الثّقافة الصّهيونيّة

ملخص:

يهدف هذا البحث إلى الإحاطة بمصطلح الصّهيونيّة عند المفكّر عبد الوهّاب المسيري، من خلال الخوض في مراحل النّشأة وعلاقته بالمسألة اليهوديّة. وتحدونا رغبة جادّة في تأصيل هذا المفهوم بالإلمام بالخفايا والخبايا المستكينة خلف تجذّره في العالمين العربي والغربي من خلال عرض صور مجازيّة تصف علاقته بالواقع. 

كلمات مفتاحية: الصّهيونيّة؛ عبد الوهّاب المسيري؛ اليهوديّة؛ العالمان العربي والغربي؛ صور مجازيّة.

 Abstract:

This modest research aims to understand the term Zionism for the thinker Abdel Wahhab El-Messiri, by delving into the stages of its establishment and its relationship to the Jewish question. We have a serious desire to root this concept by getting acquainted with the mysteries and mysteries that lie behind its roots in the Arab and Western worlds, by presenting metaphorical images that describe its relationship to reality.

Keywords: Zionism; Abdel Wahhab El-Messiri; The Jewish; The Arab and Western Worlds; Metaphorical Images.


1- مقدّمة:

يخضع العالم العربي لعديد الحركات والمنظّمات الدّوليّة المنبثقة من العوالم المتقدّمة. ومثّل العالم الغربي نواة الاحتلال والتّجبّر، المستنزِف لثروات الدّول المستضعفة، والمستغلّ لخيراتها ومواردها تحت راية الحماية والتّعمير. بيد أنّ ظاهر الاستعمار سلام وباطنه حرب، لذلك اعتبرت النّرجسيّة والسّعي الدّائم إلى الحفاظ على القوّة والنّفوذ سببا أساسا في ترسيخ النّزعة الاستعماريّة الّتي اتّصفت بالخراب والتّدمير والتّقتيل والاغتصاب والاستبعاد والاستعباد، ناهيك عن ضرب كلّي للإنسانيّة وطمسها.

أهمّيّة البحث:

يلاحظ الباحث أنّ تحقيق الإنسانيّة ليس بالأمر الصّعب، فيستطيع الإنسان أن يعيش مع الآخر، على غرار اختلاف الدّين والمذاهب والعقائد، فيتواصل معه إيجابيّا، ويتحقّق الانسجام والوئام، ولا توجد المجازر والحروب إلّا عند حضور النّرجسيّة والجبروت وحبّ الذّات. ويمكن التّعايش فوق الأرض في سلام مع تأميم الثّروات، ولكنّ الإنسان ذئب لأخيه الإنسان، يملك داخل نفسه ذلك الشّعور بالتّعالي، يريد نشر الإذلال والعبوديّة لتتحقّق مآربه الدّنيئة القاتلة والقاهرة، ويحقّق ملذّاته ونزواته اللّامتناهية. 

هدف البحث:

تعتبر الصّهيونيّة من الحركات المنبثقة من الفكر اليهودي بعد هجرة اليهود من الدّول الأوروبّيّة واتّخاذهم من الاحتلال واغتصاب أراضي الغير سبيلا. وحريّ على الباحث التّطرّق إلى كيفيّة نشأة الصّهيونيّة وذلك بدراسة أنثروبولوجيّة للمجتمع اليهودي من خلال آراء المفكر عبد الوهاب المسيري، ومعرفة كيفيّة انتقال الصّهيونيّة اليهوديّة داخل المجتمعات، وخاصّة منها المجتمع العربي الفلسطيني، والتّطلّع إلى الأفكار المؤسّسة للصّهيونيّة، والغايات المنشودة المستكينة وراء الاحتلال الصّهيوني الإسرائيلي للأراضي الفلسطينيّة.

مشكلة البحث:

يهدف هذا البحث إلى إعطاء صورة جليّة عن علاقة المسألة اليهوديّة بالنّظاميْن الإقطاعي والرّأسمالي، والإحاطة بجوانب الحركة الصّهيونيّة، ودراسة الصّور المجازيّة الواصفة للصّهيونيّة بعين المسيري النّاقدة، من خلال الإجابة على هذه الأسئلة:

1- كيف تتمخّض المسألة اليهوديّة بين النّظامين الإقطاعي والرّأسمالي؟

2- ماهي أهداف الصّهيونيّة؟

3- فيم تتمثّل الصّور المجازيّة الواصفة للصّهيونيّة حسب عبد الوهّاب المسيري؟

منهج البحث:

وقد حاولنا أن نتناول هذا البحث من خلال منهجيّة تحمل منهجيْ التّحليل والنّقد، واستقراء النّصوص انطلاقا منها على آراء أصحابها، وكان البحث عبر التّصميم الآتي: شمل هذا البحث على مقدّمة وثلاثة مباحث وخاتمة وفهارس للهوامش والمراجع.

فالمقدّمة فيها افتتاحيّة البحث، وأهمّيّته، وهدفه، ومشكلته، ومنهجه. وعنونت المباحث كالآتي؛ المبحث الأوّل: الصّهيونيّة والمسألة اليهوديّة بين النّظامين الإقطاعي والرّأسمالي، والمبحث الثّاني: الصّهيونيّة بين الإحلال والعمالة. والمبحث الثّالث: الصّهيونيّة آليّة نفوذ الدّول الغربيّة من خلال صور مجازيّة. واختتم البحث بخاتمة احتوت أهمّ النتائج والاستنتاجات الّتي توصّل لها الباحث. ثمّ تابعت الخاتمة فهارس الهوامش والمصادر والمراجع.

2- المسألة اليهوديّة بين النّظامين الإقطاعي والرّأسمالي:

انطلاقا من فكرة العيش في الأرض الطّاهرة وحماية حقوق الأشخاص والممتلكات، وكلّ ما يتّصل بالحقوق والحرّيّات تنبثق فكرة السّلام وإفشائه صلب المجتمعات الإنسانيّة. ويتعارض مع السّلام الحرب، إذ أخذت الحرب منحى سلبي وخطاب أخلاقي ضدّ الإنسانيّة. وأخذت الحرب قيمة تفسيريّة وتحليليّة، إذ تداولت بشكل عملي واعتبرت من اللّاأخلاقيّات، وتوجّهت الحرب في سياق لا إنساني، حيث أنّ التّطرّق إلى مصطلح الحرب مهما تنوّعت الغايات والهموم والأسباب، ارتبط بشكل وثيق بالعبثيّة والفساد والعنف والسّلبيّة. ومن هذا المنطلق، نتطرق إلى تحليل الحرب الّتي شنّتها إسرائيل من خلال الاهتمام بحركة الصّهيونيّة (وهي غربيّة المنشأ، استعماريّة الأهداف، عنصريّة المضمون. وقد استمدّت مقوّماتها من مصادر يهوديّة وغير يهوديّة واستفادت من عقيدة المخلص اليهوديّة. وعبّرت عن الصّليبيّة الأوروبيّة، وارتبطت بقوى الاستعمار الغربي، فجاءت ولادتها في وزارة الخارجيّة البريطانيّة والمقرّ الإمبراطوري في باريس، ودهاليز القصور القيصريّة في ألمانيا وروسيا القيصريّة. أمّا الاسم الّذي حملته فقديم وهو ساميّ عربي)[1] وجذورها داخل الشّرق الأوسط، من خلال فكر المفكّر عبد الوهّاب المسيري، الّذي يسعى إلى بسط ثقافة العدل من خلال الفهم العميق والغوص في نزع الغموض عن الواقع المركّب، لذلك يرى المسيري أنّ القيم الأخلاقيّة لا ترفض الخوف في تحليل الواقع الإنساني لمعرفة الأهمّيّة من التّحليل والتّفسير الّذي يكتشف منه حالة الإنسان الحقيقيّة، والسّعي لترسيخ العدل ونشره، وتصحيح المسارات ومعالجتها وإيجاد الحلول، إذ “لا ترفض القيم الأخلاقيّة ولا تنكر ضرورتها للإنسان كإنسان ولا تقلّل من أهمّيّة الاعتبارات العمليّة، بل ترى أنّ التّفسير (التّفكيك والتّركيب) لا بدّ أن يترجم نفسه في نهاية الأمر إلى فعل إنساني فاضل وإلى شيء يعود على الإنسان بالنّفع”[2].

يذهب الكثير من الباحثين إلى تصنيف الحركة الصّهيونيّة بأنّها حركة منبعها الدّين اليهودي وأنّ جذورها يهوديّة، وتحمل داخلها النّزعة النّازيّة والعنصريّة، وهي انحراف عن الحضارة الغربيّة الدّيمقراطيّة. ويؤسّس عبد الوهاب المسيري لرؤية متباينة مع هذه الآراء من خلال التّطرّق إلى العلاقة الرّابطة بين الرّأسماليّة (هي النّظام الاقتصادي والاجتماعي الّذي حلّ محلّ النّظام الإقطاعي، وتقوم الرّأسماليّة على الملكيّة الخاصّة لوسائل الإنتاج واستغلال العمل المأجور واستخلاص فائض القيمة، والملامح المميّزة للرّأسماليّة كما أوضحها كارل ماركس؛ فوضى الإنتاج والأزمات الدّوريّة والمنافسة المتوحّشة والبطالة المزمنة والفقر المتزايد (الافتقار))[3] والمسألة اليهوديّة، إذ طرأت نهاية القرن 14م على المجتمعات الغربيّة تغيّرات وتحويرات، فقامت الثّورات والحركات الفكريّة والاقتصاديّة المتعدّدة، خلال عصر النهضة والسّعي كالإصلاح الدّيني، وحركة التّنوير والثّورة العلميّة والصّناعيّة والتّكنولوجيّة والثّورة الفرنسيّة. إذ تحمل الرّأسماليّة هدف الإنتاج والتّوزيع وإعادة بناء الطّبقات الاجتماعيّة.

ومن ثمّ، فإنّ الطّبقة اليهوديّة أو أعضاء الجماعات اليهوديّة، لم يكونوا مواطنين أو فلّاحين أو من الفرسان المحاربين، ولم يكونوا يتْبعون الكنيسة الكاثوليكيّة، لأنّ الانتماء للمجتمع الكنسي يفرض ضرورة الولاء المسيحي، ويستحيل هذا على الجماعات اليهوديّة، إلّا في صورة إذا ما اعتنقوا المسيحيّة. وحلّت المشكلة قانونيّا من خلال العرف الألماني، إذ تمّ تصنيف الجماعات اليهوديّة إلى غرباء، و”كان الغريب في العرف الألماني تابعا للملك تبعيّة مباشرة. ومن ثمّ، فقد أصبح أعضاء الجماعة مسؤولين مسؤوليّة مباشرة أمام الملك أو الإمبراطور، يتْبعونه وموضوعين تحت حمايته، بل كانوا يُعدُّون ملكيّة خاصّة له. الأمر الّذي حولهم إلى ما يشبه أدوات إنتاج. وكان الملك يفرض عليهم ضرائب كانت تصبّ في خزانته كما أنّه كان يبيعهم المواثيق والمزايا ويحقّق من ذلك أرباحا”[4].

لقد أصبح اليهود من الجماعات الوظيفيّة الماليّة التّابعة للطّبقة الحاكمة، إذ تمتّع أعضاؤها بحقوق أساسيّة مثلهم مثل الشّعب والنّبلاء ورجال الدّين. لكن ما يجب التّنويه به، أنّ عضو الجماعة اليهوديّة ليس له تأثير، وكان يعيش رغم تبعيّته للملك والسّلطة الحاكمة في إطار يغيب فيه الحبّ والشّعور بالانتماء إلى المجموعة، فهو يعيش اغترابا وعزلة، ممّا أدّى إلى ضرورة توطيد العلاقة بين الجماعة اليهوديّة الوظيفيّة والنّخبة الحاكمة والإمبراطور. الأمر الّذي جعل الجماعة الوظيفيّة اليهوديّة تضطلع بوظائف حياديّة.

وقد أشار المسيري إلى عدّة ظروف ساهمت في تأصيل التميّز الوظيفي للجماعات اليهوديّة، إذ أنّ انهيار الإمبراطوريّة الرّومانيّة وانهيار النّظام التّجاري، ساهم في انقسام العالم إلى قسمين؛ العالم الإسلامي والعالم المسيحي، حيث أضحت المبادلات التّجاريّة صعبة بين العالمين خاصّة مع اختلاف الدّين والقوانين الّتي تحكمه، والسّنن والتّشريعات الّتي تنظّم المجال التّجاري. وبذلك أصبحت الجماعات الوظيفيّة اليهوديّة تلعب دور الوساطة، وتمثّل حلقة الوصل الوحيدة بين العالمين. ولعبت دور الأقلّيّة الدّينيّة داخل المجتمع الإقطاعي المسيحي، وكانت المجتمعات المسيحيّة الزّراعيّة تمكّن الأقلّيّات من وظيفة التّاجر، واليهود آنذاك يعيشون في مجتمع إقطاعي وكان لهم مكانة جليّة وهي دور التّاجر والمؤتمن، حيث كانت شبكة الاتّصالات التّجاريّة اليهوديّة الواسعة تمتدّ على البحر الأبيض المتوسّط. ومثّل بذلك المجتمع اليهودي أقلّيّة داخل المجتمع الكنسي المسيحي، وكان له حرّيّة التّنقّل، ولعب دور الوسيط. وكان الفلّاحون المسيحيّون مرتبطين بالأرض، وكان النّبلاء لا وظيفة لهم خارج إقطاعيّاتهم، وكان رجال الكنيسة مرتبطين بكنائسهم. وشنّت الضّرائب على التّجّار المسيحيّين ووقفت في طريقهم، وكان اليهود معفوْن منها. وحسب المسيري، فإنّ هذه العوامل ساهمت في تحويل أعضاء الجماعات اليهوديّة إلى عنصر استيطاني تجاري متحرّك.

وتعتبر الصّهيونية فكرة ذات جذور غربيّة بشكل أساسي، وهي عبارة عن عبوّة أنتجها بعض من المفكّرين الغربيّين لحلّ ما يسمى بـالمسألة اليهوديّة، الّتي شغلت المجتمع الأوروبي بعد الثّورة الصّناعية. و”بحلول القرن الثّالث عشر الميلادي أصبح أعضاء الجماعات اليهوديّة في المجتمعات الغربيّة في العصور الوسطى جماعات وظيفيّة وسيطة تشكّل جسما غريبا بمعنى الكلمة وتعيش على هامش المجتمع أو في مسامه وتؤمن بدين معاد للدّيانة الرّسميّة، يرتدون أزياء خاصّة بهم ويتّسمون بأسماء يهوديّة، ويتحدّثون برطانات غريبة أو يتحدّثون أحيانا بلغة غير لغة أهل البلاد، مثل الفرنسيّة في إنجلترا والألمانيّة ثم اليديشيّة في بولندا، ويعملون في وظائف هامشية مثل التجارة والربا”[5].

ومن الملاحظ أنّ الدّول الغربيّة انتقلت من الإنتاج الإقطاعي إلى الإنتاج الرأسمالي، من خلال ظهور المدن وارتفاع حجم التّجارة بين الدّول وزيادة الصّناعات المحلّيّة، حيث اتّجه الكثير من النّاس إلى المدينة هروبا من القرية، ممّا أثّر في مردوديّة الأراضي الإقطاعيّة، وتزامن ذلك مع ظهور الموت الأسود أي مرض الطّاعون الّذي ضرب أوروبّا، وتوفّي حوالي ثلث السّكّان ممّا أثّر في تراجع نسبة اليد العاملة، فازدهرت المدن وضعفت القرى، فتراجع الإنتاج الإقطاعي، وتسبّبت في هذا التّدهور حروب الفرنجة الّتي أبادت النّبلاء الإقطاعيّين، وكذلك حرب المائة عام الّتي ثار فيها الفلّاحون، فعمّت الفوضى الاجتماعيّة والاقتصاديّة. ومن الأسباب السّياسيّة الّتي ساهمت في تراجع وإضعاف النّظام الإقطاعي، بروز الملكيّات القوميّة القويّة في إنجلترا وفرنسا. حيث شيّدت الجيوش النّظاميّة المستقلّة عن النّظام الإقطاعي، وأصبح الملك يتمتّع بقبضة قويّة وبأوامر توجّه للأمراء والإقطاعيّين وكبار الفلّاحين، إذ حاول الملوك التّحالف مع الجماعات الهامشيّة كالتّجّار وسكّان المدن لضرب النّظام الإقطاعي. ومن ثمّ، نستنتج أنّ اليهود انتقلوا من المرحلة الهادئة والمستقرّة داخل المجتمع الإقطاعي إلى مرحلة متذبذبة، ووقع ضرب للجماعات اليهوديّة عندما برز تجار دوليّين مسيحيّين، وتشكّلت الأساطيل التّجاريّة المسيحيّة، الّتي تمتّعت بدعم الدّولة. فضعفت قبضة التّجّار اليهود على التّجارة الدّوليّة وأصبحوا يشتغلون بالتّجارة الدّاخليّة والإقراض بالرّبا.

ساهم تحوّل المجتمع الغربي من المرحلة الإقطاعيّة إلى المرحلة الرّأسماليّة في تدهور وضع الجماعات اليهوديّة وسمّيت هذه النّقلة بـ”المسألة اليهوديّة”، وهي ظاهرة اجتماعيّة واقتصاديّة. وقد شبّهها عبد الوهاب المسيري بالمسألة اليونانيّة والمسألة الإيطاليّة في مصر، والمسألة العربيّة في إفريقيا، حيث لعب “اليونانيّون والإيطاليّون والعرب دور الجماعة الوظيفيّة ووقعوا ضحيّة للتّطوّر التّاريخي الّذي طرأ على مجتمعاتهم وأصبحوا جماعات وظيفيّة بلا وظيفة، وقد حلّت المسألة اليونانيّة في مصر برحيل كثير من اليونانيّين إلى اليونان، أو إلى أي بلاد أخرى، وتبقّى من تبقّى منهم بعد اندماجهم في المجتمع المصري وتقبّل وضعهم دون تميّز حضاري أو مهني”[6].

ومن ثمّ، فقد مرّ التّاريخ نفسه على الجماعات اليهوديّة في إنجلترا وفرنسا، حيث طرد أغلب اليهود واندمج البقيّة مع السّكّان، وهاجر التّجّار المطرودون إلى المجتمعات الّتي ما زال فيها النّظام الإقطاعي مهيمن ومستقرّ وثابت. فانسحبوا من وسط أوروبا واتّجهوا إلى شرق أوروبا مثل بولندا، وشجّع حكّام بولندا اليهود على الهجرة إليهم لتكثيف التّجارة والنّهوض بالنّظام الإقطاعيّ، لذلك نلاحظ الدّورة الاقتصاديّة نفسها قد انتقلت من وسط أوروبا أي فرنسا وإنجلترا إلى بولندا.

ومن الملاحظ أنّ التّجارة اليهوديّة قد اتّسمت بالتّجارة الرّبويّة، وهي ضرب من التّجارة الّتي قام عليها المجتمع الإقطاعي، عكس التّجارة المسيحيّة الّتي كان يمارسها التّاجر المسيحي المحلّي، فالتّاجر اليهودي لا يوفّر أمواله في الإنتاج ولا ينفق على صناعه الأقمشة، بل كان رأس ماله التّجاري وسيطا بين منتجات لا يسيطر عليها ولا ينتجها ولا يصنعها. بينما الرأسمالي المسيحي يقف عضوا أساسيّا في العمليّة الإنتاجيّة ذاتها، ويوظّف كلّ أمواله في شراء المواد الخام والإنتاج والصّناعة. إذ أنّ المواد الّتي كان ينتجها الرّأسمالي المسيحي، هي سلع تنتج بهدف بيعها داخل نظام اقتصادي مبني على البيع والشراء. وهذه هي العمليّة الإنتاجيّة الصّحيحة. ومن هنا يشير عبد الوهاب المسيري إلى تحوّل اليهود إلى جماعة وظيفيّة بلا وظيفة.

ومع ذلك، اهتزت مكانة اليهود المستقرّة في المجتمع الإقطاعي الثّابت بعد تحوّل المجتمع الغربي إلى الرّأسماليّة في القرن الخامس عشر ميلادي، ممّا أدّى إلى ظهور تحالفات تجاريّة مسيحيّة دوليّة مثل “العصبة الهانسيّة” في شمال ألمانيا، و “اتّحاد لندن” في بريطانيا، والأساطيل التّجاريّة القويّة التّابعة لجنوة والبندقيّة. وضعفت سيطرة اليهود على التّجارة الدّوليّة، ممّا أجبرهم على الانخراط في التّجارة الدّاخلية والقروض بفوائد. واتّخذ التّاريخ مجراه، واضمحلّ دور التّجار والمرابين اليهود، وظهرت طبقات التّجّار المسيحيّة، ونشأت المصارف المحليّة، وبذلك تحوّل أفراد الجالية اليهودية إلى مجموعات وظيفيّة دون وظائف، وأصبحت عبئا حقيقيّا لا دور لها.

3- الصّهيونيّة بين الإحلال والعمالة:

تسبّبت الثّورة الرّأسماليّة بصفة رياديّة في ظهور المسألة اليهوديّة، ويمكن أن نضيف هنا أنّ الثّورة الرّأسماليّة عبّرت عن نفسها في أشكال مختلفة، تتنوّع بتنوّع الظّروف الحضاريّة أو الاقتصاديّة أو الدّينية للظّاهرة الّتي تتأثّر بها الثّورة. وتركت الثّورة الرّأسماليّة أثرا عميقا في طبقة النّبلاء المسيحيّين وفي التّفكير الدّيني المسيحي وفي الفلّاحين المسيحيّين وفي أعضاء الجماعات اليهوديّة.

ويعتبر ظهور المسألة اليهوديّة سببا أساسا في نشأة الحلّ الصّهيوني، إذ ساهمت الثّورة الصّناعيّة الأوروبّيّة في السّيطرة المتزايدة على الموارد الطّبيعيّة، وأصبحت الثّورة الرّأسماليّة الطّاغية في العالم. وساهمت في تحوّل الإنتاج من المرحلة الاستهلاكيّة إلى المرحلة التّسويقيّة، وكثرت الاختراعات في ميدان الطّاقة، لتقوى الصّناعة وتنمو الإنتاجيّة. وولّد النّمط الإنتاجي رغبة استهلاكيّة في الأسواق العالميّة والمحلّيّة، وتكاثفت نسبة السّكّان الأوروبّيّين ما جعل من الدّول الأوروبّيّة تفكّر في اللّجوء إلى الاستعمار وتقوية الصّناعة من خلال الغزو الاقتصادي واستنزاف الثّروات الطّبيعيّة في الدّول المستضعفة في آسيا وشمال إفريقيا وإفريقيا الوسطى.

من أكبر الأزمات الّتي خلّفها انتقال المجتمع الغربي من الإقطاعيّة إلى الرّأسماليّة هي مشكلة الانفجار السّكّاني، ورأت أوروبّا في الاستعمار حلّا لهذه المشكلة. ونتيجة لذلك، تمّ نقل باقي سكّان أوروبا للاستقرار في آسيا وإفريقيا والأمريكيّتين، حيث أقاموا جيوبا استعماريّة، وكانت الجزائر وجنوب إفريقيا من أبرز الشّهود على استعمار المستوطنين الأوروبّيّين. والطّريقة نفسها، طردت فرنسا وإنجلترا الجاليات اليهوديّة في أوائل القرن السّابع عشر، وبقي عدد قليل منهم مختلطا ببقيّة السّكّان دون أي تمييز ثقافي أو مهني.

ولا يمكن أن نرى الحركة الصّهيونيّة خارج هذا المضمار الاستعماري الامبريالي، وقد مثّل حلم اليهود الرّجوع إلى أرض الميعاد حلما متجدّدا، إذ أنّ العرب في فلسطين كانوا لا يرفضون مجيء اليهود لأراضيهم الطّاهرة للصّلاة أو لأهداف دينيّة أخرى، ومن المعلوم “أنّ عدد اليهود في فلسطين في سنة 1814م لم يزد على 10,000 يهودي، وفي سنة 1914م، لم يزد عدد اليهود عن 35,000 يهودي من جمله 16 مليون يهودي في العالم، يعبرون في صلواتهم ثلاث مرّات عن رغبتهم في العودة إلى أورشليم، لكنّ الحلم الدّيني في العودة ظلّ ذا فعاليّة فرديّة، ولم ينجح في نقل اليهود والمسألة اليهوديّة إلى الشّرق، بل إنّ العودة الجماعيّة لم تكن مطروحة أساسا على المستوى الدّيني. فالدّين اليهودي في إحدى صوره يؤمن بأنّه في الوقت الّذي يحدّده الرّبّ وبطريقته، وعندما يصبح الإنسان مؤهّلا للتّحرّر المطلق، فسوف يعاد اليهودي إلى فلسطين. ولكن حلم العودة لن يتمّ على أيدي الأفراد، وإنّما على يد المشيح (أي المسيح المخلّص اليهودي)”.[7] وتقول الفكرة الصّهيونيّة بأنّ الشّخص اليهودي العائد إلى الأراضي الفلسطينيّة الطّاهرة لا يمكن أن يكون بغرض الصّلاة فقط، بل بغرض الاستيطان، وهذا ما توصي به الوصايا الرّبّانيّة. ويرى الغرب أنّ المسألة اليهوديّة لا يمكن أن تحلّ إلّا بعودة اليهود إلى آسيا وإفريقيا.

وتعتبر الصّهيونيّة حلّا استعماريّا للمسألة اليهوديّة، حيث طرحت عديد الحلول من خلال إعادة بناء كيان اليهود بعد الأزمة الّتي مرّوا بها، وتشتّت المجتمع الإقطاعي، فأصبحوا جماعات وظيفيّة بلا وظيفة. وبات لزاما، حسب الرّؤية اليهوديّة إعادة صياغة أنفسهم ليتواءموا مع المجتمع التّجاري الصّناعي الرّأسمالي الأوروبّي الجديد.

تهدف الصّهيونيّة إلى إعادة تحديث اليهود، ومثّل الاستعمار الأوروبّي للدّول المستضعفة والمسألة اليهوديّة، الحلّ والوسيلة لإعادة تركيز جذور اليهود ومدّها. وبالتّالي، فإنّ المسألة اليهوديّة صدرت من أوروبا، ولم تقم بريطانيا وطن يهودي، بل كان التّفكير أساسا في الدّول الاستعماريّة في الغرب الإسلامي وشمال إفريقيا وآسيا. وفي نهاية المشروع الاستعماري، اتُّخذت فلسطين ضحيّة فعليّة لترسيخ الجنس اليهودي حيث كانت الصّهيونيّة ممثّلة في الحلّ الاستعماري للمسألة اليهوديّة. لذلك بات وجوبا، تحويل المهاجرين اليهود الفائضين إلى بلد آمن يعيشون فيه، لأنّهم يمثّلون عبئا على المواطنين في دول أوروبا. لذلك تفكّر الحركة الصّهيونيّة في إعادة توزيع اليهود في كلّ أنحاء العالم، لحلّ المشكلة اليهوديّة، لكن في كبد المشكلة فإنّ الدّول الأوروبيّة ترفض هجرة اليهود الجماعيّة إليها، لذلك كانت الهجرة من بريطانيا نحو إفريقيا وآسيا. وفي خفايا هذه الهجرة، تستقرّ الفكرة الاستعماريّة، ووُلد مشروع استعماري للدّول المستضعفة، لاستنزاف ثرواتها، واستبعادها. ومن ثمّ، فإنّ التّصوّر الصّهيوني، يحمل داخل جوهره نزعة استعماريّة، وهي نفسها عند بريطانيا. وستكون إمبراطوريّة بريطانيا مصغّرة أو إنجلترا الصّغرى. وتتلخّص بذلك الرّؤية الصّهيونيّة، وحلّ المسألة اليهوديّة، بأن تكون الصّهيونيّة تحمل في ذاتها مستعمرات ومستوطنات، ويحلّ محلّ أحد الشّعوب الشّرقيّة ويرتكز الفائض اليهودي من الدّول الغربيّة في الدّول العربيّة والشّرقيّة المستضعفة. و”الاستعمار الصّهيوني هو إفراز للتّشكيل الاستعماري الغربي، ولكن إفرازات هذا التّشكيل متنوّعة فهو استعمار إحلالي ليس له ديناميّة مستقلّة عن الدّولة العظمى الّتي تتبنّاه. ولعلّ هاتين السّمتين إحلاليّته وعمالته هما السّمتان الأساسيّتان للاستعمار الاستيطاني الصّهيوني”[8].

يسعى الاستعمار إلى تبديد الثّقافات والاستيلاء على الخصوصيّات، ومن ذلك، فإنّ الدّولة الغازية بجيوشها تحتّل بلدا ما لتحويل سكّانه ومواطنيه إلى عبيد مسلوبي الحرّيّة والحقوق. وتستولي على موارده الطّبيعيّة وثرواته وتحويلها إلى سوق سلع فائضة. وتستفيد من تاريخيّته وجغرافيّته. إذ يصاحب هذا النّوع من الاستعمار عدّة تشوّهات تساهم في طمس الثّقافات والهويّات، والقضاء عليها. وبالتّالي، يمارس الاستعمار جبروتا وغطرسة تحدّ من تطوّر ذاك المجتمع المستعمَر، ويسيطر على مصيرهم. بينما الحركة الصّهيونيّة المستوطنة، الّتي اتّخذت من فلسطين الطّاهرة مستقرّا، لها حيث ألقى المستوطنون اليهود بمؤسّساتهم الاجتماعيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة بظلالها على السّكّان الأصليّين، فقد سعوا إلى تحويل الفلسطينيّين إلى عبيد، وساهموا في هجرتهم من قراهم ومخيّماتهم، وتذبذب الهرم الاجتماعي للبلد المستوطَن، فنجد تشتّت أفراد العائلة من جرّاء الغزو الاستيطاني والحروب والاستبداد والاستعباد والاستبعاد، فينتج عن هذا البناء الاجتماعي تشوّه كامل.

ومن الملاحظ، أنّ الغزو الصّهيوني للفلسطينيّين لا يمكن أن يدخل ضمن الاستعمار، لأنّ المستعمِر يسعى إلى تجديد البُنى التّحتيّة وتشييد المباني والمصحّات والمستشفيات والمؤسّسات التّربويّة والمصرفيّة والثّقافيّة، وهنا نتحدّث عن استعمار حتّى وإن كان في باطنه استنزاف للثّروات الطّبيعيّة للمستعمَر، إلّا أنّ في ظاهره تعمير لأراضي المستعمَر، لكنّ الفكر الاستعماري يحمل الدّمار أكثر من البناء، وخاصّة على المستوى الدّيموغرافي الّذي مسّ الدّول المستعمَرة في الغرب الإسلامي وشمال إفريقيا وآسيا في سكّانهم، وإبادتهم واعتبارهم عبيدا. ونرجع للحديث عن الحركة الصّهيونيّة، وما حدث في فلسطين، حيث لم تكن بوادر الاستعمار في فلسطين بل كانت هناك إبادة للفلسطينيّين وتحويلهم إلى عبيد، وقامت الصّهيونيّة بمحاولة القضاء الكلّي على الشّعب الفلسطيني بالاستيلاء على الأساس المادّي الّذي يستند إليه المجتمع الفلسطيني، وحلّ المستوطنون الصّهاينة محلّ الفلسطينيّين السّكان الأصليّين الّذين شُرّدوا من ديارهم. فنلاحظ المذابح والمجازر الّتي ارتكبها الصّهاينة في حقّ الشّعب الفلسطيني، وهذا لا ينمّ إلّا عن فكر يشجّع على الإبادة الفلسطينيّة، لأنّ الاستعمار فقد شروطه، حيث سمّى عبد الوهاب المسيري هذا النّوع من الاستعمار ب”الاستعمار الاستيطاني الإحلالي”(الاستعمار الاستيطاني الإحلالي أو المبني على الأبارتهايد – أي التّفرقة اللّونيّة هو انتقال كتلة بشريّة من مكانها وزمانها إلى مكان وزمان آخرين، حيث تقوم الكتلة الواحدة بإبادة السّكّان الأصليّين أو طردهم أو استعبادهم، أو خليط من كلّ هذه الأمور كما حدث في أمريكا الشّماليّة وفي فلسطين. ومهما بلغ الإنسان من وحشيّة وحياد، فهو لا يستطيع القيام بمثل هذه الأفعال إلّا إذا كان هناك مبرّر)”[9] وهو أكثر أنواع الاستعمار شراسة وضراوة.

ومن ثمّ، فإنّ الصّهاينة يدركون الطّبيعة الاستعماريّة الاستيطانيّة الإحلاليّة لمشروعهم، تحت شعار -شعب بلا أرض لأرض بلا شعب-. ويسعى المشروع الصّهيوني إلى إبادة العرب الفلسطينيّين من خلال التّقتيل والقصف بالقنابل والإعدام والأسر في السّجون، ونقل الفلسطينيّين وتوطينهم في بلدان أخرى من خلال تضيق الخناق عليهم ليستطيع الصّهاينة تحويل الأرض الفلسطينيّة إلى وطن قوم اليهود. وحسب الرّؤية الصّهيونيّة فإنّ فلسطين، لا تحمل مكانا للشّعبين العربي واليهودي الصّهيوني، لأنّ من أهداف الصّهيونيّة، هو مدّ جذور الشّعب اليهودي المهاجر من الدّول الأوروبيّة إلى داخل فلسطين، خال من العرب. وبات وجوبا، حسب المشروع الصّهيوني الإحلالي، نقل العرب من فلسطين إلى دول مجاورة. ومن ثمّ، تستطيع الدّولة الصّهيونيّة استيعاب الملايين من اليهود المهاجرين، حيث كان هناك اتّفاق كلّي من طرف الأطراف السّياسيّة الصّهيونيّة على إحلاليّة الاستعمار الصّهيوني رغم اختلاف اتّجاهات القادة السّياسيّين الصّهيونيّين.

ومن المعلوم أنّ الاستعمار الصّهيوني، تميّز بخاصّيّة الإحلال، أمّا الخاصّيّة الثّانية فهي خاصّيّة العمالة. إذ أنّ المشروع الصّهيوني لم يكن في البداية في حيّز الّتنفيذ باعتبار الثّورة الرّأسماليّة الّتي جعلت من العوالم عالما واحدا وسوقا واحدا. وجعل النّظام الرّأسمالي الجماعات اليهوديّة تنتقل من أوروبا ليستوطنوا في دولة أخرى، ولا يمكن أن يتحقّق الاستيطان إلّا بوجود قوّة سياسيّة وعسكريّة تضمن حقوق المستوطنين الصّهيونيّين. وهذه القوّة هي القوّة البريطانيّة، الّتي ساعدت في بلورة وعد بلفور القاضي باقتطاع أراضي من آسيا أو إفريقيا، وتكون أرضا للمستوطنين، ثمّ، تمدّهم بالسّلاح والقوّات العسكريّة لإبادة السّكّان الأصليّين، و”لعلّ عمالة الاستعمار الصّهيوني تظهر أكثر ما تظهر في بحثه الدّائب في المراحل الأولى عن قوّة إمبرياليّة ترعاه، فقد تفاوض هرتزل مع العثمانيّين ثمّ مع الألمان والرّوس ومع الفرنسيّين وأخيرا مع الإنجليز الّذين أدركوا الإمكانيّات الاستعماريّة الكامنة في المشروع الصّهيوني. وقد كلّلت هذه المساعي بالنّجاح بعد موت هرتزل بصدور وعد بلفور وقد أصبحت لندن بعد ذلك هي مقرّ القيادة الصّهيونية”[10].

ومن ثمّ، فإنّ الصّهيونيّة تدعّم بصفة مباشرة النّفوذ البريطانيّة، وهي بمثابة مستعمرة جديدة لصالح بريطانيا، لأنّها تحت وصايتها. ويؤمن عبد الوهّاب المسيري بإحلاليّة الاستعمار الاستيطاني الظّاهرة في صهيونيّته، وتتجلّى في الحركة الصّهيونيّة. كما أنّ عمالته –أي الاستعمار الاستيطاني- ترتبط بشكل وثيق بالصّهيونيّة، لذلك لاحظنا الارتباط الوطيد بين الاستعمار الصّهيوني والاستعمار البريطاني. وأضحت الرّؤية الصّهيونيّة الاستعماريّة رؤية واقعيّة في الرّاهن، وهذا ما نشهده الآن، من توغّل الصّهيونيّة وامتدادها على الأراضي الفلسطينيّة. وقد لاقت دعما من أمريكا وبريطانيا، ونرى هذا التّحالف والتّطبيع من جانب الدّول العربيّة كالإمارات والمغرب والسّودان.

4- الصّهيونيّة آليّة نفوذ الدّول الغربيّة من خلال صور مجازيّة:

يمثّل المستوطنون الصّهاينة خدمة عسكريّة جاهزة، ومجموعة من المرتزقة، وأحد المماليك، فهم وسيلة وأداة استحوذوا على مكان نزعوا عنه قدسيّته، واعتُبروا وسيلة منعزلة عن المحيط الحضاري الشّرقي، والمقصود هنا الأراضي الطّاهرة الفلسطينيّة. حيث كان الصّهاينة أداة وحائطا وحاجزا ودرعا لأوروبّا وللحضارة الغربيّة. وامتزجت الغايات الغربيّة بالحضارة الشّرقيّة. ومن ثمّ، استقرّ الصّهاينة في فلسطين، حيث انقسمت دولة فلسطين بالغصب، وأحدثت ما يسمّى بإسرائيل. مع الملاحظ أنّها تعني في اللّغة العبريّة الأرض والشّعب، ولكن في الحقيقة يوجد شعب دون أرض، ويوجد مجتمع اغتصب الأرض بالقوّة ونسّبها إلى نفسه، وقد ورد مقال في سبتمبر سنة 1951م، في جريدة هآرتس يحمل “-عنوان “_نحن وعاهرة الموانئ_” جاء فيه أنّ إسرائيل تمّ تعيينها لتقوم بدور الحارس الّذي يمكن الاعتماد عليه في معاقبة دولة واحدة أو أكثر من جيرانها العرب الّذين قد يتجاوز سلوكهم تّجاه الغرب الحدود المسموح بها”.[11] وبالتّالي شبّه عبد الوهّاب المسيري إسرائيل بحارس أجير يشبه العاهرة، فالذّات الصّهيونيّة الإسرائيليّة ما هي إلّا أداة استعملها الغرب ولا يزال، لدخول الدّول المستضعفة واستنزاف ثرواتها تحت غطاء الاستعمار. وتُوجد وثائق في وزارة الخارجيّة البريطانيّة في سنة 1956م، تخصّ حرب السّويس وأثناء المداولات السّرّيّة، بين إنجلترا والصّهاينة، اتّفقا على العدوان على مصر من خلال هجوم إسرائيل عليها، ومن بعد، تقوم إنجلترا أو فرنسا بالتّدخّل لحدّ النّزاع حول قناة السّويس بين الطّرف الصّهيوني والمصري. ومن ثمّ، يُتبيّن للرّأي العامّ أنّ فرنسا وإنجلترا، قد تدّخلتا بغرض حلّ السّلام لا بغرض الاستعمار الإنجليزي والفرنسي. لأنّها في الظّاهر عمليّة محايدة، ولكنّها في الدّاخل أسلوب سياسي خبيث. ولعبت فرنسا وإنجلترا دورا أساسا في ضمان حقوق إسرائيل وأمنها، ومثّلا الدّاعميْن العسكريّيْن والسّياسيّيْن لها.

يبدو أنّ السّلطات البريطانيّة في هذه المفاوضات السّرّيّة قد بالغت بعض الشّيء، وطالبت من قوّاتها أن تلحق بعض الخسائر الطّفيفة والحقيقيّة بالقوّات الإسرائيليّة الرّافضة للانسحاب وتباطئها فيه. حتّى تحظى العمليّة بالجدّيّة. وهنا ثمّة استخدام لصورة مجازيّة لوصف علاقة إسرائيل بالغرب، و”إنجلترا تشبه النبيل الإقطاعي الّذي يرغب في معاشرة إحدى الخادمات جنسيّا على أن يتمّ ذلك في الخفاء وحسب، أي في المطبخ مثلا لا في حجرة النّوم، ومن الواضح أن بنجوريون لم يرفض الدّور الاستراتيجي الموكل إليه (الخادمة الحسناء)، ولكنّه كان يطمع في أن يتمّ اللّقاء بين الخادمة والسّيّد في مكان لائق (الحديقة أو غرفة النّوم على سبيل المثال)، يتّفق ومكانة الشّعب اليهودي وكرامة دولته اليهوديّة”[12].

تلعب الصّهيونيّة أداة وآليّة في خدمة المصالح الإستراتيجيّة الغربيّة، ولا تستمدّ قوّاتها ونجاحها من ذاتها بل تعود قوّتها بسبب اتّفاق مصالحها مع المطامح الغربيّة. وهذا يتباين مع الخطاب التّحليلي العربي السّائد القائل بأنّ الصّهاينة يستمدّون قوّتهم من ذواتهم، وما الغرب إلّا قوّة تدعّم النّفوذ الصّهيوني. وهنا يوضّح عبد الوهّاب المسيري هذه الأطروحة الشّائعة في ذهن العربي ويدحضها، لذلك أورد بعض الشّواهد والقرائن التّاريخيّة والحديثة ومنها أنّ نابليون بونابرت (1769-1821 م) أوّل من دعا إلى إقامة دولة يهوديّة في فلسطين في العصر الحديث، كما كان أوّل غربي يغزو الشّرق العربي في العصر الحديث. وجدير بالذّكر أنّ نابليون كان معاديا لليهود، ومن المستحيل الحديث عن وجود يهود أقوياء أو ضعفاء أو لوبي صهيوني عندما أطلق نابليون دعوته. إضافة إلى أنّ عديد السّياسيّين في الغرب هم من الكارهين لليهود، وخاصّة بلفور (1848-1930م) الّذي سنّ قانون الأجانب عام 1905م، لمنع اليهود من دخول بريطانيا، وشكّل اليهود عبئا على الحضارة الغربيّة، لكنّ بلفور وجد أنّ بريطانيا ستكسب ميزة إستراتيجيّة إذا أقامت دولة صهيونيّة.

مثّل صدور وعد بلفور أهمّ حدث في تاريخ الصّهيونيّة، وعلى هذا النّحو، فإنّه يوفّر فرصة نادرة لاختبار نماذج الضّغط اليهوديّة والصّهيونيّة. ولهذه الغاية، وازن المسيري بين قوّة الجاليتين اليهوديّتين في ألمانيا وبريطانيا، ومن المعروف أنّ اليهود في ألمانيا، قبل الحرب العالميّة الأولى، كانوا أقوياء ويشغلون مناصب حكوميّة مهمّة، والبنوك الأكثر أهمّيّة جميعها مملوكة لبعض أفراد الشّعب اليهودي والجاليات الألمانيّة. كما أنّ اليهود منتشرون في وسائل الإعلام وبين قادة الأحزاب السّياسية، ومن بينهم عديد الكتّاب والفنّانين، ومعدّلات اندماجهم مرتفعة. وهذا سهّل عليهم التنقّل في المجتمع الألماني. وكانت الحركة الصّهيونيّة حتّى ذلك الحين حركة ألمانيّة في توجّهها الثّقافي، لذلك كانت لغة المؤتمر الصّهيوني هي الألمانيّة، وكانت برلين مقرّ المنظّمة الصّهيونيّة العالميّة. وكان الصّهاينة مستعدّين لجعل برنامجهم الصّهيوني جزءا من برنامج الاستعمار الألماني. وفي المقابل، كان لدى بريطانيا مجتمع يهودي صغير لم يكن لديه القوّة الاقتصاديّة أو الثّقافيّة للمجتمع اليهودي الألماني، ومع ذلك، فإنّ الصّهاينة في بريطانيا، على الرّغم من ضعفهم وعزلتهم، تمكّنوا من تأمين وعد بلفور.

ويرى المسيري أنّه من المستحيل العودة إلى الصّور الإعلاميّة أو إلى الحركة الصّهيونيّة ونماذج تفسيريّة مماثلة. بدلا من ذلك، يجب العودة إلى العلاقة بين المصالح الإستراتيجيّة للإمبرياليّة البريطانيّة والمصالح الإستراتيجيّة للإمبرياليّة الألمانيّة. أمّا الإمبرياليّة الألمانيّة فكانت متحالفة مع الإمبراطوريّة العثمانيّة، ولم يكن هناك مجال لأيّة وعود للصّهاينة على حساب الدّولة. لكن حالة الإمبرياليّة البريطانيّة مختلفة، فقد استمرّ تحالفها مع الإمبراطوريّة العثمانيّة حتى اندلاع الحرب، وفي ذلك الوقت صدر وعد بلفور البريطاني، وكان متعلّقا بمشروع شرق إفريقيا، حيث كان وعدا بقطعة أرض خارج الدّولة العثمانيّة. ولكن بعد أن قرّر الإمبرياليّون البريطانيّون تقسيم الإمبراطوريّة العثمانيّة، أصبح من الممكن إصدار وعد بلفور للصّهاينة بدلا من البريطانيّين. واضطرّت بريطانيا إلى قطع العلاقات مع المنظّمات الّتي كانت تحت النّفوذ الألماني في ذلك الوقت، وهذه المرة كان الوعد بقطعة أرض داخل الإمبراطورية العثمانيّة.

درس عبد الوهاب المسيري العلاقة بين الحضارة الغربيّة والحركة الصّهيونيّة خاصّة من خلال المستوطنات الّتي استوطنها هؤلاء في جنوب إفريقيا وشمالها وفي فلسطين. إذ تبيّن أنّ إسرائيل ظاهرة استعماريّة استيطانيّة مثلها مثل الدّول الغربيّة، الّذين أقاموا مستوطنات في جنوب إفريقيا. وبالتّالي، فإنّ هدف المستوطنين الأوروبّيّين والصّهاينة واحد، وهو محاولة الغرب الصّناعي في امتداد جذوره، ونشر احتكاره لدول العالم لبسط نفوذه وامتداد قوّته، وخاصّة حلّ مشكلة الفائض الدّيموغرافي البشري، عن طريق تصدير أوروبّا للجنس اليهودي، حيث يرى المستوطن الغربي أنّ حلّ المسألة اليهوديّة من خلال تصدير اليهود للشّرق، وسرقة الأراضي العربيّة من الفلسطينيّين مثل ما تسرق المواد العضويّة والأوّليّة والثّروات الطّبيعيّة من بقيّة الدّول المستضعفة عربيّة كانت أو غيرها. إذ حصل الاستيلاء والاحتلال نفسه في جنوب إفريقيا، حيث تمّ “تصدير قطاعات من الطّبقة العاملة الهولنديّة ثمّ البريطانيّة ثمّ الغربيّة المتعطّلة. وسُرقت الأراضي من الأفارقة لتوطينهم فيها وكان هذا هو الإطار الّذي تمّ من خلال حلّ مسألة أوروبا اليهوديّة: تصديرها إلى العالم العربي وتأسيس دولة وظيفيّة استيطانيّة إحلاليّة بحيث تقوم الجماعة الوظيفيّة اليهوديّة الّتي فقدت وظيفتها بوظيفة جديدة، القتال دفاعا عن المصالح الغربيّة بدلا من التّجارة والرّبا”[13].

استعمل عبد الوهاب المسيري، صورة مجازيّة تصف إسرائيل بكلب حراسة، حيث ورد في صحيفة لوموند في تاريخ 8 مارس 1974م، بأنّ إسرائيل عميل لأمريكا في الشّرق الأوسط، وتعتبر الحركة الصّهيونيّة كلاب حراسة المصالح الأمريكيّة في الشّرق الأوسط. ويبقى بقاء الإسرائيليّين في فلسطين بمدى قدرتهم على القيام بالوظيفة الموكولة إليهم من طرف أمريكا. وعلّق الصّحفي الإسرائيلي عاموز كنان على هذه الصّورة المجازيّة بأنّ إسرائيل عبارة عن كلب حراسة رأسه في واشنطن وذيله في القدس وهو كلب حراسة قوي، ولكنّه يستحقّ الحماية، أي أنّ إسرائيل قويّة، ولكنّها في حماية الدّول الغربيّة. وتعتبر الصّهيونيّة حركة وظيفيّة تقوم بوظيفة موكولة إليها، حيث يستخدم العرب وصف إسرائيل بكونها مخلب القطّ، ومن ثمّ، فإنّ الصّور المجازيّة التّعبيريّة الّتي اتُّصفت بها الصّهيونيّة كونها “الحارس والعاهرة والخادمة الحسناء المطيعة، وكلب حراسة، ومخلب القطّ، سواء أقابلناها لجدّتها أم رفضناها لحدّتها تؤكّد أنّ أهمّيّة إسرائيل من وجهتي النّظر الغربيّة والصّهيونيّة، لا تكمن في عائدها الاقتصادي، وإنّما في دورها الاستراتيجي، إذ أنّ كلّ الصّور المجازيّة تفترض وجود دوري يؤدّى وثمن يدفع، لا عائد اقتصادي يحصّل”[14].

ومن ثمّ، فإنّ الصّور المجازيّة تتغيّر حسب الخطّة الوظيفيّة المناطة بعهدة الصّهاينة. إذ أنّ في القرن 20 وبعد تفجّر الثّورة التّكنولوجيّة، اتّضح أنّ الصّهيونيّة لا تمتلك نفوذا ولا تمثّل قاعدة ومنطقة قوّة، بل هي حاملة لطائرات أمريكيّة، أي هي تمثّل قاعدة حربيّة وحاملة سلاح بالنّسبة إلى أمريكا في الشّرق الأوسط. وتدعّم أمريكا الصّهاينة بالسّلاح لأنّهم يريدون أن تكون لهم دولة في الشّرق الأوسط، مجهّزة بأفضل الأسلحة والجنود. وهذه المنطقة هي إسرائيل، وهي حاملة الطّائرات وتمثّل موقع استراتيجي عسكري، وقاعدة حربيّة في موقع استراتيجي قريب من الاتّحاد السّوفياتي ومن أوروبّا الشّرقيّة، ومن حقول النّفط بالنّسبة إلى أمريكا. بالتّالي، تعتبر إسرائيل أداة تستخدم، تحمل فوق أرض فلسطين 4 ملايين مقاتل إسرائيلي في خدمة أمريكا. وبالتّالي فهي حركة عميلة، توجد في منطقة حدوديّة قريبة من الاتّحاد السّوفياتي سابقا، وأوروبّا الشّرقيّة، وحقول النّفط وليس لها عائدات اقتصاديّة مباشرة تتقاسمها معيّة أمريكا. وتعمد “أمريكا على إسرائيل في كثير من الأمور الأمنيّة وحاجتها إليها كقاعدة عسكريّة وحاملة طائرات، يجعلها توسّع رقعة حركة المنظّمات الصّهيونيّة حتّى تقوم بعمليّة تعبئة الرّأي العامّ الأمريكي، ليساند الولايات المتّحدة في دعمها الدّائم والمستمرّ للكيان الصّهيوني، بما يتضمّنه ذلك من دعم مالي قد يبدو باهظا من منظور الإنسان العادي ولكنّه استثمار إستراتيجي جيّد من منظور المؤسّسة الحاكمة، الأمر الّذي يتطلّب عمليّة قوميّة سياسيّة تقوم بها المنظّمات الصّهيونية على أكمل وجه”[15].

5- خاتمة:

تميّز اليهود بمساهمتهم الفعّالة في الاقتصاد والتّجارة في العالم الغربي، وخاصّة في النّظام الإقطاعي. إذ مثّلوا الفئة الكبرى الحاملة للتّجّار، إلّا أنّ تحوّل النّظام التّجاري في الغرب من نظام إقطاعي إلى نظام رأسمالي، أثّر سلبا في مكانة اليهود وتجارتهم، وعرف هذا التّحوّل بالمسألة اليهوديّة.

إضافة إلى هذا، نشأت طبقة التّجّار المحلّيّين والبنوك المحلّيّة، ومثّلت حاجزا أمام التّاجر اليهودي والمُرْبي منه. ممّا أثّر في ضعف الجماعات اليهوديّة، وبدؤوا يفقدون وظيفتهم الأساسيّة في المجتمع الإقطاعي، حيث وجدوا أنفسهم صلب المجتمع الهامشي وأصبحوا يمثّلون عبئا حقيقيّا داخل المجتمع.

وشهد القرن التّاسع عشر ميلادي اضطهاد الأقلّيّة اليهوديّة في أوروبّا، ممّا أجبر معظمهم على تغيير مكان إقامتهم واضطرّوا إلى إيجاد مكان اجتماعي جديد لأنفسهم في العالم. ونادت منظّمات اجتماعيّة مختلفة بتحديث الدّين اليهودي ومفاهيمه وتقاليده، وازدهرت دراسة التّراث العبري. وكانت هناك حملات فكريّة تدعو إلى إعادة تأسيس الشّعب اليهودي في وطنه التّاريخي حتّى بلوغ سنة 1897م الّتي شهدت ولادة الحركة الصّهيونيّة وعملها الفعّال. واستمرّ الشّتات اليهودي في جميع أنحاء العالم حتى إنشاء إسرائيل في فلسطين عام 1948م.

ولم يعتمد يهود إسرائيل على الدّعم البريطاني فحسب، بل حاولوا أيضا استخدام النّفوذ الأمريكي، وتعتبر إسرائيل لعبة تتحكّم فيها الدّول الغربيّة، ومنها أمريكا، وهي مجرّد آليّة يمكن الاستغناء عنها في أيّ وقت، فهي ليست أداة عضويّة وثابتة، بل هي أداة متناهية تخدم مصالح الدّول الغربيّة. وتؤكّد الصّورة المجازيّة الّتي اعتمدها عبد الوهّاب المسيري حركيّة هذه الدّولة النّافعة الثّمينة، وإمكانيّة نقل جنودها من مكان حدودي إلى مكان حدودي آخر، ولكنّ الصّورة المجازيّة تظهر في الوقت نفسه أنّه يمكن الاستغناء عنها، فالأجزاء الآليّة الحركيّة ليست عضويّة ولا ثابتة.

ويؤكّد الصّهاينة على اكتساب حقوقهم في فلسطين باعتبارها أرض الميعاد ليتخلّصوا من اضطهادهم من قبل الأوروبّيّين. ولكنّ العرب في فلسطين هم الضّحايا، وهذا غير منطقي، فإذا أرادت أوروبّا أن تعوّض عن أخطائها ضدّ اليهود، فمن الأفضل أن تتخلّى عن بعض من أراضيها لصالح اليهود، وإذا أراد اليهود الانتقام أوّلا وقبل كلّ شيء انتقموا من الغرب لا العرب.

المصادر والمراجع:

  • زيادة، معن، الموسوعة الفلسفيّة العربيّة، معهد الإنماء العربي، ط1، 1988م، مج2.
  • سعيد، جلال الدّين، معجم المصطلحات والشّواهد الفلسفيّة، دار الجنوب للنشر، تونس، دط، 2004م.
  • عبد الوهّاب المسيري، الصّهيونيّة والحضارة الغربيّة، دار الهلال، فلسطين، 1951م.
  • عبد الوهّاب المسيري، اللّغة والمجاز بين التّوحيد ووحدة الوجود، دار الشّروق، القاهرة، ط1، 2002م.
  • عبد الوهّاب المسيري، اليد الخفيّة دراسات في الحركات اليهوديّة الهدّامة والسّرّيّة، دار الشّروق، القاهرة، ط2، 2001م.

[1]– زيادة، معن، الموسوعة الفلسفيّة العربيّة، معهد الإنماء العربي، ط1، 1988م، مج2، ص813.

[2]– عبد الوهّاب المسيري، اليد الخفيّة دراسات في الحركات اليهوديّة الهدّامة والسّرّيّة، دار الشّروق، القاهرة، ط2، 2001م، ص06.

[3]– سعيد، جلال الدّين، معجم المصطلحات والشّواهد الفلسفيّة، دار الجنوب للنشر، تونس، دط، 2004م، ص215.

[4]– عبد الوهّاب المسيري، الصّهيونيّة والحضارة الغربيّة، دار الهلال، فلسطين، 1951م، ص12-13.

[5]– المرجع نفسه، ص15-16.

[6]– المرجع نفسه، ص19.

[7]– المرجع نفسه، ص24.

[8]  المرجع نفسه، ص33.

[9]– عبد الوهّاب المسيري، اللّغة والمجاز بين التّوحيد ووحدة الوجود، دار الشّروق، القاهرة، ط1، 2002م، ص99.

[10]– عبد الوهّاب المسيري، الصّهيونيّة والحضارة الغربيّة، مرجع سابق، ص40.

[11]– عبد الوهّاب المسيري، اللّغة والمجاز بين التّوحيد ووحدة الوجود، مرجع سابق، ص96.

[12]– المرجع نفسه، ص97.

[13]– عبد الوهّاب المسيري، الصّهيونيّة والحضارة الغربيّة، مرجع سابق، ص396-397.

[14]– عبد الوهّاب المسيري، اللّغة والمجاز بين التّوحيد ووحدة الوجود، مرجع سابق، ص97-98.

[15]– عبد الوهّاب المسيري، اليد الخفيّة دراسات في الحركات اليهوديّة الهدّامة والسّرّيّة، مرجع سابق، ص269.

مقالات أخرى

أيّ نموذج إيتيقي للإنسانيّة المعاصرة

معطّلات الفهم في الشعر العربي المعاصر

شعريّة اللّباس

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد