالك العربية خلال القرن التاسع عشر إلى الانخراط في الظّرفية الدّولية الجديدة، بعد أن تبيّن لها أنّ الحفاظ على نفس أدوات التسيير والحكم القديمة وتدبير شؤون الحياة على النمط المتوارث لا يمكن أن يُفضي إلاّ إلى مزيد من التقهقر، والخضوع لمعاهدات واتفاقيات مرهقة. لقد أثبتت السياقات الجديدة أن سياسة الانكفاء والانعزال والتي كان قد لجأ لها العرب منذ انقضاء ما عرف بزمن الحروب الصليبية لم تعد مجدية ولا يمكن أن تشكّل طوق نجاتهم. وفي هذا الخضم، ظهرت توجهات جديدة يقودها مجموعة من الحداثيين والمطّلعين على تاريخ أممهم، وأمم أوروبا وما تشهده من تحولات سريعة في اتجاه الرقي والنمو والقوة، على غرار الطهطاوي والشدياق وسليمان الحرايري وخير الدين ومحمود قابادو والجنرال حسين وغيرهم، الذين وجدوا في الانفتاح على أوروبا خير وسيلة للنهوض رغم ما كان يشوب دعوتهم من احتراز تيّار محافظ قويّ ومتماسك، ولكن أسعفتهم قدرتهم على بناء خطاب يجمع بين الاستدلال التّاريخي والشّرعي للدفاع عن أطروحتهم والدفع برموز السلطة للسير في توجهاتهم.

لم يكن لرموز الحكم في تونس في بداية العقد الرابع من القرن التاسع عشر من خيار سوى الانفتاح على الخارج وخصوصا أوروبا الغربية التي بانت منها علامات التمدّد والاستعمار. فقد حلت فرنسا بالجزائر واستعاد العثمانيون زمام المبادرة في طرابلس، وأضحت حدود الإيالة الطامحة في تعميق استقلاليتها تحاصرها قوى لا يقدر البايليك على صدها من الجنوب والغرب . وقد أنعشت هذه السياقات مشاعر التّوجس من حلول الأجنبي الغازي الذي سيكون في هذه المرة قادما من أوروبا. لذلك لم يكن أمام الدّولة التّونسيّة من خيارات سوى حثّ طلبتها للإقبال على تعلم اللغات الأوروبية وخصوصا اللغة الفرنسية التي كانت الأكثر استعمالا في العلاقات الدبلوماسية الدولية. وفي ظلّ نقص الكفاءات التونسية في تملّك ناصية لغات أوروبا، فقد لجأ مصطفى خزندار إلى انتداب أحد الشاميين المطّلعين على حضارة أوروبا والعارفين بلغاتها. فأجزل له العطاء وساعده في طباعة كتبه مقابل أن يخلص له في نقل أخبار أوروبا وحتى الدولة العليّة مما يتم ذكره من مقالات صحفية أو ما يعاينه في مدينة إسطنبول رغم أنّه لم يكن منشغلا بأمر الترجمة والبحث عن مترجمين لترجمة المعارف والعلوم الأوروبية، بقدر انشغاله باستطلاع الأخبار ومعرفة التّوجّهات العامّة للقوى الغربيّة في سياستها الدّوليّة.

ولئن غاب دور الترجمة في الرقي بالشعوب ودورها الفاعل تطويرها في ذهن مصطفى خزندار، فإنه ظلّ حاضرا في فكر سليمان الحرايري الذي أسس لخطاب يدعو فيه إلى ضرورة إتقان اللّغات الأوروبية وتوظيفها في نقل العلوم الغربية التي أثبتت نجاعتها. وقد استند الكاتب في بناء خطابه لاستنهاض الهمم لمشاريعه الإصلاحية إلى الاستشهاد بتجربة المسلمين في العهد العباسي، حينما أثمرت الترجمة نتائج باهرة بفضل ذلك الانفتاح على الآخر المختلف. فقد سعى بنو العباس إلى النهل من التراث العلمي الهندي والفارسي والبيزنطي والمصري وتوجيه الدعوات لشعوب تلك المجالات للاندماج ولتصبح أحد المكونات المهمة في المشهد السياسي والثقافي الجديد للإمبراطورية العباسية.

ورغم اختلاف السياقات بين العصر العباسي وحال الشعوب المسلمة في القرن التاسع عشر بظهور الحركات التبشيرية المريبة و الإعلان الرسمي عن بدء مرحلة الاحتلال المباشر، واقتسام ما بقي من الإمبراطورية العثمانية المنهكة، ما جعل حماة الهوية – المؤسسة الزيتونة والأزهرية والقروية – تتهيّب من تسرب معارف الغرب الجديدة التي بان تحررها من سلطة الديني. وأمام هذا التهيّب الشرقي/ فقد حاول الحرايري كغيره من الحداثيين التأسيس لخطاب يمنح الطمأنينة في نفوس المتوجسين من الجرأة المعرفية الأوروبية، مبرزا مدى استفادة المسلمين من قبل من علوم الإغريق رغم ما كان يشوبها من إلحاد على حدّ تعبيره، مشدّدا على ضرورة الاكتفاء عند حدّ ترجمة ما يسميه العلوم النافعة والامتناع عن غيرها. ورغم أهمية ما دعا إليه الحرايري من ضرورة الانتفاع بما بلغه الفرنسيين من تقدم في المعارف محيلا على التجربة الجزائرية ومدى استفادتها من علوم فرنسا إلا أن السياقات العامة وارتسام صورة فرنسا في الذهنية المغاربية كقوة غازية حالت دون السير في توجهات الحرايري رغم اجتهاده في الدفاع عنها.

قائمة المصادر والمراجع:

المصادر:

  • الأرشيف الوطني التونسي، الصندوق 221، الملف 364، سنة 1841 حول بعثة خير الدين كاهية دار الباشا وأحمد بن ابي الضياف كاتب سر الباي لدى الدولة العثمانية للتفاوض بشأن الإعانة السنوية وتطبيق التنظيمات.
  • السلسلة التاريخية، صندوق 78، ملف 926، وثيقة رقم2، وموضوعها رسائل أحمد فارس الشدياق إلى مصطفى خزندار.
  • أحمد فارس الشدياق (2013)، الساق على الساق فيما هو الفارياق، المكتبة العربية، تحقيق همفري ديفيز، جامعة نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية.
  • أحمد فارس الشدياق (2012)، الواسطة في معرفة أحوال مالطا، تقديم عصمت نصّار، دار الكتاب المصري، القاهرة،
  • خير الدين التونسي (2013)، أقوم المسالك في معرفة احوال الممالك، تمهيد وتحقيق المنصف الشنوفي، بيت الحكمة، تونس.
  • رفاعة رافع الطهطاوي (1991)، تخليص الإبريز في تلخيص باريز، الدار العربية للكتاب، تونس.
  • أبو القاسم كرو (2001)، سليمان الحرائري مع فتاويه، مؤسسات بن عبد الله للنشر والتوزيع، تونس.

المراجع:

  • أماني جعفر الغازي (2020)، »الترجمة في الدولة العثمانية« ، مجلة جامعة الملك عبد العزيز للآداب والعلوم الإنسانية، جدةبشير التليلي (2010)، العلاقات الثقافية والإيديولوجية بين الشرق والغرب في البلاد التونسية خلال القرن التاسع عشر، ترجمة عبد المجيد البدوي، دار سيناترا، تونس،
  • جاك تاجر (2014)، حركة الترجمة بمصر خلال الفرن التاسع عشر، مؤسسة هنداوي، مصر.
  • حسن الضيقة (2002)، دولة محمد علي والغرب، المركز الثقافي العربي، بيروت لبنان.
  • حفناوي عمايرية (1994)، فجر التنوير العربي الحديث: الصلات الثقافية والفكرية بين تونس وأقطار المشرق (1846- 1881)، نقوش عربية، تونس.
  • عادل الكوكي (2021)، مصطفى خزندار: دراسة بيوغرافية واقتصادية، دار المسيرة.
  • عادل النفاتي (2020)، الجغرافيا الثقافية لأوروبا القرن التاسع عشر في متخيّل الرحالة العرب، المتوسطية للنشر، تونس.
  • فتحي القاسمي (1992)، محمد بيرم الخامس، »الكشف الأبهر في الموازنة بين تعليم المدارس والأزهر«، المجلة التاريخية المغاربية، عدد 65 – 66.
  • فتحي القاسمي (2015)، »حركة الترجمة بتونس في القرن التاسع عشر«، مجلة ميزان الترجمة، المركز الوطني للترجمة، لعدد الأول.
  • محمد سواعي (2003)، »أحمد فارس الشدياق ورأيه في بعض المستشرقين وفي مشكلات الترجمة«، مجلة مجمع اللغة العربية، دمشق، المجلد 78، المجلد الأول.
  • محمود عبد المولى (1977)، مدرسة باردو الحربية تونس، الدار العربية للكتاب.
  • الهادي التيمومي (2010)، تونس والتحديث (1831 – 1877)، أول دستور في العالم الإسلامي، دار محمد علي للنشر، تونس.

المراجع باللغة الفرنسية:

  • Brahim Jadla (2015), Entre le ḥalāl et le ḥarām : les fatwas d’un tunisien vivant à Paris au milieu du XIXe siècle. Les Sens du halel, soud la direction de Florence Bergeaud-Blackler. CNRS Éditions. Paris 20.
  • Christian Windler (2003) : La Diplomatie comme expérience de l’autre. Consuls français au Maghreb (1700-1840), 2002. In : Dix-huitième Siècle, n°35. L’épicurisme des Lumières, sous la direction de Anne Deneys-Tunney et Pierre-François Moreau. pp. 613-614.
  • Christian Windler (2003) Diplomatie et interculturalité : les consuls français à Tunis, 1700-1840. Revue d’histoire Moderne et Contemporaine pp4-50.

[1]– فتحي القاسمي (2015)، »حركة الترجمة بتونس في القرن التاسع عشر«، مجلة ميزان الترجمة، المركز الوطني

للترجمة، لعدد الأول، ص 28.

[2]– أماني جعفر الغازي (2020)، »الترجمة في الدولة العثمانية«  ، مجلة جامعة الملك عبد العزيز للآداب والعلوم الإنسانية، جدة، العدد 6،  ص168.

[3]– المرجع نفسه، ص163.

[4]– المرجع نفسه، ص170.

[5]– فقد كان السلاطين ورجال حاشيتهم وبلاطهم يرفضون تعلم لغات من كانوا باعتقادهم “كافرين”، لكن مع هذا الجهل بلغات الآخرين، لم يكن للسلطنة من مناص من التعامل مع أوروبا، ولم يكن هناك مدارس للترجمة وللغات الأوروبية لدى السلطنة، لذلك استعان العثمانيون بطائفة من اليونان الكاثوليك كانوا مواطنين في فينيسيا الإيطالية، واستقدموهم ليعيشوا في إسطنبول، هؤلاء كانوا يتقنون لغات عدة. وقد توفرت لهؤلاء حظوة وفيرة لعملهم في الترجمة، فآثروا الحياة في إسطنبول، حتى أن بعضهم كان يتمتع بمزايا السفراء لأنهم وحدهم كانوا القادرين على التعامل مع سفارات أوروبا ومبعوثيها إلى السلطنة. قد كان شبح تهمة الخيانة يُطاردهم في أعمالهم وأرزاقهم، فكان لا بد من اتخاذ كل وسائل الحيطة والحذر في عملهم للحفاظ على حياتهم وامتيازاتهم وأرزاقهم، فكانوا ل يرون ضررا في إضافة بعض الفقرات في ترجمة نص رسالة مبعوث أوروبي إلى سلاطين وباشوات السلطنة العثمانية، بما يجعل هؤلاء السلاطين والباشوات يشعرون بالعظمة التي اعتادوا عليها.

[6]  – أماني جعفر الغازي (2020 )، »الترجمة في الدولة العثمانية«، مرجع سابق، ص175.

[7]– جاك تاجر (2014)، حركة الترجمة بمصر خلال الفرن التاسع عشر، مؤسسة هنداوي، مصر، ص25.

[8]– المرجع نفسه، ص35.

[9]– المرجع نفسه، ص45.

[10]– المرجع نفسه، ص23.

[11]– الهادي التيمومي (2010)، تونس والتحديث (1831-1877)، أول دستور في العالم الإسلامي، دار محمد علي للنشر، تونس، ص75.

[12]– بشير التليلي (2010)، العلاقات الثقافية والإيديولوجية بين الشرق والغرب في البلاد التونسية خلال القرن التاسع عشر، ترجمة عبد المجيد البدوي، دار سيناترا، تونس.  ص596.

[13]– الأرشيف الوطني التونسي، الصندوق 221، الملف 364، سنة 1841 حول بعثة خير الدين كاهية دار الباشا وأحمد بن ابي الضياف لدى الدولة العثمانية للتفاوض بشأن الإعانة السنوية وتطبيق التنظيمات..

[14]– فتحي القاسمي (2015)،» حركة الترجمة بتونس في القرن التاسع عشر«، مرجع سابق، ص31.

[15]– محمود عبد المولى (1977)، مدرسة باردو الحربية تونس، الدار العربية للكتاب، تونس، ص114.

[16]– رغم خوض المغرب الأقصى بدوره لحركة إصلاحية منذ بدايات القرن التاسع عشر وانشغال سلاطينه بتطوير العلم والمؤسسات التعليمية، إلا أن حركة الترجمة انطلقت فيه بصفة متأخرة نسبيا مع تأسيس مدرسة طنجة في موفى القرن، وكانت تعول على المترجمين من رعاياها ومن الجزائريين واليهود في عمليات ترجمة النصوص المكتوبة باللغات الأوروبية. 

[17]– سواعي محمد (2003)، »أحمد فارس الشدياق ورأيه في بعض المستشرقين وفي مشكلات الترجمة«، مجلة مجمع اللغة العربية، دمشق، المجلد 78، ، الجزء الأول، ص33.

[18]– أحمد فارس الشدياق (2013)، الساق على الساق فيما هو الفارياق، المكتبة العربية، تحقيق همفري ديفيز، جامعة نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية، ص478.

[19]– نفسه، ص568.

[20]–  فالرسالة الأولى عبارة عن رسالة قصيرة مدونة بتاريخ 16/02/1847 يذكر فيها الشدياق ما قام به من خدمات لفائدة الدولة التونسية من تتبع اخبار الصحف المالطية بقوله:” إني بعثت سابقا إلى جنابكم الرفيع ما رأيت تعريبه من الأخبار جديرا بأن يعرض على جناب مسامعكم…فبادرت إلى تعريب ما وجدته من عدة جرنلات، راجيا أن يصادف وصوله ساعة رضى من خاطر المشير”. الأرشيف الوطني التونسي الوثيقة رقم 1، ملف 926، صندوق 78.

[21]– انظر جدول المناصب السياسية التي تقلدها مصطفى خزندار في الفترة ما بين 1837–1873، ص 65 من كتاب عادل الكوكي، (2021) مصطفى خزندار: دراسة بيوغرافية واقتصادية، دار المسيرة، تونس.

[22]– الأرشيف الوطني التونسي، من رسالة مؤرخة في أواخر فيفري 1848 موجهة الى مصطفى خزندار، وثيقة رقم2، ملف 926، صندوق 78.

[23]– المرجع نفسه، ونفس المراسلة.

[24]– »لن أغفل بعد الآن بحوله تعالى عن تقييد ما أجده في جرنالات مالطة ولندرة، وكذلك لا آلو جهدا في تقييد ما اسمعه من أفواه الثقات، فإن الذود إلى الذود وابل، ولو لا مخالفة فوات الفرصة الآن، لأضفت إلى ما عرفته اضافة لا تخلو من الفائدة ولكن للتأخير آفات…الأرشيف الوطني التونسي، رسالة رقم 3، ملف 926، صندوق 78.

[25]– أبو القاسم كرو (2001)، سليمان الحرائري مع فتاويه، مؤسسات بن عبد الله للنشر والتوزيع، تونس، ص96.

[26]– الأرشيف الوطني التونسي، من رسالة مؤرخة سنة 1865 موجهة الى مصطفى خزندار، وثيقة رقم7، ملف 926، صندوق 78.

[27]– الأرشيف الوطني التونسي، من رسالة مؤرخة في 1853 موجهة الى مصطفى خزندار، وثيقة رقم 5، ملف 926، صندوق 78.

[28]– “أمّا بعد فقد وجهت عنايتي برهة إلى مطالعة الرحلة العجيبة، التي انتصبت للمسترشد إلى مكارم الأخلاق دالة ومجيبة. ونزهت ناظر الفكر في رياضها، واستعذبت الورد من سلسل حياضها. فوجدناها شاهدة لصاحبها بما لا نجهله من التقدم والعرفان، وبأنه كاسمه من فرسان ميادين البيان. حيث اعربت عمّا يمدح أو يذم من عوائد البلدان وافصحت عن تقدم الافرنج في التمدن والتهذيب، ووصولهم بحسن الترتيب وادمان التدريب، إلى غاية الاختراع يحتار في تصور أسبابها اللبيب[28]”. صحيفة الجوائب عدد 113 الاربعاء 16/ 9/ 1863. ورد بكتاب فجر التنوير ص 102.

[29]– الأرشيف الوطني التونسي، من رسالة مؤرخة في 1853 موجهة الى مصطفى خزندار، وثيقة رقم 9، ملف 926، صندوق 78.

[30]– المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

[31]– جاك تاجر (2014)، حركة الترجمة بمصر خلال الفرن التاسع عشر، م مرجع سابق، ص12.

[32]– أبو القاسم كرو (2001)، سليمان الحرائري مع فتاويه، مؤسسات بن عبد الله للنشر والتوزيع، تونس، ص11.

[33]– سليمان الحرايري، من مقدمة ترجمة نحو لومون الفرنساوي إلى العربية، ورد في كتاب سليمان الحرايري مع فتاويه، مرجع سابق، ص122.

[34]– راهب فرنسي عاش بين 1806 – 1866، ساهم في انجاز عدد من المشاريع الخيرية في مدينة تونس ومنها مشفى ومدرسة ومطبعة. شغل وظيفة مرشد كنيسة سان لوي بقرطاج حال افتتاحها من سنة 1841 إلى 1858. اهتم عند حضوره بتونس بالتاريخ القرطاجي وجمع عدد من القطع الاثرية البونية وكان أول من بعث المتحف التونسي. عند عودته إلى باريس أنشا لويس بورقاد صحيفة برجيس بريس (صقر باريس) ناطقة باللغة العربية.

[35]– أبو القاسم كرو (2001)، سليمان الحرائري مع فتاويه، مرجع سابق، ص13.

[36]– المرجع نفسه، ص14.

[37]– المرجع نفسه، ص23.

[38]– المرجع نفسه، ص134.

[39]– ولقد طرح بالمغرب ذات المشكل حول تناول مشروب الشاي بداعي استخدام السكر المجلوب من أوروبا والاحتراز من المواد المستعملة في تجميده في شكل مكعبات.

[40]– سليمان الحرايري (2001)، من مقدمة ترجمة نحو لومون الفرنساوي إلى العربية، ورد في كتاب سليمان الحرايري مع فتاويه، مرجع سابق ، ص122.

[41]– المرجع نفسه، ص124.

[42]– المرجع نفسه، ص122.

[43]– المرجع نفسه، ص125.

[44]– المرجع نفسه، ص130.

[45]– المرجع نفسه، ص123.

[46]  – سليمان الحرايري (2001)، من مقدمة ترجمة نحو لومون الفرنساوي إلى العربية مرجع سابق، ص125.

 

 

مقالات أخرى

تعدّد الطّرق الصّوفيّة

جماليّة التّناصّ في الشّعر الصّوفيّ

خوارزميات التّساؤل

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد